البصرة في القصص والنوادر الشعبية
فراسة الإنسان وفراسة الحصان
بعد ان احتل العرب الحيرة قرروا احتلال الخريبة ( موقع البصرة قبل الفتح الإسلامي ) ليقطعوا الإمدادات العسكرية التي تأتى من بلاد فارس إلى مناطق وسط العراق ، فتوجهت كتيبة لهذه المهمة ، وعندما وصل الجيش العربي هرب جيش الفرس المتواجدين هناك ، وحال احتلال الموقع قال قائد الكتيبة لاصطحابه : فتشوا لنا عن شيء نأكله ، فوجدوا كمية من التمر وكمية من الرز الغير مقشور ، ففرحوا بالتمر واخذوا يأكلونه ، ونظر أحدهم إلى الرز ولم يكن العرب شاهدوا الرز من قبل فصاح بقومه محذراً : إياكم وهذا واشار إلى الرز ، فانه سم قاتل ! فلم يجربه أحد ، وبينما هم في غفلة من أمرهم إذ تقدم جواد إلى ذلك الرز ، وعرفه بالغريزة على انه طعام فاخذ يأكل منه ، واعتقد الجند ان الحصان سوف يموت فأرادوا ذبحه ، ولكن صاحبه أشفق على جواده والذي يفتديه بنفسه قال لهم : لا تقتلوا الجواد وسأبيت الليلة بجانبه فان ظهر عليه أعراض السم قمت أنا بذبحه قبل موته ! فوافقوا على ذلك ، وفي الصباح كم كان عجبهم ان يروا الجواد معافى وهو بأحسن حال ، فقامت امرأة كانت مع الكتيبة ، وهي بنت الحكيم العربي المشهور الحارث بن كلدة ، وقالت لهم : لقد سمعت أبي يقول ان السم إذا تم طبخه ضاع سمه ! فأخذت مقداراً من ذلك الرز وطبخته ، وكم كان عجبهم عندما رأوا قشرته تنتزع ويظهر لونه الأحمر ( حسب ما يبدوا انه كان من الرز المدعو بالحويزاوي في العراق ، والذي تكون بشرته الخارجية والتي تقع تحت القشرة ذات لون احمر ) ثم شاهدوا زوال تلك البشرة وبروز الرز من تحتها بلونه الأبيض ، فأكلوا منه فأعجبهم كثيراً ، فأخذوه معهم وكانوا يأكلون منه بنهم كلما اشتاقوا إلى أكلة لذيذة .
سبب السمنة
تقول الروايات ان الجيش الإسلامي عندما تقدم إلى الابلة ( موقع البصرة الحالي ) كان تعداده ستمائة مقاتل وستة نسوة ، فطلبوا من النسوة اللواتي كن يمشين وراء الجيش مسافة ليست بالقليلة ، ان يحملن بعض الشوك ويثرن به الغبار ، وعندما وصلوا إلى معسكر الأعداء ركب الفرس زوارقهم وهربوا وتركوا قدورهم على النار ، فأسالوا أحد الأسرى عن سبب هربهم قبل القتال فقال : لقد أنبأنا الديادبة ( وهم المتخصصون برصد العدو عن بعد ) ان وراء الجيش كمين حيث اعتقدوا ان الغبار يأتي من الكمين ، فخافوا ان هم قاتلوا الجيش ان يخرج لهم الكمين من ورائهم ويقتلهم ففضلوا الهرب السريع ، وعندما وصل العرب إلى المعسكر وجدوا من بين الطعام الذي تركوه نوع من الخبز يسمى خبز الحواري وهو يشبه الخبز المدعو في العراق ( الصمون ) فقالوا هذا الذي كنا نسمع عنه انه يسمن الإنسان الذي يأكله ، فأكلوا منه وقبل ان يتموا التهامه اخذ كل منهم يتحسس جلده ويسأل صاحبه هل ترى اثر للسمنة علي يا هذا ؟
أيهما احب
كان زياد ابن أبيه والي العراقين أي الكوفة والبصرة ، زمن معاوية بن أبي سفيان ، فكان يمكث في البصرة ثلاثة اشهر وفي الكوفة ثلاثة اشهر وبالتناوب ، فسأل يوماً : أي المدينتين احب إليك ، الكوفة أم البصرة ؟ فأجاب على الفور : لو دليت طريق البصرة لأعطيت الكوفة ، أي أني لو ضللت طريقي إلى البصرة يوماً ودلني أحد عليها لأعطيته الكوفة !
دعاء أهل البصرة
عرف أهل البصرة بعفّة اللسان ، وقلما كان يدعوا أحدهم على الآخر دعاءً قاسياً ، ويقال ان البصري إذا بالغ في الدعاء على أحد آذاه يقول له : غضب الله عليك وعاقبك كما عاقب المغيرة بن شعبة حين عزل عن ولاية البصرة وأعطي ولاية الكوفة ! !
المد والجزر
ولى البصرة أحد الأعراب ، وكما يجري في الوقت الحاضر فان الوالي أو الحاكم الجديد يقوم بتفقد منطقة حكمه في أول أيام توليته للسلطة ، ولأنه جاء من البادية فان أول أمر يشغل باله هو الماء ، فعندما وصل إلى أطراف المدينة وجد بركة كبيرة من الماء ، وكان ذلك في حالة المد ، وهذه البحيرة هي لان أحد الأنهار كان ينتهي بالبصرة ويشكل بحيرة كبيرة في نهايته ، فاطمأن مما رأى وقال في نفسه : ان هذا الماء يكفي المدينة اكثر من أربعة اشهر ! وبعد أيام ذهب لزيارة إلى نفس المكان والتاكد من حالة الماء ، وكان الوقت وقت الجزر فشاهد البحيرة فارغة ، فأصابه الفزع وصفق يديه وصاح : لا حول ولا قوة إلا بالله ! أين ذهب ذلك الماء كله ؟ وماذا سيشرب الناس بعد هذا ؟ فضحك الحاضرون وقالوا : لا تقلق أيها الأمير ! ان مائنا مد وجزر !
القاتل يقتل ولو بعد حين
كان جماعة من أهل البصرة مسافرين على ظهر سفينة متجه بهم إلى بغداد ، وكان بين الركاب رجلاً كثير النكتة والمزاح مما جعل الوقت يمر بسرعة خلال تلك السفرة الطويلة ، واصبح الكل يمازحه ويضاحكه ، فقام أحد الشباب وربط يدي ذلك الرجل بسلسلة من الحديد ثم قفلها بقفل كان معه ، مما اضحك الجميع وزاد من جو المرح على السفينة ، وبعد انتهاء تلك المزحة اخرج الشاب المفتاح ليفتح القفل فسقط المفتاح من يده ودخل بين خشبتين من ألواح السفينة ، وعبثاً حاول الجميع من إخراج المفتاح ، فقرروا كسر القفل ، ولكنهم لم يفلحوا ايضاً فقد أدميت يدي الرجل من كثرة المحاولات ولم ينجحوا ، فقرروا ترك الأمر لغاية الوصول إلى بغداد وجلب حداد ليقوم بكسر القفل ، وحال وصولهم استدعوا حداداً لهذا الغرض ، ولكنه عندما رأى القيد والقفل واثر الدم خاف ان يفتحه واعتقد انه لص هارب ، وعبثاً حاول الجميع من إقناعه وبدون جدوى ، وأصر على إحضار شرطي ليخلي مسئوليته قبل كسر القفل ، فذهب أحدهم واستدعى شرطياً ، وما ان رأى الشرطي الرجل حتى اخذ يتفحصه من الأعلى إلى الأسفل ومن الأسفل إلى الأعلى ، ثم صاح في وجهه : لقد امسكتك أيها القاتل ! فخارت قوة الرجل المضحك ولم يقوى على الوقوف ، فسأل الحاضرين الشرطي عن جلية الأمر فقال : انه لص قتل رجلاً بعد سرقته وقد هرب من بغداد إلى البصرة ، ونحن نبحث عنه منذ عشر سنين ، وقد أوقعه الله بأيدينا ! فتعجب الجميع لهذه الصدفة العجيبة وعلموا ان الله يمهل ولا يهمل !
|
|
|
|