المسألة الثانية :
   الكفار مخاطبون بالعبادات ، وأنكر ذلك بعض الحنفية.
   لنا : وجهان :
   أحدهما : كل خطاب تناول الناس ، تناولهم ، كقوله : « يا أيها الناس اعبدوا » (1) وعارض الكفر لا يصلح معارضا ، لأنه يمكن ازالته.
   الثاني : قوله تعالى : « مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ » (2) و قوله : « وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة » (3) ، ووجه الدلالة : توجيه الذم إليهم على ترك [ الصلاة و ] الزكاة ، والذم لا يتحقق مع عدم الوجوب.
   لا يقال : الذم انما توجه بانضمام كونهم مشركين ، وبانضام التكذيب بيوم الدين.
   لأنا نقول : الظاهر ( تعلق ) (4) الذم بكل واحد من الخصال المذكورة.

   [ وفيه مسألتان ] :

المسألة الاولى :
   النهي : هو قول القائل لغيره ، لا تفعل ، أو ( ما جرى ) (5) مجراه ، على سبيل الاستعلاء ، مع كراهية المنهي عنه ، وتقريره ما مر .
   وهو يقتضي التحريم :

(1) البقرة / 21.
(2) المدثر / 42.
(3) فصلت / 6 ، 7.
(4) في نسخة : توجه.
(5) في نسخة : أجرى.

معارج الاصول ـ 77 ـ
   أما أولا : فلان العقلاء يستحسنون ذم من خالف مقتضى النهي ، إذا صدر ممن تجب طاعته .
   وأما ثانيا : ـ وهو يخص مناهي النبي صلى الله عليه وآله ـ ( لقوله )
(1) تعالى : « وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا » (2).

المسألة الثانية :
   النهي يدل على فساد المنهي عنه في العبادات ، لا في المعاملات ونعني بالفساد : عدم ترتب الاحكام ، كالاجزاء في العبادات ، وكانتقال الملك في البيع ، وحصول البينونة بالطلاق .
   وانما قلنا ذلك : لأن النهي يقتضي كون ما تناوله مفسدة ، والامر يقتضي كونه مصلحة ، وأحدهما ضد الآخر ، فالآتي ( بالمنهي ) (3) [ عنه ] لا يكون آتيا بالمأمور [ به ] ، ويلزم عدم خروجه عن عهدة الامر.
   وأما في المعاملات : فانه لا يدل ، لأنه لو دل : [ لدل ] أما بالمطابقة ، أو ( الالتزام ) (4) ، والقسمان باطلان ، أما المطابقة فظاهر .
   وأما الالتزام : فلعدم اللزوم بين النهي و [ بين ] الفساد ، لأنه لو صرح ( بالنهي ) (5) وأخبر بأن المخالفة ليست مفسدة ، لم يتناف ، وذلك يدل على عدم اللزوم.
   احتج : بقوله عليه السلام : « من أدخل في ديننا ما ليس منه فهو رد ».

(1) في نسخة : فقوله.
(2) الحشر / 7.
(3) في نسخة : بالنهي.
(4) في نسخة : بالالتزام.
(5) في نسخة : بالمنهى.

معارج الاصول ـ 78 ـ
   وأيضا : فان الصحابة كانت تحكم بفساد الحكم عند سماع النهي عنه.
   وجواب الاول : لا نسلم أنه ادخل في الدين ما ليس منه ، وانما يكون ذلك باعتقاد كونه من الدين ، وأما ( أحكامه ) (1) فلا نسلم انها ليست من الدين.
   وجواب الثاني : سلمنا أن الصحابة حكمت عنده ، لكن لابه ، يدل على ذلك حكمها في موضع آخر بالصحة مع سماع النهي ، كالنهي عن بيع حاضر لباد ، وتلقي الركبان.

(1) في نسخة : الاحكام.

معارج الاصول ـ 79 ـ
   وفيه فصول :


معارج الاصول ـ 81 ـ
   وفيه مسائل :

المسألة الاولى :
   العام (1) [ و ] هو المستغرق لجميع ما يصلح له إذا أفاد في الكل فائدة واحدة ، وزاد قاضي القضاة : في أصل اللغة من غير زيادة ، و احترز به ( من ) (2) التثنية والجمع المنكر.
   ووصف ما ليس بلفظ ـ بالعموم ـ مجاز ، لعدم الاطراد ، لأنه ( لا يقال ) : (3) ( عمهم ) (4) الاكل كما يقال : عمهم المطر.
   وأيضا : فان العموم يقتضي كون المعنى حاصلا بجملته لكل واحد ، وذلك غير حاصل في قولهم : عمهم المطر وقال قوم : هو مشترك بين المعاني والالفاظ ، وذلك غير بعيد .

المسألة الثانية :
   في اللغة ألفاظ موضوعة للعموم ، وهو اختيار الشيخ رحمه الله. وقال المرتضى : هي مشتركة كلها بين العموم والخصوص ، نظرا

(1) في بعض النسخ : في الكلام العام.
(2) في نسخة : عن.
(3) في نسخة : لا قايل.
(4) في نسخة : عموم.

معارج الاصول ـ 82 ـ
   إلى الوضع لا إلى الشرع. وقال قوم : هي حقيقة في الخصوص ، مجاز في العموم. وتوقف آخرون.
   لنا : ( لو كانت ) (1) « كل » و « جميع » ـ مثلا للعموم والخصوص ـ على الاشتراك ـ لكان القائل : رأيت الناس كلهم أجمعين ، مؤكدا للاشتباه ، وذلك باطل .
   بيان الملازمة : أن لفظة « كل » و « أجمعين » ـ عند الخصم ـ مشتركة على سبيل الحقيقة ، واللفظ الدال على شيء يتأكد بتكريره ، فيلزم أن يكون الالتباس ( مؤكدا ) (2) عند تكريره ، وأما بطلان اللازم : فلانا نعلم ضرورة من ( تعاضد ) (3) أهل اللغة ازالة الاشتباه بتكرير هذه الالفاظ.
   الوجه الثاني : لاشك أن قول القائل : ضربت كل الناس ، يناقضه : لم أضرب كل الناس ، فلو لم يكن الاول مستغرقا للكل ، لم يكن ( للثاني ) (4) نقيضا .
   الوجه الثالث : ان ألفاظ العموم يصح الاستثناء فيها ، والاستثناء دلالة التناول لوجهين : أحدهما : النقل. والثاني أنه مشتق من ( الثني ) وهو : المنع والصرف.
   وإذا كان للاخراج ، فلو لم يتناول اللفظ [ الاول ] ذلك المخرج ، لما كان اخراجا.
   احتج الآخرون بوجوه :
   أحدها : لو كانت للاستغراق ، لعلم ذلك اما بالبديهة ، أو بالمشافهة ، أو

(1) في نسخة : لو كان.
(2) في بعض النسخ : متأكدا.
(3) في نسخة : مقاصد.
(4) في نسخة : الثاني.

معارج الاصول ـ 83 ـ
   بالتواتر ، أو بالآحاد ، والثلاثة الاول باطلة ، لانها لو كانت ( حقا ) (1) لاستوينا فيها والآحاد ليست طرقا إلى العلم.
   الوجه الثاني : ألفاظ العموم مستعملة في العموم والخصوص ، فتجعل حقيقة فيهما .
   الوجه الثالث : لو كانت للاستغراق ، لسبق إلى الفهم عند سماع لفظه.
   وجواب الاول : انه معلوم بطرق مركبة من العقل والنقل المتواتر ، وهو [ ما ] بيناه من الوجوه ، ثم نقول : ان زعمتم أنه للخصوص فالحجة مقلوبة عليكم ، [ وان قلتم بالاشتراك ، فالحجة عليكم ] لا لكم.
   وجواب الثاني : لا نسلم أن الاستعمال دلالة على الحقيقة ، والا لكان استعمال البحر في الكريم كذلك ، سلمنا [ ه ] ، لكن : ان زعمتم أنها تستعمل في الخصوص حقيقة ، فهو موضع الخلاف.
   وان قلتم : تستعمل فيه بغير قرينة ، [ فيكون حقيقة ، قلنا : هذا باطل ، لأن المشترك لا يستعمل في أحد معنييه الا بقرينة ].
   وجواب الثالث : منع وجوب سبق الذهن إلى فائدة اللفظ ، ( فانه ) (2) ليس كل معلوم يعلم بأول وهلة .
   سلمنا ، ( لكن منعنا من ) (3) الالفاظ ما هو كذلك كلفظة ( كل ) وجميع.

   فوائد ثلاث :
   الاولى : ( من ) و ( ما ) إذا كانتا معرفتين بمعنى ( الذي ) ، لا تعمان ، وان

(1) في نسخة : حقة.
(2) في نسخة : وانه.
(3) في نسخة : لكن معناه من ، وفي أخرى : منعنا عن.

معارج الاصول ـ 84 ـ
   وقعتا للمجازاة أو الاستفهام ، عمتا ، ( إذ لو كانتا ) (1) مشتركتين ، لوجب أن يتوقف سامع : « من دخل داري أكرمته » على استفهام مستحق الاكرام ، وعدم التوقف دلالة على الاستغراق ، وأيضا : فانه يجوز الاستثناء منهما ، وجواز الاستثناء دلالة على التناول ، وتقريره ما مر .
   وكذلك ، « متى » : تفيد الاستغراق في الازمته. و « أين » : في الامكنة ، و تقريره ما ذكرناه.
   الثانية : « كل » و « جميع » تفيدان الاستغراق ، للتأكيد كانتا أو لغيره ، و تقريره ما مر ، ونزيد هنا : ان الجزء نقيض الكل ، فلو لم يكن الكل مستغرقا لما كان الجزء نقيضه.
   الثالثة : النكرة ( في سياق النفي ) (2) تعم ( جمعا ) (3) وفي الاثبات بدلا ، لوجهين : أحدهما : ان قولك : أكلت شيئا ، يناقضه : ما أكلت شيئا ، فلو لم تكن الثانية عامة ، لم تحصل المناقضة.
   الثاني : لو لم تكن للعموم ، لما كان قولنا : « لا اله الا الله » توحيدا .

المسألة الثالثة :
   الجمع المعرف باللام ـ مشتقا كان أو غير مشتق ـ ان كان معهودا انصرف إليه ، والا فهو للاستغراق ، خلافا لأبي هاشم .
   لنا : أنه يؤكد بما يقتضي العموم في قولك : قام القوم كلهم ، ورأيت المشركين كلهم ، فلو لم يكن الاول للاستغراق ، لما كان الثاني تأكيدا .
   الثاني : ان قوله : رأيت رجالا ، يفيد الجمع ، فإذا دخلت اللام ، فان

(1) في نسخة : إذا كانتا.
(2) في نسخة : في سياق النفى منفية.
(3) في نسخة : جميعا.

معارج الاصول ـ 85 ـ
   ( أفادت ) (1) الجمع أيضا لم يكن ثمة فائدة ، فلابد من افادة الاستغراق ، والا لتجردت اللام عن تجديد فائدة .
   حجة المخالف وجهان :
   أحدهما ان قولهم : [ جمع ] الامير الصاغة ، لا يعقل أنه جمع كل صائغ .
   الثاني : لو كان اللام ـ في صورة النزاع ـ للاستغراق ، لكان في العهد مجازا .
   وجواب الاول : ( ان ذلك ) (2) علم بقرينة تعذر جمع صاغة الدنيا ، و يلزمهم تجويز : « جميع صاغة الدنيا » لأنهم [ لا ] يدفعون [ عنه ] الجواز (3).
   وجواب الثاني : أن اللام تقتضي التعريف ، وهو القدر المشترك بين العهد والاستغراق ، فان كان ( ثمة ) (4) عهد انصرف إليه ، والا انصرف إلى الاستغراق ، لأن المخاطبين به أعرف بما ليس بمعهود.

   فائدة :
   الجمع المضاف ، كقولك : عبيدي ، وعبيد زيد ، للاستغراق ، والحجة عليه : جواز الاستثناء ، وتقريره ما مر .

(1) في نسخة : أفاد.
(2) في نسخة : انه علم.
(3) من قوله : جميع ـ إلى آخر هذا السطر ، كان مشوشا في النسخ ، وصححناه باعتبار المعنى ، ففى نسخة مكتبة الفيضية : جيمع صاغة الدنيا لأنهم لا يدفعون غير الجواز ، وفي سائر النسخ : جمع ، ويرفعون الجواز.
(4) في نسخة : ثم.

معارج الاصول ـ 86 ـ
  وفيه مسائل :

   [ المسألة ] الاولى : الاسم المفرد ( إذا دخل ) (1) عليه لام التعريف ، أفاد الجنس لا الاستغراق ، مشتقا كان أو غير مشتق ، وقال الشيخ « ره » : يعم .
   لنا وجهان :
   الاول : لو دل على الاستغراق ، لاكد بمؤكدات الاستغراق ، نحو ( كل ) و ( جميع ) ، وذلك باطل ، لانك لا تقول : رأيت الانسان كلهم ، ولا : جاءني الكريم أجمعون.
   الثاني : لو استغرق ، لصح الاستثناء منه مطردا ، ( والا ) (2) فلا ، أما الملازمة فظاهرة ، واما بطلان اللازم : فلانك لا تقول : جاءني الرجل الا الطوال ، ولا : رأيت العالم الا النحاة.
   احتج الخصم بوجهين :
   أحدهما : انه يجوز وصفه بالجمع ، كما يقال : أهلك الناس الدرهم البيض ، والدينار الصفر.
   الثاني : يصح الاستثناء منه ، كقوله [ تعالى ] : « ان الانسان لفي خسر الا الذين آمنوا » (3).
   والجواب عنهما : أن ذلك مجاز ، لعدم الاطراد ، فانك لا تقول : جاءني

(1) في نسخة : لو أدخل.
(2) في نسخة : ولا.
(3) العصر / 2.

معارج الاصول ـ 87 ـ
   الرجل القضاة ، ولا : العالم الا الفقهاء ، ولو قيل : إذا لم يكن ( ثمة ) (1) [ له ] معهود وصدر من حكيم ، فان قرينة حاله تدل على الاستغراق ، لم ينكر ذلك.

   المسألة الثانية :
   الجمع المنكر لا يدل على الاستغراق ، وحمله الشيخ « ره » على الاستغراق من جهة الحكمة ، وهو اختيار الجبائي.
   لنا : انه وضع للدلالة على الجمع ، لأنه يفسر بالقلة والكثرة ، فيجب ان لا يحمل على أحدهما الا لدلالة ، [ ظاهرة ] [ لكن أقل الجمع من ضروريات محتملاته ، فيجب أن يقتصر عليه ، الا لدلالة زائدة ].
   احتج الجبائي : بأن حمل اللفظ على الاستغراق ، حمل له على جميع حقائقه ، فكان أولى.
   واحتج الشيخ « ره » : بأن هذه اللفظة إذا دلت على القلة والكثرة ، وصدرت من حكيم ، فلو أراد القلة لبينها ، وحيث لا قرينة ، وجب حمله على الكل.
   وجواب الاول : لا نسلم أن اللفظ موضوع لهما (2) حقيقة ، بل موضوع لمطلق الجمع ، لا للقلة من حيث هي قلة ، ولا للكثرة من حيث هي كذلك ، والدال على الكلي غير دال على الجزئي ، سلمنا أنه حقيقة فيهما ، لكن يجب التوقف الا لقرينة ، والقرينة موجودة مع أقل الجمع ، لأنه مراد قطعا ، ثم نقول : ( لم ) (3) زعمتم انه يجب حمله على جميع حقائقه ؟ لابد لهذا من دليل.
   وجواب الثاني : لا نسلم تجرده من القرينة ، وقد بينا وجودها ، سلمنا انه لا قرينة ، ولكن لو أراد الكل لبينه أيضا.

(1) وفي نسخة : ث.
(2) في نسخة : لها.
(3) في نسخة : ان.

معارج الاصول ـ 88 ـ
   فائدتان
   الاولى : الجمع في الاشتقاق : ضم الشيء إلى الشيء ، فمعناه موجود في الاثنين فصاعدا ، وفي العرف : يفيد الفاظا مخصوصة ، ولفظ الجمع كقولنا : رجال ، يفيد الثلاثة فما زاد ، وقيل : يقع على الاثنين أيضا.
   لنا : فرق أهل اللغة بين ألفاظ التثنية والجمع.
   الثاني : [ ان ] الفاظ الجمع توصف بالثلاثة فما زاد ، فيقال : رجال ثلاثة ، ولا يقال : رجال اثنان.
   الفائدة الثانية : ضمير الجماعة يبنى على ما يعود إليه ، فان كان مستغرقا كان كذلك والا فهو خاص.

   المسألة الثالثة :
   نفي المساواة [ بين الشيئين ، لا يقتضى عموم نفي المساواة ] خلافا لبعض الشافعية.
   لنا : ان المساواة ( تفيد ) (1) الاستواء في جميع الصفات ، فنفي المساواة نفي لذلك المجموع ، ونفي المجموع من حيث هو كذلك يحصل بنفي بعضه فلا يلزم نفي المساواة من كل وجه.

   المسألة الرابعة :
   إذا اجتمع المذكر والمؤنث في لفظ غلب التذكير فان ورد مجردا عن القرينة الدالة على المراد به ، هل يحمل على الذكرين منفردين ؟ قال قوم : نعم. وحمله الشيخ « ره » عليهما.
   حجة الاولين : ان ( قاموا ) مثلا يفيد تضعيف فائدة ( قام ) ، وهو للمذكر خاصة ، فكذلك تضعيفه .
   حجة الشيخ « ره » : نص أهل اللغة : أن مع اجتماعهما يغلب لفظ التذكير.

(1) في بعض النسخ : تقتضي.

معارج الاصول ـ 89 ـ
   وفيه مسائل :

   المسألة الاولى :
   وصف الكلام بأنه خصوص وخاص ، يفيد أنه وضع لشيء واحد ، ووصف الكلام بأنه مخصوص : هو انه قصر على بعض فائدته ، وقولهم : خص فلان العموم ، يستعمل بالحقيقة على انه جعله خاصا ، ولا يجعله كذلك الا إذا استعمله في بعض فائدته ، والتخصيص : ما دل على أن المراد باللفظ بعض ما تناوله.

   فائدة
   الفرق بين النسخ والتخصيص من وجوه :
   الاول : ان التخصيص لا يصح الا في الالفاظ ، والنسخ : قد يكون لما علم بدليل شرعي لفظا كان أو غيره.
   الثاني : التخصيص يؤذن بأن المخصوص غير مراد من اللفظ عند الخطاب ، والنسخ يؤذن ان المنسوخ مراد عند الخطاب.
   الثالث : ان النسخ يدخل على ( عين ) (1) واحدة ، والتخصيص بخلاف ذلك.
   الرابع : التخصيص قد يكون بدلالة العقل والاستثناء وأخبار الآحاد ، والنسخ لا يقع بذلك .
   الخامس : التخصيص مقارن ، والنسخ متراخ .

(1) في نسخة : غير.

معارج الاصول ـ 90 ـ
   المسألة الثانية :
   يجوز أن يستعمل الله تعالى العام في الخصوص ، أما الامكان : فلا أن أهل اللغة تجوزوا بمثل ذلك في كلامهم ، وقد بينا أن المجاز جائز الحصول في خطابه تعالى .
   وأما الوقوع فظاهر في القرآن والاحاديث لا يقال : الحكمة تمنع من ذلك ، لأنه يوهم الكذب.
   لأنا نقول : متى ؟ إذا تجرد عن القرينة أم لا (1) ، ونحن لا نجيزه الا مع القرينة.

   المسألة الثالثة :
   يجوز تخصيص الفاظ العموم حتى يبقى واحد ، وهو اختيار الشيخ « ره » ومذهب القفال ، وقيل : حتى يبقى ثلاثة ، ومنهم من فصل بين لفظ الجمع وغيره من الالفاظ ، وقال أبو الحسين : حتى يبقى كثرة ، الا على سبيل التعظيم ، وهو الاظهر ، لأنا نعلم قبح قول القائل : [ أكلت ] كل ما ( في البستان ) (2) من الرمان ـ وفيها ألف وقد أكل واحدة ، وكذلك يقبح : أخذت كل ما في الصندوق من الذهب ـ وفيه ألف ـ وقد أخذ دينارا.

   المسألة الرابعة :
   يجوز تخصيص العام بالشرط ، والغاية ، والصفة ، و الاستثناء ، ودلالة العقل ، والكتاب ، والاجماع ، والسنة متواترة كانت أو
آحادا.
   فالشرط هو : ما يقف عليه الحكم ، وهو ضربان : مؤكد ، كقوله : قم ان استطعت ، ومبين ، كقوله : اكرمه ان فعل ، وله صدر الكلام تقدم أو تأخر ، ولا يدخل [ الا ] على المتوقع لفظا أو تقديرا ، ولا يدخل على الماضي والحاضر ، و لا يمتنع كون الشيء شرطا لاشياء كثيرة ، [ كما يكون للشيء الواحد شروط كثيرة ].

(1) ورد في نسخة اضافة كلمة ( ممنوع ) وفي أخرى وردت مكانها كلمة ( عن ) وفي ثالثة هكذا ( م ع ) ، وما اثبتاه في المتن مطابق لنسخة المكتبة الفيضية.
(2) في بعض النسخ : بالسلة.

معارج الاصول ـ 91 ـ
   والغاية : كقوله : « وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ » (1) وقد اختلف فيما بعد الغاية ، والاظهر انتفاء الحكم السابق معها .
   والصفة : تخص العام ، وتقيد المطلق ، أما العام فكقولك ، اكرم الرجال الطوال.
   ولنضع للمطلق مسألة على حيالها :

   المسألة الخامسة :
   في المطلق والمقيد ، والمطلق : هو الدال [ على الماهية والمقيد : هو الدال ] عليها مع صفة ، مثال الاول : قوله تعالى : « فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ » [ ومثال الثاني قوله : « فتحرير رقبة ] مؤمنة » (2) فإذا وردا ، فاما أن يكون بينهما تعلق ، ويجب تنزيل المطلق على المقيد.
   واما أن لا يكون بينهما تعلق : فان كان ( حكماهما ) (3) مختلفين ، كان المطلق على اطلاقه ، كأن يأمر بالصلاة ، ثم يأمر بالصيام ( متتابعا ) (4) وان كان حكمهما متفقا ، وكان سببهما واحدا ، و علم [ أن ] المراد بأحدهما هو الآخر ، كان المطلق مقيدا بتلك الصفة ، لأن المأمور به واحد ، والتقييد يقتضي اشتراطه ، فلولم يقيد المطلق به لكان غيره وان لم يعلم ان المراد بأحدهما هو الآخر ، كان المطلق على اطلاقه ، والمقيد على تقييده ، وتغايرا .
   وان كان سببهما مختلفا ، بقي المطلق على اطلاقه ، ولا يجب تقييده بالصفة الا لدلالة ، خلافا لبعض الشافعية.
   لنا : ان الأمر على الاطلاق لسبب معين ، لا ينافي التقييد لسبب آخر ، وإذا لم يتنافيا لم يجب تنزيل أحدهما على الآخر ، ولا تقييده به .

(1) البقرة / 222.
(2) المجادلة / 3 ، والنساء / 92.
(3) في نسخة : حكمهما.
(4) في نسخة : فتتابعا.

معارج الاصول ـ 92 ـ
   احتجوا : بأن القرآن كالكلمة الواحدة.
   وجوابه : أن اردتم في عدم التناقض فمسلم ، وان أردتم في وجوب تنزيل المطلق على المقيد فممنوع .

   [ وفيه مسائل ] :

   [ المسألة ] الاولى :
   الاستثناء ( يخرج من ) (1) الكلام ما لولاه لوجب دخوله تحته ، ولا تكفي الصلاحية ، وهو اختيار أبي جعفر « ره » ، لوجهين :
   أحدهما : لو كفت الصلاحية لصح : ( رأيت رجلا الا زيدا [ أ ] و : رأيت رجالا الا زيدا ) لأن الصلاحية موجودة .
   [ و ] الثاني : يصح الاستثناء من الاعداد ، ولولاه لوجب دخوله ، فيجب في الكل ، صونا للفظ الاستثناء عن الاشتراك.
   والوجهان ضعيفان :
   اما الاول : ( فحيث انه لازم له ) أيضا ، (2) لأنه يقول النكرة يجب أن تعم بدلا ، ولو كفى الوجوب ، لجاز الاستثناء حيث ذكر ، فان أجاب : بأن الوجوب مشروط بالشمول ، كان لخصمه [ منع ] ذلك .
   وأما الثاني : فنقول : لا نسلم صحة الاستثناء في الاعداد لخصوص الوجوب ، بل لعموم الصلاحية.
   واستدل بعض الأصولية لذلك بأنه : لو كفت الصلاحية لتساوي قولنا :

(1) في بعض النسخ : مخرج عن ، وفي نسخة : من.
(2) في بعض النسخ : فحسنه لازم.

معارج الاصول ـ 93 ـ
   اضرب ( رجلا ) (1) الا زيدا [ أ ] و : الرجال الا زيدا ، وعدم التساوي دليل على أن الاستثناء لا يكون حقيقة الا في ( موضع ) (2) الوجوب.
   المسألة الثانية : شرط كون الاستثناء مخصصا ، كونه متصلا أو متراخيا بما جرت العادة بأن المتكلم ( لم يستوف ) (3) غرضه .
   ولا يجوز تراخيه عن ذلك ، خلافا لما حكي عن ابن عباس ، ولا نزاع في الجواز عقلا ، بل وضعا ، فان أهل اللغة يستقبحون قول القائل : اضرب الرجال ، ثم يقول بعد سنة : الا زيدا بمعنى : أنهم لا يعدون ذلك استثناءا ، فمستعمله اذن خارج عن عرف أهل اللغة .
   وجاء في شواذ أخبارنا جواز استثناء المشيئة في اليمين إلى أربعين يوما ، وليس بمعتمد .

   المسألة الثالثة :
   الاستثناء من غير الجنس مجاز ، لأن الاستثناء ( اخراج ) (4) ما لولاه لتناوله اللفظ ، وليس كذلك صورة النزاع.
   وهو واقع وضعا كقوله : وما بالربع من أحد الا أواري شرعا كقوله تعالى : « فسجد الملائكة كلهم أجمعون الا ابليس » (5).

   فائدة
   اختلفوا في جواز استثناء أكثر الشيء ، فمنعه قوم ، والاكثرون على جوازه .

(1) في بعض النسخ : رجالا.
(2) في نسخة : موضوع.
(3) في نسخة : لايوف.
(4) في بعض النسخ : لاخراج.
(5) الحجر / 30.

معارج الاصول ـ 94 ـ
   والظاهر : أن الكثرة قد تنتهي إلى حد [ يقبح استثناؤها ، فانه ] يقبح عادة أن يقال له : عندي مئة الا تسعة وتسعين درهما ونصفا ، وهذا ظاهر .
   المسألة الرابعة : الاستثناء إذا تعقب جملا معطوفة ، ولم يكن الثاني اضرابا ، قال الشيخ أبو جعفر « ره » يرجع إلى جميعها.
   وقال السيد المرتضى : يرجع إلى الاخير قطعا ، وتوقف في رجوعه إلى الاول الا لدلالة .
   احتج الشيخ « ره » بوجهين :
   الاول : إذا تعقب الشرط جملا ، ( يرجع ) (1) إلى الكل ، فكذلك الاستثناء والجامع كون كل واحد منهما لا يستقل بنفسه .
   الثاني : ان حرف العطف يصير الجمل المعطوفة في حكم الجملة الواحدة إذ لا فرق بين قولك : رأيت زيد بن عمرو ، وزيد بن خالد ، وبين قولك : رأيت الزيدين ، فيجب رجوع الاستثناء اليهما.
   احتج المرتضى « ره » بوجهين :
   أحدهما : حسن استفهام المستثني عقيبهما عن كل واحد منهما والاستفهام دلالة الاشتراك :
   الثاني : وجدنا الاستثناء تارة يعود ( اليهما ) ، (2) وتارة إلى الاخيرة ، فيجعل ( مشتركة ) (3) ( لأن ) (4) الاصل في الاستعمال الحقيقة.

   المسألة الخامسة :
   إذا تعقب الاستثناء استثناءا آخر : فان كان معطوفا كانا عائدين إلى الاول. وان لم يكن معطوفا : فان كان الاستثناء الثاني مثل الاستثناء

(1) في نسخة : رجع.
(2) في نسخة : إليها.
(3) في نسخة : مشترك.
(4) في نسخة : الا أن.

معارج الاصول ـ 95 ـ
   الاول فصاعدا ، رجع إلى المستثنى منه أيضا ، وان كان دونه ، رجع إلى الاستثناء ، وقيل : يرجع إلى المستثنى منه ، والاول أظهر.

   ( وفيه مسائل ):

  المسألة الاولى :
   العام يخص بالدليل العقلي ، لأنا نخرج الصبي والمجنون من قوله تعالى : « يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ » (1) هذا في حال كونهما كذلك وان كانا عند البلوغ [ والعقل ] مخاطبين بالعبادة بتلك العبارة.
   احتج المانع : بأن المخصص مقارن ، ودليل العقل متقدم .
   وجوابه : لا نسلم اشتراط المقارنة في كل مخصص .

   المسألة الثانية :
   تخصيص الكتاب بالكتاب جائز ، كقوله تعالى : « فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ » (2) ثم قال في موضع آخر : « حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ » (3).
   وكذلك تخصيص الكتاب بالسنة قولا ، كتخصيص آية المواريث (4) بقوله عليه السلام : « القاتل لا يرث » ، وفعلا ، كتخصيص آية الجلد (5) برجمه عليه السلام ماعزا .

(1)البقرة / 21.
(2) محمد / 4.
(3) التوبة / 29.
(4) وهي قوله تعالى : « يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ، الى قوله تعالى وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ » النساء / 11 ، 12.
(5) وهي قوله تعالى : « الزانية والزاني فاجلدوا كل واحدٍ منهما مائة جلدة » الخ الآية، النور / 2.

معارج الاصول ـ 96 ـ
   وبالاجماع ، كالتسوية بين العبد والامة في تنصيف الحد ، تخصيصا لآية الجلد.
   وأما تخصيص السنة بالسنة ، فقد أنكره قوم والاصح جوازه .

   المسألة الثالثة :
   يجوز تخصيص العموم المقطوع به بخبر الواحد وأنكر ذلك الشيخ أبو جعفر « ره » سواءا كان العموم مخصوصا أو لم يكن ، وهو اختيار جماعة من المتكلمين ، ومن الأصولية من فصل .
   احتج المجيز : بانهما دليلان تعارضا ، فيجب العمل بالخاص منهما ، لبطلان ما عداه من الاقسام.
   احتج المانع : بأن العموم المقطوع يوجب العلم ، والخبر يوجب الظن ، ولا يجوز ترك المعلوم للمظنون .
   أجاب الاولون : بأن ما ذكرته منقوض بالبراءة الاصلية ، فانها تترك بالخبر وأيضا : فان تناول العموم لموارده مظنون ، وان كان مقطوع النقل ، والخبر وان كان مظنون النقل فتناوله ( لما يتناوله ) (1) والعمل به مقطوع ، فتساويا في القطع والظن ، والاولى التوقف.
   ونجيب عن الاول : بأنا لا نسلم أن خبر الواحد دليل على الاطلاق ، لأن الدلالة على العمل به الاجماع على استعماله فيما لا يوجد عليه دلالة ، فإذا وجدت الدلالة القرآنية سقط وجوب العمل به ، وما يدعونه من الاخبار التي حكم بتخصيص العموم بها ، عنه جوابان ، عام ، وخاص :
   فالعام أن نقول : أحصل الاجماع على التخصيص ؟ فان قالوا : لا ، سقط الاستدلال ، وان قالوا : نعم ، قلنا : لا نسلم أنه حصل التخصيص بها ، بل بالاجماع فان قالوا : لا بد للاجماع من مستند ، قلنا : نعم ، لكن لا نسلم أن المستند هو

(1) في نسخة : لما تناوله.

معارج الاصول ـ 97 ـ
   ما ذكرتم.
    الثاني : ( انا ) (1) نعارضهم بأخبار مثلها ، فإذا استدلوا بخبر أبي هريرة في تحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها ، ورجوع الصحابة إلى ذلك ، عارضنا [ هم ] بخبر فاطمة بنت قيس المتضمن لسقوط نفقة المبتوتة وسكناها ، فان عمر طرحه وعمل بالآية .

   وفيه مسائل :

   المسألة الاولى :
   العام إذا خص صار مجازا ، سواء خص بدليل متصل أو منفصل ، وهو اختيار أبي جعفر « ره » ، وجعله قوم حقيقة على الاطلاق ، ومنهم من فصل .
   لنا : ان العموم حقيقة في الاستغراق ، فإذا أريد به الخصوص كان مجازا لأنه استعمال له في غير موضوعه لا يقال : العام مع القرينة حقيقة في الخصوص لأنا نقول : ذلك يسد باب المجاز ، فان المجاز لا ينفك عند استعماله ( عن ) (2) القرينة.

   المسألة الثانية :
   يجوز التمسك بالعام المخصوص ـ إذا لم يكن التخصيص مجملا ـ مطلقا. ومنهم من فصل .
   لنا : ان اللفظ متناول لما عدا المخصوص ، فيجب استعماله فيه .
   وانما قلنا أنه متناول له لأنا بينا أن الفاظ العموم حقيقة في استغراق الكل ، ولا معنى للكل سوى مجموع الآحاد ، والتخصيص لا يمنع التناول ، والا لدار .

(1) في نسخة : أن.
(2) في بعض النسخ : من.

معارج الاصول ـ 98 ـ
   احتج ابن أبان بوجهين :
   أحدهما : ان العام لما عرض له التخصيص ، صار مجازا ، فلم يجز التعلق به .
   [ و ] الثاني : ان اخراج البعض المعين ، يجرى مجرى قوله : لم أرد الكل ولو قال ذلك ، لمنع من التعلق بظاهره ، فكذلك ما جرى مجراه .
   وجواب الاول : سلمنا أنه مجاز بالنظر إلى تناول الكل ، لكن لا نسلم أنه مجاز في تناول الباقي ، فانا [ قد ] بينا انه متناول له في أصل الوضع ، سمي مجازا أو لم يسم .
   وجواب الثاني : انه قياس من غير جامع ، والفرق بينهما : عدم امكان الوصول إلى المراد في الاولى ، وامكان الوصول إليه في الثانية.

   المسألة الثالثة :
   إذا ورد عام وخاص متنافيي الظاهر ـ كقوله عليه السلام : « في الرقة (1) ربع العشر » وقوله : « ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة » ـ فاما أن يعلم تاريخهما أو يجهل فان علم : فأما أن يعلم اقترانهما ، أو تقدم العام ، أو تأخره ، ( فههنا ) (2) أربعة مباحث :
   الاول : إذا علم اقترانهما ، بني العام على الخاص بلا خلاف .
   الثاني : إذا تقدم العام وتأخر الخاص : فان كان ورد بعد حضور وقت العمل بالعام ، فانه يكون نسخا ، وان كان قبله ، كان تخصيصا للعام عند من يجيز تأخير بيان العام.
   الثالث : إذا كان الخاص متقدما ، والعام متأخرا ، فعند الشيخ أبي جعفر « ره » يكون العام ناسخا ، لأنه لا يجيز تأخير البيان ، وقال الأكثرون : ان العام يبنى على الخاص ، وهو الاظهر.
   لنا : دليلان تعارضا ، فلو عمل بهما لتناقضا ، ولو عمل بالعام لالغي الخاص فيجب العمل بالخاص صونا لهما عن الالغاء.

(1) في نسخة : فهنا.
(2) في نسخة : الورق.

معارج الاصول ـ 99 ـ
   الرابع : إذا جهل التأريخ ( فيهما ) (1) فالذي يجيء على ما اخترناه ان يبنى العام على الخاص ، وتوقف بعض الحنفية.
   لنا : اما أن يكون مقارنا ، أو متقدما ، أو متأخرا ، وعلى التقديرات الثلاثة ، وجب بناء العام عليه على ما قلناه ، فكذلك في صورة الجهالة ، لأنه لا يعدو أحد الاقسام.

  [ وفيه مسائل ] :

   المسألة الاولى :
   الخطاب العام الوارد على السبب الخاص : اما أن يكون مستقلا بنفسه ، واما أن لا يستقل ، فان لم يستقل ، كان مقصورا على سببه ، كقول النبي صلى الله عليه وآله ـ وقد سئل عن بيع الرطب بالتمر ـ « أينقص إذا يبس ، فقيل : نعم فقال : لا اذن » ، وان كان مستقلا : فان كان عاما في غير ما سئل ، فلا شك في عمومه ، كقوله عليه السلام ـ وقد سئل عن ماء البحر ـ فقال : « هو الطهور ماؤه ، الحل ميتته ».
   وان كان أعم منه في ذلك الحكم ، لم يقصر العام على السبب الخاص ، وهو اختيار أبي جعفر « ره » ، وصار جماعة إلى قصره عليه.
   لنا : ان المقتضى للعموم موجود ، والعارض لا يصلح معارضا ، أما وجود المقتضي فما بيناه من كون الصيغة حقيقة في العموم ، وأما فقدان العارض فلان المانع هو ما يذكره المخالف ، وسنبطله انشاء الله تعالى .
   احتجوا : بأن الخطاب لو كان عاما لكان ابتداءا وجوابا ، وذلك ( يتنافى ) (2)

(1) في بعض النسخ : بينهما.
(2) في نسخة : متناف ، وفي أخرى : لتنافى مابين الخ.

معارج الاصول ـ 100 ـ
   لما بين الجواب والابتداء من التفاوت ، وأيضا : فان من حق الجواب مطابقة السؤال ، وذلك انما يكون بالمساواة .
   وجواب الاول : لا نسلم التنافي بين الجواب والابتداء ، كما لو صرح بذلك .
   وعن الثاني : لا نسلم انحصار المطابقة في المساواة ، بل بمعنى انتظام الجواب ( مع ) (1) السؤال ، وهو موجود .

   المسألة الثانية :
   إذا تعقب العام صفة أو استثناء أو حكم ، وكان ذلك لا يتأتى في جميع ما يتناوله العموم بل في بعضه ، قال قوم يقصر العموم عليه ، و انكره القاضي ، وهو مذهب الشيخ أبي جعفر « ره » ، والاولى التوقف ، لأن صيغة العموم للاستغراق ، وظاهر الكناية الرجوع الى ما ذكر ، فيجب التعارض لعدم الترجيح.
   لا يقال : التمسك بالعموم أولى ، لأنه ظاهر .
   لأنا نمنع الاولوية ، ولعل الكناية أولى.

   المسألة الثالثة :
   إذا عطف على العام ، وكان في المعطوف اضمار مخصوص قال القاضي لا يجب اضمار مثله في المعطوف عليه ، كقوله عليه السلام : « لا يقتل مؤمن بكافر ، ولا ذو عهد ( في عهده ) » (2) ( وفي ) (3) الثاني اضمار مخصوص وهو ( بكافر حربي ) ، لأن ذا العهد يقتل بالذمي بلا خلاف .
   والاولى التوقف ، لأن العطف يقتضي الاشتراك ، خصوصا في عطف المفرد ، وصيغة العموم تقتضي الاستغراق ، وليس أحدهما أولى من الآخر.

(1) في بعض النسخ : لجميع.
(2) في بعض النسخ : بعهده.
(3) في نسخة : ففى.