وفق فتاوى
سماحة آية الله العظمى
السيّد علي الحسيني السيستاني
« دام ظله الوارف »



( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي )

   الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمّد وآله الطيبين الطاهرين وبعد:‏ فقد حرصت على أن يكون أسلوب كتابتي للفتاوى الميسرة سهلاً بسيطاً ، سائداً في التخاطب المعتاد اليوم بين الكتّاب وقارئيهم ، مألوفاً ، ساعياً قدر الامكان لحل عقدة غموض النص الفقهي واِبهامه على جلِّ قارئيه المحتاجين اِليه العاملين به من غير أهله.
   من خلال طريقة عرض مشوّقة تستدرج القارئ وتستميله وتستحثه على الاحاطة بما ينبغي له أن يحيط به من تعاليم دينه القويم.
   مختاراً من الاَحكام أكثرها أهمّية وحاجة للمكلفين ، يعقبونها اِذا أرادوا المزيد بمراجعة ما هو أوسع مادة وأكثر تفصيلاً من كتب الفقه الاِسلامي ورسائله العملية الاخرى.
   محاولاً هنا وهناك اِعادة وصل اللحمة في قلب القارئ الكريم بين علمي الفقه والاخلاق ... بين العمل الذي يؤدّيه وروح العمل الذي يؤدّيه .
   مقسماً البحث الى محاور ثلاثة. مخصصاً المحور الاول للعبادات ، جاعلاً من الصلاة التي هي «عمود الدين اِن قبلت قبل ما سواها وان ردت ردّ ما سواها » مدار محور العبادات وقلبه .
   ولاَن «لا صلاة اِلاّ بطهور» فاِن هيكلية البحث تستدعيني وصولاً الى الصلاة أن أبدأ ـ بعد حوارية التقليد طبعاً ـ بما يسلب طهارة الجسد من «نجاسات» على اختلافها، ثم أثنّي فاذكر ما يعيد للجسد نقاءه من «مطهرات» على اختلافها كذلك، حتى اِذا انتهيت من ذلك كله ووصلت اِلى الصلاة وصلتها كما ينبغي أن يكون عليه الواصل، الواقف بين يدي ربَّه متطهراً ، نقيّاً مخلصاً .
  معرجاً بعد الصلاة على ما يتطلب مثلها النقاء والطهارة كالصوم والحج .
   ثمّ ثنيت فخصصت المحور الثاني للمعاملات المالية من بيع وشراء ووكالة واِجارة وشركة وغيرها.
   ثم عدت فخصصت المحور الثالث لاَحوال الانسان الخاصة من زواج وطلاق ونذر وعهد ويمين وغيرها.
   مردفاً اِيّاها بحواريّة الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مختتماً البحث كله بحواريتين عامتين منوّعتين. ‏
   وطبقاً لهذه الخطّة فسينتظم الموضوعات التسلسل التالي:‏ حوارية التقليد، حواريّة النجاسة، حوارية الطهارة، حواريّة الجنابة، حواريّة الحيض، حواريّة النفاس، حواريّة الاستحاضة، حواريّة الموت، حواريّة الوضوء، حواريّة الغسل، حواريّة التيمم، حواريّة الجبيرة، حواريّة الصلاة، حواريّة الصلاة الثانية، حواريّة الصوم، حواريّة الحج، حواريّة الزكاة، حواريّة الخمس، حواريّة التجارة وما يلحق بها، حواريّة الذباحة والصيد، حواريّة الزواج، حواريّة الطلاق، حواريّة النذر والعهد واليمين، حواريّة الوصية، حواريّة الاِرث، حواريّة الوقف، حواريّة الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم الحواريتان العامّتان المنوّعتان.
   وقد حظيت (هذه النسخة) بمراجعة وافية من قبل مكتب سماحة آية الله العظمى السيّد على الحسيني السيستاني (مدّ ظله الوارف) في النجف الاَشرف للتأكد من مطابقتها لفتاوى سماحته، وقد اجرى عليها المكتب التصحيحات اللازمة لتصبح هذه النسخة بعدها مطابقة لفتاوى سماحته (مدّ ظله) تماماً . ‏
   راجياً أن أكون قد حقّقت ما عزمت عليه، شاكراً بامتنان من اعانني على ما نهضت به ، خاصاً بالذكر الجميل مكتب سماحة سيدنا في النجف الاَشرف لما بذله من جهدٍ في تدقيق هذه النسخة، سائلاً الله عزّ وجلّ أن يجعلني ممن (أُوتِىَ كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤا كتابيه) وان يجعل عملي خالصاً له وحده (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ). ‏
   والحمد لله رب العالمين
   المؤلّف

   الاَحكام الشرعيّة الموضوعة بين قوسين معقوفتين [ ] هي احتياطات وجوبيّة، أنت مخيَّر بين أن تعمل بها ، أو أن تقلّد فيها مجتهداً آخر، مع مراعاة الاَعلم فالاَعلم

   ها أنذا اليوم أكملت السنة الخامسة عشرة من عمري، لم أدرك حين أفقت من نومي صبيحته أن يومي هذا سيكون مسكوناً بالدهشة، والمفاجأة، والترقّب، والزهو ، والانبهار ، ممهوراً بالمتعة ، والشغف، والمحبة ولذة الاكتشاف، يوماً سينقلني من مرحلة سلفت ويضعني على أعقاب مرحلة أخرى بدأت .
‏   ‎استيقظت مبكراً كعادتي كل يوم ، وما أن أنهيت واجباتي اليومية المعتادة ـ تلك التي تفصل بين يقظتي وجلوسي اِلى مائدةِ الافطار الصباحية ـ حتى أبصرت على وجه أبي شيئاً ما مختلفاً عما كنت آلفه منه كل يوم ، شيئاً ما جعلني اُخمن أن أمراً يخصّني بات يراوده ويشغله ، ويستأثر باهتمامه.
   فالعينان المفتوحتان أكثر من المعتاد، كما لو كانتا تحدقان في الفراغ، والشفتان المضمومتان الملمومتان بعض الشيء كما لو كانتا تتهيآن لقولٍ مثير تهمُّ أن تفضي الشفة به ثم تمسك، والاَصابع التي تنقر بانتظام وتتابع نقرات وقورة على مائدةِ الافطار: تنبئ بأن القلب ممتلئ َ بعصارة أمر هام، ويوشك لفرض امتلائه أن يفيض.‏ وما أن جلست قبالته على الطرف الثاني من المائدة حتى بادرني ، وفي عينيه فرح رزين مكتوم قائلاً : ‏
   ـ اليوم يا بني ودّعت مرحلة سلفت من عمرك ، واستقبلت مرحلة جديدة بدأت . ..‏‏ اليوم أصبحت في نظر المشرع الاِسلامي رجلاً تام الاَهلية لان تكلَّف ...‏ اليوم مَنّ الله عليك فخاطبك بالتكليف ، وتلطّف فأمرك ونهاك.
   وأضاف أبي:
   ـ كنت حتى البارحة في نظر المشرّع الاِسلامي طفلاً لم تبلغ بعد مرحلة الرجال فتركك وشأنك أمّا اليوم فقد تغيّر كلّ شيء ... أنت اليوم رجل كالرجال ، معتَرَف لك بالرجولة والاَهليّة التامّة للخطاب، وحين بلغ بك النضج هذه المرحلة، وأسلمك اليها، منَّ الله عليك فخاطبك بأمره ونهيه. ‏
‏    عفواً لم افهم قصدك كيف يمنّ الله عليّ فيأمرني ؟ أيكون الامر مِنَّة ؟ كيف يكون ذلك ؟
   ـ دعني أوضح لك الاَمر بمثال حتى تعرف كيف يكون أمره لك مِنَّة عليك ... أنت الاَن طالب في المدرسة، تقف مع زملاءٍ لك طلاب ، بينكم الذكي، والمواظب ، والمجدّ، والملتزم ، والواعي ، وبينكم غيرهم، تقفون مستعدّين لامرٍ مّا جديد سيفجؤكم ، تقفون ويمرّ السيد المدير يستعرضكم، وما أن تلتقي عيناه بعينيك حتى يتريّث ، ويتطلّع اِليك برضى أول الامر، ثم يزفّ اِليك ـ مبتسماً ‌ـ بشرى انتقالك لمرحلةٍ طالما حلمت بها ، معترفاً لك من خلال ذلك باهليتك التامّة لمرحلتك الجديدة، متوجهاً اِليك مميّزاً لك من بين زملائك، بأمر ما ينمُّ عن اعتراف بأهليتك. ‏
   ألا تشعر يؤمئذٍ باعتزاز من نوع خاص لاَمره ، وحبّ لما أمرك به ، مشوب بالاعتداد ، والثقة بالنفس ، لتوجيهه الخطاب اِليك دون غيرك من أقرانك، متبوع بسعي حثيث لتنفيذ ما أمرك به ... ‏
   كل ذلك والاَمر مدير مدرستك، فكيف سيكون شعورك لو كان الاَمر هو السيد المدير العام ؟! بل كيف سيكون الحال لو كان الاَمر هو السيد المفتش العام ؟! كيف سيكون شعورك لو كان الاَمر...
  ‎واستمرّ أبي يرتقي بالاَمر المخاطب رتبة رتبة، ومع كل رتبة يرتقيها يتجلّى لي أكثر فأكثر شيء ما كان خافياً عليَّ من قبل ... كما لو أني أفقت للتوِّ من سباتٍ عميق. ‏
   وما أن وصل أبي اِلى أمر الله عزّ وجلّ وخطابه اِليَّ، وتكليفه اِيايَ حتى صعقت.
   الله يخاطبني أنا... يأمرني أنا... أنا.
   ـ نعم يا بني ... الله يخاطبك أنت... أنت ابن خمس عشرة سنة ... ويكلفك أنت... أنت ابن خمس عشرة سنة ... ويأمرك أنت ... وينهاك أنت.
   أوَ أستحق أنا كل هذا التكريم... خالق الخلق كلهم يشرِّفني فيكلّفني ، جبار السموات والاَرض يتلطّف فيأمرني وينهاني ... ما أحلى يومي هذا ، وما أجمل سنتي هذه ... ما أبهى الرّجولة.
   ـ عليك يا بني أن تطيع ما أمرك به خالقك فشرفك به .
   بل سأسعى بشغف عاشقٍ اِلى تطبيق تكاليفه واحكامه الحبيبة، ولكن ماذا ... ؟
   ولكن ما هي هذه التكاليف التي كلّفني بها ؟ وما هي احكامه التي وجّهها اِليّ ؟
   ـ الاحكام الشّرعية على خمسة أنحاء... واجبات ومحرمات ومستحبّات ومكروهات ومباحات. ‏
   وما هي الواجبات؟ وما هي المحرمات؟ وما هي المستحبّات ؟ والمكروهات ؟ والمباحات ؟
   ـ كلُّ ما تحتّم عليك فعله فهو من الواجبات كالصلاة والصوم ، والحجّ، والزكاة ، والخمس ، والاَمر بالمعروف ، والنّهي عن المنكر، وغيرها كثير.
   وكل ما تحتّم عليك تركه فهو من المحرمات كشرب الخمر، والزّنا، والسرقة، والتبذير ، والكذب، وغيرها كثير. ‏
   وكل ما حسن فعله من دون اِلزام وتثاب عليه ان كان بقصد القربة فهو من المستحبّات، كالصدقة على الفقير، والنّظافة، وحسن الخلق، وقضاء حاجة المؤمن المحتاج، وصلاة الجماعة، واستعمال الطيب، وغيرها كثير.
   وكل ما حسن تركه والابتعاد والنأي عنه من دون الزام وتثاب على تركه ان كان بقصد القربة فهو من المكروهات، كتأخير زواج الرجل والمرأة، والغلاء في المهر، ورد طلب المؤمن المحتاج اِلى القرض مع القدرة عليه، وغيرها كثير.
   أمّا ما تركت لك حريّة الاختيار فيه ، أن تفعله أو تتركه فهو من المباحات كالاَكل ، والشرب ، والنوم ، والجلوسِ ، والسفر ، والسياحة ، وغيرها كثير .
   وأنّى لي أن افرز الواجبات عن المستحبات، والمحرّمات عن المكروهات، كيف أعرف أن هذا واجب فافعله واُؤدّيه وألتزم به ، وهذا حرام فأجتنبه وأدعه وأتركه وأنأى عنه ، كيف أعرف أن... ‏
   قاطعني أبي مبتسماً ، ثم نظر اِليَّ نظرة رحمة واِشفاق وهَمَّ أن يقول شيئاً اِلاّ أنّه أعرض عنه مؤثراً التريث، ثمّ انكفأ فَغَاصَ في تأمّل عميق.
   وساد لوهلةٍ صمتٌ عميق كثيف كالفراغ لم استطع أن اُخمِّن خلاله ما دار في رأس أبي، غير أنّي كنت أرقب سحابة داكنة معتمة تمرُّ متأنّيةً على جبهته ثمّ تتشطّر فتغطّي بقيّة قسمات وجهه وصولاً اِلى شفتيه اللّتين انفرجتا عن صوت ضعيف، فيه من الرّقِة والعطف الشيء الكثير. ‏
   ـ ستميّز الواجبات عن المحرّمات، والمستحبّات من المكروهات اِذا استعرضت كتب علم (الفقه الاِسلامي)، وستجد أن لبعضها أركاناً وأجزاء وشرائط ، ولبعضها حركات خاصّة يجب أن تؤدّى بها، ولبعضها خصوصيات لا يمكن أن تحيد عنها، ولبعضها ... ولبعضها ...‏ ‏ راجع كتب الفقه الاسلامي وستجد فيها ضالّتك ... ثمّ ستكشف بعد ذلك أنّه علم واسع ، غزير، كتبت فيه مئات المجلّدات، وأشبع العلماء مسائله بحثاً ، وتمحيصاً ، بعمق قلَّ نظيره في علوم اِنسانية أخرى.
   وهل يجب عليَّ أن ألمَّ بكل هذه الكتب لاَعرف ما يجب عليَّ أن أفعله ؟‏
   ـ بل يكفيك أن تراجع أخصرها وأيسرها على الفهم، وستجد أنّها قُسِّمت اِلى قسمين:
   قسم خاص بالعبادات ، وقسم خاص بالمعاملات. ‏
   وما العبادات ؟ وما المعاملات ؟
   ـ تمهَّل قليلاً ، وراجع كتب الفقه الاِسلامي، وستعرف تدريجياً ما أنت الاَن بصدد معرفته.
‏‏    ورحت أعدو اِلى المكتبة، علّني أعثرُ على كتب الفقه الاِسلامي هذه ... أعدو ويعدو شوقي وحاجتي ، وما أن وقعت عيناي عليها حتى أسرتني فرحة غامرة ، هزّت كياني كلّه هزّاً عنيفاً ، أو هكذا خيّل اِليَّ.
   ها هي ذي كتب الفقه الاِسلامي، لقد وصلت أخيراً اِلى غايتي..‏ سأقرؤها، وسأجد فيها اِجابات شافية عن أسئلتي... وسأستريح.
   وعدت اِلى غرفتي لهفان مسرعاً ، مزهواً بما أنجزت، فتحت الباب على عجل، ودخلت الغرفة على عجل ، وفتحت كتابي على عجل ، وما أن بدأت أقرأ حتى ارتسمت على ملامحي خطوط من غرابة متوحشة أول الاَمر، سرعان ما تحوَّلت اِلى دهشة مكتومة ، ثم استقرّت متخذة شكل وجع حارق متوهّج مؤلم.
   لقد وجدت نفسي أقرأ كثيراً ، ولا أفهم شيئاً ذا بال مما قرأت.‏ ‏ ترى كيف لي أن اُعالج حيرتي، وحيرتي من نوعٍ خاص غير مألوف . ‏
   وكابرت ، قلت : فلاَواصل القراءة، ومحاولة الفهم، واِعادة القراءة ، واِعادة محاولة الفهم، علّني أستفيد.
   ومرّ الوقت ثقيلاً، بطيئاً، متأنّياً، كان صدري يرزح خلاله تحت ثقل ضاغط ، جاثم ، لا ينفك يطاردني ، ويضيِّق خناقه عليَّ ، وبينَ يدي الكتاب وأنا أتلو، ثم أتلو، ثمّ اُعيد تلاوة ما تلوت ، ولا أفهم شيئاً.
   وبدأت سحب الخيبة تتجمّع حولي شيئاً فشيئاً ، ثم راحت تتحوّل تدريجياً اِلى ما يشبه سحابة من حزن شفيف تطلع بين عيني. ‏
   لقد قرأت كثيراً ، وعليَّ أن أعترف أنني لم أفهم شيئاً ذا بال مما قرأت.
   لقد وجدت نفسي أمام كلمات لم تطرق سمعي من قبل ... فلم أعرف ماذا تعني كلمات « النصاب، والبيّنة ، والمؤنة ، والاَرش، والمسافة الملفّقة، والحول، والدرهم البغلي، والاَبق، والذمّيّ ». ‏
   كما أخذت تتقافز أمام عيني مفردات وتركيبات يبدو أنّها مصطلحات خاصة بعلم لم يسبق لي دراسته ، فلم أدر ما المقصود بـ «العلم الاِجمالي، والشبهة المحصورة، والحكم التكليفي، والحكم الوضعي، والشبهة الموضوعة، والاَحوط لزوماً ، والتجزّي في الاجتهاد والصدق العرفي، والمناط ، والمشقّة النوعيّة».
   وقرأت بعد ذلك جملاً مسبوكة سبكاً خاصاً ، لم أعتده من قبل ، وجملاً عالجت قضايا لا وجود لها في حياتي المعاشة اليوم، لا أدري لماذا ذكرت ، وجملاً فيها من التشقيق والتفريع والعمق والتشطير الدقيق للاحتمالات ، تركتني في حيرة من أمرها.
   فلم أفهم ماذا تعني ـ مثلاً ـ جملة : «اِذا علم البلوغ والتعلق ولم يعلم السابق منهما لم تجب الزكاة، سواءٌ علم تاريخ التعلّق وجهل تاريخ البلوغ، أم علم تاريخ البلوغ وجهل تاريخ التعلّق أو جهل التاريخان، وكذا الحكم في المجنون اِذا كان جنونه سابقاً وطرأ العقل، أمّا اِذا كان عقله سابقاً وطرأ الجنون، فاِن علم تاريخ التعلّق وجبت الزكاة دون بقيّة الصور».
   ولا جملة : «الظن بالركعات كاليقين، أما الظن بالافعال فكونه كذلك محل اِشكال، فالاَحوط فيما اِذا ظنّ بفعل الجزء في المحل أن يمضي ويعيد الصلاة، وفيما اِذا ظن بعدم الفعل بعد تجاوز المحل أن يرجع ويتداركه ويعيد أيضاً».
   ولا جملة : «الاَقوى أن التيمّم رافع للحدث رفعاً ناقصاً لا يجزي مع الاختيار، لكن لا تجب فيه نيّة الرفع ولا نيّة الاستباحة للصلاة مثلاً».
   ولم اعِ المقصود بـ «اِذا توضّا في حال ضيق الوقت عن الوضوء، فاِن قصد أمر الصلاة الاَدائي بطل ، واِن قصد أمر غاية أخرى ـ ولو الكون على الطهارة ـ صحّ».
   ولا بجملة : «يكفي في استمرار القصد بقاء قصد نوع السفر، واِن عدل عن الشخص الخاص».
   ولا بجملة : «فلو أحدث بالاَصغر أثناء الغسل أتمَّه وتوضّأ، ولكن لا يترك الاحتياط بالاستئناف بقصد ما عليه من التمام أو الاِتمام، ويتوضّأ».
   ولا بجملة : «مناط الجهر والاخفات الصدق العرفي».
   وغيرها كثير مما وقعت عيناي عليه ، ولم أدرك كنهه.
   ودارت الدّنيا في عيني ... ثمّ دارت دورة ثانية.
   ترى : كيف يتسنّى لي أن أعرف حلال الله فآتي به ؟ وحرام الله فأجتنبه ؟ ورفعت رأسي اِلى السماء، وفي عيني نثيث من عصارة دمع محترق ، وتمتمت.
   اِلهي! أعلم أنك كلّفتني ، ولكني لا أعلم بماذا كل ،ّفتني ...‏ ‏ اِلهي! أنّي لي أن أعرف ما طلبت مني ، لاَنجز ما طلبت مني.
   اللهم أعنِّي على فهم ما أقرأ.
   اللهم أعن كتب الفقه على الاِفصاح عما تريد قوله ، لاَحقِّق ما تريد قوله.
   وانتظرت أبي على المائدة الليلية مساء اليوم...
‏   ‎وحين حل المساء بدت عيوني متعبة، قلقة، منكسرة الاَجفان أول الاَمر.
   ثم ما لبثت أن أخذت تومض ببريق كالفضّة امتزج فيه الاَسى بالاصرار على التحدّي.
   وما أن انتظمت بنا المائدة، وحضر أبي حتى أخذ قلبي يدقّ، وتورّدت وجنتاي، وارتفعت درجة حرارة اُذنيّ كأنّ حُمّي مفاجئة اشعلتهما، وداهمني شعور بالحرج ، والخجل ، والحيرة ، والارتباك، والتردّد ، وأنا اُعيد في ذاكرتي وأردد كلمات وجملاً توحي بالعجز عن استيعاب مادة مقروءة.
   واستنجدت بشجاعتي وبعزمي على الاعتراف بالنقص ، وقلت لاَبي :
   لقد راجعت كتب الفقه فاستعصت عليّ، وأبت أن تفتح لي قلبها ... ‏ وما كدت أنهي حرفي الاَخير من كلمتي الاَخيرة، حتى شردت عينا أبي، وغارتا ـ كما يبدو ـ في مستنقع من الماضي عميق، ثم عادتا بعد برهة كمن يعود من سفر شاقٍ ممضّ طويل ، ودارتا حول عيني كأنّهما تريدان أن تقولا شيئاً ، غير أن شفتيه انفرجتا عن صوت خافت مشوب بحزنٍ عميق:
   لقد مررت بتجربة شبيهة بتجربتك ، عندما كنت في حدود سِنّك . ‏
   لقد قرأت كتب الفقه فلم أفهم منها شيئاً ذا بال ، مثلك تماماً ... غير أنّي لم أمتلك شجاعتك فأعترف بعجزي عن فهمها.
   لقد حالت تربيتي المحافظة، وحَجَزَ حيائي الشديد، بيني وبين سؤال أبي عن بعض خصوصيات مرحلة المراهقة ثمّ الرجولة، فلم أَكُن أُدرك أن البلوغ قد يتحقق بغير العمر الزمني المحدّد له، اِلى أن ... وقاطعت أبي: ‏
   وهل يتحقّق البلوغ بغير ذلك ؟
   ـ نعم يا بني ، يتحقق البلوغ في الذكر اِذا توفّرت احدى علامات ثلاث : ـ أوّلها: أن ينهي خمس عشرة سنة قمريّة من عمره.
   ثانيها : أن يخرج السائل المنوي منه سواء خرج باتِّصال جنسي أم باحتلام ، أم بغيرهما. ‏
   ثالثها : أن ينبت الشعر الخشن على العانة، أقول الشعر الخشن المشابه لشعر الرأس لاَستثني بذلك الشعر الناعم الذي يغطّي ـ عادة ـ أكثر مناطق الجسم كاليدين مثلاً.
   والعانة ؟
ـ العانة: منطقة تقع أسفل البطن فوق نقطة اتّصال العضو التناسلي بجدار البطن مباشرة .
‏    هذه علامات البلوغ للذكر ، أمّا الانثى ؟
   ـ يتحقق البلوغ في الانثى اِذا أنْهَت تسع سنين قمرية من عمرها.
   أما وقد أفصحت لك اليوم عن قصوري ، وتلكئي ، وعجزي عن استيعاب كتب الفقه، فاسمح لي أن أقترح عليك ـ تحت ضغط الحاجة ـ أن تعقد لي جلسات تتناول فيها بالشرح والتبسيط كل ما عسر عليَّ فهمه ، مما يتوجَّب عليَّ فهمه والاحاطة به واستبيانه ، لتطبيق حكمي الشرعي، صحيحاً كما شرعه الله سبحانه وتعالى لي ، وأمرني به.
   ويا حبّذا لو كانت جلساتنا تنهج نهج الحوار والمساءلة.
   ـ كما تحب . ‏
   ولكن بماذا سنبدأ حواريّتنا الاولى ؟
   ـ سنبدؤها بـ «التقليد» فهو الاَساس الذي سيحدّد لنا شكل تقاطيع وملامح ما سنطبِّقه من فقهنا. ‏
  اتفقنا.
‏ ‏    قال أبي ـ وهو يبدأ حواريّة التقليد: ـ‏
   ـ دعني أشرح لك أوّلاً معنى التقليد. ‏
   التقليد: أن ترجع اِلى فقيه لتطبق فتواه ، فتفعل ما انتهى رأيه اِلى فعله ، وتترك ما انتهى رأيه اِلى تركه ، من دون تفكير ، واِعادة نظر ، وتمحيص ، فكأنّك وضعت عملك في رقبته «كالقلادة» محمّلاً اياه مسؤولية عملك أمام الله.
   ولماذا نقلِّد ؟
   ـ عرفتَ فيما مضى أن الشارع المقدس قد أمرك، ونهاك ... أمرك بواجبات يتحتّم عليك أن تؤدّيها ، ونهاك عن محرّمات يتحتّم عليك أن تمتنع عنها ، ولكن بماذا أمرك، وعن ماذا نهاك؟ بعض ما أمرك به واضح في الشريعة تستطيع ـ ربّما ـ من خلال ما ربّتك عليه بيئتك الملتزمة أن تشخّصه ، وبعض ما نهاك عنه واضح كذلك تستطيع ـ ربّما ـ من خلال تنشئتك المحافظة أن تميّزه ، والكثير الكثير ما بين هذه وتلك من الواجبات والمحرّمات ، ستبقى مجهولة لك وللكثيرين من أمثالك غائبةً أو غائمة.
   أضاف أبي: ‏
   ـ أنت تعرف أن الشريعة الاسلامية قد ألمَّت بجميع جوانب حياتك المختلفة، فوضعت لكل واقعة منها حكماً ، فكيف ستعرف حكمك الشرعي وأنت تمارس نشاطاتك الحياتية المختلفة، كيف ستعرف أن هذا الفعل يحلّه الشارع المقدَّس فتباشره ، وان هذا العمل يحرمه الشارع المقدّس فتنأَى عنه وتجانبه.
   ترى هل يمكنك أن ترجع في كل صغيرة وكبيرة اِلى الاَدلّة الشرعيّة لتستخرج منها حكمك الشرعي ؟
   ولم لا!!
   ـ لقد بعدت الشقة يا بني بين عصرك، وعصر التشريع، وقد أضفى هذا البعد ، مع ضياع كثير من النصوص الشرعيّة، وتغير لغة وأساليب وأنماط التعبير، ووجود الوضّاعين ـ الذين اختلقوا أحاديث كثيرة وسربوها مع أحاديثنا المعتبرة ـ صعوبات ومعوقات عسَّرت عمليّة استخراج الحكم الشرعي.
   ثم اضافت مشكلة وثاقة ناقلي الروايات لذلك عقدةً أخرى في طريق الساعين لاستخراج الحكم الشرعي.
   ثمّ لنفترض أنّك استطعت أن تتحقّق بشكل ما من وثاقة رواة النصّ وصدقهم ، ودقّتهم فيما ينقلون ، وضبطهم ، وأنّك استطعت أن تختزل الزمن لتضبط نبض اِيقاع المفردات في دلالتها على معانيها ، فهل ستستطيع أن تهضم علماً عميقاً، واسعاً، متشعّباً يحتاج اِلي مقدّمات طويلة ، وسبر أغوار عميقة ، لتحصل منه بعد ذلك على ما أنت بصدد معرفته ، والبحث عنه واستيبانه.
   وكيف العمل اِذاً... ؟ ‏
   ـ ترجع اِلى المتخصّصين في هذا العلم أي (الفقهاء)، فتأخذ أحكامك مهم ... «تقلّدهم».
   ليس هذا في مجال علم الفقه فقط، بل في كل علم، لقد أفرزت الحضارة الحديثة مبدأ التخصّص في العلوم، حيث أصبح لكل علم رجاله ومتخصّصوه يُرجع اليهم كلّما طرأت حاجة ما لشأنٍ من شؤون ذلك العلم.
   واستطرد أبي قائلاً :
   ـ لنأخذ مثلاً لذلك من علم الطب ... فلو مرضت ـ عافاك الله ـ فماذا ستفعل ؟
   أراجع الطبيب، وأعرض عليه حالتي المرضيّة ليشخّص المرض وليصف لي الدواء المناسب بعد ذلك. ‏
   ـ ولماذا لا تشخِّص أنت بنفسك مرضك وتصف الدواء ؟
   لست طبيباً. ‏
   ـ كذلك الحال في علم الفقه. أنت محتاج اِلى مراجعة الفقيه المتخصِّص لمعرفة أمر الله ونهيه ، أو لعرض مشكلتك الشرعية عليه، كاحتياجك اِلى مراجعة الطبيب المتخصِّص، لمعرفة أمرٍ طبّي ما ، أو لعرض حالتك المرضية عليه.
   فكما أنّك محتاج اِلى «تقليد» الطبيب في مجال اختصاصه، أنتَ محتاج اِلى «تقليد» الفقيه في مجال اختصاصه.
   وكما أنّك ستبحث عن طبيب فاضل، عالم في مجال اختصاصه ولا سيّما اِذا كان مرضك خطيراً ، فأنت ملزم بالبحث عن فقيه بارع في مجال اختصاصه «لتقلّده» وتأخذ منه حكمك الشرعي كلّما استدعتك الظروف المعاشة لاستيضاح حكم شرعي ما ، فيها .
  ‏ وكيف أعرف أن هذا الرجل فقيه ؟ أو أنّه أعلم الفقهاء وأفضلهم؟ قال أبي مجيباً :
   ـ دعني أسألك ... كيف تعرف أن هذا الطبيب فاضل أو أنّه أفضل الاَطبّاء في مجال اختصاصه لتراجعه ، وتسلّمه جسدك ، يفعل به ما يراه مناسباً لعلاجه ؟
   قلت له :
   أعرف ذلك من سؤال المهتمّين بشؤون الطب، العارفين به، ممَّن لهم علم، ومعرفة ، ودراية ، و «خبرة» وتجربة فيه ، أو أعرفه لشهرته بين الناس و «شيوع» وانتشار وذيوع اسمه في هذا الحقل العلمي.
   ـ بالضبط ... وكذلك تعرف الفقيه، أو الفقيه الاَعلم.
   تسأل شخصاً ملتزماً بالواجبات، وتاركاً للمحرّمات ، ثقةً ، تتوفّر فيه القدرة، والمعرفة ، والعلم والعدالة و «الخبرة» على تمييز المستوي العلمي للاَشخاص في مجال الاختصاص.
   أو «يشيع» ويشتهر ويذيع بين الناس، فقاهة شخص ، أو أعلميته بين سائر الفقهاء، بحيث تجعلك تلك الشهرة الواسعة وذلك الذيوع والانتشار ، و «الشيوع» متأكداً وواثقاً من فقاهته أو أعلميّته.
   وهل هناك شروط اُخرى فيمن يجب علينا تقليده ، بعد أن نبلغ مبلغ الرجال، عدا شرط الفقاهة ؟
   ـ أن يكون مقلَّدك : رجلاً ، بالغاً ، عاقلاً، مؤمناً ، عادلاً ، حيّاً غير ميّت ، طاهر المولد ـ أي أن تكون ولادته قد تمّت وفق مقاييس وضوابط شرعيّة ـ وألاّ يكون كثير الخطأ والنسيان والغفلة. ‏
   حسناً ها أنذا ذا قد بلغت مبلغ الرجال، وقد عرفت منك شيئاً عن التقليد فماذا يجب عليَّ ان أفعل الاَن ؟
   ـ تقلّد أعلم فقهاء عصرك ، وتعمل بما يفتي به في شؤونك المختلفة ... في أحكام وضوئك ـ مثلاً ـ وغسلك ، وتيمّمك ، وصلاتك ، وصومك ، وحجّك ، وخمسك ، وزكاتك ، وغيرها .
   كما تقلّده في معاملاتك ... في أحكام بيعك ـ مثلاً ـ وشرائك ، وحوالتك ، وزواجك ، وزراعتك ، واِجارتك ، ورهنك ، ووصيتك ، وهبتك ، ووقفك و ... و ... ‏ ورحت أعدد مع أبي ...
   وأمرك بالمعروف ، ونهيك عن المنكر، وايمانك بالله ، وانبيائه ورسله و ...‏ ـ كلا ... الايمان بالله وتوحيده ، ونبوّة نبيّنا محمّد (صلّى الله عليه وآله) واِمامة الاَئمّة الاِثنى عشر (عليهم السلام)، والمعاد ... هذه أمور لا يجوز التقليد فيها فهي من أصول الدين، ولا يجوز التقليد في اُصول الدين بل يجب أن يعتقد كل مسلم بها اعتقاداً جازماً لا شك فيه ، ولا شبهة ولا ضبابيّة ولا التواء، واصلاً اِلى ايمان قاطع بالله ، باحثاً عنه بجهوده ، مسخّراً ما منحه الله من طاقات فكريّة فيه منتهياً من خلال ذلك كله اِلى قناعة تامّة راسخة لا تتزعزع به ...
   طيب ... الا يحق لي أن أقلّد فقيهاً مع وجود فقيه أعلم منه في مجال اختصاصه ؟
   ـ يمكنك ذلك شرط أن لا تعلم بوجود اختلاف بين فتاوى مقلَّدك وفتاوى الاَعلم في مسائلك التي تحتاجها لتعمل بها.
   لو قلّدت الاَعلم، ولم تكن له فتوى في مسألة ما تخصّني ؟ أو كانت له فتوى ولم يسعني استعلامها ؟
   ـ ترجع اِلى الاَعلم من بعده أي من يتلوه في العلم من الفقهاء.
   واذا كان الباقون متساوين في العلم فماذا افعل ؟ ‏
   ـ ترجع اِلى من كان أورع من غيره، أي أكثر تثبتاً وحيطة في الرأي الذي يتخذه والفتوى التي يصدرها.
   واذا لم يكن بعضهم أورع من بعض ؟
   ـ يمكنك أن تطبق عملك على فتوى أيٌّ منهم اِلاّ في بعض الحالات المعينة حيث يجب فيها ان تعمل بالاحتياط ولا يسعني في هذا المقام أن اشرحها لك . ‏
   حسناً ... أستطيع حين أراجع الطبيب أن أعرف رأيه في حالتي الصحّية لو استدعت صحّتي مراجعته فكيف أستطيع أن أعرف فتوى مقلَّدي في مسائلي الشرعية ؟ كيف أصل اِلى فتاواه لاَطبِّقها ؟ هل اُراجعه في كل مسألة ؟
   ـ تستطيع معرفة فتاواه ... بسؤاله مباشرة عنها ، أو بسؤال من تثق بنقله ومعرفته وأمانته في نقل تلك الفتاوى، أو بمراجعة كتبه الفقهية كرسالته العملية مع الاطمئنان بصحّتها.
   اِذاً اطلب منك وانت الثقة الامين أن تعينني على معرفة فتاوى مقلّدي.
‏    ابتسم أبي بوقار رزين، واعتدل في جلسته بينما راحت عيناه توميَ بوميض موعد جلسة قادمة.
   قلت : نبدأ بالصلاة.
   ـ قال : نبدأ بالصلاة.
   وأضاف:
   ـ غير أن الصلاة تتطلّب طهارة الانسان من كل ما يدنِّس طهارته.
   وما الّذي يدنِّس طهارة الانسان ؟
   ـ تدنس طهارة الانسان: ‏ ‏
  1 ـ ‏اُمور مادية تقع في نطاق عمل الحواس كالنجاسات.
  2 ـ واُمور معنويّة غير مدركة بالحواس لو «حدثت» بأحد أسبابها من جنابة أو حيض أو استحاضة أو نفاس أو مسِّ ميّت أو نوم أو خروج بول أو غائط أو ريح، للزم ازالتها بالوضوء أو الغسل أو التيمم.
   وتستدعينا هيكليّة البحث وصولاً اِلى الصلاة أن نبدأ حوارنا «بالنجاسات»، فنتعرّف عليها أوّلاً، ثم نتعرّف بعد ذلك على «مطهراتها»، لنضمن طهارة الجسد من كل ما يسلب طهارته، ويخدش نقاءه.
   ثم نثنّي فنتحاور بما لو «حدث» لوجب «غسله بالوضوء» أو «مسحه بالتيمّم» سواء أحدث من بول أم غائط أم ريح أم نوم أم استحاضة قليلة أم غيرها.
   ونستأنف ، فنتجاذب أطراف الحديث بما لو «حدث» لوجب «غسله بالغسل» أو «مسحه بالتيمّم» سواء أحدث من جنابة أم حيض أم استحاضة أم نفاس أم مسّ ميّت.
   رافعين من طريقنا كل ما يعترض أو يعيق فرصة التقرّب لله عزّ وجلّ بالصلاة ، فائزين بعد ذلك بلذّة الوقوف بين يديه مكبّرين مهلّلين حامدين موحّدين منعّمين بولع ذكره ودعائه راجين أن يجعلنا ممّن ترسَّخت اشجار الشوق اِليه في حدائق صدورهم ، وأخذت لوعة محبّته بمجامع قلوبهم . ‏
   متناولين بعد الصلاة ما يتطلّب مثلها الطهارة كالصوم والحج وغيرها ، ‏ ‏ اذن سنبدأ بالنجاسات أولاً ؟. ‏
   ـ نعم سنبدأ بها اولاً يوم غدٍ ان شاء الله، ان شاء الله.
‏ ‏    بدأ أبي حواره وفي عينيه بريق من حزم رصين قائلاً:
   دعني اضع أمامك قاعدة عامّة ذات أثر كبير في حياتك وهي «كُلُّ شيء طاهر» ، كلُّ شيء ... البحار، والامطار، والانهار، والاشجار، والصحارى والجبال ، والشوارع والعمارات والبيوت والاَجهزة والاَدوات، والملابس المختلفة واِخوانك المسلمون ... و ... و ... كلُّ شيء طاهر ... ‏
   كُلُّ شيء حتّى يتنجّس ، اِلاّ... اِلاّ ماذا ؟
   ـ اِلاّ ما كان نجساً بطبيعته ، بتكوينه ، بذاته ، «بعينه».
   وما الذي يكون نجساً بطبيعته ، بذاته ؟
   ـ عشرة أشياء سأعدّدها لك على شكل نقاط متسلسلة: ‏
   ‏« ‏1، 2» ان وغائطه ،‏ وبول وغائط كُلُّ حيوان يحرم أكل لحمه ، اِذا كانت لهذا الحيوان نفس سائلة كالقطة [وكذا بول ما ليست له نفس سائلة اِذا كان ذا لحم] ، ‏ ‏ ‏‏‏ وما النفس السائلة ؟
   ـ مصطلح سيمرّ عليك أكثر من مرّة في هذا الحوار، يحسن أن نلقي عليه بعض الضوء.
   ونقول: لهذا الحيوان نفس سائلة ... اِذا اندفع الدم منه بقوّة عند ذبحه ، لوجود شريان عنده كالدجاج . ‏
   ونقول: ليس لهذا الحيوان نفس سائلة ... اِذا سال الدم منه عند ذبحه بفتور ، وهدوء ، وأناة لعدم وجود شريان عنده كالسّمك.
‏    «3» من الحيوان ذي النفس السائلة واِن كان حلالاً أكله، وكذلك أجزاؤها الحيّة المقطوعة منها ، وما هي الميتة ؟
   ـ كل ما مات من دون أن يذبح على الطريقة الشرعيّة الاسلامية. مثلاً ؟
   ـ الحيوان الّذي يموت لمرض ـ مثلاً ـ أو بحادث ، أو يذبح بطريقةٍ غير شرعيّة ، هذه كلها من الميتة ؟
   واذا مات الانسان فهل ينجس بدنه ؟
   ـ نعم اِلاّ الشهيد ومن اغتسل لاجراء الحدّ عليه أو القصاص منه ،‏ ‏‏‏ وهل يبقى غيرهما نجساً ؟
   ـ لا بل يطهر بدن الميت المسلم بالاَغسال الثلاثة التي سأشرحها لك في حواريّة قادمة .
   «4» انسان، ومني كل حيوان ذي نفس سائلة [وان كان هذا الحيوان مأكول اللحم].
   «5» الخارج من جسد الانسان، ومن جسد كل حيوان ذي نفس سائلة.
   ودم الحيوان الذي ليس له نفس سائلة ؟
   ـ طاهر كدم السمك. ‏
  ‏ «6» الكلب البري بكل اجزاء جسده ، حياً وميتاً .
   «7» الخنزير البري بكل اجزاء جسده ، حياً وميتاً.
   والكلب والخنزير البحريان... ؟
   ـ طاهران . ‏
   «8» الخمر [ويلحق بها الفقاع].
   «9» الكافر حياً وميتاً غير المسيحي واليهودي والمجوسي.
   «10» عرق الحيوان الجلال، وهو الحيوان الذي تعوَّد اكل عذرة الانسان.
   هذه الاشياء العشرة نجسة بطبيعتها، وتنتقل النجاسة منها اِلى كل ما لاقاها ومسّها واحتكّ بها مع وجود البلل والرطوبة.
   واذا لم يوجد بلل ورطوبة بينهما ؟
   ـ اِذا لم يكن هناك بلل ورطوبة فلا تنتقل النجاسة، لانها لا تنتقل في حالة الجفاف ولا في حالة وجود النداوة المحضة أبداً. ‏
   هل بول أو غائط الحيوانات التي يحل اكلها كالبقر ، والغنم ، والدجاج ، والطيور بانواعها المختلفة، والعصافير ، والزرازير طاهر أو نجس ... ؟
   ـ طاهر. ‏
   ومخلفات الخفاش... ؟
   ـ طاهرة. ‏
   والريش من الميتة، والوبر ، والصوف ، والاظافر ، والقرون ، والعظام ، والاسنان ، والمناقير ، والمخالب ... ؟
   ـ كلها طاهرة. ‏
   واللحم الذي نشتريه لنأكله ، فنلاحظ عليه دماً ؟
   ـ هذا الدم طاهر ... وكل دم يبقى متخلّفاً في الذبيحة بعد ذبحها بطريقة شرعية ، طاهر غير نجس.
   وفضلات الجرذ والفأر ... ؟
   ـ نجسة غير طاهرة ، ولو فكرت قليلاً فيما عددت لك من نقاط ، لاستطعت أن تجيب عن هذا التساؤل بنفسك ... نعم لاَجبت عنه بنفسك ، ذلك أن لها شرياناً يتدفق منه الدم عند الذبح.
   وعاد لعيني أبي ذلك البريق الرصين الّذي لمحته في أوّل حوارنا هذا فحدَّق بي ، ثم اردف قائلاً. ‏
   ـ لقد بدأت معك حواريتي هذه بقاعدة عامة ذات أثر كبير في حياتك ، وسأختتمها بقواعد عامة هي الاَخرى ذات أثر كبير في حياتك.
   القاعدة الاولى: كلّ شيء كان طاهراً فيما مضى ثم تشك ، هل تنجس بعد ذلك أو بقي على طهارته السابقة... فهو طاهر . ‏
   اِضرب لي مثلاً على ذلك. ‏
   ـ شرشف نومك مثلاً، كان طاهراً سابقاً ، وتشك الاَن، هل لاقتهُ نجاسة ما فنجسته أو بقي على طهارته السابقة ؟ تقول : شرشف نومي طاهر.
   القاعدة الثانية: كلّ شيء كان نجساً فيما مضى ثم تشكّ ، هل طهرته بعد ذلك أم بقي على نجاسته السابقة ؟ فهو نجس ، مثلاً ؟
   ـ يدك مثلاً كانت نجسة ، أنت متأكّد من ذلك قبل الاَن، وشككت بعد ذلك ، هل طهرتها من نجاستها السابقة، أم لم تطهرها منها ؟
   تقول : يدي نجسة.
   القاعدة الثالثة: كلُّ شيء لا تعلم حالته السابقة، أنجساً كان هو قبل الاَن أم طاهراً ؟ فهو الاَن طاهر ،‏‏‏ مثلاً ؟
   ـ سائل في كأس تجهل حالته السابقة لا تدري أنجساً كان فيما مضى أم طاهراً تقول : هذا السائل طاهر. ‏
   القاعدة الرابعة: كل شيء تشك ، هل اصابته نجاسة فتنجس بها أو اخطأته فلم تصبه ، عندئذ لا يجب عليك الفحص والتحري والتدقيق لتتأكد من طهارته ، بل تقول هو طاهر ، من دون حاجة اِلى فحص واستكشاف ، حتى ولو كان الفحص سهلاً يسيراً عليك ،‏ ‏‏‏ مثلاً ؟
   ـ ثوبك كان طاهراً أنت متأكّد من ذلك قبل الاَن، وشككت الاَن هل أصابه بول فتنجّس به أو بقي على طهارته السابقة ؟
   عندئذ ... لا يجب عليك فحص ثوبك ، والبحث عن أثر البول فيه ، حتّى لو كان ذلك البحث والفحص سهلاً يسيراً عليك، بل تقول : ثوبي طاهر. ‏
   قبل أن يحضر أبي جلسة حوارنا هذه ، كنت مستغرقاً في تأمّل عميق، محاولاً تطبيق المعلومات النظرية... تلك التي سلفت في «حواريّة النجاسة» على واقع حياتي اليوميّة المعاشة، مصححاً من خلال ذلك موروثاتي الخاطئة عن النجاسة، منتظراً بشغف وترقّب أن ألحظ في جلسة اليوم كيف ستستعيد الاشياء طهارتها الاولى ونقاءها الجميل بعد أن صافحتها يد النجاسة فلوّثتها.
   وما أن حضر أبي حتّى بدأته:
   قلت لي أمس اِن الاشياء الطاهرة تفقد طهارتها لو لاقت النجاسة. تُرى كيف ستستعيد تلك الاَشياء طهارتها المفقودة ؟
   ـ اكثر ما يعيد للاَشياء المتنجّسة طهارتها السابقة المسلوبة «الماء» أن تغتسل من أدرانها بالماء ، أو أن تغسل به، لذلك فسنبدأ بـ ...
   المطهّر الاَول: الماء.
   أضاف أبي.‏
   ـ الماء: مطلق ومضاف. ‏
   وما الماء المطلق ؟
   ـ الماء المطلق... ذلك الّذي نشربه نحن، وتشربه الحيوانات ويسقى به الزرع ...‏ ماء المحيطات والبحار والانهار والاَبار والجداول والامطار ، ماء الانابيب الّذي يصلنا عبر خزانات المياه المنتشرة في المدن والقرى والنواحي ، ويبقى الماء مطلقاً حتى لو اختلط مع قليل من الطين أو الرمل كمياه الشطوط والانهار.
   والماء المضاف... ؟
   ـ الماء المضاف تعرفه بسهولة من اضافة لفظ آخر اِلى الماء كلّما نطقت به ، فتقول : ماء الورد، ماء الرمان، ماء العنب، ماء الجزر ماء البطيخ، وماء مساحيق الغسيل، وهو كما تلاحظ من الاَمثلة ليس مما يعنينا أمره هنا ، فنحن نتحّدث عن الماء ذاك الذى نطهر به ونشربه ، نتحدث عن الماء لا عن ماء الرمان وماء العنب مثلاً.
   ثم ان الماء أو الماء المطلق على قسمين : معتصم وغير معتصم.
   ماء معتصم!! ماذا تعني ؟
   ـ الماء المعتصم هو الماء الذي لا يتنجّس بملاقاة النجاسة الاّ اِذا تأثّر بها لونه أو طعمه أو رائحته ، والماء غير المعتصم هو الماء الذي يتنجّس بمجرد ملاقاته للنجاسة وان لم تتأثر بها احدى صفاته الثلاث‏.
   وما هي المياه المعتصمة ؟
   ـ هي:
  ‏1 ـ الماء الكثير: وهو ما بلغ قدر الكُر أي ما كان مكعّبه 36 شبراً ، كماء الاِسالة (الصنبور) ذاك الّذي يصل اِلى بيوتنا من خزّانات المياه الكبيرة المنتشرة في المدن أو من محطّات ضخّ المياه، وماء خزاناتنا الموضوعة على سطوح منازلنا اِذا كانت بحجم الكر ، وماء خزاناتنا الصغيرة اِذا اتّصل بها ماء الاسالة (الصنبور) ما لم ينقطع. ‏
  ‏2 ـ ماء البئر. ‏
  ‏3 ـ الماء الجاري: كمياه الانهار والروافد والجداول والعيون.
  ‏4 ـ ماء المطر اثناء هطوله.
   هذه هي المياه المعتصمة.
   وما هي المياة غير المعتصمة ؟
   ـ هي مياه الاحواض الصّغيرة والاواني والقناني والكؤوس ونحوها من المياه الراكدة غير ماء البئر.
   التي يقل مقدارها عن الكر ويصطلح عليه بـ (الماء القليل) وقد عرفت انّها تتنجّس بمجرد ملاقاتها للنجاسة.
   والماء المضاف ؟
   ـ حكمه حكم الماء القليل يتنجّس بملاقاته للنّجاسة سواء أكانت كمّيته كبيرة أم قليلة كالشاي مثلاً ، وتلحق بالماء المضاف السوائل الاخرى كالحليب والنفط ومحاليل الادوية وغيرها وأنّها تتنجّس بمجرد ملاقاتها للنّجاسة. ‏
   ثمّ أردف أبي قائلاً :
   كل ماء قليل اتصل به الماء الكثير صار كثيراً فيكون معتصماً ما لم ينقطع عنه ، فخزّان الماء الصغير اذا جرى عليه اُنبوب الاِسالة صار كثيراً ، وماء القدر الموضوع في المغسلة اذا فتحت عليه اُنبوب الماء المتّصل بالكُر ، فاتصل ماء القدر بماء الانبوب صار ماء القدر كثيراً، كل ذلك، مادام الاتصال موجوداً وهكذا ... ‏ ‏‏‏ حسناً ... ماذا لو وقعت قطرات من الدم في خزان ماء راكد بحجم كر ... ؟
   ـ لا يتنجّس اِلاّ اذا كثرت القطرات فتغيّر لون ماء الكر فاصفرّ بتأثير لون الدم.
   ولو وقعت في اِناء صغير ؟
   ـ لنجَّست الاناء.
   ولو فتحنا عليه ماء الاسالة فعاد الماء اِلى صفائه ؟
   ـ لطهر ماء الاناء [ولكنه يعود فيتنجس مرّة اخرى اذا انقطع عنه ماء الاسالة لما سيمرّ عليك من ان الاناء اذا تنجس لم يطهر اِلاّ بغسله ثلاث مرات]. ‏ ‏‏‏ لو صببنا من ماء الابريق على شيء نجس ، فهل يتنجّس ماء الابريق ؟
   ـ كلا، لاَن النجاسة لا تتسلّق اِلى عمود الماء السا‏‏‏‏قط من الابريق، فلا عمود الماء يتنجّس ولا ماء الابريق.
   وكيف يطهّر ماء المطر الاشياء ؟
   ـ اذا تقاطر عليها ، سواء أكان المتنجّس أرضاً، ام ثياباً وأفرشة بعد ان ينفذ منها ، أم اِناء ، أم ما شاكل ذلك وشابهه بشرط أن يصدق عرفاً على النازل أنه مطر لا أن يكون مجموع ما نزل من السماء قطرات قليلة لا يصدق عليها المطر.
   وهل يكفي في طهارتها تقاطر المطر عليها مرة واحدة ؟
   ـ نعم يكفي الا في البدن والثوب المتنجّس بالبول فانه يلزم فيهما التعدد [وكذا في الاناء].
   وهل يطهّر المطر الماء المتنجّس ؟
   ـ نعم اذا امتزج معه. ‏
   وكيف نطهّر بالماء القليل أو الكثير الاَشياء المتنجّسة ؟
   ـ نطهّر كل شيء متنجّس ... كل شيء بغسله بالماء قليلاً كان أو كثيراً مرة واحدة ولكن يلزم في الغسل بالماء القليل أن ينفصل ماء التطهير عن الشيء المتنجّس. ‏
   وهل الاشياء المتنجّسة كلّها تطهر على هذا النحو ؟
   ـ نعم عدا ما يأتي:
  (1) ـ الاَواني المتنجّسة بالخمر كالقناني والكؤوس وغيرها نغسلها بالماء ثلاث مرّات.
  (2) ـ الاَواني اذا مات فيها الجرذ، أو ولغ فيها الخنزير فاِنّنا نغسلها سبع مرّات.
  (3) ـ الاشياء المتنجّسة ببول الصبي الرضيع الذي لم يتغذ بعد بالطعام وكذلك الصبيّة ، فانّنا نصبُّ الماء عليها بمقدار ما يحيط بها ، ولا حاجة اِلى أكثر من ذلك ، فلا حاجة اِلى العصر اِذا كان المتنجّس ثوباً أو نحوه . ‏
  (4) ـ الاواني اذا ولغ فيها الكلب أو لطعها بلسانه تمسح بالتراب أولاً ثم تغسل بالماء مرّتين وان وقع فيها لعاب فمه أو باشرها بسائر اعضائه [لزم مسحها بالتراب أولاً ثم غسلها بالماء ثلاث مرّات].
   وما ولوغ الكلب ؟
   ـ شربه ما في الاناء باطراف لسانه. ‏
  (5) ـ الملابس المتنجّسة بالبول ، نغسلها بالماء الجاري مرّةً واحدة أو نغسلها بماء الكر أو ماء الحنفيّات مرّتين أو تغسلها بالماء القليل مرّتين أيضاً ونعصرها ، أما الملابس المتنجّسة بغير البول.
   فنغسلها مرة واحدة بالماء القليل ونعصرها أو نغسلها بالماء الكثير من دون حاجةٍ اِلى العصر.
  (6) ـ البدن المتنجّس بالبول نغسله كما في الفقرة المتقدّمة واذا كان الغسل بالماء القليل لزم انفصال ماء التطهير عن البدن على النحو المتعارف.
  (7) ـ باطن الاِناء، اِذا تنجّس بغير الخمر، أو ولوغ الكلب أو لطعه أو وقوع لعابه أو مباشرته بسائر اعضائه أو موت الجرذ، أو ولوغ الخنزير، فانّنا نطهّره بغسله بالماء القليل ثلاث مرّات أو بالماء الكثير أو الجاري أو المطهر [ثلاث مرّات أيضا].
   وظاهر الاِناء... ؟
   ـ يطهر بغسله مرةً واحدة ، حتّى بالماء القليل.
   وكيف اُطهر كفّي المتنجّسة وعندي ماء قليل ؟
   ـ اِذا لم تكن متنجسة بالبول فصبّ عليها الماء مرة واحدة ، فاِن انفصل ماء التطهير عن كفّك فقد طهر كفك. ‏
   المطهر الثاني : الشمس.
   وماذا تطهّر الشمس ؟ .
   ـ تطهّر الارض وما يستقرّ عليها من الابنية والحيطان ، ويلحق بها في ذلك الحصر والبواري عدا ما تشتمل عليه من الخيوط [ولا تلحق بها الاَبواب، والاَخشاب ، والاَوتاد ، والاَشجار وأوراقها ، والنباتات ، والثّمار قبل قطافها وغير ذلك من الاشياء الثّابتة على الارض].
   كيف تطهّر الشمس الارض والبناء ؟
   ـ بشروقها عليها حتّى تجف بتأثير أشعّتها مع زوال عين النجاسة عنها ،‏ ‏‏‏ واذا كانت الارض النجسة جافة ، وأردنا تطهيرها بالشمس ؟
   ـ صببنا عليها الماء حتى اذا جففتها الشمس طهرت.
   واذا تنجّست الارض بالبول وأشرقت عليها الشمس فجفت ؟
   ـ طهرت الاَرض اذا لم يبق عليها جرم البول. ‏
   الحصى والتراب ، والطين ، والاَحجار المعدودة جزء من الاَرض اذا تنجّست بالبول فجفّفتها الشمس ؟
   ـ طهرت كذلك. ‏
   والمسمار النابت في الاَرض، أو في البناء.. ؟
   ـ [ليس حكمه حكم الاَرض، فلا يطهر بالشمس]. ‏
   المطهّر الثالث: زوال عين النجاسة عن بواطن الانسان غير المحضة وعن جسد الحيوان. ‏
   اِضرب لي مثلاً على ذلك.
   ـ زوال الدم عن باطن الفم، أو باطن الاَنف، أو باطن الاَُذن، زوال لعين النجاسة.
   فبمجرّد ان يزول الدّم يطهر الفم ، والاَنف ، والاَذن والعين وهكذا من دون حاجة اِلى تطهيرها بالماء.
   وجسد الحيوان... ؟
   ـ كذلك جسد الحيوان، فبمجرّد أن يزول الدم عن منقار الدجاجة يطهر منقارها، وبمجرّد أن يزول الدّم عن فم القطّة يطهر فمها، وهكذا.
   وهل تتنجّس الابرة ـ اِبرة الدواء ـ اِذا زرقت داخل جسم الانسان أو الحيوان، فلاقت الدم داخل الجسم ؟
   ـ كلا ، لا تتنجّس اذا خرجت الابرة من داخل الجسم وهي غير ملوّثة بالدم فملاقاة النجس داخل الجسم لا تحقّق النجاسة.
   المطهّر الرابع: الاَرض... كل ما يسمّى أرضاً مطهرة كالحجر ، والرمل والتراب وما فرش بالطابوق أو الاسمنت لا بالقير ونحوه ويشترط في الاَرض أن تكون [يابسة] وطاهرة.
   وكيف أعرف أنها طاهرة ؟
   ـ ما دمت لا تعرف أنّها قد تنجّست فهي طاهرة، ومن ثمَّ فهي مطهرة .
   وماذا تطهّر الارض ؟
   ـ تطهّر باطن القدم، والحذاء، بالمشي عليها أو المسح بها بشرط أن تزول عن القدم والحذاء بسبب المشي أو المسح النجاسةُ العالقة بهما هذا اذا كانت النجاسة قد حصلت من الاَرض النجسة سواء بالمشي عليها أم بغيره [وامّا اذا كانت قد حصلت من غيرها فلا تكون الاَرض مطهرة له حينئذ].
   المطهّر الخامس: التبعيّة. ‏
   اِضرب لي مثلاً على التبعيّة.
   ـ الكافر المحكوم بالنجاسة مثلاً اِذا أسلم طهر ، وطهر «تبعاً له» طفله الصغير الذي كان نجساً تبعاً لاَبيه. والجد الكافر، والجدة ، والاَم اذا اسلموا طهروا ، وطهر «تبعاً لهم» طفلهم الصغير الذى كان نجسا تبعا لنجاستهم ، كل ذلك فيما اذا كان الصغير مع من اسلم بأن يكون تحت كفالته ورعايته ولا يكون معه كافر اقرب منه اِليه.
   والخمر اذا انقلت خلاّ طهر، وطهر «تبعاً له» اِناؤه الموضوع فيه . ‏
   والميّت اذا غسّل الاَغسال الثلاثة طهر. وطهرت «تبعاً له» يد الغاسل، والسدة التي غسل عليها ، وثيابه التي غسل فيها.
   والثوب المتنجّس اذا غسلته بالماء القليل ـ مثلاً ـ طهر ، وطهرت «تبعاً له» اليد التي غسلته.
   المطهّر السادس: الاِسلام.
   وكيف يطهر الاسلام ؟ ومن يطهر ؟
   يطهّر الاسلام الكافر المحكوم بالنجاسة بعد أن يُسلم ، فيطهر هو ويطهر تبعاً له شعره ، وأظافره ، وغير ذلك من أجزاء جسده التي كانت نجسة لكفره. ‏
   المطهّر السابع: غيبة المسلم البالغ أو الصبي المميز.
   وما غيبة المسلم ؟
   ـ أن تفارقك صورته، فلم تعد تراه عينك. ‏
   واِذا غاب ؟
   ـ اِذا غاب طهر، وطهرت معه أشياؤه وادواته التي في حيازته كثيابه . وفراشه، وأوانيه وأمتعته، وغيرها اذا احتملتَ تطهيره لها . ‏
   اِضرب لي مثلاً على ذلك ... ‏
   ـ ثوب اخيك مثلاً كان نجساً وهو يعلم بذلك أو لا يعلم ولكنك أنت تعلم بذلك سواءٌ أكان ملتزماً بأحكامه الشرعيّة أو غير ملتزم بها ... ثم غاب عنك أخوك، وعاد ثانية واحتملتَ أنه طهر ثوبه عندئذ تقول : ثوب أخي طاهر .
   تقول ذلك دون حاجة اِلى سؤاله.
   المطهّر الثامن: الانتقال ، ‏مثلاً .‏
   ـ دم الانسان ـ مثلاً ـ ذاك الذي يتغذّى عليه البق والبرغوث والقمّل من الحشرات التي لا دم لها عرفاً ، اِذا شربه الحيوان فاستقرّ في جوفه، ثم قتلت الحيوان، فصبغ ذلك الدم جسدك أو ثبابك ، فهو دم طاهر . ‏
   المطهّر التاسع: الاستحالة. ‏
   وما الاستحالة ؟
   ـ الاستحالة: تبدل شيء اِلى شيء آخر مختلف عنه ، وتحوله اِليه لا مجرد تبدل اسمه أو صفته أو تفرق اجزائه. ‏
   اِضرب لي مثلاً على ذلك ؟
   ـ الخشب المتنجس ـ مثلاً ـ اِذا احترق وصار رماداً ، فالرماد طاهر .
   ومخلّفات الحيوان اذا استعملت وقوداً للنار ، فرمادها في التنور طاهر ، وهكذا ...
   المطهّر العاشر: خروج الدم بالمقدار الطبيعي من الحيوان المذكّى بطريقة شرعية عندئذٍ سنحكم بطهارة الدم الباقي داخله.
   المطهّر الحادي عشر: انقلاب الخمر خلاًّ، ذلك أن الخل أثناء تكوّنه يتخّمّر في مرحلة ما أحياناً فيتنجّس ثم ينقلب بعد ذلك اِلى خلّ فيطهر.
   المطهّر الثاني عشر: استبراء الحيوان الجلاّل:
   فاِن الحيوان المأكول اللحم اذا تعوّد أكل عذرة الانسان حرم أكل لحمه وشرب لبنه وأصبح بوله ومدفوعه وعرق جسمه نجساً.
   كيف يتمّ استبراء الحيوان الجلاّل ؟
   ـ يتمّ ذلك بمنعه عن أكل النجاسة لمدة لا يسمى بعد مضيِّها حيواناً جلالاً بل يصبح حيواناً عاديّاً.
   وعندئذ ؟
   ـ عندئذٍ بعد استبرائه نحكم بطهارة لحمه ولبنه وكل ما تقدّم . ‏

   سبقني على غير العادة أبي هذا اليوم اِلى جلسة الحوار هذه .
   وحين حضرت لم يلحظ أبي أول الاَمر حضوري ... كان صامتاً ، متأمّلاً مطرقاً برأسه اِلى الاَرض، مرخياً عينيه في قلبه ، تاركاً ـ كما يبدو ـ لمشاعره حريّة التسلّل خارج جدران الغرفة المفضضة ببياض الاَسئلة وبراءة قلب الطفل.
   وما أن لمحني حتّى عاد لعينيه حزمهما الجميل الهادئ ، فرنا اِليَّ قائلاً:
   سأبدأ حواري بمقدّمة تسلمني اِلى فحوى حديث اليوم ... اِلى حواريّة الجنابة.
   ثم أردف:
   ـ حدّثتك في «حواريّة النجاسة» عن النجاسات، تلك التي تسلب من أجسادنا وأجسام الاَشياء طهارتها الاَولى التي كانت عليها.
   ثم حدّثتك في «حواريّة الطهارة» عن المطهّرات، تلك التي تعيد مرّة اُخرى لاَجسادنا وأجسام الاَشياء طهارتها المغصوبة.
   ولو رجعت اِلى «النجاسات» لوجدت أنّها أشياء مادّية طارئة على الجسد، منه، أو من غيره.
   اِنّ هناك اُموراً معنوية غير محسوسة ، لو «حدثت» لسلبت من الانسان طهارته ، ولاحتاج بعدئذٍ اِلى ما يعيد له طهارته المسلوبة ونقاءه الجميل المفقود. ‏
   ذلك «الحدث» على نحوين ... أكبر وأصغر. ‏
   فالحدث الاَكبر: الجنابة والحيض والنّفاس والاستحاضة الكثيرة ومسّ الميّت والموت. ‏
   والحدث الاصغر: كالبول والغائط والريح والنوم والاستحاضة القليلة وغيرها.
‏   والحدث الاَكبر «يغسله الغسل» أو «يمسحه التيمّم».
‏   والحدث الاَصغر «يغسله الوضوء» أو «يمسحه التيمّم».
‏   وستتناول حوارياتنا القادمة هذه الاُمور أمراً أمراً مبتدئين اليوم بـ «الجنابة».
‏   قلت لاَبي:
   بماذا تتحقّق الجنابة ؟
   قال : ‏
   تتحقّق بأحد أمرين: ‏
   أولاً: خروج السائل المنوي، سواء أخرج بممارسة جنسيّة ، أم باحتلام ، أم بعادة سريّة ، أم بغير ذلك.
   وما هي صفات السائل المنوي ؟
   ـ سائل لزج كثيف ، رائحته كرائحة العجين المختمر، حليبي اللّون يميل لون أحياناً اِلى الصفرة أو الخضرة، يخرج في الغالب عند بلوغ الشهوة الجنسيّة ذروتها مصحوباً بالدفق وملحوقاً بارتخاء وفتور للجسد . ‏
   واِذا شككت بأن هذا السائل اللزج الخارج هل هو سائل منوي أو هو غيره من السوائل الاخرى ؟
   ـ سأعطيك علامات ثلاث : اذا اجتمعت ثلاثتهن فهو سائل منوي . ‏
   هذه العلامات هي : الشهوة، والدفق . وارتخاء الجسد أو فتوره . ‏ وفي المريض تكفي الشهوة. ‏
   ولو تحقّقت واحدة منهنّ أو اثنتان ... ؟
   ـ قل انّه ليس سائلاً منويّاً ، سوى المريض كما ذكرت قبل قليل . ‏
   وهل للمرأة سائل منوي كالرجل ؟
   ـ نعم السائل الخارج من مهبلها عندما تبلغ الشهوة الجنسية ذروتها بحكم السائل المنوي في الرجل سواء في حال النوم أو في حال اليقظة. ‏
   ثانياً : الاتصال الجنسي ولو لم يؤدّ اِلى نزول السائل المنوي ، ويكفي في تحقّق الاتصال الجنسي دخول رأس العضو التناسلي الذكري «الحشفة» في فرج الانثى أو شرجها . ‏
   واِذا خرج السائل المنوي أو تحقّق الاتصال الجنسي ؟
   ـ تحقّقت الجنابة، للفاعل والمفعول به من غير فرق بين الكبير والصغير، والعاقل والمجنون والحيّ والميّت. ‏
   واذا تحقّقت الجنابة ... ؟
   ـ وجب عليك الغسل لتصلّي ـ مثلاً ـ أو لتطوف في حجّك .
   فان الصلاة والطواف تتوقّف صحتهما على الغسل، وسأشرح لك في «حواريّة الغسل» التي ستأتي ، كيف تغتسل . ‏
   ثمّ اِنّه حرمت عليك ما دمت جُنباً أمور:
  (1) ـ مسّ كتابة القرآن الكريم. ‏
  (2) ـ مسّ لفظ الجلالة «الله» [وأسماء الله وصفاته الخاصة به كـ «الخالق»].
  (3) ـ قراءة آية السجدة من كل سورة من سور العزائم الاربع وهي «اقرأ، والنجم، والسجدة ، وفصّلت».
  (4) ـ دخول المساجد او المكث فيها ، أو أخذ شيء منها أو وضع شيء فيها [وان كان من خارجها أو في حال الاجتياز فيها].
   ويجوز للجنب اجتيازها كالدخول من باب والخروج من باب آخر اِلاّ المسجدين الشريفين «المسجد الحرام بمكّة» و «المسجد النبويّ بالمدينة» ، [وتلحق المراقد المقدّسة للمعصومين عليهم السلام بالمساجد].
‏    وهل يلحق الصحن والرواق اذا لم يكن مسجداً بالمسجد فيحرم دخولهما ؟
   ـ كلا لا يلحقان به. ‏
   قبل أن نودع حواريّة الجنابة أحبّ أن أسألك وأخجل.
   ـ سل ما شئت دون خجل فلا حياء في الدّين، أقولها دائماً ... دائماً.
  ‏ أحياناً بعد أن أُثار جنسيّاً اشاهد نقطة لزجة لسائلٍ أبيض شفّاف تخرج من القضيب.
   ـ نعم هذا السائل طاهر لا ينجس الملابس ولا الجسد، ولا يجب عليك الغسل ولا الوضوء اذا خرج ، وهناك سائل آخر يخرج بعد البول أحياناً، اِنّه كذلك طاهر ولا يجب عليك الغسل اذا خرج.
   والعادة السرّية ؟
   ـ العادة السرّية محرّمة يجب عليك اجتنابها وقد نزّلها الاِمام الصادق عليه السلام في بعض النصوص المرويّة عنه منزلة الزّنا!!

   جلس أبي على مقعده المعد له في غرفة الحوار هذا اليوم، وعلي شفتيه ابتسامة عريضة جعلتني اُخمن ان امراً غير مألوف يراوده ، جلس ليقول : ‏    ـ ساُحدثك اليوم عن الحيض. ‏
   لم أكن أعرف قبل اليوم ماذا يعني الحيض، وان كنت أذكر اني قد سمعت هذه اللفظة من قبل ... غير ان ما اثار فضولي لمعرفتها ... اني سمعتها تلفظ منهن على استحياء... تلفظ همساً رقيقاً عاجلاً كأن في الكلمة ما يُخجل ... وبمجرد ما تيقنت ان الحديث عن الحيض قد بدأ ، خجلت ورحت اداري خجلي فسألت نفسي : لماذا يهيئ الخجل نفسه ليحضر معي ... والحّ عليّ هذا التساؤل ... ثم تطاول فاستحكم ، ترى لماذا يهيئ الخجل نفسه ليحضر هنا.
   واستحوذت عليَّ الفكرة وأسرتني ... لماذا الخجل ولِمَ؟ اِذا كان الحيض امرأ مخجلاً حقاً فكيف سيحدثني عنه أبي هذا اليوم، ثم ... لماذا يحدثني عن أمر مخجل يحسن ان لا يتحدث به أحد.
   واستذكرت ... فموضوع حوارياتنا كلها يدور حول احكام شرعية ، فلا بد أن يكون الحيض موضوعاً يتناوله بالبحث الفقه الاسلامي، واذا كان الامر كذلك ؟ فما معنى ان نخجل من الحديث في امر يذكره القرآن الكريم، ويتناوله النبي الكريم محمّد صلّى اللهعليه وآله ويتحدث عن احكامه المعصومين عليهم السلام لاصحابهم ، ثم بعد ذلك ما معني ان نخجل من أمر يجب أن نحيط باحكامه لنطبقها أو لنجيب من يسأل عنها.
   وأفقت على صوت أبي يقول: ‏
   ـ سبب الحيض، خروج دم الحيض، وهو دم تعتاد عليه النساء وتعرفه، يخرج في فترات منتظمة كل شهر تقريباً ويوصف بانه «أحمر» أو مائل اِلى «السواد» و«حار» و«يخرج بحرقة ودفق».
   وهل هناك عمر معين للنساء اللاتي يأتيهن الحيض ... ؟
   ـ نعم ، ان تكون قد أكملت تسع سنوات قمرية من عمرها، وان لا تكون قد بلغت ستين عاماً قمرياً وهو سن اليأس.
   اِذن بين 9 ـ 60 سنة ؟
   ـ نعم ، فكل دم تراه الفتاة قبل بلوغها تسع سنوات ولو بلحظة ليس بدم حيض وكل دم تراه المرأة بعد بلوغها ستين سنة لا تكون له احكامه. ‏
   وكم يوماً يستمر نزول دم الحيض ؟
   ـ أقل ما يكون الحيض ثلاثة أيام تتوسطهما ليلتان ، واكثره عشرة أيام.
   واذا استمر اقل من ثلاثة أيام وانقطع ؟
   ـ ليس هذا الدم دم حيض.
   واذا زاد على عشرة أيام ؟
   ـ الحيض لا يزيد على عشرة أيام. ‏
   واذا انهت المرأة أيام الحيض وطهرت ، ثم عاد فنزل الدم ثانية بعد تسعة أيام مثلاً ؟
   ـ ليس هذا الدم النازل دم حيض لاَن الفترة الفاصلة بين حيضة وحيضة يجب أن لا تقل عن عشرة أيام دائماً. ‏
   متى تعدّ المرأة نفسها حائضاً ؟
   ـ اذا جاءها الدم في وقت عادتها الوقتية أو قبل وقت عادتها بزمن قليل كيوم أو يومين.
   وكيف تكون المرأة ذات عادة وقتية ؟
   ـ اذا نزل منها دم الحيض مرتين في زمان خاص من شهرين فصاعداً. ‏
   واذا لم تكن المرأة ذات عادة وقتية كالفتاة التي يأتيها الدم لاَول مرة أو المضطربة تلك التي لم تستقر لها عادة فمتى تعد نفسها حائضاً ؟
   ـ تعد نفسها حائضاً اذا تحقق أحد أمرين: ‏
  1 ـ اذا كان الدم حاوياً علي صفات دم الحيض وهي الحمرة أو السواد والحرارة والخروج بحرقة ودفق. ‏
  2 ـ اذا رأت الدم وأطمأنت باستمرار نزوله اِلي ثلاثة أيام فما زاد.
‏   اذا عدت نفسها حائضاً لاحد الامور المتقدّمة وتركت الصلاة ولكن الدم انقطع قبل اكمال ثلاثة أيام فعلمت أنه لم يكن بدم حيض فماذا تصنع ؟
   ـ تقضي ما فاتها من الصلاة في تلك الفترة. ‏
   اذا استمر الدم النازل عشرة أيام أو أقل متجاوزاً أيام عادتها ؟
   ـ تعتبر حائضاً طوال فترة نزول الدم وان فقد بعضه صفات دم الحيض. ‏
   واِذا استمر الدم أزيد من عشرة أيام وكانت ذات عادة محددة وقتاً وعدداً ؟
   ـ تعتبر حائضاً في خصوص أيام عادتها لا ما تقدم عليها ولا ما تأخر عنها.
   ذات العادة اذا لم تر الدم في وقت عادتها ونزل منها الدم بعد الوقت واستمر لازيد من عشرة أيام وكان بعضه يحمل صفات الحيض وبعضه لا يحمل صفاته فأي منهما حيض ؟
   ـ الاول منهما، ولكن تراعي في العدد عدد العادة السابقة، فاذا كان ما يحمل صفة الحيض اقل من عدد العادة اكملت العدد باِضافة بعض ما ليس بصفة الحيض، واذا كان ما بصفة الحيض اكثر من عدد العادة تجعل خصوص مقدار عادتها حيضاً.
   اذا استمر الدم أزيد من عشرة ايام ولم تكن ذات عادة أصلاً كالمبتدئة والمضطربة والمتحيرة فكيف تميز دم الحيض عن سواه ؟
   ـ باختلاف الصفة فاذا كان مقدار من الدم النازل تحمل صفات دم الحيض وكان ما بين ثلاثة أيام اِلي عشرة أيام تجعله حيضاً وما سواه دم استحاضة ذاك الذي أحدّثك عن أحكامه في حوارية قادمة. ‏
   واذا شكت المرأة في انقطاع دم الحيض؟ اي: شكت بانها طهرت أو لا زالت حائضاً ؟
   ـ وجب عليها الفحص. ‏
   وكيف تفحص ؟
   ـ ان تدخل قطنة في موضع الدم وتتركها برهة ثم تخرجها فان كانت بيضاء نقية فهي طاهرة وعليها أن تغتسل وتأتي بعبادتها كالصلاة والصوم مثلاً ... وان كانت مغموسة بالدم أو مخضبة فهي لا زالت حائضاً.
   واِذا علمت المرأة انها حائض؟ فماذا تفعل ؟ وماذا تترك ؟
   ـ أحكام المرأة حال الحيض ما يأتي: ‏
  1 ـ لا تصح منها الصلاة ... لا الصلاة الواجبة ولا المستحبة. ‏
  2 ـ لا تقضي ما يفوتها من صلوات اثناء الحيض. ‏
  3 ـ لا يصح منها الصوم. ‏
  4 ـ تقضي ما يفوتها من صوم في رمضان اثناء فترة الحيض، [وكذلك الصوم المنذور في وقت معين].
  5 ـ لا يصح منها الطواف في الحج ... واجباً كان أو مستحباً . ‏
  6 ـ لا يصح طلاقها وهي حائض اِلاّ في موارد مستثناة . ‏
  7 ـ يحرم الاتصال الجنسي في القبل بها أيام الدم، ويجوز بعد انقطاعه وقبل الغسل [بعد غسل الفرج]. ‏
  8 ـ يحرم عليها كل ما حرم على المجنب «راجع حوارية الجنابة». ‏
  9 ـ يجب عليها أن تغتسل للصلاة اذا انتهت فترة الحيض «وسأشرح لك كيف تغتسل في حوارية الغسل الاَتية».
   قال أبي: سأحدّثك اليوم عن النّفاس.
   وما النفاس ؟
   ـ دم تراه المرأة عند الولادة أو بعدها بسبب الولادة ونسمّي المرأة عندئذٍ بالنُفَساء.
   وكم يستمرّ النفاس ؟
   ـ اكثر النفاس عشرة أيام. ‏
   وأقلّه ... ؟
   ـ لا حدَّ لاَقلِّه ، فقد يكون دقيقة وقد يكون أقل من ذلك. ‏
   وهل يختلف النفاس بين امرأة وأخرى ؟
   ـ النفساء ثلاثة أقسام لكل منها حكم خاص بها. ‏
   الاول: من لا يتجاوز نزف الدم عندها عشرة أيّام. ‏
   وما حكمها ؟
   ـ تعتبر فترة نزول الدم كلها نفاساً. ‏
   الثاني: من يتجاوز نزف دمها عشرة أيّام، ولها عادة عدديّة في الحيض محدّدة كأن تكون عادتها في الحيض خمسة ايام من كل شهر. ‏
   وما حكمها ؟
   ـ ان تعتبر مدّة عادتها نفاساً، خمسة أيام في مثالنا السابق.
  ‏‏ والاَيّام الباقية ؟
   ـ تعتبرها استحاضة. ‏
   الثالث: من يتجاوز نزف دمها عشرة أيّام، وليس لها عادة عدديّة في الحيض محدّدة.
   ما حكمها ؟
   ـ حكمها أن تعتبر مدّة نفاسها عشرة أيّام.
   اذا كانت النفساء ذات عادة في الحيض محدّدة ، وتجاوز نزف دمها عدد أيّام عادتها ، وهي لا تدري هل سينقطع نزف الدم قبل عشرة أيّام، أو سيستمر اِلى ما بعد العشرة ؟
   ـ يمكنها أن تترك العبادة اِلي تمام عشرة أيّام، فان انقطع نزف الدم اعتبرت المدّة كلها نفاساً ، واِن تجاوز الدم اليوم العاشر تغتسل وتعمل عمل المستحاضة.
   وتلك المدة الفاصلة بين نهاية عادتها وتمام العشرة، تلك التي تركت فيها العبادة ؟
   ـ تعتبرها استحاضة، وتقضي ما فاتها فيها من عبادة. ‏
   اذا انقطع نزف الدم في اليوم الاول ثم عاد لينقطع مرّة أخرى في اليوم العاشر مثلاً أو في أيِّ يوم كان قبله ... ؟
   ـ كان النزف الاَوّل والنزف الثاني كلاهما نفاساً.
   وفترة النقاء الفاصلة بينهما ؟
   ـ [حكمها أن تجمع فيها بين أعمال الطاهرة من النّفاس وما تتركه النفساء]. ‏
   اذا انقطع نزف الدم ثم عاد ، ثم انقطع، ثم عاد، وهكذا، ولكنه لم يتجاوز بمجموعه عشرة أيّام ؟
   ـ كانت أيّام الدم كلها نفاساً وامّا أيّام النقاء [فتجمع فيها بين اعمال الطاهرة وتروك النفساء].
   ‏اذا أتمّت النفساء نفاسها، ثمّ رأت الدّم بعد ذلك ؟
   ـ كل دم تراه النفساء بعد اِتمام نفاسها واِلى عشرة أيّام لاحقة فهو استحاضة، سواءٌ أكان الدّم بصفات دم الحيض أم لم يكن ، وسواء أكان في أيّام عادتها أم لم يكن. ‏
   وماذا يترتّب على النفساء من أحكام. ‏
   ـ يترتّب عليها كل ما ترتّب على الحائض من أحكام سواءٌ أكانت واجبات أم مستحبات أم مكروهات أم محرمات [حتّى حرمة قراءة آية السجدة من سور العزائم، ودخول مسجدي مكّة والمدينة ولو علي نحو الاجتياز، ودخول المساجد الاَخرى بغير اجتياز، ووضع شيء في المساجد] راجع حواريّة الحيض. ‏