المقامة الجيولوجية

الاستاذ كاظم فنجان الحمامي

    المقدمة

  حدثنا صابر بن حيران .
  قال : بدأت فصول هذه المقالة، بالإجتماع الذي دعى إليه صاحب الجلالة ، السلطان عضد الدولة البويهي، في القرن الرابع الهجري ، لمناقشة مشكلة تمرد الفيضان ، في ذلك العهد والزمان ...
  وحضر الإجتماع وجهاء القوم من أهل الثروة واليسار ، والصنعة والعقار ، ومعهم كبار التجار ، والقضاة والدهاقين ، والعقلاء والمجانين ، والمتضررون من اصحاب البساتين ، فقد اجتاحتهم السيول ، وجرفت البيوت والحقول ، وقتلت الأبقار والخيول ، وكانت أشد وطأة من هجمات المغول ... فإنفعل السلطان من حدة الغضب ، ومنع مجالس الأنس والطرب، وأمر بربط نهر الكارون بشط العرب ...
  وحشد الناس للسخرة، من فقراء الأحواز والبصرة ، واجبرهم على حفر قناة من (الدز) إلى المحمرة ، وليس لهم إلا السكوت والصبر ، أو الكلام والقبر ...
  وشق السلطان القناة الجديدة ، على طول تلك المسافة البعيدة ، فحفرت القناة بالمعاول ، وكانت هي الشغل الشاغل ، ولا نعرف لحد الآن من هو المقاول ، فالحفر العشوائي سيد المواقف ، وغياب التخطيط لا يحتاج إلى شهادة جالس أو واقف ...
  وانتهت عمليات الحفر في رجب ، فأثارت الدهشة والعجب ، لأنها حملت رمال الهضبات ، وجلبت لنا ويلات الترسبات ، ثم تراكمت الأطيان في مدخل شط العرب ، فلاذت السفن الكبيرة بالهرب ، وتعطلت حركة الملاحة ، فاستعان العراق بالحفر والمساحة ، واضطرت المواني إلى شراء الحفارات البحرية ، وتوظيف الخبرات الجيولوجية ، لإزالة هذه العقبات الطينية ، وداخت المواني ، وشمت بها القاصي والداني ، ومازالت من ذلك المشروع تعاني ...
  قال صابر بن حيران :
  ثم تكرر الفلم ، ووقع خطب ملم ، وحادث مهم ، إذ ظهر علينا رجل من البصرة الفيحاء ، بمشروع للسيطرة على فيضان الماء ، فحفر قناة شط البصرة ، وعصرت قلوبنا الحسرة ، ولم يتعلم من شط العرب العبرة ...
  وربط فرات الخير ، بميناء خور الزبير ، وأعاد إلى الأذهان ، ما اقترفته يد السلطان ، فتدفقت المياه العذبة نحو البحر ، وجرفت الرمل والصخر ، حتى وصلت إلى ميناء أم قصر ، وتجمعت الرمال في قعر النهر ، وكانت من بواعث اليأس والضجر ، وتزايدت المشاريع ، وغمرتنا مياه الينابيع ، واستمرت على هذا النظام ، حتى انتهت بحفر المصب العام، الذي امتد من ذي قار ، إلى شواطئ البحار ...
  ومرت الأيام والسنوات، وتفرعت القنوات في كل الإتجاهات ، وكانت من عوامل التعرية ، بسبب غياب التوعية ، فتراكمت في موانئنا الكثبان الرملية ، ودمرت الممرات الملاحية ، فتردت الأعماق ، وأصابنا الإرهاق ، وانقلبت أقمارنا إلى محاق ...
  ثم هجم علينا الأمريكان ... وساندهم الإنجليز والطليان ، والنرويج والأسبان ، ونزلت علينا الصواعق ، فحطمت السفن والزوارق ، وتكاثرت في موانئنا الغوارق ، فكوى الجزع قلوبنا ، وشقت الفجيعة جيوبنا ...
  وجاء المشروع السوري ، ليشيد السدود بقرار جمهوري ، فضربنا على رأسنا ببوري ، واستحوذ على مياه الفرات ، وترك لنا الفائض من الفضلات ، ونزلت بساحتنا المكاره والنازلات ، وحاصرتنا المشاكل والمعضلات ، فجفت السواقي ، وهرب الأوز العراقي ، وأدمعت العيون والمآقي ، وخسرنا الأرباح والبواقي ، فانخفض المنسوب ، وتفاقمت العيوب ، وتبخر ما في الجيوب ، وقل التصريف ، واستفحل التجريف ، واستبد الخريف ، وتصحر الريف ، وانخفضت أعماق الرصيف ...
  وضعفت تيارات الأنهار، واندفعت علينا المياه من جهة البحار ، فتغلغلت في الجداول والغدران ، ووصلت إلى سيحان ، واجتازت عبادان، واقتربت من حمدان ، وارتفعت الملوحة ، وتكدست الأطيان في الدوحة ...
  فحبذا لو تضافرت الجهود ، وحبذا لو أوفت وزارة الموارد المائية بالعهود ، والتزمت بالوعود ، واندفعت نحو المحمود ، وتجاوزت القيود ، لتحقيق الهدف المقصود...
  ونتمنى لها النجاح في تهذيب القنوات ، والحد من الترسبات ، وتوفير المستلزمات ، وتنفيذ المتطلبات ، والله ولي التوفيق في كل الأوقات ...



BASRAHCITY.NET