دور أسرة آل باش أعيان في الحياة الثقافية لمدينة البصرة
الاستاذ خلود عبد اللطيف عبد الوهاب
بسم الله الرحمن الرحيم
كان آل باش أعيان العباسي من الاسر البصرية القديمة التي سكنت المدينة ( البصرة الحديثة ) منذ بداية تأسيسها ، ويرجع سكن هذه الاسرة الى بداية القرن الخامس عشر وتحديداً عام 1407 م عندما جاء الشيخ عبد السلام الاول ابن الشيخ ساري العباسي للسكن فيها ، وقد حملت هذه الاسرة لقب العباسي على اساس انتسابها الى العباس عم الرسول ( ص ) ، واتخذت هذه الاسرة من محلة المشراق وهي من محلات البصرة الحديثة مستقراً لها ، بعد ان اقتطعت جزءاً من هذه المحلة خاصاً بها والذي اطلق عليه فيما بعد بمحلة الكواز وقد جاءت هذه التسمية نسبة الى الشيخ ( محمد امين الكواز ) والذي سمى الجامع بأسمه ايضاً .
وكان الشيخ الكواز هو بمثابة معلم لابناء هذه الاسرة ، وهو من المتصوفة ومن اتباع الطريقة الشاذلية توفي في البصرة ، ودفن في الجامع المذكور عام 1545 م ، واخذت محلة الكواز خصوصيتها بعد ان سكنها آل باش اعيان العباسي فقد احاطوها بسور فاصبحت تبدو وكأنها محلة مستقلة ، وكان قد ذكرها ينبور في رحلته الى الطرق عام 1764 م ، اما لقب باش أعيان فقد أطلق هذا اللقب على اسرة آل عبد السلام بناءً على أمر السلطان احمد خان الثالث في عام 1716 م ويعني رئيس الاعيان ومن مزايا هذا اللقب ان يكون باش أعيان البصرة عضواً دائماً في مجلس الولاية والمشاور لحاكمها ، وأول من لقب باش اعيان البصرة هو الشيخ أنس ابن الشيخ درويش العباسي ، وقد اهتم العديد من ابناء هذه الاسرة في طلب العلم فأسسوا مدارس دينية الحقت بالجامع الذي بناه آل باش اعيان والمسمى بجامع الكواز ، اما ابناء هذه الاسرة فمنهم الشيخ عبد الواحد الكبير آل باش اعيان ( 1801 م ـ 1851 م ) والذي رافق والي بغداد علي باش اللاز في فتح البصرة والمحمرة عام 1837 م ، وكان هناك الشيخ عبد الله ضياء باش اعيان وهو ابن الشيخ عبد الواحد باش اعيان الكبير ، وقد درس على يد علماء عصره مثل الشيخ احمد نور الانصاري ، وله مؤلفات عديدة منها رسالة عن تراجم اعيان البصرة وكذلك كتاب صغير يدعى الفتوحات الكوازية الى الاراضي الحجازية ، كما كان الابن الاول للشيخ عبد الله ضياء والمدعو عبد الواحد باش اعيان والذي ولد في البصرة عام 1865 م مهتماً بالثقافة والادب فقد ألف كتاباً ضخماً اسماه ( زبدة التواريخ ) يقع في ثمانية عشر مجلد وكذلك كتاب آخر يدعى ( النصرة في تاريخ البصرة ) والذي يقع في مجلدين وهما عبارة عن مخطوطين بخط اليد في عدة اجزاء ، وكان صالح باش اعيان هو النجل الثاني للشيخ عبد الله ضياء قد ولد عام 1873 م في مدينة البصرة ، فقد نال قسطاً من التعليم واكمل دراسته العليا في عاصمة الدولة العثمانية ثم انصرف بعد ذلك للعمل في دوائر ولاية البصرة ، وكان محمد امين عالي باش اعيان من الاسماء التي تميزت لدى الاسرة فهو الابن الثالث للشيخ عبد الله ضياء ولد في عام 1878 م في البصرة ، فقد اهتم والده بتعليمه فخصص له معلماً لتعليمه اللغة العربية والعلوم الدينية ، ثم التحق بعد ذلك في المدارس الحكومية واضاف الشيء الكثير الى ثقافته الواسعة من خلال قراءاتةالخاصة وكثرة اطلاعه ، وكان محمد أمين قد أسس مدرستين في محلة المشراق الاولى ( نمونة ترقي ) والثانية التهذيب التي افتتحها عام 1910 م كما اصدر صحيفة حملت أسم التهذيب ، وذلك في حزيران عام 1909 م بالاضافة الى كتاباته في صحيفة التهذيب ، فقد ألف محمد أمين عالي رواية مسرحية صغيرة هي الشاب العصري والشيخ البصري ، وعلى أية حال فأن هناك العديد من الاسماء والشخصيات من ابناء هذه الاسرة لها اسهامات في الحياة الثقافية والاجتماعية وحتى السياسية خلال العصر الحديث ينبغي التوقف عندها ، ومن الممكن ان تدرس مستقبلاً ًعلى اعتبار ما موجود من خزانة ضخمة للكتب والمخطوطات تمتلكها هذه الاسرة وسوف تقدم الكثير للباحثين من أجل دراسة هذه الاسرة وغيرها من الأسر البصرية .