الامام الحسين ( عليه السلام ) من اهل بيت الله تعالى بشرف النبوة ، واصطفاهم امناء للرسالة ، وجعلهم قدوة ورحمة للعالمين : ( وما ارسلناك الا رحمة للعالمين ) فكان اهل البيت رحمة للعالمين ، وكان الحسين رحمة الله الواسعة انار به تعالى غياهب الظلمات ، وعرف به الناس الحق من الباطل ، بعد ان كان في زمانه احداهما متلبس بالاخر .
  لقد ظل بيت النبوة وبعد رحيل النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وفي احلك الظروف والاوقات التي مرت بهم ، ظل هذا البيت القطب الذي يدور حوله ويلتف خيار الامة وصالحوها بما حباهم تعالى من علم وحلم وسخاء وتقوى لا نظير لها ، وظل خلفاء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يهرعون الى هذا البيت ، بيت علي ( عليه السلام ) كلما المت بهم معظلة واحاطت بهم فتنة قد عجزوا في الوصول الى سبيل حلها فكان امير المؤمنين لها ، حتى سمعنا الخليفة الثاني يقول : لا بقيت لمعظلة ليس لها ابو الحسن ، ولولا علي لهلك عمر ، وهكذا كان الامام الحسين من بعده على مدى حياته رحمة للناس اذ اطفأ ( عليه السلام ) نار الفتنة التي اشعلها معاوية حينما عقد معه وثيقة صلح حافظ فيها على خيار المؤمنين بعد ان بان له وللامة علنا مدى الغدر الذي تاصل في صفوف المنافقين طمعا في حياة الدنيا .
  حتى قال فيه الشاعر :

حسن الذي صان الجماعة iiبعدما      امـسى  تـفرقها يـحل iiعراها ترك الخلافة ثم اصبح في الديار      امـام الـفتها وحـسن iiعـلاها

  ( لقد كان من بنود هذا الصلح ، ان مقاليد الامة لابد ان تؤول بعد وفاة معاوية الى الحسن فان لم يكن لقد كان الامام الحسين آنذاك سيد بني هاشم بلا منازع ، وكيف لا يكون كذلك وهو خامس اصحاب الكساء الذي نزل فيهم قوله تعالى : ( انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا ) وفيه وفي اخيه قال جده المصطفى ( صلى الله عليه وآله سلم ) : ( الحسن والحسين سيدا اهل الجنة ) و : ( الحسن والحسين امامان ان قاما وان قعدا ) و ( الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة ) الى غير ذلك من احاديثه الشريفة ( صلى الله عليه وآله وسلم )
  وكان الجميع يدرك مكانة الحسين هذه وينظر اليه على انه الامل المنشود للنهوض بهذه الامة بعد ان تحكم في مقاليدها ابناء اكلة الاكباد وقد قال يوما معاوية لابن عباس : حينما التقى به بعد رحيل الامام الحسن : لقد اصبحت سيد بني هاشم فرد ابن عباس : اما وابو عبد الله موجود فلا .
  لقد ادرك معاوية شرعية خلافتة ولده هذا فبدأ في ايامه الاخيرة باخذ البيعة من المسلمين عنوة لولده لعل الامور تستوي بعد موته ، وكان ذلك اخطر انتهاك لوثيقة الصلح مع الامام الحسن بل هو اخطر انتهاك تعرضت له كرامة الامة عبر تاريخها الطويل .
  ولقد اوصى معاوية ولده هذا في التشديد على اخذ البيعة من الامام الحسين وفعلا فقد استدعاه واليهم على المدينة بعد وفاة معاوية لهذا الامر ، وبدايته ابى الامام البيعة منفردا دون الناس ولكن لما ظهر من بعضهم نبرة التهديد في حقه ( عليه السلام ) اعلن الامام موقفه واضحا هذا الموقف الذي ظل الامام ( عليه السلام ) متمسك به حتى الحظات الاخيرة من حياته ، ومن ضمن ما قال : ان يزيد شارب الخمر وقاتل النفس ومثلي لا يبايع مثله وهكذا خرج الامام وقد ادرك واقعاً مدى الشر الذي اعده هؤلاء له وللمدينة باسرها لو بقي فيها كونها تشكل القاعدة الرصينة التي انطلق منها الاشعاع المحمدي الاصيل ، لهذا وغيره قرر الامام الحسين ( عليه السلام ) ان يخرج من المدينة الى حرم الله الامن حيث البيت العتيق ( ومن دخله كان امنا ) حملا معه النساء والاطفال والاخوة في قافلة ملؤها الطيب لا تفصح الا عن سلام ومحبة تاركاً مدينة جده وملاعب صباه امنة مطمئنة بعد ان تزود بعبق تراب جده ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في وداع اخير .
  والمتامل لحركة الامام الحسين ومسيرته هذا يدرك الاتي :
  1 ـ حرص الامام الحسين على عدم تصعيد حد المواجهة مع الامويين عبر خروجه من المدينة ليلا بعد ان ادرك عزمهم على اخذ البيعة منه .
  2 ـ ادراكه ( عليه السلام ) بما امتلك من رؤى بعيدة نوايا هؤلاء ورغبتهم في هتك مدينة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تحت طائلة وجوه غير مبايع فيها ، وقد نفذوا ذلك فعلا حتى بعد قتل الامام ( عليه السلام ) .
  3 ـ ان في اخذه ( عليه السلام ) عياله ونساؤه لهو اكبر دليل على ان هذه الثلة لا تضمر اي تهديد لاحد سوى كونها ابت ان تبايع الظالم فتبيع اخرتها بدنياها وقد صرح الامام الحسين ( عليه السلام ) بذلك قائلا : ما خرجت اشرا ولا بطرا ولكن خرجت طلبا للصلاح في امة جدي رسول الله ، واي صلاح اعظم من رفض بيعة الظالم .
  4 ـ ان في الهدف الذي سار اليه الامام الحسين ( مكة المكرمة ) دليل كبير على مدى حرص الامام في الوصول باهل بيته الى حرم آمن لا يجوز القتال فيه ابدا .
  5 ـ ما لهذا البيت من قداسة ومكانة في ضمير الامة فانه يشكل قلب الحدث وما شاء الامام ان يبعد عن هذا القلب الذي ياتي الناس حجة من كل فج عميق فكان الامام بوجوده في تلك الظروف الشريان النابض بحياة هذا القلب اذ علم الجميع بانه قد ابى ان يبايع يزيد وان تكليفهم الشرعي الالهي يقتضي مثل ذلك .
  لقد ادرك الامام ان بقاءه في الحرم المكي سوف لن يدوم لا سيما بعد ان ادى فريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في اتم صورها وان الظالمين سوف يضيقون عليه اكثر وان بقاءه سوف يشكل تهديداً لهذا البيت وحرمته المقدسة فان هؤلاء لا يتورعون في حفظ هذه المكانة التي حفظها الله وفعلا ارسل الطغاة خمسين رجلا لقتل الامام في هذا الحرم الامن وهكذا اثر الامام ( عليه السلام ) ان يرحل عنه وكان من اهم اسباب ذلك :
  1 ـ لكي يبقى هذا البيت امنا بحجيجه واهله فلا يناله هتك ودمار غير بعيد ان يقدم عليه هؤلاء بسبب وجوده ، وقد فعلوا ذلك كما هو معروف بعد قتل الامام الحسين اذ قاموا بضرب هذا البيت وحرقه .
  2 ـ اما وقد عزموا على قتل الامام فيه فانه لم يعد المكان الامن لابي عبد الله ( عليه السلام ) .
  3 ـ لقد ادى الامام رسالته الخالدة طياة مدة وجوده عبر اعلام الامة بنهضته المباركة فلم يبقى احد يجهل حقيقة خروجه لاسيما وانه رحل عن البيت العتيق قبيل بدا شعائر الحج الاكبر .
  ان الكتب التي وردة اليه من الكوفة وقد بلغت الالاف تحثه لسير اليهم لنصرة دين جده المصطفى ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فالاجدر ان لا يدخل الامام فانهم يتلهفون لقدومه الشريف اليهم اشد تلهف ، وهكذا حمل الامام ( عليه السلام ) عياله ونساءه وما بدر منه في طريقه هذا الا الخير والسلام والعون حتى ان الجيش الذي جعجع به في كربلاء اذ يقدمه الحر الرياحي ومعه الف فارس جاءوا عطاشى فسقاهم الحسين وسقى خيولهم في بادرة تفصح عن مدى حرص الامام ( عليه السلام ) على حفظ النفس الانسانية ومن معها في اشد ظروف الحاجة الى الماء ( ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة ) شربوا جميعا ولم يرتوا منهم حق الارتواء الا قائدهم الحر الرياحي شاهد على قلة الناصر .
  لقد فاوض الامام هؤلاء في ان يتركوه وشأنه وان لا يستبيحوا دمه فانه لا يوجد على وجه الارض ابن بنت نبي غيره لكنهم ابوا الا اذلاله ( عليه السلام ) فقال قولته المشهورة : هيهات من الذلة : والله لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل ولا اقر اقرار العبيد ، ولما لاحت لحظات بدا المعركة قال الامام لبعض اصحابه اني اكره ان ابدأهم بقتال ، سالكا واصحابه اسلوب الحوار الذي يدعو الى عدم الدخول في القتال كل ذلك دليل على تبني طريق السلام وهكذا تتجلى هذه المواقف التي ذكر بعضها منذ ان انطلق الامام حتى استشهاده ( عليه السلام ) .
  سلام عليك سيدي ابا الاحرار يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا .