(اديب ومحدث)
العباس بن بكار الضبي البصري
الاستاذ أحمد وادي الموسوي



  تحوي مصادر التُراث الإسلامي الجمَّ الكثيرَ من الأحداث المدوّنة عن تأريخ مدينة البصرة في العصر الإسلامي، ومعلومات هذه المصادر تتحدّث عن الكثير من سير الرجال الذين نحن بحاجةٍ إلى التعريف بهم وإبراز أعمالهم وأدوارهم ، لأنَّهم أشخاصٌ مجهولٌ حالهم، لم تُسلّط الأضواء على حياتهم وشؤونهم المُختلفة، ومن هؤلاء الرجال عُلماء شيعة البصرة الموالين لأهل بيت النبوة عليهم الصلاة والسلام، الذين شربوا من ماء الولاية الصافي، وتغذّوا بحبِّ أهل بيت النبي صلوات الله وسلامه عليهم، والذين رووا لنا أخبار أهل البيت عليهم السلام وتحدّثوا عن شؤون حياتهم، والأحاديث الدّالة على سبقهم وتفضيلهم على سائر البشر، ومع هذا أغفلتْ أغلب كُتب التراجم وغيرها الإشارة إليهم والتنويه بدورهم في نقل أخبار أهل بيت الرسالة عليهم السلام، ولا شكَّ أنّ ترك هذه المصادر ذكرهم قد جاء لعدّة أسباب منها مقصودة وأخرى غير مقصودة.
  لقد كان في هؤلاء العلماء البصريّين المؤرّخُ والأديبُ والمحدّثُ والمفسّرُ للقرآن الكريم، وهم كثرٌ، ومن ضمنهم شخصية أبي الوليد العباس بن بكار الضبي ذلك المؤرخ الشيعي المحب والموالي لأهل بيت النبوة صلوات الله وسلامه عليهم.
  ونحن هنا سنحاول تسليط الضوء بإيجاز على سيرة ومرويات العباس بن بكار الضبي، ، ذلك الرّاوي والمؤرّخ المجهول الحال عند الكثيرين، الذي عاش في القرنين الثاني والثالث من الهجرة، ولم تمدَّنا المصادر بأيِّ معلومات عن سِيرته الشخصيّة سوى إشاراتٍ عن اسمِه وموقف علماء الجرح والتعديل من العامّة القاسيّ بحقّه.
  هو أبو الوليد العبّاس بن الوليد بن بكّار بن الوليد الضبّيّ البصريّ، ينتسب لقبيلة ضَبّة بن أُدّ، وهم بنو ضبَّة بن أُدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وهم بطنٌ من قبيلة طابخة من القبائل العدنانيِّة كانوا يُعدّون من جمرات العرب الثلاث وقد نزلوا في جوار بني تميم إخوتهم بالناحية الشماليَّة التهاميَّة من نجد وفي بادية البصرة، ثم انتقلوا بعد ظهور الإسلام إلى العراق بجهة النعمانيَّة، وكذلك في البصرة، ولقبيلة ابن بكّار أيّامٌ مشهورةٌ في الجاهليَّة، ولها دورٌ في الفتوحات الإسلاميَّة التي جرتْ في العراق.
  ولد ابن بكّار في البصرة سنة 129 هـ/ 746 م ونشأ فيها، وتوفّي بها في سنة 222 هـ/ 837 م عن سنٍّ قارب الثلاث وتسعين سنة.
  ومن المسائل التي نريد طرق بابها في دراسة شخصية ابن بكَّار الضبيِّ هي مسألة المذهب الدينيّ الذي يعتنقه، وأثر اعتناق هذا المذهب على موقف علماء الجرح والتعديل وخاصة من أبناء العامَّة تِجاهه وتجاه مروياته.
  في هذا المجال وردتنا إشاراتٌ تلمح لانتماء ابن بكّار للمذهب الزيدي، ولكنَّها غير كافية ووردتْ في مصادر متأخرة زمنياً، وتعدُّ مجهوليَّة شخصيَّة ابن بكّار البصريّ وعدم بيان حاله لدى علماء الرجال وغيرهم من الأسباب التي أدَّتْ إلى عدم تسليط الضوء على حياته ومنها مسألة مذهبه.
  على أي حال تنقسم أقوال علماء الجرح والتعديل وغيرهم بحق ابن بكَّار ومروياته إلى قسمين :
  القسم الأول : يمثله موقف علماء الرجال من أبناء العامَّة، وهو موقف متناقض ينطلق بعض القائلين به من الزَّاوية الطائفيّة.
  القسم الثاني : موقف علماء الشِّيعة منه، حيث لم يترجم له أغلب علماء الرجال الشِّيعة، وهناك مؤلفون آخرون ترجموا له متحدثين عن رواياته في كتب علماء الإمامية السابقين كالشيخ الصدوق والشيخ الطوسيِّ اعلى الله مقامهم ، وغيرهم وقال عنه أحدهم أنَّه لا بأس به، وهو حسب فهمنا القاصر مجهولٌ أو مهملُ الحال عند أكثرهم.
  من جانب آخر فأن للعباس بن بكار شيوخ وتلاميذ سمع وأخذ منهم وبالعكس تجاوز عددهم الثمانين شيخ وتلميذ، ونسب له كتابان كانا في عِداد المخطوطات، ثم جرى تحقيقهما في القرن الماضي وهما (أخبار الوافدين من الرجال من أهل البصرة والكوفة على معاوية بن أبي سفيان) ، و (أخبار الوافدات من النساء على معاوية بن أبي سفيان).
  يضم هذان الكتابان أخباراً عن رجالٍ ونساءٍ وفدوا على معاوية أو استدعاهم أو التقى بهم صُدْفَة من مختلف المدن الإسلامية، ولكن أغلبهم من البصرة والكوفة ولهذا جاءت تسمية الكتابين لتراعي أخبار الذين التقاهم معاوية من هذين المدينتين، وهؤلاء الرجال والنساء ممن شارك مع أمير المؤمنين عليه السلام ضِدَّ معاوية بن أبي سفيان في واقعة صفين.
  وأما مروياته فلديه الكثير من المرويات يُصنَّفُ أغلبها في أخبار أهل بيت النبوة عليهم الصلاة والسلام وأحاديثهم وما يخصهم، وهناك أحاديثٌ للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله قالها عن مختلف الأحوال، وتتضمن مروياته أيضاً أخباراً تاريخيَّةً متنوعةً تبدأ فترتها الزمنيَّة منذ عصر الرسالة وتتركز أكثرها على أخبار العصر الأموي لتصل إلى العصر العبَّاسي، وهناك مروياتٌ أخرى تأخذ مجرى الخطب والاقوال والشعر وأعمال الَّليالي والأيَّام وحول الآيات القرآنية وأحاديث الملائكة وغيرها.
  وفي ختام كلامنا نقول أن هذه المقالة متواضعة في شأنِّها قليلة بحقّها، وتحسب بوصفها بداية للغوص والتنقيب عن سِيرة أشخاص عظيمٌ قدرهمٌ عند مَن يقرأ ويُقيِّم نتاجهم، مجهولٌ عملهم عند من لم يُعِر أهميّةً لمروِيّاتهم، وتعد جزءاً من ثمرات إثبات وأبراز الهوية الشيعيَّة لمدينة البصرة المنافحة عن أهل البيت عليهم الصلاة والسلام.