قراءة اقتصادية تقويمية للموازنة الفدرالية العراقية 2009

الاستاذ وائل قاسم راشد

مقدمة المركز
بسم الله الرحمن الرحيم

  يشهد العراق اليوم تغيرا في نواحي الحياة كافة سواء السياسية او الاقتصادية او الاجتماعية او الفكرية بعد التغير الذي حصل في نيسان 2003 من نظام شمولي استبدادي تحكم فيه قلة قليلة بالشعب باسره ، وتتحكم في سياسة البلد افكار شوفينية لا تراعي للانسانية حقها ، الى نظام ديمقراطي يعتمد صوت المواطنة مقياسا في رسم سياسة البلد في شتى النواحي .
  ومن بين هذه السياسات السياسة الاقتصادية التي كانت سياسة مقتصرة على رؤية نظام الحكم لها فتوضح هذه السياسة بما يناسب مع رغبات نظام الحكم ، وتمر السنوات ولا يعلم حتى المختصون في الاقتصاد شيئا عن هذه السياسة الاقتصادية .
  واليوم اصبحت السياسة الاقتصادية واضحة المعالم نوعا ما ، والكل يمكنه الاطلاع على طبيعتها وابداء الراي فيها .
  ومن بين اهم موضوعات السياسة الاقتصادية الموازنة المالية للبلد ، التي على ضوئها توضع المشاريع في مختلف النواحي ونتيجة لما مر به البلد قبل عام 2003 من سياسة رعناء ، وما حل بالبلد بعد 2003 من تدخلات اجنبية ، وارهاب دموي وخلاف ما بين شرائح الشعب العراقي ، فان الموازنة قد لاقت الكثير من التعثرات ، حتى كانت موازنة 2009 التي حاول ذوو الشان معالجة سلبياتها وجعلها منافسة للظروف التي يمر بها البلد في الوقت الحاضر .
  هذا الموضوع الحيوي تبني دراسة المدرس المساعد وائل قاسم راشد احد منتسبي مركز دراسات البصرة موضحا اهمية الموضوع في الوقت الراهن بدراسته على محورين ، المستوى الاقتصادي الكلي والجزئي ، ثم اشار الى اهداف خمسة كانت الميزانية تبغي تحقيقها من ضمن هذا العام ، واوضح الباحث ان تضاؤل اسعار النفط ترك اثرا سلبيا واضح على ميزانية 2009 وذلك لاعتماد البلد مصادر النفط فقط ، ولاجل معالجة هذه المشكلة نوه الباحث بضرورة اعتماد ايرادات اخرى غير نفطية محلية او خارجية ، ثم اوضح الباحث ابواب تخفيضات النفقات العامة ومقارنتها بالاعوام الماضية .
  بعدما توقف الباحث عند مناقشة اهم المشاكل والتحديات التي تواجه ميزانية 2009 ، وما هي المقترحات لمواجهة هذه التحديات .
  ولا يسعنا هذا الا ان نبارك جهد الباحث ونشد على يديه في اعداد دراسات اخرى تعالج الكثير من المشاكل الاقتصادية في بلدنا .
  ا . م . د . جواد كاظم النصر الله
  مدير مركز دراسات البصرة   
  آذار 2009           

المقدمة :

  يحتل موضوع الموازنة المالية لاي دولة اهمية كبيرة لدى مختلف الاوساط وذلك لصلتها وتاثيرها المباشر على حياة ورفاهية المواطنين الاقتصادية والاجتماعية .
  ولو تمعنا في موضوع الدراسة لوجدناه يبدا بـ ( قراءة اقتصادية ) وفي هذا الاطار حاول الباحث اعادة القراءة للموازنة بشكل مركز ومن وجهة نظر اقتصادية بحتة دون الدخول بالجوانب الفنية في عملية اعداد الموازنة ، وقد اعتمد الباحث في تحليله على البيانات والمعلومات المتاحة لهذه الموازنة الماخوذة من مواقع الانترنيت لمركز الدراسات الاستراتيجية الاقتصادية العراقية المختلفة ومن المؤسسات الاعلامية العراقية الرسمية وبخاصة جريدة الصباح الحكومية الرسمية ، وقد اقترنت هذه القراءة الاقتصادية بمفهوم التقويم ونعني به تشخيص المشاكل والاخطاء والتحديات التي ستواجه عملية تفعيل الموازنة مع ضرورة وضع الحلول المناسبة لمواجهتها .
  وتاسيسا لما سبق تبلورت هيكلية الدراسة على النحو التالي :
  1 ـ مفهوم الموازنة واهدافها العامة .
  2 ـ الايرادات العامة المتوقعة للموازنة .
  3 ـ ابواب تخصيصات النفقات العامة للموازنة مع مقارنة نسبية بالعام السابق .
  4 ـ التحليل الاقتصادي لاهم المشاكل والتحديات التي ستواجهها الموازنة .
  5 ـ المقترحات والحلول المناسبة لمواجهة التحديات المتوقعة .
  واخيرا اتمنى ان تاخذ هذه المساهمة العلمية المتواضعة اهتماما لدى المختصين واصحاب القرار في عملية اعادة وصياغة افضل للموازنة الفدرالية عام 2009 م وللموازنات التي تليها .

اولا : مفهوم الموازنة واهدافها العامة :

  الموازنة عبارة عن خطة او برنامج عمل سنوي تقدمه الحكومة ( وزارة المالية مع باقي الوزارات ) الى مجلس النواب للمصادقة عليه ويفترض فيها ان تجسد الاهداف المرحلية والاستراتيجية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وان لا تكون مجر اهداف سنوية رقمية فيها توضيح فيها مستوى الكفاءة في ادارة الاموال فحسب ، وتلعب الموازنة دورا مهما في تجسيد هذه الاهداف في الدولة الديمقراطية مقارنة بدورها الهامشي في الانظمة الدكتاتورية والادارات البيروقراطية ، وطالما ان العراق يعيش مرحلة تحول نحو الديمقراطية وهو قد قطع شوطا طويلا فيها فعليه ان يعيد الموازنة بطريقة منفتحة وشفافة وبمشاركة واسعة شعبية وحكومية وبرلمانية وبخاصة وان الايراد الرئيسي للموازنة هو النفط والغاز وهو ملك للشعب العراقي كما نص عليه الدستور وليس ملكا للحكومة وعلى الحكومة واجب تكليفي في ادارته بشكل سليم وكفوء .
  ولكي نعرف مدى قابلية الاثار التي ستتركها الموازنة على الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين بعد عملية الانفاق الفعلية لها نهاية السنة المالية وتحويل الموازنة الى الميزانة وحسابات ختامية يمكننا ان نطرح الاسئلة التالية على مستويين :
  اولا : المستوى الاقتصادي الكلي :
  1 ـ هل ادت السياسة الاقتصادية والمالية الى تحقيق نمو اقتصادي واستقرار اقتصادي ؟ ام خلقت ازمات اقتصادية كالركود او التضخم وغيرها ؟ وهل استطاعت ان تعالجها او على الاقل تحد منها اذا كانت موجودة اصلا ؟
  2 ـ هل حققت الموازنة زيادة في التشغيل وفرص العمل ام الى تكريس البطالة ؟
  3 ـ هل استطاعت ان تحفز الامكانات والموارد المحلية الموجودة في الداخل ؟ وهل عملت على اجتذاب رؤوس الاموال في الخارج ام كانت طاردة لها ؟
  ثانيا : على المستوى الجزئي :
  1 ـ هل ستؤدي الى تحقيق او رفع مستوى الرفاه الاجتماعي المادي وغير المادي ؟
  2 ـ هل تستطيع استيعاب التكنلوجيا والتقدم العلمي والتنظيم الاداري الحديث ؟
  3 ـ هل ستشجع الانشطة المنتجة على حساب الانشطة غير المنتجة او الخدماتية ذات الربح السريع ؟
  4 ـ هل ستعمل على تطور ملاكات العاملين في الدولة في اساليب العمل والانتاج ؟ وهل تشجع على العمل بنظام الحوافز ام لا ؟
  وفيما يخص الموازنة العامة 2009 فقد وضعت الحكومة خمسة اهداف عامة ورئيسية لها وهي :
  1 ـ تحقيق الامن والاستقرار وفرض القانون حيث اعطت للجانب الامني اهمية استثنائية .
  2 ـ اشباع الحاجات الاساسية للمواطن .
  3 ـ زيادة راس المال البشري من خلال الاهتمام بالوزارات الخدمية كالتعليم والصحة .
  اعمار البنية التحتية للبلد .
  4 ـ معالجة البطالة من خلال التوجه بتنفيذ مشاريع استثمارية .

ثانيا : الايرادات العامة المتوقعة :

  لقد تم تغيير اجمالي حجم الموازنة مرات عديدة ( 62 ، 59 ، 68 ، 80 ) مليار دولار وذلك بسبب الارباك في القدرة على التنبؤ باسعار النفط الممول الرئيس والاكثر من (%90) من الايرادات العامة والمتوقعة بالموازنة ويعود هذا الارباك الى تداعيات الازمة المالية العالمية والتي تمخض عنها ركود اقتصادي عام وفي اسواق النفط بشكل خاص التي تتصف بعدم استقرار ( مبدا اللا يقين ) في الاسعار ، وقد بنيت الموازنة تقديراتها في الايرادات المتوقعة على توسيع الطاقة التصديرية والانتاجية من النفط الخام الى (2) مليون برميل / يوم ، وسعر النفط الخام بمعدل (50$) دولار وبالتالي تكون المصلحة (100) مليون برميل / اليوم اي (3000) مليون برميل / شهر والنتيجة النهائية هي (36) مليار دولار كايرادات نفطية متوقعة للعام 2009 م .
  من جانب اخر فقد تم تقدير حجم النفقات العامة المتوقعة لتلبية احتياجات ونفقات الدولة بـ (59) مليار دولار ومن المؤمل زيادتها الى (62) مليار دولار ولاحظ عند اعداد الموازنات في كل الدول بان الدولة تحدد نفقتها العامة اولا ثم تعمل على ايجاد موارد لتمويلها ، اما على مستوى الافراد فان الفرد الرشيد يحدد ايراده اولا ثم ينفق ضمن حدوده .
  من خلال الحسابات السابقة يتضح لنا وجود عجز متوقع في تمويل الموازنة من الايرادات النفطية قدره الفرق ما بين الايرادات النفطية المتوقعة واجمالي النفقات العامة وهو (23) مليار دولار في حالة الـ (59) مليار دولار وسعر البرميل (50$) يوميا والتصدير (2) مليار برميل يوميا ويمكن ان تزداد فجوة العجز في حالة استقرار اسعار النفط في الثلاثينات (1) ، وان الطاقة التصديرية والانتاجية لا تصل الى (2 مليون) برميل باليوم والمؤشرات تاكد ذلك ، او عند حصول كلا الحالتين ، وفي جميع الاحوال يجب تمويل وسد فجوة هذا العجز عن طريق القنوات التالية :
  أ ـ موارد محلية ( ايرادات غير نفطية قدرت بين (8 ـ 6) مليار + المدور من الاعوام السابقة + الاحتياطات في البنك المركزي العراقي وتقدر بـ (34 مليار دولار او التي في حساب صندوق تنمية العراق Dfl في نيويورك ويقدر بـ ( 16,5) مليار دولار) .
  ب ـ موارد خارجية ( تشجيع دخول رؤوس الاموال الاجنبية وتوفير المتطلبات اللازمة لذلك + محاولة الحصول على قروض ميسرة خارجية كالقرض الياباني مثلا + تفعيل مقررات الدول المانحة والمؤسسات الدولية المانحة ) .
  وتؤكد بعض الحاسبات بان المتوقع في نسبة نمو الايرادات عن العام الماضي هي نسبة اقل من نسبة النفقات العامة المتوقع نموها عن العام الماضي بمعنى اخر ان نسبة نمو نفقات اكبر من نسبة نمو الايراد مما يؤكد التوقعات بحصول العجز بالموازنة .

ثالثا : ابواب تخصيصات النفقات العامة مع مقارنتها بالعام السابق :

  تقسم النفقات العامة في الموازنة الى قسمين رئيسيين هما :
  اولا ـ النفقات التشغيلية ( الجارية ) :
  وتمثل ما يقارب اكثر من (80%) من اجمالي النفقات العامة وتضم الابواب التالية :
  1 ـ رواتب الموظفين واجورهم ومكافآت المتقاعدين ، ويتوقع زيادتها عن العام السابق بنسبة (46%) ، ويقدر اجمالي الموظفين في الدولة بـ (3) ملايين موظف والمتقاعدين بـ (1,5) مليون متقاعد .
  2 ـ نفقات شراء السلع والخدمات التي تشتريها مؤسسات الدولة ، ويتوقع زيادتها بنسبة 48% عن العام السابق .
  3 ـ تسديد اقصاط وفوائد الدين العام الداخلية والخارجية ، وقد قدر انخفاضها المتوقع بـ (3،9%) ، وتقدر ديون العراق الخارجية بـ ( 120) مليار دولار واستطاعت الدولة اطفاء اكثر من (80%) منها من خلال اتفاقات مع نادي باريس واتفاقات ثنائية مع الدول الدائنة ، اما تعويضات حرب الكويت فهي تقطع مباشر من مبيعات النفط وتحت اشراف الامم المتحدة وبنيبة (5%) .
  4 ـ المنح والاعلانات الخارجية ، وتشمل التخصيصاب المقدمة الى دول او مؤسسات خارجية عربية او دولية لاسباب سياسية او انسانية او ثقافية او اعلامية الخ ... وهي تقدم بشكل نقدي او عيني .
  5 ـ الدعم الحكومي والاعلانات الاقتصادية ، وتشمل الزراعة ، الطاقة ، وبعض المشاريع الحكومية وهدفها هو توفير السلع والخدمات للمواطنين باقل كلفة ممكنة ، وبالرغم من الارتفاع التدريجي لاسعار المشتقات النفطية الا ان الدعم مازال موجودا فعلى سبيل المثال سعر اللتر من البانزين المستورد هو (750) دينار عراقي لكنه يباع في محطات تعبئة البانزين بـ (450) دينار عراقي اي ان الدعم (300) دينار / لتر ، ويتوقع ان تكون نسبة الزيادة لهذا الباب بنسبة (82%) عن العام السابق .
  6 ـ الدعم الحكومي للمنافع الاجتماعية ، وتشمل ( البطاقة التموينية ، شبكة الحماية الاجتماعية ، منتسبي وزارة الدفاع المنحلة والمؤسسات الاخرى المنحلة ، تخصيصات الاغاثة والمعروفة للمهجرين ) ، وقد زادت بنسبة (37%) وتقدر قيمتها الاجمالية باكثر من (5) مليار دولار.
  7 ـ احتياطي طوارئ وقد زاد نسبة (28%) .
  ويمكن توضيح صور او اشكال التخصيصات للنفقات العامة على شكل نسب مقارنة بالعام السابق 2008 وعلى مستوى وزارات الدولة وكما يلي :
  ـ الوزارات الامنية (26%)
  ـ التعليم (7%)
  ـ الكهرباء (31%)
  ـ الصحة (56%)
  ـ كلا النقل والمواصلات (42%)
  ثانيا : النفقات الاستثمارية والراسمالية :
  وتمثل اقل من (20%) من اجمالي الانفاق العام وستتركز الزيادات المتوقعة في النفاق الاستثماري مقارنة بالعام الماضي في القطاعات التالية :
  ـ الزراعة (77%) .
  ـ الاسكان (60%) .
  ـ الصناعة (97%) .
  ـ النفط (11%) .
  والملاحظ ان نسبة الزيادة في القطاع النفطي هي الاقل لان سياسة الدولة تهدف الى جذب الاستثمارات الاجنبية للاستثمار في هذا القطاع وقد ابرمت اتفاقيات كبيرة في هذا المجال .

رابعا : التحليل الاقتصادي لاهم المشاكل والتحديات التي ستواجه الموازنة اعدادا وتنفيذا :

  1 ـ الملاحظة العامة للموازنة هذه وسابقاتها بانها على الاغلب مجرد ارقام حسابية صماء موضوعة بشكل غير مدروس ومتوازن وغير واضح الاهداف والاليات العامة لتنفيذها لذلك ينبغي اعادة النظر فيها وترسيخ فلسفة جديدة في عملية اعدادها .
  2 ـ لا زالت نسبة اقليم كردستان الـ (17%) محل خلاف والتي تقارب قيمتها ( عشرة ) مليارات من اجمالي قيمة الموازنة ولثلاث محافظات فقط بمعنى ( ثلاثة ) مليار / محافظة ويبقى المبلغ كبير حتى بعد اسقاط المبالغ السيادية ( النفقات السيادية ) للدولة في حين وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد ان ميزانية محافظة البصرة لا تزيد على (200) مليون دولار رغم اهميتها الاقتصادية والاستراتيجية باعتبارها الميناء الوحيد والمنتج الاساسي لسلة الغذاء العراقية علما بان الدستور يؤكد في مادته (109) ان يكون توزيع الايرادات على اساس عدد السكان وحصة للمناطق المتضررة سابقا وتؤكد على وجوب تحقيق ذلك التوازن لمناطق البلاد المختلفة وضمن هذا السياق نلاحظ ايضا بان جميع المؤسسات داخل اقليم كردستان لا زالت بعيدة عن انظار مؤسسات الرقابة المالية والنزاهة للحكومة المركزية لذلك فالجهات المسؤولة عن الانفاق وطرق الانفاق ونسب الانفاق والمدور من الميزانيات والحاسبات الختامية السابقة مجهولة لحد الان ، وباضافة لما سبق فانه لا تزال نفقات ورواتب حرس اقليم كردستان موضع جدل وخلاف حيث تطالب حكومة اقليم كردستان بان تكون ضمن نفقات وزارة الدفاع ولكن الحكومة المركزية تخالفها ولديها شروط في ذلك .
  3 ـ ان استمرار الازمة المالية العالمية سيوقع النشاط الاقتصادي العراقي بعدة مشاكل وازمات مالية واقتصادية منها ما يسمى بـ ( فخ السيولة ) والتي نعني بها القيام بتحويل اغلب الاصول المالية وباشكالها المتعددة الى نقود سائلة او ذهب او اشباه نقود وسيذهب اغلبها الى الاكتناز بدلا من الادخار على شكل ودائع في البنوك وهذا الامر يقود الى انخفاض في حجم الاستثمار وركود وبطالة جديدة ، وقد دعا وزير المالية الى مساعدة البنك المركزي في الاصدار مسكوكات ذهبية ذات جودة عالية ليتمكن المواطنون من تحويل اموالهم ومدخراتهم الى ذهب .
  4 ـ برغم من اهمية المؤسسات الامنية والجانب الامني على مستوى الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي الا ان المبالغة في تخصيصاتها سيؤثر بشكل او باخر على التخصيصات الاستثمارية فضلا عن ان انفاق هذه التخصيصات عرضة للهدر والفساد المالي بسبب عدم وجود مؤسسات رقابية مدنية قادرة على الرقابة الفاعلة على المؤسسات الامنية والعسكرية عدا رقابة البرلمان المجمدة اصلا .
  5 ـ لا تزال الدولة دولة ريعية تعتمد فقط على مواردها النفطية التي تشكل اكثر من (90%) من اجمالي ايرادات الموازنة كما ان السوق النفطية تتصف بعدم الاستقرار في الاسعار وبالتالي فالموازنة عرضة لعجز كبير كما اسلفنا سابقا ، ويساهم التلكؤ في تقديم الحسابات الختامية للميزانيات السابقة المتاخرة اصلا في معرفة مقدار المدور منها بشكل واضح ودقيق مع ذكر تفاصيل الارصدة والاحتياطات في البنك المركزي وفي صندوق Dfl في نيويورك ، ان العجز المتوقع للموازنة سيدفع بالحكومة الى الاعتماد على الاستثمار الاجنبي في تطوير قطاعات النفط والكهرباء والقطاعات السلعية والخدمة والسياحة للتخفيف من الاموال الكبيرة الاستثمارية التي تحتاجها هذه القطاعات لتطويرها ، لكن المشكلة الاساسية تكمن في ان محددات تشجيع الاستثمار الاجنبي ما زالت ضعيفة من وجهة نظر المستثمر الاجنبي رغم رغبتهم بالاستثمار مبدئيا .
  6 ـ ترتبط سياسة الاصلاح الاقتصادي والاستمرار باطفاء الديون الخارجية وتقديم المشورة بالاتزام بشروط صندوق النقد الدولي ونادي باريس وهي كثيرة ومن اهمها تقليص الدعم الحكومي ثم ازالته وهذا الامر يشمل المشتقات البترولية والبطاقة التموينية وهو تحدي كبير ستواجه الدولة بهذه الموازنة والموازنات القادمة لهذا على الحكومة رسم سياسة توازنية تجمع بين التزاماتها للمؤسسات المالية الدولية وبين عملية الدعم المهمة لذوي الدخل المحدود والفقراء وهذا الامر ليس بالهين واليسير تجاوزه .
  7 ـ لا يزال الفساد المالي والاداري منتشر في دوائر الدولة وهو تحدي كبير يواجه عملية تحقيق الاهداف الاقتصادية والاجتماعية والاستثمارية لان هذه الافة ستاكل اغلب المنافع المتوقعة وستسبب هدرا كبيرا في الموارد المالية وحتى البشرية .
  8 ـ ان تعدد مصادر تمويل المشاريع من خلال الموازنات الوزارية او موازنات الاقليم والمحافظات او مجلس الاعمار للقوات المتعددة الجنسيات او عن طريق المنح والمساعدات الخارجية وهو امر يشجع على الفساد المالي والاداري والاقتصادي واحيانا قد يصبح هذا الفساد مقنن .
  9 ـ لم اجد في الموازنة ما يشير الى وجود احصائيات جغرافية توضح الاثار المتوقعة للانفاق الاستثماري على سكان الريف والحضر او الاسهام في موردها .
  10 ـ من التحديات الاخرى هو ضعف التخصيصات اللازمة لاعادة اعمار وبناء البنية التحتية والتي تقدر بـ (55) مليار حسب تقديرات البنك الدولي وفي دراسة محلية لوزارة المالية قدرت بـ (20) مليار دولار لكل محافظة .
  مشكلة الفقر المتنامية والتي لم تستطع التخصيصات لشبكة الامان الاجتماعية ان تحلها بسبب قلة حجمها قياسا بعدد الفقراء والمقدر نسبتهم بما يقارب (40%) من السكان ، فضلا عن استشراء الفساد المالي والاداري فيها .
  11 ـ مشكلة البطالة المنتشرة في المجتمع والتي تجاوزت (30%) من السكان القادرين على العمل .
  12 ـ لم ترق الموازنة للعام 2009 بعد الى المعايير الدولية المعتمدة من قبل مؤسسات المالية الدولية والمتعلقة بالشفافية والوضوح التام في توزيع الادوار والمسؤوليات ، توفير المعلومات الكافية للشعب ، ضمانات للنزاهة وغيرها فضلا عن ان اجهزة الرقابة والتدقيق والنزاهة الضعيفة وهي اصلا تحتاج الى رقابة وتنقصها الكفاءة .
  13 ـ وجود تلكؤ في اطلاق الاموال وصرف مبالغ التخصيصات وايداعها في حسابات الوزارات والمحافظات وهذا يؤثر سلبا على تنفيذ المشاريع وانجازها في مواعيدها المحددة .
  14 ـ لا تتظمن الموازنة تقارير عن القيمة السوقية لاصول الشركات المملوكة للدولة والتي تشكل الاساس لتقييم اداءها ومركزها المالي ومن ثم اختيار الطريقة المناسبة في استثمارها او تحديد الشكل الاستثماري المناسب لها .
  15 ـ لم تشر الموازنة بشكل واضح وتفصيلي لبدائل التمويل عند احتمالات بقاء سعر النفط منخفض او في حالة صعوبة توسيع طاقته التصديرية

خامسا : المقترحات والحلول المناسبة لمواجهة التحديات المتوقعة في اعداد وتنفيذ الموازنة :

  تم تحديد مجموعة من الملاحظات الهامة والتي تعتقد انها يمكن ان تساهم بشكل او اخر في ترصين فاعلية اداء الموازنة وتوضيح متطلبات سد العجز الكبير المتوقع فيها وهي :
  اولا ـ العمل على تحقيق التنسيق والتكامل والانسجام بين اهداف الموازنة والاهداف الاستراتيجية لعملية الاصلاح والتنمية الاقتصادية الى جانب تنسيق اخر يجمع بين السياستين المالية و النقدية والخروج بسياسة واحدة توسعية انكماشية وحسب ظروف ونوع المشاكل التي يعاني منها النشاط الاقتصادي .
  ثانيا ـ ان الركود الاقتصادي العالمي المتوقع استمراره بسبب الازمة المالية العالمية والذي سبب آثارا انكماشية وانخفاض باسعار النفط والايرادات والنفقات المتوقعة يجب ان يكون حافزا جديا للبحث عن مصادر تمويلية غير نفطية بديلة من جهة وترشد الانفاق العام من جهة اخرى مع توفير المتطلبات اللازمة لتشجع الانتاج المحلي واتباع سياسة احلال الواردات .
  وفيما يخص المصادر التمويلية الغير نفطية فانه يمكن توفير مصادر بديلة لها وكما يلي :
  1 ـ تنشيط القطاع السياحي للاستفادة من عوائده وخاصة السياحة الدينية مع ضرورة وضع خطة شاملة لتطويره والنهوض به .
  2 ـ تفعيل نظام الضرائب والرسوم الكمركية وغير الكمركية وذلك من خلال البدا باصلاح النظام والهيكل الضريبي والكمركي تؤطره مجموعة من المبادئ والاسس منها البدا بنشر الوعي الضريبي مع توضيح ضرورته ، رفع كفاءة الاجهزة الضريبية ومستوى ادائها الضريبي ، واعتماد مبدا توسيع القاعدة الضريبية ( الوعاء الضريبي ) مع تخفيض الاسعار الضريبية والعبء الضريبي من اجل تقليل التهرب الضريبي او التمرد عليه ، وتشريع قانون يعفي اصحاب الدخول المنخفضة من الضرائب وهو ما اكد عليه الدستور .
  3 ـ تشجيع دخول رؤوس الاموال الاجنبية وتقديم الدعم والتسهيلات الادارية والتمويلية ( المصرفية ) والتشرعية لذلك مع ضرورة ان توجيه هذه الاستثمارات نحو مشاريع البنية التحتية والمشاريع النفطية بشكل خاص لتوسيع طاقتها الانتاجية والتصديرية فضلا عن المشاريع التي تهتم بالانتاج السلعي ويحتاج ذلك الى تشجيع برامج الخصخصة او اعتماد نظام (BoT) في الاستثمار .
  4 ـ الاستفادة من المنح والمساعدات التي تقدمها الدول المانحة ومؤسساتها المختلفة وبالامكان ايضا الاستفادة من القروض الميسرة التي تمنحها بعض المؤسسات المالية الدولية .
  5 ـ اصدار سندات حكومية للدين العام لامتصاص المدخرات المحلية مع العمل على توسيع وتطوير سوق الاوراق المالية والنقدية ليكون عامل مساعد في تشجيع الاستثمار المحلي الى جانب المحددات الاخرى .
  اما في جانب النفقات فنعتقد انه يجب بذل الجهد في ترشيد النفقات التشغيلية قدر الامكان بالاعتماد على المبادئ التالية :
  1 ـ ان تتصف عملية التخصيص للنفقات بالرشادة والعقلانية وتحصر الزيادات النسبية عن السابق بالحاجات الاساسية والضرورية .
  2 ـ ان تكون اية زيادات نسبية في النفقات التشغيلية متناسبة مع نسبة او معدل النمو الاقتصادي المتحقق او المتوقع تحقيقه .
  3 ـ تحديد سقف اعلى في صرف تخصيصات المكافآت والساعات الاضافية والايفادات لمنع الهدر بالاموال مع التاكيد ان تكون ضمن الضوابط المعمول بها .
  4 ـ ان ترتبط اية زيادة في الدرجات الوظيفية الجديد مع معدل نمو فرص العمل المتوقعة والناحية عن الزيادة في الانفاق الاستثماري الجديد وذلك للحد من الترهل الوظيفي المتفاقم والبطالة المقنعة المنتشرة في دوائر الدولة وخلاف ذلك فان الزيادات في الدرجات الوظيفية غير المحسوبة وقد تسبب عجز مستقبلي في الايفاء بالالتزامات المالية الاخرى لان الموازنة ستصبح مجرد جداول لتسديد الاجور والرواتب والمكافآت التقاعدية ، ويمكننا ترشيد هذه الزيادات ايضا من خلال اعتماد التقاعد المؤقت بدلا من اعتماد الملاك الدائم وبرواتب معقولة وهذا الامر سيخفض اعباء التكاليف العالية للرواتب والاجور على الدولة كما يمكن ان تحول هذه التخصيصات للدرجات الوظيفية الى قروض تمنحها الحكومة لتوفير فرص العمل بمشاريع صغيرة او متوسطة بشرط ان تكون هذه القروض ميسرة ومدروسة وموجهة لمشاريع منتخبة وليست استهلاكية ... والجدير بالذكر ان المشاريع الصغيرة تتميز بمرونتها العالية لاستيعاب الصدمات الخارجية والخسائر بصورة اقل من المشاريع الكبيرة .
  5 ـ يجب ترشيد البطاقة التموينية التي خصص لها اكثر من (6)مليار دولار وتخفيض هذا التخصص بما لا يقل عن (20%) من اجمالي المبلغ المخصص لها لان بقاءه سيؤدي الى حصول هدر لعدد كبير في هذه الاموال وسيشجع ذلك على الفساد المالي وخاصة في مجال العقود فضلا عن ان الكثير من الحصص التموينية لا تذهب كاملة لمستحقيها ، لذلك يفضل ان تحصر البطاقة التموينية على الفئات الفقيرة فقط والمحسوب دخلها ضمن خط الفقر على ان يستمر هذا الاجراء في اعداد جميع الموازنات المستقبلية .
  ثالثا ـ يفضل اعتماد الموازنة في تقديراتها للايراد على سعر او معدل اقل من (50) دولارا للبرميل وليس (50) دولار كما هو مقر في الموازنة ، وخاصة وان كثير من التنبؤات تؤكد استمرارية الازمة المالية العالمية والركود الاقتصادي ، اما في حالة حصول مستجدات دولية مفاجاة في التغيرات الاقتصادية وتجاوز البرميل الـ (50) دولار واستقراره على ذلك فانه يمكن القيام باعداد موازنة تكميلية بعد فترة من ذلك .
  رابعا ـ لا يمكن تحقيق اهداف الموازنة وتفعيلها للحصول على نسب انجاز عالية الا من خلال زيادة تخصيصات التدريب والتاهيل والتعليم التقني على وجه الخصوص مع ضرورة استقطاب الكوادر الادارية الكفوءة ، واستيعاب التكنولوجيا الحديثة والاساليب الجديدة في الادارة والتنظيم ، فادارة التنمية بلا شك تحتاج الى تنمية ادارية وبشرية واعادة النظر بالهيكل الاداري لمؤسسات الدولة والتخلص من آفة البيروقراطية.
  خامسا ـ الحاجة الماسة الى تشريع قانون يوحد الانفاق في تنفيذ المشاريع كي يزيل الارباك والتكرار الذي قد يحصل نتيجة لتعدد مصادر التمويل لتنفيذ المشاريع .
  سادسا ـ على قادة اقليم كردستان ان يدركو ان الدولة الديمقراطية هي دولة مؤسسات وعليها تمكين جميع مؤسسات الدولة المركزية ومنها المؤسسات المالية والرقابية والنقدية ان تاخذ دورها وصلاحياتها في الاقليم والتعامل مع السلطة المركزية باعتباره اقليم فدرالي وليس كونفرالي ، وللخروج من مشكلة نسبة الاقليم نقترح بقاء النسبة (17%) في هذه الموازنة بعد استقطاع النفقات السيادية والقيام بتسويات مالية وباثر رجعي من الحكومة المركزية بعد اجراء التعداد السكاني في هذه السنة وتثبيت النسبة الحقيقية على ان يثبت ذلك في الموازنة كي يصبح قانون نافذ وتاخذ جميع التعهدات والضمانات من الجانب الكردي للالتزام بذلك مستقبلا .
  سابعا ـ العمل على تشكيل لجان رقابية محاسبية ومالية كفوءة تقوم بكتابة تقارير مفصلة عن القيمة السوقية لاصول الشركات والمؤسسات المملوكة للدولة والتي تحتاج الى عمليات الخصخصة .
  ثامنا ـ ضرورة تفعيل جميع الاجهزة الرقابية في الدولة من خلال البرلمان والحكومات المحلية والرقابات الشعبية والاعلامية ومؤسسات المجتمع المدني لمحاربة الفساد المالي والاداري بحيث تعمل جميع هذه المؤسسات بشكل كامل ومنسق الامر الذي يضمن الحد من الهدر الكبير في الاموال والموارد المادية والبشرية .
  تاسعا ـ ضرورة عرض موازنات مجلس النواب ومجلس القضاء الاعلى للمناقشة العلنية والشفافة واقرارها بشكل يناسب مع الازمة الاقتصادية العالمية .
  عاشرا ـ التزام الوزراء والمحافظين بصرف ما لا يقل عن 25% من التخصيصات المؤمنة لهم بعد مرور مدة فصلية لا تزيد عن (4) اشهر من اقرار الموازنة مع التاكيد على سحب الثقة منهم في حالة القصور والتقصير .
  وبالرغم من اهمية جميع هذه المقترحات الا ان عملية الاعمار والبناء والاصلاح الاقتصادي الشامل يحتاج الى رؤوس اموال كبيرة ورؤوس اموال طائلة ووقت طويل مدعومة باستراتيجية وخطط واليآت وبرامج مبنية على اسس علمية ودراسات وبحوث مستمرة اقتصادية واجتماعية ونامل ان تكون لهذه الدراسة مساهمة متواضعة تساعد المختصين واصحاب القرار في اتخاذ قرارتهم بشكل اكثر دقة وفاعلية .





BASRAHCITY.NET