الهجاء عند أبي عيينة المهلبي

الاستاذ بيان علي عبد الرحيم

    المقدمة

  يضم هذا البحث شاعراً بصرياً ينتمي إلى العصر العباسي الأول والى البيئة البصرية هو أبو عيينة المهلبي الذي كان شعره يصدر عن موقف شعوري صادق وهذا الصدق هو الذي جعل الشاعر ينقل لنا مشاعره وأحاسيسه كما يراها هو وكما يحس بها بلا تقليد أو مبالغة فقد كانت الكلمات تطاوعه وتنقاد له انقياداً سهلاً ليناً لا تكلف ولا اصطناع فشعره يتميز بالسهولة مع حسن السبك ، فلم يلتزم بالأساليب الشعرية الموروثة ليكون نسخة مكررة لزمان غير زمانه ولم يلتفت إلى تزمت بعض النقاد وأحكامهم النقدية التي أرادوا أن يخضعوا الشعر لهـا وإنما كان يعبر عما في داخله بكل صدق وأمانه وهذا واضح شعره الذي درسته بالبحث وهذا ما دفعني إلى اختيار هذا الشاعر.
  ومن خلال دراستي لهذا الشاعر قسمتُ البحث إلى :
  تمهيد درست فيه حياة الشاعر ونبذة مختصرة عن الهجاء وسبب هجاء الشاعر لابن عمه وفصلين درست في الفصل الأول الهجاء بنوعيهِ وهما :
  أ ـ هجاؤه لابن عمه خالد بن يزيد وقد أبدع فيه حقاً.
  ب ـ هجاؤه الذي قاله في مناسبات معينه .
  أما الفصل الثاني فقد خصصته لدراسة خصائصه الفنية فدرست الخصائص اللغوية في شعره وتبين لي أن لغة الشاعر كانت صورة صادقة للغة عصره ثم تحدثت عن خصائص شعره التصويرية وكان ميالاً في عرضه لصورهِ عرضاً قريباً إلى الواقع ثم تحدثت عن خصائص شعره الموسيقية فذكرت الأوزان والقوافي التي استعملها وتحدثت عن الموسيقى الداخلية ثم ذكرت الخاتمة والمصادر والمراجع التي اعتمدت عليها في كتابة هذا البحث .

حياة الشاعر ( اسمه وكنيته ) :

  تجمع المصادر التي ترجمت لشاعرنا على أن اسمه أبو عيينة بن محمد بن أبي عيينة بن المهلب بن أبي صفرة (1) وأقدم من ذكر لنا ذلك ابن قتيبة ( ت 276 هـ ) في خلال ترجمته لأخيه عبد الله قال ( عبدالله بن محمد بن أبي عيينة وأبو عيينة هو ابن المهلب بن أبي صفرة )(2) وذكره المبرد ( ت 286 هـ ) من خلال ذكره لأخيه عبدالله وذكره ابن المعتز ( ت 296 هـ ) أما أبو الفرج فقد ذكر ترجمة فيها كثير من أخباره(3) أما كنيتة فهي ( ابو المنهال ) ذكر لنا ذلك ابن قتيبة وابن المعتز وأبو الفرج و المرزباني .
والده :
  تجمع المصادر التي ترجمت له أن اسم والده محمد بن أبي عيينة بن المهلب بن أبي صفرة وكنيته ( أبو حرب ) وكان يولى الري لأبي جعفر المنصور(4) وليس غريباً أن يكون والده والياً فاغلب رجال المهالبه كانوا قادة وعلماء وأدباء(5) .
أخوته :
  1 ـ عبدالله : لم تذكر المصادر الا شيئاً يسيراً من أخبار أخيه عبد الله وأكثر هذه الأخبار كانت ترد خلال ترجمة أبي عيينة ، لكن ابن قتيبة ذكر له ترجمة موجزة في كتابـــه الشعر والشعراء وذكر المبرد شيئاً من اخباره وقد أجمعت المصادر على أن اسمه عبد الله بن محمد بن أبي عيينة بن المهلب ابن أبي صفرة ويكنى ( أبو جعفر )(6) فعبد الله قد صحب طاهر بن الحسين لفترة طويلة فقصد ابن طاهر فمدحه ، ثم هجاه هجاء مراً وعبد الله كان أيضا شاعراً مطبوعاً كأخيه ابن عيينة حتى أن إسحاق الموصلي فضله في رواية أوردها أبو الفرج على أخيه أبي عيينة ، وقيل لعبد الله يوما : أنت اشعر أم أخوك ؟ فقال : لو كان له علمي لكان اشعر مني(7) .
  2 ـ داود : لم أعثر على ترجمه له ويلاحظ هنالك ترابط بين داود وأبي عيينـة ويرجع ذلك الترابط إلى وجودهما في البصرة أو لتقاربهما في السن فقد تزوج ( داود ) في الفترة التي كان فيها ( أبوعيينة ) مع ابن عمه خالد في جرجان وكان داود كأخويه عبدالله وأبي عيينة شاعراً(8) وكان كأخويه هجاءا وقد تعلق كأخويه بهجاء آل سليمان بن علي والي البصرة(9) والظاهر أن أبناء محمد بن أبي عيينة لم يكونوا على صلة حسنة مع آل سليمان فقد اشترك الأخوة الثلاثة في هجاء سليمان واله توفى داود خلال خلافة المهدي ( 158 ـ 169 هـ ) وقد ورد لنا أبو الفرج خبرًا عن وفاته(10) .

منزلته الاجتماعية :

  أبو عيينــة واحد من الشعراء الذين نافسوا شعراء عصرهم حتى أن الكثير من النقاد ومتذوقي الأدب وضعوه في مصاف شعراء الطبقة الأولى وشاعر بهذه المنزلة لابد أن يتمتع بمكانة اجتماعية كبيرة والدلائل على ذلك ، فأبو عيينـة مثلا لم يسافر مع ابن عمه إلى جرجان لكي يبقى جندياً في عداد جنود خالد إنما سافر بعد أن ألح عليه وبعد أن وسع له المواعيد ووعده بالولاية(11) وعلى الرغم من العلاقة القوية التي تربط أخاه عبد الله بطاهر بن الحسين نلاحظ أن عبد الله لايتمكن من إقناع طاهر بعزل إسماعيل والي البصرة ولكن حينما يذهب إليه أبوعيينة، ويسأله عزل إسماعيل وإزاء إصرار أبي عيينة يستجيب طاهر ويعزل أمير البصرة .
  وشاعرنا عندما يدخل بلاط الخليفة المأمون يدخله دخول الرجل المعروف الكبير حتى أن الخليفة يتبسط معه في القول ويسأله عن أخباره(12) .

نبذة مختصرة عن الهجاء :

  شاعرنا واحد من الشعراء الذين تناولوا هذا الغرض ونظم فيه القصائد الكثيرة إذ قال الاصفهاني (( ليس غريباً أن يأتي الهجاء في المرتبة الثانية بعد الغزل عنده ))(13) الأ أن الغرابة تأتي من أن رجلاً كأبي عيينة يتعرض لهذا الغرض فالشاعر من أسرة عريقة معروفة اشتهرت بالشجاعة والكرم والعلم فهو من الأغراض القديمة التي وجدت في الشعر العربي منذ العصر الجاهلي ووجوده أمر طبيعي مع وجود المديح فحينما وجد أناس يستحقون المديح وجد آخرون يستحقون الهجاء ففي العصر الجاهلي كانت حياة القبائل العربية متميزة بطابع الحروب والمنازعات الكثيرة لذا واكب الهجاء تلك الأحداث(14) وبعد ظهور الإسلام عُد فن الهجاء إثماً كبيراً لا يجوز أن يجري به لسان شاعر فقل الافحاش في الهجاء(15) ويروي عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) (( من قال في الإسلام هجاء مقذعـاً فلسانه هدر ))(16) فلما جاء العصر الأموي واستقرت القبائل في مدينتي البصرة والكوفة وعادت العصبيات رأينا هذه القبائل تجتمع في المربد والكناسة حول الشعراء يستمعون منهم إلى ما ينشدون من الهجاء وكأنهم وجدوا في ذلك تسلية ، حينئذ تحول فن الهجاء من فن وقتي منقطع إلى فن دائم مستمر يحترفه الشاعر يعرف بالنقائض التي هي عبارة عن هجاء دائم مستمر واحتراف لفن الهجاء ولهذا لم يكن يراد بها الجد كما كان شأن الهجاء في الجاهلية والإسلام ولكن يراد بها اللهو والإضحاك(17) ، أما في العصر العباسي فالشاعر استطاع أن يعبر بصراحة عن ذاته وطبعه ، وما يعتمل في نفسه من مشاعر واحساسات والذي نلاحظه في هذا العصر الجرأة الزائدة عند بعض الشعراء فلم يتورعوا حتى عن هجو الخلفاء ، أمثال بشار الذي هجا المهدي ودعبل الذي أطال في هجاء الرشيد والمأمون والمعتصم ، وقد تطور الهجاء إلى ما يشبه الرسم الكاريكاتوري إذ يعمد الشاعر إلى تقبيح الأشخاص والسخرية منهم وجعلهم أضحوكة في أعين الناس وهذا ما سوف نلاحظه عند شاعرنا(18) .

سبب هجاء الشاعر لابن عمه :

  أكثر شاعرنا في هجاء ابن عمه خالد بن يزيد بن حاتم بن قبيصه بن المهلب ويكمن السبب في أن أبا عيينة في بداية شبابه كان يطمح أن يكون كبقية أبناء أسرته فقد ولي ابن عمه خالد بن يزيد جرجان وطلب من أبي عيينة أن يخرج معه ووعده بالإحسان والولاية وأوسع له المواعيد غير أن الحال تبدل بعد وصوله إلى جرجان فلم ينل الولاية التي وعده بها ابن عمه بل ظل جندياً كبقية الجنود ليس له أية ميزة عنهم وليس هذا فحسب وإنما يقبض راتباً لشهر واحد واقتصر على ذلك وتشاغل عنه وجفاه فبلغه انه قد هجاه وطعن عليه وبسط لسانه فيه وذكره بكل قبيح عند أهل عمله ووجوه رعيته فلم يقدرعلى معاقبته لموضع أبيه وسنه ومحله في أهله فدعا به وقال له : قد بلغني انك تريد أن تهرب فأما أن أقمت لي كفيلاً برزقك وردته فاتاه بكفيل ولم يقبل ولم يزل يردده حتى ضجر فجاءه بما قبض من الرزق فاخذه ولج أبو عيينة في هجائه وأكثر فيه حتى فضحه(19) ثم بعد ذلك تسوء حال أبي عيينة في جرجان حتى يضطر هو وصديقان له كانا في جيش خالد بن يزيد وكانا شاعرين أن يمدحوا وجهاء أهل جرجان حتى يتمكن من الحصول على المال الذي يسد به جوعه وبرده ويتزوج أخوه داود ويبعث لابن عيينة برسالة يخبره فيها بزواجه ويخبره بانتقال أهله معه(20) فيتألم الشاعر وينجرف في تيار هائل من الغضب ويزيد غضبه أن أخاه داود قد جاء لزيارته في البصرة إلا انه مات في الطريق بهمدان(21) تلك هي الأسباب التي دفعت شاعرنا لهجاء ابن عمه خالد بن يزيد .
الفصل الأول
هجاؤه لابن عمه
وهجاؤه في المناسبات
  1 ـ هجاؤه لابن عمه خالد بن يزيد وهو يؤلف الجانب الاكبر من هجاء الشاعر البصري ، اذ يقول في ابن عمه :
عـلى اخـوتي مـني السلام iiتحية        تـحـية مـثـن بـالاخوة iiحـامدِ
وقــل لـهم بـعد الـتحية iiانـتم        بـنفسي  ومـالي من طريف iiوتالدِ
وعــز  عـليهم ان اقـيم iiبـبلدةٍ        أخـا سـقم فـيها قـليل iiالـعوائدِ
لـئن ساءهم ما كان من فعل iiخالدٍ        لـقد سـرهم مـا قـد فعلت iiبخالد
وقـد  عـلموا ان ليس مني iiبمفلت        ولايـومُهُ  الـمسكين مـني iiبواحدِ
أخـالد  مـا زالـت مـن الله iiلعنة        عـليك  وان كنت ابن عمي iiوقائدي
وارسـل  يـبغي الصلح لما iiتكنفت        عـوارض جـنبيه سـياط iiالقصائد
فـارسلت  بـعد الـشر اني iiمسالم        الى غير مالا نشتهى غير عائدِ(22)
  وكان أبو عيينة يرسم خالداً برسوم فيها سخرية تثير الضحك فهو عندما يركض به الجواد كأنما بقر ماء كناية عن السمنة إلى غير ذلك من التشبيهات المثيرة للضحك كما في قوله :
يـعدو  الـجواد iiبـخالدٍ        فـكانه  يـعدوُ iiبـقريهْ
تـيس أنـب مـن iiالتيو        س كأنَّ لحيتهُ مذبهْ(23)
  والشاعر يرى أن خالداً لم يكن عاراً على المهالبة فحسب وإنما كان خزياً لقحطان قاطبة :
لـقد  خـزيت قـحطان طرَّا iiبخالدٍ        فـهل لـك فـيه يخزك الله يامضرْ
دنـىء بـه عـن كـل خير iiبلادة        لـكل  قـبيح عن ذراعيه قد iiحسرْ
لـه  مـنظرً يعمى العيون iiسماجة        وان  يـختبر يوماً فيا سوء iiمختبرْ
أأطـلب بـعد الـيوم صـحبة خالدٍ        جـحدت  اذا ما انزل الله في iiالسورْ
ابـوك  لـنا غـيث نـعيش iiبوبله        وانـت جـراد لـست يبقى ولا تذرْ
لـه اثـر فـي الـمكرمات iiيسرنا        وانـت  تـعفى دائـماً ذلـك iiالاثرْ
تـسيء  وتمضي في الاساءة iiدائباً        فلا انت تستحيى ولا انت تعتذر(24)
  ويقال إن الرشيد انشد البيت الأول فقال: بل الخزي موفر على قحطان وقد عرف كيف يخزه لا بما صوره فيه خزيه الذي عمَّ به عشيرته وأخلاقه السيئة وغباوته ، بل ايضاً بموازنته بينه وبين أبيه جامعاً بين المديح والهجاء فيمدح يزيد والد خالد فيصفه بأنه كان كالمطر يعيشون من ورائه ويهجوه خالد فيصفه بأنه كالجراد الذي يأكل الزرع ولا يترك شيئاً ثم أن هذا الوالد قد ترك اثراً حميداً للأسرة إلا أن خالداً بأعماله السيئة يحاول ان يمحو هذا الأثر الذي تركه والده(25) والشاعر ينكر أن يكون يزيد قد اعترف بخالد والداً له اذ ليس فيه من صفات الأبناء ما يعطيه هذا الشرف قائلاً :
لا  يـعـدن فـي الـبنين iiيـزيدُ        خـالداً  أن خـالداً لـيس iiبـابن
واذا  مـر راكـباً حـسبت iiالـنا        س على ظهره جوالق * تبن(26)

  إذ يصف خالداً بالبخل إلا أنها سمة تبعث الضحك من المهجو فأضيافه وبنوه يصومون بالرغم من إنهم لم يعرفوا بالنسك ثم يصل الأمر بالشاعر انه يعجب كيف لا يفر بنوه منه ويتركونه قائلاً :
إن أضــيـاف خــالـدٍ وبـنـيه        لـيـجوعون فـوق مـا iiيـشبعونا
وتـراهم  مـن غـير نسك iiيصومو        ن  ومــن غـير عـلةٍ iiيـحتمونا
يـابـن  خـالـدٍ دعــوهُ iiوفـروا        كم على الجوع ويحكم تصبرونا (27)
  ثم يقول في هجائه لخالد انه مماطل كذاب يعدك بشتى الوعود ولا يفى بأي وعد وهو بعيد عن حلل المجد وإذا تقدم الناس وذكروا مفاخرهم يطأطئ رأسه ويغطيه حتى لا يراه احد من الناس :
رجـــل يـعـد لــك iiالـوعـي        د  إذا وطـئـت عـلـى iiبـسـاطه
وإذا  انــتــظـرت غــــداءه        فـخـف  الـبـوادر مـن iiسـياطه
يــا خــال صــد الـمجد عـن        ك  فــان تـجوز عـلى iiصـراطه
---------------------        ---------------------
فـــاذا  تـطـاولـت iiالـــروؤ        س فـغط راسـك ثـم iiطـاطه(28)
  يبدو أن الشاعر كان حاذقاً في رسم صورة مثيرة تثير الضحك لمهجوه تعكس ما كان يعتمل في نفسه من انفعالات ازاءه وقال أيضاً يهجو خالداً ابن عمه في جرجان :
تـباً  لـصحبة خـالد من iiصحبة        ولـخالد  بـن يزيد من iiمصحوب
يـا خـالد بـن قبيصة هيجت بي        قـرباً  فـدونك فاصطبر iiلحروبي
لـما  رأيـت ضمير غشك قد iiبدا        وأبـيت  غـير تـجهُمّ iiوقـطوب
وعـرفت  مـنك خـلائقاً جربتها        هرت فضائحها على التجريب(29)
  وقد أعرس داود بن محمد اخو أبي عيينة بالبصرة وأخوه غائب يومئذ مع ابن عمه خالدٍ بجرجان فكتب داود إلى أخيه يخبره بسلامته وسلامه أهل بيته وبخبر انتقال أهله إليه ، فقال أبو عيينة في ذلك هاجياً خالد بأنه مماطلاً مع أصحاب الحاجات يختق الأعذار وإذا جاء صاحب حاجة يلاقيه بوجه كالح :
أخـالـد خـذ مـن يـدي iiلـطمةَ        تـغـيظ ومــن قـدمـي ركـله
جـمعت  خـصال الـردى iiجـملة        وبـعـت  خـصال الـندى جـمله
فـمالك  فـي الـخير مـن iiخـلة        وكـم لـك فـي الـشر مـن خله
ولـمـا تـنـاضل أهــل iiالـعلا        نـضـلت  فـأذعـنت iiلـلـنضله
فـمـالك  فــي الـمجد iiيـاخالدٌ        مــقـرطـهٌ  لا ولا iiخـصـلـه
وأسـرعت  فـي هـدم ما قد iiبنى        أبـــوك وأشـيـاحـه iiقـبـله
--------------------        --------------------
وان جـاءك الـناس فـي iiحـاجة        تـفـكرت يـومـين فـي iiالـعله
تـلـقـاهم  أبـــداً iiكـالـحـاً        كـأن  قـد عـضضت على iiبصله
فـهـذا  نـصـيبي مــن خـالد        لــكـم  هـنـةٍ بـتـة iiبـتـلهْ
وانـــي لـصـحبته iiمـبـغض        ولا خـير فـي صحبة iiالسفلهْ(30)
  وتبرز بين أهاجيه لخالد ظاهرة لم تتوفر للشعراء وهي تلك الموازنات الرائعة التي كان يوازن بها بينه وبين ابيه فهو في الوقت الذي يهجو به خالداً يمدح اباه يزيد وهو يكثر في هجاء خالد من الاستخفاف به والسخرية سخرية شديدة كما في قوله :
بـخ بـما كنت iiتخف        يـه  وصرح لا خفاء
مـا  على هذا iiعزاء        غـلب  الصبر العزاء
وبـدا  الأمر iiالمغطى        كـاشفاً  عنه iiالغطاءَ
خـالد  كـلفني جـر        جـان  ظلماً iiواعتداء
خـطة مـا نلت منها        طـائـلاً إلا iiالـعناء
خـالد  لـو لا أبـوهُ        كـان  والكلب iiسواء
لـو  كما ينقص iiيزدا        د إذن نـال iiالـسماء
أنـا مـاعشت iiعليه        أسـوأ  الـناس iiثناء
إن  مـن كان iiمسيئاً        لحقيقي أن يساء(31)
  والهجاء في هذا القسم ينصب في مناسبات طريفة ويمتاز بأنـه هجاء من النوع الميال إلى الهزل والسخرية ورسم الصور ( الكاريكاتورية ) المضحكـة وهذا واضح عندما قصد ابن عمه ربيعـة بن قبيصـة بن روح بن حاتم المهلبي واستماحه فلم يجد ما قدّره فيه ، فانصرف عنه مغاضباً وعرف ذلك داود بن زيد بن حاتم بن قبيصة المهلبي فترضاه قبيصة بصلة سنية جعلته يمدحه مدحاً رائعاً هاجياً في تضاعيفة قبيصة هجاء كله سموم :
أقبيص لست وان جهدت iiبمدرك        سـعى ابن عمك ذي العلا iiداودِ
شـتان بـينك يـاقبيص iiوبينه        إن الـمذمم لـيس كـالمحمود
اخـتـار  داود بـناء iiمـحامد        واخـترت  اكـل شبارق iiوثريدِ
قـد كـان مجد أبيك لو iiأحببته        روح أبـي خـلف كـمجد يزيدِ
لـكن  جـرى داود جرى مبرز        محوى المدى وجريت جرى بليدِ
داود مـحـمود وأنـت iiمـذممُ        عـجباً  لـذاك وأنتما من iiعودِ
ولـرب عـودٍ قد يشق iiلمسجد        نـصفاً وسـائره لـحُش iiيهودِ
فـالحش  أنت له وذاك iiلمسجد        كم  بين موضع مسلح iiوسجودِ
هـذا  جـزاؤك يـاقبيص iiلأنه        جادت  يداه وأنت قفل iiحديد(32)
  والظاهر أن أبا عيينة كان مغرماً بهجاء أبناءعمه وحتى بنات عمومته لم يسلمن من لسانه ، فقد روى صاحب ألاغاني أن ابن عمه سعيد بن المهلب تزوج بنت سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب وكانت قد تزوجت قبله رجلين ماتا عنها ، فكتب أبو عيينة إليه، يتهمه على اختياره لها وأنه إنما اختارها بسبب مالها بالرغم من أنها قد نصبت لغيره بهذا المال وكان مصيرهم الموت وهو يطالبه بالإسراع في طلاقها ، وألا سوف يكون نصيبه الموت كما كان نصيب غيره من أزواجها قال :
رأيـت  أثـاثها فـرغبت iiفـيه        وكـم نـصبت لـغيرك iiبالاثاثِ
إلـى  دار الـمنون iiفـجهزتهم        تـحـثهم  بـأربـعة حـثـاثِ
فـصيَّر أَمـرها بـيدي أ بـيها        وعـيشك  مـن حبالك iiبالثلاثِ
والا  فـالـسلام عـليك مـني        سأبدا من غد ٍ لك بالمراثى(33)
 وقال يهجو عيسى بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس لما تزوج فاطمة بنت عمر بن حفص :
فـاطم  قـد زوجت عيسى iiفأيقني        بـذلَّ لـديهِ عـاجلٍ غـير iiآجـل
فـانك  قـد زوجت من غير iiخبره        فـتى  من بني العباس ليس iiبعاقل
فـان قـلت مـن رهط النبي iiفانهُ        وان كـان حر الأصل عبد iiالشمائل
وقـد  قـال فـيه جـعفر iiومحمد        أقـاويل  حـتى قـالها كـلُّ iiقائل
ومـا قـلت مـا قـالا لأنك iiأختنا        وفـي  الشر ِّ منا والذرا iiوالكواهل
لـعمري لـقد أثـبته فـي iiنصابه        بأن صرت منه ُ مَحَلَّ الحلائل(34) 
 ثم يحاول في هجائه هجاء الأشخاص من خلال أعمالهم فإذا مغنيا وصفه برداءة الصوت قال أبو عيينة في هجاء مغنية :
لقد جعلت تعرض لي حصادُ        تـعرض من يريدُ ولا iiيرادُ
فـقلتُ لها كسدت فلا iiتغنى        كذاك  لكل نافقةٍ iiكسادُ(35)
 فهو في هذين البيتين يتجه نحو الشعبية لكي يجعل معانيه قريبة إلى نفوس الناس فيشيع فيها السخرية والمرح والضحك وقوله في الهجاء الساخر الذي استهدف إضحاك الناس على المهجو وسخريتهم منه ورسمه بصورة ( كاريكاتورية ) مضحكة تخز المهجو بوخزات قاتلة ويستعين الشاعر في هذا النوع الأصيل من الهجاء بكل معارف عصر وبجميع عناصر الفكاهة والهزل الشائعـة بين الناس ومن ذلك الهجاء الساخر قول ابن ابي عيينة في اسماعيل بن جعفر فقد حمل اسماعيل مقيداً ومعه ابناه :
مــر  اسـمـاعيل وابـنا        هُ  مـعـاً فــي الاسـراء
جـالساً  فـي مـحملٍ iiضن        ك عـلـى غـيـر iiومـاء
بـاكـياً  رفــات iiعــي        نــاهُ مـن طـول الـبكاء
يـا  عـقاب الدجن في iiالام         ن وفي الخوف ابن ماء(36)
 وقوله أيضاً في الهزل :
كـم  أكـله لـو قـد iiدُعـيت        بـهـا الــى كـفرنا iiكـفرتا
ودعــاك  عـامـلُ iiعـسقلا        ن  الــى ولـيـمتة iiٍفـطرتا
فـأقـمـت سـبـتاً iiعـنـده        وأقـمت  بـعد الـسبت سـبتا
ثـــم انـصـرفت iiبـبـطنٍه        وسـرقـت إبـريـقا iiوطـستا
أنــت امــرؤ لـو مـت iiث        مَّ وجدت ريح الخبز عشتا(37) 
  وقد هجا شاعرنا والي البصرة إسماعيل بن جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس وسبب هجائه لإسماعيل بن جعفر أنه كان له صديق وكان الحال بينهما الطف حال ثم بعد ذلك تنكر إسماعيل هذه الصداقة فهاج بينهما من التباعد على مثال ما كان بينهما من المقاربة فكان يهجو إسماعيل ومن أهله يواصل إسماعيل وكان أكبر أهله قدراً في ذلك الوقت يزيد بن المنجاب وكان أعور قائم العين لم يطلع عليه إلا بشعر ابن أبي عيينة وكان منهم وكان سيَّد أهل البصرة أجمعين(38) :
ستقدم النعجتان والبرق ii*        في زمن سروُ أهله الملق
أعُـور وأحولُ وثالث iiلهم        كأنه بين أسطر iiلحق(39)
  وقال ايضاً هاجياً اسماعيل بن جعفر :
إنـي  أحـاجيك فـاعلمن فما        لـؤلـؤةٌ مـنك قـد iiثـقبناها
وكـومة مـن أبـيك iiمـنبتها        حـتـى إذا أنـبعت iiقـطفناها
لـم  تمش فيها ريثاً ولا iiعجلاً        ولـم نـطاها وقـد وطـئناها
فـان  تـصيبها فأنت ذو iiفطنٍ        وحاجتي إن تصيب معناها(40)

الفصل الثاني

الخصائص الفنية لشعر الهجاء عند أبي عيينة   لكل شاعر أسلوب يميز به عن غيره في شعره ونلاحظ أن شاعرنا يتجه في تعبيره إلى البساطة في العرض والدقة في الوصف وهذا ما سنلاحظه من خلال هذه الخصائص الفنية التي نستطيع تقسيمها إلى:

1 ـ الخصائص اللغوية :

  تطورت لغة الشعر في القرن الثاني تطوراً كبيراً وذلك لحدوث تفاعل بين لغة الشعر وبين نفوس الشعراء الذين تطورت عقليتهم وثقافتهم وأسلوب حياتهم لم تشهده في العصور السابقه فقد كانت لغة الشعر صعبة الألفاظ وحشية غريبة فالحضارة لم تكن معروفة عند الشاعر القديم ولكن بعد التطور الحضاري نتيجة لاختلاط العرب بغيرهم من الأمم الأخرى وتأثرهم بها، فقد ولدت لغة جديدة وهذه اللغة المولدة كانت لغة العامة الأكثر شيوعاً(41) وقد فطن الجاحظ إلى ذلك فذكر (( إن أهل المدينة لما نزل فيهم ناس من الفرس في قديم الدهر علقوا بألفاظ من ألفاظهم ، ولذلك يسمون البطيخ الخربز ويسمون الشطرنج الاشترنج والى غير ذلك من الأسماء ))(42) وقد انتقلت بعض هذه الالفاظ الاعجمبة من حياة الناس الى ميادين الادب وهذا ما نلاحظه عند شاعرنا ومن الطبيعي ان تكثر الألفاظ الأعجمية عند شاعرنا لأنه سكن البصرة والبصرة قريبة من بلاد فارس وعاش أيضاً فترة في بلاد فارس ، إذ قال ابن رشيق (( وربما استعملت في بلد ألفاظ لا تستعمل كثيراً في غيره كاستعمال أهل البصرة بعض كـلام أهل فارس في أشعارهم ونوادر حكاياتهم ))(43) ونرى شاعرنا يستخدم بعض الكلمات الأعجمية إذ يقول :
اخـتـار داود بـنـاء iiمـحامدٍ        واخترت أكل شبارق وثريدِ (44)
  الشبارق كلمة فارسية وهي ( اللحم ) وله قصيدة أخرى يستعمل بها الكلمات الأعجمية :
ثــم  انـصرفت iiبـبطنه        وسرقت إبريقا وطستا(45)
  فكلمة ( إبريق ) وكذلك كلمة ( طست ) وقوله أيضاً :
واذكـرى عـيشنا وإذ نـفضي iiالري        ح عـلـينا الـخـيري iiوالـياسمينا
إذ جـعـلنا الـشـاهفرام iiفـراشـاً        من أذى الأرض والظلالُ غضونا(46)
  ( الخيرى ) زهرة صفراء وهي كلمة فارسية ( الشاهفرام ) سلطان الريح وقوله أيضاً في هجاء خالد :
واذا  مـر راكـباً حـسب iiالنا        س على ظهرهِ جوالق تبن(47)
  ( جوالق ) وعاء من الأوعية وهي كلمة فارسية :

2 ـ الخصائص التصويرية :

  استفاد شاعرنا من بعض الألوان البلاغية من تشبيه وطباق وجناس ومقابلات فمن تشبيهاته قوله :
يـعـدو الـجوادُ iiبـخالدٍ        فـكـأنه يـعدو iiبـقربه
تـيس  أنـب مـن iiالتيو        س كان لحيتهُ مذبه(48) 
  فالشاعر في البيت الأول شبه خالد عندما يركض به الجواد كأنما يركض بقربه ماء ، وفي البيت الثاني شبه خالد كالتيس الهائج وشبه لحيته كالمذبه التي يضرب بها الذباب0 ويقول :
أبـوك  لـنا غيثٌ نعيش بوبله        وأنت جراد لست تبقى ولا تذر iiْ
لـه أثـر في المكرمات iiيسرنا        وأنت تعفى دائماً ذلك الاثر(49)
  فانه يشبه والد خالد بالمطر الذي يعيشون من ورائه ويشبه في البيت الثاني خالد كالجراد الذي يأكل الزرع ولا يترك شيئا ، ويرد ( الطباق ) في شعره ويستفاد من الطباق في إبراز الصور إذ عرف ابن المعتز الطباق :
  (( هو الجمع بين كلمتين متضادتين في المعنى )(50) ومن الطباق قوله عندما يهجو خالد بين ( ساءهم ، سرهم ) :
لئن ساءهم ما كان من فعل خالدٍ        لقد سرهم ما قدً فعلت iiبخالدٍ(51)
 وقوله أيضاً هاجياً خالد مطابقاً بين ( الخير ، الشر ) :
فـمالك فـي الـخير من iiخله        وكم لك في الشرِّ من خله(52)
  ومن المقابلات الرائعة عندما يهجو ابن عمه ويمدح أباه :
أبـوك لـنا غـيث نـعيش iiبوبله        وأنت جرادُ لست تبقى ولا تذر(53)
  فقد عرض لنا صورة الوالد الكريم وصورة الابن الذي يشبه الجراد وقال ايضاً :
شـتان  بـينك يـا قـبيص iiوبـينهُ        إن الـمـذمم لـيـس كـالـمحمود
اخــتـار  داود بـنـاء iiمـحـامدٍ        وأخـتـرت  أكـل شـبارق iiوثـريدِ
---------------------        ---------------------
---------------------        ---------------------
داود مـحـمـود وأنــت iiمـذمـم        عـجباً  لـذاك وأنـتما مـن iiعـودِ
---------------------        ---------------------
---------------------        ---------------------
داودُ  يـفـتح كــل بـابٍ iiمـغلقٍ        بـندى  يـديه وأنـت قفل iiحديد(54)
  ففي البيت الأول صورتان صورة الرجل المذموم والثاني المحمود وفي البيت الثاني صورة الرجل الذي اختار أن يضحي بكل شيء لكي يبني المجد وتقابلها صورة أخرى هي أكل اللحم والثريد وكذلك في البيت الثالث الأول محمود والثاني مذموم ثم الأول كريم والثاني بخيل ومن الظواهر الأخرى كثرة ( الجناس ) في شعره فقد عرف ابن المعتز هذه الظاهرة (( هو ان تجئ الكلمة تجانس أخرى في بيت شعر وكلام ومجانستها لها أن تشبهها في تأليف حروفها ))(55) ولم يكن شعراء القرن الثاني يطلبون الجناس ويتكلفونه لذلك لم يكثروا منه وانما كانوا يستعملونه على الطبع والسجية فشاعرنا من شعراء القرن فتراه يستخدم الجناس وجناسه بالرغم من بساطته يساعد على إعطاء الصورة التي يريدها كما في قوله :
ولـما تـناضل أهـل العلا        نضلت فاذعنت للنَّضله(56)
  فجانس بين ( تناضل ، نضلت ) وجانس بين ( تسئُ ، أساءة ) :
تـسيء وتمضي في الإساءة iiدائباً        فلا أنت تستحي ولا أنت تعتذر(57)
  وجانس بين ( مسيئا ، يساء ) :
إن  مـا كـان iiمسيئاً        لحقيق ان يساء(58)
  وهكذا فاستخدامه للألوان البلاغية لم يكن متكلفاً فالشاعر لا يقصدها لذاتها وانما تأتي في غالب شعره الهجائي عفو الخاطر بلا تكلف ، ويمكن دراسة الخصائص الموسيقية من خلال :

1 ـ الموسيقى الخارجية وتشمل :

  أ ـ الوزن
  ب ـ القافية

2 ـ الموسيقى الداخلية وتشمل :

  أ ـ ظاهرة التكرار
  ب ـ ظاهرة رد العجز على الصدر
1 ـ الموسيقى الخارجية :     

أ ـ الوزن :

   أعظم أركان الشعر ، وأولاها خصوصية(59) وقد جدد شعراء القرن الثاني في أوزان الشعر وكان لموجة الغناء أكبر أثر في هذا التجديد فصيغت لغة الشعر وبلغت كل ما يمكن من رشاقة وعذوبة فإذا بالقصيدة الطويلة تختص بالشعر الرسمي فكثرت المقطعات وبعض الشعراء ينظمون في الأوزان الخفيفة والمجزوءة وبعضهم الاخر ينظـم في أوزان جديدة لم يستعملها الشعراء من قبل كالمضارع والمقتضب وأبو عيينة واحد من شعراء هذا القرن، وقد ساهم إلى حد ما في التطوير الذي طرأ على الشعر العربي، كما انه نظم في مجزوء بعض البحور كالكامل والرمل والخفيف ، فقد وجدت له قصيدة هجاء في مجزوء الرمل وقصيدتين ومقطوعة في مجزوء الكامل ، ويكثر من استعمال البحور الخفيفة وأغلب نظمه كان في الخفيف والمتقارب والمنسرح ، وكان أغلبه مقطعات قصيرة ولعل ذلك يعود الى ما يرجوه الشاعر من سرعة إيلام المهجو وما يتمناه من سرعة انتشار هذه الأبيات بين جماهير الناس(60) والشاعر يحسن في استخدام كلماته التي تعبر عن حالته النفسية ، وكذلك في هجائه لا يستعمل الأوزان الخفيفة و المجزوءه فحسب وإنما يعمد إلى اختيار موسيقى سريعة الحركة لكي يزيد من سخرية المهجو كما في قوله :
يا حفص عاط أخاك iiعاطه        كـأساً تـهيج من iiنشاطه
صـرفـاً يـعود iiلـوقعها        كـالظبى أطلق من iiرباطهْ
صـبا  طـوت عنه iiالهمو        م نعيمة بعد انبساطهْ(61)
 وللشاعر قصيدة طويلة استعمل فيها بحراً ذا تفعيلة سريعة متلاحقة ( المتقارب ) إلا إننا لا نحس بهذه السرعة كما في قوله :
أخالد خذ من يدي لطمه        تغيظ  ومن قدمي iiركله
  والملاحظ في هجاء شاعرنا ميلة إلى النتف القصيرة التي لا تتجاوز البيتين ليصل الشاعرعلى معان محدودة يحاول إبرازها ، وله قصائد في الهجاء الساخر الذي استهدف إضحاك الناس على المهجو بصورة ( كاريكارتورية ) من مجزوء الكامل كما في قوله :
يـعـدو الـجواد iiبـخالدِ        فـكـأنه يـعدو iiبـقربهْ
تـيس  أنـب مـن iiالتيو        س كأنَّ لحيتهُ مذبهْ(62)
  هذا جدول خاص في الاوزان التي استخدمها شاعرنا في هجائه .
ت البحر عدد النصوص
1 الطويل 4
2 الكامل 3
3 مجزوء الكامل 3
4 الخفيف 2
5 الوافر 2
6 المتقارب 2
7 المنسرح 1
8 مجزوء الرمل 1

ب- القافية :

 شريكة الوزن في الاختصاص ولا يسمى الكلام شعراً حتى يكون له وزن وقافية(63) والقافية لها اتصال وثيق بموسيقى الشعر وايقاعه : (( فهي فاصلة موسيقية تنتهي عندها موجة النغم في البيت وينتهي عندها سيل الايقاع ثم يبدأ البيت من جديد كالموجه تصل إلى ذروتها وتنتهي لتعود من جديد وهكذا ))(64) .
  ويلاحظ أن ترداد القافية يضفي على الشعر سحراً وجمالاً وأنها تقف مع الوزن في ضبط موسيقى الشعر وإيقاعاته. ويلاحظ الاختلاف بين قافية وأخرى في هجاء شاعرنا فواحدة تستعمل كثيراً والأخرى تستعمل في القليل النادر لان قوافي الشعر كبحوره يجود بعضها في موضع ويفضله غيره في موضع آخر .
  وقد كثر في هجائه من استخدام حرف الراء والدال والباء والنون واللام لأنها أكثر صلاحية لقوافي الشعر ولأنها تجود أكثر مما تجود غيرها من الحروف .
  وفيما يلي جدول القوافي التي استخدمها شاعرنا في هجائه :
ت القافية عدد النصوص
1 الهاء 4
2 الراء 3
3 الدال 3
4 الهمزة 2
5 الباء 1
6 الثاء 1
7 اللام 1
8 النون 1

2 ـ الموسيقى الداخلية :

  لقد اخذت لوناً جديداً وطابعاً يختلف إلى حد كبير من موسيقى شعر القرن الماضي وتحددت الموسيقى الداخلية عند شاعرناً بظاهرتين هما :
  أ ـ ظاهرة التكرار
  ب ـ ظاهرة رد العجز على الصدر

أ ـ ظاهرة التكرار :

   ومن شدة اهتمامهم بجرس الحروف والألفاظ كانوا يلجأون إلى تكرار الحرف والكلمات عدة مرات في البيت الواحد والذي دفعهــم إلى هذا هو إحداث انسجام موسيقي وقد افرد ابن رشيق للتكرار باباً وذكر (( إن له مواضع يحسن فيها ومواضع يقبح فيها ))(65) فأ كثر ما يقع التكرار في الألفاظ وفي المعاني وهو في المعاني دون الألفاظ وقد لجاً شاعرنا إلى ظاهرة التكرار ليؤكد معنى معين أو يعبر عما يحول في نفسه أو يقوي الجرس الموسيقي بإعادة الألفاظ في البيت الواحد أو الأبيات المتعددة ، والتكرار في الهجاء إنما هو جاء لشدة التوضيح بالمهجو(66) ففي قول أبي عيينة هاجياً ابن عمه كرر لفظة ( تحية ) ليقوي الرنـة اللفظية :
على  أخوتي مني السلام iiتحية        تـحية  مـثن بـالأخوة iiحامدِ
وقـل  لـهم بـعد التحية iiأنتم        بنفسي ومالي من طريف وتالد
  أما في قوله :
لا يُـعدن فـي الـبنين iiيزيدُ        خالدان َّ خالداً ليس بابن(67)
  فقد كرر اسم المهجو ( خالد ) ليقوي الرنة اللفظية وقال أيضاً مكرراً لفظة ( صحبة ) ليحدث جرساً موسيقياً وكرر في المقطوعة نفسها اسم المهجو ( خالد ) لشدة التوضيح بالمهجو :
تـباً  لـصحبة خـالد من صحبة        ولـخالد  بـن يزيد من مصحوب
يـا  خـالد بن قبيصة هيجت iiبي        قرباً فدونك فاصطبر لحروبي(68)
  وله قصيدة اخرى يمدح بها ( داود ) ويهجو بها ( ربيعة ) بن قبيصة فيكرر اسم الممدوح ( داود ) ليحدث جرساً منغماً يبعث على الإجلال والإعجاب :
اخـتـار  داود بـنـاء iiمـحـامدِ        واخـترت  أكـل شـبارق iiوثـريدِ
------------------ii        ii-------------------
لـكن  جـرى داود جـرى iiمـبَّرز        مـحوى الـمدى وجريت جرى iiبليد
داود مـحـمود وأنــت iiمـذمـمُ        عـجباً لـذاك وانـتما مـن عود iiِ
------------------ii        --------------------
------------------ii        --------------------
داود يـفـتح كــل بـاب مـغلق        بـندى  يديه وأنت قفل حديد(69)  ii
  والى غير ذلك من الكلمات الكثيرة التي كان يرددها دائماً في هجائه ويكثر من ذكرها مثل ( مسجد )(70) وهو إنما يفعل ذلك لإحساسه بأثر النغم الموسيقي ولشدة التوضيح بالمهجو .

ب ـ ظاهرة رد العجز على الصدر :

  كثرت هذه الظاهرة عند شاعرنا البصري وقد عرفها احمد الهاشمي (( هو أن يكون أحدهما في آخر البيت والآخر يكون أما في صدر المصراع الأول أو في حشوه أو في أخره وأما في صدر المصراع الثاني ))(71) ويراد به تقوية الأنغام وتشابه الإيقاع بتكرار النغمة المنبعثة من ألفاظ البيت لإحداث جرس موسيقي كقول أبي عيينة في هجاء خالد :
لئن ساءهم ما كان من فعل خالدٍ        لقد سرهم ما قد فعلت iiبخالد(72)
  واسم المهجو خالد في عجز البيت يرد به على خالد في صدره ليحدث نغماٍ موسيقياً وقوله أيضاً لتقوية النغم :
تـباً  لـصحبة خـالدِ من iiصحبةٍ        ولخالد بن يزيد من مصحوبْ(73)
  وقولهُ لفظة ( مصحوب ) في عجز البيت يرد بها الشاعر على ( صحبة ) في صدرة وقوله أيضاً :
فقلت لها : كسدت فلا تُغَنى        كذاك  لكل نافقة iiكساد(74)
  ولفظة ( كساد ) في عجز البيت يرد بها الشاعر على ( كسدت ) في صدره محدثاً بذلك نغماً موسيقاً ، وقوله أيضاً مادحاً ( داود ) وهاجياً ( قبيصة ) :
لـكـن جـرى داود جـرى iiمـبرز        محوى المدى وجريت جرى بليدِ(75)
  وكلمة ( جرى ) في عجز البيت يرد بها الشاعر على ( جرى ) في صدره وأيضاً كلمة ( جريت ) في عجز البيت يرد بها الشاعر على ( جرى ) في صدره محدثاً بذلك إيقاعا موسيقياً .

الخاتمة :

  في نهاية البحث لابد من الوقوف على أهم النتائج وهي :
  يعد أبو عيينة واحداً من كبار الشعراء العباسيين البارزين ، فقد تميز شعره بسهولة العبارة مع حسن السبك ويلاحظ في هجائه أنه يتجه إلى البساطة في العرض وعدم الإيغال في التراكيب الغريبة وإبراز المعاني بصورة قريبة إلى الواقع .
  وكذلك لاحظنا أن هجاءه يصدر عن موقف ذاتي خاص ، وهجاؤه بعيد عن السباب والشتائم والفحش الموجود في قصائد الهجاء عند أغلب شعراء عصره وسابقيه هذا ما لاحظناه عند دراستنا للناحية الموضوعية .
  أما دراستنا للناحية الفنية فقد ظهرت لغته مرآة صادقة للغة العصر التي عاش فيه وله القدرة على نقلك إلى الجو الذي يريده دون أن يكلفك عناء الرجوع الى المعجمات أو التفكير ، أما الصورة فقد نوع شاعرنا في صوره الشعرية ، أما الموسيقى الشعرية فقد كانت متلائمة مع نفسية الشاعر فقد نوع في بحور الشعر التي صاغ عليها شعره .

الهوامش

1 ـ جمهرة انساب العرب 369 .
2 ـ الشعر والشعراء 2 / 872 .
3 ـ ينظر الكامل 2 / 31 وطبقات الشعراء 288 والاغاني 18 / 9 .
4 ـ ينظر الكامل 2 / 21 وطبقات الشعراء 28 .
5 ـ وفيات الاعيان 2 / 64 ـ 65 .
6 ـ ينظر الكامل 2 \ 31
 * طاهر بن الحسين : أبو الطيب طاهر بن الحسين بن مصعب كان من أكبر أعوان المأمون حاصر بغداد والأمين فيها فقتل سنة 198 ينظر الكامل 2 / 31 ـ 340 وفيات الاعيان 2 / 201 ـ 205 .
7 ـ الاغاني 18 / 10 .
8 ـ طبقات الشعراء 289 .
9 ـ ينظر العصر العباسي الاول 365 .
10 ـ ينظر الاغاني 18 / 20 .
11 ـ نفسه 18 / 15 .
12 ـ نفسه 18 / 17 ـ 19 .
13 ـ الاغاني 18 / 20 .
14 ـ ينظر اتجاهات الشعر العربي في القرن الثاني الهجري 418 .
15 ـ نفسه 418 .
16 ـ لم أجد لهذا الحديث ذكر في كتب أصحاب السنن .
17 ـ ينظر اتجاهات الشعر العربي في القرن الثاني الهجري 419 .
18 ـ ينظر نفسه 433 والعصر العباسي الاول 360 ـ 361 .
19 ـ ينظر الاغاني 18 / 190 .
20 ـ نفسه 18 / 19 .
21 ـ نفسه 18 / 19 .
22 ـ شعر أبي عيينة ، جمع وتحقيق ودراسة صلاح مهدي القرطوسي ، رسالة ماجستير ، القسـم الأول ، قطعة رقم ( 24 ) .
23 ـ نفسه ، القسم الاول ، قطعة رقم ( 3 ) .
24 ـ نفسه ، القسم الاول قطعة رقم ( 25 ) .
25 ـ ينظر العصر العباسي الاول 362 .
جوالق : وعاء من الاوعية .
26 ـ شعر ابي عيينة ، القسم الاول ، قطعة رقم ( 58 ) .
27 ـ شعر ابي عيينة ، القسم الاول ، قطعة رقم ( 58 ) .
28 ـ نفسه ، القسم الاول ، قطعة رقم ( 54 ) .
29 ـ نفسه ، القسم الاول ، قطعة رقم ( 34 ) .
30 ـ نفسه القسم الاول ، قطعة رقم ( 47 ) .
31 ـ شعر ابي عيينة ، القسم الاول ، قطعة رقم ( 1 ) .
32 ـ نفسه ، القسم الاول ، قطعة رقم ( 21 ) .
33 ـ شعر ابي عيينة ، القسم الاول ، قطعة رقم ( 11 ) .
34 ـ نفسه ، القسم الاول ، قطعة رقم ( 73 ) .
35 ـ نفسه ، القسم الاول ، قطعة رقم ( 19 ) .
36 ـ نفسه ، القسم الاول ، قطعة رقم ( 63 ) .
37 ـ نفسه ، القسم الاول ، قطعة رقم ( 10 ) .
38 ـ ينظر الكامل : 37 ، البرق الخروف .
39 ـ شعر ابي عيينة ، القسم االثاني ، قطعة رقم ( 7 ) .
40 ـ نفسه ، القسم الثاني ، قطعة رقم ( 55 ) .
41 ـ ينظر اتجاهات الشعر في القرن الثاني الهجري :551 ، والعصر العباسي الاول 146 ـ 147 .
42 ـ البيان والتبين : 1 / 18 .
43 ـ العمدة : 1 / 93 .
44 ـ شعر ابي عيينة ، القسم الاول ، قطعة رقم ( 21 ) .
45 ـ نفسـه ، القسم الاول ، قطعة رقم ( 10 ) .
46 ـ نفسـه ، القسم الاول ، قطعة رقم ( 4 ) .
47 ـ شعر ابي عيينة ، القسم الاول ، قطعة رقم ( 58 ) .
48 ـ نفسـه ، القسم الاول ، قطعة رقم ( 25 ) .
49 ـ نفسـه ، القسم الاول ، قطعة رقم ( 21 ) .
50 ـ البديع : 362 .
51 ـ شعر ابي عيينة ، القسم الاول ، قطعة رقم ( 24 ) .
52 ـ نفسـه ، القسم الاول ، قطعة رقم ( 46 ) .
53 ـ نفسـه ، القسم الاول ، قطعة رقم ( 25 ) .
54 ـ شعر ابي عيينة ، القسم الاول ، قطعة رقم ( 21 ) .
55 ـ البديع 25 .
56 ـ شعر ابي عيينة ، القسم الاول ، قطعة رقم ( 46 ) .
57 ـ نفسـه ، القسم الاول ، قطعة رقم ( 25 ) .
58 ـ نفسـه ، القسم الاول ، قطعة رقم ( 8 ) .
59 ـ العمدة : 1 / 34 .
60 ـ ينظر اتجاهات الشعر في القرن الثاني الهجري : 421 .
61 ـ شعر ابي عيينة القسم الاول قطعة رقم ( 34 ) .
62 ـ نفسه القسم الاول قطعة رقم ( 47 ) .
63 ـ العمدة : 1 / 151 .
64 ـ تاريخ النقد العربي : للدكتور محمد زغلول سلام 1 / 40 .
65 ـ العمدة 2 / 73 .
66 ـ ينظر لغة الشغر في القرنيين الثاني والثالث : 58 .
67 ـ شعر ابي عيينة ، القسم الاول ، قطعة رقم ( 58 ) .
68 ـ نفسـه ، القسم الاول ، قطعة رقم ( 7 ) .
69 ـ نفسـه ، القسم الاول ، قطعة رقم ( 21 ).
70 ـ نفسـه ، القسم الاول ، قطعة رقم ( 21 ) .
71 ـ جواهر البلاغة : 408 .
72 ـ شعر ابي عيينة ، القسم الاول ، قطعة رقم ( 25 ) .
73 ـ نفسه ، القسم الاول ، قطعة رقم ( 7 ) .
74 ـ نفسه ، القسم الاول ، قطعة رقم ( 9 ) .
75 ـ نفسه ، القسم الاول ، قطعة رقم ( 21 ) .

المصادر والمراجع

1 ـ اتجاهات الشعر العربي في القرن الثاني الهجري : الدكتور محمد مصطفى هدارة ، دار المعارف 1963 .
2 ـ الاغاني : ابو الفرج الاصفهاني ( ت 356 هـ ) شرحه وكتب هوامشه يوسف طويل ، دار الكتب العلمية ، بيروت ـ لبنان 1407 هـ ـ 1986 .
3 ـ البديع : ابو العباس عبدالله بن المعتز ( ت 296 ) تحقيق وشرح كراستوفسكي ، مطبعة دار الحكمة ، دمشق ( د ـ ت ) .
4 ـ البيان والتبين : ابو عثمان الجاحظ ( ت 255 ) تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون القاهرة 1958 .
5 ـ تاريخ النقد العربي : الدكتور محمد زغلول سلام ( د ـ ت ) .
6 ـ جمهرة انساب العرب: لابن حزم الاندلس ، ت ، عبد السلام هارون ، دار المعارف بمصر 1962 .
7 ـ جواهر البلاغة \ السيد احمد الهاشمي ، دار احياء التراث العربي ، بيروت ـ لبنان ط 4 ـ .
8 ـ شعر ابي عيينة المهلبي : جمع وتحقيق صلاح مهدي القرطوسي ، رسالة ماجستير ، القاهرة ، 1973 .
9 ـ الشعر والشعراء ، لابن قتيبة ، دار احياء الكتب العربية ، القاهرة ، 1364 هـ .
10 ـ طبقات الشعراء : ابن المعتز ( ت 296 ) تحقيق عبدالستار فراج ،دار المعارف بمصر ، ط 3 ، ( د ـ ت ) .
11 ـ العصر العباسي الاول : الدكتور شوقي ضيف ، دارالمعارف بمصر ، ط 3 ، ( د ـ ت ) .
12 ـ العمدة : ابن رشيق القيرواني ، ت محمد محيي الدين عبد الحميد ، مطبعة السعادة بمصر، ط 2 ، 1964 م .
13 ـ الكامل : المبرد ( ت 285 هـ ) محمد ابوالفضل ابراهيم والسيد شحاته ، دار النهضة بمصر ( د ـ ت ) .
14 ـ لغة الشعر في القرنيين الثاني والثالث الهجريين ، جمال نجم العبيدي ، رسالة دكتوراه ، جامعة بغداد 1982 .
15 ـ وفيات الاعيان وانباء ابناء الزمان : لابي العباس شمس الدين احمد بن محمد بن ابي بكر بن خلكان ، حققه احسان عباس ، دار الفكر للطباعة والنشر .



BASRAHCITY.NET