يعد اهتمام الاوساط الاكاديمية في جامعة البصرة بموضوع تاريخ العوائل والبيوتات المشهورة في تاريخ البصرة قفزة نوعية في ميدان الدراسات التاريخية وتجاوزاً لحاجز التقليد الذي اعتاد عليه الكثير من الباحثين من حيث التركيز على دراسة التاريخ السياسي ، فهذا الميدان وان لم يكن جديداً إلا ان القاء الضوء عليه والالتفات اليه بمزيد من الاهتمام من تأثير أن يغني في الدراسات التاريخية بكم ونوع معرفي رائد وأصيل في التاريخ الاجتماعي إذ يبحث الخصوصيات الاجتماعية والثقافية والدور التاريخي الذي مارسنه عوائل وبيوتات استطاعت بما امتلكته من امكانات اقتصادية ووزن اجتماعي مرموق ان تؤثر على العديد من مجريات التطور السياسي الحديث والمعاصر ليس في البصرة وانما في العراق عموماً في تاريخه الحديث والمعاصر ، وتهدف هذه الخلاصة الى استعراض الدور التاريخي لاحد اشهر الاسر في تاريخ البصرة وهي اسرة آَل المنديل في محاولة متواضعة قصد الباحث منها الوصول الى فهم معين لتاريخ البصرة الحديث والمعاصر وماتركته الادوار التي قام بها افراد هذه الاسرة من تأثيرات متنوعة سياسية او اقتصادية او اجتماعية إلخ . . .
1 ـ أصل الاسرة ونسبها :
يعود نسب آل المنديل الى جدها منديل وكان شخصية بارزة مارس تأثيراً واضحاً في مسقط رأسه (( جلاجل )) احدى مدن نجد ، وكان منديل من كبار الملاك والوجهاء النجديين في منتصف القرن الثاني عشر الهجري / الثامن عشر الميلادي ، اضطرته الظروف في ذلك الوقت الى تصفية ممتلكاته ونقل امواله الى البصرة بسبب نشوب نزاع بين اسرته وباقي الاسر والقبائل المتنافسة على الرئاسة والسيطرة في نجد ، حيث لم يستطع منديل الصمود في ذلك الصراع المرير فأتخذ وافراد عائلته طريق الهجرة الى المناطق القريبة ، اضافة الى ذلك فأن الصراعات الدموية التي دارت رحاها بين اتباع الحركة الوهابية من جهة ومناوئيها من القبائل العربية ، اضطرت اسرته مع عوائل كثيرة الى النزوح من مواطنها بعد النجاح الذي حققته الحركة الوهابية .
2 ـ موطن سكن الاسرة :
اختارت اسرة المنديل مدينة الزبير موطناً لها وذلك لعدة اسباب منها قيام السلطات العثمانية أو آخر القرن الثامن عشر ببناء سور حول المدينة فشجع ذلك الكثير من القبائل والاسر على الاقامة هناك طلباً للامن والطمأنينة ، فضلاً عن ذلك قيام العثمانيين باعفاء سكان الزبير من اداء الخدمة العسكرية مقابل دفع مبالغ مالية بمثابة عامل مشجع على جذب الاسرة واستقطابها للاقامة هناك ويضاف الى ما تقدم رغبة العديد من القبائل في مجاورة قبر الصحابي الزبير بن العوام والميزات السوقية التي تمتعت بها المدينة كمركز تجاري مهم لتجمع القوافل التجارية التي تنقل تجارة الحجاز والخليج والشام .
3 ـ النشاط الاقتصادي لاسرة آَل المنديل :
في أو آخر القرن الثامن عشر واوائل القرن التاسع عشر مارست اسرة آل المنديل نشاطاً تجارياً بارزاً وذلك حينما بدأت الشركات التجارية والملاحية البريطانية بالاهتمام بالبصرة معتبرةً اياها مركزاً تجارياً هاماً في منطقة الخليج العربي وطريقاً قصيراً بين اوربا والهند ، فتطور نشاط الاسرة التجاري بحكم تشعب علاقاتها مع الشركات الاجنبية فأصبحت من البيوتات التجارية المرموقة لا في البصرة فحسب وانما في موانيء متعددة من الخليج العربي وامتدت تجارتها لتصل الى الهند ، ومن ابرز شخصيات الاسرة على هذا الصعيد عبد المحسن المنديل وابراهيم المنديل اللذان عملا في تصدير الحبوب وخاصةً الذرة الى الهند .
4 ـ النشاط السياسي والاجتماعي والثقافي لاسرة آل المنديل :
لقد اتاح النشاط التجاري الواسع لأسرة آل المنديل الفرصة لها لتحتل مكانة مميزة في المجتمع البصري كما اتاح لها للقيام بأدوار سياسية و انشطة ثقافية متعددة مستثمرة الثقل الاقتصادي والامكانات المادية المتوافرة لأفراده ويسجل التاريخ المعاصر ادوار سياسية متعددة منها تأسيس الحزب الحر المعتدل في البصرة في 6 / آب / 1911 م بزعامة طالب النقيب وكان عبد اللطيف جلبي المنديل احد اعضائه القياديين نطراً لعلاقته القوية بطالب النقيب وحين اغبق الحزب بأمر من السلطات العثمانية في 26 / كانون الثاني / 1913 م سرعان ما نظم اعضاء الحزب المحظور انفسهم في تنظيم سياسي جديد سمي جمعية البصرة الاصلاحية احتفظ عبد اللطيف المنديل بمكانته كعضو قيادي فيها ، حينما سقطت البصرة بأيدي قوات الاحتلال البريطاني أختير عبد اللطيف المنديل ليكون أحد أعضاء الوفد الذي يمثل وجهاء البصرة لتسليم مفتاح المدينة الى قائد القوات البريطانية والتفاوض معه بشان اوضاع البصرة العامة ، ولعل ابرز الادوار السياسية لعبد اللطيف المنديل دوره كأول وزير للتجارة في عهد أول حكومة وطنية عراقية شكلت عام 1921 م وبعدها فاز بعضوية مجلس النواب لدورات عديدة الا أنه فضل في آخر المطاف اعتزال العمل السياسي والالتفات لأنشطته التجارية وادارة ممتلكاته ، ومن شخصيات الأسرة المعروفة يوسف المنديل الذي كان له مساهمات ثقافية وانشطة اجتماعية متنوعة كتبرعه بمبلغ 100 روبية لإنشاء مدرسة تذكار الحرية عام 1908 م وتمويل صحيفة الايقاض في العام نفسه ولجنة محاجي المسلمين المؤسسة في البصرة سنة 1916 م ، ما تقدم يمثل خلاصة جهود وانشطة عديدة وواسعة لاسرة المنديل جعلت مكانة افرادها متميزة مما كان لها تأثير واضح المعالم في تاريخ البصرة الحديث والمعاصر .