دفاعات البصرة في العهد العثماني 1546 ـ 1914

الاستاذ حسين عبد القادر محيي التميمي

 تقع البصرة في اقصى الجنوب الشرقي من العراق على الضفة الغربية لشط العرب وتعد البوابة الوحيدة للعراق المطلة على الحد الشمالي لمياه الخليج العربي أُسست سنة 14 هـ قرب الابلة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب لاسباب عسكرية اذ كان الغرض من تشييدها هو جعلها بمثابة نقطة انطلاق لحركة التحرير الاسلامي في العراق .
 وعلى الرغم من اهميتها فأن شوارعها كانت ضيقة وغير معبدة وعمارتها لم تكن عظيمة تميزت باحاطتها بالاسوار الدفاعية نظرا لتعرض المدن العراقية ـ انذاك ـ لتهديدات ايرانية وحدوث ثورات داخلية كانت تقوم بها العشائر ضد المدن من هنا جاء اهتمام العثمانيين بزيادة تحصين المدن واقامة القلاع الداخلية فيها .
 والبصرة من اكثر المدن المحاطة بالانهار نظرا لكثرة البساتين والاراضي الصالحة للزراعة فيها اذ يقع على ضفتي شط العرب من القرنة حتى الفاو عدد كبير من القنوات والانهار تكون على شكل شبكة كثيفة تروي البساتين وغابات النخيل ، وهناك ثلاثة انهار كبيرة تمتد من شط العرب نحو المدينة تزودها بالماء ولري الاراضي الزراعية داخل المدينة وخارجها يحف النهران الرباط والسراجي بالمدينة من جهتيها الشمالية والجنوبية ويسيران بمحاذاةالاسوار حتى يشكلان خندقا طبيعيا يحمي المدينة .
 ويعد نهر العشار من اكبر الانهار في البصرة واهمها وهو يخترق اسوار المدينة إذ يمر عبر مصب تقع على يساره ثكنة العساكر البحرية .
 ان الفتحات الكبيرة تشكل نقاط ضعف في التحصينات الدفاعية لانها تكون عرضة لاستهداف الغزاة وقت الهجوم لذلك لابد من وجود طريقة لمعالجتها لذلك استخدمت طريقة المآصر وهي عبارة عن سلسلة او حبل يشد معترضا في النهر فيمنع السفن من الدخول ولقد ظلت الماصر مستخدمة في العراق خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين كما استخدمها الايرانيين عند حصار كريم خان الزند للبصرة 1770 م اذ تم وضع سلاسل حديدية في شط العرب ووضعت قوة مزودة بالمدفعية عند طرفي السلسلة لاعاقة تقدم الاسطول العربي القادم من عمان لمساعدة البصريين وفك الحصار عنهم .
 لقد تمكنت اسوار البصرة من الصمود بوجه قوات كبيرة ذات تجهيز جيد الامر الذي اشار الى مدى قوة تلك الاسوار والمقدرة الجيدة التي قاومت فيها على الرغم من انها كانت مبنية من اللبن وخير دليل على ذلك ان البصرة تعرضت لهجمتين تمثلت الاولى بالهجمة التي قام بها نادر شاه في اب عام 1743 م اذ فرض خلالها حصارا شديدا وكانت قواته على نحو اثني عشر الف جندي تمكنت من اجتياز شط العرب بواسطة جسر من القوارب والسفن استطاعت عبور الانهار والجداول العديدة المحيطة بالبصرة والتي كانت عبارة عن حواجز طبيعية امام الهجمات الخارجية .
 اما الهجوم الثاني قام به كريم خان الزند عام 1775 م وكان عدد القوات المهاجمة خمسين الف جندي وبقيادة شقيقه صادق خان وقد فرض الاخير حصارا على مدينة البصرة بعد ان واجه مقاومة كبيرة من العشائر التي اتخذت مواضعها على الجانب الغربي من شط العرب وقد اثمرت تلك المقاومة من صد العدوان والى جانب قوة الاستكمامات التي تمكنت من الصمود امام المدفعية الايرانية لاكثر من عام حينها تمكنت القوات المذكورة من دخول المدينة بعد حصار امتد من السابع من نيسان حتى الخامس عشرمن الشهر نفسه عام 1776 م واصبحت بمثابة قاعدة تنطلق منها قواته في المنطقة .
 ويعد السور الذي يحيط بالمدينة من ابرز جوانبها الدفاعية وكانت على شكل مستطيل وبصورة غير منتظمة وله زوايا تتجه نحو الجهات الأربع وان عدم انتظام السور فرضته طريقة بناء المدينة التي سبقت بناء السور اي ان السور بني لاحقا لاغراض امنية وقد احتوى السور على ابراج كانت واسعة نسبيا وتمتلك قدرًا لا بأس به من القوة حيث يمكنها تحمل ثقل المدافع وحركة اهتزازها عند عملية الاطلاق اذ انها كانت مزودة بعدد من المدافع يبلغ طول السور الذي يحيط بالمدينة اثني عشر ميلا يضم بداخله الحقول والبساتين ومساحات شاسعة من الاراضي الزراعية الامر الذي ساعد على الصمود لفترات عديدة امام المخاطر التي كانت تحدق بالمدينة في اثناء حصار كريم خان الزند وغيرها السابقة الذكر وتجدر الإشارة الى أن سكان المدينة كانوا لا يخشون الجوع او الحرمان نظرا لتوافر الاغذية من المحاصيل الزراعية التي كانت تنتج داخل حدود المدينة مثل الحبوب والخضروات والفواكه فضلا عن ذلك كانت المدينة تتمتع بوجود ماشية توفر اللحوم كما كان السكان في البصرة يربون داخل افنية بيوتهم اعدادًا من الطيور وهذا يدلل على أن البصرة كانت تتمتع بنوع من الاكتفاء الذاتي .
 وفيما يتعلق بأبواب المدينة فانها احتوت في القرن الثامن عشر على خمسة ابواب رئيسية ثلاثة منها كانت باتجاه الجنوب الشرقي وهي باب المجموعة وباب السراجي وباب الزبير والبابان الاخران كانا باتجاه الشمال الغربي وهما باب الرباط وباب بغداد الذي يعد من اهم الابواب التي تؤدي الى وسط المدينة وعنده تزدحم البيوت والاسواق وكانت جميعها مبنية بالطابوق والجص والحجارة بشكل محكم يصعب تسلقها من الخارج او هدمها كما كانت مزودة باستحكامات دفاعية .
 وكانت المدينة لا تحتوي على القلاع الا انها احتوت على ما يعرف بالسراي الذي اهتم به الولاة العثمانيين الذين تعاقبوا على ادارة البصرة فضلا عن وجود الثكنات العسكرية العديدة التي كانت مخصصة حسب اصناف الجند كالثكنة الخاصة بالقوة البرية او كما تسمى (بالقوبدان) او ثكنة المدفعية (الطوب خانة) او ثكنة الجند (القشلة) .
 لقد تم انشاء اولى القلاع في البصرة وهي قلعة (عرف) في (كردلان) في الضفة الشرقية لشط العرب مقابل العشار عام 1696 م على يد الايرانيين عند احتلالهم المدينة ونظرا لتمتعها بموقع جيد فقد تم تعزيزها من قبل العثمانيين بعد ان طردوا الايرانيين منها بحامية من الجنود يبلغ عددهم تقريبا بمائة رجل كما زودت بمدفعية للدفاع عنها .
 اما قلعة العساكر المدفعية (الطوبخانة) فانها كانت بقرب السراي عن جهته الجنوبية في البصرة القديمة الا انها نقلت بعد حين على الجانب الجنوبي من نهر العشار على الضفة الغربية من شط العرب.
 لقد اهتم العثمانيون في صنف المدفعية نظرا لفاعليتها في حسم العديد من المعارك وكان عدد الطوبجية يختلف من ولاية الى اخرى حسب موقعها واهميتها وقد يبلغ عددهم في البصرة مائة واثنين وثمانين وبخصوص القشلة اي ثكنة الجند المشاة فكان موقعها في منطقة العشار وهي بناية ضخمة مشيدة بالاجر مستطيلة الشكل تتكون من طابق واحد تحتوي على اربعة اجنحة على هيئة قاعات وحجرات كبيرة صممت لتلبي احتياجات الجند واقامتهم ويتميز الجزء الذي يعلو المدخل بطرازه المعماري اذ كان الطابق الارضي يضم حجرات على الجانبين .
 توجد في الجدران الخارجية مجموعة كبيرة من النوافذ التي تعمل على إضاءة القاعات والحجرات وتهويتها وكل نافذة تكون على شكل مستطيل تعلوها عقود نصف دائرية تتقدمها مشبكات حديدية .
 اما (القوبدان) رئيس المراكب البحرية الذي يترأس العاملين في القوة البحرية في البصرة فقد كان له نفوذ وهيبة اذ انه يعين مباشرة من السلطان العثماني في اسطنبول خاضعا للوالي كما انه كان يتمتع بالاستقلال .
 وبعد ذلك اصبح يعين من والي بغداد في اثناء حكم المماليك في المدة ما بين 1749 م ـ 1831 م وقد حرص العثمانيون منذ البداية على جعل البصرة قاعدة لمواجهة الهجمات الايرانية او اية مخاطر اخرى قادمة من الخليج العربي والسيطرة على القبائل العربية القاطنة في منطقة الجزائر في البصرة .

المصادر

 1 ـ البازي ، حامد ، البصرة في الفترة المظلمة ، ج 1 ، بغداد ، 1970.
 2 ـ بكنغهام ، جيمس ، رحلتي الى العراق سنة 1816 ، ترجمة : سليم طه ، ج 2 بغداد ، 1969.
 3 ـ البلاذري ، ابو الحسن ، فتوح البلدان ، مصر ، 1959.
 4 ـ الحمداني ، طارق نافع ، القوة البحرية والنهرية العثمانية في العراق وتطورها الجيش والسلاح ، ج 5 بغداد ، 1988.
 5 ـ العايد ، صالح محمد ، خليل علي ، القوة المسلحة في العراق ، 1534 ـ 1831 ج 5 بغداد 1988.
 6 ـ العميد ظاهر مظفر ، تخطيط المدن العربية الاسلامية ، بغداد 1986.
 7 ـ كاتب ، محمد طارق ، شط العرب وشط البصرة والتاريخ ، ط 2 ، البصرة ، 1972.
 8 ـ محمد ، ماجد السيد ولي ، الخصائص المناخية لمحافظة البصرة ، موسوعة البصرة الحضارية ، مطبعة جامعة البصرة ، 1988.
 9 ـ نيبور ، كارستن ، رحلة بعيبور الى العراق في القرن الثامن عشر ـ تعريب محمود وحسين الامين ، بغداد ، 1965.

BASRAHCITY.NET