قراءة في المسار الحسيني

الاستاذ جواد كاظم النصر الله

المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم

  الحمد لله لولاية اهل البيت ( عليهم السلام ) وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله ، والسلام على من خلقت لاجلهم الافلاك محمد واهل بيته ذوي القربى الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا
  كثيرة هي الاحاديث التاريخية التي تركت بصمات واضحة على تاريخ الانسان ، ولكن القليل منها من يعمر البشرية ، ومنها ثورة الامام الحسين ( عليه السلام ) تلك الثورة التي خلدت على مر العصور رغم كل العقبات التي اعترضت استمراريتها ، وفرضت هذه الدعوة نفسها داعية الاجيال للبحث عن سرها ، وسبب انطلاقها واستمراريتها ، فأخذت الاقلام والعقول تبحث عن سبب ذلك فكان ان طرحت تفاسير متعددة لتلك الثورة .
  فمن تلك التفاسير قصة ارينب بنت اسحاق وفحواها ان يزيدا عشق فتاة تدعى ارينب بنت اسحاق ، واراد الزواج منها ، ولكن الامام الحسين ( عليه السلام ) سارع لخطبتها والزواج منها ، مما ادى الى غضب يزيد ومقتل الامام الحسين ( عليه السلام ) .
  اذن مقتل الحسين يفسره نزاع عاطفي عشوقي حول فتاة لم يفصح التاريخ عن هويتها ، ولم يتضح هل ان الله فعلا خلق فتاة بهذا الاسم ام انها اختلقت في اوهام رواة مؤلف كتاب الامامة والسياسة المنسوب لابن قتيبة ؟
  وهنالك من يفسر مقتل الامام الحسين ( عليه السلام ) على انه يمثل حلقة من حلقات الصراع الهاشمي ـ الاموي ، وهذا ما ذهب اليه المقريزي في كتابة النزاع والتخاصم فيما بين بني امية وهاشم ، فانه لما مات ابن شمس اخو هاشم قام مكانه ابنه امية الذي اختلف في امره هل هو ولده ؟ ام انه تبناه على عادة الناس قبل الاسلام ؟
  ولما رأى امية مكانة عمه حسده ، فاراد ان يفعل مثله لكنه فشل مما ادى الى شمات اهل مكة به ، فغضب ودعا هاشم للمنافرة على خمسين ناقة تنحر بمكة ، وعلى جلاء عشر سنين ، وجعل بينهم الكاهن الخزاعي جد عمر بن الحمق الخزاعي ، وقد خرج مع امية ابو همهمه حبيب بن عامر القهري ، فقال الكاهن : والقمر الباهر ، والكوكب الزاهر ، والغمام الماطر ، وما بالجو من طائر ، وما اهتدى بعلم مسافر من مجد وغائر لقد سبق هاشم امية الى المآثور اول منه واخر وابو همهمه بذلك خابر ، فاخذ هاشم الابل فنحرها واطعم لحمها من حضر وخرج امية الى الشام فأقام بها عشر سنين فهل ان هذه المنافرة وضعت فيما بعد اما لاعطاء امية مكانة اجتماعية ، والتاكيد على انه ابنا لعبد الشمس ؟ او لتفسير مجيئه من الشام لانه موطنه الاصلي حيث كان عبدا اشتراه شمس فكانوا يسمونه عبد الشمس ؟.
  وقد قال المقريزي : وكان امية يرفع اسمه بابيه وبنوه ، ولم يكن في نفسه ما يدل على رفعة ، وكان مضعوفا وكان صاحب عهار يدل على ذلك قول نفيل بن عبدالعزى جد عمر بن الخطاب لما نافر ابنه حرب بن امية عبد المطلب بن هاشم ، فحكم نفيل لعبد المطلب وتعجب من اقدام حرب على عبد المطلب وقال :
ابوك معاهر وابوه iiعف      وذاد الفيل عن بلد حرام

  او انها وضعت لتفسير استشهاد الامام الحسين ( عليه السلام ) ، على اعتبار ان مقتل الامام الحسين جاء بناء على موروث تمثل بالنزاع القبلي بين الهاشميين والامويين ، اذ لما بشر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالدعوة الاسلامية فكان ان وقف ابو طالب زعيم الهاشميين في وقته الى جانبها مقابل بني امية وعبد الشمس الذين وقفوا ضدها كعتبة بن ربيعة بن عبد شمس واخيه شيبة جدي معاوية لامه ، وابي سفيان صخر بن حرب بن امية ، ولما تولى الامام علي ( عليه السلام ) الخلافة وقف معاوية ضده معلنا حربا ضروسا حتى استشهاد الامام علي ( عليه السلام ) وعقد الامام الحسن ( عليه السلام ) الهدنة مع معاوية ، وقد اسدل هذا الصراع بضله على الامام الحسين ( عليه السلام ) ويزيد لما تولى الاخير الحكم .
  فارادوا القول ان استشهاد الامام الحسين ( عليه السلام ) لم يكن لصراع عقائدي بل لنزاع قبلي كما يزعمون ؟...
  لكنه يمكن القول : حينما ننظر لما قاله الامام الحسين ( عليه السلام ) وآل بيته وانصاره نجدهم يؤكدون ان هذه التضحية التي يقدمونها انما هي لاجل نصرة الاسلام .
  نعم ربما يكون الموقف قبليا من الطرف المقابل الذي نظر للدعوة التي جاء بها النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعضدها الامام علي ( عليه السلام ) وولديه تنافس جديد ، وهذا ما لمسناه في تمثيل يزيد بابيات ابن الزعبري لما ادخل عليه رأس الحسين ( عليه السلام ) :
لـيت اشـياخي ببدر iiشهدوا      جزع الخزرج من وقع الاسل
لاهـلـوا واسـتهلوا فـرحا      ثـم  قـالوا يـا يزيد لا iiتشل
قـد قـتلنا القرم من iiساداتهم      وعـدلـناه بـبـدر فـاعتدل
لـست مـن هند فان لم انتقم      مـن بـني احمد ما كان فعل
لـعبت  هـاشم بـالملك iiفلا      خـبر  جـاء ولا وحي iiنزل

  وهنالك من يفسر الثورة الحسينية انها جاءت على اثر دعوة اهل الكوفة للامام الحسين ؟ وهذا من الاخطاء الشائعة اذ ان هناك من يرى ان الامام الحسين انما ثار استجابة لدعوة اهل الكوفة الذين غدروا به وخدعوه وبالتالي هم انفسهم قتلوه .
  والذي طرح هذا الرأي كان يرمي الى :
  1 ـ اظهار الامام الحسين ( عليه السلام ) بمظهر الانسان البسيط الذي وقع فريسة غدر اهل الكوفة ، فلو لم يكن كذلك لما انساق وراء اهل الكوفة ، ولم يثر على الخليفة !
  2 ـ اظهار اهل الكوفة قتلة الامام الحسين ( عليه السلام ) بأنهم شيعة ، اذن فالحسين ( عليه السلام ) قتله شيعة وليس بني امية .
  في الواقع ان الامام الحسين قد اتخذ قرار الثورة في المدينة المنورة في رجب سنة 60 هـ فلم يبايع ليزيد ، وقال قولته المشهورة ( مثلي لا يبايع مثله ) ، وبعدها توجه نحو مكة في الثالث من شعبان 60 هـ مستصحبا معه عياله واهل بيته من آل ابي طالب من ذرية الامام علي ( عليه السلام ) ، وعقيل وجعفر فقط ، ولما وصل الى مكة استقر فيها اربع شهور حتى الثامن من ذي الحجة 60 هـ حيث تعد مكة معقل العالم الاسلامي فترامت انباء ثورته ارجاء العالم الاسلامي ، سواء عن طريق المتب التي ارسلها للامصار الاسلامية او عن طريق الوافدين لبيت الله لغرض العمرة او الحج او المجاورة .
  ولما علم اهل الكوفة بذلك اما عن طريق كتابه اليهم او عن طريق الوافدين للكوفة من مكة ، فكتبوا للحسين يدعونه للمجيء الى الكوفة ، فارسل الامام الحسين ( عليه السلام ) ابن عمه مسلم ابن عقيل ليستعلم له الحال ، وحينما وصل مسلم ثمانية عشر الف من اهل الكوفة ، فكتب مسلم للامام الحسين يعلمه ويدعوه للقدوم للكوفة ، فعندها توجه الامام الحسين نحو العراق .
  اذا فالامام الحسين ( عليه السلام ) كان قد اتخذ القرار او لا في المدينة ثم ارتحل الى مكة ، وبدأ ثورته بمراسلة اهالي البلاد وطبقا لثورته دعاه اهل الكوقة ، فاستجاب دعوتهم بارساله سفيره مسلم ابن عقيل ثم مسيره اليهم .
  ومن الاخطاء الشائعة ان اهل الكوفة كانوا من الشيعة وقد خذلوه وقلوه ، اذ نظر البعض للكوفة التي اصبحت فيما بعد مقر الشيعة وعاصمة التشيع فتصوروا انها كانت شيعية ايضا ، وهذا خطأ كبير ولبيان اهل الكوفة وقتذاك ليسوا بشيعة علينا الرجوع الى الوراء قليلا : اذ لما توفي النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولم يكن الاسلام قد انتشر الا في مكة والمدينة والطائف وخيبر وبعض القرى في الجزيرة العربية فقط ، وبعد وفاته تولى الحكم عدد من الخلفاء ، وفي عصرهم فتحت البصرة والكوفة والشام وفلسطين ومصر وافريقية وايران ، وكان هؤلاء الخلفاء يرون ان الخلافة من بعد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ليست للامام علي ( عليه السلام ) ، وكذلك قادة الفتوحات ، لذلك حينما دخل اهل الكوفة والبصرة ودمشق ومصر وايران وغيرها للاسلام فانهم اعتنقوا الاسلام حسب النظرية التي يراها هؤلاء الخلفاء وقادتهم ، بينما كان الامام علي ( عليه السلام ) ومن يعتقد بامامته قد ابعدو عن اي دور في الفتوحات .
  لذا فمن دخل الاسلام لم يكن يعلم شيء حول فضائل امير المؤمنين ( عليه السلام ) بحيث لما تولى امير المؤمنين ( عليه السلام ) الخلافة ، فان اهل الكوفة نظروا اليه مجرد خليفة رابع وليس امام معصوم ، من هذا فان امير المؤمنين ( عليه السلام ) لم يستطع ان يغير الاحكام التي وضعها الخلفاء قبله لان الناس اخذوا ينظرون الى اولئك الخلفاء نظرة قديسة ، لذا فقد تخاذلوا عن نصرة الامام لما رأوه يقيم الحق على الكبير والصغير والعربي وغير العربي بنفس الميزان ، وانشق بعضهم عن جيشه واصبحو خوارج ، وقد تصور البعض ان هؤلاء كانوا شيعة وخرجوا عليه مع انهم لم يكونوا شيعة على الاطلاق .
  ولما استشهد امير المؤمنين ( عليه السلام ) لاحق معاوية شيعة الامام فقتلهم اينما كانوا وكانوا قلائل وذاق معاوية باقي اهل الكوفة الامرين لانهم قاتلوه في صفين ، فلما سنحت لهم الفرصة بعد وفاة معاوية وعلموا ان الامام الحسين ( عليه السلام ) رفض بيعة يزيد وجدوها فرصة لدعوته اليهم لتعود الكوفة عاصمة للدولة الاسلامية ، فهم لما دعوا الامام الحسين ( عليه السلام ) لا على انه امام معصوم وانما لكونه الاقرب اليهم وقد عاش في مدينتهم اربع سنوات ايام خلافة ابيه الامام علي ( عليه السلام ) ولانه الوحيد الذي رفض بيعة يزيد .
  ونظرة قليلة لبعض الاسماء التي راسلت الامام الحسين (عليه السلام ) تؤكد ذلك فمن الاسماء محمد بن الاشعث ، وعائلة الاشعث معروفة بعدائها لاهل البيت وقد كان الاشعث بن قيس زعيم المنافقين في ايام الامام علي ( عليه السلام ) كابن سلول في ايام النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
  ومنهم شبث بن ربعي مؤذن سجاح ، وحجار بن ابجر النصراني ؟ وغيرهم فمن من هؤلاء كان مواليا لاهل البيت ( عليه السلام ) ؟ نعم هنالك سليمان بن صرد الخزاعي الذي القاه الامويين في السجن بعد السيطرة على الكوفة وقتل مسلم بن عقيل .
  اذن فأهل الكوفة ـ الا القليل ـ لم يكونوا شيعة بالمعنى الاصطلاحي اي الاعتقاد بولاية اهل البيت ( عليهم السلام ) .





BASRAHCITY.NET