جلس أبي جلسته المعتادة مزداناً به مكانه المخصّص له كل يوم ، وبدأ فأضفى على حوار اليوم اسم «الاستحاضة».
   وما أن أتمت كلمة الاستحاضة تكوينها اللفظي واستوت كجسدٍ من كلام حتى خطر في ذهني ان حروف الكلمة هي حروف كلمة الحيض، مصاغة منها ، أو محورة عنها واِذ استولى عليَّ هذا الخاطر برق في ذهني خيط من دم راعف ، وأخذ يتشكّل متخذاً هيئة امرأة.
   فقلت: وهل الاستحاضة من مختصّات النساء ؟
  قال : نعم.
   ‏‏قلت: وهل هي نضح دموي ... ؟
   قال : نعم ... ولكن ... ‏
   ولكن ماذا ؟
   ـ لكن شرط أن لا يكون دم حيض ، ولا نفاس ، ولا جرح ، ولا قرح ولا افتضاض بكارة. ‏
   قلت: معنى هذا أن الاستحاضة هي كل دم لا يكون حيضاً ولا نفاساً ولا جرحاً ولا قرحاً ولا دم تمزق غشاء البكارة. ‏
   قال: نعم. ‏
   قلت: هذه دماء عديدة. ‏
   قال: بعضها دليل خصوبة المرأة وشبابها ، ألا ترى انّها حين تشيخ وينقطع عنها دم الحيض لا تنجب. ‏
   قلت: دم الجروح والقروح والنفاس معروف عادة ، ولكن كيف تعرف المرأة أن هذا الدم دم استحاضة ، وليس دم حيض. ‏
   قال: تذكَّر مواصفات دم الحيض ؟
   قلت: نعم ، فهو دم أحمر أو أسود، يخرج بحرقة ، وحرارة. ‏
   قال: غالباً ما تكون مواصفات دم الاستحاضة مخالفة لمواصفات دم الحيض، فدم الاستحاضة غالباً اصفر اللون، ورقيق ، ويخرج بلا لذعٍ ولا حرقة. ‏
   قلت : وكيف تشخص المرأة أن هذا الدم ليس دم تمزّق غشاء البكارة اِذا صادف ذلك يوم الزواج ؟
   قال : دم تمزّق غشاء البكارة يحيط بالقطنة ، ويطوِّقها كهلال من دم ، بينما قد تنغمس القطنة بدم الاستحاضة، وقد يزيد فيتجاوزها اِلى ما ربطتها به ؟
   اذن دم الاستحاضة قد يستوعب القطنة بخضابة ؟
   ـ نعم ، وقد لا يستوعبها ، فالاستحاضة علي ثلاثة أقسام:
   استحاضة كثيرة : اِذا انغمست القطنة بالدم وزاد ، فتجاوزها اِلى ما ربطتها به ولوّثه. ‏
   واستحاضة متوسطة : اِذا انغمست القطنة بالدم ، ولكنّه توقف عندها فلم يتجاوز اِلى ما ربطتها به. ‏
   واستحاضة قليلة: اِذا لوَّن الدّم القطنة ولم يغمسها ، لقلته.
   وما حكم كل منها ؟
   ـ في الاستحاضة الكثيرة، يجب علي المرأة أن تغتسل ثلاثة اغسال، غسلاً لصلاة الصبح، وغسلاً لصلاتي الظهر والعصر اِذا جمعتهما وغسلاً لصلاتي المغرب والعشاء اِذا جمعتهما.
   واذا فرّقت بينهما ؟
   ـ اغتسلت لكل صلاة. ‏
   وهل هذا حكمها في مطلق الاَحوال ؟
   ـ لا ، بل هذا حكمها فيما اِذا كان الدم صبيباً لا ينقطع بروزه على القطنة وامّا اِذا كان بروزه عليها متقطعاً بحيث تتمكن من الاغتسال والاتيان بصلاة واحدة أو أزيد قبل بروز الدم عليها مرّة اخرى [فعليها تجديد الغسل كلما برز الدم، فلو اغتسلت وصلت الظهر ثمّ برز الدم على القطنة قبل صلاة العصر أو في اثنائها وجب عليها الاغتسال لها] ولو كان الفصل بين البروزين بمقدارٍ تتمكّن فيه من الاتيان بصلاتين أو عدة صلوات جاز لها ذلك من دون حاجةٍ الى تجديد الغسل. ‏
   هذا في الاستحاضة الكثيرة. ‏
   وفي الاستحاضة المتوسطة يجب عليها ان تتوضأ لكل صلاة [وتغتسل في كل يوم مرّة واحدة قبل وضوءاتها]. ‏
   اضرب لي مثلاً علي ذلك.
   ـ قبل صلاة الفجر ـ مثلاً ـ اكتشفت المرأة انها مستحاضة فاختبرت نفسها فكانت استحاضتها متوسطة [تغتسل] ثم تتوضأ لصلاة الفجر ويكفيها غسلها هذا لكل صلوات ذلك اليوم مع وضوء لكل صلاة ، فان حلّ اليوم الثاني [اغتسلت] ثم توضأت وهكذا لو توالت بتلك الصفة فلم تنقص ولم تزد. ‏
   وفي الاستحاضة القليلة: يجب عليها فقط ان تتوضأ لكل صلاة واجبة كانت أم مستحبة .‏
   وهل تتبدل استحاضة المرأة من قسم الى قسم ؟
   ـ نعم قد تتبدّل فتتحول القليلة الى كثيرة ، والكثيرة اِلى قليلة ، وهكذا. ‏
   وكيف تعرف المرأة بتحوّل استحاضتها ؟
   ـ [عليها أن تختبر نفسها قبل الصلاة لتعرف ذلك]، ثمّ لتعمل وفق ما تقتضيه نتيجة الاختبار ، فاذا تبيّن أنها استحاضة قليلة عملت بما تمليه عليها أحكام الاستحاضة القليلة ، واِن تبين أنّها استحاضة متوسطة عملت بما تمليه عليها أحكام الاستحاضة المتوسطة وهكذا. ‏
   والقطنة المنقوعة بالدم والشداد وما ربطتها به اِذا لاقى الدّم ؟
   ـ يحسُن بها ان تبدلهما أو تطهرهما لكل صلاة اِذا كانت استحاضتها قليلة أو متوسطة واما اِذا كانت كثيرة [فيلزمها ذلك ان امكنها] وتتحفظ من خروج الدم للفترة من نهاية الغسل اِلى نهاية الصلاة، اِذا لم يضر بحالها تحفّظها. ‏
   وهل عليها أن تسرع اِلى الصلاة بعد الاتيان بما عليها من الطهارة؟ ـ [نعم]. ‏
   ـ وماذا يترتّب على الاستحاضة من أحكام ؟
   ـ أوّلاً: يجب على المستحاضة أن تتطهّر بعد انقطاع الدم للصلاة الاَتية بالوضوء اِن كانت استحاضتها قليلة أو متوسطة وبالغسل اِن كانت استحاضتها كثيرة. ‏
   ثانياً: يحرم على المستحاضة بأقسامها الثلاثة مسّ كتابة القرآن الكريم قبل تحصيل طهارتها ويجوز بعده قبل اتمام صلاتها. ‏
   ثالثاً: يجوز طلاق المستحاضة أثناء الاستحاضة. ‏
   رابعاً: لا يترتب على الاستحاضة ما كان يترتّب على الحيض: من حرمة الاتصال الجنسي، وحرمة دخول المساجد، والمكث فيها ، ووضع شيء فيها ، وقراءة آيات السجدة. ‏
   خامساً: يصحّ الصوم في الاستحاضة القليلة والمتوسطّة واِن لم تأت المستحاضة بما يجب عليها للصلاة من الوضوء أو الغسل ، واما المستحاضة استحاضة كثيرة فذهب جمع من الفقهاء رضوان الله عليهم اِلى ان صحة صومها تتوقّف على اتيانها بما يجب عليها من غسل الليلة السابقة على يوم الصوم ومن اغسال نهارية ، ولكن الاَصحّ أنّه لا يتوقف على ذلك صحة صومها.
   سادساً: لا يجب على المستحاضة الكثيرة الوضوء مع الاَغسال ويجب على المستحاضة المتوسطة الوضوء بعد الغسل [الواجب عليها].

   لا أكتمكم أني ساعة بدأ أبي حواره عن الموت كنت متوتّراً ، مستفّز الاعصاب، مستنفراً ، قلقاً ، مشدوداً شداً عنيفاً الى وجه أبي ونبرات صوته وانحناءاتها وهو يتحدث عن الموت ببطء حذر ، ينمُّ عن توجس محسوب‏ .
   لا أكتمكم كذلك أني كلما تفوَّه أبي بكلمة «الموت» ـ تلك الكلمة المخيفة المرعبة المجهولة ـ أحسست بتسارع غير طبيعي لنبض بات لفرط خوفي مما أصغي اِليه يصبغ وجهي وأذنيّ على غير قصد مني بلون قاتم وينثر فوق جبهتي وأنفي حبات مكتنزة من عرق محموم‏‏‏ .
   واِذ اكتسبت نبرة صوت أبي الخفيضة وشاحاً رماديّاً من توجس حذر وهو يسرد التفاصيل عن «الموت والميّت» راحت وتائر خوفي وقلقي تتصاعد شيئاً فشيئاً حتي فضحتني‏‏ .
   ثمّ زادت، فضيقت عليّ بعد افتضاح أمري فرجة بوابة الاعتراف‏‏ .
   وحين لاحظ أبي امارات الخوف على تضاريس وجهي وحدقات عينيَّ طاغية مستحكمة سألني.‏‏ .
   ـ أأنت خائف ... ؟ ‏
   وكيف لا أخاف!‏ .
   ـ أخاف أنت من الموت أم من الميت ؟ ‏
   واِذ كنتُ أخاف من الميت أكثر ممّا أخاف من الموت قلت:‏‏ ، من الميت‏‏.
   لقد كان خوفاً مرعباً ذاك الذي اعترفت به اليوم ، فلم أكن قد شاهدت طيلة عمري شخصاً يحتضر أو يموت ، بل لم أكن قد سمعت قبل يومي هذا سرداً عمّا ينبغي عليّ أن أفعله وأمامي من يحتضر أو يموت‏‏ .
   كنت قبل هذا اليوم حين اشاهد جنازة محمولة تنتابني حالة اكتئاب مضجر ، وضيق موجّع ، حتي لاُحولُ بصري عنها لاَقطع خيط الذّاكرة من أن يسترسل‏‏ .
   نعم أخاف من الميّت‏‏ .
   قتلها مرة أخرى لاُعيد تثبيت قناعتي‏‏ .
   ـ أتخاف من الميت أكثر مما تخاف من الموت وما بعد الموت ؟ ‏
   قال أبي وأضاف : أتخاف من كان قبل لحظة موته حياً مثلك يأكل ويشرب ، ويبكي ويضحك ، ويتنزه ويحلم ، وينام‏‏ .
   ثمّ... ثمّ هجم عليه ما لو هجم على كل حيّ لصرعه‏‏ .
   لماذا لا تكون واقعياً أكثر، فتخاف من الموت أكثر مما تخاف من الميت؟‏ ‏ أسألت نفسك أين ذهبت كل تلك الامم السالفة وأجيالها المتعاقبة يوم «اصبحت مساكنهم أجداثاً، وأموالهم ميراثاً ، لا يعرفون من آثارهم، ولا يحفلون من بكاهم ، ولا يجيبون من دعاهم »‏‏ .
   فكم ... و (كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ) .
   ثمّ أين ذهب من تعرف ممن ذهب ؟ ‏
   أين آباؤك السابقون، واجدادك الماضون ... أين فلان ... أين فلان ... أين فلان ...؟! لقد «استبدلوا بظهر الاَرض بطناً ، وبالسعة ضيقاً ، وبالاَهل غربة ، وبالنّور ظلمة » .
   ثمّ أنشد أبي: ‏
كـلنا فـي غفلة والموت يغدو iiويروح‏
نح على نفسك يا مسكين ان كنت تنوح‏
‏ لست بالباقي ولو عمّرت ما عمرّ iiنوح‏
‏    وران صمت كثيف على وجهه كانت الدّقائق تمر فيه ثقيلة بطيئة متأنّية كمن يعيد ترتيب صورة ما في ذهنه ، أو يعيد تجميع شيء متناثر هنا وهناك في ذاكرته حتّى قطع صوته حبل ذلك الصمت قائلاً:
   رحمك الله يا أبا الحسن يومَ قلت قبل ساعة موتك : «أنا بالاَمس صاحبكم ، وأنا اليوم عبرة لكم ، وغداً مفارقكم ، ليعظكم هدوِّي ، وخفوت اِطراقي، وسكون أطرافي، فانّه أوعظ للمعتبرين من المنطق البليغ والقول المسموع »
   ويوم قلت يا سيدي: ‏ ‏ .
   «واعلموا أنّه ليس لهذا الجلد الرّقيق صبر على النار، فارحموا نفوسكم فانّكم قد جربتموها في مصائب الدنيا‏‏ .
   أفرأيتم جزع أحدكم من الشوكة تصيبه ، والعثرة تدميه ، والرمضاء تحرقه ؟ فكيف اِذا كان بين طابقين من نار ضجيع حجر وقرين شيطان ؟ ‏
   أعلمتم أن مالكاً اِذا غضب على النار حطّم بعضها بعضاً لغضبه، واذا زجرها توثّبت بين أبوابها جزعاً من زجرته » ؟! ‏ .
   وأردف أبي: ‏ ‏
   آن لك وقد تكلفت أن تخاف الموت لهول ما بعد الموت (يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد) ، (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد )‏.
   وليكن الميّت أو المحتضر مذكراً لك بما سيؤول اِليه مصيرك ... لا مخيفاً مرعباً لك ‏.
   قالها أبي وصمت ومنذ قالها بدأت أعيد النظر بترتيب مخاوفي من جديد بتأمل واعٍ الى أن قطع أبي عليَّ تأمُّلاتي مؤكِّداً: ‏.
  ‏ اِذا صادف أن حضرت محتضراً مسلماً فدع مخاوفك جانباً [ووجِّهه الى القبلة] ‏ .
   وكيف اوجِّهه ؟
   ـ ضعه على قفاه واجعل باطن رجليه الى القبلة‏.
   معنى هذا أن أمدِّد رجليه باتجاه القبلة‏.
   ـ بالضبط سواء أكان المحتضر رجلاً أم امرأة، كبيراً أم صغيراً‏ .
   ويستحب أن تلقّنه الشهادتين ، والاقرار بالنبي صلّى الله عليه وآله والاَئمة عليهم السلام وتقرأ عنده سورة «الصافات» ليسهّل عليه النزع ويكره أن يحضر المحتضر مجنب أو حائض ، وأن يمس حال النزع‏.
   واذا مات ؟
   ـ اِذا مات يستحب أن تغمض عينيه ، وتغلق فمه ، وتمد يديه الى جانبيه ، وساقيه ، وتغطيه بثوب ، وتقرأ عنده القرآن وتضيء البيت الذي كان يسكنه وتخبر المؤمنين بموته ليحضروا جنازته ، ويستحب الاسراع في تجهيزه اِلاّ أن تشتبه بموته وتشك فيه‏ .
   واذا اشتبهت بموته ؟
   ـ عندئذ يجب تأخيره حتى تتأكّد من موته ، فاذا تأكّدت وجب تغسيله رجلاً كان أو امرأة، صغيراً كان أو كبيراً‏ .
   والسقط ... ؟
   ـ حتى السقط اِذا أتمِّ أربعة أشهر [بل وان لم يتمّها اِذا كان مستوي الخلقة] ولكن لا تجب الصلاة عليه ولا تستحب‏ .
   ومن يغسل الميت ؟
   ـ يغسِّل الذكرَ الذكرُ وتغسِّل الاُنثى الاُنثى، اِلاّ في الزوج والزوجة فيجوز لكل منهما تغسيل الاَخر وكذا الصبي المميّز سواء الذكر والانثى فانّه يجوز تغسيله للذكر والانثى وهكذا المحرم فانه يجوز له ان يغسل محرمه غير المماثل له [فيما اِذا لم يوجد المماثل] ‏.
   وكيف يغسّل الميت ؟
   ـ يغسّل ثلاثة أغسال‏.
   الاَوّل: بماء السدر‏.
   والثاني: بماء الكافور‏.
   والثالث: بالماء الخالص‏.
   [علي أن يكون الغسل ترتيبياً] بأن تغسل الرأس والرقبة أوّلاً، ثمّ الجانب الاَيمن، ثمّ الجانب الاَيسر وأن يكون الماء المستعمل في الغسل طاهراً غير نجس ، ومباحاً غير مغصوب ، ومطلقاً غير مضاف، وأن يكون السدر، والكافور مباحين أيضاً‏.
   وهل تخلع ملابس الميت أثناء الغسل ؟
   ـ يجوز تغسيله بملابسه ولعله أفضل مما لو كان مجرّداً منها‏ .
   وكيف يكون الماء مطلقاً وتجب اِضافة السدر أو الكافور اِليه ؟
   ـ يضاف اِليه من السدر والكافور بمقدار لا يحوله الى ماء مضاف‏ .
   واذا تنجّس جسد الميّت بنجاسة خارجية أو بنجاسة من الميّت أثناء الغسل ؟
   ـ وجب تطهير ما تنجّس منه ، ولا تجب اِعادة الغسل‏.
   وبعد الانتهاء من تغسيل الميت ؟
   ـ يجب تحنيطه وتكفينه‏ .
   وما التحنيط ؟
   ـ امساس مواضع السجود السبعة بالكافور المسحوق المحتفظ برائحته ، والمباح غير المغصوب، والطاهر غير النجس [وان لم يوجب تنجس بدن الميت] ويفضل ان يتم التحنيط بالمسح بالكف ابتداءً من الجبهة‏.
   وبقية مواضع السجود الاخرى ؟
   ـ لا ترتيب بينها‏ .
   وكيف يكفن الميت.
   ـ يجب تكفين الميت بقطع ثلاث:
  1 ـ المئزر [ويجب ان يستر ما بين السرة والركبة] ‏.
  2 ـ القميص [ويجب أن يستر المسافة ما بين الكتفين الى نصف الساق].
  3 ـ الازار: ويجب ان يغطي جميع الجسد [على أن يكون طولاً بحيث يمكن أن يشدّ طرفاه العلوي والسفلي].
   وعرضاً ؟
   ـ وعرضاً [بحيث يقع أحد جانبيه على الاَخر].
   وهل هناك شروط أخري لهذه القطع ؟
   ـ نعم يشترط أن يكون بمجموعها ساترة لبدن الميت، وان لا تكون مغصوبة ، ولا من الحرير الخالص، [ولا من المذهّب، ولا من اجزاء الحيوان الذي لا يؤكل لحمه] ولا نجساً اِلاّ في حالة الاضطرار فيجوز التكفين بغير المغصوب من المذكورات حينئذٍ‏.
   واذا تعذرت القطع الثلاث ؟
   ـ يكفن الميت بما يتيسر منها‏ .
   وماذا بعد تغسيل الميت وتحنيطه وتكفينه ؟
   ـ تجب الصلاة عليه وان كان طفلاً قد عقل الصلاة كأن يكون ابن ست سنوات‏ .
   وكيف يُصلّى عليه ؟
   ـ الصلاة على الميت تختلف عن الصلاة اليومية فهي خمس تكبيرات لا قراءة سورة فيها ولا ركوع ، ولا سجود ، ولا تشهد ، ولا تسليم بل يدعو المصليّ للميّت عقيب احدى التكبيرات الاَربع الاُول وامّا في البقيّة فيتخيّر بين الصلاة علىالنبي صلّىالله عليه وآله والدّعاءَ للمؤمنين وتمجيد الله تعالى .
   اذكر لي صورة موجزة لها‏ .
   ـ يُكبِّر التكبيرة الاولىويتشهَّد الشهادتين، ثم يُكبِّر التكبيرة الثانية ويُصلّي على النبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم وآله عليهم السلام، ثم يكبِّر التكبيرة الثالثة ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ثم يكبِّر التكبيرة الرابعة ويدعو للميّت ثمّ يكبِّر التكبيرة الخامسة وينصرف‏.
   وهل هناك أشياء معتبرة في الصلاة على الميت ؟
   ـ نعم، يعتبر فيها أمور:‏.
  1 ـ النيّة، مع تعيين الميّت بنحو يرفع الابهام‏.
  2 ـ القيام، مع القدرة عَليه‏.
  3 ـ أن تكون بعد غسل الميّت وتحنيطه وتكفينه‏.
  4 ـ أن يستقبل المصلّي القبلة في حال الاختيار‏.
  5 ـ أن يكون الميّت أمام المصلِّي‏.
  6 ـ أن يكون رأس الميّت على يمين المصلي ورجلاه الى يساره‏.
  7 ـ أن يوضع الميّت على ظهره عند الصلاة عليه‏.
  8 ـ أن لا يكون حائل بين الميّت والمصلي كالستر والجدار ولا يضرّ الستر بمثل النعش أو الميت الاَخر‏.
  9 ـ أن لا يفصل بين الميت والمُصلي بُعدٌ مفرط ، وأن لا يعلو أحدهما على الاَخر علوّاً مفرطاً ، ولا يضرّ الفصل مع اتصال الصفوف في الصلاة جماعة أو مع تعدّد الجنائز اذا صلّىعليها دفعة واحدة‏.
  10 ـ ان يأذن ولي الميت كأبيه أو ابنه مثلاً المصلي باداء الصلاة‏.
  ‏11 ـ أن يوالي المصلّي بين التكبيرات والادعية والاذكار‏.
   لماذا لم تذكر شرط طهارة المصليّ كأن يكون على وضوء أو غسل أو تيمّم ؟
   ـ لاَنها غير واجبة في هذه الصلاة‏.
   واذا انتهت الصلاة ؟
   ـ يجب دفن الميّت ويكفي فيه مواراته في الارض مع تحقّق امرين:‏.
   الاول: حفظه من الحيوانات المفترسة مع احتمال وجودها في المكان‏.
   والثاني: اخفاء رائحته من النّاس مع احتمال وجود من يتأذي بها في المكان. ‏
   ويوضع على جانبه الاَيمن في قبره مع توجيه وجهه الى القبلة‏.
   وهل من شروطٍ لمكان الدفن ؟
   ـ نعم ...
  1 ـ أن يكون المكان مباحاً غير مغصوب ، وغير موقوف لجهة خاصّة كالمدارس والحسينيّات وامثالها مع الاضرار بالعين الموقوفة أو المزاحمة لجهة الوقف [بل وان لم يكن مضراً أو مزاحماً].
  2 ـ ألاّ يستلزم هتك حرمة الميّت المسلم بالدفن فيه كالمواضع القذرة والمزابل‏.
  3 ـ أن لا يدفن في مقابر الكفار‏.
   وبعد الدفن ؟
   ـ روي عن النبي صلّى الله عليه وآله أنّه قال: «لا يأتي على الميّت أشدّ من أول ليلة ، فارحموا موتاكم بالصدقة ، فاِن لم تجدوا فليصل أحدكم ركعتين له ، يقرأ في الاولى بعد الحمد آية الكرسي، وفي الثانية بعد الحمد سورة القدر عشر مرات ، يقول بعد السلام «اللهمّ صلِّ على محمّدٍ وآل محمّد وابعث ثوابها الى قبر فلان» ويسمّي الميّت‏.
   ذكرت لي في حوارية سابقة غسلاً أسميته غسل مسِّ الميت‏.
   ـ نعم ، يجب الغُسل على من مسَّ بدن الميت بعد أن يبرد وقبل اِتمام تغسيله مسلماً كان الميّت أو كافراً‏.
   مع وجود البلل ؟
   ـ معه وبدونه، سواء أكان مسَّ الميّت اضطراريّاً أم اختيارياً‏.
   وماذا يترتّب على من مسَّ الميّت ؟
   ـ يترتب عليه: ‏
  1 ـ وجوب الغُسل لما يشترط في صحّته الطهارة كالصلاة ، فاذا أراد أن يصلّي يجب عليه أن يغتسل أوّلاً‏.
  2 ـ حرمة مسِّ كتابة القرآن الكريم، وكلّ ما حرم على المحدث مسُّه‏ .
   ـ سكت أبي هنيئة ثمّ قال: ‏
   ـ اذا توفّي الزّوج وجب على زوجته العدة مهما كان عمر الزّوجة، بما في ذلك غير المدخول بها وتعتدّ الزّوجة غير الحامل أربعة أشهر وعشر أيّام ويلزمها ان كانت بالغة عاقلة ان تترك في مدة العدّة الزّينة في الجسد والملابس حيث يحرم عليها لبس الملابس التي تعتبر ملابس زينة كالملابس الحمراء مثلاً وغيرها، كما يحرم عليها لبس الحلي والاكتحال واستعمال الطيب والخضاب والحمرة بينما يحق للمعتدة تنظيف الجسد والملابس وتقليم الاظافر والاستحمام والخروج من البيت وخاصّه لاَداء حق أو قضاء حاجة أو فعل طاعة أو ضرورة‏ .
   والزوجة الحامل ؟
   ـ أما الزوجة الحامل اذا توفّي عنها زوجها فحكمها أن تبقى معتدّة حتى تضع حملها وتلد ، ثم تنظر فاِن كان قد مضى على وفاة زوجها عندما ولدت ‏ أربعة أشهر وعشرة أيّام فقد انتهت عدّتها واِن لم تكن قد مضت هذه المدّة تستمّر في عدّتها حتى تبلغ هذه المدّة‏.

   عن الوضوء سأحدّثك اليوم ـ قال أبي ـ ، وسأحدثك بعده عن الغسل والتيمّم‏ .
   فقلت في نفسي: نحن اِذن على باب أول مطهِّر لجسد سلب منه «حدثٌ ما» طهارته‏ .
   ورحت استذكر على عجل نماذج مما «يحدث» فيسلب طهارة جسدٍ كان متنعماً قبل ذلك بنقائه مكسوّاً ببياض طهارته‏.
   وحين تم لي ذلك التذكر، وطاوع ذاك الاسترجاع، عدت فسألت نفسي ، تُرى لماذا أتطهّر بالوضوء ؟ ثمّ عنّ لي أن أنقل هذا التساؤل الى أبي مادام هو أمامي الاَن‏.
   ولماذا نتوضّأ ؟
   ـ حتى نصلّي ... مثلاً‏ .
   حتى نطوف حول بيت الله الحرام في الحج أو العمرة، مثلاً‏.
   حتى يجوز لنا مسّ كتابة القرآن الكريم [واسمائه تعالى وصفاته الخاصّة به «كالرّحمن والخالق»]، مثلاً‏ .
   أتوضّأ بالماء طبعاً ... ولكن هل من شروط في الماء الذي أتوضّأ به ؟
   ـ نعم‏ .
  1 ـ أن يكون الماء طاهراً ، وأعضاء وضوئك كلّها طاهرة ، ويكفي أن يكون غَسلُها للوضوء تطهيراً لها فيما لو كان الماء معتصماً‏ .
  2 ـ أن يكون مباحاً غير مغصوب ، وكذلك المكان الذي تتوضّأ فيه‏ ، ‏ وينبغي أن تعرف أن المقصود من اشتراط اباحة المكان انّه اذا انحصر الوضوء بالمكان المغصوب سقط عنك وجوب الوضوء، وعليك أن تتيمّم لكنّك لو خالفت وتوضأت في المكان المغصوب صحّ وضوؤك وان كنت آثماً‏.
  3 ـ أن يكون مطلقاً غير مضاف ، كماء الاسالة، وماء الكأس الذي تشربه ، لا ماء الرمّان ـ مثلاً ـ .
   وكيف أتوَضّأ ... ؟
   ـ بعد أن تنوي الوضوء تقرّباً الى الله تعالى تبدأ: ـ
   أوّلاً: تغسل وجهك من منبت الشّعر أعلى الجبهة الى الذّقن طولاً ، وما دارت عليه الابهام والاِصبع الوسطى عرضاً ، فاذا فتحت كفّك على سعتها ووضعتها على وجهك فكل ما استوعبته كفّك ما بين طرف الابهام وطرف اصبعك الوسطى فهو ما تغسله من عرض وجهك‏ .
   مع ملاحظة [أن تغسل وجهك مبتدئاً من أعلاه الى أسفله] من دون حاجة الى تخليل الشعر الكثيف‏.
   ثانياً: تغسل يديك من المرفق الى أطراف الاصابع مبتدئاً باليد اليمنى ثمّ اليسرى غاسلاً من أعلى المرفق ونازلاً الى أطراف أصابعك منتهياً بأصابعك دائماً‏ .
   وما المرفق ؟
   ـ مجمع عظمي العضد والذراع‏ .
   ثالثاً: تمسح مقدّم رأسك ويرجّح أن يكون بباطن كفّك اليمنى وأن تبدأ المسح من الاَعلى الى الاَسفل ويجزيك أن تمسح على الشعر المختص بالمقدّم ولا يجب المسح على البشرة‏.
   رابعاً: تمسح رجليك ما بين أطراف الاَصابع ومفصل الساق ويرجّح ان تمسح رجلك اليمنى بنداوة كفّك اليمنى ورجلك اليُسرى بنداوة كفّك اليسرى ولا يجوز المسح بماء جديد [كما لا يجوز تقديم الرجل اليسرى على اليمنى في المسح].
   ولاحظ في وضوئك ما يلي: ‏
  أ ـ الترتيب، تغسل وجهك قبل يدك اليمنى، ويدك اليمنى قبل يدك اليُسرى، وتمسح رأسك قبل مسح رجليك‏ .
   ب ـ الموالاة: ويُقصد بها التتابع العرفي بين أفعال الوضوء، ويكفي في الحالات الطارئة، كنفاد الماء أو النسيان ان يكون الشروع في غَسل العضو اللاحق أو مسحه قبل أن تجف الاعضاء السابقة عليه فان جفّت جميعها بطل الوضوء، وتجدر الاشارة الى أنّه لا يضرّ الجفاف لو كان مسببه الرّياح أو الحرّ أو التجفيف اذا كان التتابع العرفي متحقّقاً‏ .
   جـ ـ المباشرة، بأن تتوضّأ بنفسك اِن أمكنك ذلك‏.
   واذا لم يمكنّي ذلك ؟
   ـ اذا لم تستطع ، يمكن أن يوضئك غيرك ، فيرفع يدك ويغسل بها وجهك، ثمّ يغسل بها يديك ، ويمسح بكفِّك اليمنى رأسك، ثم بكفيك رجليك بنداوة يديك‏ .
   د ـ أن لا يكون هناك حائل يمنع وصول ماء الوضوء الى البشرة كالصبغ والصمغ وطلاء الاَظافر للنساء وغيرها ، علماً بأن الدسومة لا تضر ولا تحجب‏.
   هـ ـ أن لا يكون هناك سبب يمنعك من استعمال الماء كالمرض ، واِلاّ وجب عليك التيمّم بدلاً من الوضوء‏.
   اذا توضأت ثم جاء وقت صلاة اُخرى فهل عليّ أن أجدّد الوضوء ؟
   ـ لا ما لم ينتقض وضوؤك‏.
   وكيف ومتى ينتقض وضوئي ؟
   ـ نواقض الوضوء ونواسخه سبعة: خروج البول، والغائط ، والريح ، والنّوم ، وكل ما يزيل العقل كالاغماء والسكر والاستحاضة القليلة والمتوسطة «راجع حواريّة الاستحاضة»، والجنابة‏.
   ثم لمعت عينا أبي فحدست أن قاعدة ما أو قواعد بدأت تلملم خيوطها في ذهنه فصدَّق الواقع حدسي‏.
   هاهو ذا أبي يقول: سأختتم حواريّتي بقواعد عامة عن الوضوء تنفعك..
   القاعدة الاولى: كل من توضّأ ثمّ شك بعد ذلك هل انتقض وزال وضوؤه بأحد النواقض السبعة الماضية أو بقي على طهارته، فهو باق على طهارته ، على وضوئه‏ ، مثلاً. ؟
   ـ توضّأت صباحاً أنت متأكّد من ذلك الاَن، وحين حلّ وقت صلاة الظهر أردت أن تصلّي ، فشككت هل دخلتَ المرافق بعد وضوئك فانتقض وضوؤك أم لم تدخلها فبقيت على طهارتك ، حينئذٍ تقول : أنا متوضئ ، وتُصلي‏.
   القاعدة الثانية: كل من لم يتوضّأ أو توضّأ وانتقض وزال وضوؤه، ثمّ شك بعد ذلك هل توضّأ ثانية أو لم يتوضّأ ؟ فهو غير متوضّئَ‏ ،مثلاً. ؟
   ـ استيقظت من نومك صباحاً ، وحين حلّ وقت صلاة الظهر أردت أن تصلي ، فداهمك الشَّكّ، تُرى هل توضّأت بعد استيقاظي من نومي أو لم أتوضّأ، حينئذٍ تقول اِنّي غير متوضئ فتتوضّأ وتصلّي‏.
   القاعدة الثالثة: كل من توضّأ وانتهى من وضوئه ، ثم شكّ في صحة وضوئه بعد فراغه منه ، فوضوؤه صحيح‏ ، مثلاً. ؟
   ـ توضّأت مثلاً وانتهيت من وضوئك، ثمّ شككت بعد ذلك ، تُرى هل غسلت وجهي أم لم أغسله ؟ أو هل غسلي لوجهي كان صحيحاً أم لا ؟ حينئذٍ تقول: وضوئي صحيح‏.
   واذا شككت في مسح الرجل اليُسرى ؟
   ـ تعيد مسحها اِلاّ اذا كنت قد دخلت في عمل آخر بدأت بالصلاة مثلاً أو حدث الشك بعد فوت الموالاة فانك لا تعتني بالشك حينئذٍ‏ .

   ها نحن اليوم سنتحاور في الغسل، وسأخرج عمّا قليل بعد نهاية محاورتي هذه ، مزهواً بما تعلمته اليوم، تيّاهاً بما حصلت عليه ، متباهياً فرحاً بما اوتيته، فتطهير الجسد من أدرانه يستهويني ، وربما أضفى عليه حبّي للماء ، وولهي به ، وعشقي له ، طعماً اِضافياً آخر، ونكهة محبّبة لم تكن لولا الماء لترد أو تكون ، فانا عاشق للماء قديم ، أحببته مذ كنت طفلاً ، أتراشق به مع أمي، وكلّما سنحت لي فرصة اللعب به والغطس فيه ، والتسلي بضربه برفق على صفحَة وجهه، والفرح بمداعبته. ‏
   واِذ تهيّأت لي فرصة تعلّم السباحة ـ والسباحة مستحبّة كما قال لي أبي ـ كنت أظمأ للماء كلّما أُبعدتُ عنه قسراً، ظمأً ربّما قارب ظمأ سمكة ولهى أُبعدت بفضاضة عن صدر حبيبها الماء قسْوةً وغلظة وشراسة وعسفاً. ‏
   نعم أنا كَلِف بالماء ، مولع به ، منذ اكتشفت أنّه المطهر والمنظف ـ والنظافة من الايمان ـ أغسل به جسدي ، وبه أغتسل. ‏
   وسيشرح لي أبي هذا اليوم كيف أغتسل. ‏
   الغسل ـ قال أبي ـ قسمان : ارتماسي وترتيبي. ‏
   وما الارتماسي ؟
   ـ أن تغمس جسدك بالماء دفعة واحدة ، هذه صورة مبسّطة لمعناه وسيتجلّى لك مفهومه بصورةٍ اعمق في مرحلةٍ أُخرى. ‏
   والترتيبي ؟
   ـ أن تغسل تمام رأسك ورقبتك وشيئاً مما يتصل بها من البدن أوّلاً، ولا تنس غسل اُذنيك (ما كان منهما ظاهراً دون الباطن) ثمّ تغسل جسمك مبتدئاً بجانبك الاَيمن وبعضاً ممّا يتصل به من الرقبة وبعضاً من الجانب الايسر، ثم تَثني فتغسل جانبك الاَيسر وشيئاً ممّا يتّصل به من الرقبة وشيئاً من الجانب الاَيمن.
   ويجوز أن تغسل البدن بعد الرأس والرقبة دفعة واحدة ولا تقسمه الى أيمن وأيسر. ‏
   وهل للغسل من شروط ؟
   ـ يشترط فيه ما اشترط في الوضوء من النّية، وطهارة الماء واِباحته واطلاقه، وطهارة أعضاء الجسد، وترتيب غَسل الاَعضاء، وأن يباشر المغتسل غُسله بنفسه اِن أمكنه وأن لا يكون هناك مانع من استعمال الماء شرعاً كالمرض «راجع حواريّة الوضوء».
   ـ ولكنّه يختلف عن الوضوء في أمرين أود أن تركّز عليهما:
   وما هما ؟
   ـ الاَوّل: لا يشترط في غسل كل عضوٍ هنا أن يكون غسله من الاَعلى الى الاَسفل كما كان في الوضوء. ‏
   ـ الثاني: لا يشترط في الغسل الموالاة والتتابع كما كان في الوضوء، فيمكنك أن تغسل الرأس والرّقبة ، ثمّ تغسل بقيّة جسدك بعد فترة حتى لو جفَّ رأسك، كما أنّك في الوضوء حين تغسل وجهك وتمرّ على شعر حاجبيك مثلاً تغسل ظاهرهما ، وحين تمسح رأسك تمسح ظاهر الشَعر منه، بينما يجب في الغُسل أن توصل الماء الى بشرة الرأس، وكذلك في شعر الحاجبين والشارب واللحية، ثمّ اِنّه ... ‏
   ثمّ ماذا ؟
   ـ ثمّ ان غسل الجنابة يغني عن الوضوء ... ‏
   معنى هذا أني اذا اغتسلت للصلاة فلا أتوضأ بعد الغسل. ‏
   ـ نعم ، تصلّي بغسلك رأساً بلا وضوء ، كما أنّه اذا اجتمعت عليك أغسال متعدّدة كغسل الجنابة والجمعة مثلاً جاز لك أن تغتسل غُسْلاً واحداً بقصد الجميع ولك أن تنوي خصوص غسل الجنابة فيغنيك عن غيره [نعم في خصوص غسل الجمعة لابدّ من نيّته ولو اجمالاً فلا يُغني عنه غسل آخر]. ‏
   واذا احتاجت المرأة الى غسل الجنابة وغسل الحيض والجمعة مثلاً ؟
   ـ يمكنها أن تغتسل غسلاً واحداً بنيّة الجميع، أو تنوي غسل الجنابة فيكفيها ذلك عن غيره عدا غسل الجمعة كما عرفت. ‏
   أضاف أبي: ‏
   سأذكر لك ملاحظات تنفعك في غسلك. ‏
  1 ـ تأكّد من أنّك أزلت كلّ أثرٍ للسائل المنوي كان على جسدك قبل أن تبدأ بالغُسل. ‏
  2 ـ تدخل المرافق لتتبول قبل أن تبدأ بالغسل لتُخرج بقايا السائل المنوي مع البول. ‏
  3 ـ يجب أن تزيل كل حاجب أو حائل يمنع وصول الماء الى البشرة كالصمغ مثلاً أما اذا تعذّر أو تعسَّر عليك اِزالته فانتقل الى التيمّم أما اذا كان الحاجب في مواضع التيمّم [فاجمع بين الغُسل والتيمّم]. ‏
  4 ـ كل شك يعتريك في صحّة غَسل عضو بعد الانتهاء من غسله لا ترتب عليه اثراً ولا تعره اي اهتمام. ‏
   ولو اعتراك شك في غَسل تمام الرّأس والرّقبة وانت تغسل بقيّة جسدك [لزمك العود لتتدارك غسل المقدار المشكوك]. ‏
   غسل الجنابة، والحيض والنفاس والاستحاضة ، والموت ، ومسّ الميّت ، هذه كلّها أغسال واجبة سبق أن حدّثتني عنها، ولكنّه مر عليّ في الحوار غسل أسميته أنت «غسل الجمعة» فهل هناك أغسال أخرى لم تذكرها لي ؟
   ـ نعم، هناك أغسال اُخرى كثيرة ، ولكنّها مستحبّة غير واجبة سأعدّد لك بعضها : ‏
  أ ـ غسل الجمعة وهو مستحبّ مؤكّد ووقته من طلوع الفجر الى الغروب والاَفضل الاتيان به قبل الزوال. ‏
  ب ـ غسل الاحرام. ‏
  حـ ـ غسل يومي العيدين «الفطر والاَضحى»، ووقتهما من طلوع الفجر الى الغروب والاَفضل الاتيان به قبل صلاة العيد. ‏
  د ـ غسل اليوم الثامن والتاسع من شهر ذي الحّجة الحرام وأفضله في اليوم التّاسع أن يكون عند الزوال. ‏
  هـ ـ غسل الليلة الاولى وليلة السابع عشر وليلة التاسع عشر وليلة الحادي والعشرين وليلة الثالث والعشرين وليلة الرابع والعشرين من شهر رمضان المبارك. ‏
  و ـ غسل الاستخارة. ‏
  ز ـ غسل الاستسقاء. ‏
  جـ ـ غسل دخول مكّة. ‏
  ط ـ غسل زيارة الكعبة الشريفة. ‏
  ي ـ غسل دخول مسجد النبّي صلّى الله عليه وسلّم. ‏
   وهذه الاَغسال كلها تغني عن الوضوء. ‏
   وهناك غيرها كثير مما لا يسع المجال في هذه العجالة لذكرها بعضها يغني عن الوضوء وهي التي ثبت استحبابها شرعاً وبعضها لا يغني وهي التي لم يثبت استحبابها بدليل معتبر وانما نأتي بها برجاء المطلوبية. ‏
   بقي أن أسألك سؤالي الاخير وهو: اذا لم استبريَ بالبول بعد الجنابة، فلم أبل، واغتسلت وانتهى كل شيء ، ثمّ خرج سائل منوي بعد ذلك ولو قطرة ؟
   ـ يجب عليك الغُسل ثانية حتى ولو خرج السائل المنوي بدون شهوة وبدون مداعبة. ‏
  كما يجب عليك الغسل ثانية اذا علمت أن هذا الذي خرج الاَن هو مني ولو في غير الصورة المتقدِّمة. ‏

   حين قال أبي سنتحدّث يوماً عن التيمّم، أحسست أن هذه الكلمة ليست غريبة عليَّ بل هي أليفة ودافئة ، غير أني ساعتها لم أستطع تحديد سبب هذا الدفء، ومنشأ تلك العذوبة ، وسرّ نكهة ذاك العطر. ‏
   وما أن حلَّ يوم الحوار حتى اكتشفت علَّة تلك الالفة المحببّة، فلفظة «التيمّم» سبق أن قرأتها وسمعتها وأنا اُتلو القرآن الكريم، أو أستمع اليه مقروءً بصوت أحد مقرئيه المشهورين فقد عوّدني أبي أن أقرأ كل يوم من كتاب الله العزيز ما يتيسّر لي قراءته ، وقد درجت على هذه المنوال كل يوم تقريباً ... ‏
   أقرأه فيتطيّب بتلاوته فمي ، وقلبي ، ورئتيَّ ، وذاكرتي.
   وأتدبّره فأعيد على هداه ترتيب قناعاتي وأولويّاتي، وأقوِّم وفق نهجه أبجديّات سلوكي ، وتصرّفاتي في مجتمعي ، ومع أفراد أسرتي، ومعارفي ، واِخواني وأصدقائي.
   ولكّني رغم اكتشافي لالفة تلك المفردة وطيبها، اِلاّ أنّي لم أتمكّن من استحضار الاَية القرآنية الكريمة التي تضمّنتها ولا استذكار اسم السورة التي وردت فيها، ولذلك فقد بدأت حواري اليوم بالسؤال التّالي: ‏
   أبي ... لقد حاولت استحضار اسم السورة التي وردت فيها لفظة «التيمّم» فلم تسعفني ذاكرتي.
   ـ اِنّها سورة «النساء» قال تعالى بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: ( َإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ) .
‏    لقد بينت الاَية الكريمة ـ كما تلاحظ ـ متى، وبماذا، وكيف نتيمّم، ولنبدأ بهنّ واحدة واحدة. ‏
   ومتى يا أبي أتيمّم ؟
   ـ تتيمّم عوضاً عن الغسل، أو الوضوء، وبدلاً عنهما في مواضع منها: ـ
  1 ـ اذا لم تجد من الماء ما يكفيك للغسل أو الوضوء كل في محله. ‏
  2 ـ اذا وجدت الماء، ولكنّه لم يتيسّر لك الوصول اِليه للعجز عنه تكويناً بشلل في أطرافك مثلاً ـ لا قدر الله ـ أو لتوقفه على ارتكاب عمل محرم كالتصرّف في اِناء مغصوب يوجد فيه الماء المباح أو لخوفك على نفسك أو عرضك أو مالك.
  3 ـ اذا خفت العطش على نفسك أو على أيِّ شخص آخر يرتبط بك ويكون من شأنك التحفّظ عليه والاهتمام بشأنه ، بل حتى الحيوان الذي يهمّك أمره، ولم يكن عندك من الماء ما يكفي لرفع العطش والطهارة المائيّة معاً.
  4 ـ اذا ضاق الوقت بحيث لا يتّسع لزمن غُسلك أو وضوئك مع اداء الصلاة بتمامها في الوقت.
  5 ـ اذا كان تحصيل الماء للغُسل أو الوضوء أو استعماله فيهما مستلزماً للحرج والمشقّة بحد يصعب عليك تحمّله ، كما اذا توقّف تحصيله على الاستيهاب الموجب للذّل والهوان، أو كان الماء متغيراً مما يتنفّر منه طبعك فتجد حرجاً ومشقّة شديدة في استعماله.
  6 ـ اذا كنت مكلّفاً بواجب يتعيّن عليك صرف الماء فيه ، كاِزالة النّجاسة عن المسجد.
  7 ـ اذا خفت على نفسك الضرر من استعمال الماء في الغسل أو الوضوء، لان استعماله يسبب مرضاً ، أو يطوّره ويُعقِّده أو يطيل أمد شفائه ولم يكن المورد من موارد المسح على «الجبيرة».
   وما الجبيرة ... ؟
   ـ سأحدِّثك عنها تفصيلاً في حواريّتنا القادمة. ‏
   عرفت الاَن متى أتيمّم ، ولكن بماذا أتيمّم ؟
   ـ تتيّمم بوجه الاَرض من تراب أو رمل ، أو حجر ، أو حصى ، أو ما شاكل شرط أن يكون ما تتيمّم به طاهراً ، [نظيفاً] وغير مغصوب. ‏
   وكيف أتيمّم ؟
   ـ سأتيمّم أمامك لتتعلم ... قال أبي ذلك وبدأ ... فخلع خاتماً كان في يده ، وضرب بباطن كفيه [معاً] على الاَرض ضربة واحدة ، ثمّ ضمّهما ليمسح بهما المنطقة الفاصلة بين حدّ شعر الرّأس، وطرف الاَنف الاَعلى، ماسحاً بباطن كفيه جبهته [وجبينه] من قصاص الشعر الى الحاجبين وحين وصل بالمسح الى طرف الاَنف الاَعلى توقّف ، ورفع كفّيه عن طرف أنفه ثمّ مسح بباطن كفه الاَيسر تمام ظاهر كفّه الاَيمن من الزّند الى أطراف الاَصابع، ومسح بعد ذلك بباطن كفه الاَيمن تمام ظاهر كفّه الاَيسر من الزّند الى اطراف الاَصابع. ‏
   ابهذهِ البساطة والسّرعة ينتهي التيمم ؟
   ـ نعم ، وليس التيمّم وحده فقط بهذه السهولة واليسر. ‏
   قال تعالى : (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ).
   وهل للتيمّم من شروط ؟
   ـ نعم : ‏
  1 ـ أن تكون معذوراً لا تستطيع الغسل أو الوضوء كما مرّ سابقاً. ‏
  2 ـ أن تنوي التيمّم قربة لله تعالى. ‏
  3 ـ أن يكون ما تتيمّم به طاهراً ، [نظيفاً]، وغير مغصوب ، ولا ممزوجاً بغيره ممّا لا يصحّ التيمّم به كرماد الخشب مثلاً اِلاّ اِذا كان المزيج مستهلكاً.
  4 ـ [ان يعلق شيء ممّا تتيمم به بيديك فلا يجزي التيمّم على الحجر الاَملس الّذي لا غبار عليه]. ‏
  5 ـ [أن يكون مسحك الجبهة من الاَعلى الى الاسفل]. ‏
  6 ـ أن لا تتيمم اِلاّ مع اليأس من زوال العذر قبل انتهاء الوقت اذا كان تيممك للصلاة أو أي واجب آخر له وقت محدّد. ‏
  7 ـ أن تباشر التيمّم بنفسك قدر الاِمكان. ‏
  8 ـ أن تتابع المسح فلا تفصل بين أفعال التيمّم بما يخل بهيئته عرفاً.
  9 ـ أن لا يكون هناك فاصل أو حائل بين ما تمسح به وما تمسحه ، أي بين كفّك وجبهتك مثلاً. ‏
  10 ـ أن تمسح جبهتك قبل كفّك اليمنى، وكفّك اليمنى قبل اليسرى. ‏
   اذا كنت معذوراً من استعمال الماء للغسل أو الوضوء بسبب مرضي فتيمّمت وصلّيت ، ثم راجعت الطبيب فسمح لي باستعمال الماء وكان هناك وقت للصلاة ؟
   ـ صلاتك صحيحة ولا يجب عليك اعادتها اذا كان تيمّمك مشروعاً كأن تكون قد تيمّمت مع يأسك من زوال عذرك في الوقت. ‏
   اذا منعني الطبيب من استعمال الماء عدّة أيّام لمرض ، فتمّمت وصلّيت ، ثم سمح لي باستعمال الماء بعد شفائي ، فهل أعيد صلوات الاَيّام الماضية التي صلّيتها بالتيمّم ؟
   ـ كلا ، لا تعدها. ‏
   اذا تيمّمت بعد دخول وقت الصلاة وصلّيت ، ثم حلّ وقت صلاة أخرى ولم يرتفع العذر ، فهل أتيمّم مرة أخرى لهذه الصلاة ؟
   ـ كلا ، لا حاجة لاِعادة التيمّم مادام العذر موجوداً وكنت لا تترقّب زوال عذرك، أنت محتفظ بعدُ بتيمّمك. ‏
  اذا تيمّمت بدلاً من غسل الجنابة فهل أتوضّأ للصلاة ؟
   ـ كلا ، فهو يغنيك عن الغسل والوضوء معاً. ‏
   واذا تيمّمت للغسل ثم دخلت الى المرافق مثلاً أو نمتُ ، فهل اتيمم مرة اخرى للوضوء أو اتيمم للغسل ؟
   ـ توضأ ان استطعت واِلاّ فتيمّم بدلاً من الوضوء. ‏
   اذا شككت في مسح الجبهة أو مسح الكفّ اليُمنى وأنا أمسح الكفّ اليُسرى؟ ـ لا تعر شكّك هذا أيَّ اهتمام. ‏
  ‏ واذا شككت فيهما بعد انتهائي من التيمّم ؟
   ـ كذلك لا تعر شكّك هذا أي اهتمام.

   قلت لاَبي ـ وقد حضرت ساعة الحوار ـ: ذكرت لي أمس «الجبيرة» وأرجأت الحديث عنها الى اليوم.
   ـ نعم ، فاذا وضعت على جرح أو قرح أو كسر ، لفافة أو ما شابهها ، فقد صنعتَ «جبيرة». ‏
   قد عرفت الجرح والكسر ولكن ما هو القرح ؟
   ـ القروح هي الدماميل التي تكون في البدن.
   وكيف اغتسل أو أتوضّأ أو أتيمّم مع وجود الجبيرة ؟
   ـ اذا أمكنك رفع الجبيرة بدون ضرر أو حرج فارفعها ، واغسل أو اسمح تحتها ما يجب عليك غسله أو مسحه كلٌ بحسبه. ‏
   واذا لم يمكن رفع الجبيرة لضررٍ أو حرج ؟
   ـ اِغسل ما حول الجبيرة ممّا يمكنك غسله من البشرة، وامسح على الجبيرة عوضاً عن الجزء المغطّى بالجبيرة سواءاً كان مما يغسل قبل الجبيرة كما لو كانت الجبيرة على ذراع اليد أو ممّا يمسح كما لو كانت على الرجل، ولا حظ ما يأتي: ‏
  1 ـ أن يكون ظاهر الجبيرة ـ ذاك الّذي تمسح عليه بيدك المبلولة ـ طاهراً، ولا يهمّك نجاسة باطن الجبيرة الملاصق للجرح. ‏
  2 ـ [ان لا تكون الجبيرة مغصوبة].
  3 ـ أن يكون حجم الجبيرة بالمقدار المعتاد والمتعارف والطبيعي لحجم الجرح أو الكسر. ‏
   واِذا كان حجم الجبيرة أكبر من حجم الجرح. ‏
   ـ ارفع المقدار الزائد واغسل ما تحته أو امسحه كل في مورده. ‏
   واذا لم يمكنّي رفعه أو كان فيه ضرر على الموضع المصاب. ‏
   ـ لا ترفعه ، وتوضأ بالمسح على الجبيرة. ‏
   واذا كان رفع المقدار الزائد حرجياً أو كان مضراً بالموضع السليم دون الموضع المصاب. ‏
   ـ تيمم بدلاً عن الوضوء اذا لم تكن الجبيرة في مواضع التيمم [واِلا فاجمع بينهما]. ‏
   اذا استوعبت الجبيرة تمام وجهي ، أو تمام اِحدى يدي أو رجلي. ‏
   فكيف أصنع في الوضوء ؟
   ـ تتوضّأ بالمسح على الجبيرة. ‏
   واذا استوعبت جميع الاعضاء أو معظمها ؟
   ـ [اجمع بين الوضوء مع المسح على الجبيرة، وبين التيمّم]. ‏
   واذا كان في وجهي أو يدي جرح أو قرح مكشوف بدون لفاف ، ولكن الطبيب منعني من ايصال الماء اليه فكيف أتوضأ ؟
   ـ اغسل ما حوله واترك غسل الموضع المصاب. ‏
   واذا كان في وجهي أو يدي كسر مكشوف يضره الماء ولا جرح فيه فكيف اتوضّأ ؟
   ـ انتقل من الوضوء الى التيمّم. ‏
   واذا كان الجرح المكشوف الذي يضره الماء في احد مواضع المسح، كما اذا كان في الرجل أو الرأس، فكيف أمسح في الوضوء ؟
   ـ انتقل الى التيمّم. ‏
   واذا أردت الغسل، وكان في جسدي جرح أو قرح مكشوف ؟
   ـ اترك غسل الجرح أو القرح واغسل ما حوله ، أو انتقل الى التيمّم، فلك الخيار في ذلك ، واذا كان في جسدي كسر مكشوف فكيف اغتسل ؟
  ـ تيممم بدل الغسل.

   القسم الاول : ‏من المقدمة الى القنوت ‏.
   ‏القسم الثاني ‏: ‏ من مبطلات الصلاة الى الجمع بين الصلاتين.
   القسم الاول :‏
   ها نحن الاَن قد وصلنا في حوارنا الى الصّلاة ـ قال أبي ـ «والصلاة ـ كما ورد في الحديث النّبوي الشريف ـ عمود الدين ان قبلت قبل ما سواها ، واِن رُدّت ردّ ما سواها» ، اِنّها ـ أضاف أبي ـ مواعيد لقاءات محدّدة ثابتة بين الخالق ومخلوقه ، رسم الله سبحانه وتعالى أوقاتها السعيدة، وطرائقها، وصورها وكيفيّاتها لعباده ... تقف خلالها بين يديه ، متوجهاً اِليه بعقلك وقلبك وجوارحك، تحادثه وتناجيه، فيسكب عليك خلال تلك المناجاة صفاءً ذهنياً ونفسياً رائعاً ، وشفافية روحيّة تسبح خلالها بطيب المشافهة، وتنعم معها بدفء وعذوبة ووله وسعادة ولذّة الوصال والتلاقي.
   وطبيعي أن تعتريك تلك الرهبة المحبّبة وأنت تقف بين يدي خالقك العظيم ... الرحيم بك ، الرؤوف بحالك ، السميع البصير.
   لقد كان استغراق جدّك أمير المؤمنين عليه السلام بعبادة ربّه وتوجّهه اِليه بكله فرصة مناسبة لاستلال النصل من جسده في معركة صفين ، لانشغاله عن معاناة ألم الجسد بمناجاة ربه.
   وكان امامك زين العابدين عليه السلام اِذا توضّأ للصلاة اصفّر لونه .
   فيقول له أهله: ما هذا الّذي ينتابك عند الوضوء ؟ فيقول : «أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم» ، وكان اِذا قام الى الصلاة أخذته الرعّدة، فيجيب من يسأله : «أريد أن أقوم بين يدي ربّي وأناجيه، فلهذا تأخذني الرعّدة ». ‏
   وكان امامك الكاظم عليه السلام اِذا قام الى الصلاة وخلا بربّه بكى واضطربت اعضاؤه، وخفق قلبه خوفاً من الله عزّ وجل وخشية ووجلاً منه .
   ولما أودعه الرشيد ظلمة سجنه الرهيب تفرغ لطاعة الله وعبادته ، شاكراً ربّه على تهيأته هذه الفرصة الجميلة الحبيبة له مخاطباً ربّه قائلاً : «ربّ اِنّي طالما كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك وقد استجبت مني فلك الحمد على ذلك».
   والصلاة ـ اردف أبي ـ اِبراز حسّي ظاهري لحاجة داخلية متأصلة في النفس، هي الانتماء لله عزّ وجل والارتباط بالخالق المكوّن، المسيطر، المالك المهيمن.
   فحين تقول : (الله اكبر) مبتدئاً صلاتك فاِنّ مثل المادة وأنظمتها ونماذجها وأنماطها وزخارفها ستتضاءل في نفسك وربّما تضمحل لاَنّك واقف بين يدي خالق الكون، المسيطر على مادته المسخر لها وفق مشيئته ، فهو أكبر من كل شيء وبيده كل شيء .
   فحين تقول ـ وأنت تقرأ سورة الحمد: (اِيّاك نعبد واِيّاك نستعين)، فأنت تغسل نفسك وجسدك من كلِّ أثر للاستعانة بغير الله القادر الحكيم أيّاً كان.
   بتلك النكهة المحببّة للخشوع ستستحم كل يوم خمس مرّات : صباحاً وظهراً وعصراً ومغرباً وعشاءاً.
   وان شئت زدت على ذلك بما يستحب لك منها .
   معنى هذا أن الصلوات واجبة ومستحب ؟
   ـ نعم، فهناك صلوات واجبة وأخري مستحبّة .
   الصلوات الواجبة اعرفها ... انّها الصلوات التي نؤدّيها كل يوم ، انّها صلاة الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء .
   ـ ليست هذه فقط هي الصلوات الواجبة، بل هناك صلوات واجبة أخرى غيرها وهي: ‏
  1 ـ صلاة الاَيات. «انظر حواريّة الصلاة الثانية».
  2 ـ صلاة الطواف الواجب في العمرة والحج «أنظر حواريّة الحج».
  3 ـ الصلاة على الميّت ، «أنظر حواريّة الموت».
  4 ـ الصلاة التي لم يصلّها الوالد [حيث يجب على ولده الاَكبر قضاؤها عنه بعد موته]، «انظر حوارية الصلاة الثانية».
  5 ـ الصلاة التي تجب بالاجارة أو بالنذر أو اليمين أو غيرهما.
   وهي تختلف باختلاف الحالات.
   غير ان للصلوات اليومّية مقدّمات خمساً هي: ‏
  أ ـ وقت الصلاة.
  ب ـ القبلة.
  جـ ـ مكان الصلاة.
  د ـ لباس المصلي.
  هـ ـ الطهارة في الصلاة.
   وقال أبي: ينبغي ان لا تتوهم ان هذه المقدّمات لا يجب توفّرها في غير الصلاة اليومية ـ من الصلوات الواجبة والمستحبة ـ كلا لا تتوهم ذلك بل يجب توفر ما عدا الشرط الاول فيها على تفصيل ستعرفه ان شاء الله.
   والاَن اعود لاَعرض بالتفصيل لكل واحدة واحدة من تلك المقدّمات الخمس :‏ ‏‏ ستبدأ اذن بوقت الصلاة.
   ـ نعم باولاهنّ :‏
  1 ـ وقت الصلاة: لكل من الصلوات اليوميّة وقت محدد لا يجوز تخطيّه ، فوقت صلاة الصبح من طلوع الفجر الى طلوع الشمس ، ووقت صلاة الظهرين «الظهر والعصر» من زوال الشمس الى غروبها ، ويختص أوّل الوقت بصلاة الظهر وآخره بصلاة العصر بمقدار أدائهما.
   وكيف أعرف الزوال، ذلك الوقت الذي تبدا به صلاة الظهرين ؟
   ـ انّه منتصف الوقت بين طلوع الشمس وغروبها.
   أما وقت صلاة العشاءين «المغرب العشاء» فهو من أول المغرب الى منتصف الليل، ويختص أول الوقت بصلاة المغرب وآخره بصلاة العشاء بمقدار ادائهما .
   هذا [ولا تبدأ بصلاة المغرب اِلاّ بعد أن تزول الحمرة المشرقيّة من السماء ].
  وما الحمرة المشرقية؟
   ـ انّها حمرة في السماء من جهة المشرق في الجهة المقابلة لغروب الشمس تزول بعد غروبها .
  ‏ وكيف اُحدد منتصف اللّيل ، ذلك الذي ينتهي به وقت صلاة العشاء ؟
   ـ اِنّه منتصف الوقت بين غروب الشمس والفجر .
   واِذا انتصف اللّيل وزاد ولم أُصلّ صلاتي المغرب والعشاء عامداً ؟
   ـ عليك [ان تبادر فتصليهما قبل الفجر بقصد القربة المطلقة أي من دون أن تقصد اداء الصلاة ولا قضاءها].
   مع ملاحظة هامّة في كل صلاة وهي أن تتأكدّ من دخول وقت الصلاة قبل البدء بها سواء أكانت صلاة الفجر أم الظهر والعصر أم المغرب والعشاء .
  2 ـ القبلة : يجب عليك أن تستقبل القبلة وأنتَ تصلّي ، والقبلة ـ كما تعرف ـ هي المكان الّذي تقع فيه الكعبة الشريفة بمكة المكرمة .
   واِذا لم أتمكّن من معرفة جهة القبلة بعد أن بذلت جهدي وفقدت كل الحجج التي يمكنني أن أستند اِليها لتعيين القبلة ؟
   ـ صلِّ الى الجهة التي تظنّ وجود القبلة فيها .
   ـ واِن لم استطع أن أرجح جهة على أخرى ؟
   ـ صلِّ الى أيّة جهة تحتمل وجود القبلة فيها.
   ـ واِذا اعتقدت أن جهة ما ، هي جهة القبلة وصلّيت ، ثم عرفت بعد الصلاة أنني كنت على خطأ.
   ـ اِذا كان انحرافك عن القبلة ما بين اليمين والشمال صحت صلاتك ... واِذا كان انحرافك اكثر من ذلك ، أو كانت صلاتك الى الجهة المعاكسة لجهة القبلة ولم يمض وقت الصلاة بعد ، أعد صلاتك وأمّا اِذا مضى وقت الصلاة فلا يجب عليك القضاء.
  3 ـ مكان المصلّي [لاحظ أن يكون مكان صلاتك مباحاً ذلك أن الصلاة، لا تصح في المكان المغصوب].
   ويعدّ من المغصوب ما وجب أن تدفع خمسه ولم تدفع خمسه بيتاً كان أو فراشاً أو غيرهما ، وسأشرح لك بالتفصيل ما يجب فيه الخمس في «حواريّة الخمس» القادمة، غير أني أشير هنا فقط الى ضرورة عدم السقوط في هاوية الغفلة والتسامح واللامبالات.
   تلك التي سقط فيها كثيرون ومنعوا حق الله عزّ وجل في أموالهم.
   لنفترض أنّ الارض كانت غير مغصوبة ولكنها مفروشة بفراش مغصوب.
   ـ كذلك[ لا تصح صلاتك بها على ذلك الفراش‏].
   ـ أضاف أبي:
   ثم يجب أن يكون مكان سجودك طاهراً غير نجس .
   تقصد بمكان السجود موضع سجود الجبهة ؟
   ـ نعم ، طهارة مكان السجود فقط ، أي التربة واشباهها مما تسجد عليه.
   وبقية مكان الصلاة، موضع الرجلين مثلاً ، المكان الذي يشغله بقية الجسد في الصلاة ؟
   ـ لا يشترط فيه الطهارة ، فاِذا كان نجساً وكانت نجاسته لا تسري الى الجسد أو الملابس تجوز الصلاة فيه.
   ثم أنه بقيت هناك موضوعات تخصّ مكان المصلي سأحددها لك على شكل نقاط: ‏
  أ ـ لا يجوز في الصلاة ولا في غيرها استدبار قبور المعصومين عليهم السلام اِذا كان في الاستدبار اِساءة للادب .
  ب ـ [لا تصحّ صلاة كل من الرجل والمرأة اِذا كانا متحاذيين متجاورين وعلى مستوي واحد ، أو كانت المرأة متقدّمة] اِلاّ أن تفصل بين مكانها ومكانه أكثر من عشرة أذرع بذراع اليد أو يكون بينهما حائل كالجدار مثلاً.
  جـ ـ تستحب الصلاة في المساجد، وأفضل المساجد، المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومسجد الكوفة والمسجد الاَقصى ، كما تستحب الصلاة في مشاهد الائمة المعصومين عليهم السلام .
  د ـ من الاَفضل للمراة أن تختار لصلاتها أكثر الاَمكنة ستراً حتى في بيتها.
‏   4 ـ لباس المصلي، وفيه شروط : ‏
  أ ـ أن يكون طاهراً و [غير مغصوب] على أن شرطية اباحة اللباس انّما هي للساتر للعورة فقط ، وهذا يختلف حاله بين الرجل والمرأة اذ يكفي اباحة خصوص بعض الملابس الداخلية ـ كالشورت مثلاً ـ للرجال ، بينما لا يكفي ذلك في النساء لسعة دائرة ما تستره في الصلاة وهو جميع البدن عدا ما استثني.
   ب ـ أن لا يكون من أجزاء الميتة التي تحلّها الحياة، كجلد الحيوان المذبوح بطريقة غير شرعية [وان كان لا يكفي وحده ان يكون ساتراً للعورة ]‏.
   وهل تصح الصلاة في الحزام الجلدي المأخوذ من يد المسلم، أو المصنوع في بلاد اِسلامية مثلاً ، وهو غير معلوم التذكية ؟
   ـ نعم تصح الصلاة فيه.
   والحزام الجلدي المأخوذ من يد الكافر. أو المصنوع في بلاد كافرة ؟
   ـ تصح الصلاة فيه [ اِلاّ اذا علمت أنه مأخوذ من جلد حيوان غير مذكّى].
   واذا لم أتأكّد من أن هذا الحزام الجلدي ـ مثلاً ـ مصنوع من جلد طبيعي أم صناعي ؟
   ـ تجوز الصلاة فيه في مطلق الاحوال.
  جـ ـ أن لا يكون لباس المصلّي مصنوعاً من اجزاء السباع اذا كان بحيث يمكن ستر العورة به [ولا غيرها مما لا يجوز أكل لحمها].
   د ـ أن لا يكون من الحرير الخالص بالنسبة للرجال ، أمّا النساء فيجوز لهنّ الصلاة في الحرير الخالص.
   هـ ـ أن لا يكون من الذهب الخالص أو المغشوش اذا صدق عليه الذهب، دون المموه بالنسبة للرجال .
   ولو كان خاتم يد أو حلقة زواج ؟
   ـ ولو كان خاتم يد أو حلقة الزواج، فانّه لا تصح صلاة الرجل به ، كما أنّه يحرم لبس الذّهب للرجال دائماً.
   حتى في غير وقت الصلاة ؟
   ـ دائماً ... دائماً حتى في غير وقت الصلاة.
   ـ والاَسنان الذهبية الداخلية التي تصنع لبعض الرجال، والساعة الذهبية التي يحملها بعضهم في جيبه ؟
   ـ هذه جائزة للرجال وتصحّ صلاتهم بها .
   اذا كان الرجل لا يعلم أن خاتمه ذهبي وصلّى فيه ، أو أنّه كان يعلم أنّه ذهبي ونسي وصلّى فيه ثمّ علم أو تذكّر بعد انتهاء الصلاة ؟
   ـ صلاته صحيحة.
   والنساء ؟
   ـ يجوز لهنّ لبس الذّهب دائماً وتصح صلاتهنّ به.
   بقيت في لباس المصليّ ملاحظة ذات أهمّية وهي أنّه يجب على الرجل ستر عورته في الصلاة وهي القضيب والخصيتان والمخرج فقط .
   ويجب على المرأة ستر جميع جسدها في الصلاة بما في ذلك الشعر حتى لو كانت وحدها ولا يراها أحد عدا الوجه بالمقدار الذي لا يستره الخمار عادة مع ضربه على الجيب، والكفين الى الزّند والقدمين الى أوّل جزء من الساق.
   ـ هذه هي مقدمات الصلاة ، ـ قال أبي ـ أما الصلاة نفسها فهي عمل مركبّ من عدة اجزاء وواجبات ، وهي: النيّة، وتكبيرة الاحرام، والقيام ، والقراءة ، والذكر ، والركوع ، والسجود ، والتشهد ، والتسليم ، مراعياً فيها الموالاة والترتيب كما ستعرف .
   ولماذا لم تبدا بالاذان والاقامة ؟
   قبل أن أجيبك على هذا السؤال أحبّ أن أنبهك الى أن بعض هذه الاجزاء تسمّى بالاركان وهي : النية، وتكبيرة الاحرام، والقيام ، والركوع ، والسجود.
   وقد اختصّت عن بقية الاجزاء الواجبة بخاصية بطلان الصلاه بنقيصتها عمداً وسهواً فاقتضت هذه التسمية وهذا الامتياز.
   واعود الان الى جواب سؤالك: ‏
   الاَذان والاقامة في الصلوات اليوميّة الواجبة من المستحبّات المؤكدّة التي يحسن أن يأتي بهما المصلّي، ولكنّه يجوز له تركهما.
   قال ذلك أردف أبي ناصحاً : ‏
   اتمنّى أن لا تترك الاَذان والاقامة في صلواتك الواجبة اليوميّة فتخسر ثوابهما .
   واِذا أردت أن أُؤذن فكيف أُؤذن ؟
   ـ تقول: ‏
   الله اكبر ـ أربع مرات.
   أشهد أن لا اِله اِلاّ الله ـ مرتين.
   أشهد أنَّ محمّداً رسول الله ـ مرتين.
   حيَّ على الصلاة ـ مرتين.
   حيَّ على الفلاح ـ مرتين.
   حيَّ على خير العمل ـ مرتين.
   الله اكبر ـ مرتين.
   لا اِله اِلاّ الله ـ مرتين.
   ـ والاقامة ؟
   ـ في الاقامة تقول:‏
   الله أكبر ـ مرتين.
   أشهد أن لا اِله اِلاّ الله ـ مرتين.
   أشهد أن محمداً رسول الله ـ مرتين
   حيَّ على الصلاة ـ مرتين.
   حيَّ على الفلاح ـ مرتين.
   حيَّ على خير العمل ـ مرتين.
   قد قامت الصلاة ـ مرتين.
   الله أكبر ـ مرتين.
   لا اِله اِلاّ الله ـ مرة واحدة.
   والشهادة بولاية الاِمام عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام ؟
   ـ اِنّها مكملة للشهادة بالرسالة ومستحبة، ولكنها ليست جزءاً من الاَذان ولا من الاقامة.
   اذن فأوّل أجزاء الصلاة هي ما أسميتها أنت بالنية ؟
   ـ نعم .
   وما النية ؟
   أن تقصد الصلاة متعبداً بها ، أي باضافتها الى الله تعالى أضافة تذللية .
   ـ أحبّ أن أعرف (الاضافة التذللية) بصورة واضحة.
   ـ الاضافة التذللية هي العمل النفسي الذي يقارن الافعال العبادّية يستشعر الانسان به أنّه العبد الذليل أمام المولى الجليل سبحانه وتعالى.
   ـ وهل للنية لفظ محدد مخصوص ؟
   ـ كلاّ ، انّها من أعمال القلب لا اللسان ، ولذلك فليس لها لفظ محدّد ما دام محلّها القلب ، غير أنّك اِذا لم تقصد الصلاة تقرّباً وتذلّلاً الى الله بحركاتك تلك التي تؤدّيها بطلت صلاتك .
   ثانيها : تكبيرة الاِحرام.
   وما هي تكبيرة الاحرام ؟
   ـ تقول : الله أكبر ، وأنت واقف على قدميك مستقر في وقوفك ، متوجّهاً الى القبلة ... تقولها باللغة العربية، موضِّحاً لدى نطقك بها صوت حرف «الهمزة» في كلمة «أكبر» وكذا سائر الحروف والاَفضل أن تفصل بين تكبيرة الاحرام هذه وبداية سورة الحمد بشيءٍ من الصمت قليل حتى لا تلتصق التكبيرة بأوّل سورة الحمد.
   قلت لي يجب أن تكبِّر وأنت قائم على قدميك ، فلو كنت مريضاً مثلاً فلم أستطع القيام على قدمي ولو بالاعتماد على عصا أو جدار أو غيرهما فكيف اُصلّي؟ ــ صلِّ وأنت جالس ، واِن لم تتمكن كذلك، صلِّ وأنت مضطجع على جانبك الاَيمن أو الاَيسر ووجهك الى القبلة [ويجب تقديم الجانب الاَيمن على الاَيسر مع الامكان] .
   وان لم استطع ؟
   ـ صلِّ وأنت مستلقٍ على قفاك ورجلاك الى القبلة.
   اذا كنت استطيع القيام حال التكبير فقط ولا استطيع الاستمرار عليه.
   ـ يجب عليك ان تكبر واقفا وتستمر في صلاتك جالساً او مضطجعاً كما بيّنت لك.
   ثالثها : القراءة.
   وتأتي بعد التكبيرة حيث تقرأ سورة الحمد [وسورة كاملة اُخرى بعدها].
   قراءة صحيحة دون خطأ ولا تنس أن تقرأ البسملة في أوّل كل سورة عدا سورة التوبة كما تجده في المصحف.
   واِذا لم يسعفني الوقت لقراءة السورة الثانية تلك التي أقرأها عادة بعد سورة الحمد ؟
   ـ اترك قراءة السورة واقرأ الحمد وحدها ... كذلك تفعل اِذا كنت مريضاً لا تستطيع قراءة سورة ثانية بعد سورة الحمد، أو كنت خائفاً ، أو مستعجلاً.
   وكيف أقرأ السورتين ؟
   ـ [يجب على الرجال قراءة السورتين جهراً لصلاة الصبح والمغرب والعشاء وقراءتهما بصوت خافت لصلاتي الظهر والعصر].
   والنساء ؟
   ـ لا جهر على النساء غير أن المرأة [يجب عليها أن تخفت في الظهرين].
   اِذا كنت أجهل حكم الجهر والاخفات في الصلاة أو نسيت فقرأت السورتين أو بعضهما بصوت خافت وأنا اصلي الصبح أو المغرب أو العشاء، أو قراتهما أو بعضها بصوت عال وأنا أصلّي الظهر أو العصر أي عكس المطلوب ؟
  ـ صلاتك صحيحة .
   هذا ما سأقرؤه في الركعتين الاولى والثانية ، وماذا عن الثالثة والرابعة ماذا أقرأ فيهما ؟
   ـ أنت مخير بين أن تقرأ في الركعتين الثالثة والرّابعة سورة الحمد وحدها، أو أن تقرأ التسبيحات [باخفات الصوت طبعاً في كلتا الحالتين] عدا البسملة فيحق لك اِذا كنت اماماً أو منفرداً أن تجهر بها .
   واِذا اخترت التسبيح فماذا أقول فيه ؟
   ـ يجزيك ان تقول بصوت خافت :سبحان الله والحمد لله ولا اِله اِلاّ الله والله أكبر ، مرّة واحدة أو ثلاث مرّات وهو أفضل.
   وهل هناك ملاحظة أخرى في القراءة ؟
   ـ نعم ، فعندما تنطلق في قراءتك وتدرج بها فالاَفصح أن تحرك أواخر الكلمات كلٌّ حسب موقعها الاعرابي، فلا تدرج وأواخر الكلمات ساكنة واِذا وقفت على كلمة فالافصح أن تسكن الحرف الاخير منها .
   ثمّ يجب عليك بعد ذلك أن تمدّ حرف الاَلف مدّاً خفيفاً وأنت تقرأ كلمة «الضاَلين» آخر سورة الحمد لكي تتحفّظ على اداءِ التشديد والالف بصورة صحيحة.
   وبعد ذلك ؟
   ـ احذف همزة الوصل في قرأتك حينما تقع في وسط الكلام لا في بدايته واظهر همزة القطع بحيث تبدو على لسانك واضحة بيّنة جليّة حينما وقفت .
   مثل لي لهمزة الوصل وهمزة القطع.
   ـ الهمزة في (الله، الرحمن، الرّحيم ، اِهدنا) مثلاً همزه وصل لا تظهر على اللسان في النطق اثناء الدرج والانطلاق والاسترسال ، بينما همزة (اِيّاك، أنعمتَ) مثلاً همزة قطع تظهر على اللسان واضحة جليّة اثناء النطق بها ، ثمّ...

   ثمّ ماذا ؟
   ـ ثم اِذا رغبت أن تقرا سورة التوحيد بعد سورة الحمد واخترتها من بين السور الاُخرى فمن الاَيسر لك والاَسهل عليك أن تقف على كلمة (أحد) فتسكنها وأنت تقرأ الاَية الكريمة: (قل هو الله أحدْ) أي تتريّث قليلاً قبل ان تقرأ الاَية اللاحقة بها (الله الصمد) .
   قال ذلك أبي وأضاف: ‏
   ومن أجل أن تضمن صحّة قراءتك في صلاتك أنصحك بأن تصلّي أمام من يحسن الصلاة ليضبط قراءتك وصلاتك، فاِن تعسرَ عليك ذلك فلا أقل من أن تدقق قراءتك للسورتين، «سورة الحمد والسورة اللاحقة لها» وفق قراءة أحد المقرئين المعروفين بصحة النطق المهتمين بدقة الضبط، تقرأ مع قراءته السورتين وتتابع على هدي قراءته قراءتك، فستكتشف عندئذٍ أخطاءك ـ اِن وجدت ـ لتصحّحها.
   ذلك أجدى لك من أن تستمر على قراءة خاطئة نشأت عليها منذ الصغر حتى اِذا اكتشفت خطأك بعد حين ، تكون قد صلّيت سنوات صلاة غير صحيحة القراءة.
   رابعها : القيام، ومعناه واضح ، لكن أودّ أن أُشير الى أن القيام هو الجزء الوحيد من أجزاءِ الصلاة والّذي يحمل صفة مزدوجة ، فهو قد يكون ركناً كالقيام حال تكبيرة الاِحرام والقيام قبل الركوع الذي يعبّر عنه بالقيام المتّصل بالركوع فتترتّب عليه خصائض وأحكام الركن، وقد يكون واجباً غير ركن كالقيام حال القراءة والتسبيح والقيام بعد الركوع فحينئذٍ تجري عليه أحكام الواجبات غير الرّكنية.
   خامسها : الركوع.
   ثم بعد قراءتك للسورتين يجب أن تركع.
   وكيف أركع ؟
   ـ تنحني حتى تصل أطراف أصابعك الى ركبتيك ، وحين يستقّر بك الرّكوع تقول :‏ (سبحان ربّي العظيم وبحمده) مرة واحدة ، أو تقول : «سبحان الله» ثلاثاً ، أو «الله أكبّر» ثلاثاً أو «الحمد لله» ثلاثاً ، أو غيرها مما هو بقدرها من الذّكر كالتهليل ثلاثاً.
   ثم تقوم من ركوعك وتستقيم، حتى اِذا استقرّ بك القيام هويتَ للسجود .
   سادسها : السجود
   ويجب في كل ركعة سجدتان.
   وكيف أسجد ؟
   ـ تضع جبهتك وكفّيك وركبتيك ابهامي قدميك على الارض.
   ويشترط فيما تسجد عليه وتضع عليه جبهتك أن يكون من الاَرض، أو من نباتها غير المأكول، ولا الملبوس.
   مثّل لي لما لا يجوز السجود عليه لاَنّه مأكول أو ملبوس ؟
   ـ البقول والفواكه لا يجوز السجود عليها لاَنها مأكولة ، والقطن والكتّان لا يجوز السجود عليهما لاَنّهما ملبوسان.
   على أيِّ شيء أسجد مثلاً ؟
   ـ أُسجد على التراب أو الرّمل أو الحصى أو الصخر أو الخشب أو ما لا يؤكل من أوراق الشجر ... اُسجد على الورق المستعمل للكتابة اِذا كان مصنوعاً من الخشب أو القطن أو الكتان، أُسجد على التبن، وغير ما ذكرت كثيرٌ.
   ولا تسجد على الحنطة والشعير والقطن والصوف والقير والزجاج والبلّور ... وأفضل ما تسجد عليه التراب وأفضله «التربة الحسينيّة» على مشرّفها الصلاة والسلام.
   واِن لم أتمكّن من السجود على ما يصحّ السجود عليه لعدم توفّره مثلاً أو لخوفي من السجود عليه كحالات التقيّة ؟
   ـ ان لم يتوفّر لك ما يصح السجود عليه فاسجد على القير أو الزفت فان لم يحصلا فعلى ما شئت ... على ثوبك أو على كفّك ، وان كنت في حال تقيّة فاسجد على ما تقتضيه التقية.
   قال ذلك أبي وأضاف: ‏
   ولا تنس أن يكون موضع سجودك بمستوى موضع ركبتيك وابهاميك فلا يزيد ارتفاع أحدهما عن الاَخر أربع أصابع مضمومة [وكذلك موضع سجودك مع موضع وقوفك].
   لو وضعت جبهتي وكفّي وابهامي قدمي وركبتي على الاَرض فماذا أصنع ؟
   ـ قل بعد أن يستقر بك السجود: «سبحان ربّي الاَعلي وبحمده» مرّةً واحدة، أو قل: «سبحان الله» ثلاثاً، أو «الله أكبر» ثلاثاً ، أو «الحمد لله» ثلاثاً أو غيرها من الاَذكار التي هي بقدرها ...
   ثمّ ارفع رأسك حتى تجلس مطمئناً ، فاِن جلست مطمئنّاً مستقرّاً أعد الكرة، فاسجد السجدة الثانية وأقرأ بها ما تختاره مما عرفت من ذكر السجود.
   واِن لم أتمكّن من الانحناء التام للسجود لمرضٍ مثلاً ؟
   ـ حاول الاَنحناء أقصى ما تستطيع ، وضع ما تسجد عليه على مرتفع ثم ضع جبهتك عليه مراعياً وضع سائر المساجد في محالها.
   واِن لم أتمكّن من ذلك أيضاً ؟
   أُوْمئ برأسك الى موضع السجود ، واِن لم تتمكن فأُومئ بعينيك غمضاً له وفتحاً للرفع منه.
   سابعها: التشهدّ.
   ويجب بعد السجدة الثانية من الرّكعة الثانية في كل صلاة ، وفي الركعة الاخيرة من صلاة المغرب والظهر والعصر والعشاء.
   وماذا أقول فيه ؟
   ـ قل : [اشهد ان لا اِله اِلاّ الله وحده لا شريك له، واشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله اللهم صلِّ على محمّدٍ وآل محمّدٍ] تؤديه بصورة صحيحه وأنت جالس مطمئن في جلوسك موالياً بين افعالك.
   ثامنها: التسليم.
   وهو واجب في الرّكعة الاَخيرة من كلِّ صلاة ، تقوله بعد التشهدّ وأنت جالس مستقر في جلوسك.
   وماذا أقول فيه ؟
   ـ يجزي فيه أن تقول «السلام عليكم» والاَفضل ان تضيف اليه: «ورحمة الله وبركاته» وافضل منه ان تقول قبله : «السلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين».
   هذه هي أجزاء الصّلاة ، تؤدّيها متسلسلة كما عددتها وفصلتها لك ، متوالية يلي بعضها بعضاً ، ويمسك بعضها بزمام بعض ، دونما فواصل بين اجزائها تخل بهيئتها ووحدتها.
   لم تذكر لي القنوت رغم أنّك ترفع يديك وتقنت في صلاتك ؟
   ـ القنوت مستحب مرة واحدة في الصلوات اليومية وغيرها [عدا صلاة الشفع] فبعد قراءتك للسورتين من ركعتك الثانية وقبل ركوعك أرفع يديك للقنوت اذ ما أردت أن تفعل المستحب.
   وهل له ذكر محدد أقوله ؟
   ـ كلا ، يمكنك أن تتلو فيه آية قرآنية تدعو فيها الله سبحانه وتعالى بماأردت وتناجي ربّك وتدعوه بأيِّ دعاء شئت .

القسم الاول
   الثـاني :‏
   الاَن وقد عرفت منك كيف أُصلّي، وماذا أقول أو أفعل في كل جزءٍ من الصلاة. أحب أن أسألك عما يبطل الصلاة. فهل هناك أُمور تبطل الصلاة فيجب عليَّ أن أعيد صلاتي لو حصلت. ‏
   ـ نعم وسأعددها لك. ‏
  1 ـ أن تفقد الصلاة أحد أجزائها السابقة عمداً من : النيّة، أو تكبيرة الاحرام، أو الركوع، أو السجود، أو غيرها. ‏
  2 ـ أن يُحِدث المصليّ أثناء الصلاة [واِن كان ذلك سهواً أو أضطراراً بعد السجدة الاخيرة].
  3 ـ أن يلتفت المصليّ عن القبلة بتمام وجهه أو بتمام جسده عامداً. ‏
   واذا التفت عن القبلة أقل من ذلك كأن يكون التفاته بسيطاً لا يضرّ باستقباله للقبلة ؟
   ـ ذلك لا يضرّ بالصلاة لكنّه مكروه. ‏
  4 ـ أن يضحك المصليّ عامداً بصوت عال مسموع فيه مد وترجيع (القهقهة).
  5 ـ [ان يبكي المصليّ عامداً سواء اشتمل على الصوت أم لم يشتمل لاَمر من اُمور الدّنيا] ولا يضر البكاء لاَمر من أُمور الاَخرة. ‏
  6 ـ أن يتكلّم المصليّ عامداً ولو بحرف واحد أثناء صلاته اِذا كان ذلك الحرف مفهماً سواء أراد افهام معناه كما لو قال (قِ) فعل امر من (وقى)، أو أراد افهام غير معناه كما لو سئل اثناء الصلاة ما هو ثاني حروف الابجدية فتلفّظ بـ (ب) ويستثنى من مبطلية الكلام ردّ السلام بمثله فانّه واجب.
  7 ـ ان يأتي المصلي بعمل يخل بصورة الصلاة وبهيئتها كأن يخيط أو يحوك. ‏
  8 ـ أن يأكل المصليّ أو يشرب اثناء صلاته [وان لم يخل بهيئتها]. ‏
  9 ـ [أن يتعمد المصلّي وضع أحدي يديه على الاخرى في حال القيام بقصد الخضوع والتأدّب مع الله سبحانه وتعالى في غير حال التقيّة] وهو المسمّى بالتكفير .‏
  10 ـ ان يقول المأموم بعد ان ينتهي الاِمام من قراءة سورة الفاتحة [أو يقول المنفرد بعد الانتهاء من القراءة] كلمة «آمين» ، عامداً في غير حال التقيّة.
   ثم عندنا بعد ذلك مما يحسن أن اشير اِليه موضوع «الشك» في الصلاة.
   وهل الشك في الصلاة مبطل لها ؟
   ـ ليس الشك في الصلاة مبطلاً لها دائماً وفي جميع الحالات، فبعض الشكوك مبطل للصلاة ، وبعضها قابل للعلاج ، وبعضها لا يعتنى به بل يهمل. ‏
   وبشكل عام سأُحدد لك قواعد عامة تتناول بعض حالات الشك. ‏
   القاعدة الاولى: كل من شك في صحّة صلاته بعد ان أنهى صلاته اعتبر صلاته صحيحة. ‏
   مثلاً ؟
   ـ اِذا شككت مثلاً بعد ان صلّيت صلاة الصبح وانتهيت منها هل أنّك صليتها ركعتين أو أكثر أو أقل ؟ فقل: صلاتي صحيحة.
   القاعدة الثانية ، كل من شك في صحة جزء من أجزاء صلاته بعد أن أدّاه اعتبر ذلك الجزء الّذي شك فيه صحيحاً وصلاته صحيحة.
   مثلاً ؟
   ـ اِذا شككت مثلاً في صحّة قراءتك، أو صحّة ركوعك أو سجودك بعد أن أنهيت القراءة أو الركوع أو السجود، فقل قراءتي صحيحة، أو ركوعي صحيح ، أو سجودي صحيح ... ثمّ صلاتي بعد ذلك صحيحة.
   القاعدة الثالثة: كل من شكّ في الاتيان بجزء من أجزاء الصلاة بعد أن دخل في الجزء اللاحق له يبني على أنّه قد أتى بذلك الجزء المشكوك فيه وصلاته صحيحة ، بل يكفي في البناء على ذلك مجرّد الدخول فيما لا ينبغي الدخول فيه شرعاً على تقدير الاخلال بالجزء المتقدّم عمداً. ‏
   مثلاً ؟
   ـ اذا شككت مثلاً وأنتَ في السورة الثانية هل أنّك قرأت سورة الفاتحة، أو نيستها ، فلم تقرأها فقل : اِنّي قرأتها واستمرّ في صلاتك ، وهكذا اذا شككت وأنت في حال الهوي الى الركوع هل قرأت السورة أم لا؟ قل اني قراتها واستمر في صلاتك، فهي صحيحة. ‏
   القاعدة الرابعة: كل من كثر شكّه وجاوز الحدّ الطبيعي، يهمل الشك ولا يعتني به ولا يلتفت اِليه ، فصلاته التي شك فيها صحيحة. ‏
   مثلاً ؟
   ـ اِذا كنت كثيراً ما تشك وأنت تصلّي صلاة الصبح ـ مثلاً ـ في عدد ركعاتها عليك أن تهمل هذا الشك وتقول: صلاتي صحيحة ، واِذا كنت كثيراً ما تشك في أنّك سجدت سجدة واحدة أو سجدتين ، تقول اِنّك سجدت سجدتين ولا تلتفت ولا تهتم بالشك بل تعتبر صلاتك صحيحة ، وهكذا ، دائماً كثير الشك في الصلاة يهمل شكّه ويعتبر صلاته صحيحة ... دائماً ...دائماً.
   وكيف أعرف أنّي كثير الشك ؟
   ـ كثيرا الشك يعرف نفسه بسهولة.. يكفي أن يزيد شكه على الناس الطبيعيّن من أمثاله ويكفي أن لايصلي ثلاث صلوات اِلاّ ويشك في واحدة منها.
   القاعدة الخامسة: كلٌّ من يشك في عدد ركعات صلاة الصبح أو صلاة المغرب أو في الركعتين الاولى والثانية من كل صلاة رباعية ، ولم يترجح في ذهنه أحد الاحتمالين على الاَخر، لم يترجّح في ذهنه عدد معين للركعات ، بل بقي متحيراً شاكّاً لا يدري كم ركع فقد بطلت صلاته. ‏
   مثلاً ؟
   ـ اِذا شك ـ مثلاً ـ وهو يصلّي صلاة الصبح هل أنّه الاَن في الركعة الاولى أو الثانية عليه ان يتأمل قليلاً ويفكر ، واِذا لم يصل الى قرار محدد ولم يترجح في ذهنه أنّها الركعة الاَُولى مثلاً ، أو أنّها الركعة الثانية فقد بطلت صلاته. ‏
   واِذا ترجح في ذهنه أحد الاَحتمالين، كأن ترجّح في ذهنه أنّها الركعة الاولى ؟
   ـ اِذا ترجّح في ذهنه عدد معيّن للركعات عمل وفق ما يقتضيه ذلك الاحتمال الراجح، فان ترجح ـ كما ... في سؤالك ـ احتمال أنّها الركعة الاُولي فاذاً يأتي بالركعة الثانية ويتمّ صلاته فهي صحيحة.
   وكذلك الحال في صلاة المغرب. وفي الركعتين الاولى والثانية من كل صلاة رباعيّة. ‏
   عرفتُ الاَن حكم الشاكّ في صلاتي الصبح والمغرب ، وفي الركعتين الاولى والثانية من صلوات الظهر والعصر والعشاء، ولكن ما هو حكم الشاك في الركعتين الاخيرتين الثالثة أو الرابعة من الصلوات الرّباعيّة ؟
   ـ اذا ترجّح في ذهنه عدد معيّن للركعات ، عمل بمقتضى ظنّه ووفق ما ترجّح في ذهنه.
   واِذا بقي متحيّراً شاكاً متردداً ؟
   ـ عندئذ سنحتاج الى تفصيل أكثر فلكل موضع هنا حكمه الخاص به، وسأتناول بعضها بالتعداد ولا أطيل:
  1 ـ من شكّ بين الركعة الثالثة والرّابعة اينما كان الشك بنى على انّها الركعة الرابعة وأتمّ صلاته ، ثم جاء بركعتين من جلوس ، أو بركعة من قيام ، وتسمّى هذه صلاة الاحتياط.
  2 ـ من شك بين الركعة الرابعة والخامسة بعد أن دخل في السجدة الثانية (وذلك بان وضع الجبهة على المسجَد ولو قبل الشروع في الذّكر) بنى على أنّه في الركعة الرابعة ثم يتم صلاته ويسجد سجدتي السهو بعد الصلاة.
  3 ـ من شك بين الثانية والثالثة بعد ان دخل في السجدة الثانية بني على أنّه في الركعة الثالثة ويأتي بالرابعة بعدها، ثمّ بعد أن يفرغ من صلاته يأتي بصلاة الاحتياط [وهي هنا ركعة من قيام ] .‏
   وكيف يصليّ صلاة الاحتياط ؟
   ـ بعد ان ينتهي من صلاته مباشرة ومن دون أن يلتفت يميناً أو شمالاً ومن دون أن يفعل ما يبطل الصلاة يشرع في صلاة الاحتياط، فيكبّر ثم يقرأ الفاتحة [بصوت خافت] ولا تجب فيها سورة اُخرى، ثم يركع ويسجد ويتشهد ويسلم ان كانت صلاة الاحتياط ذات ركعة واحدة وأن كانت ثنائية أتى بركعة ثانية على نحو الركعة الاولى.
   وسجود السهو ذاك الذي ذكرته ؟
   ـ تنوي وتسجد بعد الصلاة مباشرة والاَفضل أن تكبِّر ، وتقول في سجودك:
   بسم الله وبالله السلام عليك أيّها النّبي ورحمة الله وبركاته ثم ترفع رأسك من السجود وتجلس ثم تعاود السجود المتقدّم مرة ثانية ثم ترفع رأسك وتجلس وتتشهّد وتسلّم وبذلك تنهي سجود السهو.
   أضاف أبي:
   وليكن في أعتبارك أنّك تسجد سجود السهو ليس فقط عندما تشك بين الرّكعة الرابعة والخامسة بعد السجدتين، بل في مواضع اُخرى غيرها وهي:
  أ ـ [اِذا تكلّمت في صلاتك سهواً وغفلةً].
  ب ـ [اِذا سلّمت سهواً في غير موضع التسليم فقلت: «السلام عليكم»، أو قلت: «السلام علينا وعلي عباد الله الصالحين» وأنت بعدُ لم تكمل صلاتك].
  جـ ـ اِذا نسيت أن تتشهد في صلاتك فتسجد سجدتي السهو والافضل قضاء التشهدّ مع ذلك.
  د ـ [ما لو علمت اجمالاً ـ بعد صلاتك ـ انّك زدت فيها أو نقصت مع كون صلاتك محكومة بالصحة فعليك أن تسجد سجدتي السهو حينئذٍ] والافضل لك أن تأتي بسجدتي السهو لو نسيت سجدة واحدة في صلاتك ـ بعد أن تقضيها بعد الصلاة ـ وتأتي بسجدتي السهو اذا قمت في موضع الجلوس أو بالعكس سهواً، بل الاَفضل أن تسجد سجدتي السهو لكل زيادة ونقيصة في صلاتك.
  هـ ــ عليك أن تكرر سجود السهو بعدد ما يوجبه أي اسجد مرتين أو أكثر، وهكذا دائماً.
   كدت بعد أن انتهى بنا الحوار الى هذا الموضع من الصلاة أطلب من أبي أن يقدّم لي درساً تطبيقياً لصلاة رباعية كونها أطول صلاة يوميّة واجبة لاَُلاحظ عن كثب وأناة كيف يكبّر أبي ويقرأ ويركع ويسجد ويتشهّد ويسلّم ، غير أني آثرت أن أتراجع عن طلبي هذا بعد أن تذكرّت أنه يصليّ كل يوم صلاة العشاء وهي صلاة رباعيّة جهريّة فقلت في نفسي اِذن فلاُراقبه وهو يصليّ.
   وحين هَمَّ أبي بأن يبدأ صلاته الرباعيّة الجهريّة تلك ، كنتُ مشدود الاَعصاب اِليه شديد اليقظة وأنا ألحظ كل شاردة وواردة من حركات صلاته ، وسأصف لكم كيف صلى أبي:
   بدا أوّلاً فأسبغ وضوءه:
   ووقف في مصلاه مستقبلاً القبلة وهو خاشع فأذّن للصلاة وأقام. ‏
   ثم بدأ صلاته ، فكبَّر قائلاً : «الله أكبر» ثمّ قرأ سورة الفاتحة وأتبعها بقراءة سورة القدر. ‏
   ولما أتمّها وهو واقف منتصب ركع ، ولمّا استقرّ به الركوع سبّح قائلاً :‏ ‏( سبحان ربّي العظيم وبحمده ).
   وحين انتهى من نطق الحرف الاَخير من التسبيح وهو راكع ، انتصب مستقيماً واقفاً على قدميه.
   ولمّا استقرّ به القيام هوى للسجود واِذا استقّر في سجوده سبَّح قائلاً :‏ ‏(سبحان ربِّي الاَعلى وبحمده) ، وحين أتمّ نطق الحرف الاخير منها وهو ساجد ، جلس من سجوده وحين استقرّ به الجلوس هوى للسجدة الثانية فقرأ فيها كما قرأ في أختها السجدة الاولى: «سبحان ربِّي الاَعلى وبحمده».
   ثم رفع رأسه من سجوده وجلس ليقوم منتصباً على قدميه للرّكعة الثانية ، وحين استقرّ به القيام، قرأ سورة الفاتحة، ثمّ أتبعها هذه المرّة بقراءة سورة التوحيد ولمّا فرغ من قرأتها ، رفع يديه للقنوت ، وقرأ في قنوته الاَية القرآنية الكريمة: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا ) ‏. ‏
   ثمّ اسبل يديه من القنوت، وهوى للركوع ، وحين استقرّ به الركوع قرأ : (سبحان ربّي العظيم وبحمده).
   ثمّ انتصب قائماً ليهوي للسجود ، وحين سجد قرأ في سجوده : «سبحان ربِّي الاَعلى وبحمدِه» ثمّ جلس من سجدته الاولى ليهوي للسجدة الثانية، وحين سجد قرأ : «سبحان ربِّي الاعلى وبحمده» ، ثمّ جلس من سجوده.
   ولمّا استقرَّ به الجلوس تشهدّ فقرأ : «اشهد أن لا اله اِلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً عبدُهُ ورسوله ، اللهم صلِّ على محمّد وآل محمّد» ،‏ ولما فرغ من تشهدّه قام منتصباً للركعة الثالثة فبدأها ـ بعد أن استقرَّ به القيام ـ بالتسبيح قائلاً : (سبحان الله والحمدُ لله ولا اِلاّ الله واللهُ أكبر)‏ ثلاثاً وبصوت خافت.
   ثمّ هوى للركوع فقرأ فيه كما قرأ في ركوعه السّابق: (سبحان ربّي العظيم وبحمده) ثم انتصب قائماً من ركوعه ، وهوى للسجود ، فقرأ فيه كما قرأ سابقاً في سجوده : (سبحان ربَّي الاَعلى وبحمدِه) ثم جلسَ مستقرّاً ليهوي للسجدة الثانية فيقرأ فيها : (سبحان ربَّي الاَعلى وبحمدِه) كذلك. ‏
   ولمّا أتمّها، انتصب قائماً على قدميه للركعة الرابعة والاَخيرة، فبدأها كما بدأ سابقتها بالتسبيح قائلاً : (سبحان الله والحمدُ لله ولا اِله اِلاّ الله والله أكبر) ثلاثاً.
   ثمَّ هوى للركوع قارئاً : (سبحان ربَّي العظيم وبحمده).
   ثمّ انتصب ليهوي للسجود قارئاً فيه : (سبحان ربّي الاعلى وبحمده)، ثمّ جلس ليسجد سجدته الثانية والاَخيرة في هذه الصلاة فقرأ فيها ـ كعادته ـ (سبحان ربّي الاَعلى وبحمده).
   ثمّ جلس مطمئناً ليتشهد قارئاً كما قرأ في تشهده الاوّل: «أشهدُ أنَّ لا اِله اِلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمّداً عبده ورسوله ، اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمّد».
   ولما اتمّ تشهّده سلمَّ على النّبي صلى الله عليه وآله فقال : «السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته» ثم اختتم صلاته قائلاً : «السلام علينا وعلى عبادِ الله الصالحين»، «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته».
   هكذا صلى أبي صلاة العشاء، وكان قد صلّى مثلها بالضبط صلاتي الظهر والعصر ـ وهما رباعيتان كذلك ـ غير أنّه قرأ السورتين في ركعتيهما الاولى والثانية بصوتٍ خافت .
   ولقد راقبته ، وهو يصلّي صلاة المغرب، فوجدته يصليها كما يصلّي العشاء، غير أنّه لمّا انتهى من سجدته الثانية وهو في ركعته الثالثة، جلس ليتشهّد ويُسلِّم ويختم صلاته «لاَنّ صلاة المغرب ثلاث ركعات». ‏
   ثمّ راقبته كذلك وهو يصليّ صلاة الصبح، فوجدته يصلّيها كما يصلّي صلاة العشاء، غير أنّه لما انتهى من سجدته الثانية وهو في ركعته الثانية وتشهدّ، سلّم هذه المرّة ليختم صلاته «لان صلاة الصبح ركعتان».
   هكذا صلَّى أبي صلواته اليومية، غير أني اِمعاناً مني في الملاحظة والتثبت والضبط والدقّة سأثبت لكم بعض خصوصيات الصلاة، كما صلاّها أبي على شكل نقاط:
  1 ـ كان يحرص حرصاً شديداً على أن يصلّي صلاته في أوّل وقتها ، فهو يصلّي الظهر مثلاً عندما يحين وقت صلاة الظهر «الزوال» ، وهو يصلّيّ المغرب في أول وقتها ، وهكذا ، وحين سألته عن سبب المبادرة الى الصلاة في أوّل وقتها ، تمثّل بحديث للاِمام الصادق عليه السلام قال فيه : «فضل الوقت الاَول على الاَخير كفضل الاَخرة على الدنيا».
  2 ـ وكان عندما يقف بين يدي ربّه ليصلّي، تظهر عليه آثار الخشوع والخضوع والتذلّل، وكان يردّد أحياناً بينه بين نفسه، ولكن بصوت مسموع ، قبل أن يتوجّه الى مصلاه قوله تعالى : (قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون) ،‏ وكأنّه يروِّض نفسه لها قبل ان يشرع بها ، فيذكِّر قلبه بأهمّية الخشوع لله في الصلاة.
  3 ـ وكان قبل أن يصليّ صلاة الصبح يصلي ركعتين ، ويصليّ ثماني ركعات ـ ركعتين ركعتين كصلاة الصبح ـ قبل صلاة الظهر، واُخرى بقدرها قبل صلاة العصر، ويصليّ أربع ركعات ـ ركعتين ركعتين كصلاة الصبح ـ بعد صلاة المغرب ويصليّ ركعتين من جلوس بعد صلاة العشاء.
   سألته مرّة عن تلك الصلوات.
   فقال : أنّها «النوافل» تلك التي روي عن الاِمام العسكري عليه السلام أنّه قال : انها اِحدى علامات المؤمن.
   4 ـ ولاَنّ الهمزة في كلمة «أكبر» من جملة «الله أكبر» همزة قطع ، فيجب أن تظهر واضحة جليّة على لسانك عندما تكبِّر ، هكذا قال أبي.
   قلت له مرة : اِنّ بعض الناس ينطقون هذه الهمزة شبيهة بالواو كما لو كانت الجملة «الله وكبر».
   فقال: حذار أن تنطقها كنطقهم ، اِنّهم مخطئون ، وأضاف: وكذلك الحال في همزة ‏(أنعمت) من الاَية الكريمة من سورة الفاتحة (صراط الّذين أنعمت عليهم) فهي همزة قطع ويجب أن تظهر على لسانك واضحة جليّة أثناء النطق بها ، ومثلها تماماً همزة «الاَعلى» من «سبحان ربّي الاَعلى وبحمده» في السجود فهي همزة قطع ويجب أن تظهر على لسانك واضحة جليّة أثناء النطق بها.
  5 ـ وقال أبي: حاول أن تقف على حرف الدّال من كلمة (أحدْ) وأنت تقرأ الاَية القرآنية الشريفة من سورة التوحيد (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ).
‏   ثم تتريث قليلاً قبل أن تردفها بالاَية الكريمة التالية لها (الله الصمّد)، ذلك أسهل عليك وأيَسرْ.
  6 ـ كان يحرِّك أبي أواخر كلماته في صلاته اِذا انطلق في كلامه واستمّر به بينما كان يسكِّن الحرف الاَخير من الكلمة التي يقف عليها اِذا أراد الوقوف.
  7 ـ سألت أبي مرة : أسمَعك حين تقرأ قوله تعالى: (بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )‏ تكسر حرف النون من كلمة (الرّحمن) وحرف الميم من كلمة (الرّحيم) وتقرأهما كذلك بالكسر عندما تقرأ قوله تعالى: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) من سورة الحمد ، بينما أسمع كثيرا من النّاس يقرؤنها بالضمّ وهم يصلِون .
   كما أسمعك حين تقرأ قوله تعالى من سورة الحمد: (اِيّاك نعبُدُ) تضمّ الباء من كلمة (نعبُدُ) بينما أسمع بعض الناس يكسرونها وهم يصلوّن.
   فقال: ألَمْ تَدْرس النحو بعد وتلم بقواعده ؟.
   قلت: درسته ، ولكن ليس بالشكل الواسع.
   قال: فما يقول علماء النحو في حركة كلمتي (الرحمن الرحيم) ؟
   قلت: الكسرة كما تقرأهما أنت.
   قال: هات لي نسخة من القرآن الكريم.
   فأتيت له بنسخةٍ من كتاب الله كانت قريبة مِنّي.
   قال: أخرج سورة الحمد ولاحظها.
   فأخرجت سورة الحمد فوجدت الكسرة ظاهرة على آخر كلمتي (الرّحمنِ الرَحْيمِ)‏ ووجدتُ حرف الباء من كلمة نعبُدُ ، من قوله تعالى : (اِيّاكَ نعبُدُ) مضمومة لا مكسورة.
   قلت: وجدتهما كما تقرأهما أنت.
   قال: اِقرأ اِذاً كما هو محرِّك في كتاب الله، وانتبه الى الاَخطاء الشائعة في القراءة كي لا تقع فيها.
  8 ـ وكان أبي لا يبدأ بقراءة الذّكر في الرّكوع أو السجود اِلاّ بعد أن يستقرّ به الرّكوع أو السجود ولا يرفع رأسه اِلاّ من بعد ان ينتهي من نطق الذّكر تماماً وهو راكع أو ساجد.
  9 ـ وكان اِذا رفع رأسه في سجدته الاُولى تريّث قليلاً حتى اِذا استقرّ به الجلوس هوى للسجدة الثانية وكذلك كان يصنع بعد رفع رأسه من السجدة الثانية، أقصد كان يجلس ثم يقوم للركعة التالية.
  10 ـ سألته مرّة : أسمعك تدعو لنفسك ولاَبويك ولاِخوانك المؤمنين بعد الصلاة مباشرةً.
   قال: نعم ، فقد قال أبو الحسن عليه السلام : «من دعا لاِخوانه من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، وكَّلَ اللهُ به عن كلِّ مؤمن ملكاً يدعو له».
  11 ـ وسألته: أراك تسبِّح بعد كلِّ فريضة ؟
   قال : اِنّه تسبيح الزهراء عليها السلام علَّمها اِيّاه رسوله الله صلى الله عليه وآله ، وهو : «الله اكبر» أربعاً وثلاثين مرّة ، ثمّ «الحمد لله» ثلاثاً وثلاثين مرّة ، ثمّ «سبحان الله» ثلاثاً وثلاثين مرّة فيكون المجموع مائة تسبيحة ،‏ ‏‏ وهل لتسبيح الزهراء فضل ؟
   ـ نعم ، فقد روي عن الاِمام الصادق عليه السلام انّه قال لاَبي هارون المكفوف «يا ابا هارون ، اِنّا نأمر صبياننا بتسبيح الزهراء عليها السلام كما نأمرهم بالصلاة فالزمه ، فانّه لم يلزمه عبد فيشقى».
   وعنه انّه قال عليه السلام : «تسبيح الزهراء في كل يوم في دبر كل صلاة أحبٌّ اِليَّ من صلاة ألف ركعة في كل يوم».
   ولو كان هناك ما هو أفضل منه لعلمه رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة لمكانتها عنده، كما ورد عن الائمة عليهم السلام.
  12 ـ كان أبي أحياناً يصليّ صلاة الظهر ثم يتبعها مباشرةً بصلاة العصر، أو يصليّ صلاة المغرب ويلحقها مباشرةً بصلاة العشاء، بينما كان أحياناً اُخرى يفصل بين الصلاتين، فيصليّ الظهر ثم يتفرّغ لبعض شؤؤنه ، حتى اِذا حَلَّ وقت العصر صلّى العصر، وكذلك يفعل مع صلاتي المغرب والعشاء.
   وحين سالته عن ذلك أجابني.
   ـ أنت مخيّر بين أن تفصل بينهما أو لا تفصل.
  13 ـ أسمعك ـ قُلتُ لاَبي ـ حين تقرأ سورة القدر تظهر حرف اللام عندما تقرأ قوله تعالى : (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) بينما اسمع بعض الناس لا يظهرونه حتى كأنّ حرف اللام غير موجود كانه : يقرأ اِنّا انزناه، لا انا أنزلناه ، وأسمعك تقرأ : ‏ «سبحان ربّي العظيمِ وبحمده» فتضُم حرف السين في سُبحان وتظهر الفتحةَ في ‏ (رَبِّيَ) بينما أسمعُ بعضهم لا ينطقونها كما تنطق ؟
   ـ ألم أقل لك انتبه لقراءتك .
   قبل أن يحين موعد حواريّة الصلاة الثانية حاولت أن اُعيد استذكار ما دار في حواريّة الصلاة الاولى من أفكار لاَختبر مدى فعاليّة ذاكرتي ولأسال عمّا لم أحفظه أو لم استوعبه ما دمنا بعد لم نودع حواريّة الصلاة.
   وما أن حضر أبي حتى بادرته بسؤال عنَّ لي فلم أستطع الجواب عنه، قلت له:
   أيمكن أن أصلّي صلاة العشاء بركعتين ؟
   ـ كلا ... ألم أقل لك أنّها صلاة رباعية.
   ولكنني رأيتك صليتها مرة بركعتين.
   ـ أكُنّا في سفر ؟
   نعم . ‏
   ـ هذا صحيح ، فالصلاة الربّاعية «صلاة الظهر والعصر والعشاء» يجب أن تقتصر على ركعتين في السّفر، اِذا تمّت شروط قصرها التالية:
  1 ـ أن يقصد الشخص السفر لمسافة تبعد «44 كليو متراً» تقريباً أو تزيد عن محل سكناه سواء أكانت هذه المسافة للذهاب فقط أم للذّهاب والاَياب.
   وضحّ لي أكثر.
   ـ اِذا سافر مسافر ما لمدينة تبعد عن محل سكناه «44كم» فأكثر يجب عليه التقصير في صلاته بأن يصليّ الصلاة ذات الاربع ركعات ركعتين فقط.
   وكذلك اِذا سافر لمدينة تبعد «22كم» عن بلد سكناه وكان عازماً على الرجوع منها لبلده مرة أخرى في ذلك اليوم مثلاً.
   ومن أيِّ مكان يبدأ بقياس المسافة ؟
   ـ يبدأ بقياس المسافة من المكان الّذي يعد الانسان بعد تجاوزه مسافراً عرفاً وغالباً ما يبدأ من آخر بيوت المدينة ولمسافة 44كم.
  2 ـ ان يستمر المسافر في قصده فلو تغيّر رأيه وبدا له في امره أتمّ صلاته اِلاّ أن يكون قد عزم على الرجوع الى بلده وكان مسيره المتقدّم بضميمة العود والرجوع بمقدار المسافة فيجب عليه حينئذٍ القصر.
  3 ـ ان يكون سفره سائغاً ، فلو كان نفس السفر حراماً كما في بعض حالات سفر الزوّجة بدون اذن زوجها أو كان يقصد الحرام في سفره بان قصد السرقة في سفره مثلا كان عليه ان يتم صلاته ، ويلحق بذلك ما اذا سافر للصيد لهوا فانه ايضا يتمّ صلاته .
  4 ـ أن لا يمر المسافر بوطنه وينزل فيه أو مقر أقامته فيقيم أثناء السّفر وان لا ينوي الاقامة عشرة أيام فصاعداً في البلد الذي سافر اِليه، وأن لا يكون قد بقي متردداً لا يدري متى سيسافر من تلك البلدة التي سافر اِليها لمدة ثلاثين يوماً ، فأنّه عندئذٍ يقصر في صلاته من أوّل سفره ولا يتم.
   واِذا مرّ بوطنه أو مقر اِقامته أثناء سفره ذاك ونزل فيه أو كان عازماً على الاقامة في البلد الذي سافر اِليه عشرة أيام فصاعداً، أو كان قد بقي متردّداً لا يدري متى سيعود من سفره ذاك مدّة ثلاثين يوماً ؟
   ـ عندئذ يتم صلاته ، ويتم المردد بعد اليوم الثلاثين ما دام باقياً في ذلك البلد.
  5 ـ أن لايكون السفر من طبيعة عمله كأن يمتهن عملاً سفريّاً كالسائق والملاّح والرّاعي أو يتكرر منه السفر خارجاً لاَجل عمله أو لغرضٍ آخر.
   معنى هذا أنّ السائق يتمّ صلاته اثناء السفر ؟
   ـ نعم ، فمن كانت مهنته السياقة الى خارج المسافة يتمّ صلاته أثناء ممارسته مهنته.
   والتاجر والطالب والموظف اِذا كان يقيم في بلد ما وجامعته أو دائرته أو مركز تجارته في بلد اَخر يبعد عن محل أقامته 22 كم فأكثر وهو يسافر كل يوم أو يومين ليلتحق بها ؟
   ـ يتم صلاته ولا يقصّر. ‏
  6 ـ أن لا يكون ممّن لا مقرّ له بان يكون بيته معه كالسائح الّذي ليس له وطن أو اعرض عن وطنه وهو يدخل من بلد الى بلد وليس له مقر في أيّ منها.
   ومتى يبدأ المسافر بالتقصير ؟ ‏
   ـ يجب عليه التقصير اِذا توارى عن أنظار أهل بلده لا بتعاده عنهم، وعلامة ذلك غالباً أنّه لم يعد يرى أشخاص ساكنيه فاِنّه عندئذٍ يقصِّر في صلاته.
   قلت لي : اِذا مرَّ المسافر بوطنه ونزلَ فيه يتمّ صلاته ، فماذا تقصد بوطنه ؟
   ـ أقصد بالوطن هناك:
  أ ـ مقرّه الاَصلي الّذي ينسب اِليه ويكون مسكن أبويه ومسقط رأسه عادةً.
  ب ـ المكان الّذي اتخذه الانسان مقرّاً ومسكناً لنفسه بحيث يريد ان يبقى فيه بقية عمره.
  جـ ـ المكان الّذي اتخذه مقرّاً لفترة طويلة بحيث لا يقال عنه ما دام هو فيه أنّه مسافر.
   معنى هذا.
  1 ـ اِذا مرَّ المسافر بوطنه ونزل فيه.
  2 ـ واِذا قصد الاقامة عشرة أيام متتالية أو أكثر في مكان ما قد سافر اِليه.
  3 ـ واِذا سافر لبلد مّا وبقي فيه مدّة ثلاثين يوماً متردّداً لا يدري متى سيعود منه الى وطنه ، فان المسافر يتمّ صلاته ولا يقصر ؟
   ـ نعم.
   واِذا سافر ولم يعترضه شيء من هذه النقاط الثلاثة المتقدّمة ؟
   ـ يقصر في صلاته. فكل مسافر لمسافة تبعد «44» كم فأكثر عن مدينته يقصر في صلاته ، اِلاّ اِذا مرّ بوطنه ونزل فيه أو أقام ناوياً عشرة أيّام ... أو.
   ـ نعم ... نعم ...
   واِذا حان وقت الصلاة وهو مسافر ولم يصل اثناء السفر، بل عاد لبلده فكيف يصلي في بلده ؟
   ـ يتم صلاته ، لانه حين صلّى صلّى في بلده.
   واِذا حان وقت الصلاة وهو في بلده ولم يصل ، ثم سافرمسافة 44كم أو أكثر ، ـ يقصر في صلاته ، لانّه حين صلي ، صلي وهو مسافر.
   أشاهد بعض الاَحيان مجموعة من الناس يصلّون الفرائض سوية يركعون معاً ويسجدون معاً ويقومون معاً.
   ـ أنّهم يصلون صلواتهم اليومية المفروضة جماعة لا فرادى . ‏ ‏‏ وكيف نصلّي صلاتنا جماعة ؟
   ـ اِذا اجتمع شخصان أو أكثر وكان أحدهما جامعاً لشرائط اِمام الجماعة جاز لهم أن يقدموه ليصلّي بهم جماعة ، فينالوا بذلك أجراً اِضافياً .
   اِذن صلاة الجماعة مستحبة ؟
   ـ نعم ولها ثواب عظيم خاصة خلف الرّجل العالم وكلما زاد عدد أفراد الجماعة زاد فضلها .‏
   وما هي شرائط اِمام الجماعة تلك التي أشرت اِليها في حديثك ؟
   ـ يشترط في اِمام الجماعة أن يكون بالغا ، عاقلاً غير مجنون ، مؤمناً ، عادلاً لا يعصي ربه ، صحيح القراءة ، ولادته شرعيّة ، ذكراً اِذا كان المأموم ذكراً .‏
   وكيف نعرف أن هذا الرجل المؤمن ، عادل حتى نصلّي خلفه ؟
   ـ يكفي فيه حسن ظاهره .‏
   هل يعتبر في الجماعة واِمامها شرائط أخرى ؟
   ـ نعم [ يعتبر أن لا يكون الاِمام ممّن جرى عليه الحد الشرعي] وأن تكون صلاته عن قيام اِذا كان المأموم يصلّي عن قيام ، وأن يكون توجّهه الى الجهة التي يتوجّه اِليها المأموم ، فلا يجوز لمن يعتقد أنّ القبلة في جهة أن يأتمّ بمن يعتقد أنّها في جهة أخرى وأن تكون صلاته بنظر المأموم صحيحة فلو توضّأ الاِمام بماء نجس وهو لا يعلم بنجاسته والمأموم يعلم بذلك عندئذٍ لا يجوز للمأموم أن يأتمّ به .
   وكيف اُصلّي صلاتي جماعة ؟
   ـ تختار شخصاً معيّناً جامعاً لشرائط اِمام الجماعة مارّة الذكر فتقف الى يمينه اِن كنت وحدك متأخراً عنه قليلاً أو تقف خلفه اِذا كنتما اثنين أو أكثر من دون أن يفصل بينك وبينه حائل كالجدار مثلاً، ومن دون أن يرتفع موضع وقوفه على موضع وقوفك أرتفاعاً غير يسير ويشترط أن لا يكون الفاصل بينك وبين اِمام الجماعة أو بينك وبين المصلي الذي الى جنبك أو قدّامك المرتبط باِمام الجماعة كثيراً.
   اذن فلنقل على المصلّين أن لا يفصل بين أحدهم وصاحبه أكثر من متر تقريباً.
   ـ [نعم تقريبا] ويكفي أن يرتبط المصلّي بصاحبه ولو من جهة واحدة ، يكفيه أن يرتبط بمصلٍّ امامه أو بمصلٍّ عن يمينه أو بمصلٍّ عن شماله ، يكفيه أحدهم.
   وماذا بعد ذلك ؟
   ـ اِذا كبَّر اِمام الجماعة مبتدئاً صلاته كبَّر المصلون خلفه، فاِذا قرأ سورة الحمد والسورة اللاحقة لها لم يقرأ المأمومون ذلك ان تلاوته تجزي عن تلاوتهم فهو يتحملّ عنهم قراءتهم ، فاذا ركع ركعوا خلفه ، واِذا سجد سجدوا خلفه واِذا جلس جلسوا ، والاَفضل لهم أن يتشهدّوا بعد تشهدّه ، وان يسلِّموا بعد تسليمه.
   وهل أتلو الذكر في ركوعي وسجودي وتشهدّي ، وهل اقرأ التسبيحات في الركعتين الثالثة والرابعة ، أو أصمت وأنصت له ؟
   ـ بل أقرأ كما كنت تقرأ وأنت تصلّي منفرداً ... أِقرأ الّذكر في الركوع والسجود والتشهّد ، وردّد التسبيحات في الركعتين الثالثة والرابعة كما اعتدت، ‏فقط قراءة السورتين يتحملّها عنك فقط ، ثمّ أن عليك متابعته.
   ماذا تقصد ؟
   ـ عليك أن تتابع اِمام الجماعة في كل خطوة يخطوها ، فاِذا ركع ركعت معه، واِذا سجد سجدت معه ، واِذا رفع رأسه من السجود رفعت رأسك معه ، وهكذا فلا تتقدّم عليه في افعال الصلاة.
   ومتى التحق باِمام الجماعة ؟
   ـ التحق باِمام الجماعة وهو قائم بعد تكبيره أو وهو راكع.
   اِذا التحقت به وهو يتلو السورتين فلا أقرأ السورتين فانّه يتحملهما عني كما قلت لي ، ولكن اِذا كان راكعاً فكيف ألتحق به ؟
   ـ كبِّر لصلاتك ثم اركع مباشرة حتى اِذا أنهى اِمام الجماعة ركوعه وقام، قمت معه. ‏
   وقراءتي للسورتين ؟
   ـ تسقط قراءتهما عنك اِذا التحقت به وهو راكع. ‏
   واِذا التحقت به وهو قائم يسبِّح لركعته الثالثة أو الرابعة ؟
   ـ كبِّر ثم أقرأ السورتين بصوت خافت. ‏
   واِذا لم يسعني الوقت لاتمامهما. ‏
   ـ اِقرأ سورة الحمد وحدها. ‏
   أألتحق بامام الجماعة لاُصلي صلاة الظهر، واِمام الجماعة يصلّي العصر ؟
   ـ نعم ، يحق لك أن تلتحق بالجماعة، يحق لك واِن اختلفت صلاتك مع صلاة اِمام الجماعة من حيث الجهر والاخفات، أو القصر والتمام أو القضاء والاداء.
   وهل للنساء جماعة كما للرجال ؟
   ـ نعم ، فيجوز للمرأة أن تصلّي صلاتها جماعةً خلف رجل تتوّفر فيه شروط اِمام الجماعة مارة الذكر، كما يجوز لها أن تأتم بالمرأة ، ولكن اِذا أمَّت المرأة النساء [وجب أن تقف في صفهن من دون أن تتقدّم عليهنّ] كما يفعل اِمام جماعة الرجال. ‏
   أما اِذا صلَّت النساء مع الرجال وجب أن يصلين خلف الرجال، أو بصفهّم مع حائل ولو كان جداراً.
   هذه هي صلاة الجماعة، غير أني أسمع بصلاة تسمّى صلاة الجمعة.. فهل هي غيرها ؟
   ـ نعم ، انها ركعتان كصلاة الصبح، غير أنها تمتاز عنها بوجود خطبتين قبلها حيث يقف الامام ويتكلم فيهما بما يرضي الله وينفع الناس.
   وأقل ما يجب عليه في الخطبة الاَولى أن يحمد الله [باللغة العربية] ويثني عليه ، ويوصي بتقوى الله ويقرأ سورة قصيرة من القرآن الكريم ، ثم يجلس قليلاً ليقوم مرة اُخرى للخطبة الثانية فيحمد الله ويثني عليه ويصلّي على محمد وآل محمد وعلى ائمة المسلمين عليهم السلام والاَفضل أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات.
   وهل هناك شروط في وجوبها ؟
   ـ نعم، يشترط في وجوبها أن يدخل وقت صلاة الظهر، وأن يجتمع خمسة أشخاص بضمنهم اِمام الجمعة ، وأن يوجد اِمام لها جامع للشرائط تلك التي مر ذكرها في امام الجماعة.
   واِذا اقيمت صلاة الجمعة في بلد ما جامعة للشرائط فاِن كان من أقامها هو الاِمام المعصوم أو من يمثِّله وجب على الرجال جميعاً المقيمين في ذلك البلد غير المحرجين لمطر أو بردٍ شديد أو نحوهما السالمين من المرض والعمى عدا الشيخ الكبير والمسافر حضورها من مسافة «11كم» تقريباً ...
   واِن كان الّذي أقامها غير الاِمام وغير من يمثله لم يجب حضورها ويجوز الاِتيان بصلاة الظهر.
   ولو صلّى المصلي صلاة الجمعة الجامعة للشروط اكتفى بها عن صلاة الظهر فهي تجزي عنها.
   بقي أن أشير لاَمرين :
   أولهما: أن صلاة الجمعة واجبة تخييراً ، فالمكلّف مخيَّر بين الاتيان بها اِذا توفّرت شروطها وبين الاتيان بصلاة الظهر والجمعة أفضل.
   ثانيهما : يعتبر أن لا تكون المسافة بين صلاة الجمعة وبين صلاة جمعة أخرى أقل من «5 و 5» كم تقريباً.
   أحببت أن أسألك سؤالاً أستحيي أن أسأله.
   ـ سل ما شئت فلا حياء في الدين.
   اِذا لم أصل بعض الصلوات الواجبة لنوم ، أو غفلة تارة ، وبسبب التسامح واللامبالاة والجهل تارة أخرى، أو كنت قد صلّيتها فاسدة وقد خرج وقتها ؟
   ـ يجب عليك قضاؤها فاِن كانت جهريّة كصلاة الصبح والمغرب والعشاء تقضيها جهراً، واِن كانت اِخفاتية كصلاة الظهر والعصر تقضيها بصوتٍ خافت ، واِن كانت قصراً تقضيها قصراً واِن كانت تماماً تقضيها تماماً.
   وهل أقضي صلاة الظهر عندما يحين الزوال، وأقضي صلاة العشاء عندما يحين وقت صلاة العشاء وهكذا.
   ـ كلاّ بل يحق لك قضاء أيّة صلاة فاتتك متى شئت، ليلاً كان وقت القضاء أم نهاراً. فيحق لك أن تقضي صلاة الصبح مساءً وهكذا.
   واِذا لم أعلم كم صلاةٍ فاتتني ، فكم صلاة أقضي ؟
   ـ صل ما تأكدّت من فواته عليك واِنّك لم تصله في وقته، أمّا التي تشك في فواتها فلا يجب عليك قضاؤها .
   اضرب لي مثلاً .
   ـ اِذا تأكّدت مثلاً أنّك لم تصل صلاة الصبح منذ شهر وجب عليك قضاء صلاة الصبح لمدّة شهر ، ولكنّك اِذا شككت بأنّك مطلوب أو غير مطلوب فلا يجب عليك القضاء.
   مثال آخر، اِذا كنت تعلم أنّك لم تصل صلاة الصبح مدّة من الزّمن، ودار الاَمر في نفسك بين احتمالين: أما أنّك مطلوب شهراً واحداً ، أو مطلوب شهراً وعشرة أيّام ، جاز لك حينئذٍ أن تصلي الشهر وتقتصر عليه وحده دون الزائد عليه.
   وهل يجب أن نقضي ما فاتنا فوراً وبدون تأخير ؟
   ـ كلا ، بل يجوز التأخير من دون تهاون أو تسامح ، وأوصيك أن تقضي كل صلاة تفوتك في نفس اليوم الذي فاتتك فيه ، فاِذا لم تستيقظ لصلاة الصبح مثلاً فاقض صلاة الصبح في نفس اليوم عندما تصلّي الظهر قبلها أو بعدها لئلاّ تتراكم عليك فيصبح قضاؤها صعباً ، أعاذك الله من التهاون والتسامح في القضاء ووفقك لاَداء صلواتك في أوقاتها المحددّة لها.
   دعنا نعود الى الوراء قليلاً ففي بداية حواريّة الصلاة الاُولى ذكرت لي وأنت تعدد الصلوات الواجبة صلاة تفوت الوالد فيجب على الولد الاكبر له قضاؤها اِن لم يقضها الاَب حتى يموت.
   ـ نعم [يجب على الابن الاَكبر قضاء الصلاة الفريضة] اِذا فاتت الوالد لعذر ولم يقضها مع تمكّنه من القضاء حتى مات ولم يكن ابنه الاَكبر قاصراً حين موته ولا ممنوعاً من اِرثه وله أن يستأجر غيره للقضاء نيابة عنه.
   وذكرت لي صلاة الاَيات.
   ـ تجب صلاة الاَيات على كُلِّ مكلَّف عدا الحائض والنّفساء، عند كسوف الشمس أو خسوف القمر ولو جزئيّاً [وعند الزلازل] ويرجّح ان تصليها عند كل مخوف سماوي كالصاعقة والصيحة والريح السوداء وغيرها، وعند كل مخوف أرضي كالخسف والهدّة فيما لو حصل الخوف فيهما ـ السماوي والارضي ـ لغالب النّاس، وتصلى صلاة الاَيات فرادى كما تصلى في الكسوفين جماعة.
   ومتى تؤدى صلاة الاَيات ؟
   ـ في الكسوف والخسوف من بدايتهما الى تمام انجلاء الشمس والقمر.
   وفي الزلازل والصاعقة وكل أمرٍ سماوي أو أرضي مخيف ؟
   ـ ليس لصلاتها وقت محدد، بل يؤتى بها بمجرد حصولها ، اِلاّ مع سعة زمان الاَية، فيؤتى بها ما لم ينقض زمانها.
   وكيف اُصلّي صلاة الاَيات. ‏
   ـ اِنها ركعتان في كل ركعة منها خمس ركوعات. ‏
   وكيف ذاك ؟
   ـ تكبّر أوّلاً ثمّ تقرأ سورة الفاتحة وتلحقها بسورة تامّة غيرها ثم تركع فاِذا رفعت رأسك من ركوعك تقرأ الفاتحة مرة أخرى وسورة تامّة غيرها ، وهكذا الى أن تركع الركوع الخامس. ‏
   فاِذا رفعت رأسك منه هويت للسجود فتسجد سجدتين كما كنت تسجد دائماً في صلواتك.
   ثمّ تقوم للركعة الثانية فتفعل فيها كما فعلت في اُختها الركعة الاولى تماماً.
   ثمّ تتشهّد وتسلم وبذلك تختم صلاتك وبهذا يتّضح أنّها تحتوي على عشرة ركوعات ولكن ركعتين.
   وهناك صورة اُخرى لهذه الصلاة لا حاجة لذكرها هنا طلباً للاختصار ، واِذا حصل كسوف أو خسوف ولم أعلم بحصوله حتى تمّ الانجلاء وانتهى كل شيء ؟
   ـ اِذا كان الكسوف أو الخسوف كلّياً بحيث شمل القرص كلَّه وجب عليك القضاء.‏ واِن لم يكن كليّاً بل كان جزئياً بأن شمل بعض القرص لا كلّه لم يجب عليك القضاء.
   والزلزلة والصاعقة ؟
   ـ اِذا مضى الزمان المتصل بحدوثهما ولم تصل لاي سبب سقطت الصلاة.
   وهل يجب عليّ أن أصلّي صلاة الاَيات عندما يحدث خسوف أو كسوف في ايَّ بقعة من بقاع الاَرض ؟
   ـ كلاّ ، بل تجب عليك الصلاة عندما يقع الخسوف أو الكسوف في بلدك وما يلحق ببلدك أو يشترك معه في الاحساس بالحدث لو وقع ، ولا تجب عليك الصلاة عندما يقع الحدث في مكان ما من العالم بعيد عنك. ‏
   قلت لي اِن الصلوات واجبة ومستحبة ، ولم تحدّثني عن الصلوات المستحبّة ؟
   ـ اِنها كثيرة لا يسع المجال لذكرها هنا ، ولذلك فسأقتصر على بعض منها فقط. ‏
  1 ـ صلاة الليل والافضل اداؤها في الثلث الاَخير من الليل، وكلمّا اقترب الوقت من طلوع الفجر كان أفضل، وهي ثمان ركعات يسلم المصلي بعد كل ركعتين منها مثل صلاة الصبح، فاذا انتهى من ذلك صلّى الشفع وهي ركعتان، ثمّ صلّى الوتر، وهي ركعة واحدة ، فيكون المجموع أحدى عشرة ركعة. ‏
   علمّني كيف أؤدّي الوتر وهي ركعة واحد ؟
   ـ كبِّر لها أوّلاً ثم أقرأ الحمد ويستحب أن تقرأ بعدها سورة التوحيد ثلاثاً وسورتي الناس والفلق ، ثم ترفع يديك بالدعاء فتدعو بما شئت. ‏
   ويستحب ذلك أن تبكي من خشية الله، وأن تستغفر لاَربعين مؤمناً تذكرهم بأسمائهم وأن تقول سبعين مرّة : «أستغفر الله ربّي وأتوب اِليه» ، وسبع مرّات:‏ «هذا مقام العائذ بك من النّار»، وثلاثمائة مرّة: «العفو»، فاِذا فرغت فاركع ثمّ أسجد كما كنت تركع وتسجد في صلواتك اليوميّة ثمّ تشهد وسلم. ‏
   ولك أن تقتصر على الشفع والوتر وحدهما ، بل على الوتر وحدها وخاصّة اِذا ضاق بك الوقت. ‏
   وما هو فضل صلاة الليل ؟
   ـ لصلاة الليل فضل كبير فقد روي عن الاِمام الصادق عليه السلام أنّه قال : «قال النّبي صلى الله عليه وآله في وصيته لعليّ عليه السلام : وعليك بصلاة الليل، وعليك بصلاة الليل، وعليك بصلاة الليل» ، وعن النّبي صلى الله عليه وآله أيضاً: «صلاة ركعتين في جوف الليل أحبٌّ اِليَّ من الدّنيا وما فيها» وعن الاِمام أبي عبدالله عليه السلام : أنّه جاءه رجل فشكا اِليه الحاجة فأفرط في الشكاية حتى كاد أن يشكو الجوع فقال له أبو عبدالله عليه السلام :‏ «يا هذا أتصلّي بالليل» ؟ فقال الرجل: نعم فالتفت أبو عبدالله عليه السلام الى صاحبه فقال : «كذب من زعم أنّه يصلّي بالليل ويجوع بالنّهار: ان الله عزّ وجل ضمن بصلاة الليل قوت النهار».
  2 ـ صلاة الوحشة أو صلاة ليلة الدفن: ووقت أدائها الليلة الاولى من الدفن في أيّة ساعة شئت منها ، وهي ركعتان تقرأ في الاُولى بعد الحمد آية الكرسي [اِلى قوله تعالى: (هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)] وتقرأ في الركعة الثانية بعد الحمد سورة القدر عشر مرات وبعد التشهد والسلام تقول : «اللّهم صلِّ على محمّدٍ وآل محمّد وابعث ثوابها الى قبر فلان» وتسمّي الميت وهناك صورة أخرى لهذه الصلاة راجع كتب الفقه اِن شئت الاطلاع عليها.
  3 ـ صلاة الغفيلة: وهي ركعتان بين المغرب والعشاء تقرأ في الركعة الاُولى بعد الحمد الاَية الكريمة: (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ).
   وتقرأ في الركعة الثانية بعد الحمد الاَية الكريمة: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها اِلاّ هو ويعلم ما في البرّ والبحر وما تسقط من ورقة اِلاّ يعلمها ولا حبّةٍ في ظلماتِ الاَرض ولا رطبٍ ولا يابس اِلاّ في كتاب مبين).
   ثم ترفع يديك بالدعاء فتقول: «اللّهم اِنّي أسأُلك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها اِلاّ أنت أن تصلّي على محمد وآل محمد وأن تفعل بي كذا وكذا» وتذكر حاجتك . ثم تقول: «اللهمّ أنت وليّ نعمتي والقادر على طلبتي تعلم حاجتي فأسألك بحق محمد وآله عليه وعليهم السلام لمّا قضيتها لي» ، ثم تسأل حاجتك فاِنّها تقضى اِن شاء الله.
‏  4 ـ صلاة اليوم الاَوّل من كل شهر: وهي ركعتان تقرأ في الركعة الاُولى بعد الحمد سورة التوحيد ثلاثين مرّة ، وتقرأ في الركعة الثانية بعد الحمد سورة القدر ثلاثين مرّة ، ثمّ تتصدق بما تيّسر ، تشتري بذلك سلامة الشهر ، ويستحب قراءة بعض الاَيات القرآنية المخصوصة بعدها.
  5 ـ صلاة الاِمام علي عليه السلام : وهي أربع ركعات تصلّيها ركعتين ركعتين كصلاة الصبح تقرأ في كل ركعة سورة الحمد مرّة وسورة التوحيد خمسين مرّة. يقول الاِمام عليه السلام :‏ «من صلّي أربع ركعات يقرأ في كل ركعة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) خمسين مرّة لم ينفتل وبينه وبين الله ذنب».
  6 ـ صلاة لتيسير الاَمر العسير: وهي ركعتان ، قال الاِمام أبو عبدالله عليه السلام : اِذا عسر عليك الاَمر فصلِّ ركعتين تقرأ في الاُولى فاتحة الكتاب و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ )‏ و (إِنَّا فَتَحْنَا) الى قوله : (وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا ) وفي الثانية الفاتحة و ‏ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) و (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ). ‏