وهي أسرة انحدرت من سورية وهي من أسرها المشهورة ، ويتصل نسبها بنسب الغساسنة عرب الشام الاقحاح ، يدأ تاريخ الاسرة في العراق بجدها الاعلى وهو الوجيه يوسف اصفر الذي جاء بغداد حوالي سنة 1766 م واتخذه مركزاً لاعماله التجارية التي نجحت نجاحاً باهراً لما اشتهر به من الصدق والامانة والنزاهة ومنه تكونت أسر اصفر العراقية التي انتشرت في بغداد والبصرة .
وبعد وفاة الوجيه يوسف استلم زمام الامور التجارية الوجيه جبرائيل يوسف اصفر 1778 م ، وقد ترك له شهرة واسعة في كافة الاوساط البغدادية لما عرف عنه من طيب النفس وحسن المعاملة ودماثة الخلق حتى توفي سنة 1848 م في بغداد فخلفه بمركزه التجاري ولده الوجيه حنا جبرائيل اصفر المولود سنة 1820 م في البصرة ، وقد سار على سيرة والده الى ان توفيى ببغداد سنة 1902 م تاركاً اعماله التجارية لولده الوجيه الكبير جبرائيل حنا اصفر الذي ولد في بغداد سنة 1850 م واكمل دراسته في مدارس بغداد ، ورغم اشغال هذا الوجيه التجارية فقد كان له في الادب والتاريخ والاجتماع اسهامات كثيرة وقد كانت وفاته في بغداد 1923 م ، وقد تسلم عمادة هذا البيت الوجيه البير اصفر والذي ولد في البصرة سنة 1885 م ارسله والده الى بغداد فدخل مدرسة اللاتين حيث صار يتلقى فيها دروسه ، وبعد ان اتم دراسته في بغداد سافر الى لندن ودخل جامعة اكسفورد فنال من هناك الشهادة الجامعية وبعد ذلك عاد الى البصرة حيث التحق بوالده من اجل ممارسة اعمالهم التجارية ، سنة 1921 م حظي بمقابلة الملك فيصل الاول الذي كلفه بوظيفة وزير مفوض للحكومة العراقية في فرنسا لما كان يتمتع به من ثقافة رفيعة وحسن المرونة السياسية بسبب اعماله التجارية فعرض على الملك رأياً كان موضع استحسانه وهو قيامه بمهام القنصلية الفرنسية الفخرية في البصرة ، وحينما توفي والده باشر بأعماله التجارية ولقد نهج هذا النهج عائلته في القيام بالكثير من اعمال البر والخير والاحسان هذا بالاضافة الى مواقفه الوطنية وفيها طلبه من وزارة الداخلية وجوب رفع العلم العراقي على كافة بواخر الشركات التي يمثلها في العراق من يابانية وامريكية وانكليزية .
لقد تركزت كل اعمال العائلة التجارية من خلال شركة اصفر تأسست هذه الشركة في البصرة سنة 1794 م وكانت تشتغل بجلب البضائع كالاقمشة والسكر والشاي وغيرها من الهند وتصدر الحبوب والتمور الى بلاد الشرق وقد اهتم مؤسسها بها اهتماما ً فعالاً فتوسعت اعمالها واشتهرت بين الشركات المعروفة بالامانة وحسن المعاملة ، ولما توسعت طرق المواصلات وارتبط العراق بالعالم الخارجي ازدادت صلاتها التجارية مع الشرق ودول اوربا وامريكا حيث صارت تصدر التمور لممالك هذه القارات وتعد أول شركة عراقية ادخلت التمور الى اوربا ، ولما تولى ادارتها البير اصفر أزدهرت اكثر فقد اسس لها عدة مكابس فنية شيدت في املاكه الخاصة على الطريقة الحديثة وصلت كلفة كل مكبس حوالي 4500 ديناراً ، كانت هناك ثلاث مكابس دائمية الاول في حمدان ويسمى ( مكبس الحمداينة ) والثاني في الرباط ويسمى ( كبس الرباط )والثالث في منطقة الحسيبية ويسمى ( مكبس الحسيبية) ، وهي اول مكابس شيدت في العراق من النوع الحديث وتحتوي هذه المكابس على مكان لاطفال العاملات ، كانت الشركة ترسل التمور بصناديق صنعت خصيصاً من جريد النخل فزاحمت بذلك صناديق الخشب .
وبلغ ماتصدره سنوياً مئة الف صندوق من التمر ، اشتغل في الشركة مايقارب 15 كاتباً تفاوتت رواتبهم الشهرية بين ( 20 ـ 50 ) دينار وعمل في مكبسها اثناء الموسم مايقارب الالفي عامل ، وعدت هذه الشركة من اكبر شركات العراق الوطنية واكثرها شهرة في هذا المجال .
ماتقدم يمثل خلاصة الدور التاريخي الاقتصادي للاسرة ولاشك انها اسهمت اسهاماً فعالاً في البنية الاقتصادية للعراق عامة والبصرة بوجه خاص ، وختاماً فأن قلة المعلومات اربكت عملية البحث عن تاريخ الاسرة وخاصة في ضوء التلف والفقدان التي تعرضت له الكثير من الاصول والوثائق التاريخية عن البصرة ودور اسرها بعد الحرب الاخيرة ولكن الثابت لدينا ان دور الاسرة انحسر تدريجياً بعد قيام ثورة 1958 م في العراق نظراً لمغادرة معظم ابناءها العراق الى الخارج واستوطنوا هناك بشكل دائمي .