(ارادةٌ وموقف )
يَزِيدُ بنُ مَسعُودٍ النَّهَشلِيُّ البَْصرِيُّ
الأستاذ هاني نمر


المقدَّمة

  لا شكَّ ولا ريب أنَّ انتماءاتِ بعض المؤرِّخينَ وتوجّهاتهم تفرض عليهم أسلوباً خاصّاً في نقل الأخبار وتدوين الأحداث، فهم على درجةٍ عاليةٍ من الذّكاء والحيلة، وفي الوقت نفسه تمكِّنُهم من أنْ يضلِّلوا الرأيَ العام، وأنْ يُغيّروّا أسبابَ الأحداثِ ونتائجها بأسلوب (لا لكم ولا عليكم)، أو بإيهام النّاس بوسطيّةِ الموقف وعدم الانتماء لإحدى جهات النزاع بنقل وقائعه وحيثيَّاته.
  لذا ترى أنَّ معايير تقديمِ شخصيّةٍ ما قد اختلفت من مؤرّخٍ لآخر في الطرح والأسلوب – المادح أو القادح – والتغاضي عن بعض الشخصيّات دون سواها ممّن لها دورٌ فاعلٌ وتأثيرٌ واضحٌ في أحداثٍ معيّنةٍ، لأسبابٍ عديدةٍ مختلفةٍ باختلاف الشخصيّات مكاناً وزماناً، وهذا خلافُ العدل والإنصاف والأمانة العلميّة في نقل الأخبار.
  فالإنصافُ أنّ أيَّةَ شخصيّةٍ تاريخيّةٍ، سياسيّةً كانت أو اجتماعيّةً أو غير ذلك يجب أنْ تُقاس بمقاييس القيم الأخلاقيّة والموازين الإنسانيّة، وأنْ يُنعَمَ النظرُ في مواقفها من الأحداث التي واكبتها، لا أنْ تُقاس بدمويّتها وانسلاخها من القيم الدينيّة والأخلاقيّة، وتجرّدها من روح الإنسانيّة، وتمرّدها حتى على العادات والتقاليد.
  ومع الأسفِ فإنّنا نرى الكثير من الشخصيّاتِ قد أخذت اهتماماً واضحاً من المؤرّخينَ، وتربّعت أسماؤها على قمّة الهرم في أُمّهات كتب التاريخ، مع كونها عُرفت بأنَّها غير سويّةٍ بتصرّفاتها، بعيدةً كلّ البعد عن الأخلاق والنُبل بأفعالها التي يندى لها جبينُ الإنسانيّةِ، فتجدُ المؤرِّخَ يخلقُ الأعذارَ ويُعلِّلُ الأسبابَ من غيرِ وجهِ حقٍّ لأفعال تلك الشخصيّة، ويعملُ جاهداً لتحسين صورتها، ويعتذر لها بعذرٍ أقبحُ من فعل صاحبها، وما ذلك إلا تزلّفٌ لحاكمٍ أو محاباةٌ لجهةٍ ينتمي إليها ناقلُ الخبر.
  على حين تجدُ أنَّ الكثيرَ من الشخصيّات ممّن نمتْ الأخلاقُ النبيلة والمواقف الإنسانيّة معهم، وعُرِفوا بحُسن سلوكهم، وسداد رأيهم، وصدق إيمانهم وصفاء سريرتهم، وطيب معاشرتهم، وممّن عُدُّوا من وجهاءِ أقوامِهم وأشرافهم، وعُرفوا بعدلهم وإنصافهم، تجدهم يُرْمَونَ بسهمِ الإهمال والتنكُّر لحالهم، ومحو ذِكْرِهم، كما هو حال شخصيّتنا التي سنُسلِّط الضوء عليها، لما لها من أهميَّةٍ كبيرةٍ في تاريخِ وانتماءِ مدينةٍ، وشعبٍ كاملٍ.
  فمَن هو يزيدُ بنُ مسعودٍ النهشليُّ ؟ ما هي مواقفُه ؟ وما هي مكانتُه بين ذويه ومجتمعه ؟ وما ملامحُ شخصيَّتِه ؟ وغير ذلك ممّا سنشير إليه في هذا البحث، فعلى الرغم من شحّةِ المعلومات التي بأيدينا عنه، فإنَّ موقفَه من ثورةِ الإمامِ الحسين (ع) في تلك الظروف السياسيّة القاسية وتزاحم الفتن في البصرة، يُحتِّمُ علينا الوقوف على تاريخِهِ وكشف ما اجتهد البعضُ في إخفائه عنّا، وإيضاح أسباب ذلك الإهمال المتعمّد له من بعض المؤرِّخينَ قدر المستطاع بما توفّر لدينا من مصادر، وبيان الأوضاع السياسيّة التي عاشتها البصرة في تلك الفترة، والأسباب التي دَعَت إلى أن يخفى موقفُ يزيدَ بن مسعودٍ فيها، والعكس كذلك، وما هي الغايةُ من وراء إخفاء خبره وتحرّكه في البصرة.

  اسمُهُ ونسبُهُ :

  هو يزيدُ بن مسعود بن خالد بن مالك بن ربعيّ بن سلمى بن جندل بن نهشل (1) ، ويُكنّى (أبا خالد) ، أخو ليلى ابنة مسعود النهشليّة (2) البصريّة زوجة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (ع) (3) وقد زاد الطبريُّ في ذكر سلسلةِ نسبِها عن سلسلةِ نسبِ أخيها يزيد بنِ مسعودٍ بعد اسم نهشل (دارم بن مالك ابن حنظلة بن مالك بن زيد بن مناة بن تميم) (4) ، وهو سيّد بني نهشل (5) ، ومِن وجوهِ أهلِ البصرة (6) ، وأحد أشرافها الذين كتب إليهم الإمامُ الحُسين (ع) يدعوهم إلى نصرته ولزوم طاعته (7) .

  عامُ ولادتِهِ ووفاته :

  لم يذكر المؤرّخونَ عامَ ولادتِهِ ولا عام وفاتِهِ، ولا حتى كيف كانت نهاية أمره، هل مات أو قُتل ؟ بل اكتفى مَن ترجم له بذكر موقفه من دعوة الإمام الحُسين (ع) وبيان وجاهته وشرفه في أهل البصرة، وقد استند كلُّ مَن ذَكرَهُ وذكرَ استجابتَهُ دعوةَ الإمام الحُسين (ع) على رواية السيّد ابن طاووس (ت 664 هـ) في كتابه (اللّهوف في قتلى الطّفوف) ، التي ذكرها أيضاً أستاذه (8) الشيخ محمّد بن جعفر بن أبي البقاء هبة الله بن نما الحلي (ت 645 هـ) ، في كتابه مثير الأحزان.
  حينما نتأمّلُ الرِّواية نرى أنَّ اسمَ يزيد بن مسعود النهشليّ يُذكر عندما برز موقفُه الداعم والواضح في تلبيتِهِ دعوةَ الإمامِ الحُسين (ع) لأهل البصرة على نصرته ولزوم طاعته، وأنَّه جمع قومه وبين موقفه المؤيّد لثورة الإمام الحُسين (ع) على الطاغية يزيد بن معاوية، شارب الخمور ورأس الفجور، ونرى فيها أيضاً ثقةَ قومِهِ به وطاعتَهم له، وإرساله رسولاً من قبله إلى الإمام الحُسين (ع) يوضِّح له ما آلت إليه الأمور بعد دعوته (ع) أهلَ البصرة لنصرتِه (ع) ، ثمَّ ينتهي وينقطع ذكر اسم يزيد ابن مسعود النهشلي عند كلِّ مَن ترجم له وذكره، هكذا (فلما تجهّز المشار إليه – يزيد بن مسعود النهشلي – للخروج إلى الإمام الحُسين (ع) بلغه قتله قبل أن يسيرَ فجزعَ لذلك جزعاً عظيماً لما فاته مِن نُصرتِهِ) (9).
  ومِن تلك الرِّواية الوِتر بنوعها التي وصلتنا عنه، وعرّفتنا به، والتي لخّصت حياته وتوجّهاتِهِ السياسيّة والاجتماعيّة والدينيّة، وبيّنت عُمق إيمانِهِ ورجاحة عقلِهِ، وكشفت عظيمَ منزلتِهِ وطهارة سريرته، وجاهرت بمشاركته متبنّيات أئمّتِه (ع) ، وعلى الرّغم من كونِ المصادرِ التأريخيّة أغفلت ذكرَ عامِ ولادتِهِ ووفاتِهِ إلا إنّنا نستطيع القول مطمئنّين أنّ عام ولادتهِ الميمونة بدأ حينما بانَ موقفُه التأريخيُّ المشرِّف في تلبيتِهِ دعوةَ الإمام الحُسين (ع) ، وأنَّ حياته كاملةً هي تلك المدّة الزمنيّة القليلة التي جمع فيها قومَهُ وخطبَهُم وحثَّهم على نُصرة الإمامِ الحُسين (ع)، وإعداده الجيشَ فيها، مع وجود الموانع السياسيّة والتحدّيات الكبيرة التي واجهته من أجل ذلك الأمر العظيم، أمَّا تاريخُ وفاتِهِ تحسبُه كأنَّهُ تلك اللَّحظة التي جَزَعَ فيها عندما وصله خبر مقتل الإمام الحُسين (ع) ، فأنهى جزعُهُ وعدمُ تحمّلِهِ فراقَ سيِّدِهِ وقائدِهِ الإمام الحُسين (ع) حياته في كتب التاريخ.
  فحقّاً إنَّ المواقف المُشرِّفة هي مَن تُحيي الإنسان وتُخلِّدُهُ على مدى الدهر، فيزيدُ بنُ مسعودٍ النهشلي وقف موقفاً تشرّف هو به، وتشرّفت من ورائِهِ البصرة جميعاً، وخلّده التاريخُ، على الرُّغم مِن تعمُّدِ بعض المؤرّخين عدمَ ذكره وذكر موقفه البطولي، وسيأتي بيان ذلك لاحقاً.

مكانتُهُ الاجتماعيّةُ :

  كان يزيد بن مسعود النهشليُّ سيّدَ بني نهشل، وأحد وجهاء البصرة وأشرافها، وقد أضافت له مصاهرتُهُ الإمامَ أميرَ المؤمنينَ عليَّ بنَ أبي طالب (ع) المكانةَ الاجتماعيّةَ الرفيعةَ بين النّاس، وإنَّ اختيار الإمام (ع) ابنة مسعودٍ النهشلي زوجاً له، ما كان إلا لمعرفته بهم وبحالهم، وأنَّهم مِن أتباعه وأنصارِه ، ولأنَّ النساء البصريّات أمنع النِّساء وأحسنهنَّ تبعّلاً، كما قال الإمام علي (ع) (10) ، ولرفيع شأنِ هذه الأسرة فقد غدت منازلهم على كرورِ الأيّام موئلاً للمحبّين وسياحةً للزائرين المتبرِّكينَ بمعالم آلِ محمّدٍ (ع) ، إذْ أصبح بيتُ ليلى بنت مسعودٍ النهشليِّ، الذي أقام فيه الإمام (ع) اثنين وسبعينَ يوماً، أحد المشاهد التي سُمِّيت باسم أمير المؤمنين (ع) في البصرة (11).
  أمَّا مكانتُهُ بينَ قومِهِ فلا أحدَ أعرفُ به منهم، ويظهر ذلك في سؤالهِ إيّاهم عندما وصل كتاب الإمام الحُسين (ع) إلى البصرة يدعوهم إلى نصرته ولزوم طاعته، إذْ جمع قومه – بني تميم وبني حنظلة وبني سعد – وخطبهم فقال : (يا بني تميم كيفَ ترونَ موضعِي فيكم، وحسبي منكم ؟ فقالوا : بخٍ بخٍ، أنتَ واللهِ فقرةُ الظَّهر، ورأسُ الفخر، حللتَ في الشرف وسطاً، وتقدَّمت فيه فَرَطَاً) (12) .
  وسبحان الله ! كأنَّ يزيد بن مسعود النهشليّ يعلم أنَّ التأريخَ باتجاهاتِهِ السُّلطويّة سيجتهدُ لمحوِ ذكرِهِ وطمسِ حسبهِ وشرفهِ، فها هو يسألُ قومَهُ ليُطلِقَ ذكرَهُ في التاريخ، وأرى أنَّ جوابهم كان لنا لا له، فشرَفُهُ بينَ قومِهِ واضحٌ، وافتخارُهم بهِ بين ،ِّ ومكانتُهُ عندهم رفيعةٌ معلومةٌ لا متدنِّيةٌ مجهولةٌ.
  ولعلَّ اللهَ تعالى قد شمله بلطفِهِ، ووهَبَ له ما وَهَبَ الإمام الحُسين (ع) وأهل بيته وأصحابه (ع) من الخلود وارتفاعِ الشأن، وعدم تمكّن أعدائهم مِن طمس حقيقتهم وأهداف ثورتهم ذات المعاني الإنسانيّة النبيلة، وهو ما أشارت إليه عقيلةُ الطالبيّينَ وفخر المخدَّرات السيّدةُ زينب بنت علي بن أبي طالب (ع) في ذلك مخاطبةً الإمامَ زينَ العابدينَ عليَّ بن الحُسين (ع) بعد مصرعِ الإمامِ الحُسين (ع) وأهل بيته وأصحابه – كما جاء في حديث زائدة (13) – : (... ولقد أخذ اللهُ ميثاقَ أناسٍ مِن هذه الأمّة، لا تعرفُهُم فراعنةُ هذه الأرض، وهم معروفونَ في أهل السّماواتِ، أنهم يجمعونَ هذه الأعضاء المتفرِّقة فيوارونها، وهذه الجسوم المضرّجة، وينصبونَ لهذا الطفِّ عَلَماً لقبر أبيك سيّد الشُّهداءِ لا يُدرسُ أثرُهُ، ولا يعفُو رسمُهُ، على كرورِ اللَّيالي والأيّام، ولَيجتَهِدَنَّ أئمّةُ الكُفْرِ وأشياع الضَّلالةِ في محوِهِ وتطمِيسِهِ، فلا يزدادُ أثرُهُ إلا ظهوراً، وأمرُهُ إلا عُلُوَّاً) (14).

رؤيتُهُ السياسيّة :

  عندما نقرأ الرِّواية التي استندنا إليها في هذا البحث، ونفتِّش ما بين سطورها، نجد أنَّ يزيد بن مسعود النهشليّ كان له حضورٌ سياسيٌّ واضحٌ برز على ساحة الأحداث في البصرة في الأشهر الأخيرة من عام ( 60 هـ ) ، أثناء خروج الإمام الحسُين (ع) إلى الكوفة، حتى وصوله كربلاء في الشهر الأول من عام ( 61 هـ ) ، وبعد وصول كتاب الإمام الحسُين (ع) إلى أهلِ البصرة، فإنّه جاهر بموقفِهِ المؤيِّد من ثورة الإمام الحسُين (ع) ، وأعلن معارضته حكمَ الطّاغية يزيد ابن معاوية.
  ولعلَّ هذا الموقف السياسيَّ الجريءَ ليس الأوّل والوحيد الذي شهدته حياة ابن مسعود النهشليّ السياسيّة، فزعامتهُ قومَهُ ومكانتُهُ الاجتماعيّةُ والسياسيّةُ لابدَّ وأن تترشّحَ عنها قضايا وحوادث احتاج فيها النّاس -آنذاك- إلى موقفٍ حازمٍ وشجاعٍ من سيّدهم ابن مسعود النهشليّ، لم يبيِّنها لنا المؤرِّخونَ.
  ولنقف عند أحد الأحداث السياسيّة المهمّة التي مرّت بها البصرة آنذاك، وهي معركةُ الجمل التي اختُبر فيها النّاس وبانت مخابئ نفوسهم، وحُدِّد مسار توجُّهاتهم واعتقادهم، فلربما كان له فيها موقفٌ واضحٌ، فلو افترضنا أنَّ موقفَ الأب مسعود النهشليِّ وأبنائِهِ – ويزيد من ضمنهم – من تلك الفتنة التي جرت في البصرة لم يكن موقفاً مؤيّداً للإمام علي (ع)، ولم يكونوا من أتباع الإمامِ وشيعتِهِ، وأنَّهم كانُوا ضدَّه وفي صفِّ أعدائِهِ، فما معنى زواجه (ع) من ابنتهم ليلى ؟! فهل كان هذا الزّواج كما يُعبر عنه زواجاً لأغراضٍ سياسيّة ؟ لا ليس كذلك، بل إنَّ اختيار الإمامِ أميرِ المؤمنين علي (ع) زوجاً له منهم يجعلنا نُرجِّح أنَّهم كانوا إلى جنب أمير المؤمنين (ع) ، وأنَّهم من خُلَّص أتباعه و مُحبّيهِ، ومن ذوي الدِّين والفضل، وهو دليلُ شرفهِم ورفعةِ مكانتهِم وطيبِ أصولِهم.
  وسنتعرّض إلى ما جاء في كتاب الإمام الحُسين (ع) وبيان موقف بعض ممّن وصلهم كتابه (ع) من أهل البصرة ومن بينهم موقف يزيد بن مسعود النهشليّ.

رسالةُ الإمامِ الحسين (ع) . إلى البصرة :

  أرسلَ الإمامُ الحُسين (ع) كتاباً إلى أهل البصرة بيدِ رسولٍ له اسمه سُليمان ابن رُزَين موجَّهاً إلى رؤساء الأخماس (15) والأشراف فيها، بنسخةٍ واحدةٍ، يحثُّهم على نُصرتهِ ولزومِ طاعتهِ، وكان ممّن وصل إليه كتاب الإمام (ع) كلٌّ من :
  1 ـ مالك بن مسمع (16) (سيّد بكر بن وائل).
  2 ـ الأحنف بن قيس (17) (سيّد تميم) .
  3 ـ المنذر بن الجارود (18) (سيّد عبد قيس).
  4 ـ مسعود بن عمرو (19) (سيّد الأزد).
0   5 ـ قيس بن الهيثم (20) (سيّد أهل العالية) .
  6 ـ عمر بن عبيد الله بن مَعمر (21) (من أشراف البصرة).
  7 ـ يزيد بن مسعود النهشلي (من أشراف البصرة) (22) .
  ونصُّ كتابه (ع) : ( أمَّا بعدُ : فإنَّ اللهَ اصطفى محمّداً (ص) مِن خلقِهِ، وأكرمَه بنبوّته، واختاره لرسالتِهِ، ثمَّ قبضه إليه، وقد نصحَ لعباده، وبلّغ ما أرسل به (ص) ، وكُنّا أهلَهُ وأولياءَهُ وأوصياءَهُ وورثتَهُ، وأحقَّ النّاسِ بمقامهِ، فاستأثر علينا قومنا بذلك، فرضينا، وكرهنا الفرقة، وأحببنا العافية، ونحنُ نعلم أنَّا أحقُّ بذلك الحقِّ المُستحقَّ علينا ممَّن تولاه، وقد بعثتُ رسولي إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلى كتابِ اللهِ وسُنَّةِ نبيِّهِ، فإنَّ السُّنَّةَ قد أميتت، والبِدعة قد أُحييتْ فإنْ تسمعُوا قولي أهدكم إلى سبيل الرَّشاد، والسّلامُ عليكم ورحمةُ الله ) (23).
  نستخلص من هذه الرّسالة بعض الأمور، منها :
  1 ـ أنَّ الإمامَ الحُسينَ (ع) بين أحقِّيَّةَ أهلِ البيتِ (ع) بالخلافةِ مِن غيرهم ، بسببِ قرابتِهم مِن النبيِّ محمّدٍ (ع) ، ولأنَّهم أوصياؤهُ وورثتُهُ.
  2 ـ سلَّطَ الضوء على استئثار القوم بالخلافة وأخذها من مستحقِّيها، وأنّ أهلَ البيت (ع) ركنوا إلى الصّبر، حفاظاً على وحدة المسلمين وكراهِيَة الفرقة.
  3 ـ أوضح الإمامُ الحسين (ع) أنَّ الحكمَ الأمويَّ الظالم المتسلِّط، قد عَمَدَ على إماتَة السُّنَّةِ النبويّة المطهّرة، وأنَّه قَصَدَ إحياء البِدَع التي تتعارض وتتقاطع مع الدِّين المحمَّدي الأصيل.

لماذا كَتَبَ الإمامُ الحُسين (ع) إلى أهلِ البصرة ؟

  تُعَدُّ مبادرةُ الإمامِ الحُسين (ع) بمكاتبةِ رؤساءِ الأخماسِ والأشرافِ في البصرة - على الرّغم مِن أنَّهم لم يكتبُوا إليه يحثُّونه على الخروج على حكم يزيد كما فعل أهلُ الكوفة – تُعَدُّ مِن تحرّكاتِ الإمام (ع) السياسيَّةِ المدروسةِ، ونستشفُّ منها أمرين :
  الأوَّلُ : أَرادَ الإمامُ الحُسين (ع) أنْ يُعلِمَ رؤساءَ الأخماسِ وأشرافَ البصرة بخروجه على يزيد بن معاوية، للأسباب التي وضَّحها في رسالته اليهم، وأن يُلقيَ الحجَّةَ عليهم بذلك، فمَن أراد منهم الخروج معه فليلحقْ به، ومن لم يشأْ ذلك، فلا يُشارك في المعركة ضدَّه، وأن يكونَ موقفُهم إن لم يشاركوا معه كموقفِ الأحنف بن قيس في يوم الجمل (24)، بأنْ يكفُّوا عنه أكبر عددٍ ممكنٍ من أبناءِ قومِهم.
  وهذا ما حدث بالفعل، إذْ لم يخرج مع عبيد الله بن زياد – حينما خرج من البصرة إلى الكوفة – أحدٌ من أبناء البصرة لمقاتلة الإمام الحُسين (ع) ، بل إنَّه (شَخَصَ إلى الكوفة ومعه المنذر بن الجارود العبديُّ، وشريك بن الأعور الحارثي، ومسلم بن عَمرو الباهلي (25)، وحَشَمُهُ وغلمانُهُ) (26)، وإنَّ شريك بن الأعور هذا كان من خواصِّ أمير المؤمنين (ع) (27)، وقد حاول إبطاء مسير ابن زياد، ليسبقه الإمامُ الحُسين (ع) إلى الكوفة، لكنَّه لم يُفلح في ذلك (28) ، ثمَّ خطّط لمحاولة اغتيال ابن زياد بالكوفة، حينما نزل في دار هانئ بن عروة أيّاماً، وفيها مسلم بن عقيل (رض) وكان شريك بن الأعور حينها مريضاً، إذْ قال لمسلم : إنَّ هذا الفاجر عائدي العشيّة، ونيإ مطاوِلُهُ الحديثَ فاخرج إليه بسيفِكَ فاقتُلْه، وعلامتُك أن أقول : أسقوني ماءً، فإن أنا برأتُ مِن وَجَعِي مِن أيّامي هذه سرتُ إلى البصرة وكفيتُكَ أَمْرَها، فلما دخل عبيد الله على شريك وسأله عن وجعِهِ وطال سؤاله، ورأى أنَّ أحداً لا يخرج، فخشي أن يفوتَهُ، فأخذ يقول :
ما الانتظارُ بسلَمَى أنْ iiتحيُّوها      حيُّوا سُلَيْمَى وحيُّوا مَنْ يحيِّيها
كأسُ المنيِّةِ بالتعجيلِ iiفاسقُوهَا
  لله أبوكَ ! اسقنيها وإن كانت فيها نفسي، فلم يفعل مسلمُ بنُ عقيل (ع) ذلك، فقام ابن زياد وانصرف، فخرج مسلم، فقال له شريك : أما واللهِ لو قتلتَهُ لقتلتَ فاسقاً فاجراً كافراً غادراً (29).
  الثاني : أرادَ الإمامُ الحُسين (ع) أن يُعلِمَ شيعتَهُ وأنصارَهُ في البصرة بما آلتْ إليه الأمور، وأنَّه عازمٌ على الخروجِ على حكم يزيد بن معاوية، وعليهم أنْ يستعدُّوا للخروج معه، وأنْ يعدُّوا العُدَّة لذلك، وقد استجابَ يزيد بن مسعود النهشليُّ وآخرون لهذا النِّداء العظيم، وسيأتي بيانُهُ لاحقاً.
  ولعلَّ في كونِ البصرةِ آنذاك مركزاً من مراكز القوى المهمَّة في العالم الإسلامي، سبباً آخَرَ في اختيار الإمامِ الحُسين (ع) لها في المكاتبة، إذْ لا يمكنُ تجاهلها في حركةِ أحداثِ ثورتِهِ المباركةِ، كما أنَّ لأهلِهَا معرفةٌ ودرايةٌ بالإمام الحُسينِ (ع) منذُ مجيئِهِ معَ أبيهِ أميرِ المؤمنينَ (ع) في معركة الجمل وبقائِهِ معه (ع) لأكثرَ من شهرين فيها (30).

خيانةُ المنذر بن الجارود :

  كشفَ موقفُ المنذر بن الجارود من قضيّة الإمامِ الحُسين (ع) عن لؤمِهِ وخساستِهِ، عندما اقتادَ رسولَ الإمامِ الحُسين (ع) سليمان بن رُزين إلى عبيد الله بن زياد والي البصرة، الذي كان متزوّجاً من بحريّة ابنة المنذر بن الجارود، ووضعَ بيدِهِ كتابَ الإمامِ الحُسين (ع) الموجَّه إلى رؤساء الأخماس وأشراف المدينة، فأمَرَ ابن زياد بصلبِ الرَّسول، عشيّة اللَّيلة التي خرج صبيحتها إلى الكوفة، ثمَّ صَعَدَ المنبر، وخَطَبَ وتوعّد أهل البصرة على الخلاف وإثارة الإرجاف (31).
  لم تكن خيانة المنذر بن الجارود الإمامَ الحُسين (ع) بالجديدة عليه، فقد كانت له في تاريخه محطّاتٌ تشهدُ بتأصّل هذه الصِّفة الذميمة به، والتي فضحت كذبه وعدم أمانته، إذْ قام المنذر بن الجارود بخيانةِ أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (ع) من قبلُ، حينما وّالاهُ على فارس، فاختلس المنذر مالاً من الخراج، وكان أربع مائة ألف درهمٍ، وقد حبسه الإمام (ع) على إثرها (32)، وقد عُدَّ مّمن يأخذ المال ويهرب إلى معاوية (33)، وظلَّ المنذر كما قال له الإمامُ عليٌّ (ع) : تُعمِّرُ دُنياكَ بخرابِ آخرتِكَ، وتصلُ عشيرتَك بقطيعةِ دِينك (34)، فغلّب مصلحته الدنيويّة على حساب آخرته ووصل عشيرته ومَن يقربه، فانحاز لزوج ابنته عبيد الله بن زياد، وخان الإمامَ الحُسين (ع) ، وتسبَّب في قتْلِ رسولهِ.
  إنّ اللافتَ النظرَ هو قيامُ بعضُ المؤرِّخين بالتعذَّر عن موقفه هذا، قائلينَ : إنَّ المنذر بن الجارود خاف أنْ يكونَ الرسولُ دسيساً من عبيد الله بن زياد، بينما كان بإمكانه التحقّق من مخاوفه تلك قبل أنْ يُسلِّمَهُ إلى ابن زياد، فلو قبلنا عذرَهُ وعذرَهم جدلاً، وأنَّه قد خاف من ابن زياد، أو اشتبه عليه الأمر، فما القول بتسلمه ولاية ثغر الهند بأمرٍ من عبيد الله بن زياد – بعد مقتل الإمام الحسين (ع) – حتى مات فيها (35)، أوَ لم تكن هذه التولية هي الجائزة الكبرى التي وهبها له ابن زياد لخيانته الإمامَ الحُسين (ع) ؟ .
  ثمَّ ما هي مواقفُه من مقتلِ الإمام الحُسين (ع) فيما بعدُ، ومِن الثوراتِ التي أعقبتها ونتجت عنها ؟ إذْ لم يذكر التأريخ له مواقفَ تذكر.

مقتلُ سليمان رسول الإمامِ الحسين (ع) إلى البصرة :

  أحدثَ وصولُ كتابِ الإمامِ الحُسين (ع) إلى رؤساء الأخماس وأشراف البصرةِ ووجهائها ضجَّةً سياسيّةً كبيرةً فيها، وباتت ردودُ أفعالهم ما بين القبول والتردُّد، ومثلما أراد الإمامُ الحُسينُ (ع) معرفةَ جوابِ مَن كتبَ إليهم، كذلك هو الحال عند ابن زياد فقد أراد هو الآخَر معرفة جواب رؤساء الأخماس من كتاب الإمامِ الحُسين (ع) ، ليعرفَ مواقفهم عما دعاهم إليه الإمامُ الحُسين (ع) ومَن هم معه ومَن هم ضدَّه ؟
  وإنْ قُلنا بما قالهُ الطّبريُّ بأنَّ كتابَ الإمامِ الحُسين (ع) حينما وصل إلى رؤساء أخماس البصرة وأشرافها كتمَهُ كلُّ مَن قرأهُ، إلا المنذر بن الجارود فإنَّهُ فضحَ سرِّيَّةَ الكتاب (36) ، وذلك عند قيامه بتسليم الكتاب والرسول إلى عبيد الله بن زياد، وعليه فإنَّ يِرسِّّةَ الكتاب وما حواه من إعلانٍ عن بدءِ الثورةِ ضدَّ الطاغيةِ يزيد، كانت في البدء فقط، وبقيام ابن زياد بصلْبِ رسولِ الإمامِ الحُسين (ع) ، فإنَّ أهلَ البصرةِ علموا جميعهم بالأمر، وأُفشي السِّرُّ .
  والظاهر أنَّ الأمرَ لم يكن كذلك – أي سِريَِّّةَ الكتابِ – إذ من المُستبعد أنْ يُقدِمَ ابنُ زياد على مثل هكذا تصرُّفٍ، لما عُرِفَ من دهائهِ السِّياسيِّ، فإذا كان الأمرُ سراًَّ كما نُقل، لأَمَرَ ابنُ زياد بقتلِ الرَّسولِ سراًَّ وأماتَ الخبرَ، ، ولم يُفشِ أمرَ كتابِ الإمامِ الحُسين (ع) الذي جاء فيه ( ... وأنَا أدعُوكم إلى كتابِ اللهِ وسُنَّةِ نبيِّهِ، فإنَّ السُّنَّةَ قد أُميتَتَ، والبِدْعَة قد أُحييتْ فإنْ تسمعُوا قولي أهدِكم إلى سبيل الرّشَاد ... ) (37) ، وهذا ما يُعَدُّ – في قراءةِ عبيد الله بن زياد – خروجاً على حكم يزيد بن معاوية، وانقلاباً عسكريَّاً وشيكَ الوقوعِ، إذْ إنَّ الطريقةَ التي تعامل بها ابنُ زياد مع سليمان رسولِ الإمامِ الحُسين (ع) ، وصَلْبَهُ جَهْرَاً أمامَ الملأ تدُلُّ على أنَّ النّاس كانُوا على معرفةٍ بقدومه وبخبر إعلانِ الإمام الحُسين (ع) ثورتَهُ ضدَّ يزيد بن معاوية، كما أنَّ طريقةَ قتلِ الرَّسول كانت أشدَّ وقعاً في نفوس النّاس في إخافتهم وردْعِهم عن نصرة الإمام الحُسين (ع) ، إذْ إنَّ ابن زياد بعمله هذا أوصل رسالته إلى كلِّ مَن وصلَهُ كتابُ الإمامِ الحُسين (ع) من رؤساء الأخماس وأشراف البصرة، وإلى مَن سمع به من عامّة النّاس، وأرادَ الانضمامَ إلى الإمامِ الحُسين (ع) ، بأنَّ مصيرَهم سيكونُ مصير سليمان بن رزين.
  كما لم تكن ردّةُ فعلِ عُبيد الله بن زياد تجاه كتاب الإمامِ الحسينِ (ع) ورسوله سليمان اجتهاداً شخصيَّاً، بل كان لديه أَمرٌ باتّخاذ مثل هذه الإجراءات، وهذا ليس تبريراً لجريمتِهِ، بل لأنَّهُ لم يكن لِيَجرؤ أنْ يُقدِمَ على قتلِ رسول الإمام الحُسين (ع) لو لم يكن لديه إذنٌ بذلك، ففي تلك اللَّحظات، وصل مسلمُ بن عَمْرو الباهليُّ ومعه عهد من يزيدِ بن معاوية إلى عبيد الله بن زياد والي البصرة، بولاية الكوفةَ أيضاً، جاء فيه :
  ( أما بعد فانه كَتَبَ إليّ شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني أنَّ ابنَ عقيل بالكوفةِ يجمعُ الجموعَ لشقِّ عَصَا المسلمينَ، فسرَ حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتيَ أهلَ الكوفةِ فتطلب ابن عقيل كَطَلَب الخرزة حتّى تثقِفَه فتوثِقَه، أو تقتُلَه، أو تنفيَهُ، والسَّلام ) (38).
  وبهذا يكون يزيد بن معاوية قد أطلق العِنان لعبيد الله بن زياد في العراق، وأعطاه صلاحيّاتٍ واسعةً في الحكم، من أجل قتلِ الإمامِ الحُسينِ (ع) وكلِّ مَن يدعو أو ينضمّ إلى ثورته، وبقتل ابنِ زيادٍ سُليمانَ يكونُ قد قَتَلَ أوَّلَ شهيدٍ في ثورةِ الإمامِ الحُسين (ع) ، وتكون أرضُ البصرة قد احتفت بأوّلِ دمٍ أريق من دماءِ شهداءِ القضيَّةِ الحُسينيّة، وبقتلهِ مسلمَ بنَ عقيل رسول الإمام الحُسينِ (ع) إلى الكوفة يكون ابنُ زيادٍ قد قتلَ رسولي الإمامِ الحُسين (ع) اللَّذين بعثهما إلى أهلِ العِراق.

موقفُ يزيد بن مسعود النهشليِّ وتحرُّكُهُ السياسيّ :

  حينما قرأ يزيدُ بن مسعودٍ النهشليُّ كتابَ الإمامِ الحُسين (ع) وعرفَ ما فيه، أسرع إلى عَمجِْ القبائلِ المواليةِ لأهلِ البيتِ (ع) التي ضَمِنَ طاعتها له، وهي كلٌّ من :
  1 ـ بني تميم.
  2 ـ بني حنظلة.
  3 ـ بني سعد.
  4 ـ بني عامر.
  فخَطَبَ فيهم سائلاً بني تميم عن مكانتهِ فيهم وحَسَبِهِ منهم ؟ فأجابوه بالرِّضَا عنه، والإعجاب بهِ، مادحينَ شرفَهُ فيهم، ومفتخرينَ به بينهم، وبعد سماعه جوابهم، توجّه بخطابهِ إلى الجميع مُبيِّناً سببَ اجتماعه بهم قائلاً : ( فإني قد جمعتُكم لأمرٍ أريدُ أنْ أُشاوركم فيه وأستعين بكم عليه.
  فقالوا : إنَّا – واللهِ – نمنحك النصيحة، ونجهد لك الرأي، فقُلْ حتى نسمع.
  فقال : إنَّ معاوية مات، فأهوِنْ به – واللهِ – هالكاً ومفقوداً، أَلا إنَّهُ قد انكسر بابُ الجور والإثم، وتضعضعت أركانُ الظُّلم، وكان قد أحدث بيعةً عقدَ بها أمراً ظنَّ أنَّهُ قد أحكمَهُ، وهيهات الذي أراد، اجتهد والله ففشل، وشاوَر فخُذِل، وقد قام يزيد شارب الخمور ورأس الفجور يدّعي الخلافة على المسلمين، ويتأمّر عليهم بغير رضا منهم مع قصرِ حلمٍ وقِلّةِ عِلمٍ، لا يعرف من الحقِّ موطئَ قدميه، فأُقسمُ بالله قسماً مبروراً لهَجادُهُ على الدِّينِ أفضلُ من جهادِ المشركينَ، وهذا الحُسينُ بن علي، وابنُ رسولِ الله . ذو الشرفِ الأصيل والرأي الأثيل، له فضلٌ لا يُوصَفُ، وعِلْمٌ لا ينزفُ، وهو أولى بهذا الأمر ، لسابقتِهِ وسِنِّهِ، وقِدَمهِ وقرابتهِ، يعطفُ على الصَّغير، و سُحيِنُ إلى الكبير، فأكرِم به راعي رعيّةٍ، وإمامَ قومٍ وجبتْ للهِ به الحُجَّةُ وبلغت به الموعظة، فلا تعشُوا عن نورِ الحقِّ، ولا تَسَكَّعُوا في وهدةِ الباطل، فقد كان صخر بن قيس انخذلَ بكم يومَ الجَمَل، فاغسلوها بخروجكم إلى ابن رسول الله (ص) ونُصرته، والله لا يقصر أحدكم عن نُصرتِهِ إلا أورثهُ اللهُ الذلَّ في ولده، والقلَّة في عشيرتهِ، وها أنا ذا قد لبستُ للحربِ لامتَها، وادَّرعْتُ لها بدرعِها، مَن لم يُقتَل يَمُتْ، ومَن يهرُب لم يفُتْ، فأحسِنُوا – رحمكم الله – ردَّ الجواب) (39) .

مضامين خطابِ ابن مسعود النهشليِّ :


  تضمّن خطاب ابن مسعود النهشليِّ عدَّةَ أمورٍ بيّنت توجُّهَهُ وعقيدتَهُ، لابدَّ مِن ذكرِها وتوضيحِهَا :
  1 ـ أوضحَ للجميع عدم اكتراثه بهلاك معاوية، الذي كان ظالماً وجائراً في حياتِهِ، وبموتِهِ انكسرَ بابُ الجور، وتضعضعت أركانُ الظُّلم.
  2 ـ بين موقفَهُ الرَّافض للبيعة التي عقدها معاوية لابنه يزيد، وأنّه رافضٌ بيعةَ يزيد بن معاوية مسبقاً.
  3 ـ فصَّلَ ما كان في الأصل مكشوفاً لا مستوراً من الصِّفات الذَّميمة التي كان يزيد بن معاوية يتّصف بها، مِن شربه الخمر، وعدم تحلّيهِ بالحِلْم، وجهلهِ وقلّةِ علمهِ، وأنَّه لا يعرفُ من الحقِّ شيئاً.
  4 ـ حرَّضَ النّاسَ على الخروج على يزيد بن معاوية علانيةً، وأعلن للجميع أنَّ جهادَهُ على الدِّين أفضلُ من جهادِ المُشركين.
  5 ـ أجادَ في بيان صفاتِ الإمامِ الحُسينِ (ع) ذاكراً شرفَ قرابتهِ من النبيِّ الكريم محمّدٍ (ص) وأنَّه ذو رأيٍ أصيلٍ وفضلٍ كبيرٍ وعلمٍ وفيرٍ.
  6 ـ أبدى رأيه بأحقِّيَّةِ الإمامِ الحُسينِ (ع) بتولي خلافةِ المُسلمين، وقد دعا النّاس إليه، وذلك لسابقته في الإسلام وكبرِ سنِّهِ من يزيد بن معاوية، كما أنَّ قرابته من النبي (ص) تمنحه الأفضليّة والأولويّة من غيره لتولي أمور المُسلمين، وله مِن مكارمِ الأخلاقِ ما تؤهِّلُهُ لأنْ يكونَ خليفةً.
  7 ـ أعلن للنّاس استعداده لنصرة الإمامِ الحُسين (ع) وتلبيته دعوتَهُ وأنَّهُ متهيِّئٌ لخوض الحرب من أجل نُصرتِهِ.
  وبعد إيضاحه هذه الأمور جميعاً، أَوْكَلَ مسؤوليَّةَ اتخاذِ القرارِ لهم، فعليهم أنْ يُقارنوا بين الحُسين بن علي (ع) ، ويزيد بن معاوية، وأنْ يختاروا أحدَهما كي يتولاهم.

استجابةُ القبائل ليزيد بن مسعود النهشليِّ

  وتستمرُّ المحاورةُ بين يزيد بن مسعود النهشليّ وقومه، فبعد جواب بني تميم المتقدّم، يأتي دور بني حنظلة، حينما بين لهم موقفهُ من ثورة الإمام الحُسين (ع) واستعداده للخروج معه لنصرته ولزوم أمره.
  قالوا له : يا أبا خالدٍ نحن نبلُ كنانتكَ وفرسانُ عشيرتِكَ، إنْ رميتَ بنا أصبْتَ، وإنْ غزوتَ بنا فتحتَ، ولا تخوضَ غمرةً إلا خضناها، ولا تلقى - واللهِ - شِدَّةً إلا لقيناها، ننصرك بأسيافنا، ونَقِيكَ بأبداننا إذا شئت.
  وقالت بنو سعد : أبا خالدٍ إنَّ أبغضَ الأشياء إلينا خلافُكَ، والخروجُ من رأيك، وقد كان صخر بن قيس – ويقصدونَ الأحنفَ بن قيس – أمرنا بتركِ القتالِ – يوم الجملِ – فحمِدْنا أمرَنا وبِقيَ عزُّنا فينا فأمهلنا نراجع المشورة ونأتيك برأينا.
  وقالت بنو عامر بن تميم : نحنُ بنو أبيك وحلفاؤك، لا نرضى إنْ غضبتَ، ولا نوطّن إنْ ظعنتَ، فادْعُنا نُجِبك، وأْمُرنا نُطِعْك، والأمر لك إنْ شئت (40).
  إنَّ التفافَ قومِه حوله وسماعهم رأيه وطاعتهم له أكسبه القوّة والمكانةَ السياسيَّةَ الكبيرةَ التي مكّنتْهُ من أنْ يُعارضَ الحكمَ الأمويَّ الدمويَّ، و رُحيّض الناس على يزيد بن معاوية، فعلى الرّغم من سياسة التنكيل والترهيب والبطش والقتل التي اتبعها والي البصرة عبيد الله بن زياد تجاه معارضي حكم يزيد بن معاوية، وبثّهِ الرُّعبَ بين الناس، وتوعُّدِهم على الخلافِ وإثارةِ الإرجافِ، تجد صوتَ ابن مسعود النهشليّ يصدح بالولاء ويعلن الطاعة للإمام الحُسين (ع) ، ويُشهِرَ في العلن معارضته حكم الطّغاة .

كتابُ ابن مسعود النهشليّ إلى الإمامِ الحسين (ع)

  بعدما عَلِمَ جوابَ قومهِ اَِمل استشارهم فيه، وأيقنَ منهم صِدقَ النيَّةِ، وثباتَ الرأيِ، بدأ ابنُ مسعود النهشليُّ يُعِدُّ العدّة اَِمل أمرهُ به إمامُ زمانِه وقائد الثورة الإمام الحُسين (ع) ، فكتب إلى الإمام الحُسين (ع) :
  بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
  (أمَّا بعد : فقد وصلَ إليَّ كتابُكَ، وفهمتُ ما ندبتني إليهِ، ودعوتني له من الأخذِ بحظّي من طاعتك، والفوزِ بنصيبي من نصرتك، وإنَّ اللهَ لم ُيخلِ الأرضَ قطُّ من عاملٍ بخيرٍ، ودليلٍ على سبيل نجاة، وأنتم حجّة الله على خلقه، ووديعته في أرضه، تفرّعتُم من زيتونةٍ أحمديّةٍ هو أصلها وأنتم فرعُها، فاقدِمْ سُعِدْتَ بأسعدِ طائرٍ، فقد ذلّلتُ لك أعناقَ بني تميم، وتركْتُهم أشدَّ تتابعاً في طاعتِكَ من الإبلِ الظماء لورودِ الماء يوم سَمخِها، وقد ذلَّلتُ لك بني سعد، وغسلتُ درنَ قلوبها بماءِ سحابةِ مزنٍ حين استهلَّ برقُها فلمَعَ ) (41)
  وقد بانَ في رسالتِهِ هذه، إيمانُهُ الثابتُ بالإمام الحُسين (ع) ، وطاعته له ، لأنّه حجّة الله على خلقه، ثمَّ أشار عليه بالقدوم، بعد أنْ هيّأ له الأمر، ببيان رأي بني تميم وبني سعد وما كان من استجابتهم أمرَه.
  والظاهر أنَّ بني سعد بعد أنْ طلبوا من يزيد بن مسعودٍ النهشليِّ أنْ يُمهلهم ليراجعوا أمرهم ويستشيروا أنفسهم اَِمل دعاهم إليه من بيان موقفِهم من كتابِ الإمام الحُسين (ع) ، قد أرجعوا جوابهم ليزيد بن مسعود النهشليّ بالاستجابة لما دعاهم إليه، وإنَّ موقفَهم هذه المرّة مع الإمامِ الحُسينِ (ع) لا يشبهُ موقفهم مع الإمام عليٍّ (ع) في معركة الجمل، ولم يلتزموا الحياد في معركته مع يزيد، وإنْ لم تُصرِّح الرّواية بذلك علناً، وبيان ذلك رسالة يزيد بن مسعود النهشليّ إلى الإمام الحُسين (ع) التي دعاه فيها إلى القدوم، ومنها : (اقدمْ سُعِدْتَ بأسعدِ طائرٍ ... فقد ذلّلْتُ لك بني سعد وغسلتُ درنَ صدورِها بماءِ سحابةِ مزنٍ حين استهلَّ برقُها فلمعَ ) ، فمِن المُستبعد أنْ يكتب ابنُ مسعود النهشليُّ للإمامِ الحُسين (ع) عن استعدادِ بني سعدٍ للخروجِ معهُ وهو لم يأخذ جوابهم بنصرته ولزوم طاعته.

وفدُ يزيد بن مسعود إلى الإمامِ الحسينِ (ع)

  أرسل يزيد بن مسعود النهشليُّ، الحجّاجَ بن يزيدَ السعديَّ (42) ومعه سبعةٌ (43) من العبديّين كان من بينهم قعنبُ بن عَمْرو النمريُّ (44) إلى الإمامِ الحسيِن (ع) يحملُ جواباً عن كتابِ الإمام الحسين (ع) الذي وصل إليه وإلى غيره من أشراف البصرة ورؤساء الأخماس فيها، وقد كان الحجّاج ومن معه سمعُوا بدعوة الإمام الحُسين (ع) فلبّوا ذلك النِّداء، ووطّنوا أنفسهم على لقاءِ حتوفهم بين يديه (ع) ، ويُذكر أنَّهم قد وصلوا إليه في اليوم العاشر من المحرّم ووجدوه وحيداً فريداً، بعد مقتل أصحابه وأهل بيته (ع) فلما قرأ الإمامُ الحُسين (ع) الكتابَ، قال :
  (مالَكَ، آمنكَ اللهُ يومَ الخوف، وأعزَّك وأرواكَ يومَ العطش الأكبر (45) ، وبقي الحجّاجُ ومن معه من العبديّين حتى قُتِلُوا بأجمعهم بين يدي الإمام الحُسين (ع) ، وقيل إنَّهم قُتلوا في الحملةِ الأولى مع مَن قُتل من أصحاب الإمام الحُسين (ع) ، ولمّا تجهّز ابن مسعود النهشلي للخروج إلى نصرة الإمامِ الحُسين (ع) بلغه قتله قبل أنْ يسير، فجزع من انقطاعه عنه، وكان استعجال ابن زياد في بدءِ المعركة مع الإمام الحُسين (ع) أحد الأسباب التي منعت ابنَ مسعود النهشليَّ أنْ يصلَ إلى الإمام في الوقتِ المناسب.

مشاركةُ يزيد بن مسعود في معركة الطفِّ

  على الرُّغم مِن أنَّ يزيد بن مسعود النهشليَّ لم يشارك في ميدان الطفِّ الحسينيِّ ولم يُستشهد فيه إلا إنّه شارك في المعركة بين الحقِّ والباطل منذ اللَّحظةِ التي وصل فيها كتابُ الإمامِ الحُسين (ع) إلى البصرة، الذي كان بمثابة إعلانٍ عن بدءِ الثورةِ ضدَّ يزيد بن معاوية، وفيها أعلن ابنُ مسعود النهشليُّ عن موقفهِ الواضحِ والصَّريحِ، باتّباعه إمامَ زمانهِ مُنفِّذاً أمرَ قائدهِ العسكريِّ، الإمام الحُسين بن علي (ع) ، فبدأ ابنُ مسعود النهشليُّ اجتماعاته السياسيّة مع القبائل، ليعرّفهم بأهميّة الثورة، وأهدافِها، وأسباِبها، وقد نجح بإقناع القبائل بما دعاهم إليه، فأرسل إلى الإمام الحُسين (ع) كتاباً تضمَّن مشاركتَه بالثورة من خلال بيان تحرّكه السياسيّ، واستعداده العسكري في البصرة، فكانت هذه أوّل مشاركة ليزيد بن مسعود النهشليِّ في معركةِ الطفِّ، ثمَّ تأتي مشاركتُه الثانية عندما أرسل وفداً من رجالٍ مؤمنينَ بالإمام الحُسين (ع) وثورتهِ، وحقِّ طاعتهِ، ووجوبِ نصرتهِ، يمثّلونه، حاملينَ كتابَهُ إلى الإمام الحُسين (ع) ، وإنَّ مشاركتَهم في القتال مع الإمامِ الحُسين (ع) ، واستشهادهم بين يديه (ع) ، أمرٌ يُحسَب لهُ أيضاً (رضي الله عنه) ، ثمَّ إنَّ له مشاركةً عظيمةً في المعركة، تجسَّدت بشهادةِ أبي بكر بن علي بن أبي طالب (ع) ، ابن أُخته ليلى بنت مسعود النهشليّ البصريّة، بين يدّي أخيه الإمام الحُسين (ع) (46)، وعليه فإنَّ يزيد بن مسعود النهشلّي - وإنْ لم يحالفه الحظُّ بعد تجهيزه الجيش في البصرة بالمشاركة الميدانيّة مع الإمام الحُسين (ع) في معركة الطفِّ - فإنّه قدّمَ شهداءَ مع الإمام الحُسين (ع) ساهمُوا في الدِّفاع عن الدِّين والعترة الطاهرة (ع).

البصرة وقضيّة الإمام الحسين (ع) عند الطبري

  تعرّضَ الطبريُّ إلى حال البصرة السياسيِّ في قضيّة الإمام الحسُين (ع) ، ولم يذكر التحرّك السياسيّ لابن مسعود النهشليِّ في البصرة، وإليك ما ذكره الطبري :
  (قال أبو مخنف : وذكر أبو المخارق الراسبي، قال : اجتمع ناسٌ من الشيعة بالبصرة في منزل امرأةٍ من عبد القيس، يُقال لها : مارية ابنة سعد - أو منقذ - وكان منزلها لهم مألفاً يتحدّثون فيه، فأجمع يزيد بن نبيط الخروج وهو من عبد القيس إلى الحُسين وكان له بنون عشرة، فقال : أيُّكم يخرجُ معي ؟ فانتدب معه ابنان له، عبد الله وعبيد الله، فقال لأصحابه في بيت تلك المرأة : إني قد أزمعتُ على الخروج وأنا خارج، فقالوا له : إنَّا نخافُ عليك أصحاب ابن زياد، فقال : إني - والله - لو قد استوت أخفافها بالجَدَد لهان عليَّ طلبُ مَن طلبني، قال : ثمَّ خرج فقوي في الطريق حتى انتهى إلى الحُسين (ع) فدخل في رحله بالأبطح (47) ...
  قال هشام : قال أبو مخنف : حدّثني الصّقعب بن زهير، عن أبي عثمان النهديّ، قال : كتب حسين مع مولىً له يُقال له : سُليمان، وكتب بنسخةٍ إلى رؤوس الأخماس بالبصرة، وإلى الأشراف، فكتب إلى : مالك بن مسمع البكريّ، وإلى الأحنف بن قيس، وإلى المنذر بن الجارود، وإلى مسعود بن عَمْرو، وإلى قيس بن الهيثم، وإلى عَمْرو بن عبيد الله بن مَعمر، فجاءت منه نسخةٌ واحدةٌ إلى جميع أشرافها، فكلُّ مَن قرأ ذلك الكتاب من أشراف الناس كتمَهُ، غير المنذر بن الجارود، فإنَّهُ خشيَ بزعمهِ أنْ يكون دسيساً من قبل عبيدِ الله فجاءهُ بالرسوِل من العشيّة التي يريدُ صبيحتَها أنْ يسبقَ إلى الكوفةِ وأقرأه كتابه فقدَّمَ الرسولَ فضربَ عُنقَهُ، وصعد عبيدُ الله منبرَ البصرة وهدَّد الناسَ وتوعَّدهم على الخلافِ وإثارةِ الإرجافِ، ثمَّ خرج من البصرة واستخلف أخاه عثمان بن زياد، وأقبل إلى الكوفة ومعه مسلم بن عمرو الباهليّ، وشريك بن الأعور الحارثي، وحشمه، وأهل بيته، حتى دخل الكوفة ) (48) .
  من خلال ما نقله الطبري عن أوضاع البصرة السياسيّةِ في قضيّة الإمامِ الحُسين (ع) ، يتبين لنا كأنّه أراد أن يطلقَ عدّةَ اتهاماتٍ ودعواتٍ زائفةٍ ضدَّ شيعة البصرة، وهي كالآتي :
  1 ـ لم يكن هناك أعدادٌ يُعتدُّ بها من الشيعةِ في البصرةِ ممنّ يوالونَ الإمامَ الحسُين (ع) ، ويطيعون أمره بوصفه إماماً معصوماً مفترضَ الطاعة، إذْ إنَّهم كانوا يجتمعونَ سرّاً في بيت مارية بنت منقذٍ العبدي أحد النساء الشيعيّات، ونظراً إلى اجتماعِهم السّريِّّ هذا، فكم سيكونُ عددُهم يا تُرى ؟ ربّما لا يتجاوز أصابعَ اليدينِ.
  2 ـ لم يكن للشيعة أيُّ تحرّكٍ سياسيٍّ يُذكر في البصرة، أو إحساس بالمسؤوليةّ تجاه القضيةِّ الحسُينيةِّ، سوى ثلاثةِ نفرٍ لبوّا دعوة الإمامِ الحسُين (ع) ، وكانوا من بيتٍ واحدٍ، الأب يزيد بن ثبيط، وابناه عبد الله وعبيد الله، وقد استشهدوا بين يديه.
  3 ـ لم يكن من أشرافِ البصرة مَن لبّى دعوة الإمامِ الحُسين (ع) ، وقد كتمُوا أمر كتابِ الإمامِ الحُسينِ (ع) الذي وصلتهم نسخةٌ منه، وتستّروا عليه خوفاً من بطش ابن زياد، لكنّه في الوقت نفسه يُبرّز لنا موقف أحد الأشراف وهو المنذر ابن الجارود الذي كان سبباً في قتلِ رسولِ الإمامِ الحُسين (ع) ، حينما سلّمه إلى عبيد الله بن زياد، خوفاً من أنْ يكونَ دسيساً منه، ويُعتِّم على مواقف البقيّة من أشرافِ البصرة.
  وبخروج ابن زياد من البصرة متوجّهاً إلى الكوفة، واستخلافه أخاه عثمان على البصرة، ينتهي موضوع حال البصرة السياسيّ في قضيّة الإمامِ الحُسينِ (ع) عند الطبريّ.
  وعليه تكتملُ الصورة التي أراد الطبريُّ إيصالها إلينا، وهي أنَّ البصرةَ بأشرافِها ورؤساءِ أخماسِها وعامّة النّاس فيها لم يكونوا مع الإمامِ الحُسين (ع) في ثورته ضدَّ يزيد بن معاوية وخروجه عليه، سواء كان ذلك خوفاً من ابن زياد أم تودُّداً إليه، بل إنّهم قتلوا رسولَ الإمام الحُسين (ع) الذي أوصل كتابه إليهم، وهذا يدلُّ على أنَّه لم يكن للإمامِ الحُسين (ع) قاعدةٌ جماهيريّةٌ مواليةٌ له في البصرة.
  في حقيقةِ الحال عندما تقرأ تاريخ البصرة السياسيّ من قضيّة الإمامِ الحُسين (ع) عند الطبريِّ تجد أنَّ هناك حلْقةً مفقودةً في ربطِ الأحداثِ، وضبابيّةً وتعتيماً في المواقف خصوصاً في قضيّةٍ بحجمِ ثورةِ الإمامِ الحُسين (ع) ، ونظراً إلى تاريخ البصرة وأحداثها التي سبقت ثورة الإمامِ الحُسينِ (ع) بفترةٍ زمنيّةٍ قليلةٍ، والتي بيّنت ولاءَها لأهل البيت (ع) كاشتراكِ أهلها في معركة الجمل، ودورِهم الواضح في معركة صفّين، فإنّا نستغرب من موقف أهل البصرة عندما نقرأه في تاريخ الطبري وتواريخ مَن تبعَ الطبريَّ منهجاً وتوجُّهاً.

ابنُ مسعودٍ النهشليُّ والطبريّ

  عندما استقرأنا ما كتبه الطبريُّ عن حال البصرةِ السياسيّ من قضيّة الإمامِ الحسُين (ع) وجدنا أنَّه لم يذكر ابنَ مسعود النهشليَّ فيها، ولا حتى دور القبائل البصريّة.
  وهنا يمكن أنْ نسأل بعض الأسئلة حول هذا الموضوع :
  - هل كان يزيد بن مسعود النهشليُّ شخصيّةً وهميّةً لا وجودَ لها في التاريخ ؟
  - لماذا لم يذكر الطبريُّ موقفَ ابن مسعود النهشليِّ وقبائل البصرة ؟
  وفي مقام الإجابةِ عن التساؤل الأوّل، نقول : لم يكن يزيد بن مسعود النهشليّ مجهولَ الحال، حتى يتنكّر له الطبريُّ في تاريخه عن أحداث البصرة في قضيّة الإمامِ الحُسين (ع) ، إذ إنَّ الطبريَّ كان عالماً بوجودهِ على أرضِ الواقع، فكان يعلمُ بنسبهِ وحسبهِ وشرفهِ في قومِهِ، فقد ذكرَهُ في تاريخه في أحداث عام خمسينَ من الهجرة، في قضيّة هجاء الفرزدق لبني نهشل وبني فقيم (49) ، إذْ ذَكَر نسبَهُ كاملاً، بعد أنْ عرَّفَ به، بأنَّه سيّد بني نهشل، ثمَّ إنَّه كان على درايةٍ تامَّةٍ بمصاهرتهِ أميرَ المؤمنين الإمامَ عليَّ بن أبي طالب (ع) ، فقد ذكر اسمَ أُختهِ ليلى بنت مسعود النهشليّة ونسبَها، وألحقَها بزوجاتِ الإمامِ عليٍّ (ع) (50) ، وعليه فإنَّ يزيدَ بن مسعود ليس شخصيّةً وهميّةً، كما افترضنا في سؤالنا، إذْ إنَّ له مكانةً اجتماعيّةً رفيعةً، لا يمكن للطبريِّ أو غيره أنْ يُنكرَِها، فموقفُه المشرّف، وزعامتُهُ قومَه، ومصاهرتُهُ أميرَ المؤمنين، جعلته شخصيَّةً فرضتْ نفسَها في التاريخ.
  أمَّا عن التساؤل الثاني: فقد بيَّنا مسبقاً موقفَ يزيد بن مسعود النهشليّ من قضيّة الإمام الحُسين (ع) وكذلك مواقف بعض القبائل البصريّة من دعوةِ ابن مسعود، وهم بنو تميم وبنو سعد وبنو حنظلة وبنو عامر، وأوضحنا استجابة هذه القبائل، واستعداد ابن مسعود للحرب، والبدء بتجهيز الجيش للذهاب به لنصرة الإمامِ الحُسين (ع) ، فكم كان قِوامُ هذا الجيش ؟ فلو أخذنا على سبيل المثال قبيلة تميم، التي تُعدُّ من أهمِّ القبائل العربيّة التي استوطنت البصرة منذ بداية تأسيسها، وأكبرها من حيث العدد والعدّة، التي أدّت دوراً بارزاً في الحياة السياسيّة والاجتماعيّة في البصرة، نراها قد بلغ عدد مقاتليها في البصرة أيام يزيد ابن معاوية (عشرين ألف مقاتلٍ)، إذْ قال الشاعر جرير بن عطيّة التميميّ (51) لمّا هرب عبيد الله بن زياد إلى الشام، بعد مقتل مسعود بن عَمْرو (سيّد الأزد) :
سائِل ذوي يمنٍ إِذَا iiلاقيتهم      والأزد إذْ ندبوا لنا iiمسعودا
لاقاهم عشرون ألف مدجَّجٍ      متسربلينَ  دلامصاً وحديدا
فلغادروا مسعودَهم iiمتجدّلاً      قَدْ أودعُوه جنادلاً iiوصعيدا
  وهناك رقم آخر يذكره صاحب كتاب (تاريخ الشيعة) الشيخ المظفّر، يقول : (إنَّ يزيد بن مسعود النهشليَّ كان معه ما يربو على عشرة آلاف مقاتل، ولولا حيلولة القدر لنصر الإمام الحُسين (ع) بهم ) (52) ، فلو رجعنا إلى الرّواية وتمعّنا بما جاء فيها، وهو أنَّ ابنَ مسعودٍ النهشليّ (لمّا تجهّز للخروج إلى الحُسين (ع) بلغه قتله قبل أنْ يسير) ، وهذا يعني أنَّهُ أكمل إعداد جيشه ورام الخروج به، فلو أخذنا هذا العدد – عشرة آلاف مقاتل – وجعلناه على أرض الواقع في البصرة، كيف سيكون الأمر ؟ تخيّل ذلك، ولو قارنّا ما بين العدد الذي خرج لنصرة الإمامِ الحُسين (ع) الذي ذكره الطبري (وهو ثلاثة نفرٍ فقط) ، وما بين الرّواية التي جاء فيها ذكر يزيد بن مسعود النهشليِّ ومن خرج معه بما يقارب عشرة آلاف مقاتل بعدّتهم وعتادهم، فإنَّها تفنّدُ كلَّ الآراء التي قالت بعدم مناصرة البصريّين للإمامِ الحسينِ (ع) ، ودَحَضَت كلَّ الأقوال التي ذكرت عكس ذلك، إذاً مَن هو المستفيدُ الأكبرُ من إخفاء موقف ابن مسعود النهشليِّ في البصرة من قضيّة الإمام الحُسين (ع) ؟ .
  والظاهر أنَّ الطبريَّ قد تأثّر باتجاهٍ سياسيٍّ خاصٍّ، رغبةً أو رهبةً، ونتيجة لتأثُّره هذا فقد صرّح بإعراضهِ عن ذكر أخبارٍ معيَّنة، وقد علّل سببَ عدم ذكر بعضِها بأنَّهُ كرِهَ ذكرَها، كما فعل في موضوع النزاع ما بين أبي ذر الغفاري وبين عثمان بن عفان، ومعاوية بن أبي سفيان، حينما عمل معاوية بن أبي سفيان على إشخاصِ أبي ذرٍ الغفاري من الشام إلى المدينة، فذَكَر الرّواية التي عذرت معاوية، بعمله هذا، لكنّه حينما أشار إلى الأخبار التي ذكرت سببَ إشخاصِ معاوية أبا ذرٍ الغفاري، التي أدانت الآخرينَ، قال : إني كرِهت ذكرها (53) ، ولعلّه هنا أيضاً كرِه ذكرَ موقفِ يزيد بن مسعود النهشليِّ البطولي ومواقف بعض القبائل البصريّة الأصيلة من قضيّة الإمامِ الحُسين (ع) في البصرة، ويظهر ممّا تقدّم أنَّ الانتقائيّة في تدوينِ التاريخ وذكر المواقفِ والأحداثِ ورجالها، قد أخذت مأخذَها من تاريخ الطبريِّ، وخصوصاً مع خصومِ آل أميّة.

الخاتمة

بسم الله الرحمن الرحيم

  بعدَ هذهِ السِّياحةِ في ميدانِ الشّهامة والفداءِ والنُّبلِ النهشليِّ، وصل بنا المقام إلى خاتمةِ بحثِنا ، لنسطِّرَ نتائج ما خُضناه من آفاقِ عَلَمٍ بارزٍ من أعلام البصرة الكريمة، فكان خلاصةُ ذلك الخَوْض ما يأتي :
  1 ـ مِن المعلومِ أنّ التأريخ السُّلطويّ - أي الذي تكتبُه يدُ البلاط - يضمُّ لمظاهرَ كثيرة مِنَ الزّيف والانحراف عن الواقع والحقيقة، وإنّه يترسّمُ معالمَ الجور والتعسُّف السّلطوي، وقد كان لشخصيَّتنا المتناوَلة بالدّراسة حظٌ وافرٌ من ذلك الزّيف والتعتيم الذي تعمّدته يدُ التأريخ السّلطوي على مواقفها المناوِئة، إذْ إنَّ شخصيّة يزيد بن مسعودٍ النهشليِّ بوصفه سيّداً لبني نهشل من تميم في حقبةٍ حافلةٍ بالأحداث والمتغيرات باتت خافيةَ الظلال، مُعتَمَةَ المعالم، ّّمشوّهة الصُّورة، خصوصاً في أحداث طفِّ كربلاء ، إذْ بانَ انحرافُ التأريخِ جليّاً في عدم إبرازِه مواقفَ يزيد بن مسعود النهشليّ من الأحداث الحاسمة آنذاك، والمرتبطة بواقع الدّين الحنيف وحفظِه وسلامتِهِ مِن التحريف، ومن هنا بات من المهمِّ الوقوف عند مناهج المؤرّخين في تقييم الأشخاص قبل الحكم عليهم إيجاباً وسلباً ، لكون السّياسة رسمَت معالمَ الأشخاصِ والأماكنِ بما يتناسبُ وتوجّهاتها السياسيّة، ويمكن القول إنّنا حاولنا في بحثنا هذا أن نبرزَ الملامحَ الحقيقيّة لدور يزيد النهشليّ ومواقفه الداعمة لرؤى أهل البيت (ع) الدينيّة الإلهيّة، على الرُّغم من شحّة المعلومات وقلّتها، إلا أنّ الحقّ يأخذُ طريقه في سهو الأقلام الجائرة، وغفلتها فتكونُ منفذاً لأنوارِه .
  2 ـ وعطفاً على هذه النتيجة يظهرُ أيضاً أنّ موقفَ البصرة من الأحداث في تلك الحِقبة الزمنيّة، وخصوصاً من واقعة كربلاء، بات هو الآخر مشوّهاً ضئيلاً مغموراً، لا يحكي واقع الحال، إذْ إنَّ التأريخ – أيضاً - سار سيراً سُجْحاً في تغييب مواقفها من الأحداث الداعمة لحقّ أهل البيت (ع) ، ومن خلالِ تتبّع موقف يزيد النهشليّ وأصحابِهِ يتبين أنّ البصرةَ احتشدت بما يزيد على عشرة آلافِ مقاتلٍ – حسب الأدنى وفقاً للمعطيات التي ذكرناها - ملبّيةً دعوةَ الحقِّ الحسينيّ ، بل استئثارها بمكاتبةِ الإمامِ الحُسين (ع) أهلَها ابتداءً لا جواباً، إلا أنّ تسارعَ الأحداث، وغلبة القَدر، ومسالح السلطة، وتحرّكها في سدِّ المنافذ المُشرِفَة على وجهة الإمام الحُسين (ع) ، حالت دون أن تسطّر البصرةُ موقفَها البطولي مع ريحانة رسول الله (ص) ، على الرُغم من أنّها قدّمت أكثر من عشرةِ شهداءَ في ملحمة الدَّمِ الطاهر، إلا إن هبَّتها لنصرة سيّد الشهداء (ع) ، وعزمها على معاضدتِهِ في سيره، لهُوَ موقفٌ يحسبُ له الحسابُ، ويعدُّ في أرقامِ المواقفِ الحقّة، وإن حاولت الأقلام المأجورة حَرْفَهُ عن واقِعِهِ المتحقّق.
  وعليه، فمِنَ الممكن القول إنّ البحثَ حاوَل أن يكشفَ الغُبار ويزيلَ اللِّثام عن ما حاولَ بعضُ المؤرّخينَ تسطيره لإخفاء حقيقة الهويّة البصريّة في دعمِها مواقفَ أهل البيت (ع) الصارمة، إذْ مِن خلالِ هذهِ الجزئيّةِ المهمّةِ مِن تأريخ هذه المدينةِ العريقةِ يتبين عمقُ ولاء أهلها ومحبّتهم أهلَ بيتِ النبيِّ عليهم صلوات الله وسلامه، وما قاسَوه وعانوه - بعد ذلك - من ظروفٍ قاهرةٍ من السّلطات الجائرة، ومن قتلٍ وإبادةٍ وتشريدٍ وتجويعٍ.
  نأملُ أن نكونَ قد وفِّقنا في السّير في ركب المنصفِينَ للحقائق المجهولة، داعينَ اللهَ (عز وجل) التوفيق للجميع، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.

المصادرُ والمراجعُ

  القرآنُ الكريمُ .
  ابن الأثير : علي بن محمّد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيبانيّ (ت 630 هـ) .
  1 ـ الكامل في التاريخ، دار صادر للطباعة والنشر، بيروت، 1966 م.
  ابن أبي الحديد : عزّ الدّين عبد الحميد بن هبة الله المدائنيّ (ت 656 هـ) .
  -2 شرح نهج البلاغة، تح : محمد أبو الفضل إبراهيم، مؤسّسة إسماعيليان، ب . ت.
  ابن البطريق : يحيى بن الحسن الأسديّ الحلي (ت 600 هـ) .
  3 ـ عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، قم المشرّفة، 1407 هـ ق .
  ابن حجر : أحمد بن علي بن حجر العسقلانيّ (ت 852 هـ) .
  4 ـ الإصابة، تح : الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمّد معوض، ط 1، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1415 هـ .
  ابن حزم : علي بن أحمد (ت 456 هـ) .
  5 ـ جمهرة أنساب العرب، تح : عبد المنعم خليل إبراهيم، ط 6، دار الكتب العلميّة، بيروت، 2012 م .
  ابن سعد : محمّد بن سعيد بن منيع الزهري (ت 230 هـ) .
  6 ـ الطبقات الكبرى، دار صادر، بيروت، ب . ط.
  ابن طاووس : علي بن موسى بن جعفر بن محمّد (ت 664 هـ) .
  7 ـ اللَّهوف في قتلى الطفوف، ط 1، مهر، قم المقدّسة، 1417 هـ.
  8 ـ اليقين، تح : الأنصاريّ، ط 1، مؤسّسة دار الكتاب، 1413 هـ.
  الأصفهانيّ : علي بن الحسين بن محمّد بن أحمد بن الهيثم (ت 356 هـ) .
  9 ـ مقاتل الطالبيّين ط 2، تح : كاظم المظفر، مؤسّسة دار الكتاب للطباعة والنشر، قم، 1965 م.
  الأمين : حسن (ت 1423 هـ) .
  10 ـ مستدركات أعيان الشيعة، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، 1987 م.
  الأمين : محسن (ت 1371 هـ) .
  11 ـ أعيان الشيعة، تح : حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، 1983 م.
  ابن نما : نجم الدين محمّد بن جعفر (ت 645 هـ) .
  12 ـ مثير الأحزان، المطبعة الحيدريّة، النجف الأشرف، 1950 م.
  البلاذريّ : أحمد بن يحيى بن جابر (ت 279 هـ) .
  13 ـ أنساب الأشراف، تح : محمّد باقر محمودي، الجزء الثاني، ط 1، مؤسّسة الأعلميّ، بيروت، 1974 م.
  14 ـ أنساب الأشراف، تح : إحسان عباس، الجزء الخامس، جمعيّة المستشرقين الألمانيّة، بيروت، 1974 م.
  الثقفي : إبراهيم بن محمّد (ت 283 هـ) .
  خسرو : ناصر خسرو (ت 481 هـ) .
  16 ـ سفر نامه، تح : د. يحيى الخشّاب، ط 3، دار الكتاب الجديد، بيروت، 1983 م.
  الخوئي : السيّد أبو القاسم الموسوي (ت 1411 هـ).
  17 ـ معجم رجال الحديث، ط 5، مركز نشر الثقافة الإسلاميّة، 1992 م.
  الذّهبيّ : أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن عثمان (748 هـ).
  18 ـ تاريخ الإسلام، تح : د. عمر عبد السّلام تدمري ، ط 1، دار الكتاب العربي، بيروت، 1987 م.
  السّماوي : الشيخ محمّد السّماوي (ت 1370 هـ) .
  19 ـ إبصار العين في أنصار الحُسين (ع) ، تح : الشيخ محمّد جعفر الطبسي، ط 1، مطبعة حرس الثورة الإسلاميّة، 1419 هـ . ق، 1377 هـ . ش.
  شمس الدّين : محمّد مهدي (ت 1422 هـ) .
  20 ـ أنصار الحسين (ع) ، الدار الإسلاميّة، ط 2، 1981 م.
  الطبري : محمّد بن جرير (ت 310 هـ) .
  21 ـ تاريخ الطبريّ، تح : نخبة من العلماء، ط 4، مؤسّسة الأعلمي، بيروت، 1983 م.
  المجلسي : محمّد باقر (ت 1111 هـ) .
  22 ـ بحار الأنوار، ط 2، مؤسّسة الوفاء، بيروت، 1983 م.
  أبو مخنف، لوط بن يحيى (ت 157 هـ).
  23 ـ مقتل الحُسين (ع) ، تح : الحسن الغفاري، المطبعة العلميّة - قم ،(ب . ط) .
  المزّي : أبو الحجّاج يوسف (ت 742 هـ).
  24 ـ تهذيب الكمال في أسماء الرّجال، تح : الدّكتور بشّار عوّاد معروف، ط 4 ، مؤسّسة الرّسالة، بيروت، 1985 م.
  المظفّر : محمّد حسين المظفّر (ت 1371 هـ) .
  25 ـ تاريخ الشّيعة، دار الزّهراء للطّباعة والنّشر والتّوزيع، ب . ت.   المفيد : أبو عبد الله محمّد بن محمّد النعمان، ابن المعلّم العكبري (ت 413 هـ) .
  26 ـ الإرشاد، تح : مؤسّسة آل البيت (ع) لتحقيق التراث، ط 2، دار المفيد، بيروت، 1993 م.
  النمازي : علي الشاهرودي (ت 1405 هـ) .
  27 ـ مستدركات علم رجال الحديث، ط 1، مطبعة حيدريّ، 1415 هـ .

الهوامش

  (1) الطبري، تاريخ الطبري : ج 4، ص 179 ، ولم يذكره ابن حزم الأندلسي في كتابه جمهرة أنساب العرب حينما ذكر إخوته عبّاد ونُعيم وليلى في بني نهشل بن دارم . ينظر : ص 230 .
  (2) الطبري، المصدر نفسه : ج 4، ص 118 ، ويذكرها بعضهم باسم ليلى ابنة مسعود الدارميّة نسبة إلى جدّها (دارم)، كالشيخ المفيد في الإرشاد : ج 1، ص 354 ، وابن البطريق في كتابه العمدة : ص 30 ، وغيرهم.
  (3) البلاذري، أنساب الأشراف : ج 12 ، ص 123 .
  (4) الطبري، المصدر والصفحة نفسها، كما ذكر نسبها ابن سعد في طبقاته باختلاف اسم واحد، فعند الطبري (مالك) وعنده (ثابت) . ينظر : ج 3، ص 19 .
  (5) السيّد حسن الأمين، مستدركات أعيان الشيعة : ج 3، ص 300 .
  (6) ابن نما الحلي، مثير الأحزان : ص 17 .
  (7) السيّد ابن طاووس، اللّهوف في قتلى الطفوف : ص 26 .
  (8) السيّد ابن طاووس، اليقين : ص 69 .
  (9) ابن نما الحلي، مثير الأحزان : ص 19 ، وينظر : السيدّ ابن طاووس، اللّهوف في قتلى الطفوف : ص 28 ، والع مّالة المجلسي، بحار الأنوار : ج 44 ، ص 339 ، والشيخ عبد الله البحراني : عوالم العلوم والمعارف : ج 17 ، ص 189 ، السيدّ محسن الأمين، لواعج الأشجان : ص 42 .
  (10) المجلسي، بحار الأنوار : ج 32 ، ص 387 .
  (11) ناصر خسرو، سفر نامه : ص 148 .
  (12) ابن نما الحلي، مُثير الأحزان : ص 17 .
  (13) هو زائدة بن قدامة أبو الصّلت الثقفيّ الكوفّي الحافظ، المتوفى عام ( 161 هـ ) . ينظر : تاريخ الإسلام للذهبي : ج 10 ، ص 191 - 192 ، ومعجم رجال الحديث للسيّد الخوئي : ج 8، ص 222 رقم 4658 ، وفيه: من أصحاب الباقر (ع) ، وروى عن علي بن الحسين (ع) .
  (14) المجلسي، بحار الأنوار : ج 28 ، ص 57 .
  (15) (الأخماس) أخماس البصرة هم : العالية، وبكر بن وائل، وتميم، وعبد قيس، والأزد.
  (16) مالك بن مِسْمَع بن شهاب بن قلع بن عمرو بن عبّاد بن جَحدَر بن ضُبيعة بن قيس ابن ثعلبة بن عُكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. ابن حزم الأندلسي، جمهرة أنساب العرب : ص 320 .
  (17) الأحنف بن قيس بن معاوية بن حصين - وهو مقاعس - ابن عبادة بن النزال بن مرّة بن عبيد بن الحارث بن عَمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم بن مرّ بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار التميمي السّعدي، أبو بحرٍ البصريُّ، ابن أخي صعصعة بن معاوية، والأحنف لقب، واسمُه الضحّاك، وقيل : صخر. المزيّ، تهذيب الكمال : ج 2، ص 282 – 283 .
  (18) بشر بن عمرو بن حبيش بن المعلى بن يزيد بن حارثة بن معاوية العبدي، وأمه أُمامة بنت النعمان. ابن حجر، الإصابة : ج 6، ص 209 .
  (19) مسعود بن عمرو بن الأشرف بن البخَْتري بن ذُهل بن زيد بن كعب بن الأزد ابن الحارث ابن العتيك بن الأزد بن عمران. ابن حزم الأندلسي، جمهرة أنساب العرب : ص 370 .
  (20) قيس بن الهيثم بن قيس بن الصّلت بن حبيب بن حارثة بن هلال بن سِماك بن عوف ابن امرئ القيس بن يُهبثة بن سُلَيمْ بن منّصور بن عِكرمة بن خَصَفة بن قيس عيلان بن مُضر بن نِزار بن مَعَدّ بن عدنان . ابن حزم الأندلسي، جمهرة أنساب العرب : ص 262 .
  (21) عمر بن عبيد الله بن معمر بن عثمان بن عَمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرّة . ابن حزم الأندلسي، جمهرة أنساب العرب : ص 140 .
  (22) السيّد ابن طاووس، اللّهوف في قتلى الطفوف : ص 26 .
  (23) الطبري، تاريخ الطبري : ج 4، ص 266 .
  (24) حيث قال الأحنف بن قيس لأمير المؤمنين (ع) قبل الخروج : يا أمير المؤمنين، اختر منّي واحدة من اثنتين، إمّا أن أقاتل معك، وإمّا أن أكفَّ عنك عشرة آلاف سيف، فقال أمير المؤمنين (ع) : أكفُف عنّا عََشرةَ آلاف سيف، فرجع الأحنف ودعاهم إلى القعود واعتزل بهم . ينظر : الكامل في التاريخ، ابن الأثير : ج 3، ص 239 .
  (25) مسلم بن عَمرو الباهليُّ أبو قتيبة، كان نديمًا ليزيد بن معاوية، يشرب معه ويغنِّيه . البلاذريّ، أنساب الأشراف : ج 5، ص 298 رقم 796 ، وهو من حمل عهد يزيد ابن معاوية لعبيد الله بن زياد بولاية الكوفة، وهو في البصرة . يُنظر : الطبري، تاريخ الطبري : ج 4، ص 265 . وهو القائل لمسلم بن عقيل (ع) حين استسقى بعد أسرِهِ : لا تسقى إلا من الحميم . ينظر : الطبري، المصدر نفسه : ص 281 .
  (26) البلاذري، أنساب الأشراف : ج 2، ص 78 .
  (27) إبراهيم بن محمّد الثقفي، الغارات : ج 2، ص 793 .
  (28) السيّد محسن الأمين، أعيان الشيعة : ج 7، ص 344 .
  (29) ينظر : الأصفهاني، مقاتل الطالبيّين : ص 65 .
  (30) ينظر : من عطاء النّهضة الحسينيّة، إعداد مركز تراث البصرة : ص 29 .
  (31) السيّد ابن طاووس، اللّهوف في قتلى الطفوف : ص 29 .
  (32) إبراهيم بن محمّد الثقفي، الغارات : ج 2، ص 522 .
  (33) الشيخ علي النمازي الشاهرودي، مستدركات علم رجال الحديث : ج 7 ، ص 498 .
  (34) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة : ج 18 ، ص 54 .
  (35) ابن سعد، الطبقات الكبرى : ج 7، ص 87 .
  (36) الطبري، تاريخ الطبري : ج 4، ص 265 – 266 .
  (37) الطبري، تاريخ الطبري : ج 4، ص 265 – 266 .
  (38) المصدر السّابق.
  (39) السيّد ابن طاووس، اللّهوف في قتلى الطّفوف : ص 26 .
  (40) ينظر : السيّد ابن طاووس، اللّهوف في قتلى الطفوف : ص 28 .
  (41) السيّد ابن طاووس، اللّهوف في قتلى الطفوف : ص 28 .
  (42) بصريٌّ من بني سعد بن تميم من عدنان (عرب الشمال)، عُدَّ من المستشهدين بين يدَي الإمامِ الحُسين (ع) ، وقد وقع التسليم عليه في الزيارة الرجبيّة وكذلك في زيارة الناحية مع توصيفه بالسّعديّ . محمد مهدي شمس الدين، أنصار الحسين (ع) : ص 82 ، السَّيد الخوئي، معجم رجال الحديث : ج 5، ص 214 .
  (43) مع الأسف الشديد فإنَّ التاريخ لم يُنصف هؤلاء السّبعة الذين جاءوا مع الحجّاج ابن يزيد السعديّ لنصرة الإمام الحُسين (ع) واستشهدوا معه، إذ لم تُذكر أسماؤهم، باستثناء قعنب بن عَمرو النمريّ.
  (44) كان قعنب رجلًا بصريَّاً من الشيعة الذين بالبصرة، جاء مع الحجّاج السعديّ إلى الإمام الحسين (ع) وانض إليه، وقاتل في الطفِّ بين يديه حتى قُتل، ذكره صاحب الحدائق الوردية : ص 216 ، وله في القائميّات – يعني الزيارات المنسوبة عن القائم (عج) ، الناحية، والرجبيّة - ذكرٌ وسلامٌ. الشيخ محمد السماوي، إبصار العين في أنصار الحسين (ع) : ص 215 – 216 .
  (45) السيّد ابن طاووس، اللّهوف في قتلى الطفوف : ص 28 .
  ينظر : أبو مخنف، مقتل الحسين (ع) : ص 235 . و ينظر : الأصفهاني، مقاتل الطالبيّين : ص 56 - 57 .
  (46) الطبري، تاريخ الطبري : ج 4، ص 262 – 263 .
  (47) المصدر السابق : ص 265 – 266 .
  (48) الطبري، تاريخ الطبري : ج 4، ص 179 .
  (49) المصدر نفسه : ج 4، ص 118 .
  (50) جرير بن عطية بن حذيفة الخطفيّ بن بدر بن سلمة بن عوف بن كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم البصري، أحد الشعراء المعروفين، حسن القول متين الشعر جيدّ النظم، واسع العلم غزير الأدب . ينظر : السمعاني، الأنساب : ج 2، ص 382 .
  (51) المظفّر، تاريخ الشيعة : ص 113 .
  (52) الطبري، تاريخ الطبري : ج 3، ص 335 .