دور اُسرة خليفة بن خياط البصري في الحديث والتاريخ
الاستاذ ابراهيم جدوع السلمي
بسم الله الرحمن الرحيم
مدينة البصرة اقدم مصر تأسس في العراق وقد لا يكون من المستغرب القول بأن تاريخ العراق السياسي والاجتماعي والحضاري كان خلال القرن الاول للهجرة تاريخ العراقيين البصرة والكوفة على إعتبار انهما اول مصرين عربيين قد اسسها العرب المحررين الذين هاجروا الى الجزيرة العربية محررين العراق من السيطرة الساسانية عليه وقد شهدت منذ تأسيسها البسيط عدة تحولات ادارية وعسكرية واجتماعية خلال العصرين الراشدي والاموي وكذلك خلال العصر العباسي اذ تحولت فيه الى مدينة تجارية ، وتعقدت التركيبة الاجتماعية لسكان البصرة اذ بعدما كانت معسكراً لسكن المقاتلين في تاريخها الاول اخذت بمرور الزمن تجذب عناصر بشرية مختلفة .
بالنظر لذلك توسعت المدينة بمرور الزمن وتزايد رخاء اهلها بفضل الغنائم والواردات التي اتت بها حركات الفتوح الاسلامية وسكنتها عناصر غير عربية زاولوا فيها مختلف الحرف والمهن وبينهم النط والاساورة ، وبفضل سكن مختلف القوميات الوافدة اليها اصبحت ملتقى لمختلف الاراء والافكار فحدث فيها امتزاج حضاري بين الحضارة العربية بمختلف احوالها والحضارات الاجنبية كاليونانية والرومانية والهندية والفارسية والسريانية بفضل مينائها المهم .
ومن هنا برز من بين سكانها العلماء والفقهاء والمؤرخين والمحدثين وعلماء الانساب والطبقات والتراجم ، وقد بين ابن الجوزي مكانة أهل البصرة في علم الحديث اذ ذكر اسم احد فقهائها الشافعيين ويعرف بالهمداني حيث ذكر بأنه كان مهتماً بجمع الاحاديث النبوية الشريفة وانه كتب الحديث عن اكثر من اربعمائة شيخ عالم بالحديث من بين الاُسر العريقة التي سكنت البصرة وأثرت فيها وتأثرت بالجو الثقافي والحضاري والإجتماعي السائد فيها اُسرة ابن الخياط ، وليست لدينا معلومات كافية عن الجذور التاريخية ، سكن الاُسرة في هذه المدينة ولكن يبدو لنا من دراسة حياة هذه الاُسرة إنها أنحدرت إليها في وقت متأخر فجد الاُسرة أبو هبيرة كان محدثاً في البصرة وهو خليفة بن خياط العصفري الليثي سمع حميداً الطويل وكان راوياً لعمرو بن شعيب وروى عنه ابو الوليد الطيالسي ، وتوفي سنة 160 هـ ، وتلقب هذه الاُسرة بالعصفري ( والعصفر نوع من أنواع الصبغ الذي تصبغ به الملابس منه ريفي ومنه بري وكلاهما نبت بأرض العرب وقد عصفرت الثوب فتعصفر وقد رد السمعاني لقب الخياط الى الخياطة وهي فرقة من المعتزلة ينتمون الى ابي الحسين الخياط ، وهناك لقب آخر مشابه لأحد أجداد هذه الاُسرة وهي العصفوري حيث يذكر اسم عصفور بن سداد مولى شداد بن هميان السدوسي والمنتسب اليه جماعة من أهل البصرة وقد تناول علماء الجرح والتعديل ابو هبيرة هذا حيث عده شيخ الإسلام الرازي من المحدثين الثقاة أما ابن حجر العسقلاني فقد وصفه بأنه مقبول من سابعه ، وقد عاصر ابو هبيرة هذا نهاية الفترة الأموية وحوالي 38 عاماً من الخلافة العباسة وقد إنصبت جهوده في رواية الحديث وابتعد عن السياسة اذ لم يذكر له اي نشاط يذكر فيها رغم معاصرته لفطاحل الفقهاء من أمثال الحسن البصري وواصل بن عطاء وعمرو بن عبيد ومما يكسبه أهمية واضحة إن حميد الطويل الطيالسي من بين المصادر التي اعتمدها مؤرخ الطبقات المشهور محمد بن سعد بن منيع البصري ، كذلك فأن والده كان قد اشتهر باهتمامه بعلم الحديث ، أما خليفة بن خياط الحفيد فهو ابو عمرو خليفة بن خياط ابن ابي هبيرة الشيباني العصفري البصري وكان يلقب ب ( شباب ) فيقال خليفة بن خياط شباب ابو عمرو الشيباني لكن مما يجدر الإشارة اليه ان بعض المؤرخين والفقهاء قد اعتبروا خليفة بن ابي هبيرة ليس حفيده ، لكن اغلبهم قال إنه جده وليس إبنه ، ومما يجدر ذكره إن خليفة الحفيد وصاحب المصنفات في التاريخ والطبقات كان محدثاً أيضاً غير إن البعض قد وصفه بالقوة والثقة والبعض الآخر نعتوه بالضعف ، فبعض كتاب التراجم والطبقات قد إمتدحوه ووصفوه بأنه كان مهتماً بحفظ الاحاديث الشريفة حيث وصفه الذهبي ب ( الامام الحافظ ) وفي موضع من كتاب ميزان الإعتدال في نقد الرجال يقول عنه ( خليفة بن خياد العصفري الحافظ شباب صاحب التاريخ روي عن جعفر بن سليمان ومعتمر بن سليمان وعنه روي البخاري ، كما روي عنه عدد من أئمة الحديث مثل محمد بن إسماعيل البخاري وعبد الله بن أحمد بن حنبل والحسن بن سفيان السنوي وغيره ، ويقول عنه الحافظ محمد بن طاهر القيسراني أنه ( محدث ، نسابه ، اخباري ، صنف التاريخ والطبقات ، مستقيم الحديث ، صدوق من متيقظي الدواة مات سنة 240 هـ يقع حديثه عالياً من مسند ابي بعلى الموصلي ) ، ويقول عنه الحافظ السيوطي ( . . . عالماً بالنسب والسير وأعلام الناس ) ، روي عن إبن عليه والطيالسي ويقول عنه محمد بن حيان أبو حاتم السبتي ( . . . كان عالماً متقناً بأيام الناس وانسابهم ) ، لكن السؤال هو لماذا ضعغه البعض ؟ لقد تمسك هؤلاء بما قاله الحافظ أبو جعفر بن عمر العقيلي ت 322 اذ قال في كتابه الضعفاء ( خليفة بن خياط البصري يعرف بشباب العصفري بصري حدثنا . . . شباب بن خياط شجر يحمل الحديث ويقول الحافظ ابو الوليد الباجي ( ت 474 هـ ) قائلاً ( . . . قال أبو حاتم الرازي لا احدث عن شباب هذا هو غير قوي . . . كتبت عن مسنده احاديث ثلاثة عن أبي الوليد فسألته عنها فأذكرها فقلت كتبتها من كتاب شباب العصفري فعرفه وسكن غضبه . . . ابو الوليد الباجي ) .
هكذا يتوضح لنا لماذا غمز بعض العلماء ابن خياط فالحافظ ابو الوليد الباجي ذكر قول أبي حاتم الرازي ( لا احدث لكن لما عرضها على الحافظ ابي الوليد سكت بمعنى إنه اذا صرح خليفة فهو ثقة ثبت ، وحاول الباجي ان يبرر لماذا روي عنه البخاري في صحيحه فإذا كان ضعيفاً فلماذا روى عنه بل ان خليفة من شيوخ البخاري وقيل إن البخاري روى عنه مقروناً بغيره ) ، ولِمَن اراد ان يعرف قدر ابن خياط وثقة العلماء فيه يراجع قول الذهبي اذ يقول ( حدث عنه البخاري بسبعة احاديث او أزيد في صحيحه وآخرين . . . وكان صدوقاً نسابه عالماً بالسير ، ولما كان قد تميز بالثقة والصدق في حديثه وهو الأهم فقد اسحبت هذه الثقة أيضاً على مؤلفاته في كتب التراجم المهمة وكتاباته التاريخية ، فلأنه عاصر الأحداث والشخصيات التي كتبت عنها جاءت مؤلفاته في غاية الأهمية وتعد طبقاته من الكتب التاريخية الرائدة التي لم تسبقها طبقات عدا طبقات الواقدي المفقودة ، كما ان كتابته قد اتسمت بسعة الأُفق التاريخي ، والجغرافي لطبقات الرجال وذلك لتتبعه طبقات الصحابة والفقهاء والمحدثين في الأمصار الإسلامية المختلفة ، كما تمتاز معلوماته عن تراجم الرجال والنساء بالإختصار والقصر لكنها مفيدة جداً كما تفيدنا معلوماته في تشخيص الأحوال الإجتماعية والاقتصادية للقبائل العربية وخططها وكذلك معرفة اسماء الموالي الذين دخلوا في الولاء ضمن هذه التوزيعات القبلية ومما يزيد في أهميتها إعتماد فطاحل المؤرخين عليها والنهل من مواردها مثل البخاري وإبن عبد البر ، والأصفهاني وإبن عساكر ، في السيرة النبوية فقد أخذ معظم معلوماته عن محمد بن اسحاق ( ت 151 هـ ) ، مما اعتمد اسم ابي عبيدة معمر بن المثنى في كتابه عن الخوارج ولا يخفى تأثره بكتابات هشام بن محمد الكلبي وغيرهم من الأخباريين والرواة والمحدثين الذين ازدادت اعدادهم عن ( 103 شخص ) ، وقد اتبع دقة الإسناد في رواية بصفته محدث خصوصاً عنده سدده لأحداث السيرة كما أتبع طريقة الحوليات .