استشهاد راهب بني هاشم الامام الكاظم ( عليه السلام )

الاستاذ مجاهد منعثر منشد الخفاجي

    المقدمة

قـتل الـهدى غدرا ليحفظ عرشه        ويـذيق راهـب ال أحـمد iiبطشه
واسـتبدلوا  لسمي موسى iiفرشه        وضعوا على جسر الرصافة نعشه
وعـليه  نـادى بـالهوان iiمناد.
  تمر علينا في الايام القادمة ذكرى استشهاد الامام موسى بن جعفر 25 في رجب من كل عام هجري ، وكتبنا قبل هذا البحث مقالا قد اسميناه سابع الائمة الامام موسى الكاظم بن جعفر ( عليهم السلام ) وكان ملخصا عام كبداية للدخول في هذا البحث حيث تتركز هذه الدراسة بشكل خاص عن مقتطفات من حياة الامام ( عليه السلام ) مع اربع حكام جور وظالمين واسباب استشهاد الامام الكاظم ( عليه السلام ).
  ففي زمن الامام الكاظم ( عليه السلام ) كان حكم فاسد منحرف ، وبداية مرحلة الامام لها خصائص متميزة وهي توفر إمكانية انتزاع الحكم من الخلفاء العباسيين من جهة ، وخاصية مبادرة أولئك الخلفاء من جهة ثانية ـ وبسبب خشيتهم من تحقق تلك الإمكانية ـ إلى توسع نطاق حملات القمع والاضطهاد وضد كافة المسلمين المعارضين لسلطاتهم بوجه عام ، وضد المسلمين الشيعة وسائر العلويين من آل بيت الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وفي مقدمتهم الإمام الكاظم ذاته ، بوجه خاص .
  وهناك احداث وتبدلات سياسية وفكرية واجتماعية على صعيد الدولة وأنظمة الحكم وعلى صعيد المجتمع الاسلامي شهدتها المرحلة التاريخية التي ولد وعاش فيها الإمام الكاظم ( عليه السلام ) .
  ومنها سقوط الحكم الأموي وانتقال السلطة إلى يد العباسيين ، وكان ذلك انعطافا تاريخيا حيث كانت فترة أزمة ناشئة عن تطورات اجتماعية واقتصادية وفكرية تجاوزت الأوضاع القائمة وأورثت قلقا وتخلخلا .
  تزامنت ولادة الامام مع عهد آخر حاكم أموي و هو مروان بن محمد المشهور بالحمار الذي تولى السلطة سنة 127 هـ وقتل على يد العباسيين سنة 132 هـ ، وقد عاش الإمام الكاظم في كنف أبيه الإمام الصادق ( عليه السلام ) حوالي عشرين عام .
  وبذلك عاصر الإمام الكاظم ( عليه السلام ) فضلا عن آخر حاكم أموي ، اربعة من الحكام العباسيين وهم ، أبو العباس السفاح، ابو جعفر المنصور المهدي ، موسى الهادي ، هارون الرشيد ، وفي زمن المنصور آلت الإمامة الى الإمام الكاظم بنص من أبيه الإمام الصادق ( عليه السلام ) سنة 148 هـ .
  وظهرت الجماعات المنحرفة الملحدة في زمن العصر العباسي الاول ، وكان الحكم العباسي يمارس اشد اساليب القمع والاضطهاد والسجون والقتل ضد الشيعة والعلويين من آل النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم )، وهي الممارسة التي بلغت احدى ذرواتها الأكثر عنفاً في عهد هارون العباسي (1) .
  وكذلك نمو وإتساع الإتجاه المؤيد لآل بيت الرسول داخل المجتمع الاسلامي، وهو الأمر الذي دفع العباسيين في بداية دعوتهم إلى تبني هذا الاتجاه من جهة ، وإلى توجيه أعنف حملات القمع والاضطهاد ضده بعد تسلمهم الحكم من جهة أخرى ، لشعورهم بخطر هذا الاتجاه وأصبحت مهيئة للانقضاض على هذه السلطة إبان إمامة الإمام الكاظم ( عليه السلام ) (2) .
  من هنا بدأت واجبات الامام المعصوم (عليه السلام) التي تنص عليها الامامة وكما نعتقد بها الشيعة الإمامية: حفظ الدين وحراسة الاسلام ، حماية بيضة الاسلام تحصين الثغور بالعدد ، جهاد الكفار ، تنفيذ الاحكام ، إقامة الحدود ، اختيار الامناء والاكفاء وتقليد الولايات للثقات النصحاء ، جباية أموال الفئ والصدقات والخراج وتقدير العطاء ، ومشارفة الأمور العامة بنفسه (3) وهو ما يعني الجهاد لاقامة حكومة اسلامية شرعية(4) .
  ـ أن الحكم العباسي قد بادر للانتقال إلى صراع حاد ومكشوف ، اختار هو ميدانه وأساليب ضد الإمام وشيعته وضد سائر العلويين، ومحاولته جرهم إلى ذلك الميدان .
  ـ لقد عاصر الإمام الكاظم حكم المنصور لمدة عشر سنوات قبل أن تؤول إليه الإمامة ، التي كان منعقدا لواؤها إلى أبيه الإمام الصادق ، وقد شهد الإمام الكاظم اندلاع ثورة محمد ذي النفس الزكية (5).
  ـ في المدينة ونورة ابراهيم بن عبد الله العلوي في البصرة سنة 153هـ اللتين حظيتا بالرعاية السرية دون العلنية من قبل الإمام الصادق ( عليه السلام) لقد اختزن الإمام الكاظم هذا الموقف عن أبيه وأدرك دلالاته في أن لحظة الصراع العلني المكشوف مع الحكم العباسي لم تحن بعد ، فظل يمارس مسؤلياته بعد أبيه بحذر وحكمة حتى وفاة المنصور (6)، ويتولى المهدي الحكم خلفاً لأبيه المنصور سنة 158 هـ واتباعه سياسة المهادنة مع الإمام والعلويين في بداية الأمر ثم اعتقاله للإمام الكاظم لفترة قصير وإطلاق سراحه (7).
  ـ واصل الإمام من جهة موقف المهادنة العلنية مع هذا الحكم وموقف الرعاية السرية للمعارضة الشيعية العلوية ، أما موسى الهادي الذي تولى الحكم بوصية من أبيه المهدي سنة 159هـ ، فقد بدأ حكمه بتشديد حملة القمع والإرهاب والاضطهاد ضد العلويين مما أدى إلى تململهم لان الثورة على حكمه.
  ـ لم يشأن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) التصادم العلني مع حكم الهادي ، مفضلاً تقديم الدعم والرعاية السرية للمعارضة العلوية ، لذلك عندما عقد الحسين بن علي حفيد الإمام الحسن ( عليه السلام ) العز على الثورة ضد حكم الهادي سنة 159 هـ ( في واقعة فخ ) ودعه الإمام الكاظم بالقول ( أنت مقتول فأحدّ الضراب فإن القوم فسّاق يظهرون إيماناً ويضمرون نفاقاً وشركاً ، فإنا لله وإنا إليه راجعون وعند الله احتسبكم من عصبة (8) ، ورغم عدم تصدر الإمام الكاظم ( عليه السلام ) المجابهة وإخفاء دعمه وتأييده لثورة لحسين في واقعة فخ (9) ، فإن الهادي وجه اتهاما مباشرا إليه وأطلق تهديداته بقتله بقوله ( والله ما خرج حسين إلا عن أمره ولا أتبع إلا محبته لأنه صاحب الوصية في أهل البيت قتلني الله أن أبقيت عليه(10) ، وبعد وفاة الحاكم العباسي الهادي وتولي أخوه هارون الحكم بدأت حقبة جديدة من تاريخ الصراع بين هذا الحكم وبين الإمام الكاظم ( عليه السلام )وشيعته ، وآل بيت الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهي الحقبة التي اتسمت بمواصلة هارون بل وحتى تجاوزه لسياسة سلفه المنصور في معاداة الإمام وآل البيت وفي تشديد تسليطه سيف القمع والإرهاب والقتل ضدهم ، حيث أعلن هارون العباسي صراحة ( والله لاقتلهم ـ أي العلويين ـ ولأقتلن شيعتهم (11)، وقد أعقب ذلك اتخاذه عددا من الإجراءات المعادية منها إبعاد عدد كبير من قادة آل البيت والعلويين من بغداد إلى يثرب ، وأمره بهدم مرقد الإمام الحسين ( عليه السلام ) ومدينة كربلاء وارتكاب مجازر دموية بالقتل الجماعي لعدد من العلويين (12).
 وهناك مواقف صريحه مع هارون الغير رشيد هي :
 عندما احتج الإمام (عليه السلام) على هارون بقوله انه أولى بالنبي العظيم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من جميع المسلمين فهو أحد أسباطه ووريثه وأنه أحق بالخلافة من غيره وذلك عندما التقيا عند مرقد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد دفع ذلك هارون إلى الأمر باعتقال الإمام (عليه السلام) وزجّه في السجن (13).
جواب الإمام الكاظم على طلب هارون تعين حدود فدك المغصوبة ليرجعها الى بني فاطمة (عليها السلام) فحددها برقعة الاسلام كله بقوله ، هذه هي الحدود التي هي لنا وقد غصبت منا (14). ادانة لعدم شرعية الحكم العباسي ، وحق آل البيت والإمام الكاظم والإمامة والخلافة .
  إجابة الإمام الكاظم عندما دخل على دار خارون وسأله ما هذه الدار ؟ بقوله ( هذه دار الفاسقين ) ثم أعقب ذلك بتلاوة الاية الكريمة ( الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار )(15).
  تحذيرة كذلك لزياد بن أبي سلمة التلبس بأي وظيفة من وظائف حكومة هارون بقوله ( يا زياد ، لأن اسقط من شاهق فانقطع قطعة قطعة أحب إلي من أن أتولى لهم عملاً أو أطأ بساط رجل منهم (16) ، غير أن هذا التحريم والتحذير من العمل مع حكومة هارون ، لم يجر التغاضي عنه إلا في بعض الحالات التي يستثنيها الإمام بالذات للمصلحة، مثل حالة عمل علي بن يقطين كوزير في حكومة هارون (17) ، وتواصلا مع موقفه في تصعيد مقاومته لحكم هارون وتحديه أرسل الإمام الكاظم برسالة إلى هارون من السجن عير فيها عن سخطه البالغ عليه ،وذكره فيها بعدم شرعيته وبمصيره ، وقال فيها انه لن ينقضي عليَّ يوم من البلاء حتى ينقضي عنك يوم الرخاء حتى نمضي معا إلى يوم ليس فيه انقضاء ولا يخسر فيه إلا المبطلون(18) ، لقد ورث الإمام الكاظم عن جده الإمام الباقر ، الذي تولى الإمامة في ظل سيطرة الأمويين على الحكم ، تجربة تنظيمية غنية لمواجهة حكام الجور اللاشرعيين وهي تجربة لا بد أن يكون الإمام الكاظم قد استحضرها لمواجهة حكم هارون حيث أصبحت الحاجة لذلك شاخصة إمامة ذلك لان الثورة العباسية التي أثرت على حركات الشيعة لقنت جميع الأحزاب الاسلامية درساً بليغاً فيه أن التحرك ينبغي ان يعتمد على الخطط الطويلة الأمد والواضحة الأهداف ، وان النشاط الدعوي ينبغي أن يكثف في المناطق النائية من مركز السلطة الرسمية لتبعد الشبهات عن رجالها ، وبالفعل ، فقد أسست الشيعة ، في العصرين الأموي والعباسي أحزاباً سرية شكلت خلايا ومنظمات يرأس كل منها الداعي قامت بالدعاية السرية وقاومت الحكومات اللاشرعية، واحتفظت بسجلات تحتوي على أسماء الدعاة ، وكان من بينها سجلات خاصة بأسماء الشيعة عند بعض أصحاب الأئمة ، كما كانت الأحزاب تلجأ أحيانا ، إلى المناظرات والكتابة على الجدران لاطلاع الناس على مواقفها ، كما تلجأ إلى السرية والكتمان والتقية (19) ، ومهما كانت أشكال علاقة الإمام الكاظم بالأحزاب الشيعية في عصره وموقفه منها ، سواء كانت بالتوجيه والإشراف المباشر أو الرعاية والإرشاد ، فانه كان يقوم من جهة بتكليف جماعة من تلاميذه وأصحابه للقيام بدور وكلاء له في بعض المناطق الاسلامية وأرجع إليهم شيعته لأخذ الأحكام الدينية منهم ، كما وكلهم أيضاً في قبض الحقوق الشرعية ، وأذن لهم بصرفها على مستحقيها ، وفضلاً عن ذلك فإن بعض الأقاليم الاسلامية التي كانت تدين بالإمامة ، تقوم بإرسال مبعوث خاص عنها إلى الإمام حينما كان في السجن فيزودون بالفتاوى والإجابات على رسائلهم كما كان يتصل بالإمام أيضاً في سجنه بالبصرة عدد من العلماء والرواة بطرق خفية وتستر شديد عن أعين السلطة (20) .

زمن حكم ابو جعفر المنصور الدوانيقي

 دامت فترةَ تَوَلِّي الامامِ الكاظم الامامةَ في عهدِ المنصـور نحوَ عشر سنوات ولاتوجد أي رواية يذكرها المؤرخون بأنه قد سجن الامام ، ولكن كان تحت الرقابة ومتابعة العيون وأجهزة التجسّس ، حتّى مات المنصور في الثالث من ذي الحجّة سنة 158 هـ .
  هذه الشخصية كانت مشهوره بالبخل حتى لقب بالدوانيقى ، و مشهور بالخيانة و اللئم و عدم الوفاء حتى عند ابرز مظاهر شخصية الغدر و الفتك حتى بالقرب المقربين اليه ، و كان المنصور بنى الاسطوانات الدائرية على شيعة اهل البيت و هم احياء فعرف بحقده للشيعه ، و هو الملك الثانى للدولة العباسية بعد اخيه ، ابا العباس السفاح ، و كان المنصور السبب الاول لسم الامام الصادق ( عليه السلام ) و استشهاده ، وكانت معاناة العلويون من اشد واكبر المعاناة في زمنه ، وكان أبو جعفر المنصور قد صادرَ أموالَ العلويين وأدخلَهُمُ السجونَ والمحابِسَ ، وتَفَنَّنَ في أساليبِ القتل ، و يُثقِلُهُم بالضّربِ والحديدِ حتّى يَنهكَهُم فيموتوا وكانت حركة الامام الكاظم ( عليه السلام ) في فترة حكم المنصور تعليم الناس واظهار المعجزات التي لا تتعارض مع هذه الفترة وتنسجم مع ظروفها باسلوب علاجي لبعض الظواهر الانحرافية لتأسيس ثوابت مستقبلية ، وكان الامام ( عليه السلام ) لابد ان يجعل الناس تميز بين الحق والباطل حيث ابرز مايتميز به عن غيره من الادعياء وزعماء الفرق والطوائف الضالّة في زمانه ، وذلك في إبرازه للقدرات الغيبية ، ومن تلك الغيبات التي لايتوصل لها الانسان العادي كمثال وشاهد
1 ـ عن اسحاق بن عمار قال : « سمعت العبد الصالح ( عليه السلام ) ينعى الى رجل من شيعته نفسه ، فقلت في نفسي : وإنه ليعلم متى يموت الرجل من شيعته ! فالتفت اليّ شبه المغضَب فقال : يا اسحاق قد كان رشيد الهجري يعلم علم المنايا والبلايا والإمام أولى بعلم ذلك ، ثم قال : يا اسحاق اصنع ما أنت صانع فإنّ عمرك قد فنى وقد بقي منه دون سنتين... فلم يلبث اسحاق بعد هذا المجلس إلاّ يسيراً حتى مات » (21).
2 ـ قال ابن نافع التفليسي : خلّفت والدي مع الحرم في الموسم وقصدت موسى بن جعفر ( عليه السلام ) فلما أن قربت منه هممت بالسلام عليه فأقبل عليّ بوجهه وقال : « برّ حجك ياابن نافع ، آجرك الله في أبيك فإنّه قد قبضه إليه في هذه الساعة ، فارجع فخذ في جهازه ، فبقيت متحيراً عند قوله ، وقد كنت خلّفته وما به علّة ، فقال : ياابن نافع أفلا تؤمن ؟ فرجعت فاذا أنا بالجواري يلطمن خدودهنّ فقلت : ما وراكنّ ؟ قلن : أبوك فارق الدنيا، قال ابن نافع : فجئت إليه أسأله عمّا أخفاه ورائي فقال لي : أبداً ما أخفاه وراءك ، ثم قال : يا ابن نافع ان كان في اُمنيتك كذا وكذا أن تسأل عنه فأنا جنب الله وكلمته الباقية وحجته البالغة )) (22).
3 ـ قال خالد بن نجيح : قلت لموسى ( عليه السلام ) إنّ أصحابنا قدموا من الكوفة وذكروا أن المفضّل شديد الوجع ، فادع الله له ، فقال ( عليه السلام ) : « قد استراح » ، وكان هذا الكلام بعد موته بثلاثة أيّام .
4 ـ عن أبي بصير قال : دخلت على أبي الحسن الماضي ( عليه السلام ) ، ما لبثت أن دخل علينا رجل من أهل خراسان فتكلّم الخراساني بالعربية ، فأجابه هو بالفارسية ، فقال له الخراساني : أصلحك الله ما منعني أن اكلّمك بكلامي إلاّ أني ظننت أنك لا تحسن فقال : « سبحان الله! إذا كنت لا أحسن أن أجيبك فما فضلي عليك ؟ ! » .
  ثم قال : « يا أبا محمد إنّ الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس ولا طير ولا بهيمة ولا شيء فيه روح ، بهذا يعرف الامام ، فاذا لم تكن فيه هذه الخصال فليس هو بإمام » (23) .
5 ـ روي عن أبي حمزة أنه قال : كنت عند أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) اذ دخل عليه ثلاثون مملوكاً من الحبشة اُشتروا له ، فتكلم غلام منهم ـ وكان جميلا ـ بكلام فأجابه موسى ( عليه السلام ) بلغته فتعجّب الغلام وتعجّبوا جميعاً وظنوا أنه لا يفهم كلامهم .
  فقال له موسى (عليه السلام) : « اني أدفع اليك مالا ، فادفع الى كل (واحد) منهم ثلاثين درهماً » .
  فخرجوا وبعضهم يقول لبعض : « إنّه أفصح منا بلغتنا ، وهذه نعمة من الله علينا ».
  قال علي بن أبي حمزة : فلما خرجوا قلت : يا ابن رسول الله ! رأيتك تكلم هؤلاء الحبشيين بلغاتهم !
  قال : نعم ، وأمرت ذلك الغلام من بينهم بشيء دونهم ؟
  قال : نعم أمرته أن يستوصي بأصحابه خيراً وأن يُعطي كل واحد منهم في كل شهر ثلاثين درهماً ، لأنّه لمّا تكلم كان أعلمهم ، فانه من أبناء ملوكهم ، فجعلته عليهم ، وأوصيته بما يحتاجون إليه ، وهو مع هذا غلام صدق .
  ثم قال: لعلك عجبت من كلامي ايّاهم الحبشية ؟ قلت : اي والله.
  قال( عليه السلام): لا تعجب فما خفي عليك من أمري أعجب وأعجب» (24).
  قال بدر ـ مولى الإمام الرضا( عليه السلام ) ـ : « إنّ اسحاق بن عمار دخل على موسى بن جعفر ( عليه السلام )فجلس عنده اذ استأذن عليه رجل خراساني يكلّمه بكلام لم يسمع مثله قطّ كأنه كلام الطير .
  قال اسحاق : فأجابه موسى ( عليه السلام ) بمثله وبلغته الى أن قضى وطره في مساءلته ، فخرج من عنده ، فقلت : ما سمعت بمثل هذا الكلام .
  قال : هذا كلام قوم من أهل الصين وليس كل كلام أهل الصين مثله .
  ثم قال : أتعجب من كلامي بلغته ؟ قلت : هو موضع التعجب.
  قال ( عليه السلام ) : أُخبرك بما هو أعجب منه انّ الإمام يعلم منطق الطير ، ومنطق كلّ ذي روح ، وما يخفى على الإمام شيء » (25).
  زمن محمد المهدى العباسى كانت فترة حكمه من الثالث من ذي الحجّة سنة 158 هـ حتّى 22 محرّم سنة 169 هـ . وكان منهجة بنفس مسيرة ونهج العباسيين ولكن مصلحة حكومته تقتضي أن تكون مرونه مع العلويين وكانت في بداية حكمه وتمثلت فيما أصدره من عفو عام عن جميع المسجونين وفي ردّ جميع الاموال المنقولة وغير المنقولة والتي كان قد صادرها أبوه ظلماً وعدواناً الى أهلها ، فردّ على الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام ) ما صادره أبوه من أموال الإمام الصادق ( عليه السلام ).
  من صفاته البذخ و الاسراف من اموال المسلمين و راح هو نحو الخمر و السكر فصار فى ظل ملكه للمرأه نفوذ واسع كالخيزران ام هارون الرشيد و زوجة المهدى حيث كانت تعين و تفصل و تقرب و تبعد من تشاء، و بذلك انتشرت الميوعة والرشوه و من اقبح افعال المهدى انه سجن الامام الكاظم (عليه السلام) ذات مرة ثم اطلقه على اثر رؤيا ، وكان يشجع الوضاعين الذين يقومون بدور اعلامي تضليلي للسلاطين ليبرزوهم في المجتمع على أنهم يمثلون ارادة الله في الارض وكان احد الوضاعين غياث بن ابراهيم الذي عرف هوى المهدي في الحَمام وعشقه لها فحدّثه عن أبي هريرة أنه قال : لا سبق إلاّ في حافر أو نصل ـ وزاد فيه ـ أو جناح ، فأمر له المهدي عوض افتعاله للحديث بعشرة آلاف درهم، ولمّا ولّى عنه قال لجلسائه : أشهد أنه كذب على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما قال رسول الله ذلك ولكنه أراد أن يتقرب الي(26) .
وأسرف المهدي في صرف الاموال الضخمة من أجل انتقاص العلويين والحطّ من شأنهم فتحرّك الشعراء والمنتفعون وأخذوا يلفّقون الأكاذيب في هجاء العلويين ومن جملة هؤلاء الزنديق مروان بن أبي حفصة الذي دخل على المهدي ذات يوم وأنشده قائلا :
يا ابن الذي ورث النبي iiمحمداً        دون الأقارب من ذوى iiالأرحام
الوحي  بين بني البنات iiوبينكم        قطع الخصام فلات حين خصام
ما  للنساء مع الرجال فريضة        نـزلت بـذلك سـورة iiالانعام
أنـى  يكون وليس ذاك iiبكائن        لـبني الـبنات وراثة iiالأعمام
  فأجازه المهدي على ذلك بسبعين ألف درهم تشجيعاً له ولغيره على انتقاص أهل البيت( عليهم السلام ) ، ولمّا سمع الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام ) بقصيدة مروان تأثّر أشدّ التأثّر ، وفي الليل سمع هاتفاً يتلو عليه أبياتاً تجيب على أبيات بشار وهي :
أنـى  يـكون ولا يـكون ولم iiيكن        لـلـمشركين  دعـائـم iiالاسـلام
لـبني الـبنات نـصيبهم من iiجدهم        والـعـم  مـتروك بـغير iiسـهام
مــا  لـلطليق ولـلتراث iiوانـما        سـجد الـطليق مـخافة iiالصمصام
وبـقي ابـن نـثلة واقـفاً مـتلدداً        فـيـه ويـمـنعه ذوو iiالأرحــام
إنّ ابـن فـاطمة الـمنوّه iiبـاسمه        حاز التراث سوى بني الاعمام (27)
  و امتاز هذا الملك الجديد بميوله نحو اللهو و الخلاعة و المجون و النساء فانتشر على اثر ذلك الفساد و المجون فى البلاد و التحلل الخلقى بين الناس ، و هو الذى قرب المغنين و جعل لهم اياماً خاصة حتى صار ابنه « ابراهيم » شيخ المغنين و بنته « عليّة » فى طليعة المغنيات و العازفات و الراقصات فى بغداد ، وقد روي من بذخه واسرافه ما بذله لزواج ابنه هارون من زبيدة حتى قال معتز عن بدلة ليلة الزفاف : بأن هذا شيء لم يسبق اليه أكاسرة الفرس ولا قياصرة الروم ولا ملوك الغرب (28) ، و لما ورد ابوالحسن الكاظم (عليه السلام ) على المهدى العباسى رآه يرد المظالم ، فقال الامام :  ما بال مظلمتنا لا ترد ؟
 المهدى العباسى: و ماذاك يا اباالحسن؟
 الامام : ان الله تبارك و تعالى لما فتح على نبيه فدك ، و ما والاها لم يوجب عليه بخيل و الاركاب « اى فتحت بلا حرب » فانزل الله على نبيه ان ادفع فدك الى فاطمة الزهراء ( سلام الله عليها ) ، فلم يزل وكلاء فاطمة فيها فى حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فلما ولى ابوبكر اخرج عنها وكلاءها فاخذها منها غصبا ً.
 المهدى : يا اباالحسن حدها لى ؟
 الامام : حد منها جبل احد و حد منها عريش مصر و حد منها سيف البحر و حد منها دومة الجندل .
 المهدى : كل هذا ؟
 الامام : نعم هذا كله ممالم يوجف اهله على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بخيل و لاركاب.
  المهدى : كثير هذا سانظر فيه .
وكانت تُعتبرخلافة المهدي مِن أيسرِ فترات الحكم العباسي بالنسبة للامام وللطالبيين ، وبنفس الوقت هناك كان المهدي العباسي يخاف من قوة تأثير وشخصية امامنا الكاظم ( عليه السلام ) ، وقد وضع العباسي في حسبانه كراهيته للطالبين والخوفِ من ثورتهم والتفاف جماهير الاُمّة ووجهائها من حولهم ، ولذلك في احد المرات امر المهدي العباسي واليه على المدينة أن يُبلِغَ الامامَ موسى بن جعفر للحضور إلى بغداد للمحاكمة والسجن .
  على اثر ذلك شدّ الامام رِحالَ السّفر وهو مظلوم ، وقد تعلقت قلوب الشيعة واتباعه ومحبيه بركبه السائر ، وقد اكد امامنا الكاظم ( عليه السلام ) لاحد خواصّه ومريديه أن يدَ المهدي العباسي لنْ تَصِلَ إليه بسوء ، وعندما وصل الامام الى بغداد فأمر المهدي بالقبض عليه ، وزجّه في السجن ، وبعد سجن الامام ( عليه السلام ) رأى المهدي بعد سجنه للامام ، رأى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) في المنام ، وهو يقول له :« يا محمّد (هلْ عسيتُمْ إنْ تولَّيتُمْ أنْ تُفسدوا في الارضِ وتُقطِّعوا أرحامَكُم) » .
ففزعَ المهدي وقام من نومه مذعوراً ، فاستدعى حاجبه الربيع ، وأمره بإطلاقِ سراحِ الامام ( عليه السلام ) ، وبعد أن ذاع صيت الامام ( عليه السلام ) استخدم المهدي سياسة التشدد على الإمام موسى الكاظم( عليه السلام ) ، فلقد استدعاه إلى بغداد وحبسه فيها ثم ردّه إلى المدينة (29) ، وفي اوخر حكمه خطط لقتل الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) عن طريق حميد بن قحطبة ، حيث دعا المهدي حميد بن قحطبة نصف الليل وقال: إنّ إخلاص أبيك وأخيك فينا أظهر من الشمس، وحالك عندي موقوف .
 فقال: أفديك بالمال والنفس، فقال هذا لسائر الناس.
 قال: أفديك بالروح والمال والأهل والولد، فلم يجبه المهدي.
 فقال أفديك بالمال والنفس والأهل والولد والدين فقال : لله درّك.
فعاهده المهديّ على ذلك وأمره بقتل الإمام الكاظم ( عليه السلام ) في السُحرة بغتة ، فنام فرأى في منامه علياً يشير اليه ويقرأ : ( فهل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الارض وتقطّعوا أرحامكم ) (30).
 فانتبه مذعوراً ، ونهى حميداً عمّا أمره ، وأكرم الإمام الكاظم( عليه السلام ) ووصله (31) ، وأن الحكام العباسيين كالسفّاح والمنصور لم يسمحا لنسائهما بالتدخل في شؤون الدولة ، وعندما استولى المهدي العباسي بدأ سلطان المرأة ينفذ الى البلاط فزوجته الخيزران أصبحت ذات نفوذ قوي على القصر تقرب من تشاء وتبعّد من تشاء ، ومن هذا العصر أخذ نفوذ المرأة يزداد ويقوى في بلاط الحكّام العباسيين حتى بلغ نهايته في أواسط العهد العباسي واستمر حتى نهاية حكمهم (32) ، وكان دور الامام الكاظم ( عليه السلام ) نشطا واستغل الفرصة المحدودة حيث قام باصلاح الامة والانفتاح عليها ضمن صيغ وأساليب سياسية وتربوية من شأنها إعادة الاُمة إلى وعيها الإسلامي وقيمها الرسالية ، وقام ببناء جماعة صالحة وتأصيل سنة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالامتداد الشيعي وكان قد سخر قوته لذلك حتى جاء دور الرشيد فضيّق على الإمام ( عليه السلام ) وسجنه ثم قام بتصفية نشاطه وحياته ( عليه السلام ) .

زمن موسى الهادي العباسي

  جاء في تاريخ اليعقوبي وشجرت بين موسى وأخيه الوحشة فعزم على خلعه وتصيير ابنه جعفر وليّ العهد ، ودعا القوّاد الى ذلك ، فتوقف عامتهم وأشاروا عليه أن لا يفعل ، و سارع بعضهم وقووا عزيمته في ذلك وأعلموه أن الملك لا يصلح إن صار إلى هارون ، فكان ممن سعى في خلعه أبو هريرة محمد بن فرّوخ الأزدي القائد من الأزد ، وقد كان موسى وجّه به في جيش كثير يستنفر من بالجزيرة والشام ومصر والمغرب ويدعو الناس الى خلع هارون، فمن أبى جرّد فيهم السيف فسار حتى صارالى الرقة فأتاه الخبر بوفاة موسى (33) وعمره 25 عام كان يتصف فيها بنزعات شريرة تظهر على سلوكه و اعماله الفاسدة و تمير بغروره و طيشه ، فلقد كانت فترة حكمه من الفترات القاسية الرهيبة فى تاريخ اهل البيت و شيعتهم فقد استمر فى سياسة آبائه المجرمين المتميزه باضطهاد الأئمة و شيعتهم و قد وصفه المؤرخ المسعودى فى مروح الذهب قائلاً : كان قاسى القلب ، شرس الاخلاق ، صعب المرام .
  وكان استيلائه على الحكم موسى الهادي بعد وفاة أبيه المهدي في العشر الأخير من محرم سنة ( 169 هـ ) وتوفي في السنة ( 170 هـ ) وكان عمره ( 26 ) سنة (34) ، ومات موسى الهادي لاربع عشر ليلة خلت من شهر ربيع الأول (35) ، ولقد نكّل بالعلويين وأذاع الخوف والرعب في صفوفهم وقطع ما أجراه لهم المهدي من الارزاق و الاعطيات وكتب الى جميع الآفاق في طلبهم وحملهم الى بغداد (36) ، ويلاحظ قصر مدة حكمه التي كانت اثر سيء على الشيعة والتي واهتم الهادى فى الغناء و الطرب و الاعتناء بالسهرات الماجنة و الاغداق على اهل الطرب و اللهو مما ادى الى اندلاع اكبر ثورة قادها العلويون و شيعتهم ضده و هى واقعة فخ التى قادها الحسين بن على قائد الثورة آنذاك .
  وقد نقم على الهادي القريب والبعيد وأبغضه الناس جميعاً ، وقيل حقدت عليه اُمّه الخيزران حتى بلغ بها الغيظ له نهايته ، قيل أنها هي التي قتلته (37) ، ثورة قخ الحسينية لقد فجّر الثورة على الحاكم العبّاسي هو " الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) " .
  وموقف الامام الكاظم (عليه السلام) من ثورة فخ ايجابى فانه بشر صاحب الثورة بالشهادة و اوصاه بالقوة والصبر قائلاً اليه : انك مقتول فاحد الضراب فان القوم فساق يظهرون ايماناً ويضمرون نفاقاً وشركاً ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون وعند الله أحتسبكم من عصبة (38) .
  وقد التحق كل الطالبين بثورة فخ إلاّ الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن وموسى بن جعفر( عليه السلام ) (39) ، وصرّح الإمام ( عليه السلام ) بموقفه من الثورة لزعيمها ( الحسين ) عندما طلب منه المبايعة وذكّره بموقف الإمام الصادق( عليه السلام ) من ثورة محمد ذي النفس الزكية ، وسوف يكون موقفه كأبيه فيما اذا أصرّ الحسين على ضرورة المبايعة (40) ، و قال عنها الإمام الجواد ( عليه السلام ) : " لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ (41) ، وبسبب ممارسة الخلفاء العبّاسيون من الاضطهاد والإذلال ضد العلويين ، واستبداد موسى الهادي بشكل خاص حيث عين ولاة على المدينة مثل تعيينه اسحاق ابن عيسى بن علي الذى استخلف عليها رجلا من ولد عمر بن الخطاب يعرف بعبد العزيز " .
  وقد اذل هذا المتجبر الطاغي العلويين وقبضت شرطته على كل من الحسن بن محمد بن عبدالله بن الحسن ، ومسلم بن جندب وعمر بن سلام ، وادّعت الشرطة انها وجدتهم على شراب فأمر بضربهم ، وجعل في أعناقهم حبالا ، وأمر أن يطاف بهم في الشوارع ليفضحهم (42) .
  وكانت بداية الثورة سنة 169 هـ ، و قدفاتح الحسين بن علي ـ صاحب فخ ، الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام ) بالأمر وطلب منه المبايعة فقال له الإمام ( عليه السلام ) : " يا ابن عم لا تكلّفني ماكلّف ابن عمك ، عمك أبا عبدالله فيخرج مني ما لا أريد ، كما خرج من أبي عبدالله ما لم يكن يريد " .
  فقال له الحسين : إنّما عرضت عليك أمراً فان أردته دخلت فيه ، وان كرهته لم أحملك عليه والله المستعان ، ثم ودّعه ، فجمع الحسين أصحابه مثل يحيى ، وسليمان ، وادريس بن عبدالله بن الحسن ، وعبد الله بن الحسن الافطس وغيرهم .
  فلما أذّن المؤذن الصبح دخلوا المسجد ونادوا أحد أحد ، وصعد الافطس المنارة ، وأجبر المؤذّن على قول : حيّ على خير العمل وصلى الحسين بالناس الصبح .
  فخطب بعد الصلاة وبايعه الناس ، وبعد أن استولى على المدينة توجّه نحو مكة وبعد أن وصل الى ( فخ ) فعسكر فيه وكان معه ( 300 ) مقاتل ولحقته الجيوش العبّاسية وبعد صراع رهيب استشهد الحسين وأصحابه وأرسلت رؤوس الأبرار الى الطاغية موسى الهادي ، ومعهم الأسرى وقد قيّدوا بالحبال والسلاسل ووضعوا في أيديهم وأرجلهم الحديد ، وأمر الطاغية بقتلهم فقتلوا صبراً وصلبوا على باب الحبس (43) ، وجيء بالرؤوس إلى الخليفة موسى الهادي والعباس ، وعندهما جماعة من ولد الحسن والحسين ، فلم يسألا أحداً منهم إلاّ الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) . فقالا : هذا رأس الحسين ؟ قال :
  نعم ، إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، مضى واللهِ مسلماً صالحاً صوّاماً ، آمراً بالمعروف ، ناهياً عن المنكر ، ما كان في أهل بيته مثلَهُ (44) .
  وحُمِلَتِ الاسرى إلى الخليفة الهادي ، فأمرَ بقتلِهِم ، والتمثيل بالشهداء ، وقَتْلِ الاسرى، بل عمدَ العُمري إلى هدمِ الدّورِ ومصادرةِ الاموالِ وحرقِ المزارع .
  وجاء في رواية المؤرِّخ الطّبري :
  " وثبَ على دار الحسين ، ودور جماعة من أهل بيته وغيرهم ممّن خرج مع الحسين فهدَمَها وحرَّقَ النّخيلَ وقبضَ مالم يُحرِقْهُ ، وجعلهُ في الصّوافي المقبوضة " .
  لمّا حُمِلَ رأس أبي عبد الله الحسين بن عليّ صاحب وقعة فخّ الشهيرة إلى موسى الهادي بن المهدي الخليفة العباسي ، أنشأ يقول متمثِّلاً :
بـني عمّنا لا تَنْطِقُوا الشعرَ iiبعدما        دَفَـنْتُم  بـصحراء الغميم iiالقوافيا
فـلسنا  كَمَنْ كُنتُم تُصيبونَ iiسلمَهُ        فـيقبلُ  قـيلاً أو يـحكمُ iiقـاضيا
ولـكنّ حـدَّ الـسّيف فيكم iiمُسلّطٌ        فنرضى إذا ما أصبحَ السّيفُ راضيا
فـإنْ قـلتُم إنّـا ظُـلِمْنا فلم iiنَكُنْ        ظَـلمْنا ولـكنّا أسـأنا iiالـتقاضيا
فـقد ساءني ما جَرّتِ الحربُ iiبيننا        بـني  عـمّنالو كـان أمراً iiمُدانيا
  ثمّ أخذ في ذكر الطالبيين وجعل ينال منهم إلى أن ذكر موسى بن جعفر وحلفَ بالله بقتله ، فتكلّم فيه القاضي أبو يوسف حتّى سكن غضبه .
  بعد ان انتهت الثورة باستشهاد " الحسين صاحب فخ " وصحبه أخذ الهادي يتوعّد الأحياء منهم ، وقد ذكر سيدهم الإمام موسى قائلا : والله ما خرج حسين إلاّ عن أمره ، ولا اتّبع إلاّ محبته ، لأنه صاحب الوصية في أهل هذا البيت ، قتلني الله ان أبقيت عليه(45) .
  فراحَ يُهدِّدُ ويَتوعّدُ ويحلفُ على قتلِ الامام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) ، حيث لم يكن ليفصل بين قيادة الامام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) وتوجيهه وبين هذه الثورة الاسلامية العلوية الكُبرى الّتي أعلنَ عن هويّتها قائدُها الشهيدُ ، وأكّد أنّها دعوة إلى قيادة آل محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والالتزام بكتاب الله وسنّة نبيِّه بقوله :
  " اُبايعكم على كتاب الله ، وسنّة رسول الله ، على أن يُطاع الله ولا يُعصى ، وأدعوكم إلى الرِّضى مِن آلِ محمّد ، وعلى أن نعملَ فيكم بكتابِ اللهِ وسنّةِ نبيِّهِ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، والعدل في الرّعيّة ، والقسم بالسّويّة ، وعلى أنْ تُقيموا معنا ، وتُجاهِدوا عدُوَّنا ، فإن نحن وفّينا لكم وفّيتم لنا ، وإن نحنُ لَم نَفِ لكم فلا بيعةَ لنا عليكم " ، وامر طبيعي ان يعزو موسى الهادي الحاكم العباسي الثورةَ للامـام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) ، كما كان المنصـور من قبل يعـزو ثورةَ محمّد ( ذي النفس الزكيّة ) للامام الصادق أبي الامام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) ، وكما كان هشام الحاكم الاموي يعزو ثورةَ زيد للامام محمّد الباقر جدّ الامام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) ، مع أنّ الائمّة الثلاثة ( عليه السلام ) قد نهوا كلاًّ من زيد ، ومحمّد ذي النفس الزكيّة ، والحسين بن عليّ صاحبِ فخّ عن الثورة المسلّحة لعلمهم مسبقاً بالنـتائج وبمآل الثورة ، وقد أوضحوا ذلك بصورة صريحة للقادة الثلاثة ، حين عزمهم على تفجير كل ثورة .
  و ذكر المؤرِّخون أنّ أبا حنيفة صاحبَ المذهب الفقهي المعروف ناصرَ إبراهيمَ ذا النفس الزكيّة الّذي ثارَ في البصرة ، وأفتى بصرفِ الزّكاة لتأييد ثورته ، وأن أبا يوسف القاضي صاحبَ أبي حنيفة وأبرز الفقهاء الرسميين في عصره ، دافعَ عن الامام موسى ابن جعفر أمام موسى الهادي وأثناهُ عن عزيمتِهِ على قتله ، رغم اختلافه في الرأي والمذهب الفقهي مع الامام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) .

ونقل العلاّمة المجلسي :

  " أنّ موسى الهادي أمر برجل من الاسرى فوبّخه ثمّ قَتَلَهُ ، ثمّ صنعَ مثل ذلك بجماعة من ولد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه ، وأخذ من الطالبيين ، وجعلَ ينال منهم إلى أن ذكر موسى بن جعفر صلوات الله عليه ، فنال منه ، قال : والله ما خرج حسينٌ إلاّ عن أمرِهِ ولا اتبعَ إلاّ محبَّتَهُ ، لأنّه صاحب الوصيّة في أهل هذا البيت ، قَتَلَني اللهُ إن أبقيتُ عليه ، فقال له أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي وكان جريئاً عليه : يا أمير المؤمنين ! أقولُ أم أسكُتْ ؟ فقال : قَتَلَني اللهُ إنْ عفوتُ عن موسى ابن جعفر ، ولولا ما سمعتُ مِنَ المهدي فيما أخبرَ به المنصورَ بما كان من جعفر ـ يقصد الامام الصادق ( عليه السلام ) ـ مِنَ الفضلِ المُبَرَّزِ عن أهلِهِ في دينه وعلمه وفضله ، وما بلغني عن السفّاح فيه من تقريظه وتفضيله لنبشتُ قبرَهُ وأحرقتُهُ بالنار إحراقاً ، فأخذ أبو يوسف القاضي يلحُّ ويُهَدِّئُهُ حتّى سكنَ غضبه " .
  علم الامام بنوايا الهادي ، فلم تُفزِعْهُ ولم يَعبأْ بها ، فقد كان واثقاً من نهاية هذا الحاكم ومن نهاية ظُلمه وتسلّط حكومته ، وكتب علي بن يقطين الى الإمام موسى ( عليه السلام ) بصورة الأمر فورد الكتاب ، فلما أصبح أحضر أهل بيته و شيعته فاطّلعهم على ما ورد عليه من الخبر فقال : ما تشيرون في هذا ؟
  فقالوا : نشير عليك ـ أصلحك الله ـ وعلينا معك أن تباعد شخصك عن هذا الجبّار وتغيّب شخصك دونه ، فتبسم الإمام موسى (عليه السلام) ثم تمثّل ببيت كعب بن مالك أخي بني سلمة وهو :
زعمت سخينة أن ستغلب ربّها        فـلـيغلبنَّ  مـغالب الـغلاب
  وأقبل الإمام نحو القبلة ودعا بدعاء الجوشن الصغير المعروف الوارد عنه ( عليه السلام ) ثم قال ( عليه السلام ) : " قد ـ وحرمة هذا القبر ـ مات في يومه هذا والله ( وانه لحق مثل ما أنكم تنطقون ) (46) .
  اللّهمَّ كَم مِن عدوٍّ شحذَ لي ظُبّةَ مُديَتِهِ ، وأرهَفَ لي شبا حدِّهِ ، ودافَ لي قواتِلَ سمومِهِ ، ولم تَنمْ عنِّي عينُ حراسَتِهِ ، فلمّا رأيتَ ضَعفي عنِ احتمالِ الفوادحِ ، وعجزي عن مُلِماتِ الحوائج ، صرفتَ عنِّي ذلك بحولِكَ وقُوَّتِكَ ، فألقيتَهُ في الحفيرِ الّذي احتفَرَهُ لي خائِباً ممّا أمّله في دُنياه ، مُتباعِداً ممّا رَجاهُ في آخرتِهِ ، فلكَ الحمدُ على ذلك قدر استحقاقك سيِّدي ! اللّهُمَّ فَخُذْهُ بِعِزَّتِكَ ، وافْلُلْ حدَّهُ عنِّي بِقدرَتِكَ ، واجْعَل له شُغْلاً فيما يليه ، وعجزاً عَمّا يُناويه ، اللّهمَّ وأَعِدْني عليهِ مِن عدوىً حاضرة تكونُ مِن غيظي شفاءً ، ومِن حقِّي عليه وفاء ، وصلِ اللّهمَّ دعائي بالاجابة ، وانظمْ شِكايَتي بالتغيير ، وعَرِّفْهُ عمّا قليل ما وعدتَ الظّالمين ، وعَرِّفْني ما وعدتَ في إجابةِ المُضطرِّين ، إنّك ذو الفضلِ العظيمِ والمنِّ الكريم .
  قال : ثمّ تفرّقَ القومُ ، فما اجتمعوا إلالقراءة الكتاب الوارد عليه بموت موسى بن المهدي والبيعة لهارون الغير رشيد (47) .

زمن هارون الغير رشيد العباسي

  تجمعت فيه الخصال السيئة من ظلم وارهاب وقتل واضطهاد واستهتار وطغيان ، ولم يكن رشيداً بمعنى الكلمه و لكن مجرد لقب اضغاه على نفسه ،وهو صاحب العهد المشئوم لقد دبرت الخيزران " ام هارون " مع يحيى البرمكى " رئيس وزراء هارون فيما بعد " عملية اغتيال موسى الهادى ( اخو هارون ) ، فاستولى هارون على الملك و لكن كان نفوذ الخيزران لا يخفى اذ هى صاحبة الفضل و هكذا يحيى البرمكى ، وقام هارون اول مافعله عند ما استلم الملك بان امر باخراج جميع الطالبين من بغداد الى المدينة كرهاً لهم و مقتاً ، وبذلك ضرب الرقم القياسى فى قتل العلويين و استئصالهم فكان يوصى عماله بذلك بلاذنب او خطأبل لمجرد الحقد الدفين لأهل البيت ( عليه السلام ) ، و من العلامات المميزة فى شخصية هارون هو الترف المالى الفظيع و بذخ المال على الجوارى و المغنيات و الراقصات و ما يضاحب ذلك من شرب الخمور و بقية المفردات الفاسدة .
  وقد زرع هارون الخوف في نفوس الناس وهناك الكثير من المواقف نذكر منها ما سجّل التاريخُ أنّ الفضل بن يحيى بن خالد البرمكي الّذي كان مِن أخلص المُقرّبين مِنَ الرشيد يُجرَّدُ من ثيابِهِ ويُضرَبُ ويُهانُ ويُلْعَنُ في مجلس عامٍّ بطلب من الرشيد لأنّه رفّهَ عن الامام الكاظم وخفّف عنه آلام السجن ، و الفضل بن الربيع وهو من أبرز الساسة المقرّبين للرشيد ، ومن أعمدة البلاط ووزرائه يتحدّث عن موقف جرى له قال الفضل :
  " كنتُ ذات ليلة في فراشي مع بعض الجواري ، فلمّا كان في نصف اللّيل سمعتُ حركةَ بابِ المقصورة ، فراعَني ذلك ، فقالتِ الجاريةُ : لعلّ هذا من الرِّيح ، فلم يمضِ إلاّ يسيرٌ حتّى رأيتُ بابَ البيتِ الّذي كنتُ فيه قد فُتِحَ ، وإذا بمسرور الكبير قد دخل عليَّ، فقال لي : أجِبِ الامير ، ولم يُسلِّم عليَّ ، فَيَئِستُ مِن نفسي وقلتُ : هذا مسرور ، ودخلَ إليَّ بلا إذن ، ولم يُسلِّم ، ما هوَ إلاّ القَتْلُ ، وكنتُ جُنُباً فلم أجسرْ أنْ أسالهُ إنظاري حتّى أغتسلَ ، فقالت لي الجارية لمّا رأتْ تحيّري وتبلّدي : ثِقْ بالله عزّ وجلّ ، وانهَضْ ، فنهضْتُ ، ولبستُ ثيابي ، وخرجتُ معهُ حتّى أتيتُ الدّارَ ، فسلّمتُ على أمير المؤمنين وهو في مرقده ، فرّد عليَّ السّلام ، فسقطتُ ، فقالَ : تداخَلَكَ رُعبٌ ؟ قلتُ : نعم ، يا أمير المؤمنين ! فتركني ساعةً حتّى سكنتُ "
وكان اقبح اعماله و اشهرهاهى :
  1 ـ نبش قبر الامام الحسين ( عليه السلام ) ، و منع زيارته.
  2 ـ سجن الامام الكاظم ( عليه السلام ) عدة مرات.
  3 ـ قتل الامام الكاظم بأن دس اليه السم.
  و كان سبب نبش و تهديم قبر الامام الحسين ( عليه السلام ) لانه تحول الى قبلة الثائرين و محطة الرساليين ، و كان سبب سجن الامام و ذلك الالتفاف الناس الشرفاء حوله و العلماء و طلاب الحق و المضطهدين و المتضررين من سياسة هارون فخاف هارون من اتساع رقعة الامام ( عليه السلام ) و احتوائه قلوب الناس و كان سبب قتله ( عليه السلام ) لان الامام واصل اتصاله و عمله مع الشرفاء من داخل السجن ، واعطى امامنا مفهوما لجميع الناس في العمل هو ( عدم الركون للظالمين ) حيث ان الظالمين اذا وجدوا اعوانا ووجدوا مطيعين فانه يستفحل امره ، واذا تجرد الطاغي من الاعوان والمطيعين فانه يسقط بسرعة ، حيث حذر الناس من التعامل مع هارون و اتباعه ، و رفض كل الوان العمل تحت وصايتهم فمن ذلك. جاء رجل الى الامام (عليه السلام) و قال له : انى رجل خياط اخيط ثياباً لهولاء ـ العباسيين ـ فهل ترانى من اعوان الظلمة؟
  فقال الامام (عليه السلام) ان الذى يبيعك الخيوط والابر من اعوان الظلمة و اما انت فمن الظلمة انفسهم !!
  الى هذا الحد اعتبر الامام ( عليه السلام ) ان الذى يبيع الخيوط لخياط البلاط العباسى من الظلمة او من اعوانهم ، و جاءه رجل قال له : لقد استأجر هارون بعض جمالى لقوافل الحج فهل هى فى امواله شىء من الحرام ؟
  فقال: لاتؤجره جمالك فانك تحبه؟ فقال الرجل: لا ابداً ، لا احبه.
  فقال الامام : الا ترجو فى نفسك ان يعيش هارون حتى ترجع اليك جمالك و يعطيك اجرتك؟
  قال : نعم ، قال : فأنت اذن معهم و منهم ، و بهذا الشكل كان الامام يحذر الناس من التعاون مع بنى العباس ، وكان الامام الكاظم ( عليه السلام ) يتعامل مع هارون العباسي بموقف صلب يتحدى هارون الغير رشيد ، وقد استخدم المرونه في بعض الاحيان لمعرفته بنواياه ومن اجل المصلحة العامة .

ومن مواقف الامام مع هارون :
  1 ـ عن محمد بن طلحة الأنصاري قال : كان مما قال هارون لأبي الحسن( عليه السلام ) حين اُدخل عليه : ما هذه الدار؟
  فقال ( عليه السلام ) : هذه دار الفاسقين ، قال الله تعالى : ( سأصرف عن آياتي الذين يتكبّرون في الأرض بغير الحق وان يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها وان يروا سبيل الرشد لا يتّخذوه سبيلا وان يَروا سبيل الغيّ يتخذوه سبيلا )(48) .
  فقال له هارون : فدار من هي ؟
 قال ( عليه السلام ) : هي لشيعتنا فترة ولغيرهم فتنة .
  قال : فما بال صاحب الدار لا يأخذها ؟
  فقال : "اُخذت منه عامرة ولا يأخذها الاّ معمورة".
  قال : فأين شيعتك ؟ فقرأ أبو الحسن ( عليه السلام ) : ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البيّنة )(49) .
  قال : فقال له : فنحن كفار ؟ قال ( عليه السلام ) : لا ، ولكن كما قال الله ( الذين بدّلوا نعمة الله كفراً وأحلّوا قومهم دار البوار )(50) ، فغضب عند ذلك وغلظ عليه إذ قد لقيه أبو الحسن ( عليه السلام ) بمثل هذه المقالة ، وما رهبه وهذا خلاف قول من زعم أنه هرب منه من الخوف (51) .
  2 ـ عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) قال : " قال لي هارون : أتقولون أن الخمس لكم ؟
  قلت : نعم .
  قال : انه لكثير.
  قال : قلت : إنّ الذي أعطاناه علم أنه لنا غير كثير "(52) .
  3 ـ إنّ هارون الرشيد كان يقول لموسى بن جعفر( عليه السلام ) : " حُدّ فدكاً حتى أردّها إليك ، فيأبى حتى ألحّ عليه .
  فقال ( عليه السلام ) : لا آخذها إلاّ بحدودها.
  قال : وما حدودها ؟
  قال ( عليه السلام ) : ان حددتها لم تردّها.
  قال : بحق جدّك إلاّ فعلت .
  قال ( عليه السلام ) : أمّا الحد الأول فعدن ، فتغير وجه الرشيد وقال: ايهاً .
  قال ( عليه السلام ) : والحد الثاني سمرقند ، فاربدّ وجهه.
  قال( عليه السلام ) : والحدّ الثالث افريقية ، فأسودّ وجهه وقال : هيه
  قال ( عليه السلام ) : والرابع سيف البحر مما يلي الجزر وأرمينيه.
  قال الرشيد : فلم يبق لنا شيء ، فتحوّل الى مجلسي !
  قال موسى ( عليه السلام ) : قد أعلمتك أنني ان حددتها لم تردّها ، فعند ذلك عزم على قتله (53) .
  4 ـ ولمّا دخل هارون الرشيد المدينة توجّه لزيارة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ومعه الناس فتقدم الرشيد الى قبررسول الله( صلى الله عليه وآله )وقال : السلام عليك يا رسول الله ياابن عمّ ، مفتخراً بذلك على غيره .
  فتقدم أبو الحسن ( عليه السلام ) فقال " السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أبه" فتغير وجه الرشيد وتبيّن الغيظ فيه (54) .

موقف الامام مع اخيه عبد الله ( الافطح ) عندما ادعى الامامة :

  لقد علاج الامام ( عليه السلام ) الموقف مع اخيه بأسلوب هادئ بدون تشنج وجهد مبتعدا عن المشادات .
  وإنّ موقف الإمام الكاظم ( عليه السلام ) من أخيه عبد الله ( الافطح ) لم يكن موقفاً عدائياً سافراً رغم أنه ادّعى الإمامة لنفسه (55) ، ومن العلاجات التي استخدمها الامام ( عليه السلام ) :
  لم يتدخل في تشخيص كفاءة المدعي من قبل الشيعة وعلمائها و اعطائهم الحرية ليكتشفوا الطاقات التي يمتلكها وعلميّته و بالمقارنه بينه وبين الإمام موسى ( عليه السلام ) ، وجعل علاقته مع أخيه ودّية ولم يجعل من المشكلة سبباً للمقاطعة بدليل أنه دعاه للحضور في منزله ، واستخدم ( عليه السلام ) اسلوب المعجزة فقد قال المفضّل بن عمر : لمّا قضى الصادق ( عليه السلام ) كانت وصيّته في الإمامة الى موسى فادّعى أخوه عبد الله الإمامة وكان أكبر ولد جعفر في وقته ذلك هو المعروف بالافطح فأمر موسى ( عليه السلام ) بجمع حطب كثير فيوسط داره فأرسل الى أخيه عبدالله يسأله أن يصير إليه فلمّا صار عنده ومع موسى ( عليه السلام ) جماعة من وجوه الإمامية وجلس إليه أخوه عبدالله ، أمر موسى ( عليه السلام ) أن يجعل النار في ذلك الحطب كله فأحترق كله ولا يعلم الناس السبب فيه ، حتى صار الحطب كله جمراً ثم قام موسى ( عليه السلام ) بثيابه في وسط النار وأقبل يحدّث الناس ساعة ، ثم قام فنفض ثوبه ورجع الى المجلس ، فقال لاخيه عبد الله : " ان كنت تزعم انك الإمام بعد أبيك فاجلس في ذلك المجلس " ، فقالوا : رأينا عبد الله قد تغير لونه ، فقام يجرّ رداءه حتى خرج من دار موسى ( عليه السلام )(56) .

المؤمنون كجماعات صالحة مع الامام الكاظم (عليه السلام)
  لقد اسس الامام خلال فترة حكم العباسيين جماعة صالحة علمها المنهاج التربوي لتأصيل الامتداد الشيعي ليواجهوه التحديات والوقوف أمام عمليات الابادة التي بدأ الخلفاء بالتخطيط لها كلما شعروا بتوسيع دائرة أتباع الأئمة ( عليهم السلام ) . وكان منهج وخط اهل البيت ( عليهم السلام ) هو الرفض للظلم والظالمين وأخذ يعمّق في نفوسهم النزاهة والدقة في رفض الظلم ، ليمتلكوا وعياً سياسياً يحصّنهم من الانجراف مع التيار الحاكم أو الاستجابة لمخططات الاحتواء بشكل وآخر . ومن المناهج التربوية لمستوى المواجهة مع الجهاز الحاكم من جهة وحرصه على تفتيت دعائم الحكم القائم حيث أخذ الرشيد يحصي على أهل البيت ( عليهم السلام ) وشيعتهم أنفاسهم ويخطط لابادتهم .

موقف للامام (عليه السلام) مع صفوان بن مهران :

  دخل صفوان بن مهران الأسدي على الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام ) فقال له : " يا صفوان ، كل شيء منك حسن جميل ما خلا شيئا واحداً " .
  قال : جعلت فداك ، أي شيء هو ؟
  قال ( عليه السلام ) : اكراؤك جمالك من هذا الرجل ، يعني هارون الرشيد !
  قال : والله ما أكريته أشر اًولا بطراً ، ولا للصيد ، ولا للهو ، ولكن لهذا الطريق ـ يعني طريق مكة ـ ولا أتولاّه بنفسي ولكن أبعث معه غلماني .
  قال ( عليه السلام ) : يا صفوان أيقع كراك عليهم ؟ قال : نعم جعلت فداك .
  قال ( عليه السلام ) : أتحب بقاءهم حتى يخرج كراك ؟ قال : نعم .
  قال ( عليه السلام ) : من أحب بقاءهم فهو منهم ، ومن كان منهم فهو وارد للنار .
  وقام صفوان في الوقت فباع جماله وأعرض عن مهنته فبلغ ذلك هارون فأرسل خلفه ، فلما مثل عنده قال له ـ وهو يتميّز من الغيظ ـ : يا صفوان ! بلغني أنك بعت جمالك ، قال : نعم
  قال : ولم ؟
  قال : أنا شيخ كبير ، وإنّ الغلمان لا يفون بالأعمال .
  قال : هيهات هيهات !! اني لاعلم من أشار عليك بهذا ، أشار عليك موسى بن جعفر .
  قال : مالي ولموسى بن جعفر .
  قال : دع عنك هذا ، فوالله لولا حسن صحبتك لقتلتك " (57) .
  وسار الامام يطبق مارسمه للشيعة على شكل خطوات فشدد سلام الله عليه على أهمية الالتزام بالتقية كقيمة تحصينية .
  روى معمّر بن خلاد قال : سألت أبا الحسن موسى ( عليه السلام ) عن القيام للولاة ، فقال ( عليه السلام ) : قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : " التقية ديني ودين آبائي ، ولا ايمان لمن لا تقية له " (58) .

تأكيد الامام (عليه السلام) على مبدأ التقية :

  وحدّث درست بن أبي منصور ، قال : كنت عند أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) وعنده الكميت بن زيد ، فقال له الإمام ( عليه السلام ) : " أنت الذي تقول :
فالآن صرت الى أمية        والامور  الى iiمصائر
  فقال الكميت : قد قلت ذلك ، والله ما رجعت عن ايماني ، واني لكم لموال ولعدوكم لقال ، ولكن قد قلته على التقية فقال ( عليه السلام ) : " انّ التقية لتجوز على شرب الخمر " (59) .

خطوة النفوذ في السلطة العباسية
  لقد تصدر أصحاب الإمام ( عليه السلام ) مواقع سياسية مهمّة في الحكومة العبّاسية ، وقد أشترط عليهم التعاون وقضاء حوائج المؤمنين و الاّ فانه ينتفي غرض المهمة .
ومن ابرز هؤلاء الاجلاء :
  1 ـ علي بن يقطين : نشأ يقطين بالكوفة وكان يبيع الابزار وكان يقول بالإمامة ، وقد اتّصل بأبي العباس السفاح والمنصور والمهدي ، ولمّا انتقل يقطين الى دار الحق قام ولده علي مقامه فاتّصل اتصالا وثيقاً بالعبّاسيين ، وتولّى المناصب المهمّة في الدولة وكان عوناً للمؤمنين ، وقام بتزويج عدد منهم وكان يعيل قسماً كبيراً منهم .
  فقد حدّث سليمان كاتبه فقال : أحصيت لعلي من يحجّ عنه في عام واحد مائة وخمسين رجلا أقلّ من أعطاه منهم سبعمائة درهم وأكثر من أعطاه عشرة آلاف درهم وزوّج ثلاثة أو أربعة من أولاد الإمام الكاظم ( عليه السلام ) وانفق أموالا ضخمة فيوجوه البرّ والإحسان ، وتقلّد أعلى منصب في أيام المهدي ومن بعده عيّنه هارون وزيراً له وكان على اتّصال سرّي ودائم مع الإمام ( عليه السلام ) .
  2 ـ حفص بن غياث الكوفي ، ولي القضاء ببغداد الشرقية من قبل هارون ثم تولّى قضاء الكوفة وتوفي سنة ( 194 هـ )(60) .
  3 ـ عبد الله بن سنان بن طريف ، كان خازناً للمنصور والمهدي والهادي والرشيد(61) .
  4 ـ الفضل بن سليمان الكاتب البغدادي ، كان يكتب للمنصور والمهدي (62) .
  5 ـ محمد بن اسماعيل بن بزيع من صلحاء الطائفة ومن عيونها وأحد رواة حديث الإمام موسى ( عليه السلام ) كان ، مولى للمنصور وأحد وزراء الدولة العبّاسية (63) .
  6 ـ الحسن بن راشد مولى بني العبّاس : كان وزيراً للمهدي وموسى الهادي وهارون الرشيد(64) .

التعليم والفكر :

  قد ذكرت المصادر التاريخية ان للامام ( عليه السلام ) ( 319 ) صحابياً (65) .
  كل منهم تلقى العلم والمعرفة من الإمام الكاظم ( عليه السلام ) وقد خضعت هذه الجماعة بانتمائها الفكري الى برمجة متقنة يمكنها مواجهة التحديات الثقافية والفقهية والابداع في ميدانها الخاص ، وقد تميّز من بين أصحابه ستة بالصدق والأمانة وأجمع الرواة على تصديقهم فيما يروونه عن الأئمة ( عليهم السلام ) على أنه اشتهر بين المحدثين ثمانية عشر فقيهاً ومحدّثاً من أصحاب الأئمة الثلاثة : ( الباقر والصادق والكاظم ) وهم المعروفون بأصحاب الاجماع ، ستة من أصحاب " أبي جعفر " وستة من أصحاب " أبي عبدالله " وستة من أصحاب " أبي الحسن موسى ( عليهم السلام ) " ، وهم : " يونس بن عبد الرحمن " ، و " صفوان بن يحيى بياع السابري " ، و" محمد بن أبي عمير " ، و " عبدالله بن المغيرة " ، و " الحسن ابن محبوب السرّاد " ، و " أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي "(66) . هذا في المجال الفقهي أما الميادين الفكرية الاُخرى مثل الكلام والقرآن ، واللغة و ما شاكل ذلك فلها أيضاً نخبة متخصصة فيه .

في قعر السجون وظلم المطامير :
  ( اللهم صل على محمد و آل محمد و صل على موسى بن جعفر ، الذى كان يحى الليل بالسهر الى السحر بمواصلة الاستغفار حليف السجدة الطويلة والدموع الغزيرة الكثيرة و الضراعات المتصلة ) .
  هذا مانقوله في زيارة الامام الكاظم ( عليه السلام ) لقد كان المرتزقة المتملقين يكثرون الوشاية على الامام ( عليه السلام ) خصوصا عندما عارض الامام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) سياسة هارون الظالم وعمد فريق من باعة الضمير والدين الذين انعدمت من نفوسهم الإنسانية إلى السعي بالإمام ( عليه السلام ) وبالوشاية به عند الطاغية هارون ليتزلفوا إليه بذلك ، وينالوا من دنياه ، وقد بلي بهم الإسلام والمسلمون ، وبهؤلاء الأوغاد يستعين الظالمون في جميع مراحل التاريخ على تنفيذ خططهم الرامية إلى إشاعة الظلم والجور والفساد في الأرض .
  ولم تتوقف حملات امامنا الاعلامية والفتوى ضد هارون ، وكان هارون يسمع بكل هذا و من جهة اخرى فان الناس التفوا حول الامام الكاظم باعتباره كبير الطالبين و زعيم آل محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) و وارث علوم الائمة الهداة ، و كان الامام ألمع الشخصيات الإسلامية في ذلك العصر فهو من أئمة المسلمين ، وقد أجمع المسلمون على اختلاف مذاهبهم وقد تحدث الناس في عصره عن علومه وتقواه وورعه ومكارمه ، وكان هارون نفسه ممن يجله ويعتقد بأن الخلافة الإسلامية هو أولى بها منه كما حدث بذلك المأمون ، فقد قال لندمائه :
  أتدرون من علمني التشيع؟
  فانبروا جميعاً قائلين: لا والله ما نعلم .
  علمني ذلك الرشيد .
  فقالوا : كيف ذلك ؟ والرشيد كان يقتل أهل هذا البيت !!
  قال : كان يقتلهم على الملك لأن الملك عقيم .
  ثم أخذ يحدثهم عن ذلك قائلا ً: لقد حججت معه سنة فلما انتهى إلى المدينة قال : لا يدخل عليَّ رجل من أهلها أو من المكيين سواء كانوا من أبناء المهاجرين والأنصار أو من بني هاشم حتى يعرّفني بنسبه وأسرته ، فأقبلت إليه الوفود تترى وهي تعرّف الحاجب بأنسابها، فيأذن لها ، وكان يمنحها العطاء حسب مكانتها ومنزلتها ، وفي ذات يوم أقبل الفضل بن الربيع حاجبه وهو يقول له : رجل على الباب ، زعم أنه موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) .
  فلما سمع ذلك هارون أمر جلساءه بالوقار والهدوء ، ثم قال لرئيس تشريفاته : ائذن له، ولا ينزل إلا على بساطي .
  وأقبل الإمام ( عليه السلام ) وقد وصفه المأمون فقال : إنه شيخ قد انهكته العبادة كأنه شن بال قد كلم السجود وجهه ، فلما رآه هارون قام إليه وأراد الإمام أن ينزل عن دابته ، فصاح الرشيد لا والله إلا على بساطي فمنعه الحجاب من الترجل ، ونظرنا إليه بالإجلال والإعظام ، وسار راكباً إلى البساط ، والحجاب وكبار القوم محدقون به ، واستقبله هارون ، فقبل وجهه وعينيه ، وأخذ بيده حتى صيره في صدر مجلسه وأقبل يسأله عن أحواله ويحدثه ، ثم قال له : يا أبا الحسن، ما عليك من العيال؟
  قال الإمام : يزيدون على الخمسمائة .
  قال هارون : أولاد كلهم ؟
  قال الإمام : لا ، أكثرهم موالي وحشمي ، فأما الولد فلي نيف وثلاثون ثم بيّن له عدد الذكور والإناث .
  فقال هارون : لم لا تزوّج النسوة من بني عمومتهن ؟
  قال الإمام : اليد تقصر عن ذلك .
 قال هارون : فما حال الضيعة ؟
  قال الإمام : تعطي في وقت وتمنع في آخر .
  قال هارون : فهل عليك دين ؟
  قال الإمام : نعم .
  قال هارون : كم ؟
  قال الإمام : نحو من عشرة آلاف دينار .
  قال هارون : يا بن العم ، أنا أعطيك من المال ما تزوّج به أولادك وتعمر به الضياع .
  قال الإمام : وصلتك رحم يا بن العم ، وشكر الله لك هذه النية الجميلة ، والرحم ماسة واشجة ، والنسب واحد، والعباس عم النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وصنو أبيه ، وعم علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وصنو أبيه ، وما أبعدك الله من أن تفعل ذلك ، وقد بسط يدك ، وأكرم عنصرك ، وأعلى محتدك .
  فقال هارون : أفعل ذلك يا أبا الحسن ، وكرامة .
  فقال له الإمام : إن الله عز وجل قد فرض على ولاة العهد أن ينعشوا فقراء الأمة ، ويقضوا على الغارمين ، ويؤدوا عن المثقل ويكسوا العاري ، وأنت أولى من يفعل ذلك .
  قال هارون : أفعل ذلك يا أبا الحسن .
  ثم انصرف الإمام ( عليه السلام ) ، فقام هارون تكريماً له فقبّل ما بين عينيه ووجهه ثم التفت إلى أولاده فقال لهم : قوموا بين يدي عمكم وسيدكم ، وخذوا بركابه وسووا عليه ثيابه وشيعوه إلى منزله ، فانطلقوا مع الإمام بخدمته وأسرّ ( عليه السلام ) إلى المأمون فبشره بالخلافة وأوصاه بالإحسان إلى ولده .
  ولما فرغوا من القيام بخدمة الإمام وإيصاله إلى داره ، قال المأمون : كنت أجرأ ولد أبي عليه ، فلما خلا المجلس قلت له : يا أمير المؤمنين ، من هذا الرجل ؟ الذي عظمته وقمت من مجلسك إليه فاستقبلته وأقعدته في صدر المجلس ، وجلست دونه ثم أمرتنا بأخذ الركاب له .
  قال هارون : هذا إمام الناس وحجة الله على خلقه وخليفته على عباده .
  قال المأمون : يا أمير المؤمنين أو ليست هذه الصفات كلها لك وفيك ؟
  قال هارون : أنا إمام الجماعة في الظاهر بالغلبة والقهر وموسى بن جعفر إمام حق ، والله يا بني إنه لأحق بمقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) مني ومن الخلق جميعاً ، و والله لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عينيك فإن الملك عقيم .
  وبقي هارون في يثرب مدة من الزمن ، فلما أزمع على الرحيل منها أمر للإمام بصلة ضئيلة قدرها مائتا دينار ، وأوصى الفضل بن الربيع أن يعتذر له عند الإمام ، فانبرى إليه المأمون وهو مستغرب من قلة صلته مع كثرة تعظيمه وتقديره له قائلاً: يا أمير المؤمنين : تعطي أبناء المهاجرين والأنصار ، وسائر قريش وبني هاشم ، ومن لا يعرف نسبه خمسة آلاف دينار ، وتعطي موسى بن جعفر وقد عظمته وأجللته مائتي دينار أخس عطية أعطيتها أحداً من الناس ، فثار هارون وصاح في وجهه قائلاً : اسكت ، لا أم لك ، فإني لو أعطيت هذا ما ضمنته له ما كنت آمنه أن يضرب وجهي بمائة ألف سيف من شيعته ومواليه ، وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم (67) .
  وكان يعتقد هارون بأمامة الامام الكاظم ( عليه السلام ) وأن الخلافة الإسلامية من حقوقه الخاصة ، وأنه ليس هناك أحد أولى بها منه ، ولكن الذي دعاه ودعا غيره إلى سلبها منه ومن آبائه هو حب الدنيا فالملك عقيم .
  لقد كان هارون يعلم بمكانة الإمام ، ويعتقد أنه خليفة الله على عباده وأنه وارث علوم الأنبياء ، وكان يسأله عما يجري بعده من الأحداث فكان ( عليه السلام ) يخبره بذلك ، وقد سأله عن الأمين والمأمون فأخبره بما يقع بينهما فحزّ ذلك في نفسه ، وتألم أشد الألم وأقساه .
  فقد روى الأصمعي قال : دخلت على هارون ، وكنت قد غبت عنه بالبصرة حولاً فسلمت عليه بالخلافة ، فأومأ لي بالجلوس قريباً منه فجلست قريباً ، ثم نهضت ، فأومأ لي أن أجلس فجلست حتى خف الناس ثم قال لي : يا أصمعي ألا تحب أن ترى محمداً وعبد الله ابني ؟
  قلت : بلى يا أمير المؤمنين ، إني لأحب ذلك ، وما أردت القصد إلا إليهما لأسلم عليهما ، وأمر هارون العباسي بإحضارهما ، فأقبلا حتى وقفا على أبيهما وسلما عليه بالخلافة ، فأومأ لهما بالجلوس ، فجلس محمد عن يمينه ، وعبد الله على يساره ثم أمرني بمطارحتهما الأدب فكنت لا ألقي عليهما شيئاً في فنون الأدب إلا أجابا فيه ، وأصابا .
  فقال هارون : كيف ترى أدبهما ؟
  فقلت : يا أمير المؤمنين ما رأيت مثلهما في ذكائهما ، وجودة فهمهما وذهنهما ، أطال الله بقاءهما ، ورزق الله الأمة من رأفتهما وعطفهما .
  فأخذهما العباسي هارون وضمهما إلى صدره ، وسبقته عبرته فبكى حتى انحدرت دموعه على لحيته ، ثم أذن لهما في القيام فنهضا ، وقال : يا أصمعي كيف بهما إذا ظهر تعاديهما ، وبدا تباغضهما ، ووقع بأسهما بينهما ، حتى تسفك الدماء ، ويود كثير من الأحياء أنهما كانا موتى ؟!
  فبهر الأصمعي من ذلك وقال له : يا أمير المؤمنين هذا شيء قضى به المنجمون عند مولدهما أو شيء أثرته العلماء في أمرهما !!
  فقال هارون وهو واثق بما يقول : لا بل شيء أثرته العلماء عن الأوصياء عن الأنبياء في أمرهما .
  قال المأمون : كان الرشيد قد سمع جميع ما يجري بيننا من موسى بن جعفر حياة الحيوان ، للدميري : ج1 (ص77) .
  ولقد كان هارون يحمل حقدا لكل شخصية مرموقة لها المكانة العليا في عصره والسبب في ذلك لئلا يزهد الناس فيه ، وقد حاول أن يحتكر الذكر الحسن لنفسه ولذاته .
  لقد حسد هارون البرامكة لما ذاع اسمهم ، وتحدثت الناس عن مكارمهم فقد أخذ الحقد ينخر في قلبه حتى أنزل بهم العقاب الأليم فمحا وجودهم وأزال ظلهم من الأرض ، وكان من الطبيعي أن يحقد على الإمام موسى ( عليه السلام ) لأنه ألمع شخصية في عصره ، فقد تناقل الناس فضائله ، وتحدثت جميع الأوساط عن علمه ومواهبه ، وذهب جمهور غفير من المسلمين إلى إمامته وأنه أحق بمنصب الخلافة منه ، وكان يذهب إلى فكرة الإمامة كبار الموظفين في سلك دولته كعلي بن يقطين ، وابن الأشعث وغيرهما ، وكان هارون نفسه من الذين يؤمنون بأن الإمام هو أولى منه بهذا المنصب الخطير ، كما أدلى بذلك .
  وقد عبر عن مدى حرصه على سلطته بكلمته المعروفة التي تناقلتها الأجيال وهي : لو نازعني رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لأخذت الذي فيه عيناه .
  وكان أبغض شيء إليه أن يرى عميد العلويين وسيدهم الإمام موسى ( عليه السلام ) في دعة واطمئنان وأمان ، فلم يرق له ذلك دون أن ينكل به فدفعه لؤمه وعداؤه الموروث إلى سجنه وحرمان الأمة الإسلامية من الاستفادة بعلومه ونصائحه وتوجيهاته .
  من الأسباب التي حفزت هارون لاعتقال الإمام وزجّه في غياهب السجون احتجاجه ( عليه السلام ) عليه بأنه أولى بالنبي العظيم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من جميع المسلمين فهو أحد أسباطه ووريثه ، وأنه أحق بالخلافة من غيره ، وقد جرى احتجاجه ( عليه السلام ) معه في مرقد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وذلك حينما زاره هارون وقد احتف به الوجوه والأشراف وقادة الجيش وكبار الموظفين في الدولة ، فقد أقبل بوجهه على الضريح المقدس وسلم على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قائلاً : (السلام عليك، يا بن العم).
  وقد اعتز بذلك على من سواه وافتخر على غيره برحمه الماسة من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأنه إنما نال الخلافة لقربه من الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وكان الإمام آنذاك حاضراً فسلم على النبي ( صلى الله عليه وآله ) قائلا ً: ( السلام عليك يا أبت ) .
  ففقد هارون صوابه واستولت عليه موجات من الاستياء حيث قد سبقه الإمام إلى ذلك المجد والفخر فاندفع قائلاً بنبرات تقطر غضباً : لم قلت إنك أقرب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) منا؟
  فأجابه ( عليه السلام ) بجواب لم يتمكن الرشيد من الرد عليه أو المناقشة فيه قائلاً : ( لو بُعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حياً وخطب منك كريمتك هل كنت تجيبه إلى ذلك ؟ )
  فقال هارون : سبحان الله !! وكنت أفتخر بذلك على العرب والعجم .
  فانبرى الإمام مبيناً له الوجه في قربه من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) دونه قائلاً : ( لكنه لا يخطب مني ولا أزوجه لأنه والدنا لا والدكم فلذلك نحن أقرب إليه منكم ) .
  وأراد (عليه السلام) أن يدعم قوله ببرهان آخر فقال لهارون : ( هل كان يجوز له أن يدخل على حرمك وهن مكشفات ؟ ) .
  فقال هارون : لا .
  فقال الإمام : ( لكن له أن يدخل على حرمي ويجوز له ذلك فلذلك نحن أقرب إليه منكم )(68) .
  واندفع هارون بعد ما أعياه الدليل إلى منطق العجز ، فأمر باعتقال الإمام ( عليه السلام ) وزجه في السجن(69) .
  ذكروا : أنّ هارون العباسي قبضه عليه السلام لمّا ورد إلى المدينة قاصداً للحجّ ، وقيّده واستدعى قبّتين جعله في إحداهما على بغل وجعل القبّة الأخرى على بغل آخر ، وخرج البغلان من داره مع كلّ واحد منهما خيل ، فافترقت الخيل فمضى بعضها مع إحدى القبّتين على طريق البصرة ، وبعضها مع الأخرى على طريق الكوفة ، وكان عليه السلام في القبة التي تسير على طريق البصرة ـ وإنّما فعل ذلك هارون ليعمي على الناس الخبر ـ وأمر أن يُسلّم إلى عيسى بن جعفر بن المنصور فحبسه عنده سنة ، ثمّ كتب إليه الرشيد في دمه فاستعفى عيسى منه ، فوجّه الرشيد من تسلّمه منه ، وصيّر به إلى بغداد ، وسلّم إلى الفضل بن الربيع وبقي عنده مدّة طويلة ، ثمّ أراده الرشيد على شيء من أمره فأبى فأمر بتسليمه إلى الفضل بن يحيى، فجعله في بعض دوره ووضع عليه الرصد ، فكان عليه السلام مشغولاً بالعبادة ، يحيي الليل كلّه صلاة وقراءة للقرآن ، ويصوم النهار في أكثر الأَيّام ، ولا يصرف وجهه عن المحراب ، فوسّع عليه الفضل بن يحيى وأكرمه .
  فبلغ ذلك هارون وهو بالرقّة فكتب إليه يأمره بقتله ، فتوقّف عن ذلك ، فاغتاظ هارون لذلك وتغّير عليه وأمر به فأدخل على العبّاس بن محمد وجرّد وضرب مائة سوط ، وأمر بتسليم موسى بن جعفر عليهما السلام إلى السندي ابن شاهك .

الإمام ( عليه السلام ) في سجن البصرة :

  كان المأمور بحراسة الإمام ( عليه السلام ) أثناء الطريق من المدينة الى البصرة حسان السروي (70) .
  وقبل أن يصل الى البصرة تشرّف بالمثول بين يديه عبدالله ابن مرحوم الازدي فدفع له الإمام كتباً وأمره بايصالها الى وليّ عهده الإمام الرضا وعرّفه بأنه الإمام من بعده(71) .
  وسارت القافلة تطوي البيداء حتى وصلت البصرة ، وأخذ حسّان الإمام ودفعه الى عيسى بن أبي جعفر فحبسه في بيت من بيوت المحبس وأقفل عليه أبواب السجن فكان لا يفتحها الاّ في حالتين : احداهما في خروجه للطهور ، والاُخرى لادخال الطعام له ( عليه السلام ) .

عمل الامام (عليه السلام) داخل السجن
  من الاولويات التي تميز بها الامام داخل السجن هي النشاط العبادي والتوجه لله سبحانه وتعالى ، فكان مابين ساجد وراكع وداعي لله عزوجل .
  وقد تأثرت اُخت الجلاّد السندي بن شاهك عندما شاهدت من اقبال الإمام وطاعته لله والتي أثّرت في نفسها بعد ذلك واصبحت من المؤمنات ، فكانت تعطف على الإمام ( عليه السلام ) وتقوم بخدمته وإذا نظرت اليه أرسلت ما في عينيها من دموع وهي تقول : خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل (72) .
  واتصل العلماء بالامام داخل السجن مثل موسى بن إبراهيم المروزي و جماعة من العلماء والرواة وقد سمح له السندي بذلك لأنّه كان معلّماً لولده ، وقد ألّف موسى بن إبراهيم كتاباً مما سمعه من الإمام (73) .
  وكان الامام يجيب على استفتائات السائلين من الاقاليم الاسلامية التي ترسل بيد مبعوث ، وممن جاءه هناك علي بن سويد ، فقد اتّصل بالإمام ( عليه السلام ) وسلّم إليه الكتب فأجابه ( عليه السلام ) (74) .
  وكذلك نصب الامام وكلاء عنه لتسلم الحقوق الشرعية وتسليمها للمستحقين من المسلمين وأرجع إليهم شيعته لأخذ الأحكام الإسلامية منهم ، وهم من طلبته وتلامذته ، فقد نصب المفضل بن عمر وكيلا له في قبض الحقوق وأذن له في صرفها على مستحقيها (75) .
  ونصب الإمام ( عليه السلام ) من بعده ولده الإمام الرضا ( عليه السلام ) فجعله علماً لشيعته ومرجعاً لاُمة جدّه ، فقد حدّث الحسين بن المختار ، قال : لمّا كان الإمام موسى ( عليه السلام ) في السجن خرجت لنا ألواح من عنده وقد كتب فيها " عهدي الى أكبر ولدي (76) ، وأوصى الإمام ( عليه السلام ) ولده الإمام الرضا ( عليه السلام ) وعهد إليه بالأمر من بعده على صدقاته ونيابته عنه في شؤونه الخاصة والعامة وقد أشهد عليها جماعة من المؤمنين وقبل أن يدلي بها ويسجّلها أمر باحضار الشهود ، ويسجل لنا التاريخ قول الامام الكاظم ( عليه السلام ) عندما طلب منه خواص الشيعة ان يوسط لاخراجه من السجن فكان رد الامام : حدثني أبي عن آبائه أن الله عزّ وجلّ أوحى الى داود ، يا داود إنه ما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي دوني ، وعرفت ذلك منه الاّ قطعت عنه أسباب السماء ، و أسخت الأرض من تحته " (77) .
  وبعد مكث الامام فترة طويلة بالسجن وتحديه لهارون وصموده أخذ الظالم العباسي بالضغوط على الامام وارسل اليه جاريه أنفذ هارون الى الإمام( عليه السلام ) جارية وضّاءة بارعة في الجمال والحسن ، أرسلها بيد أحد خواصّه لتتولى خدمة الإمام ظانّاً أنه سيفتتن بها ، فلما وصلت إليه قال ( عليه السلام ) لمبعوث هارون : قل لهارون : بل أنتم بهديتكم تفرحون ، لا حاجة لي في هذه ولا في أمثالها .
  فرجع الرسول ومعه الجارية وأبلغ هارون قول الإمام ( عليه السلام ) فالتاع غضباً وقال له : ارجع إليه ، وقل له : ليس برضاك حبسناك ولا برضاك أخدمناك واترك الجارية عنده، وانصرف .
  فرجع ذلك الشخص وترك الجارية عند الإمام ( عليه السلام ) وأبلغه بمقالته ، وأنفذ هارون خادماً له الى السجن ليتفحص عن حال الجارية ، فلما انتهى إليها رآها ساجدة لربّها لا ترفع رأسها وهي تقول في سجودها : قدوس ، قدوس .
  فمضى الخادم مسرعاً فأخبره بحالها فقال هارون : سحرها والله موسى ابن جعفر ، عليّ بها ، فجيئ بها إليه ، وهي ترتعد قد شخصت ببصرها نحو السماء وهي تذكر الله وتمجّده ، فقال لها هارون : ما شأنك ؟!
  قالت : شأني الشأن البديع ، إني كنت عنده واقفة وهو قائم يصلّي ليله ونهاره ، فلمّا انصرف من صلاته قلت له : هل لك حاجة أُعطيكها ؟
  فقال الإمام ( عليه السلام ) : وما حاجتي إليك ؟
  قلت : إني اُدخلت عليك لحوائجك .
  فقال الإمام ( عليه السلام ) : فما بال هؤلاء ـ واشار بيده الى جهة ـ فالتفتُّ فاذا روضة مزهرة لا أبلغ آخرها من أولها بنظري ، ولا أولها من آخرها ، فيها مجالس مفروشة بالوشي والديباج ، وعليها وصفاء و وصايف لم أر مثل وجوههنّ حسناً ، ولا مثل لباسهنّ لباساً ، عليهن الحرير الأخضر ، و الاكاليل والدر والياقوت ، وفي أيديهن الاباربق والمناديل ، ومن كل الطعام ، فخررت ساجدة حتى أقامني هذا الخادم ، فرأيت نفسي حيث كنت .
  فقال لها هارون وقد اترعت نفسه بالحقد : يا خبيثة لعلّك سجدت ، فنمت فرأيت هذا في منامك !
  قالت لا والله يا سيدي ، رأيت هذا قبل سجودي ، فسجدت من أجل ذلك .
  فالتفت الرشيد الى خادمه ، وأمره باعتقالها و اخفاء الحادث لئلاّ يسمعه أحد من الناس ، فأخذها الخادم ، واعتقلها عنده ، فأقبلت على العبادة والصلاة ، فاذا سئلت عن ذلك قالت : هكذا رأيت العبد الصالح (78) .
  رسالة الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام ) لهارون عن محمد بن اسماعيل قال: بعث موسى بن جعفر ( عليه السلام ) الى الرشيد من الحبس رسالة كانت : " انه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلاّ انقضى عنك معه يوم من الرخاء ، حتى نقضي جميعاً الى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون "(79) .
  و هذا ما زود مخاوف هارون من الامام ( عليه السلام ) فقرر ان يسجنه .

محاولة سم الامام الكاظم (عليه السلام) واستشهاده :

  قطع هارون عليه فرض صلاته ، قسرا وأظهر كامن الاحقاد ، لم يتحمل هارون سماعه لمناقب الإمام ومآثره وانتشارها بين الناس فعزم على قتله ، فدعا برطب وأخذ رطبة من ذلك الرطب المهيّأ له ، فوضع فيها سماً ، وقال لخادمه احمله الى موسى بن جعفر وقل له : إنّ أمير المؤمنين أكل من هذا الرطب ويقسم عليك بحقه لمّا أكلته عن آخره فاني اخترته لك بيدي ولا تتركه يبقي شيئاً ولا يطعم منه أحداً .
  فحمل الخادم الرطب وجاء به الى الإمام ( عليه السلام ) وأبلغه برسالة هارون فأخذ الإمام يأكل من الرطب وكانت للرشيد كلبة عزيزة عنده ، فجذبت نفسها وخرجت تجرّ بسلاسلها الذهبية حتى حاذت الإمام ( عليه السلام ) فبادر بالخلال الى الرطبة المسمومة ورمى بها الى الكلبة فأكلتها فلم تلبث أن ضربت بنفسها الأرض وماتت ، واستوفى الإمام باقي الرطب وباء مخطط الرشيد بالفشل والخيبة فلم تنجح محاولته في اغتيال الإمام ( عليه السلام ) فأنقذه الله منه وصرف عنه السوء (80) .
  وبعد أن عانى الامام أقسى ألوان الخطوب والتنكيل بالقيود وبعد ما صبّ الرشيد عليه جميع أنواع الأذى أقدم على قتله بشكل لم يسبق له نظير ، و أن هارون العباسي أوعز الى السندي بن شاهك الأثيم بقتل الإمام ( عليه السلام ) فاستجابت نفسه الخبيثة لذلك وأقدم على تنفيذ أفضع جريمة في الإسلام فاغتال حفيد النبي العظيم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
  فعمد السندي الى رطب فوضع فيه سماً فاتكاً وقدّمه للإمام فأكل منه عشر رطبات فقال له السندي " زد على ذلك " فرمقه الإمام بطرفه وقال له : " حسبك قد بلغت ما تحتاج اليه " .
  ولمّا تناول الإمام تلك الرطبات المسمومة تسمّم بدنه وأخذ يعاني آلاماً شديدة واوجاعاً قاسية ، قد حفت به الشرطة القساة ولازمه السندي بن شاهك الخبيث فكان يسمعه في كل مرة أخشن الكلام وأغلظه ومنع عنه جميع الاسعافات ليعجل له النهاية المحتومة.
  وفي الاثناء استدعى السندي بعض الشخصيات والوجوه المعروفة في قاعة السجن ، وكانوا ثمانين شخصاً كما حدّث بذلك بعض شيوخ العامة ـ حيث يقول : أحضرنا السندي فلما حضرنا انبرى إلينا فقال : انظروا الى هذا الرجل هل حدث به حدث ؟ فإنّ الناس يزعمون أنّه قد فُعل به مكروه ، ويكثرون من ذلك ، وهذا منزله وفراشه موسّع عليه غير مضيّق، ولم يرد به أمير المؤمنين ـ يعني هارون ـ سوءاً وإنما ينتظره أن يقدم فيناظره ، وها هو ذا موسّع عليه في جميع اُموره فاسألوه .
  يقول الراوي : ولم يكن لنا همّ سوى مشاهدة الإمام ( عليه السلام ) ومقابلته فلما دنونا منه لم نر مثله قطّ في فضله ونسكه فانبرى إلينا وقال لنا : " أما ما ذكر من التوسعة ، وما أشبه ذلك ، فهو على ما ذكر ، غير أني أُخبركم أيها النفر أني قد سقيت السمّ في تسع تمرات ، واني اصفر غداً وبعد غد أموت " .
  ولمّا سمع السندي ذلك انهارت قواه واضطرب مثل السعفة التي تلعب بها الرياح العاصفة (81) .
  فقد أفسد عليه ما رامه من الحصول على البراءة من المسؤولية في قتله .
  استشهد مظلوماً في حبس السندي بن شاهك في ( 25 ) من رجب سنة ( 183 هـ ) واستشهد صلوات الله عليه بعد مضيّ خمس عشرة سنة من ملكه مسموماً في حبس السنديّ بن شاهك ، ودفن بمدينة السلام في المقبرة المعروفة بمقابر قريش في بغداد (82) .

دفـنـه عليه السلام
  ولما استشهد صلوات الله عليه أدخل السنديّ عليه الفقهاء ووجوه الناس من أهل بغداد وفيهم الهيثم بن عديّ ، فنظروا إليه لا أثر به من جراح ولا خنق ، ثمّ وضعه على الجسر ببغداد ، وأمر يحيى بن خالد فنودي : هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنّه لا يموت قد مات فانظروا إليه ، فجعل الناس يتفرّسون في وجهه وهو ميّت ، ثمّ حمل فدفن في مقابر قريش ، وكانت هذه المقبرة لبني هاشم والأَشراف من الناس قديماً(83) .
  وروي: أنّه عليه السلام لمّا حضرته الوفاة سأل السندي بن شاهك أن يحضره مولى له مدنيّاً ينزل عنه دار العبّاس في مشرعة القصب ليتولّى غسله وتكفينه ، ففعل ذلك ، قال السندي بن شاهك : وكنت سألته أن يأذن لي في أن أكفّنه فأبى وقال : " أنّا أهل بيت مهور نسائنا وحجّ صرورتنا وأكفان موتانا من طاهر أموالنا ، وعندي كفني وأريد أن يتولّى غسلي وجهازي مولاي فلان " فتولّى ذلك منه(84) .
  وقيل : إن سليمان بن أبي جعفر المنصور أخذه من أيديهم وتولّى غسله وتكفينه ، وكفّنه بكفن فيه حبرة استعملت له بألفي وخمسمائة دينار ، مكتوب عليها القرآن كلّه ، ومشى في جنازته حافياً مشقوق الجيب إلى مقابر قريش فدفنه هناك (85) .
  قال آية الله السيد محمد جمال الهاشمي طاب ثراه
ذكــراك نـور لـلحياة و نـار        تـبكى و تـهتف باسمها الاحرار
يـا  سابع الانوار فى الافق iiالذى        لـمـحمد  تـنمى لـه iiالانـوار
و  مـكافح الـطغيان لم تلفح له        نـار،  و لـم يـشهر لـه iiبتار
كـالنور يـخترق المدى بشعاعه        فـتنار فـى امـواجه iiالاغـوار
او كـالربيع يـبث فـى iiنسماته        روحـاً  بـه تـتنفس iiالاشـجار
قـد  كـنت ترسلها لجيلك iiدعوة        تـجرى عـلى تـوجيهها الابرار
فـتهز اصـنام الـطغاة iiفـتنثنى        مـنها،  و كـل وجـودها iiانكار
لـم يـكفهم حكم البلاد و ما iiبها        مـن  قـوة فـيها الـحياة iiتدار
كـل  المشارف ملكهم فلهم على        كـل  الـمشارف شارة و iiشعار
دنـيا  الـرشيد، و أنها iiاسطورة        بـفـصولها تـتـندر iiالاسـمار
لـم تـعرض الاجيال مثل iiحياتها        أبـداً، و لـم تـحفظ لـنا iiالآثار
قـبعت  فـى كن يرى فى iiجانب        مـنه حـصير قـد عـلاه iiغبار
كـن اهـل الـبيت قد زهدوا iiبما        هـامت بـه الاغـيار و الاغرار
أأبـا الـرضا و الشعر iiيقصرفنه        عـن  أن تـنال بـمدحه الاقمار
لـكن حـبى شـافع لـى iiحينما        يـشدو بـحمدك شـعرى iiالهدار
هـذى مـواقفك الـتى iiاعجازها        كـالفجر  تـهدم عرشها iiالأغيار
ورأتـك سدّاً دون ما تبغى، و iiما        تـبغى  فـناء لـلهدى و دمـار
فـمشى لـيجلبك هارون iiلسجنه        فـكان سـجنك عـزة و iiفـخار
أخفاك مثل الشمس تحجب، و هى        فـى طـاقاتها تـتزود iiالأقـطار
و  السجن يصبح فيك مدرسة بها        تـتـوجه الـلقطاء و iiالأغـمار
و  نـقلت (لـلسندى) أخبث فاتك        مــن كـيده تـتبرء iiالأشـرار
قـاسيت مـنه نوائباً فى iiوصفها        بـكى الـبيان و تـندب iiالأشعار
كـان هـارون يوجه الجزار iiفى        مـا  يـرتاى، فـيطبق iiالـجزار
هـل  كـان يـحمل للنبى و iiآله        تـرة،  و فـيك سـتدرك الأوتار
لـم  يسترح حتى صرعت iiبسمه        يـرعاك سـجن موحش و iiاسار
و  سـرت بـنعشك مثقلاً iiبقيوده        و  كـانما هـو كـوكب iiسـيار
وضعته  فوق الجسر تقصد iiهتكه        فـئة  يـلطخ صـفحتيها الـعار
صـاحت عـليه لكى تحط iiمقامه        فـسما  و حـلق مـجده iiالطيار
رامـت  لـتطفىء نوره، فاذا iiبه        فـجـر  بـه تـتمزق الأسـتار

وضع الإمام على الجسر :

  واخذ هارون يتنصل عن قتل الامام ( عليه السلام ) ليس أمام الشيعة فحسب وإنما أمام الاُمة الإسلامية كلّها ، وأن تكون طريقة التخلّي من مسؤولية الحادث بأن يستبطن أن المقتول ما هو إلاّ رجل عادي لا وزن له ، فعلام هذا التضخيم والتهويل والتشكيك بموته ؟
  فتخطّى السندي بن شاهك بالاُسلوب التالي : حيث وضع الإمام على جسر الرصافة وهو ميت ينظر إليه القريب والبعيد وتتفرّج عليه المارّة قد أحاطت بجثمانه المقدّس شرطة الطاغية القاتل وكشفت وجهه للناس قاصدين بذلك انتهاك حرمته ( عليه السلام ) والحط من كرامته والتشهير به ، وقد أمر السندي جلاوزته أن ينادوا على جثمان الإمام بذلك النداء المؤلم الذي تذهب النفوس لهوله أسى وحسرة : " هذا إمام الرافضة فاعرفوه " هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنه لايموت فانظروا إليه ميتاً .
  متى قالت الشيعة إنّ الإمام موسى لا يموت ؟
  نعم قالت الواقفية بذلك والشيعة منهم براء وهارون وجلاوزته أعلم من غيرهم بهذه الحقيقة ، لكنه وسيلة من وسائل التشهير وإلصاق التهم بالشيعة بسبب أن الواقفية تذهب الى أن الإمام موسى حي لم يمت وأنه رفع الى السماء كما رفع المسيح عيسى بن مريم .
  بهذا الاُسلوب حاولت الاجهزة الحاكمة أن تنسب هذا الرأي للشيعة ظلماً ، وتبرر الإهانة والاذلال وقد لُحق النداء المذكور بهذا المقطع : ألا من أراد أن يرى الخبيث بن الخبيث موسى بن جعفر فليخرج(86) .
  وقد حاول هارون بهذا الاُسلوب ـ بالإضافة الى احتقار الشيعة و اذلالهم ـ الوقوف على العناصر الفعّالة منهم والتعرف على مدى نشاطها وحماسها ، عن طريق هذا الاستفزاز الصارخ والاعتداء على كرامة الإمام ( عليه السلام ) أمامها كأسلوب ماكر للتخلّص من خطرهم ليساقوا بعد ذلك للسجون والقبور .
  يقول الشيخ باقر القرشي : وأكبر الظن أنّ الشيعة قد عرفت هذا القصد ، فلذا لم تقم بأيّ عمل إيجابي ضده(87) .

مبادرة سليمان :
  كان سليمان بن أبي جعفر المنصور رجلا محنّكاً وذا عقل متزن ، وقد رأى أنّ الاعمال التي قام بها هارون ما هي إلاّ لطخة سوداء في جبين العباسيين ، فإنّ هارون لم يكتف باغتيال الإمام ودسّ السمّ إليه بل ارتكب جملة من الأعمال الوحشية التي تدل على أنه لا عهد له بالشرف والنبل والمعروف والإنسانية من هنا بادر سليمان ـ حين سمع نبأ اخراج جنازة الإمام الى الجسر والنداء الفظيع على جثمانه الطاهر ـ وحاول أن يتلافى الموقف بالتي هي أحسن .
  إنّ قصر سليمان كان مطلاًّ على نهر دجلة وحين سمع النداء والضوضاء ورأى بغداد قد اضطربت ، قال لولده وغلمانه : ما هذا ؟
  قالوا : السندي بن شاهك ينادي على موسى بن جعفر ، وأخبروه بذلك النداء الفظيع .
  فصاح بولده قائلا : انزلوا مع غلمانكم فخذوه من أيديهم فان مانعوكم فأضربوهم ، وخرقوا ما عليهم من سواد ـ وهو لباس الشرطة والجيش ـ .
  وانطلق أبناء سليمان وغلمانه الى الشرطة فأخذوا جثمان الإمام منهم ، ولم تبد الشرطة معهم أية معارضة ، فسليمان عم الخليفة وأهم شخصية لامعة في الاُسرة العبّاسية وأمره مطاع عند الجميع ، وحمل الغلمان نعش الإمام ( عليه السلام ) فجاءوا به الى سليمان فأمر في الوقت أن ينادى في شوارع بغداد : ألا من أراد أن يحضر جنازة الطيب بن الطيب موسى بن جعفر فليحضر(88).
  وأكبر الظن أن سليمان خاف من انتفاضة شعبية أو تمرّد عسكري لأن الشيعة لم تكن قلة في ذلك العصر فقد اعتنق التشيع خلق كثير من رجال الدولة وقادة الجيش وكبار الموظفين والكتّاب لذا تدارك سليمان الموقف وقام بهذه المهمّة وأنقذ حكومة هارون من الاضطراب والثورة (89) .
  وخرج الناس على اختلاف طبقاتهم لتشييع جثمان الإمام وخرجت الشيعة فعبّرت عن حزنها وأساها بعد هذا التشييع الكبير.
  وقال المسيب بن زهرة : والله لقد رأيت القوم بعيني وهم يظنون أنهم يغسلونه فلا تصل أيديهم إليه ويظنون أنهم يحنّطونه ويكفّنونه وأراهم أنهم لا يصنعون شيئاً ، ورأيت ذلك الشخص الذي حضر وفاته ـ وهو الإمام الرضا ( عليه السلام ) ـ هو الذي يتولّى غسله وتحنيطه وتكفينه ، وهو يظهر المعاونة لهم ، وهم لا يعرفونه فلما فرغ من أمره إلتفت إليَّ فقال ( عليه السلام ) : " يا مسيّب مهما شككت في شيء فلا تشكنّ فيّ ، فإني إمامك ومولاك وحجة الله عليك بعد أبي .
  يا مسيب مثلي مثل يوسف الصديق ومثلهم مثل إخوته حين دخلوا عليه وهم له منكرون(90) ، وبعد الغسل هرعت جماهير بغداد الى تشييع الإمام فكان يوماً مشهوداً لم تر مثله في أيّامها فقد خرج البر والفاجر لتشييع جثمان الإمام ( عليه السلام ) والفوز بحمل جثمانه ، وسارت المواكب وهي تجوب شوارع بغداد وتردد أهازيج الحزن واللوعة ، متّجهة نحو باب التبن يتقدمهم سليمان حافياً حاسراً متسلّباً مشقوق الجيب الى مقابر قريش ، وحفر له قبر فيها وأنزله سليمان بن أبي جعفر ، وبعد الفراغ من الدفن أقبلت الناس تعزّيه بالمصاب الأليم(91) .
قضى فغدى ملقى على الجسر نعشه        ii
لـه  الـناس لاتـدنوا iiولاتـتوصل
ونـادوا  على جسر الرصافة iiحوله        ii
نـداء  لـه الـسبع اطـباق تزلزل

الهوامش


1 ـ الاصفهاني ، ابو الفرج : كتاب الاغاني 5 ـ 225 .
2 ـ الصفار حسن كتاب الثائر والسجن دراسة في حياة الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، دار البصائر الطبعة الأولى ، ص 48 .
3 ـ القرشي : مرجع سابق ج1 ص107 .
4 ـ الحكومة الاسلامية ولاية الفقيه ، دار القدس ، بيروت ، ص 31 و 35 و 36 و 66 .
5 ـ الصفار، مراجع سابق ص 29 و 30 .
6 ـ الصفار ، ص 32 .
7 ـ القرشي ، مرجع سابق ج 11 ص 449 .
8 ـ القرشي ج1 ، ص 468 و 469 .
9 ـ ومما يؤكد أهمية وشرعية هذه الثورة ودعم الإمام الكاظم ( عليه السلام ) لها تعبير الإمام الجواد ( عليه السلام ) عن ثنائه عليها بقوله ( أنه لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ ) أنظر : القرشي ، مرجع سابق ج1 ص 472 ذ 474 .
10 ـ القرشي ص 472 .
11 ـ الأصفهاني ، أبو الفرح ، 5 ، 225 نقلاً عن القرشي ج 2 ص 75 .
12 ـ القرشي ، ج 2 ، ص 82 و 84 و85 و 86 .
13 ـ القرشي ، ج 2 ، ص 456 .
14 ـ يقول السيد الخميني ، لقد عمل أهل البيت ( عليه السلام ) وبذلوا كل ما في وسعهم من أجل تشكيل حكومة إسلامية عادلة ، فالرشيد حبس الإمام موسى بن جعفر والمأمون يجلب الامام الرضا إلى مرو ليجعله تحت نظره مباشرة ، وقد عرف الرشيد والمأمون أن بني علي يريدون أن يجردوهم من السلطة لتعود الخلافة الحقة إلى أصحابها الأكفاء انظر : الخميني ، مرجع سابق ، ص 73 .
15 ـ القرشي ، ج 2 ، ص 459 و 460 .
16 ـ الشيخ الأنصاري : المكاسب ، باب الولاية من قبل الجائر .
17 ـ القرشي ، مرجع سابق ، ج 2 ، الصفحات 284 وما بعدها .
18 ـ الحسني مرجع سابق ج ، 338 وانظر أيضاً القرشي ، ج 2 ، ص 500 .
19 ـ حسن غالب : الظاهرة التنظيمية عند الإمام الباقر ( عليه السلام ) مقال في مجلة الجهاد الفصلية ، تصدر عن المركز الاسلامي للابحاث السياسية ، العدد 18 و29 .
20 ـ الدكتور سهيل : أخبار القرامطة في الاحساء ـ الشام ـ العراق ـ اليمن ، دار حسان ، بيروت ، الطبعة الثانية 1402 هـ 1982 م ص 28 و 29 .
21 ـ القرشي ، مرجع سابق ، ج 2 ، ص 178 و 188 و 189 و 190 و 191 ، نقل المؤلف بعضها عن الرجال للنجاشي .
22 ـ القرشي ، ج 1 ، ص 34 و ج 2 467 و 490 و 492 و 493 .
23 ـ اُصول الكافي : 1 / 484 ، ح 7 ، و في الخرائج والجرائح : 1 / 310 ، ح 3 : اسحاق بن منصور ، وفي اثبات الهداة : 5 / 541 .
24 ـ مناقب آل أبي طالب : 4 / 311 وعنه في بحار الأنوار : 48 / 72 .
25 ـ الخرائج و الجرائح : 2 / 715 ح 13 ، وعنه في بحار الأنوار : 48 / 72 .
26 ـ بحار الأنوار : 25 / 133 ، ح 5 ، و اثبات الهداة : 5 / 535 ح 72 .
27 ـ دلائل الإمامة : 169 ، و الخرائج و الجرائح : 1 / 312 ، ح 5 وعنه في بحار الأنوار : 48 / 70 .
28 ـ دلائل الإمامة : 171 و الخرائج و الجرائح : 1 / 313 ، ح 6 وبحار الأنوار : 48 / 70 ، ح 94 .
29 ـ تاريخ بغداد : 2 / 193 .
30 ـ الاحتجاج للطبرسي : 2 / 167 ، 168 .
31 ـ حياة الإمام موسى بن جعفر : 1 / 439 ـ 440 .
32 ـ قرب الاسناد : 140 ، البحار : 48 / 228 ح 32 و اخرجه المالكي في الفصول المهمة : 216 و الشبلنجي في نور الأبصار : 165 .
33 ـ محمد ( 47 ) : 22 .
34 ـ المناقب : 4 / 325 وعنه في بحار الأنوار : 48 / 139 ح 15 ، تاريخ بغداد : 13 / 30 ، وعنه في تذكرة الخواص : 313 ووفيات الاعيان : 5 / 308 .
35 ـ حياة الإمام موسى بن جعفر : 1 / 441 .
36 ـ تأريخ اليعقوبي : 2 / 405 .
37 ـ تاريخ اليعقوبي : 2 / 401 ـ 406 .
38 ـ تاريخ اليعقوبي : 2 / 407 .
39 ـ تاريخ اليعقوبي : 2 / 404.
40 ـ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : 172 عن سر السلسلة العلوية : 14 ، ونقل القول الاصفهاني في مقاتل الطالبيين وعنه في بحار الأنوار : 48 / 165 .
41 ـ اُصول الكافي : 1 / 366 وعنه في بحار الأنوار : 48 / 160 ، ح 6 .
42 ـ بحار الأنوار : 48 / 163 عن الاصفهاني في مقاتل الطالبيين .
43 ـ اُصول الكافي : 1 / 366 وعنه في بحار الأنوار : 48 / 161 .
44 ـ الإمام موسى الكاظم : 2 / 457 .
45 ـ بحار الأنوار : 48 / 161 عن الاصفهاني في مقاتل الطالبيين .
46 ـ تاريخ الطبري : 10 / 29 وبحار الأنوار : 48 / 161 ـ 165 عن مقاتل الطالبيين .
47 ـ بحار الأنوار : 48 / 165 عن الاصفهاني في مقاتل الطالبيين .
48 ـ بحار الأنوار : 48 / 150 ـ 153 عن ابن طاووس في مهج الدعوات: 217.
49 ـ الذاريات ( 51 ) : 23 .
50 ـ بحار الأنوار : 48 / 217 ، ح 17 عن مهج الدعوات لابن طاووس .
51 ـ الأعراف ( 7 ) : 146 .
52 ـ البينة ( 98 ) : 1 .
53 ـ ابراهيم ( 14 ) : 28 .
54 ـ تفسير العياشي : 2 / 29 الاذيله وعنه في بحار الأنوار : 48 / 138 ، ح 13 والاختصاص : 256 ، بحار الأنوار : 48 / 156 .
55 ـ بحار الأنوار : 48 / 158 عن كتاب الاستدارك .
56 ـ تاريخ بغداد : 13 / 31 وعنه في تذكرة الخواص : 313 و في مناقب آل أبي طالب : 4 / 346 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 144 .
57 ـ كامل الزيارات : 18 ب 3 وعنه في بحار الأنوار : 48 / 136 ، وفي مناقب آل أبي طالب : 4 / 345 .
58 ـ بصائر الدرجات : 251 ، ح 4 ، واُصول الكافي : 1 / 351 ، ح 7 ، واختيار معرفة الرجال : 282 ح 502 ، والارشاد : 2 / 221 .
59 ـ الخرائج والجرائح : 1 / 308 ، ح 2 وعنه في بحار الأنوار : 48 / 67 و47 / 251 .
60 ـ معرفة الرجال : 440 ح 828 .
61 ـ الوسائل : 16 / 204 رقم ح 21359 باب 24 كتاب الأمر والنهي .
62 ـ اختيار معرفة الرجال : 1 / 465 ، ح 364 .
63 ـ رجال النجاشي: 134 برقم 346 وفي الكشي : 390 ح 732 قال : هو عامّي وفي تنقيح المقال : 1 / 355 .
64 ـ اختيار معرفة الرجال : 411 ح 771 و في النجاشي : 214 برقم 558 من موالي بني العباس ، وجامع الرواة : 1 / 487.
65 ـ النجاشي : 306 رقم 837 .
66 ـ اختيار معرفة الرجال: 564 ح 1065 وفي رجال النجاشي: 330 برقم 893 .
67 ـ النجاشي : 38 برقم 76 وفى منهج المقال : 98 .
68 ـ الإمام موسى الكاظم لباقر شريف القرشى : 2 / 223 .
69 ـ اختيار معرفة الرجال : 556 ح 1050 .
70 ـ البحار: ج 11 ص270 ـ 272 .
71 ـ أخبار الدول : ص 113 ، وجاء في وفيات الأعيان : ج 1 ص 394 وفي مرآة الحنان : ج 1 ص 395 ، أن الإمام ( عليه السلام ) لما سلم على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بقوله : يا أبت ، تغير وجه هارون ولم يطق جواباً ، وقال : هذا هو الفخر حقاً يا أبا الحسن ، وجاء في ( الإتحاف بحب الأشراف ) ص 55 أن هارون بعدما سمع كلام الإمام ودليله على القرب من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال له : ( لله درك إن العلم شجرة نبتت في صدوركم فكان لكم ثمرها ولغيركم الأوراق ) .
72 ـ تذكرة الخواص : ص 359 .
73 ـ عيون أخبار الرضا : 1 / 85 ح 10 .
74 ـ عيون أخبار الرضا : 1 / 27 ح 13 .
75 ـ تاريخ بغداد : 13 / 31 .
76 ـ النجاشي : 407 برقم 1082 .
77 ـ حياة الإمام موسى الكاظم : 2 / 492 .
78 ـ حياة الإمام موسى الكاظم : 2 / 493 .
79 ـ عيون أخبار الرضا : 1 / 30 ، ومسند الإمام الكاظم : 2 / 147 ح 36 .
80 ـ تاريخ اليعقوبي : 2 / 361 .
81 ـ الحلبي في مناقب آل أبي طالب : 4 / 322 .
82 ـ تاريخ بغداد : 13 / 32 وعنه في تذكرة الخواص : 314 ، وكشف الغمة : 3 / 8 عن الجنابذي عن أحمد بن اسماعيل وعنه في بحار الأنوار : 48 / 148 ، والفصول المهمة : 222 والبداية والنهاية : 10 / 183 ، والكامل : 6 / 164 وسير اعلام النبلاء : 6 / 283 .
83 ـ عيون أخبار الرضا : 1 / 101 ـ 102 وعنه في بحار الأنوار : 48 / 223 ح 26 .
84 ـ روضة الواعظين : 1 / 260 .
85 ـ اُنظر : المحاسن 2 : 314 | 32 ، الكافي 1 : 397 ، إرشاد المفيد 2 : 215 ، تاج المواليد : 121 ، المناقب لابن شهر آشوب 4 : 323 ، الهداية الكبرى : 263 ، كشف الغمة 2 : 212 ، تاريخ بغداد 13 | 27 ، دلائل الإمامة للطبرى : 146 ، تذكرة الخواص 312 ، كفاية الطالب :457 ، الفصول المهمة : 232 .
86 ـ عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 85 | 10 ، إرشاد المفيد 2 : 239 ، الغيبة للطوسي 28 | ضمن حديث 6 ، روضة الواعظين : 219 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 327 ، مقاتل الطالبيين : 502 ، الفصول المهمة 239 .
87 ـ إرشاد المفيد 2 : 243 ، الغيبة للطوسي : 28 | ضمن حديث 6 ، كشف الغمة 2 : 234 ، مقاتل الطالبيين : 504 ، الفصول المهمة : 240 .
88 ـ كمال الدين 1 : 39 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 328 .
89 ـ كمال الدين : 38 ، عيون الاخبار : 1 / 99 / ح 5 ، وعنهما في بحار الأنوار : 48 / 227 ح 29 والفصول المهمة : 54 .
90 ـ حياة الإمام موسى بن جعفر : 2 / 523 .
91 ـ كمال الدين : 38 ، عيون الاخبار : 1 / 99 / ح 5 ، وعنهما في بحار الأنوار : 48 / 227 / ح 29 .
92 ـ حياة الإمام موسى بن جعفر : 2 / 526 .



BASRAHCITY.NET