تتمتع البصرة بموقع استراتيجي مهم ، فهي بوابة الخليج العربي من ناحية الشمال ، وهي ثغر العراق الوحيد فمن مينائها حملت وعلى مر التاريخ حاصلات البلاد لتستبدل بالذهب الوهاج ، وهي مرسى للسفن التجارية العالمية ، وبقدر ما تأثرت برياح التيارات الفكرية والحضارية التي دخلت البلاد مع رياح التجارة القادمة من البلاد القريبة والبعيدة ، بقدر ما اثرت في الأجناس المختلفة التي دخلت البلاد بحضارتها وطيبة أهلها وكرمهم ودماثة أخلاقهم ، فإلى ميناء البصرة كانت ترنوا الأبصار ، ومن ميناء البصرة ولا تزال تتدفق اسباب العيش الضرورية والكمالية للبلاد ، وعدا عن هذا كله فالبصرة كانت الروض الاول الذي بذرت فيه بذرة الاسلام ، بعد ان توطدت دعائمه في قلب الجزيرة العربية ، وهي المعسكر الأول الذي تجمعت فيه جيوش الإسلام فزحفت لفل عروش الجبابرة ، والبصرة اول مدينة عربية اختطت في العراق ، فهي الحجر الأساس في بناء الحضارة الإسلامية الحديثة في الشرق والعالم أجمع ، فلا غرور ان تتمركز فيها خير القبائل العربية وعشائرها التي كانت لكل منها اماكنها المخصصة عندما تم تخطيط المدينة والتي اخذت بنظر الاعتبار عند تخطيط المدينة والتي هي موضوع دراستنا ، لذا فالبصرة تضم اسر كريمة منذ بداية تكوينها الى اليوم انحدرت من ارومة عربية صالحة ، ولها اعمال جليلة في الميادين الوطنية والقومية والاجتماعية قديماً وحديثاً .
ومن هذه الاسر اسرة آل البجاري ، وهي أسرة عربية تنتمي الى عشيرة البجارة من كعب ، وقد سكنت البصرة منذ زمن طويل ، حيث اشتغل افرادها بالتجارة ، وتعد من الاسر المشهورة في البصرة حتى الوقت الحاضر ولها خدمات جليلة في شتى النواحي الاجتماعية والانسانية ونظراً لما تتمتع به الاُسرة من أخلاق فاضلة وسجايا حميدة وسمعة طيبة لهم مقام معروف بأسمهم حتى اليوم ( محلة البجاري ) في العشار ، وان جد الاسرة او عميدها محمود درويش البجاري ولد في سنة 1875 ، وكان الحاج ابراهيم البجاري هو النجل الاكبر للحاج محمود ، ولد في سنة 1890 م في البصرة ، واعتنى والده بتربيته ، وبعد ان تلقن دروسه الأولية في القرآن والادب والعلوم والرياضة ، التحق مع والده وشاركه في أعماله التجارية ، واصبح من اغنياء البصرة المعروفين ، وقد عمل في مكتبه الحاج محمد طه الفياض العاني ، صاحب جريدة السجل التي صدرت في البصرة 1937 م ، وفي سنة 1938 م اسس شركة للملاحة تتألف من بضعة بواخر و ( دوب ) لنقل المواد الإنشائية بين اقطار الخليج العربي والبصرة وكذلك الى بغداد وعبادان ، وقد توسعت اعمال الشركة كثيراً حتى صارت من الشركات المهمة للملاحة النهرية في دجلة وشط العرب ، وبقدر ما يتعلق الامر باعضاء الاسرة الذين دخلوا المجلس النيابي فقد إنتخب أبراهيم البجاري في سنة 1932 م نائباً عن البصرة ثم جدد انتخابه في سنة 1934 م .
ومنهم ايضاً عبد الهادي البجاري وهو محمد ابن جواد بن الحاج محمود ولد في سنة 1910 م في البصرة واكمل دراسته الابتدائية فيها ، سافر الى بيروت وانهى دراسته الثانوية هناك ، تخرج من كلية الحقوق العراقية في بغداد ، مارس المحاماة واصبح عضواً في نقابة المحامين سنة 1936 م ، اصدر جريدة بإسم النبأ في سنة 1948 م وانتخب نائباً عن البصرة في أكثر من دورة إنتخابية ، وقد ساعد اهالي البصرة في حل مشاكلهم والدفاع عن حقوقهم واحتياجات لوائهم سواء من خلال المجلس النيابي أو من خلال الجريدة ، ومن اعضاء الاسرة الذي دخل المجلس النيابي هو عبد الصمد البجاري وهو ابن الحاج ابراهيم البجاري المذكور اعلاه ، ولد في البصرة سنة 1918 م اكمل الابتدائية والثانوية فيها ، دخل الكلية الحربية في بغداد ، واصبح ضابطاً وبعد احالته على التقاعد عمل في التجارة وهي مجال الاسرة الحيوي ، انتخب نائباً عن البصرة في اكثر من دورة انتخابية ، وكان للعائلة مواقفها السياسية من خلال انتماءات اعضائها الحزبية ، فكان عبد الهادي من اعضاء الحزب الوطني الديمقراطي الذي تأسس سنة 1946 م ولكنه انسحب بعد احداث 1948 م من العراق ثم ارتبط هو وعبد الصمد الى حزب الاُمة الاشتراكي الذي تأسس سنة 1951 م ، وسيأتي التفصيل عن مواقفهم المختلفة في المجلس النيابي من خلال البحث .