دور اهل البصرة في نصرة الامام الحسين ( عليه السلام )

الاستاذة انتصار عدنان عبد الواحد

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

  تملكني شعور بالفخر والاعتزاز وانا اطالع كتاب ( البصرة في نصرة الامام الحسين ( عليه السلام ) لمؤلفه : نزار المنصوري ) ، حيث قدم هذا الباحث ـ مشكورا ـ حقائق تاريخية مهمة عن دور اهل البصرة في نصرة ودعم ثورة الامام الحسين ( عليه السلام ) آنذاك .
  ولعل قلب البصريين كلها تخفق بالفخر والاجلال لذلك المواقف الطيبة التي سجلها السلف الصالح من اهل هذه المدينة الطيبة في نصرة ائمة الحق والهدى على مر العصور ...
  وبما اننا نعيش في هذه الايام الذكرى الاليمة لواقعة الطف الخالدة ، فان من دواعي الوفاء ان نستذكر تلك المواقف المشرفة لاهل البصرة في النهضة الحسينية ، فما ان بلغ اهل البصرة خير تاهب الامام ( عليه السلام ) وعزمه على الخروج من مكة معلنا بذلك ثورته على الظالمين ، بدات تحركاتهم لنصرته واللحاق به ( عليه السلام ) فكانوا يجتمعون في دار احدى النساء البصريات وتدعى ( مارية بنت منقذ ـ او سعيد ـ العبدية ) وهي من قبيلة بني عبد القيس ، حيث يذكر المؤرخون ان دارها كان مألفا للشيعة ، وفي هذا دلالة على مشاركة المرأة البصرية في دعم الثورة الحسينية وما دور مارية الا انموذجا طيبا لذلك ، اذ يدل اجتماع القوم في دارها على عدة امور :
  1 ـ انها شخصية ذات مكانة مرموقة وجاه وشرف في مجتمعها انذاك حتى ان اشراف البصرة وخاصة من قبيلتها كانوا يجتمعون اليها في الدار ، وربما شاركتهم ذلك الاعداد لنصرة سيد الشهداء .
  2 ـ ربما كان اختيارهم لدار مارية مكانا للاجتماع والتباحث يدلل على الحذر والتكتم كانت تعيشه شيعة البصرة ، لذا اختاروا تلك الدار للتمويه على السلطة التي وضعت العيون للتضييق عليهم .
  فاجمع يزيد بن نبيط العبدي على الخروج لنصرة الامام الحسين ( عليه السلام ) وكان له بنون عشرة ، فقال لهم : ايكم يخرج معي ؟ فانتدب معه ولدين له : عبد الله و عبيد الله ، ثم خاطب اصحابه في بيت مارية قائلا :
  ( اني قد عزمت على الخروج ، وانا خارج ، فقالوا له : انا نخاف عليك اصحاب ابن زياد ، فقال : اني والله لو استوت اخفافهما بالجدد ( اي سطح الارض ) لهان علي طالب من يطلبني ) .
  فخرج وبصحبته ابناه وعامر بن مسلم العبدي ، ومولاه سالم ، وسيف بن مالك ، والادهم بن امية ، واسرع في مسيرته حتى لحق بالامام ( عليه السلام ) ودخل في رحلة بالابطح اي قبل خروجه ( عليه السلام ) من مكة ، وما زال برفقة سيد الشهداء حتى قيل بين يديه مبارزة وقتل ولداه في الحملة الاولى ، وايضا قتل الباقون ممن رافقه بين يدي الامام ( عليه السلام ) في يوم عاشوراء .
  وكان الامام الحسين ( عليه السلام ) قد ارسل كتبه الى اشراف البصرة يدعوهم فيها الى نصرته ولزوم طاعته ، منهم يزيد بن مسعود النهشلي ، والمنذر بن الجارود ، وهو بمكة وقد ارسلها مع سليمان مولاه فكتب : ( اما بعد ، فان الله قد اصطفى محمدا ( صلى الله عليع وآله وسلم ) على خلقه واكرمه بنبوته ، واختاره لرسالته ، ثم قبض اليه ، وقد نصح لعباده ، وبلغ ما ارسل به ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وكنا اهله واولياءه واوصياءه وورثته ، واحق الناس مقامه في الناس ، فاستاثر علينا قومنا بذلك ، فاغضبنا كراهية للفرقة ومحبة للعافية ، ونحن نعلم انا احق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه ، وقد بعثت رسولي اليكم بهذا الكتاب ، وانا ادعوكم الى كتاب الله وسنة نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فان السنة قد اميتت ، وان البدعة قد احييت ، فان تسمعوا قولي وتطيعوا امري ، اهدكم سبيل الرشاد والسلام ) .
  فجمع يزيد بن مسعود النهشلي قومه بعد قراءته كتاب الامام الحسين ( عليه السلام ) ، بني تميم ، وبني حنظلة ، وبني سعد ، وبني عامر ، وخطبهم فقال :
  ( يا بني تميم كيف ترون موضعي فيكم وحسبي منكم ؟ فقالوا : بخ بخ ، انت والله فقرة الظهر ، وراس الفخر ، حللت في الشرف وسطا ، وتقدمت فيه فرطا .
  فال : فاني قد جمعتكم لامر اريد ان اشاوركم فيه واستعن بكم عليه .
  فقالوا له : انا والله نمنحك النصيحة ، نجهدك الراي ، فقل حتى نسمع .
  فقال : ( ان معاوية قد مات ، فاوهن به هالكا ومفقودا ، الا وانه قد انكسر به باب الجور والاثم ، وتظعظعت اركان الظالم ، وقد كان احدث بيعة عقد بها امرا ، وظن انه احكمه وهيهات الذي اراد ، اجتهد والله ففشل ، وشاور فخذل ، وقد قام يزيد شارب الخمور ، وراس الفجور ، يدعي الخلافه على المسلمين ، ويتامر عليهم بغير رضا منهم مع قصر حلم ، وقلة علم ، لا يعرف الحق موطئ قدمه ، فاقسم بالله قسما مبرورا ، لجهاده على الدين ، افضل من جهاد المشركين ، وهذا الحسين ابن علي امير المؤمنين ، ابن رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ذو الشرف الاصيل ، والرأي الاثيل ، له فضل لا يوصف ، وعلم لا ينزف ، هو اولى بهذا الامر ، لسابقته وسنه ، وقدمه وقرابته يعطف على الصغير ، ويحنو على الكبير ، فاكرم به راعي رعيته ، وامام قوم وجبت لله به حجة ، وبلغت به الموعظة ، فلا تعشوا عن نور الحق ، ولا تسكعوا في وهد الباطل .
  والله لا يقصر احد عن نصرته الا اورثه الله الذل في ولده ، والقلة في عشيرته ، ها انا ذا قد لبست للحرب لامتها ، وادرعت لها بدرعها من لم يقتل يمت ، ومن يهرب لم يفت ، فاحسنوا رحمكم الله رد الجواب ) .
  فقالت بنو حنظلة : يا ابا خالد نحن نبل كنانتك ، وفرسان عشيرتك ، ان رميت بنا اصبت ، وان غزوت بنا فتحت ، لا تخوض غمرة الا خضناها ، ولا تلقى والله شدة الا لقيناها ، ننصرك باسيافنا ، ونقيك بأبداننا اذا شئت .
  وقالت بنو اسد : ابا خالد ان ابغض الاشياء الينا خلافك ، والخروج من رايك .
  وقالت بنو عامر : نحن بنو ابيك ، وحلفاؤك لا نرضى ان بغضت ، ولا نوطن ان ظعنت ، فادعنا نجبك ، وامرنا نطعك .
  ثم كتب الى الامام الحسين ( عليه السلام ) :
  اما بعد ، فقد وصل الي كتابك وفهمت ما ندبتني اليه ودعوتني له من الاخذ بحظى من طاعتك والفوز بنصيبي من نصرتك ، وان الله لم يخل الارض من عامل عليها بخير ، ودليل على سبيل نجاة ، وانتم حجة الله على خلقه ، ووديعته في الارض ، تفرعتم من زيتونة احمدية ، وهو اصلها ، وانتم فرعها ، فاقدم سعدت باسعد طائر ، فقد ذلت لك اعناق بني تميم ، وتركتهم اشد تتابعا في طاعتك من الابل الظماء لورود الماء يوم خمسها ، وقد ذللت لك بني سعد وغسلت درن قلوبها بماء سحابة مزن حين استهل برقها فلمع ) .
  ثم ارسل الكتاب مع الحجاج بن بدر السعدي وكان متهيئا للمسير الى الحسين ( عليه السلام ) لكن السلطة حالت دون خروجه وباقي الانصار ، اذ ضيقت عليهم النافذ ووضعت العيون لترصد كل حركاتهم ، وكان عبيد الله قد توعد اهل البصرة على الخلاف واثاره الارجاف .
  ولما بلغ يزيد بن مسعود النهشلي خبر شهادة الحسين ( عليه السلام ) جزع من انقطاعه عنه .
  اما الهفهاف بن المهند الراسبي البصري فقد تمكن من الخروج من البصرة وجد في مسيره نحو سيد الشهداء حتى انتهى الى العسكر بعد الواقعة فسال القوم : ماالخبر ، اين الحسين ابن علي ؟ فقالوا له : من انت ؟ فقال انا الهفهاف الراسبي جئت لنصرة الحسين ( عليه السلام ) ، فقالوا : اما ترى هجوم القوم على المخيم وسلبهم بنات رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟
  فلما سمع الهفهاف بقتل الحسين ( عليه السلام ) وهجوم القوم ، انتضى سيفه وشد عليهم ولم يزل يقاتل حتى اثخن بالجراح وقتل ( رضوان الله عليه ) .


BASRAHCITY.NET