الخط العربي قبل الاسلام

  طرق هذا الموضوع عدد كبير من الكتاب العرب والمستشرقين الأجانب ، وأشار إليه كتابنا العرب القدامى ، وكان كل واحد منهم يأخذ ممن سبقه ، ويزيد عليه بعض المعلومات التي عثر عليها أو سمع بها .

1 ـ النصوص القديمة المكتشفة :

 استأنس المستشرقون بما ذكره الكتاب العرب القدماء، لكنهم لم يعتمدوا عليه كلياً ، وإنما كان رائدهم الاعتماد على اللقى الأثرية ودراسة النصوص ، ليكون بحثهم وضوعياً .
 اكتشف عدد كبير من النصوص القديمة الحميرية والسبئية والثمودية واللحيانية والصفوية التي تنتسب جميعاً إلى الحضارة العربية الجنوبية القديمة ، واكتشف أيضاً عدد كبير من النصوص الآرامية والفينيقية والنبطية والتدمرية والسريانية والعبرية ... وهي جميعاً تعتبر كتابات سامية شمالية ، وعثر على القليل من النقوش العربية التي تعود إلى ما قبل الإسلام ، وعددها الآن / 7 / أقدمها من حيث الاكتشاف والتاريخ نقش أم الجمال الأول، ونقش النمارة ، وأحدثها اكتشافاً نقش جبل أسيس

 لا يعني هذا أنه لا توجد نقوش أخرى من ذلك العهد ، ولكن نتمنى أن نعثر على نصوص أخرى ربما أضافت إلى معلوماتنا أشياء جديدة ، تفيدنا في التأكد من سير تطور الخط العربي قبل الإسلام .
 وقد ذكر مؤرخونا بعض النصوص القديمة ، ونحن نعلم أن المعلقات السبع أو العشر كانت مكتوبة ومعلقة في الكعبة ، ولكن للأسف لم يصلنا أي وثيقة مكتوبة .

2 ـ تطور الخط العربي:

  سادت في النصف الأول من هذا القرن بين العلماء المستشرقين المهتمين بنشأة الخط العربي بناء على المشاهدات فكرة تتلخص : بأن الخط العربي تطور من الخط النبطي المتأخر ، وقد أوردوا الأدلة على ذلك ، ولكن ظهرت نظرية جديدة سنة / 1963م / كان زعيمها الأب ميليك والأب ستاركي مفادها أن الخط العربي تطور من الخط السرياني ، وقد اعتمدوا في الاتجاه إلى هذا الرأي على النصوص التاريخية القديمة التي ذكرها هشام بن محمد السائب الكلبي والبلاذري وابن النديم وياقوت الحموي ، ومن نقل عنهم مثل ابن خلدون والقلقشندي والمقريزي .
 عرض ستاركي أمثلة تدل على الشبه بين الخط السرياني الأسطرنجيلي والخط العربي القديم ، وكان دليله أن هذه الخطوط العربية القديمة وجدت في بلاد الشام بعد انقراض الدولة النبطية بعدة قرون ، واستدل ـ من أجل تأييد وجهة نظره ـ على الشبه الظاهري بين الخطين السرياني العربي القديم .
 نلخص ما ذهب إليه فيما يلي :
 بعض الحروف العربية متصلة كالسريانية ، بينما النبطية تظل مستقلة .
 الحروف العربية تنتظم على سطر واحد كالسريانية ، بينما الحروف النبطية لا تخضع لهذا الانتظام ، فهي تعلو وتنخفض عن السطر .
 بعض الحروف العربية هي الحروف السريانية نفسها شكلاً ولفظاً : الألف والدال والراء والميم والشين والعين والهاء ذات العقدتين .
 المصادر التاريخية العربية القديمة تؤيد هذا الاتجاه ، فهي تذكر أن العرب تعلموا الخط من الحيرة والأنبار .
 نقول بالرغم من وجاهة النظرية الجديدة في بعض النواحي وترحيب بعض الباحثين بها ، فإننا لا نستطيع أن ننكر أبداً التأثر الشديد بالخط النبطي المتأخر ، فإذا كانت بعض الحروف العربية والسريانية متشابهة ، فإنها بعضها أيضاً يتشابه بالمظهر ، لكن اللفظ مختلف تماماً ، وإن الحروف المتشابهة في الخطين النبطي المتأخر والعربي ظلت في اللفظ واحدة ، والتطور نحو التماثل بين الخطين واضح .
 أما ما ورد في المصادر التاريخية العربية القديمة عن نشأة الخط ، وتعلم العرب الخط من الحيرة والأنبار ، فإن أكثره يتكلم عن الخط قبيل الإسلام .
 سنرى عند عرضنا النصوص العربية القديمة قبل الإسلام أن كلمات بل جملاً كاملة ـ هي بشكلها ومعناها ومبناها ـ عربية خالصة ، ذكرت جمل في نقش النمارة الذي يعتبر أقدم نص عربي مكتشف كتبت حروفه بالخط النبطي المتأخر ، وبعضها بالخط المتطور ، مثل الجملة ( فلم يبلغ ملك مبلغه ) ربما كان لهذه النظرية وزن قبل اكتشاف كتابة جبل أسيس : هذه الكتابة عربية خالصة ، ولكنها مع ذالك لم تخلو من بعض التأثير الطفيف بالخط النبطي ، حتى أن التاريخ كتب بالنبطية كما هو الأمر في جميع النصوص المؤرخة ، فإذا كانت دولة الأنباط قد انقرضت ـ حسب ما قال صاحب النظرية ـ فهل انقرض الشعب النبطي نهائياً ، واندثرت ثقافته ؟ .

3 ـ أثر الخطين النبطي والسرياني :

  بالرغم من كل ما ذكر فإننا لا ننكر أيضاً بعض التأثر بالخط السرياني الأسطرنجيلير، لأن هذا التأثر أمر طبيعي ناتج عن اتصال عرب الجزيرة بالعرب الأنباط ، وبعرب الحيرة والأنبار ، وعرب الشام ، ويجب أن لا ننسى أن أصل الخطين النبطي والسرياني واحد ، فهما منحدران من الخط الآرامي ، وليس من الضروري أبداً أن نتشبث بالأخذ بإحدى النظريتين من أجل وجهة نظر معينة كبيان فضل المسيحية على هذا التطور ، وهو أمر لا ننكره أبداً .
 ناقش الأستاذ غروهمان هذا الموضوع بالتفصيل في كتابه الأخير ، ورجح أن يكون التأثير الأقوى في نشأة الخط العربي وتطوره من الخط النبطي ، ونقض كثيراً من مرتكزات نظرية ( ميليك و ستاركي ) .
 إن ما ذكره المؤرخون العرب القدامى من المعلومات المعقولة لا يعدو أكثره التاريخ القريب من ظهور الإٍسلام ، وهي فعلاً جديرة بأن يشار إليها :
 قال ابن النديم وهو أكثر الناس تحدثاً عن أصل الكتابة والخط العربي :( أول من كتب بالعربية ثلاثة رجال من بولان ، وهي قبيلة ، سكنوا الأنبار ، وأنهم اجتمعوا فوضعوا حروفاً مقطعة وموصلة ، وهم : مُرامِر بن مرة ، وأسلم بن سِدْرة ، وعامر بن جَدْرَة ) .
 وقال : ( وسئل أهل الحيرة ممن أخذتم العربي فقالوا من أهل الأنبار ......) .
 وقال : ( قرأت في كتابة مكة لـ عمر ابن شبه وبخطه : أخبرني قوم من علماء مصر قالوا : الذي كتب هذا العربي الجزم رجل من بني مخلد بن النضر بن كنانة ، فكتبت حينئذ العرب ) .
 هذا النص يلفت النظر ، ففيه أولاً: ورود كلمة ( الجزم ) ، يعني هذا أن العرب اقتطعوا واختزلوا حروف الخط المسند اليمني ، واستنبطوا من الأبجدية العربية ، لعل ابن خلدون كان أوضح الكتاب العرب في بيان الصلة بين الخط الحميري والخط العربي حينما قال : ( وقد كان الخط العربي بالغاً مبالغه من الإحكام والإتقان والجودة في دولة التبابعة ، لما بلغت من الحضارة والترف ، وهو المسمى بالخط الحميري ، وانتقل إلى الحيرة لما كان بها من دولة آل المنذر نسباء التبابعة في العصبية ، والمجددين لملك العرب بأرض العراق .....) ؟ .
 يمكن في الواقع أن نعتبر منشأ الخط العربي ناتجاً من تحوير واختزال الخط المسند ، وهذا اتجاه ثالث ، ويستحق أن يكو نظرية ثالثة في التعرف على أصل الخط العربي .
 يبدو أن ابن النديم كان مقتنعاً بهذه الفكرة حتى أنه رسم الحرف المسند ، وفي وسطه الحرف العربي ، ليبين كيف جزم الحرف العربي من المسند .
 وقال ابن النديم أيضاً : ( الذي حمل الكتابة إلى قريش بمكة أبو قيس بن عبد مناف بن زهرة ، وقد قيل حرب بن أمية ) .

4 ـ الكتبة قبل الإسلام :

  هذه النصوص إجمالاً تعطينا فكمرة عن أصل الخط العربي وانتقاله وتعلمه في أرض الجزيرة العربية ، ومن المفيد أن نورد بعض النصوص الأخرى التي تنير لنا جوانب أخرى من الموضوع :
 ذكر لنا ابن النديم نصاً يشير به إلى كتابة عربية قبل الإسلام ، ووصفها لنا ، وهي مكتوبة بخط عبد المطلب بن هاشم فقال : ( ... وكان الخط شبه خط النساء ...) يريد أن يقول إن الخط كان غير متقن .
 ذكر البلاذري نصوصاً هامة نقتطف منها هذه المعلومات الملخصة فيما يلي :
 (1) الذين يعرفون القراءة والكتابة في الجاهلية عشرة أشخاص (وذكر البلاذري أسمائهم) .
 (2) بشر بن عبد الملك بن عبد الجن الكندي علَّم في الشام ناساً .
 (3) رجل من طابخة كلب علَّم رجلاً من أهل وادي القرى ، فأتى الوادي يتردد ، فأقام بها وعلم الخط قوماً من أهلها .
 (4) الذين يعرفون القراءة والكتابة في فجر الإسلام تبلغ عدتهم أربعين ، ومنهم كتاب الوحي ، وقد ذكر أسماءهم جميعاً .
 ذكر الطبري : قال النسابة هشام ابن محمد بن السائب الكلبي : كنت أستخرج أخبار العرب وأنسابهم وأنساب آل نصر بن ربيعة ومبالغ أعمار من ولي منهم لآل كسرى ، وتأريخ نسبهم من كتبهم بالحيرة .
 قال ابن جني : ورد أن النعمان ملك الحيرة نسخ أشعار العرب ، ودفنها في قصره الأبيض ، فلما كان المختار بن أبي عبيد قيل له : إن تحت القصر كنزاً فاحتفره ، فأخرج تلك الأشعار .
 ذكر الأصفهاني أن زيد بن حماد بنت زيد بن أيوب تولى الكتابة للنعمان الأكبر وذكر أن جماعة من الشعراء كانت تكتب مثل المرقش الأكبر و عبد الله بن الزبعري .
 ذكر المفضل الضبي قصة المرقش الأكبر كيف تعلم الكتابة من رجل من أهل الحيرة ، فصار يكتب أشعاره .

5 ـ النصوص العربية السبعة:

  هذه النصوص القليلة مفيدة من اجل استكمال الصورة عن الخط العربي قبل الإسلام ، وسنعرض فيما يلي النصوص العربية السبعة قبل الإسلام : كتابة أم الجمال الأولى: تقع أم الجمال إلى جنوبي مدينة بصرى الشام على بعد / 25كم / ، نشرها إنو ليتمان مع النصوص النبطية ، ولكننا نرى أن النص عربي كتب بالخط النبطي المتأخر ، وتبدو فيه ملامح الخط العربي القديم ، وفيه كلمات عربية .
 هذه الكتابة غير مؤرخة لكننا نستطيع أن نحدد زمنها في الربع الأخير من القرن الثالث الميلادي ، لأن جذيمة المذكور في النص هو حتماً جذيمة الأبرش أحد ملوك الحيرة التنوخيين الذي حار زنوبيا ملكة تدمر .
ـ الشكل 1 ـ
 تفكيك النص:
 1 ـ دنه نفشو فهرو
 2 ـ بر سلي جديمة
 3 ـ ملك تنوخ
 تفسير النص:
 1 ـ هذا قبر فهر
 2 ـ بن سُليْــم مربي جذيمة
 3 ـ ملك تنوخ
   كتابة النمارة : النمارة قصر صغير من العهد الروماني يقع في الطرف الجنوبي من وادي الشام الجاري بين جبل العرب إلى الشمال الشرقي نحو البادية .
 نقشت هذه الكتابة على نحت الباب وهو من الحجر البازلتي ، اكتشفته بعثة فرنسية في سفح المنحدر المؤدي إلى الوادي ، وذلك في أوائل القرن الحالي ، وقد نقل الحجر إلى متحف اللوفر في باريس ، وحصل متحف دمشق على نسخة جصية من هذه الكتابة ، وعرضت النسخة أخيراً في متحف الخط العربي في دمشق ( المدرسة الجقمقية ) .
 رقمت هذه الكتابة بالخط النبطي المتأخر وبلغة عربية مشوبة بشيء من رواسب الآرامية ، وهذا واضح من وضع ( الواو ) في آخر المفردات ، وخاصة أسماء الأعلام ، يلاحظ أن ( الألف ) تحذف من قلب الأسماء وخاصة أسماء الأعلام .
 فكك هذه الكتابة عدد من العلماء ، ونقلوا مفهومها إلى لغاتهم ، وقد اختلفوا في مفهوم بعض الكلمات ، ولذلك رأينا أنه لزاماً علينا أن نسهم في تفكيك النص ، فخرجنا بنتيجة مختلفة في الأمور الحساسة التي لها قيمة تاريخية ، ونعتقد أننا استطعنا أن نعطي النص مفهوماً واضحاً ، وحللنا كثيراً من عقد التي استعصى حلها على من سبقنا .
ـ الشكل 2 ـ

  تفسير النص : أضفنا كلمات من عندنا لتوضيح المعنى وحرفاً لاستكمال الكلمة الناقصة ، ووضعناها بين [ معقودتين ] ، كما أضفنا كلمات تفسيرية بين ( قوسين ) .
 1 ـ هذا قبر امرئ القيس بن عمرو ملك العرب كلهم الذي حاز التاج .
 2 ـ وملك [ عشيرتي ] بني أسد و [ قبيلة ] نزار وملوكهم ، وهزم [ قبيلة ] مـ [ ـذـ ] حج القوية، وجا [ء] .
 3 ـ يزجي في حبج نجران مدينة [ الملك ] شَمِر ( أو شَمَّر ) ، ومالك [ قبيلة ] معد و [ موضع ] بنان ، و [ أطاع ] بنيه .
 4 ـ الشعوب ، ووكلهم [ الـ ] فـُـرْسُ [ لمجابهة ] [ ا ] لروم ، فلم يبلغ ملك مبلغه .
 5 ـ قوةً ، هنلك سنت 223 يوم سبعة كسلول ليسعد أولاده ، هذا النص مهم جداً من عدة وجوه :
 1 ـ من الناحية الباليوغرافية التي تركز على كيفية رسم الحروف وتطورها .
 2 ـ من الناحية اللغوية ، رأينا كيف يختزل النص الكلمات والحروف ، وفيه تقدير وتأخير ، وفيه مفردات ميتة ، ولكن نلاحظ الجملة السليمة ( فلم يبلغ ملك مبلغه ) .
 3 ـ من الناحية التاريخية : التاريخ النبطي / 223 / يعادل / 328م / وهو تاريخ وفاة امرئ القيس اللخمي ملك الحيرة الذي علا شأنه في العرب ، واستطاع أن ينتصر على بني أسد في نجد ، ووصل نفوذه إلى نجران جنوباً ، وتغلب على أكبر ملك في الجنوب وهو الملك شمِر .
 إن مكان وجود الأثر في بلاد الشام الجنوبية يدل على تقدم عسكري هام إذ طغى ملك الحيرة على حدود بلاد الشام .
 كتابة معبد رم : بقع جبل رم على بعد / 40كم / شرقي العقبة ، وقد أجرى التنقيب في المعبد سايناك و هورسفيلد ونشرا صورة ومستنسخ النص دون أن يقرأاه ، وقد عني الأستاذ غروهمان في كتابه الأخير سنة / 1971م / بملاحظة تطور حروف النص من الناحية الباليوغرافية ، ولم ينشر تفكيك النص كاملاً ، وهنا نحاول تفكيك النص دون التقيد بما ذهب إليه غروهمان :

ـ الشكل 3 ـ

 تفكيك النص :
 1 ـ عليو خُلـَيْصي
 2 ـ بر مبارك ؟
 3 ـ حبيبو عرا أم اللمة سطى وكـ ...
 تفسير النص :
 1 ـ علي [ الـ ] ـ خُلـَيْصي
 2 ـ بن مبارك ؟
 3 ـ حبيب عزا ؟ أم اللمه سطا و كـ [ ـ فأ ] .
 هذا النص يدل على فضيحة حدثت في المنطقة ، أريد به التشهير بفاعلها ، وهو علي الذي ينتسبإلى خُلـَيْص ، وهو حصن بين عسفان وقديد في اليمن أو بين مكة والمدينة اعتدى على شرف امرأة أو سطا على شيء ثمين .
 النص غير مؤرخ ، حدد غروهمان تاريخه بين / 328م / و / 350م / اعتماداً على رأي ليتمان و نبيهة عبود .
 كتابة أم الجمال الثانية:

ـ الشكل 4 ـ

 تفكيك وتفسير النص :
  1 ـ إلهِ غفراً لأثيم ؟
 2 ـ بن عبيدة كاتب
 3 ـ العبيد أعلى بني
 4 ـ عمري ينم عنه من
  وجدت هذه الكتابة منقوشة على حجر بازلتي / 62×31سم / في أم الجمال في المبنى الذي يسمى الكنيسة المزدوجة مستعملاً كحجر غشيم ، وجد في المنطقة .
 النص غير مؤرخ ، نشره ليتمان ، وقدر تاريخه بالقرن السادس الميلادي ، وإذا تأملنا رسم حروفه وخاصة ( الراء ) و ( الدال ) و( الباء ) في أول الكلمة وفي آخرها ، وجدنا آثار الخط النبطي المتأخر واضح ، بينما النصوص الذي ستأتي بعده ستكون متطورة تماماً ، لذا يمكن تأريخه بالقرن الخامس الميلادي أو قبل ذلك بقليل .
 بالرغم من وجود اسمين علمين ،وا لثاني ذو مرتبة رفيعة ، فإننا لم نهتدي بعد إلى هويتهما .
 كتابة زبد : تقع زبد في سورية الشمالية بين قنسرين والفرات ، وقد نقشت هذه الكتابة على نحت باب كنيسة مع كتابة يونانية وأخرى سريانية ، الكتابة العربية غير مؤرخة ، لكن اليونانية مؤرخة من سنة / 823 / بالتقويم السلوقي الذي يعادل / 512م / ، وقد تم حفظ الأثر في متحف بروكسل الخمسيني .

ـ الشكل 5 ـ

 تفكيك النص:
  1 ـ [ بـ ] ـ جـ [ ـ بـ ] رر الإله شرحو بر ( أو بن ) أمت منفو و هليا بر ( أو بن ) [ ا ] مر [ ئ ] القيس
2 ـ وشرحو بر ( أو بن ) سعدو وسترو وشـ [ ر ] يحو .
 هذا الخط بكتابته قريب جداً من الخط العربي المتطور ، ولم يبقى من أثر قديم إلا رسم ( الدال ) في كلمة ( سعدو ) ، وإضافة ( الواو ) في أخر أسماء الأعلام ، وحذف الهمزات من كلمة ( امرئ ) ، وعدم تمييز ( النون ) من ( الراء ) في كلمة ( بر أو بن ) .
 جميع الكتابات العربية القديمة وجدت في جنوبي بلاد الشام ما عدا هذه الكتابة التي وجدت في الشمال ، إن هذا يدل بوضوح على عروبة بلاد الشام قبل الإسلام .
  كتابة أسيس : جبل أسيس حرة بركانية واسعة تقع شرق دمشق على بعد / 105كم / على خط مستقيم .
 أكبر فوهة بركانية قطرها بين / 1 .5 ـ 2 كم / تتشكل فيها بحيرة في موسم الأمطار ، ويقوم في الجهة الشرقية قصر بناه الوليد بن عبد الملك / 70 × 70 م / يجمع إلى جواره عدد من الدور الفقيرة وجامع ، وتوضع في سفح الجبل من الناحية الجنوبية حي كبير فيه دور جيدة ودور فقيرة .
 قامة بعثة ألمانية برئاسة الدكتور كلاوس بريش بالتنقيب في المباني بين سنتي / 1962 ـ 1964 م / وقد جاب مع هذه البعثة الدكتور محمد أبو الفرج العش ممثلاً عن المديرية العامة الآثار والمتاحف ، المنطقة من أقصاها إلى أقصاها ، فوجد منقوشاً على جلاميد الصخر البازلتي عدداً كبيراً من الكتابات الصفوية المحورة من الخط المسند اليمني ، ورسوماً حيوانية وإنسانية ، وكثيراً من الكتابات العربية من العهد الأموي ، بعضها مؤرخ ، وكان من ضمن الكتابات الهامة هذه الكتابة ، والتي قدر الدكتور أنها تعود إلى ما قبل الإسلام بالرغم أنه لم ينتبه إلى أنها مؤرخة بالتقويم النبطي / 423 / وهو يعادل / 528 م / .
 وقد لفظ نظره إلى التاريخ بعد النشر الأول الأستاذ الدكتور غروهمان ، فأعاد الدكتور محمد نشرها مع تغييره كلمة ( مُسلَّحَهُ ) حسب توجيهه ، ولكن عندما نشر الدكتور غروهمان الكتابة سنة / 1971 م / في الكتاب الذي أشرنا إليه سابقاً تراجع عما أوحاه إلى الدكتور محمد ، وأخطأ في مفهوم النص .

ـ الشكل 6 ـ
تفكيك النص:
 1 ـ إبراهيم بن مغيرة الأوسي
 2 ـ أرسلني الحرث الملك على
 3 ـ سليمن مُسَلَّحَهُ سنت
 4 ـ 423 ( بالتقويم النبطي ) = / 528 م/ .
 يعتبر هذا النص أهم وثيقة تبين تكامل الخط العربي سنة / 528م / ، وهو بالرغم من أنه أقدم من النص التالي لكنه أكثر وضوحاً وقرباً من الخط العربي في فجر الإسلام .
 المعلومات الواردة في هذا النص هامة جداً : إبراهيم بن المغيرة الأوسي أرسله الملك الغساني الحارث بن جبلة المتوفى سنة / 570 م / إلى سليمان مُسَلَّحَهُ(أي حاملاً إليه السلاح) سنة / 528 م / .
 يبدو أن التوتر كان موجوداً بين الحارث الغساني ، والمنذر الثالث بن ماء السماء ملك الحيرة ، لذا أرسل الحارث السلاح إلى قائده سليمان سنة / 528 م / ووقعت الحرب بين الدولتين اللخمية والغسانية سنة / 529 م / ، فانتصر الحارث ، وسمت مرتبته لدى الدولة البيزنطية ، فكوفئ ولقب ( فيلارك ) حاكم جميع العرب .
 يلفت نظرنا نسبة إبراهيم بن مغيرة إلى الأوس، وهو من أهل يثرب ، ويدل هذا النص على أنه يوجد تعاون بين أهل يثرب والملك الغساني ضد اليهود ، وسنرى في النص التالي حملة شنت على خيبر سنة / 567 م / .
  كتابة حران الجنوبية : وهي حران اللجاة في المنطقة الجنوبية من ديار الشام تقع إلى شمالي جبل العرب .
 وجدت الكتابة على نحت باب كنيسة بالعربية إضافة إلى كتابة يونانية هذا نصها ( أسس أشرحيل بن ظالم سيد القبيلة مرطول مار يوحنا في سنة أربعمائة وثلاث وستين من الأندقطية الأولى، ليذكر الكاتب ) .

ـ الشكل 7 ـ

تفكيك النص :
 1 ـ أنا شرحيل بن ظلمو (أي ظالم ) بنيت ذا المرطول
 2 ـ سنت 463 بالتقويم النبطي = 568 م بعد مفسد
 3 ـ خيبر
 4 ـ بعم ( أي بعام )
 تفسير النص :
 1 ـ بني المرطول سنة 568 م بعد الحرب التي شنت على يهود خيبر بعام أي أن الحرب قامت سنة 567 م .
 2 ـ الذي أقام الحرب على يهود خيبر هو الحارث بن جبلة ( أبي شَمَّر ) الغساني سنة 528م ، وهذا يؤكد التعاون بين الغساسنة وأهل يثرب .
 3 ـ يدل النص على أن اليهود في جزيرة العرب قوم غير مرغوب فيهم ، يركزون قوتهم في مستعمرة خيبر ، ويسببون المشاكل ، مما دعا الملك الغساني إلى محاربتهم انتصاراً لبني قومه ، وقد أشار ابن قتيبة إلى تلك الحرب فقال : ( ... وغزا [ الحارث ] خيبر فسبى من أهلها ثم أعتقهم بعدما قدم الشام ) .
 4 ـ لم تكن هذه الحرب هي الحادث الوحيد ، فقد ذكر الدكتور جواد علي حادثاً آخراً مشابهاً بين أبي جُبَيلة عبيد بن مالك ابن سالم الموالي للغساسنة الذي أنجد مالك بن العجلان الخزرجي ضد اليهود في الحجاز .
 هذه هي الكتابات العربية السبع قبل الإسلام ، ونأمل أن نعثر على مزيد من هذه الكتابات لنستكمل معلوماتنا عن الخط في نشأته . ومما يجدر ذكره في الخاتمة أن هذه الكتابات يجب أن تحتل صدر الوثائق التاريخية العربية ، لما فيها من معلومات تاريخية ثابتة .





BASRAHCITY.NET