من الأسر الهامة التي لعبت ادواراً دينية وسياسية وثقافية في البصرة في التاريخ الحديث ، هي اُسرة آل باش اعيان ، وقد تلقبت هذه الاُسرة بالقاب عدة ، حسب ظروفها السياسية او الدينية او الادارية والاقتصادية وأقدم تسمية لها هي ( الاسرة العباسية ) ، ففي اقدم مصدر عن الاُسرة وهو ( تمائم الدرر ) يذكر مؤلفه الشيخ يحيى البصري بأن لقبهم هو العباسي ، ويبدو ان الاُسرة بعد هجرتها الى البصرة بعيد غزو هولاكو لبغداد سنة 656 هـ ـ 1258 م غيرت لقبها خوفاً من بطش الدولة المغولية ، الى لقب اُسرة آل عبد السلام ) نسبة الى عميدها الشيخ عبد السلام الكبير بن الشيخ ساري ، والذي اشتهر بورعه وتقواه وتصوفه ، ومن القاب الاُسرة لقب ( الكواوزه ) نسبة الى شيخ الطريقة الشاذلية في البصرة في بداية القرن السادس عشر الشيخ محمد امين الكواز ، وليس هذه النسبة نسبة قرابة بل نسبة طريقة دينية صوفية ، اما لقب باشا اعيان فقد اطلقه عليهم السلطان العثماني ( احمد خان الثالث ) واول من لقب به من افراد الاسرة الشيخ ( عبد اللطيف الساري بن عبد السلام ) سنة 1706 ، ويقصد به كبير اعيان البصرة ، وهو لقب اداري ربما يعادل منصب رئيس البلدية ، ومن الجدير بالذكر ان الشيخ عبد السلام الكبير استلم راية الطريقة الصوفية الشاذلية في البصرة بعد وفاة الشيخ جبارة الريان ، وقام بجهود كبيرة ومضنية لنشر هذه الطريقة في البصرة ، من خلال نشاطه الديني والصوفي ، في بناء التكايا والمساجد وتعمير اضرحة الاولياء في معظم انحاء البصرة ، وصلاته الدينية مع شيوخ الطرق الصوفية في كل من مكة المكرمة وحلب والقاهرة ، حتى يمكن القول ان البصرة اصبحت شاذلية الطريقة في القرن السادس عشر ، ولابد من القول ان هذه الاسرة اتخذت موقفاً مؤيداً ومسانداً للدولة العثمانية منذ دخولها البصرة سنة 1546 ، ووقوفها بوجه اعداء هذه الدولة ، وليس موقف الشيخ عبد السلام الثاني من محاولة الفرس مهاجمة البصرة سنة 1624 ، ومساندته لامير البصرة آنذاك علي باشا افراسياب الاّ دليلاً واضحاً لهذا الموقف .
واستمر هذا الموقف تجاه الدولة العثمانية مع جميع اعدائها سواء اكانوا من القادة المحليين كأسرة آل افراسياب او ضد عشائر المنتفك كما حدث سنة 1694 ، ومطالبتها صناع القرار في استنبول بتعيين الوالي حسين باشا والياً على البصرة ، او ضد الحملة بقيادة صادق باشا سنة 1776 ، واستمر هذا الموقف حتى قيام الحرب الاولى سنة 1914 م ، وموقفها المعادي للاحتلال البريطاني على البصرة ودعوة عميد الاسرة ( عبد الله باش اعيان ) علماء البصرة الى اعلان الجهاد ضدهم ، وقيامه بمراسل العثمانيين معهم ضد الاحتلال ، وبرز دور الاسرة الثقافي من خلال احتضانهم للادباء والشعراء في محافلهم ودواوينهم ، وكذلك اهتمامهم بالعلم والمعرفة في البصرة ، وليس ادل على ذلك من جمعهم الكتب والمخطوطات النادرة في مكتبة عامرة حوت الآلاف من الكتب النفيسة واولى المجلات المصرية واللبنانية في بداية القرن العشرين ، وختاماً فإن هذه الاُسرة تركت بصماتها التاريخية والثقافية والإجتماعية بشكل واضح على المجتمع البصري في العهد الحديث ، واصبحت جزءاً مهماً من تاريخ البصرة الحديث .