الفراهيدي ومنهجه في تأصيل اللغة

الاستاذ حسين مزهر السعد

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

اتخذ الخليل بن أحمد الفراهيدي منهجاً خاصاً في دراسة اللغة العربية وفي معرفة أصالة المفردة العربية اعتمد النظام الصوتي وانسجام الحروف في المفردة أساساً في ذلك للكشف عن أسرار النطق العربي الذي تميز به عن غيره ، بالتالي يمكن الاحتكام الى ذلك المنهج في تأصيل اللغة ومعرفة الاصيل فيها من الدخيل .
وقد بدأ بتطبيق منهجه هذا في كتابه ( العين ) ذلك المعجم الذي جمع فيه الخليل كل ما احاط به من كلام العرب . واول ملمح نلمحه من ذلك المنهج هو ترتيب ابوابه ومادة معجمه على شكل سلّم صوتي بدأ من أول صوت لقي وانتهى بآخر صوت شفوي ، ام انه بدأ من اقصى الحلق ثم صعد شيئاً فشيئاً حتى وصل الى الشفتين وما تخرجه من اصوات وبعد ان انهى ترتيب أبواب المعجم ومادته ترتيباً صوتياً بدأ بتطبيق منهجه الصوتي بشكل اوسع في معالجته للظاهرة اللغوية وتعليلاته لها ، محاولاً بذلك سبر اغوار اللغة وكشف اسرارها والوقف على دقائق التعبير وأصالته للخروج بضوابط وقواعد تعم اللغة برمتها وتعصمها وتحفض أصالتها . ويمكننا من خلال بعض الاشارات التي اوردها في كتابه ( العين ) او ممن نقل كلامه من علماء العربية أن نستجلي بعض اسس أو معايير ذلك المنهج واجمالها بالاَتي :ـ

أولاً ـ الاحاطة بكلام العرب الفصحاء :

ويعد هذا المعيار المنطلق الاساس الذي انطلق منه الخليل في تطبيق منهجه واقامة دعائمه ، فبالاعتماد على الاحاطة بكلام العرب بنى اغلب أحكامه التي اتخذت طابع التعميم الذي اراد من ورائه وضع الضوابط للغة العرب عموماً ، أما حدود تلك اللغة الفصيحة المراد الاحاطة بها فقد حددها حينها اجاب الكسائي الذي سأله : من أين اخذت علمك هذا ؟ قائلاً : ( من بوادي الحجاز ونجد وتهامة ) .انباه الرواة 1/ 258 .

ثانياً ـ القياس :

ويعني به الاحتكام الى كلام العرب والقياس على لغتهم لانه ـ كما يرى ـ ( ما لم يكن من كلام العرب فليس له معنى في كلامهم ، فكيف يجعل مثالاً من كلام قوم ليس له من امثلتهم معنى ) . المصنف لابن جني 1/180

ثالثاً ـ التخفيف :

وهو الميل الى الخفة والسهولة في النطق ، وهو من عادة العرب ـ كما يرى ـ لذلك فهو يعلل الكثير من الظواهر الصوتية ويستبعد العديد من المفردات بناء على هذا أن عادة العرب التخفيف ، ليجعل من ذلك الامر معياراً لمعرفة اللغة العربية ومفرداتها وقد ضرب الأمثلة لذلك ، منها قوله في الهاء ( وأنما استحسنوا الهاء ( اي العرب ) في هذا الضرب للينها وهشاشتها ، وانما هي نفس لاعتياض فيها ) العين 1/60 ـ 61 .
وقوله : ( ويعد الحاء والهاء ولم يألفا في كلام واحدة أصلية ، وقبح ذلك على السنة العرب لقرب مخرجيهما ) ( لسان العرب حرف الحاء ) بالمفردة العربية في رأيه خالية من أي تنافر بين حروفها ومن أي ثقل على اللسان .

رابعاً ـ التآلف والانسجام الصوتي :

وهذا الاساس كثيراً ما يبني عليه أحكامه في تعليل اشتراك صوتين في بناء كلمة عربية اصيلة أو تنافرهما في عدم اصالتها ، أي انه يوف ذلك الأساس في تحديد أصالة المفردة فيرى ان تاَلف اللفظة يأتي من كون ( حرف صدرها موافقاً لحرف ما صدر ما ضم اليها في عجزها فكأنهم ( أي العرب ) ضمّوّا إلى ( دهـ ) ، ( دق ) فألفوهما ) العين 1/ 61 .
أما عدم الاَلفة فيوضحه بقوله ( ألا ترى أن الضاد والكاف إذا ألفتا فبدئ بالضاد فقيل ( ضك ) وكان تأليفها لم يحسن في ابنية الاسماء والأفعال ) العين 1/63 . اذن فالالفة والانسجام الصوتي بين الحروف والمقاطع الصوتية هو ما استحسنه العرب واقاموا لغتهم عل اساسه ، وهو بهذا يحدد مقياساً آخر من مقاييس التمييز بين الاثيل والدخيل من مفردات اللغة .

خامساً ـ المعيار الذوقي :

احياناً يكون المعيار ذوقياً منطلقاً من طبيعة الحروف أو الصوت نفسه فترى الخليل يحكّم ذوقه مستعيناً بالطبيعة النطقية للصوت في استحسانه على صوت آخر ، نحو قوله : ( العين والقاف لاتدخلان في ألا حسّنتاه لأنهما اطلق الحروف واضخمهما جرساً ، فإذا اجتمعا أو احدهما في بناء حسن البناء لنصعاتهما ) العين 1 / 60 .
  وبالتالي يمكن جعلهما مقياساً للاصالة بناء على الاستحسان الذي يستتبع كثرة الاستعمال في كلام العرب .
  وقد وسّع الخليل مجال منهجه الصوتي ليشمل اللغة بشكل عام من خلال تفسيره للظاهرة اللغوية في بداية نشأتها وكيفية ارتباط اللفظ بالمعنى بما يسمى بنظرية ( محاكاة اللغة لأصوات الطبيعة ) إذ يرى ان اللفظ من مخترعات الطبيعة وما اصدرته من اصوات فالصرصر ( الاخطب عنده ) مثلاً إنما جاء اسمه من الصوت الذي يصدره وكذلك العواء والمواء وخرير الماء وغيرها من اسماء الطبيعة ( انظر العين 1 / 63 ) .

الخاتمة :

هذه اطلالة ووقفة قصيرة عند منهج الخليل الصوتي في كتابه ( العين ) ذلك المنهج الذي اراد من خلاله وضع الضوابط والاسس التي يتم من خلال تطبيقها والاحتكام اليها تهذيب اللغة ومعرفة أصالة مفرداتها وللوقوف بوجه ( من يدخل على العرب ما ليس من كلام العرب إرادة اللبس والتعنيت ) العين 1 / 59 .

BASRAHCITY.NET