(الثقافة والادب)
المربي محمد جواد جلال
الاستاذ عبد الحسين الغراوي

 يعد الاستاذ الفاضل محمد جواد جلال استاذاً جليلاً ومربياً بصرياً فاضلاً وعلماً من اعلام الثقافة والادب في البصرة التي عرفت بشخصيتها الادبية والفكرية واللغوية والثقافية ... وحياة هذا الانسان النبيل والمربي الفاضل حافلة بالانجازات الثقافية والتربوية والادبية ، لانه كان منذ طفولته وحياة زاهداً وحلماً بعلوم المعرفة الانسانية ومولعاً بالقراَن الكريم الذي جعل منه دستوره الايماني والروحي ، ولكي نستذكر هذه الشخصية البصرية العريقة وفاءاً وعرفاناً للاستاذ الراحل محمد جواد جلال ، التقينا ولده نزار محمد جلال الذي تحدث عن حياة والده الزاخرة بالعلم والادب والمعرفة حيث قال .

موهبة شعرية مبكرة
 ولد الاستاذ محمد جواد جلال عام 1901 م في البصرة في محلة السيمر وكان لوالده فضل عظيم في تربيته في طفولته عكف على تعليم القراَن الكريم والخط والحساب .
 وكان جدي يسطحب والدي الى الدواوين التي كان منبراً حراً للثقافة والعلوم وكان يلتقي فيها اعلام وعلماء البصريين في ذلك الوقت ، والدي حفظ القراَن الكريم وهو صغير ، وكان محباً للمطالعة ولديه في دارنا مكتبة تضم الكثير من الدواوين الشعرية والقصصية والروائية والنقدية والثقافية والفقهية واللغوية ، ويضيف ولده مازن : نمت ملكه وموهبة نظم الشعر عند والدي الاستاذ محمد جواد جلال وهو لم يعرف بعد تعلم النحو العربي ، ولاستكمال موهبته بحث له والده عن معلم يعلمه قواد اللغة العربية وكان له صديق بغدادي هو المرحوم صادق الاعرجي وكان يومئذ نزيلاً في البصرة في عهد الاحتلال البريطاني ، وهو اديب وشاعر فأخذ يطلع على شعر والدي واعجب به كثيراً ، ومنذ ذلك الوقت تنبأ له بموهبة ومستقبل زاهر وبدأ هذا الاستاذ والاديب الجليل بعلمه قواعد النحو في احد الساجد ، وسرعان ما تعلم الوالد المرحوم محمد جواد جلال قواعد اللغة والنحو والصرف والعروض والبلاغة وعلم المنطق ... ويستعرض السيد نزار محمد جواد جلال سيرة والده الابداعية .

الصدفة التي جعلت منه معلماَ
 كان والدي يتعلم اللغة الانكليزية في صف ليلي في مدرسة البصرة الابتدائية ، وكان متفوقاً على زملائه فأدرك المعلم ( عبد السلام عزة ) انه يجيد قواعد اللغة العربية فأخبر بذلك ( ناظر المعارف ) اي مدير التربية ( المستر رايلي ) فأستدعاه ثم طلب منه المفتش الهندي ( محمد يواز ) الذي كان يجيد اللغة العربية ان يختبره وتقدر بعد ذلك تعيينه بدون تقديم طلب بمدرسة السيف الابتدائية وكان ذلك في عام 1921 كما يؤكد ذلك ولده نزار الذي واصل الحديث عن حياة والده : ولتبؤه مكانة مرموقة في سلك التعليم اعتمدت دائرة معارف البصرة لاختيار المعلمين وبيان مدى صلاحيتهم للتعليم ، لانه كان الوحيد الذي يحسن قواعد اللغة العربية بين موظفي الدائرة ... وفي تلك الفترة المت به مصيبة وفاة والده الذي ترك له عائلة كبيرة لكن والدي قاوم بعزيمته وقو ارادته وصبره هذه الظروف الحياتية والمعاشية القاسية ، وكان انتظامه في سلك التعليم عاملاً في اطلاعه على العلوم الحديثة وهذا اخذ يبحث عن استاذ يحقق له رغبته وطموحه ، فوجد الاستاذ محمد رؤوف المهندس والد السيد احمد صاحب مطبعة البصرة ، وتوطدت بين الرجلين صداقة قوية ، وكان يترجم له بعض الكتب التركية ومنها الكتب العلمية والرياضيات وعلوم الطبيعة وبعد عام كما يخبرنا ولده نزار محمد جواد حصلت حملة للكتب العلمية في مصر فاستفاد منها كثيراً حيث استمرت دراسته هناك خمس سنوات بعد ذلك فرغ نفسه كلياً للعلم والمعرفة والقراءة ، وكان من عادة والدي الراحل محمد جواد جلال السهر حتى اليوم الاخر منشغلاً طوال الوقت بالقراءة ... وخلال سنوات 1928 / 1929 / 1930 انتقل من البصرة الى مدرسة الناصرية الابتدائية ، ثم الى ادارة مدرسة سوق الشيوخ ثم الى متوسطة العمارة ، ونتيجة كفاءته وثقافته وموسوعته المعرفية في قواعد اللغة العربية تقرر تعيينه على ملاك الثانوي في ثانوية العمارة حيث قضى هناك (12) سنة وكان لوالدي في بيته مجلس يحضره الادباء والمثقفين وفي عام 1945 نقل الى ثانوية البصرة للبنات ، وكان محبوباً ومخلصاً ، بعد ذلك نقل الى ثانوية البصرة للبنين ، بعدها الى دار المعلمين ، وفي عام 1963 وبعد بلوغ والدي سن الـ 63 سنة وبناءاً على طلبه احيل الى التقاعد ، وفي تلك الفترة طلبت منه جامعة البصرة القاء محاضرات في قسم كلية الاداب عن تاريخ الادب العربي ومحاضرات اخرى في قواعد اللغة العربية ، واوضح ولده نزار ـ ان دار والده تحولت الى مزار لمحبي الثقافة والعلم والادب وطلاب العلم والمعرفة ... وعن مؤلفات الراحل الاستاذ والمربي والعلامة الفاضل محمد جواد جلال ذكر ولده نزار محمد جواد جلال .

منجزه الابداعي
 بعد احالته على التقاعد تفرغ كلياً الى المطالعة والتأليف والف 21 كتاباً ثلاثة منها مطبوعة هي ( فلسفة الامام ) و ( علوم القراَن ) و ( ادب القراَان ) ومن مؤلفاته الاخرى ديوان شعر اضافة الى كتب اخرى في الفلسفة والمنطق واللغة والقواعد والطبيعة ... ومثل هذا التراث الادبي واللغوي والفقهي لابد ان يحضى بالرعاية والاهتمام ويصار الى طبع مؤلفات الاستاذ الجليل الراحل محمد جلال الذي يمثل رمزاً ثقافياً بصرياً مهماً ولكي يطلع الباحثون والدارسون والاكاديميون على الارث الثقافي والفكري واللغوي الى هذه العلامة البصرية والمربي الفاضل محمد جواد جلال اكراماً وتوثيقاً لحياته الزاخرة بالمنجز الادبي والانساني وهذه دعوة الى وزارة الثقافة ومركز الدراسات بجامعة البصرة احتضان التراث الخالد للعلامة الاستاذ الجليل محمد جواد جلال ... اما عن نشاطه الاخر فقد قال عنه ولده ـ انه كان يكتب في الصحف والمجلات العراقية والعربية ، كما كتب عن المرأة في الاسلام في عشرين عدد من جريدة المنار البصرية ولكن بدون ذكر اسمه .
 ومن منجزاته واَثاره الخالدة وهو قيامه بتأسيس الرابطة الثقافية في البصرة سنة 1950 وانتخب رئيساً بتاريخ 9 / 11 / 1983 انتقل الى جوار ربه ... حيث كان ولايزال المرحوم محمد جواد جلال تسكن محبته قلوب اهله واقربائه واصدقائه الذين عاصروا مسيرته الادبية والثقافية وسيرة حياته الزاخرة بالعطاء وكل اهل بصرته الطيبين ، لانه احد اعمدتها الثقافية والفكرية وبمناسبة الذكرى الثانية والعشرين على رحيل هذا العلم الادبي البصرة الذي 9 / 11 / 2005 هل من مؤسسه ثقافية او اكاديمية او اتحاد ادباء البصرة او المركز العام استذكار هذه الشخصية الثقافية والادبية من خلال اقامة مهرجان خاص بالاستاذ الراحل والمربي والشاعر والزاهد والمبدع الكبير محمد جواد جلال اكراماً لما قدمه من جهد خلاق في الثقافة واللغة والقواعد .