أسرة آل شُبّر

 

بسم الله الرحمن الرحيم

  تُعدُّ دراسة تأريخ العوائل العلميَّة - التي تخصَّص أغلب أفرادها في دراسة العلوم الدينيَّة - من الدراسات المهمَّة التي تسلِّط الضَّوء على مُنجزات أفرادها، وتُبرِزُ أنشطتهم الثقافيَّة والاجتماعيَّة والسياسيَّة، ومن مجمل هذه العوائل والأسر العلميَّة هو العوائل الدينيَّة في البصرة، إذ اشتهرتْ بتأريخ أفرادها العلمي والجهادي، ومنها أسرة آل شُبَّر الحسينيَّة، التي تصل سلسلة نسبها إلى الحسن الأفطس بن علي الأصغر بن علي زين العابدين بن الحسين الشَّهيد بن علي أمير المؤمنين (عليهم السلام) ، أمَّا سبب تسمية العائلة باسم (شُبَّر) ، فهو لقبٌ لجدِّها الكبير السيِّد الحسن بن الشَّريف محمد بن حمزة بن أحمد بن علي (برطلة).

  ينتشر أفراد هذه الأسرة الكريمة في مختلف الدول والمدن، ويتواجد الجزء الأكبر منهم في دولتي العراق والكويت، وفي العراق يتوزَّع أبناؤها في أغلب محافظاته، ومن أبرز أعلامها في البصرة الفقيه المجتهد آية الله العظمى السيد محمد شُبَّر (قدس سره) ، وولده العلامة المجتهد السيِّد عبَّاس شُبَّر، والشَّهيد السعيد السيِّد عصام زكي الدين شُبَّر (قدس سره).

  السيِّد محمد شُبَّر :

  نزل العلامة السيد محمد شُبَّر (قدس سره) البصرة في سنة (1303 هـ) بعد أن طلب أهالي البصرة من المرجع المجدِّد الشيرازي أنْ يُكاتب السيد محمد شُبَّر بالإقامة في البصرة، وأن يكون مرجعاً دينيَّاً فيها، فامتثل لأمر أستاذه، وقَصَد البصرة، وأقام في محلّة (يحيى بن زكريا) ، الكائنة في مركز المدينة - محلة السيمر حالياً.

  بنى السيد محمد شُبَّر جامع يحيى ابن زكريا (المعروف بجامع آل شُبّر) ، وترجم العديد من الكتب الفارسيَّة إلى العربيَّة، وكذلك العكس، وعمل بمهنة الطبابة في البصرة بعد أنْ تعلَّمها في الكاظميَّة، وأقام مأتم الإمام الحسين (عليه السلام) في جامع آل شُبّر، الذي يُعدُّ من المآتم الشّهيرة في البصرة، إذ يجتمع فيه آلافٌ من الموالين لأهل البيت (عليهم السلام).

  عُرف عن السيِّد محمد شُبَّر نشاطه في تصنيف الكتب، فقد كان حليف الطُّروس وأليف المحابر، وكان (طاب ثراه) لا يفتر عن الكتابة والتأليف يوماً واحداً، وهو القائل :

مَنْ كانَ في جمعِ الدّراهمِ مولَعا
     ً                             طولَ الحياةِ وهمُّهُ التّرصيفُ
فأَنا الذي أُوِلعْتُ في جمعِ الطّرو
                                  سِ وهمّيَ التأليفُ والتّصنيفُ

  وممَّا يجدر التنويه به أنَّ مكتبة العلَّامة السيِّد عبد الله شُبَّر النَّفيسة قد انتقلتْ ملكيَّتها بعد وفاة السيِّد جعفر شُبَّر (قدس سره) إلى ولده السيِّد محمد شُبَّر، الذي قام بدوره بنقل خزانة المكتبة إلى البصرة، وبقيتْ بها حتى وفاته.

  تُوفي السيد محمد شبَّر عام (1346 هـ - 1928 م) ، وخلَّف وراءه عدَّة أولاد، كلهم علماءُ فقهاءُ يُشارُ إليهم بالبنان، ومن أبرزهم :

  
1 ـ السيّد عبَّاس شُبَّر :


  ولد السيَّد عبَّاس شُبَّر عام (1322 هـ - 1905 م) ، في مدينة البصرة الفيحاء، ونشأ في كنف والده فيها، وتلقَّى دروسه الحوزويَّة في النجف الأشرف، ثُمَّ عاد إلى البصرة بعد وفاة والده ، ليكمل مشوار أبيه في إحياء ذكرى أيَّام عاشوراء ومجالس شهر رمضان المبارك، وقام بمقام أبيه في المدينة، فأصبحتْ داره مكاناً لانعقاد النَّدوات، وفيها يجتمع العلماء والأدباء للتباحث في الشُّؤون العلميَّة والأدبيَّة، وتولَّى منصب القاضي الجعفري في المحكمة الجعفريَّةِ في البصرة، وأسَّس منتدى النشر في البصرة.

  
2 ـ السيّد عبد الصاحب :


  هو صاحب كتاب (الفوائد الشبَّريَّة في الأسماء الحسنى والأعمال الروحانيَّة) ، ولد في البصرة وتدرّج في الدراسة الحوزوية، فأخذ المُقدِّمات من والده حتى وصل إلى مرتبة الاجتهاد، ثُمَّ اختير للتوجيه والإرشاد وإمامة الجماعة في الزبير والشعيبة وأبي الخصيب.

   ومن العلماء الأفذاذ في الأسرة الشبريَّة من أبناء السيِّد عبَّاس شـُبَّر :

  
أ ـ السيّد محمد نعيم الدين :


  ولد السيِّد محمد نعيم الدين شُبَّر في محافظة البصرة سنة (1928 م) ، وفيها أكمل دراسته الأكاديميَّة، ثُمَّ توجَّه إلى دراسة العلوم الدينيَّة، فدرس على يدَي والده السيد عبَّاس شُبَّر في البصرة، فأقبل السيِّد محمد نعيم الدين على العلوم الشَّرعيَّة إقبالاً عجيباً، حتى اختير لتولِّي الإمامة والإرشاد في منطقة الشِّعيبة في قضاء الزبير وكذلك في قضاء أبي الخصيب.

  
ب ـ الشهيد السعيد السيِّد عصام شُبَّر :


  ولد الشَّهيد السيِّد عصام زكي الدين شبر في محافظة البصرة سنة (1948 م) ، ودرس في مدارسها الأكاديميَّة وكان متفوّقاً على أقرانه، فأتمَّ دراسته الثّانوية في إعدادية التَّقدّم، ثُمَّ اختاره والده لدراسة العلوم الدينيَّة بعد وفاة أخيه السيد نعيم الدين، فدرس المُقدِّمات على يدي والده في البصرة، والتحق بعدها بكليَّة الفقه في النجف الأشرف سنة (1966 م) ، وانتمى إلى المدرسة الشُبَّريَّة في النجف الأشرف، ثُمَّ تخرَّج في كليَّة الفقه بامتياز سنة (1974 م) ، وانتقل بعدها إلى دراسة البحث الخارج، وبعد سنوات من البحث الخارج عاد إلى البصرة، وصار إمام المسجد المسمّى باسمهِ حالياً في منطقة (السّيمر) في البصرة القديمة، وأخذ يقوم بواجباته الدينيَّة والإرشاديَّة ، وبسبب تدينه وأخلاقه الكريمة وتواضعه كسب السيد عصام نفوس الشباب وحبَّهم له.

  وفي فترة اشتداد طغيان البعث المجرم في العراق، كان السيِّد عصام شُبَّر يحثُّ مُحبِّيه على توخِّي الحذر من حزب البعث الكافر، ويمنعهم من الانخراط في صفوفه ، بوصفه تيَّاراً مُنحرفاً جاء لحرف الأمَّة عن مبادئها، لكنَّ موقفه هذا لم يرق لمجرمي البعث، فحاولوا إبعاد النَّاس عنه وعن المسجد، لكن دون جدوى، فاغتالوه في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي.

  
ت ـ السيد أحمد نور الدين شبر :


  ولد السيد أحمد نور الدين شُبَّر في البصرة سنة (1935 م) ، وتدرَّج في التعليم الأكاديمي حتى قُبل في كلية الطب بألمانيا، إلَّا أنَّ والده السيِّد عبَّاس أراده أنْ يكون مُعلِّماً لا طبيباً، فامتثل السيد نور الدين لأمر والده وصار معلماً.

  بعد استشهاد السيد عصام شُبَّر أُغلق المسجد، بسبب تعرُّضه لأضرار كبيرة جرَّاء القصف المدفعي في الحرب العراقية الإيرانية، فقام السيد نور الدين بإعادة بناء المسجد وتوسعته، فضلاً عن أعمال أخر، وأصبح السيد أحمد نور الدين ثقة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي (قدس سره) ، ووكيل آية الله العظمى السيد عبد الأعلى السبزواري (قدس سره) ، ووكيل آية الله العظمى السيد علي السيستاني.

  وما زال أولاد العائلة الشبريَّة وأحفادها يُقيمون في البصرة، ويقومون بمهامِّ آبائهم الماضين وما ذلك إلَّا بتوفيق من الله ? وشرف انتسابهم لأهل البيت (عليهم السلام) ، وثقة المرجعيَّة الدينيَّة العليا بهم، وكذلك اخلاصهم للناس، وخدمتهم المحتاجين والمعوزين.