الفصل الثاني :
في الاجماع
وفيه أبحاث :
الأول : الاجماع ـ لغة ـ : الاتفاق .
واصطلاحا ـ عندنا ـ : اتفاق جمع يعلم به أن المتفق عليه (1) ، صادر عن رئيس الأمة ، وسيدها ، وسنامها ، صلوات الله عليه .
والحق : إمكان وقوعه ، والعلم به ، وحجيته
(2) .
وقد اختلف في كل من المواضع الثلاثة ، وركاكة حججهم تمنع من (3) التعرض لها
(4) .
وسبب حجيته ظاهر بما مر من التعريف ، وهو اشتماله على قول الإمام المعصوم الذي لا يقول إلا عن وحي إلهي
(5) .
(1) كلمة ( عليه ) : ساقطة من الأصل ، وقد أثبتناها من سائر النسخ .
(2) معالم الدين : 172 .
(3) كلمة ( من ) : زيادة من ط .
(4) كذا في ب ، وفي سائر النسخ : لهم .
(5) الذريعة : 2 / 605 / 630 ، معارج الأصول : 126 ، تهذيب الوصول : 65 ، معالم الدين : 173 .
الوافية في اصول الفقه ـ 152 ـ
وليس سبب حجيته انضمام الاقوال واجتماعها ، كما يقول المخالفون
(1) ، حيث احتالوا في إطفاء نور الله ، فجعلوا اجتماع أقوال الامة حجة ، واجب الاتباع ، كالقرآن ، والحديث ، وأدلتهم ـ بعد تمامها ـ لا تدل على مطلوبهم .
فالاجماع عندنا ليس أمرا غير السنة .
الفصل الثاني :
الاجماع يطلق على معنيين :
أحدهما : اتفاق جمع على أمر ، يقطع بأن أحد المجمعين هو المعصوم ، ولكن لا يتميز شخصه
(2) .
وهذا القسم من الاجماع مما لا يكاد يتحقق
(3) ، لان الامام عليه السلام قبل وقوع الغيبة : كان ظاهرا مشهورا عند الشيعة في كل عصر ، يعرفه كل منهم ، وبعد الغيبة : يمتنع حصول العلم بمثل هذا الاتفاق .
وما يقال : من أنه إذا وقع إجماع علماء الرعية على الباطل ، يجب على الامام أن يظهر ويباحثهم ، حتى يردهم إلى الحق ، لئلا يضل الناس (4) .
فهو مما لا ينبغي أن يصغى إليه ، لان جل الاحكام ـ بل كلها ـ معطل ، كالامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإقامة الحدود ، وغير ذلك ، ومع ذلك فهو لا يظهر .
(1) المستصفى : 1 / 175 ، المحصول : 2 / 37 ، المنتهى : 52 .
(2) الذريعة : 2 / 624 ، معارج الاصول : 132 .
(3) معالم الدين : 175 .
(4) عدة الاصول : 2 / 76 ، وقد حكي عن الميرداماد أيضا ذهابه إلى ذلك أو ما يقرب منه في مجلس درسه ، انظر : ؟ فرائد الاصول : 86 .
الوافية في اصول الفقه ـ 153 ـ
وأيضا : إجماعهم إنما يوجب ضلالة الناس ، إذا كان واجب الاتباع بدون العلم بدخول الامام عليه السلام فيهم ، وليس كذلك كما عرفت .
وثانيهما : اتفاق جماعة على أمر ، لا يقطع بدخول الامام عليه السلام فيهم ، بل قد يقطع بخروجه عنهم ، إلا أن هؤلاء المجمعين كانوا ممن لا يجوز العقل اجتماعهم على الافتاء من دون سماعهم لتلك الفتوى عن قدوتهم وإمامهم عليه السلام .
وعدم ذلك التجويز لا يتم إلا بعد التتبع عن أحوال هؤلاء المجمعين ، والاطلاع على تقواهم وديانتهم ، فهو مختلف باعتبار خصوصص المجمعين ، فقد يحصل بإثنين ، بل بواحد ، وقد لا يحصل بعشرة ، بل بعشرين .
البحث الثالث :
الحق إمكان الاطلاع على الاجماع بالمعنى الثاني من غير جهة النقل في زمان وقوع الغيبة ، إلى حين انقراض الكتب المعتمدة ، والاصول الاربعماءة المتداولة ، كزمان المحقق والعلامة وما ضاهاه
(1) ، ولكنه بعيد .
أما إمكانه : فلان كتب أصحاب الائمة عليهم السلام ، كانت موجودة مشهورة ، كفتاوى المتفقهة المتأخرين عندنا ، وفتاواهم كانت مودعة في كتبهم ، فقد يحصل العلم بقول الامام عليه السلام ، إذا حصل العلم بفتاوى عدة منهم ، كزرارة ، ومحمد بن مسلم ، والفضيل ، وأبي بصير المرادي ، ومن يحذو حذوهم ، وإنكار ذلك مكابرة .
وأصحاب الائمة عليهم السلام كانت لهم فتاوى مشهورة ، وقد نقل
(1) في أ وط : وما ضاهاهما .
الوافية في اصول الفقه ـ 154 ـ
بعضها المتأخرون ، كما نقل رئيس المحدثين
(1) فتاوى الفضل بن شاذان
(2) ، ويونس بن عبد الرحمن
(3) ، وغيرهما ، في كتاب الميراث من الفقيه ، وغيره ، وكذا الكليني في الكافي
(4) .
ونقل الشيخ في التهذيب ، في باب الخلع
(5) : فتيا جعفر بن سماعة ، والحسن بن سماعة ، وعلي بن رباط ، وابن حذيفة ، وعلي بن الحسين ،
وفي باب عدة النساء
(6) : مذهب الحسن بن سماعة ، وعلي بن إبراهيم ابن هاشم ، وجعفر بن سماعة ، ومعاوية بن حكيم ، وغيرهم .
وفي باب ميراث المجوس
(7) : اختلاف أئمة الحديث ، وعملهم .
وفي باب المرتد والمرتدة
(8) : فتوى جميل بن دراج ، وغير ذلك مما
(9) يطلع عليه بعد التتبع
(10) .
وأما بعده : فلان من تتبع أحوال أئمة الحديث ، يحصل له العلم العادي بأنهم إذا سمعوا شيئا من الإمام عليه السلام ، يسندونه إليه ، ولا يقتصرون على مجرد
(11) فتواهم ، وما أسندوه إلى الإمام عليه السلام في الفروع من الأمور المهمة
(1) كذا في أ وب وط ، وفي الأصل : رئيس الطائفة ، لكن في هامش الأصل : ( المحدثين خ ل ) .
(2) الفقيه : 4 / 267 و 270 و 276 و 286 و 293 و 295 و 320 .
(3) لم أعثر على ذلك .
(4) الكافي 6 / 94 .
(5) التهذيب : 8 / 97 .
(6) التهذيب : 8 / 124 / 125 .
(7) التهذيب : 9 / 364 .
(8) التهذيب : 10 / 137 .
(9) في ط : ممن .
(10) في أ : بعد السعي .
(11) في ط : جرد .
الوافية في اصول الفقه ـ 155 ـ
المعتمدة ، نقله نقدة الحديث
(1) كالمحمدين
(2) الثلاثة ، سيما فيما يحتاج فيه إلى نقل الاجماع .
فعلى هذا ، يشكل الاعتماد على الاجماعات المنقولة ، سيما في غير العبادات ، وسيما إذا لم تكن فتاوى أصحاب الأئمة فيه معلومة ، ولم يكن ورد فيه نص أصلا .
نعم ، لا يبعد جواز الاعتماد على الاجماع في مادة وردت فيها نصوص مخالفة لذلك الاجماع ، إذا علم عدم غفلتهم عن هذه النصوص ، وتواترها عندهم ، فإن من هذا الاجماع المخالف لتلك النصوص ، يحصل العلم بوصول دليل يقطع العذر إليهم ، لكنه بعيد الوقوع ، إذ الغالب حينئذ تحقق النص ، بل النصوص الموافقة أيضا للاجماع .
البحث الرابع :
الحق التوقف في الاجماع المنقول بخبر الواحد
(3) لما عرفت .
ولاختلاف الاصطلاحات في الاجماع ، فإن الظاهر من حال القدماء ـ كالسيد المرتضى والشيخ وغيرهما
(4) ـ إطلاق الاجماع على ما هو المصطلح عند العامة ، من اتفاق الفرقة غير المبتدعة ـ ولو في زمان الغيبة ـ على أمر .
وحينئذ ، فكيف الوثوق بالاجماعات الواقعة في كلامهم ؟ !
(1) كذا فلي أ وط وب ، وفي الأصل : نقله نقلة الحديث .
(2) في أ وط : كالمحدثين .
(3) خلافا للمحقق الشيخ حسن منا : معالم الدين : 180 ، وللفخر الرازي : المحصول : 2 / 73 ، وابن الحاجب : المنتهى : 64 ، والبيضاوي : منهاج الوصول : 136 ، ووفاقا للغزالي : المستصفى : 1 / 215 ، ولبعض الحنفية ، كما حكاه عنهم في المنتهى : 64 .
(4) في أ وط : غيرهم .
الوافية في اصول الفقه ـ 156 ـ
وزعم بعض علمائنا
(1) أن علماءنا في زمان
(2) الغيبة إذا اتفقوا على أمر ، وكانوا مخطئين ، يجب على الامام أن يظهر لهم ـ ولو بنحو لا يعرفونه ـ ويباحث معهم ، حتى يردهم إلى الحق .
وبطلان هذا مما لا يحتاج إلى البيان ، بعد ملاحظة تعطل أكثر الاحكام والامور .
(1) انظر ما تقدم في الهامش ( 4 ) من ص 152 .
(2) في أ وط : زمن .
الوافية في اصول الفقه ـ 157 ـ الفصل الثالث : في السنة
وفيه أبحاث :
الاول : السنة : هي قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أو الامام ، أو فعلهما أو تقريرهما على وجه .
ولما كان المهم منها هو القول ، فلنتكلم فيه .
ويسمى : حديثا وخبرا .
والخبر ينقسم إلى : متواتر وآحاد .
والمتواتر : هو خبر جماعة ، بلغوا في الكثرة مبلغا ، أحالت العادة تواطأهم على الكذب ، كالمخبرين عن وجود مكة واسكندر ، ونحوهما .
والظاهر : قلة الخبر المتواتر باللفظ في زماننا ، فنسكت عنه .
وخبر الواحد : هو ما لم يفد العلم ، باعتبار كثرة المخبرين ، وقد يفيد العلم بالقرائن ، وهو ضروري ، وإنكاره مكابرة ظاهرة .
الوافية في اصول الفقه ـ 158 ـ
البحث الثاني :
اختلف العلماء في حجية خبر الواحد ، العاري عن قرائن القطع .
فالأكثر من علمائنا الباحثين في الأصول : على أنه ليس بحجة ، كالسيد المرتضى
(1) ، وابن زهرة
(2) ، وابن البراج
(3) ، وابن إدريس
(4) ، وهو الظاهر من ابن بابويه في كتاب الغيبة
(5) ، والظاهر من كلام المحقق
(6) ، بل الشيخ الطوسي أيضا
(7) .
بل نحن لم نجد قائلا صريحا بحجية خبر الواحد ممن تقدم على العلامة
(8) .
والسيد المرتضى يدعي الاجماع من الشيعة على إنكاره
(9) ، كالقياس ، من غير فرق بينهما أصلا
(10) .
(1) الذريعة : 2 / 528 .
(2) غنية النزوع : 475 ( تسلسل الجوامع الفقهية ) .
(3) حكاه عنه المحقق الشيخ حسن : معالم الدين : 189 .
(4) السرائر : 1 / 51 .
(5) للشيخ الصدوق في الغيبة كتاب ورسائل ثلاث ، ونسخها مفقودة في عصرنا هذا .
(6) معارج الأصول : 142 / 147 ، يظهر ذلك من مناقشته أدلة القائلين بحجيته .
(7) فقد قال المحقق الحلّي : ( ذهب شيخنا أبو جعفر إلى العمل بخبر العدل من رواة أصحابنا ، لكن لفظه وان كان مطلقا فعند التحقيق تبين انه لا يعمل بالخبر بمطلقا ، بل بهذه الأخبار التي رويت عن الأئمة (ع) ودونها الأصحاب ، لا أن كل خبر يرويه الامامي يجب العمل به ) ، معارج الأصول : 147 .
(8) علق الشيخ الأنصاري على هذه العبارة بعد ايرادها في فرائده بقوله ( وهو عجيب ) : فرائد الأصول : 109 .
(9) رسائل السيد المرتضى : 1 / 24 .
(10) رسائل السيد المرتضى : 3 / 309 .
الوافية في اصول الفقه ـ 159 ـ
ولكن الحق : أنه حجة كما اختاره المتأخرون منا
(1) ، وجمهور العامة
(2) ، لوجوه :
الأول : أنا نقطع ببقاء التكاليف إلى يوم القيامة ، سيما بالأصول الضرورية كالصلاة والزكاة والصوم والحج والمتاجر والأنكحة ونحوها ، مع أن جل أجزائها ، وشرائطها ، وموانعها ، وما يتعلق بها ، إنما يثبت بالخبر غير بالقطعي ، بحيث نقطع بخروج حقائق هذه الأمور عن كونها هذه الأمور عند ترك العمل بخبر الواحد ، ومن أنكر ذلك ، فإنما ينكر باللسان ، وقلبه مطمئن بالايمان .
الثاني : أنا نقطع بعمل أصحاب الأئمة عليهم السلام ، وغيرهم ممن عاصرهم ـ بأخبار الآحاد ، بحيث لم يبق للمتتبع شك في ذلك ، ونقطع بعلم الأئمة عليهم السلام بذلك ، والعادة قاضية بوجوب تواتر
(3) المنع عنهم عليهم السلام لو كان العمل بها في الشريعة ممنوعا ، مع أنه لم ينقل عنهم عليهم السلام خبر واحد في المنع ، بل ظاهر كثير من الأخبار جواز العمل بها ، كما ستقف عليه عن قريب إن شاء الله .
ويؤيده : إطباق العلماء على رواية أخبار الآحاد ، وتدوينها ، والاعتناء بحال الرواة ، والتفحص عن المقبول والمردود .
قال العلامة في النهاية : ( أما الامامية : فالأخباريون منهم ، لم يعولوا في أصول الدين وفروعه إلا على أخبار الآحاد ، المروية عن الأئمة عليهم السلام ، والأصوليون منهم ـ كأبي جعفر الطوسي وغيره ـ وافقوا على قبول خبر الواحد ،
الوافية في اصول الفقه ـ 160 ـ
ولم ينكره أحد
(1) سوى المرتضى وأتباعه ، لشبهة حصلت لهم )
(2) .
والحق : أنه لا يظهر
(3) من كلام الشيخ أنه يعمل بخبر الواحد ، العاري عن القرائن المفيدة للقطع
(4) ، نعم ، هو قسم القرائن ، وذكر فيها امورا ، لا يمكن إثبات قطعيتها .
الثالث : ظواهر الروايات ، وهي كثيرة : منها : ما رواه الكليني ، بسنده ( عن المفضل بن عمر ، قال : قال لي أبو عبدالله عليه السلام : أكتب ، وبث علمك في إخوانك ، فإن مت فأورث كتبك بنيك ، فإنه يأتي على الناس زمان هرج ، لا يأنسون فيه إلا بكتبهم )
(5) .
فإن ظاهرها : جاز العمل بما في الكتب من الأخبار ، وهي آحاد ، فإن تواترها ، واحتفافها بالقرائن المفيدة للقطع ، بعيد جدا .
ومنها : ما رواه في الصحيح ( عن محمد بن الحسن ابن أبي خالد شينولة ، قال : قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام : جعلت فداك ، إن مشايخنا رووا عن أبي جعفر ، وأبي عبدالله عليهما السلام ، وكانت التقية شديدة ، فكتموا كتبهم ، ولم ترو عنهم ، فلما ماتوا صارت الكتب إلينا ، فقال : حدثوا بها ، فإنها حق )
(6) .
ومنها : ما رواه في الصحيح أيضا ( عن سماعة بن مهران ، عن أبي الحسن موسى عليه السلام ، قال : قلت : أصلحك الله ، إنا نجتمع فنتذاكر ما عندنا ،
(1) كلمة ( أحد ) : ساقطة من الاصل ، وقد اثبتناها من سائر النسخ .
(2) نهاية الوصول ورقة 209 / أ ( مصورة ) وقد أورد هذه العبارة بلفظها الفخر الرازي المتقدم على العلامة في : المحصول : 2 / 188 .
(3) في ط : لم يظهر .
(4) كما استظهر ذلك المحقق الحلّي وقد تقدم نقل كلامه .
(5) الكافي : 1 / 52 كتاب فضل العلم / باب رواية الكتب والحديث وفضل الكتابة والتمسك بالكتب / ح 11 .
(6) الكافي 1 / 52 ح 15 .
الوافية في اصول الفقه ـ 161 ـ
فلا يرد علينا شيء إلا وعندنا فيه شيء مسطهر
(1) ، وذلك مما أنعم الله به علينا بكم ، ثم يرد علينا الشيء الصغير ، ليس عندنا فيه شيء ، فينظر بعضنا إلى بعض ، وعندنا ما يشبهه ، فنقيس على أحسنه ؟
فقال : وما لكم وللقياس ، إنما هلك من هلك قبلكم ـ بالقياس ، ثم قال : إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به ، وإن جاءكم ما لا تعلمون فها ـ وأهوى بيده إلى فيه ـ ) الحديث
(2) .
وفيه تقرير منه عليه السلام في العمل والفتوى بالكتاب ، مع أنه غالبا يكون من قبيل أخبار الآحاد .
ومنها : ما رواه في الصحيح ، عن عبدالله بن أبي يعفور ( قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام ، عن اختلاف الحديث ، يرويه من نثق به ، ومنهم من لا نثق به ؟ قال : إذا ورد عليكم حديث ، فوجدتم له شاهدا من كتاب الله ، أو من قول رسول الله صلى الله عليه وآله ، وإلا فالذي جاءكم به أولى به ) (3).
وظاهر : أن السائل سأل عن أخبار الآحاد ، إذ لا دخل للوثوق بالراوي
(4) ، وعدمه في القطعي من الاخبار .
ونحوها : الأخبار الواردة في حكم اختلاف الأخبار
(5) ، كما سيجيء في آخر الكتاب إن شاء الله ، وهي تدل على حجية خبر الواحد ، بشرط اعتضاده بالقرآن ، أو سنة الرسول
(6) .
(1) ورد في هامش الكافي ما يلي : ( في بعض النسخ : مسطور ، وفي بعضها : مستطر ) .
(2) الكافي : 1 / 57 كتاب فضل العلم / باب البدع والرأي والمقائيس / ح 13
ومثله ما رواه البرقي باسناده عن محمد بن حكيم : المحاسن : 213 .
(3) الكافي : 1 / 69 كتاب فضل العلم / باب الاخذ بالسنة وشواهد الكتاب / ح 2 .
(4) كذا في أ وب ، وفي الاصل : للموثق بالراوي ، وفي ط : بالوثوق للراوي .
(5) الكافي : 1 / 62 كتاب فضل العلم / باب اختلاف الحديث / ح 7 ، 8 ، 9 ، وغيرها .
(6) لا يقال : اشتراط اعتضاده بالقرآن والسنة يدل على عدم حجية خبر الواحد ، لانا نقول : شهادة القرآن والسنة لا توجب انتهاءه إلى حد القطع ، فاجماله (ع) يدل على حجية الخبر المظنون المعتضد بالقرآن او السنة ، فتأمل جدا ( منه رحمه الله ) .
الوافية في اصول الفقه ـ 162 ـ
ونحوها : ما رواه في الموثق بعبد الله بن بكير ، عن رجل عن أبي جعفر عليه السلام ـ إلى أن قال ـ : ( وإذا جاءكم عنا حديث ، فوجدتم عليه شاهدا ، أو شاهدين من كتاب الله فخذوا به ، وإلا فقفوا عنده ، ثم ردوه إلينا ، حتى يستبين لكم )
(1) .
ومنها : الروايات الواردة في الامر بإبلاغ الحديث إلى الناس ، مثل ما رواه في الصحيح ( عن خيثمة ، قال : قال لي أبوجعفر عليه السلام : أبلغ شيعتنا أنه لن ينال ما عند الله إلا بعمل ، وأبلغ شيعتنا أن أعظم الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلا ، ثم يخالفه إلى غيره )
(2) .
إذ لا شك في علمهم عليهم السلام بعدم انتهائها إلى حد القطع.
وقد يحتج على هذا المطلب بالآيات :
كقوله تعالى : ( فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون )
(3) .
حيث يدل على وجوب الحذر ، بإنذار الطائفة من الفرقة ، وهي تصدق على واحد ـ ك ( الفرقة ) على الثلاثة ـ فيفيد وجوب اتباع قول الواحد ، وهو المطلوب .
وقوله تعالى : ( إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )
(4) .
حيث يدل بمفهومه
(5) على انتفاء التبين والتثبت عند خبر العدل ، فإما : الرد ، أو : القبول
(6) ، والاول : يوجب كون العدل أسوء حالا من الفاسق ، وهو
(1) الكافي 2 / 222 كتاب الايمان والكفر / باب الكتمان / ح 4 .
(2) الكافي : 2 / 300 ـ كتاب الايمان والكفر / باب من وصف عدلا وعمل بغيره / ح 5 .
(3) المستصفى : 1 / 152 ، والآية من سورة التوبة / 122 .
(4) المحصول : 2 / 178 ، والآية من سورة : الحجرات / 6 .
(5) في أ : يدل المفهوم ، وفي ط : دل المفهوم .
(6) كذا في ط ، وفي سائر النسخ : فاما الرد أو لا أو القبول .
الوافية في اصول الفقه ـ 163 ـ
باطل ، فيكون الحق : هو الثاني ، وهو المطلوب
(1) .
والاولى : ترك الاستدلال بهذه الآيات ، فإنه :
يرد على الاستدلال بالاولى :
أن المتبادر
(2) من ( الطائفة ) الزيادة على الاثنين ، فالظاهر أن المراد ب ( الفرقة ) ممن ذكره الله تعالى ـ أهل كل حشم حشم ، وقرية قرية .
وأيضا : ـ على تقدير خروج واحد من كل ثلاثة ـ فالظاهر حينئذ : بلوغ المخبرين عدد التواتر ، لان الغالب في الاحشام والقرى ، الكثرة العظيمة ، ويندر توطن ثلاثة أنفس من الرجال والنساء والصبيان في موضع ، لا يكون لهم رابع بل عاشر .
وأيضا : يحتمل كون الانذار بطريق الفتوى بمعنى الروايات
(3) ، ولا نزاع لاحد في قبوله ، ويسمونه فتوى المجتهد.
وأيضا : إطلاق الانذار على نقل روايات الاحكام الشرعية ، غير متعارف ، فيحتمل كون المراد التخويف على ترك أو فعل ما ثبت بطريق القطع ، وهذا مما تتأثر النفس بسماعه ، ويحصل به للنفس خوف ، يوجب اهتمامه بالواجبات وترك المحرمات ، وإن لم يكن خبر الواحد حجة .
وأيضا : يحتمل أن يقال : إن خبر الواحد المشتمل على الانذار حجة ، لقضاء العقل بمثل هذه الاحتياطات دون غيره ، والاجماع على عدم الفصل ، غير معلوم .
وأيضا : يحتمل أن يكون ضمير ( ليتفقهوا ) راجعا إلى الباقي من الفرقة مع العالم ، دون من نفر منهم
وغير ذلك من الاعتراضات .
(1) المحصول : 2 / 179 / 180 .
(2) في أ وط : التبادر .
(3) في ط : لا بمعنى الروايات .
الوافية في اصول الفقه ـ 164 ـ
وعلى الآية الثانية :
بأنه استدلال بمفهوم الصفة على أصل علمي ، وحاله معلوم
(1) .
وأيضا : الآية واردة في شخص خاص ، وذكر ( فاسق ) إنما هو
(2) لاعلام الصحابة بفسق ذلك الشخص الخاص ، وتبيين حاله ، لا لانتفاء هذا الحكم عند انتفاء هذا الوصف .
احتج المنكرون : بأن العمل بخبر الواحد ، اتباع الظن ، وقول على الله بغير علم ، وهو غير جائز
(3) .
أما الصغرى : فلان خبر الواحد لا يفيد العلم ، وأيضا : النزاع إنما هو فيما لا يفيده ، وإنما غايته أن يفيد الظن .
وأما الكبرى : فللآيات الكثيرة :
كقوله تعالى في مقام الذم : ( إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا )
(4) .
وقوله تعالى : ( إن هم إلا يظنون )
(5) .
وقوله تعالى : ( وما يتبع أكثرهم إلا ظنا )
(6) .
ونحو ذلك
وقوله تعالى في الآيات الكثيرة : ( وأن تقولا على الله ما لا تعلمون )
(7) .
الوافية في اصول الفقه ـ 165 ـ
وقوله تعالى : ( ولا تقف ما ليس لك به علم )
(1) .
والجواب :
أولا : منع الصغرى :
فإن اتباع الظن : هو أن يكون مناط العمل هو الظن من حيث هو هو ، وههنا ليس كذلك ، وإنما مناط العمل هو كلام اصحاب العصمة المنقول عنهم ، وأخبار مهابط الوحي الالهي ، صلوات الله عليهم ، بشرط عدم المخالفة للكتاب والسنة ، وعدم المعارضة ، ونحو ذلك ، على ما سيأتي إن شاء الله ، سواء أفاد الظن أو لا .
وعلى تقدير القول باشتراط جواز العمل به بإفادته الظن ـ أيضا لا يلزم كون مناط العمل هو الظن ، بل هو الخبر الخاص المشترط بالظن ، ولهذا لو حصل الظن بحكم شرعي ، لا من دليل شرعي ، لا يجوز العمل به إتفاقا منا ، بل ومن غيرنا أيضا ، فعلم الفرق بين اتباع الظن ، واتباع الخبر الخاص بشرط الظن ، فلا تغفل .
وأيضا : فإن العمل بخبر الواحد ، إنما هو اتباع للدليل
(2) القطعي ، الدال على حجية خبر الواحد ، فهو اتباع للقطع .
وثانيا : بمنع الكبرى :
فإن سياق الآيات يقتضي اختصاصها باصول الدين .
وأيضا : فإن المطلق يقيد ، والعام يخص ، إذا وجد الدليل ، ونحن قد دللنا على حجية خبر الواحد .
(1) الاسراء / 36 .
(2) في أ وط : الدليل .
الوافية في اصول الفقه ـ 166 ـ
البحث الثالث :
للعمل بخبر الواحد في هذا الزمان شرائط ، يجمعها :
وجود الخبر في الكتب المعتمدة للشيعة ، كالكافي ، والفقيه ، والتهذيب ، ونحوها .
مع عمل جمع منهم به ، من غير رد ظاهر .
ولا معارضة لما هو أقوى منه .
سواء كان الراوي عدلا أم لا ، وسواء كانت الرواية مسندة صحيحة ، أو حسنة ، أو موثقة ، أو ضعيفة ـ بحسب الاصطلاح ـ أو مرسلة ، أو مرفوعة ، أو موقوفة ، أو منقطعة ، أو معضلة
(1) ، أو معنعنة ، أو منكرة
(2) أو معللة ، أو مضطربة ، أو مدرجة ، أو معلقة ، أو مشهورة ، أو غريبة ، أو عزيزة ، أو مسلسلة ، أو مقطوعة ، إلى غير ذلك من الاصطلاحات .
والقوة : تكون باعتبار العدالة ، والورع ، والشهرة ، وعمل الاكثر ، ونحو ذلك ، مما سيجيء التنبيه عليه إن شاء الله تعالى .
البحث الرابع :
تعرف عدالة الراوي ، في هذا الزمان وما ضاهاه ، وكذا أعدليته ، وورعه ، وأورعيته ـ بتزكية العدل المشهور ، وقد انحصر المزكي والجارح في : الشيخ الطوسي ، والكشي ، والنجاشي ، وابن الغضائري ، وابن طاووس ،
(1) في ط : منفصلة .
(2) في ط : مكررة .
الوافية في اصول الفقه ـ 167 ـ
والعلامة ، ومحمد ابن شهر آشوب ، وابن داود ، وربما توجد التزكية والجرح لغيرهم أيضا في كتب الحديث ، ك : الفقيه ، والكافي ، وغيرهما .
والظاهر : الاكتفاء بالواحد في الجرح والتعديل ، ولو لم يذكر السبب ، وإلا لم يوجد خبر صحيح بالاصطلاح المشهور ، وسيجيء فيه مزيد تحقيق .
ومع تعارض الجرح والتعديل : فقد قيل
(1) : بتقديم الجرح ، لانه به يحصل الجمع بينهما .
والظاهر : الترجيح بالقرائن ، إن أمكن ، وإلا فالتوقف .
وبقي هنا مباحث اخر ، تركناها لقلة فائدتها ، كمباحث المطلق والمقيد ، والمجمل والمبين ، والناسخ والمنسوخ ، ومباحث المنطوق والمفهوم سيجيء ما يعتد به منها إن شاء الله تعالى .
الوافية في اصول الفقه ـ 171 ـ
وهي أقسام :
الاول : ما يستقل بحكمه العقل ، كوجوب قضاء الدين ، ورد الوديعة ، وحرمة الظلم ، واستحباب الاحسان ، ونحو ذلك .
كذا ذكره المحقق في المعتبر
(1) ، والشهيد في الذكرى
(2) ، وغيرهما .
وحجية هذه الطريقة : مبنية على الحسن والقبح العقليين
(3) .
والحق ثبوتهما ، لقضاء الضرورة بهما
(4) في الجملة ، ولكن في إثبات الحكم الشرعي ـ كالوجوب والحرمة الشرعيين ـ بهما
(5)، نظر وتأمل .
والواجب العقلي : ما يستحق فاعله المدح ، وتاركه الذم .
والشرعي : ما يستحق فاعله الثواب ، وتاركه العقاب .
وعكسه الحرام فيهما .
ووجه النظر امور :
(1) المعتبر : 1 / 32 .
(2) الذكرى : 5 / المقدمة / الاصل الرابع / القسم الاول .
(3) كذا في أ وب وط ، وفي الاصل : العقلي .
(4) كذا في أ وب وط ، وفي الاصل : به .
(5) كذا في ب وط ، وفي الاصل وأ : بها .
الوافية في اصول الفقه ـ 172 ـ
الاول : أن قوله تعالى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا )
(1) ظاهر في أن العقاب لا يكون إلا بعد بعثة الرسول
(2) فلا وجوب
(3) ولا تحريم إلا وهو مستفاد من الرسول صلى الله عليه وآله .
فإن قلت : يجوز أن يستحق العقاب ، ولكن لا يعاقبه الله تعالى إلا بعد بيان الرسول أيضا ، ليتعاضد
(4) العقل والنقل ، لطفا منه تعالى .
قلت : ظاهر أن الواجب شرعا مثلا ما يجوز المكلف العقاب على تركه ، فلا يتصور وجوب شرعي مثلا عند الجزم ـ بسبب إخبار الله تعالى ـ بعدم العقاب ، ولا يكون
(5) حينئذ إلا
(6)الوجوب العقلي .
الثاني : ما ورد من الأخبار : كما رواه الكليني عن : ( عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن علي بن الحكم ، عن أبان الاحمر ، عن حمزة بن الطيار ، عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال : قال لي : اكتب ، فأملى علي : أن من قولنا أن الله يحتج على العباد بما آتاهم وعرفهم ، ثم أرسل إليهم رسولا ، وأنزل عليهم الكتاب ، فأمر فيه ونهى أمر فيه بالصلاة والصيام ... )
(7) الحديث .
والتطبيق : كما مر .
وأيضا : قد نقل تواتر الأخبار بأنه لم يتعلق بأحد تكليف إلا بعد بعث
(8) .
(1) الاسراء / 15 .
(2) كذا في ط ، وفي سائر النسخ : الرسل .
(3) في أ وط : ولا وجوب .
(4) في أ : لتعاضد .
(5) كذا في ط ، وفي سائر النسخ : بل لا يكون .
(6) كلمة ( إلا ) : ساقطة من ط .
(7) الكافي : 1 / 164 كتاب التوحيد / باب حجج الله على خلقه / ح 4 .
(8) في ط : بعثة .
الوافية في اصول الفقه ـ 173 ـ
الرسول ، ( ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة )
(1) ، وبأنه على الله بيان ما يصلح الناس وما يفسد ، وبأنه لا يخلو زمان عن إمام معصوم ، ليعرف الناس ما يصلحهم وما يفسدهم .
والظاهر منها : حصر العلم بهما في ذلك ، وبأن أهل الفترة وأشباههم معذورون ، ويكون تكليفهم يوم الحشر
(2) .
وأيضا : قد ورد : ( كل شيء مطلق ، حتى يرد فيه نهي ) رواه ابن بابويه في الفقيه ، في تجويز القنوت بالفارسية
(3) .
فيفهم دخول غير المنصوص
(4) في المباح .
الثالث : ما عليه أصحابنا
(5) ، والمعتزلة
(6) ، من أن التكليف فيما يستقل به العقل لطف ، والعقاب بدون اللطف قبيح ، فلا يجوز العقاب على ما لم يرد فيه من الشرع نص ، لعدم اللطف فيه حينئذ .
وأيضا : العقل يحكم بأنه يبعد من الله تعالى توكيل
(7) بعض أحكامه
(8) .
(1) الانفال / 42 .
(2) روى ابن بابويه في كتاب الخصال بسنده ( عن زرارة ، عن أبي جعفر (ع) ، قال : إذا كان يوم القيامة احتج الله عز وجل على خمسة : على الطفل ، والذي مات بين النبيين ، والذي ادرك النبي وهو لا يعقل ، والابله ، والمجنون الذي لا يعقل ، والاصم والابكم ، فكل واحد منهم يحتج على الله عزوجل ، قال : فيبعث الله عزوجل اليهم رسولا ، فيؤجج لهم نارا فيقول لهم : ريكم يأمركم أن تثبوا فيها ، فمن وثب فيها كانت عليه بردا وسلاما ، ومن عصى سيق إلى النار ، ( منه رحمه الله ) ، الخصال : 283 / باب الخمسة ح 31 .
(3) الفقيه : 1 / 317 ح 937 .
(4) في ط : الخصوص .
(5) الذريعة : 2 / 701 / 702 ، تقريب المعارف : 77 ، كشف المراد : 319 ، 324 ، 327 .
(6) المواقف : 323 بضميمة ما في ص 328 ، حاشية السيالكوتي على شرح المواقف : 393 / 7 : 399 .
(7) كذا في أ وط ، وفي الاصل وب : وكول .
(8) في أ وط : أحكام .
الوافية في اصول الفقه ـ 174 ـ
إلى مجرد إدراك العقول ، مع شدة اختلافها في الادراكات والاحكام ، من غير انضباطه بنص وشرع ، فإنه يوجب الاختلاف
(1) والنزاع ، مع أن رفعه من إحدى الفوائد في إرسال الرسل ، ونصب الاوصياء عليهم السلام .
فعلى ما ذكرنا ، يشكل التعلق بهذه الطريقة في إثبات الاحكام الشرعية غير المنصوصة .
لكن الظاهر : أنه لا يكاد يوجد شيء يندرج في هذه الطريق إلا وهو منصوص من الشرع ، ففائدة هذا الخلاف نادرة ، والله أعلم .
الرابع : ما رواه الكليني في الصحيح : ( عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : بني الاسلام على خمسة أشياء ـ إلى أن قال ـ أما لو أن رجلا قام ليله ، وصام نهاره ، وتصدق بجميع ماله ، وحج جميع دهره ، ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه ، ويكون جميع أعماله بدلالته إليه
(2) ، ما كان له على الله حق في ثوابه ، ولا كان من أهل الايمان )
(3) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة .
وهذا الخبر
(4) إنما يدل على أن الاحكام العملية
(5) تتوقف على الشرع ، وكأنه هو الحق ، للنصوص المطلقة الدالة على تعذيب الكفار بشركهم وكفرهم ، الشاملة لأهل الفترة وغيرهم ، فلو كانت المعارف الفطرية موقوفة على الشرع من حيث الوجوب ، لم يثبت تعذيب الوثني من أهل الفترة .
فإن قلت : الواجب العقلي : هو ما يكون تاركه مذموما عند كل عاقل وحكيم ، والحرام العقلي ما يكون فاعله مذموما كذلك ، فالحرام العقلي ـ مثلا ـ
(1) في أ : الاختلافات .
(2) هذا محل الشاهد من الخبر ، إذ لو كان للعقل دلالة لم يوجب اخذ جميع الاعمال بدلالة الامام ( هامش نسخة ط ) .
(3) الكافي : 2 / 18 كتاب الايمان والكفر / باب دعائم الاسلام / ح 4 .
(4) في أ : الاخير .
(5) : في أ وط : العلمية .
الوافية في اصول الفقه ـ 175 ـ
لابد وأن يكون مكروها وممقوتا لله تعالى ، وليس الحرام الشرعي إلا ذلك ، لان فاعل فعل ، هو مكروه عند الله تعالى ، ممقوت له تعالى ـ مستحق لعقابه ضرورة .
قلت : الحرام الشرعي : ما يجوز المكلف العقاب عليه ، ولا يكفي مجرد الاستحقاق ، وإن علم انتفاؤه بسبب ما ، كإخباره بذلك .
وأيضا : بداهة استلزام المكروهية عند الله تعالى لاستحقاق عقابه ، محل نظر ومنع .
فإن قلت : فإذا كان الامر على ما ذكرت ، فلم لم تحكم بعدم حجية هذه الطريقة على البت ؟! بل جعلت حجيتها محل التأمل ، المشعر بالشك والتردد .
قلت : وجه التردد مما مر ، ومن : أن إخباره تعالى بنفي التعذيب ، فيما هو مذموم ومكروه عنده ـ إغراء منه تعالى للمكلف على هذا المذموم ، وهو قبيح
(1)
، ونقض للغرض ، وحينئذ لا يكون ما يندرج في هذه الطريقة مندرجا في قوله تعالى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا )
(2)
وحينئذ ، فيبقى
(3)
الكلام في صحة الملازمة المذكورة ، وعدمها .
وقد قال السيد المرتضى رحمه الله في الذريعة : ( وأما حد المحظور : فهو القبيح الذي قد اعلم المكلف ، أو دله على ذلك من حاله ) (4)
.
وذهب الفاضل الزركشي في شرح جمع الجوامع
(5)
إلى : أن الحسن والقبح ذاتيان ، والوجوب والحرمة شرعيان ، وأنه لا ملازمة بينهما ، فقال : ( تنبيهات :
الاول : أن المعتزلة لا ينكرون أن الله تعالى هو الشارع للاحكام ، إنما
(1) في ط : قبح .
(2) الاسراء / 15 .
(3) في أ : فبقي .
(4) الذريعة 2 / 808 ، لكن فيه : أو دل .
(5) المسمى ب : تشنيف المسامع بجمع الجوامع .