الطريح السقط لزوجة الامام الحسين (ع) المحسن

الاستاذ مجاهد منعثر منشد الخفاجي

   المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم
  توالت عليهم المحن والرزايا منذ التحق النبي الاكرم ( صلى الله عليه وآله ) بالرفيق الأعلى ( لم يمتثل أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في الهادين بعد الهادين ، والأمة مصرّة على مقته ، مجتمعة على قطيعة رحمه وإقصاء ولده ، إلا القليل ممن وفى لرعاية الحق فيهم ، فقُتل من قتل ، وسُبي من سبي ، وأقصي من أقصي ، وجرى القضاء لهم بما يرجى له حسن المثوبة .
  قال أبو الفضل يحيى بن سلامة الحصكفي :ـ
قوم لهم في كل أرض iiمشهد      لا بل لهم في كل قلب مشهد
   هل سمعتم محسنين قد سقطوا ؟ قبله المحسن السبط ابن الامام عليا (ع) وهو أول شهيد من ضحايا العنف السياسي فلم يعرف له قبر ، وأنّى وقد دفنته فضة في ناحية البيت.
   واليوم نكتب عن شبيه وابن أخيه ( المحسن السقط بن الامام الحسين ( عليه السلام ) ) ومادفعنا للبحث عن معلومات من كتب ومواقعنا الاسلامية هو أن نضعه بين ايديكم لعلكم تذكرون الباحثين الاولين الذين استخرجوا المذكور ادناه من معلومات وتذكرونا بدعائكم المستجاب .
   ذكر المؤرخون كالطبري وابن الاثير وقال الغزي في نهر الذهب في تاريخ حلب : وفي سنة 61 هـ قتل الحسين بن علي ( رضي الله عنهما ) بكربلاء ، واحتز رأسه الشريف شمر بن ذي الجوشن ، وسار به وبمن معه من آل الحسين إلى يزيد بدمشق ، فمر بطريقه على حلب ، ونزل عند الجبل غربي حلب ، ووضعه على صخرة من صخراته ، فقطرت منه قطرة دم ، عمّر على أثرها مشهد عُرف بمشهد النقطة.
   و قال ياقوت الحموي في معجم البلدان : جبل في غربي حلب ( في سفحه مقابر ومشاهد للشيعة ... ) ، ومنه كان يحمل النحاس الأحمر وهو معدن ، ويقال : أنه بطل منذ عبر عليه سبي الحسين بن علي ( رضي الله عنه ) ونساؤه ، وكانت زوجة الحسين حاملاً ، فأسقطت هناك ، فطلبت من الصناع في ذلك الجبل خبزاً وماء فشتموها ومنعوها فدعت عليهم ، فمن الآن من عمل فيه لا يربح ، وفي قبلي الجبل مشهد يعرف بمشهد السقط ، ويسمى بمشهد الدكة ، والسقط يسمى بمحسن بن الحسين ( رضي الله عنه ).
   وقال الشيخ حرز الدين ( رضي الله عنه ) في كتابه مراقد المعارف المشهور أنّ صاحب المشهد هو ابن الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، مرقده في جبل جَوشَن في حلب غرباً في سوريا ، ويُعرَف بـ « مشهد السِّقْط ».
   ذكر المؤرّخون أنّ المشهد شيّده الأمير أبو الحسن عليّ سيف الدولة الحمداني سنة 351هـ .
   وفي أيّام بني مَرْداس بُني المصنع الشمالي للماء ، وبُني الحائط القِبْلي، وعُمِل للضريح طَوق وعرائس من فضّة وجُعل عليها غشاء ، وبنى نور الدين في صحنه صِهْريجاً ومِيْضَأة فيها بيوت كثيرة ( أي غُرَف عديدة ) ينتفع بها المقيمون فيه. وهدم رئيس حلب صفيّ الدين طاروق بن علي النابلسي المعروف بابن طريرة بابَ المشهد الذي بناه سيف الدولة وحَسَّنه.
   وفي أيّام الملك الظاهر غياث الدين غازي بن صلاح الدين يوسف بن أيّوب 613 هـ ) وقع الحائط الشمالي، فأمر ببنائه .
   وفي أيّام الناصر يوسف بن عبدالعزيز، محمّد الظاهر ( 634هـ ) وقع الحائط القِبْليّ، فأمر ببنائه ، وعمّر الرَّوشَن الذي بقاعةِ الصحن.
   ولمّا مَلَك التتارُ حلبَ نهبوا ما في مشهد السِّقْط من الأواني والبُسُط ، وخَرّبوا الضريح ونَقَضوا الأبواب.
   حتّى إذا ملك الظاهر برقوق بن الرضي ( ت 801 هـ ) والي حلب، أمر بإصلاح المشهد، وجعل فيه إماماً للجماعة وقيّماً ومؤذّناً.
   هذا في الماضي ، أمّا وضعه الحاضر... فالمشهد محافَظٌ على ما كان عليه من أيّام برقوق .
   لشرف المشهد المبارك ( مشهد السِّقْط )... أحبّ الناس ـ لا سيّما الفضلاء ـ أن تكون قبورهم إلى جانبه ، حتّى كتب يحيى بن أبي طيّ في ( تاريح حلب ) أنّ بقرب المشهد قبور جماعة من الشيعة ، منهم : ابن شهرآشوب ، وابن منير، وابن زُهرة ... وغيرهم.
   نعم ، أصبح مشهد السقط مَدفناً لوجوه الشيعة ومشاهير علمائها هناك .
   ومكتوب وعلى نجفة الباب الداخلي المؤدي إلى الصحن:
   (بسم الله الرحمن الرحيم عمر مشهد مولانا الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) في أيام دولة الملك الظاهر، العالم العادل سلطان الإسلام والمسلمين سيد الملوك والسلاطين أبي المظفر الغازي بن الملك الناصر، يوسف بن أيوب، ناصر أمير المؤمنين سنة 572 هـ
   يقول : الشيخ إبراهيم الضرير، وقد عمّر طويلاً وتجاوز عمره على المائة عام، وكان هو من البلاد السورية ويعيش في مدينة حلب ، وكان يقيم صلاة الجماعة في حلب في مشهد المحسن السقط ابن الإمام الحسين (عليه السلام) المعروف هناك باسم: (شيخ محسن)، إنه ـ وفي قصة ـ ظهر بدن المحسن ابن الإمام الحسين (عليه السلام) الذي استشهد قبل أكثر من ألف سنة بسقوطه وهو حمل في بطن أمه، كما استشهد عمه الذي سماه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو في بطن أمه محسناً ، بسقوطه وهو حمل في بطن أمه فاطمة الزهراء (صلوات الله وسلامه عليها) ظهر البدن وهو غض طري، كأنه استشهد الآن، وكأنه سقط من بطن أمه لتوّه، ورآه كثير من الناس، وأيقنوا بكرامة هذا البيت الطاهر على الله تعالى ، وعرفوا أن ذلك معجزة لهم (عليه السلام) ثم كفنوه وأرجعوه إلى ضريحه ومرقده، وبنوا عليه قبة ، وأشادوا حوله حرماً ومسجداً، وهو إلى اليوم مزار للمسلمين، يقصدونه من كل حدب وصوب ويوجد بجوار المرقد مشهد النقطة لأن في هذا المشهد المبارك صخرة عليها نقطة دم من دماء رأس الإمام الحسين (عليه السلام) الذي استشهد في كربلاء على يدي بني أمية، وقد أمر بنو أمية بحمل الرؤوس إلى الشام فمروا بها في طريقهم إلى دمشق بضواحي مدينة حلب، وهنا وفي المنقطة المعينة وهي منطقة جبلية في غربي حلب وفي إحدى مرتفعاتها ويعرف بجبل الجوشن أو جبل النحاس، أسقطت أم المحسن جنينها محسناً من شدة ما أصابها من وعثاء الطريق ووعورة المنطقة وصعوبة المراكب وعري النياق، وفيها أنزلوهم لدفن السقط محسناً ، ووضعوا رأس الإمام الحسين (عليه السلام) في المنطقة نفسها على صخرة كانت هناك ، فسقط على الصخرة نقطة دم من الرأس الشريف، فصار يفور الدم فيها ، وظهرت بذلك معجزة الإمام الحسين (عليه السلام) على هذه الصخرة ، فاتخذ سيف الدولة الحمداني حولها صندوقاً وضريحاً وشيد عليها قبة وبنى حولها مسجداً .
   وقد ذكر الشيخ إبراهيم (رحمه الله): عندما كانت الحرب قائمة بين الغرب بزعامة البريطانيين من جهة والمسلمين بقيادة العثمانيين من جهة ، جعلوا مشهد المحسن ابن الإمام الحسين (عليه السلام) مخزناً للعتاد ومستودعاً للذخيرة والسلاح ، واستفادوا من المشهد الشريف استفادة غير مشروعة حيث جعلوها نقطة عسكرية ، مع انها كانت مركزاً للعبادة والزيارة.
   ثم إنهم لما استخدموا المشهد الشريف مخزناً للعتاد ومستودعاً للذخيرة والسلاح اتفق أن العتاد الموجود في المشهد انفجر وهدم المشهد الشريف، فذكر عن الشيخ محمد دحدوح ، وكان من علماء حلب عن والده: أنه لما تعرض المشهد للانفجار الرهيب الذي هدم المبنى المبارك، نقلوا الصخرة المقدسة إلى جامع زكريا (عليه السلام) فلما وضعوها هناك صارت الصخرة تهتز وترتجف ولم يكن لها استقرار، فعرفوا من ذلك أن الصخرة تأبى أن توضع هنا ، فغيروا مكانها فلم تستقر ، فاقترح بعضهم على أن توضع الصخرة على دابة ، وتترك لتسير وحدها ، ففعلوا ذلك فسار ذلك الحيوان وهم يتبعونه ، حتى إذا وصل إلى مقام المحسن ابن الإمام الحسين (عليه السلام) توقف أمامه، ففهموا من ذلك أن دم الإمام الحسين (عليه السلام) على الصخرة حنّ إلى ولده ، وجاءوا بالصخرة ووضعوها هناك فاستقرت ، إلى أن تم بناء مشهد النقطة ونقلت الصخرة إلى مكانها ولازالت هناك يقصدها المؤمنون للزيارة ويدعون الله عزوجل فتقضى حوائجهم .

المصادر

ـ معجم البلدان لياقوت الحموي 173 : 3.
ـ تاريخ حلب لابن أبي طي ـ عنه كتاب نسمة السَّحَر
مراقد المعارف 298 : 2
أضواء وآراء 87 : 2
منتهى المقال للمامقاني 122 ، عن مجالس المؤمنين للشهيد نور الله التستري 63:1 ـ نقلاً عن تاريخ ابن كثير المعروف بالبداية والنهاية .
يراجع : سفينة البحار للشيخ عباس القمّي 778:1 ـ 779.
ـ راجع تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : 205 ـ 206 ، والشذرات الذهبية لابن طولان : 43







BASRAHCITY.NET