تأليف
الحاج الشيخ المولى علي الغروي العلي ياري (قدس سره)



بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


  الحمد لله الّذي جلّ شأنه عن وسمة الأعراض ، والعوارض ، وعظم سلطانه عن المكافح والمعارض ، وارسى بقدرته الجبال والأبائض.
  والصّلاة والسّلام على محمّد رسوله ، كاشف السّنن والفرائض.
  وآله الّذينهم ورثة علومه في حلّ المشاكل والغوامض ، لا سيّما قسمة السّهام والفرائض ، ما لاح في آفاق السّماء عارض ، وباح للخلائق عيش خافض.
  أمّا بعد :
  فيقول : الغريق في بحار العصيان الطّارى ، المحتاج إلى رحمة ربّه البارى ، وعفوه الجارى ، وفيضه السّارى ، العبد الأوّاه ، المستأنس بالله ، الأسير بذنوبه وخطاياه ، البالغ من الضّعف منتهاه ، علىّ بن عبد الله بن محمّد بن محمّد جعفر بن محبّ الله العلى يارى القراجه‌داغي الدّزمارى : إنّ في زماننا هذا وهو اليوم الأوّل شهر حنين ( جمادى الاولى ) سنة 1318 قد نصب عن

إيضاح الغوامض في تقسيم الفرائض 2
  مشرب الشّرع مائه ، وذهب روائه ، وتزعزعت بنيانه ، وتضعضعت أركانه ، فصار مطموس المعالم ، ومنكوس الدّعائم ، وعفت رسومه وآثاره ، وخلت عن أهله دياره ، فاشرف على الدّروس درسه ، واشفى ولم يبق من حزبه إلّا قوم في بلد ح عجفى.
  كما قال أبو الطّيّب أحمد بن حسين المتنبّي (1) : شعر
رمـانى الدّهر بالأزراء iiحتّى      ii
فـؤادى فـي غشاء من iiنبال

وصـرت  إذا أصابتنى سهام      ii
تكسّرت النّصال على النّصال
  فعلى هذا ، إنّي فيما يصدر منّى ذو عذر عند ذوى البصائر ، لأنّى ضعيف عديم الخلّان والعشائر ، فلا يفارقنى تجرّع كؤس الشّدائد ، ولا تعطيل الهموم والأحزان عن تحصيل المقاصد :
جور الزّمان مديم قبض iiناصيتى      ii
والـقلب لـلحزن بيت لا iiيفارقه

إن رمت جلب سرور فيه قال لقد      ii
حـاز الـمكان ونال الملك سابقه
  فاتّخذنى الدّهر غرضا يرمينى بسهام الهموم والأحزان ، وليتنى مع

(1) أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصّمد الجعفى الكندى الكوفى ، المعروف بالمتنبّى ، كان من الشّعراء المشاهير والأدباء النّحارير ، وكان من النّوابغ والحذّاق ، بحيث : يحفظ ما على ثلاثين ورقة بنظرة واحدة ، وله ديوان شعر مشهور كبير شرحوه أكثر من أربعين شرحا ، ولم يفعل هذا بديوان غيره ولد بالكوفة سنة : 303 من الهجرة.
وإنّما سمّى بالمتنبّى ؟! لأنّه كان قد خرج إلى بنى كلب ، وادّعى إنّه علوىّ حسنىّ ، ثمّ ادّعى النّبوّة ، وذلك ببادية السماوة ، فتبعه خلق كثير من بنى كلب وغيرهم ، وقتل هو وولده وغلامه في معركة هو سببها بالقرب من نعمانية بغداد في يوم الأربعاء لست يقين من شهر رمضان سنة 354 ، وقيل : تنبأ على مصلحة رآها فيه في دولة الباطل لكثرة ما قد شاهد من ظلم بنى العبّاس وسيلة إلى التمكن من الإنكار عليهم والتّوهين لأمرهم والتّحفّظ عن شرّهم ـ المسترحمى.

إيضاح الغوامض في تقسيم الفرائض 3
  هذا كنت سالما من إيذاء النّاس بالكذب والبهتان ، بل بما يمضى وقت إلّا وأنا في إيذاء منهم بألسنة حداد ، ومن هذا حاله فهو في جميع أوقاته في غاية التّعب من الأوغاد.
وقد صار الأقارب كالعقارب      ii
فـلا تـفخر بـعمّ أو iiبخال
وكـم عـمّ يصيب الغمّ iiمنه      ii
وكم خال عن الإحسان iiخال
فـحكم الشّرع فيه غير iiجار      ii
بـعلم بـل بـظلم أو iiبمال
  فمع هذا كلّه أمرنى من أمره حتم ، وطاعته غنم أن أكتب رسالة في الفرائض ، كاشفة عن جميع الشّقوق والغوامض.
أدام الله فـي الـدّنيا iiعلاه      ii
وامداد  الأنام بفيض iiعلمه
ولا  زالـت أعاديه iiبحال      ii
كربع لا يشاهد غير رسمه
  وأصر إليّ بالإبرام والإلحاح ، وألحّ علىّ شوافع الاقتراح ، وكنت اعتذر علما منّى بأنّ إسعاف مرامه دونه خرط القتاد ، إذ قضاء وطره كما هو المراد من أمثالى لبالمرصاد ، فلمّا لم يرتدع ممّا أمر ولم يكن لى منه مفرّ ، فوجّهت ركابى شطر مطالبه ، وتوجّهت تلقاء مدين مآربه ، مستعينا من ربّ العالمين ، وهو حسبى ونعم المعين.
  فأقول : الأصل في الميراث بعد الضّرورة الدّينيّة ( عقلا ) والإجماع : الكتاب والسّنة.
  أمّا الأوّل : فقال الله سبحانه : ( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) (1) إلى آخر ، الآيتين.

(1) سورة النّساء ، الآية 11.

إيضاح الغوامض في تقسيم الفرائض 4
  وأمّا الثّانى : ففى النّبوىّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تعلّموا الفرائض ، وعلّموها النّاس ، فإنّي إمرأ مقبوض ، وإنّ العلم سيقبض ، وتظهر الفتن حتّى يختلف الرجلان في فريضة ، لا يجدان من يفصّل بينهما. (1)
  وذلك لابتناء مسائل الفرائض على اصول غير عقليّة وعدم اشتمال القرآن على جميعها ، ولأهل البيت فيها اصول باينوا بها سائر الفرق ، وهم أدرى بما في البيت.
  وعن ابن مسعود : علّموه ، بدل علموها ، ويقضى بدل يفصّل ، والأمر هيّن.
  وإلى هذا أشار الشّيخ حرّ العاملىّ بقوله :
عـلم الـمواريث الّتي قد iiشاعا      ii
شـريف  قـدر عـلمها iiوذاعا
وقـال  فـيها مصطفى ما iiقالا      ii
كـم  عـنه فـيها نـقلوا iiمقالا
كـقـوله عـنـها iiتـعـلّموها      ii
وبـعـده  لـلـنّاس iiعـلّموها
فـإنّـها أوّل مــا iiيـنـتزع      ii
مـن  عـلم امّـتى ولا iiيرتجع
وإنّـه  سـيقبض الـعلم iiفـلا      ii
تـرون مـن يحسنها بين iiالملأ
حتّى يموت الميّت عن إرث فلا      ii
يـوجد  مـن يـقسمه iiمحصّلا
  وقوله :
تـعلّموها إنّـها من دينكم      ii
كـذا  روى أهـل iiالنّهى
وغيره  من الأحاديث iiأتى      ii
وبين أهل الفضل حقّا ثبتا
  وفيه أيضا : تعلّموا الفرائض ، فإنّها من دينكم ، وإنّها نصف العلم ، و

(1) عوالى اللّئالى ( ص : 491 ، ج : 3 ).

إيضاح الغوامض في تقسيم الفرائض 5
  إنّه ينسى ، وإنّه أوّل ما ينتزع من امّتى.
  وفيه أيضا : تعلّموا العلم ، وعلّموه النّاس ، تعلّموا الفرائض وعلّموها النّاس.
  ففى الحديث الثّانى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : منكم ، أى : من بعض دينكم.
  وفي الحديث الثّالث ذكر : تعلّموا الفرائض بعد تعلّموا العلم من باب التّخصيص بعد التّعميم ، مثل ( فيهما فاكهة ونخل ورمّان ) (1) المزيد الاهتمام بها.
  وفي الحديث الأوّل جعل العلم بها نصف العلم إمّا لاختصاصها بإحدى حالتى الإنسان ، وهى الممات ، دون سائر العلوم الدّينيّة ، فإنّها مختصّة بالحياة ، وإمّا لاختصاصها بإحدى سببى الملك ، أعنى : الضّرورى دون الاختياريّ ، كالشّراء ، وقبول الهبة ، والوصيّة ، وغيرها.
  وإمّا باعتبار الأجر والثّواب ، فإنّ من يدرك مسألة واحدة من الفرائض حصل له مأئة ثواب ، ومن يدرك مسألة واحدة من غيرها من الفقه حصل له عشر ثواب.
  وإمّا لأنّها أحد قسمى العلم ممّا يكون المقصود بالذّات فيه التّعليم والتّعلّم ، والعمل تابع.
  وإمّا لأنّها توجب وضع الإمامة في موضعها الموجب لتماميّة العلم.
  وإمّا للتّرغيب في تعلّمها لكونها امورا مهمّة.
  وإمّا لابتلاء النّاس كلّهم به.
  وإمّا لأنّ العلم يستفاد بالنّصّ تارة ، وبالاصول اخرى ، وعلم الفرائض مستفاد بالنّصّ في كشف الظّنون سمّاها نصفا لأربعة عشر وجها.

(1) سورة الرّحمن ، الآية 68.

إيضاح الغوامض في تقسيم الفرائض 6
  الأوّل : باعتبار البلوى ، رواه البيهقى.
  الثّانى : لأنّ الخلق بين طورى الحياة والممات ، قاله في النّهاية.
  الثّالث : إنّ سبب الملك اختياريّ وضرورىّ ، فالاختياريّ : كالشّراء ، وقبول الهبة ، والوصيّة ، والضّرورىّ : كالإرث.
  الرّابع : تعظيما لها ، كذا في الابتهاج.
  الخامس : لكثرة شعبها وما يضاف إليها من الحساب ، قاله صاحب إغاثة اللهاج.
  السّادس : لزيادة المشقّة ، قاله نزيل حلب.
  السّابع : باعتبار العلمين ، لأنّ العلم نوعان : علم يحصل به معرفة أسباب الإرث ، وعلم يعرف به جميع ما يجب ، قاله صاحب الضّوء وغيره.
  الثّامن : باعتبار الثّواب ، لأنّه يستحقّ الشّخص بتعليم مسألة واحدة من الفرائض مأئة حسنة ، وبتعليم مسألة واحدة من الفقه عشر حسنات ، ولو قدرت جميع الفرائض عشر مسائل ، وجميع الفقه مأئة مسألة ، يكون حسنات كلّ واحد منها ألف حسنة ، وحينئذ تكون الفرائض باعتبار الثّواب مساوية لسائر العلوم.
  التّاسع : باعتبار التّقدير ، يعنى : إنّك لو بسطت علم الفرائض كلّ البسط لبلغ حجم فروعه مثل حجم فروع سائر الكتب كما في شرح السّراجيّه.
  العاشر : سمّاها نصف العلم ترغيبا لهم في تعلّم هذا العلم لما علم أنّه أوّل علم ينسى وينتزع من بين النّاس ، وهذه التّوجيهات لا يخلوا أكثرها من التّعسّف ، والاولى : كون ذلك مبالغة في كثرة شعبها وتشتّتها ، وشدّة الحاجة إليها ، فاستحقّت بذلك كونها نصف العلم الّذي قد ورد الحثّ عليه

إيضاح الغوامض في تقسيم الفرائض 7
  خصوصا مع شدّة تسامح النّاس ، سيّما الأعراب ، ومن شابههم في المواريث من الجاهليّة إلى يومنا هذا ، فإنّهم لا يورثون النّساء والصّبيان حتّى أنّه لمّا مات اوس الأنصاري عن زوجة وولد بنات عمد أبناء عمّه ، وأخذوا المال ، وشكت زوجته إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدعاهم ، فقالوا : يا رسول الله ، إنّ ولدها لا يركب ولا يتكأ عدوّا ، فأنزل الله : ( للرّجال نصيب ) (1) الآية ، ثمّ أنزل ( يوصيكم الله في أولادكم ) (2) الآية ، ولقد نسخ بذلك وبآية ( اولى الأرحام ) (3) وغيرها ما كان في الجاهليّة من توارث بالحلف والنّصرة في الدّين اقرّوا عليه في صدر الإسلام ، وعلى التّوارث بالهجرة.
  فقال سبحانه وتعالى : ( وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ) (4).
  وقال : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ) (5).
  ومصداق ما ذكره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّه أوّل ما ينتزع ما شاع من قصّة غصب فدك وخيبر ، ووضع حديث لا نورّث إلخ.
  وفي بعض النّسخ إنّه بتذكير الضّمير بدل إنّها ، فحينئذ يمكن إرجاع الضّمير إلى العلم ، وكونه أوّل ما ينتزع ، لكونه الخلافة الّتي يوجب انتزاعها انتزاع العلم والتّعليم.
  ثمّ اعلم ؛ أنّ لتركة الميّت تتعلّق امور أربعة ، فيبتدء أوّلا بتكفينه ، وتجهيزه من أصل ماله بلا تبذير ، ولا تقتير ، وذلك إمّا باعتبار العدد ، فتكفين

(1) سورة النّساء ، الآية 7.
(2) سورة النّساء ، الآية 11.
(3) سورة الأنفال ، الآية 75.
(4) سورة النّساء ، الآية 33.
(5) سورة الأنفال ، الآية 72.

إيضاح الغوامض في تقسيم الفرائض 8
  الرّجل بأكثر من ثلاثة أثواب : إزار ، وقميص ، ولفافة ، بغير رضاء الورثة تبذير ، وكذا بأكثر من خمسة قطع للمرأة ، وبأقلّ ممّا ذكر فيهما تقتير.
  وإمّا باعتبار القيمة اللّائقة بحالهما ، وتكفين المرأة على زوجها مطلقا ، فلو كفّنا بما قيمته أقلّ أو أكثر منها كان تقتيرا ، أو تبذيرا.
  ثمّ تقضى ديونه المثبتة من جميع ما بقى من ماله ، لما روى عن على عليه‌السلام إنّه قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدء بالدّين قبل الوصيّة.
  ثمّ تنفذ وصاياه من ثلث ما بقى بعد الدّين (1)
  ثمّ يقسم الباقى بين الورثة ، قال الله عزوجل : ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) (2).
  وسمّيته : ( بإيضاح الغوامض في تقسيم الفرائض )
  ثمّ إنّي رتّبتها على مقدّمة ، وثلاثة أبواب ، وخاتمة.

(1) بحار الأنوار ( ص : 206 ، ج : 103 ) ، جامع أحاديث الشّيعة ( ص : 231 ، ج : 19 ).
(2) سورة النّساء ، الآية 12.

إيضاح الغوامض في تقسيم الفرائض 9
  أمّا المقدّمة :
  ففيها مطالب :

المطلب الأوّل : في بيان موجبات الإرث ، وموانعه

  أمّا الأوّل :
  فالإرث : وهو ما يستحقّ به الإنسان بموت آخر بالأصالة ، وموجبه : نسب وسبب.
  قال الشّيخ محمّد على الأعسم في منظومته :
الإرث في الشّرع بأمرين وجب      ii
بـالنّسب  الثّابت شرعا iiوسبب
  فالنّسب : هو الاتّصال بالولادة بانتهاء أحدهما إلى الآخر ، كالأب والابن انتهاء اتّصال الأب إلى الابن من جهة النّزول ، وانتهاء اتّصال الابن بالأب من جهة الصّعود ، أو بانتهائهما إلى ثالث مع صدق اسم النّسب عرفا على الوجه الشّرعى ، كالأخوين ، ومراتبه ثلاث لا يرث أحد من المرتبة التّالية مع وجود أحد من المرتبة السّابقة خال من الموانع.
  الاولى : الآباء دون آبائهم ، والأولاد وإن نزلوا ، خلافا للصّدوق (ره)

إيضاح الغوامض في تقسيم الفرائض 10
  حيث اشترط في استحقاق أولاد الأولاد عدم وجود الآباء ، وهو شاذ لا يلتفت إليه ، فالاعتبار فيهم بالمساواة في التّعزّى إلى الميّت ، فالواحد من بطن أعلا ، وإن كان انثى يمنع جميع من في بطن أسفل منه.
  وهكذا الحكم في أولاد الاخوة ، والعمومة والخئولة ، أعنى : الاعتبار فيهم بالمساواة في التّعزّى إلى آبائهم الّذين يقومون مقامهم.
  الثّانية : الأجداد فصاعدا ، فالمراد بهم ما يشمل الجدّات والإخوة والأخوات ، وأولادهم فنازلا ، ذكورا واناثا ، ولا يخفى سبب إفراد الأولاد ، إذ لا يصدق الإطلاق عليهم ، فلا يدخلون ، ولو قيل : وإن نزلوا ، ونحوه بخلاف الأجداد والأولاد.
  الثّالثة : الأعمام والأخوال للأبوين ، أو أحدهما فصاعدا ، كأعمام الأب والامّ ، وأعمام الأجداد وأولادهم فنازلا ، ذكورا واناثا ، فيترتّبون على درجات.
  الاولى : عمومة الميّت وعمّاته وخئولته وخالاته ، ويقوم مقامهم أولادهم مع عدمهم ، إلّا في المسألة الإجماعيّة ، وهى مسألة العمّ من الأب ، وابن العمّ من الأبوين ، فإنّ الثّانى يمنع الأوّل ، كما ستعرفها إن شاء الله تعالى.
  الثّانية : عمومة أبويه وخالتهما وأولادهم بعدهم.
  الثّالثة : عمومة أجداده وجدّاته ، والواحد من كلّ درجة ، وإن كان انثى يمنع من ورائه من الدّرجات ، والمتقرّب من الأبوين يمنع من له تلك القرابة من الأب وحده مطلقا ، أى : من الفرض والرّدّ ، أو من الامّ خاصّة يمنع من الرّدّ ، والمتقرّب من الجهتين المختلفتين لا يحجب من له إحداهما ، نعم يأخذ بهما كعمّ ، هو خال وزوج هو ابن عمّ.

إيضاح الغوامض في تقسيم الفرائض 11
  وبالجملة : يمنع الأبعد هنا مطلقا ضرورة ، إنّ في كلّ من المرتبتين الاوليين صنفين لا يحجب الأقرب الأبعد من الآخر ، وأن يحجب الأقرب من كلّ صنف الأبعد منه ، وإنّ المرتبة الأخيرة صنف واحد ، لأنّهم إخوة الأب والامّ ، والأقرب أولى من الأبعد ، إن كان انثى ، كما في سائر المراتب في الأصناف.
  ويستفاد ذلك كلّه من الكتاب والسّنة والإجماع الّذي قد يكون منقولا متواترا ، كالنّصوص بعد انضمام العموم إلى الخصوص ، ولو بمعونة الوسائط.
  قال الله سبحانه وتعالى : ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) (1).
  وقال الباقر عليه‌السلام في صحيح بريد (2) الكناسى : ابنك أولى بك من ابن ابنك ، وابن ابنك أولى بك من أخيك ، وأخوك لأبيك وامّك ، أولى بك من أخيك لأبيك ، وأخوك لأبيك أولى بك من أخيك لأمّك ، وابن أخيك لأبيك (3) وامّك أولى بك من ابن أخيك لأبيك ، وابن أخيك من أبيك أولى بك من عمّك ، وعمّك أخو أبيك من : أبيه وامّه أولى بك من عمّك أخي أبيك من أبيه ، وعمّك أخو أبيك من : أبيه (4) أولى بك من عمّك (5) أخي أبيك لأمّه ، وابن عمّك أخي أبيك من : أبيه ، وامّه أولى بك من ابن عمّك أخي أبيك لأبيه ، وابن عمّك أخي أبيك من : أبيه أولى بك من ابن عمّك أخي أبيك لأمّه. (6)
  وما فيه من اولويّة المتقرّب بالأب وحده على المتقرّب بالامّ وحدها من

(1) سورة الأنفال ، الآية 76 ، وسورة الأحزاب ، الآية 7.
(2) في المصدر : يزيد.
(3) في التّهذيب : من أبيك.
(4) في التّهذيب : لأبيه.
(5) في التّهذيب : ابن عمّك.
(6) الكافى ( ص : 76 ، ج : 7 ) ، الوسائل ( ص : 64 ، ج : 26 ) ، التّهذيب ( ص : 268 ، ج : 9 ).

إيضاح الغوامض في تقسيم الفرائض 12
  الإخوة والأعمام وأولادهم غير ضائر بعد الجزم بكون المراد به الزّيادة في الميراث ، وفي غيره الحجب كما أنّه غير ضائر في عموم القاعدة استثناء حجب ابن عمّ لأب ، وأمّ لعمّ من أب وحده لمكان النّصّ والإجماع عليه كما ستعرفه.
  وتعرف ضعف ما شذّ به يونس بن عبد الرّحمن من توريث الجدّ والد الأب المال كلّه إذا اجتمع معه ابن ابن.
  والفضل بن شاذان من توريث ابن أخ الأبوين مع الأخ لأمّ ، وما ستسمعه من أبى على والصّدوق.
  وقال الشّيخ محمّد على الأعسم النّجفىّ في منظومته :
وأوّل  الـقسمين ذو iiمراتب      ii
رتّـبها  الـشّارع iiللأقارب
قـدّم  فـيها الأبوين iiوالولد      ii
وبعدهم من كان من أخ وجدّ
والولد والإخوة إن هم iiفقدوا      ii
يـقوم  في مقامهم من ولدوا
بـعدهم  الأعـمام iiوالعمّات      ii
وهـكذا  الأخوال iiوالخالات
  وأمّا السّبب : فهو الاتّصال بالزّوجيّة ، أو الولاء ، وجملته أربعة :
  الزّوجيّة من الجانبين مع دوام العقد والدّخول ، إن عقد عليها في المرض ، أو تأجيله مع اشتراط الإرث على قول قوىّ ، وإن كان في المسألة أقوال.
  أحدها : أن لا توارث بينهما إلّا مع شرط.
  وثانيها : التّواريث مطلقا.
  وثالثها : عدم مطلقا.
  ورابعها : مع عدم شرط عدمه ، وولاء الإعتاق ، وولاء ضمان الجريرة ، وولاء الإمام.
  والزّوجيّة من هذه الأسباب تجامع جميع الورّاث ، وغيرها لا يجامع

إيضاح الغوامض في تقسيم الفرائض 13
  النّسب ، وإن بعد ، مع أنّه ثلاث مراتب كالنّسب لا يرث واحد من المرتبة التّالية مع وجود واحد من المرتبة الاولى خال من الموانع ، وأقربها ولاء العتق ، ثمّ ضامن الجريرة ، ثمّ الإمام ، كما ستسمعه مفصّلا فتوى ، ودليلا ، إن شاء الله تعالى.
  وفي ولاء من أسلم على يده كافر قول ضعيف كالنّصوص الّتي قد يستفاد منها ذلك ، وقد تحمل على ما لا ينافى في حصر الولاء في الثّلاثة المشار إليها.
  وقال الشّيخ محمّد على الأعسم النّجفىّ رحمه‌الله :
ثـانيهما الولاء iiوالزّوجيّة      ii
إن كـانت الزّوجة iiدائميّة
ثـمّ  الّذي له الولاء iiأقسام      ii
ذو العتق والضّمان والإمام
 فهذه الاصول موجبات الإرث.
  وأمّا الثّانى : موانع الإرث كثيرة
  والمشهور منها ثلاثة ، وإلى هذا أشار الشّيخ الأعسم بقوله :
ومستحقّ الارث قد لا يستحقّ      ii
لـمانع من كفر أو قتل iiورقّ
  الاولى : الكفر ، وهو ما يخرج به فاعله ، أو معتقده عن سمت الإسلام منتحلا له كالخوارج ، والغلات ، والنّواصب ، فلا يرث الكافر بجميع أقسامه ، خارجيّا كان أو حربيّا ، أو ذمّيّا ، أو ناصبيّا ، أو غاليا المسلم ، وإن لم يكن مؤمنا.
  والمسلم يرث الكافر ، ويمنع ورثته الكفّار ، وإن قربوا وبعدوا.
  وكذا يرث المبتدع من المسلمين لأهل الحقّ ، ولمثله ، ويرثونه على الأشهر ، وقيل : يرثه المحقّ دون العكس ، كلّ ذلك بالإجماع الّذي قد يكون

إيضاح الغوامض في تقسيم الفرائض 14
  منقولا متواترا كالنّصوص.
  ولقوله تعالى : ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (1).
  وفي الإرث إثبات السّبيل ، ولأنّ الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ، ويزيد ولا ينقص (2)
  وفي الموثق : عن الرّجل المسلم هل يرث المشرك ؟ قال : نعم ، ولا يرث المشرك المسلم (3)
  وفي الصّحيح : يرث المسلم امرأته الذّميّة ، ولا ترثه (4)
  وفيه : ولا يرث اليهودىّ والنّصرانىّ المسلمين ، ويرث المسلم اليهودىّ والنّصرانىّ (5)
  وفي الخبر القريب من الصّحيح برواية ابن محبوب المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه : المسلم يحجب الكافر ، ويرثه ، والكافر لا يحجب المؤمن ، ولا يرثه (6)

(1) سورة النّساء ، الآية 141.
(2) الفقيه ( ص : 243 ، ج : 4 ).
(3) الكافى ( ص : 143 ، ج : 7 ) ، التّهذيب ( ص : 366 ، ج : 9 ) ، الوسائل ( ص : 13 ، ج : 26 ) ، علىّ بن إبراهيم ، عن : أبيه ، عن : محمّد بن عيسى ، عن : يونس ، عن : زرعة ، عن : سماعة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام :
(4) الفقيه ( ص : 244 ، ج : 4 ) ، الكافى ( ص : 143 ، ج : 7 ) ، التّهذيب ( ص : 366 ، ج : 9 ) ، الإستبصار ( ص : 190 ، ج : 4 ) ، علىّ بن إبراهيم ، عن : أبيه ، عن : ابن أبى عمير [ و] عن : ابن محبوب ، عن : أبى ولّاد قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول :
(5) الفقيه ( ص : 244 ، ج : 4 ) ، التّهذيب ( ص : 396 ، ج : 9 ) ، الكافى ( ص : 143 ، ج : 7 ) ، الوسائل ( ص : 13 ، ج : 26 ) ، علىّ بن إبراهيم ، عن : أبيه ، عن : ابن أبى نجران ، عن : عاصم بن حميد ، عن : محمّد بن قيس قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول :
(6) التّهذيب ( ص : 366 ، ج : 9 ) ، الكافى ( ص : 143 ، ج : 7 ) ، عن : محمّد بن يحيى ، عن : أحمد بن محمّد ، عن : ابن محبوب ، عن : الحسن بن صالح ، عن : أبى عبد الله عليه‌السلام قال :

إيضاح الغوامض في تقسيم الفرائض 15
  وذلك لأنّ مبنى الإرث على الولاية ، ولا ولاية للكافر على المسلم ، أمّا المسلم فإنّه يرث الكافر على إختلاف أصنافه إجماعا.
  فعلم ممّا ذكر سقوط ما عليه أئمّة الضّلال من عدم إرث المسلم من الكافر استنادا إلى النّصوص الدّالّة على عدم التّوارث بين أهل ملّتين ضرورة إنّها مع عدم مقاومتها بما ذكر من وجوه شتّى ، وقصور سندها واحتمالها على التّقيّة لموافقتها لمذهب أكثر العامّة ، كما صرّح به جماعة.
  منهم : شيخ الطّائفة ، غير صريحة ، بل ولا ظاهرة في الخلاف بعد كون المراد منها نفى التّواريث من الجانبين ، بحيث يرث كلّ منهما صاحبه على نحو إرث المسلم من المسلم ، وذلك لا ينافى إرث المسلم من الكافر دون العكس ، كما وقع التّصريح به في كثير من المعتبرة.
  الّتي منها : الصّحيح عن مولانا الصّادق عليه‌السلام برواية أبى العبّاس إنّه قال : فيما يروى النّاس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّه قال : لا يتوارث بين أهل ملّتين ، فقال : نرثهم ولا يرثونا ، والخبر عن قوله : ( لا يتوارث أهل ملّتين ) ، فقال عليه‌السلام : نرثهم ولا يرثونا ، إنّ الإسلام لم يزده في ميراثه إلّا شدّة (1)
  وفي آخر : لا يتوارث أهل ملّتين يرث هذا هذا ، وهذا هذا ، إلّا أنّ المسلم يرث الكافر ، والكافر لا يرث المسلم (2)
  وفي الموثق : لا يزداد الإسلام إلّا عزّا ، فنحن نرثهم ولا يرثونا (3)

(1) الكافى ( ص : 142 ، ج : 7 ) ، التّهذيب ( ص : 365 ، ج : 9 ) ، على بن إبراهيم ، عن : ابن أبى عمير ، عن : جميل ، وهشام ، عن : أبى عبد الله عليه‌السلام قال :
(2) التّهذيب ( ص : 367 ، ج : 9 ) ، علىّ بن الحسن بن فضّال ، عن : محمّد بن عبد الله بن زرارة ، عن : القاسم بن عروة ، عن : أبى العبّاس قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول :
(3) التّهذيب ( ص : 366 ، ج : 9 ) ، يونس ، عن : موسى بن بكر ، عن : عبد الله بن أعين ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : جعلت فداك ، النّصرانىّ يموت وله ابن مسلم ، أيرثه ؟ فقال عليه‌السلام : نعم ، إنّه الله لم يزده بالإسلام إلّا عزّا ...

إيضاح الغوامض في تقسيم الفرائض 16
  وحيث ظهر أنّ الكافر لا يرث المسلم فقد ظهر منه أنّ ميراث المسلم لوارثه المسلم ، حتّى أنّه لو كان ذلك الوارث المسلم ضامن الجريرة للمسلم يمنع الولد الكافر والإجماع على هذا بالخصوص صرّح جماعة من الأصحاب ، ونفى عنه الخلاف في السّرائر والمسالك وغيرهما ، ولعلّه يفهم من إطلاق الأخبار ، فإنّ بعضها كالصّريح فيه ، بل جزم بصراحته في المسالك وغيره ، وقصور سنده منجبر بالعمل به من الكلّ من دون خلاف يظهر مضافا إلى اعتضاده بصريح كثير من النّصوص المعتبرة ، كالصّحيح الوارد في إسلام الكافر على الميراث قبل القسمة.
  بقى هنا شي‌ء ، وهو : أنّ الورثة لو كانوا أطفالا لنصرانىّ وله ابن أخ ، وابن اخت مسلمان.
  فقد روى مالك بن أعين عن الباقر عليه‌السلام إنّه يعطى لابن الأخ ثلثا التّركة ، ولابن الاخت الثّلث ، وينفقان على الأولاد بنسبة حقّهما ، فإن أدركوا قطع النّفقة عنهم ، فإن أسلموا دفع المال إلى الإمام عليه‌السلام حتّى يدركوا فيدفعه إليهم مع بقائهم عليه ، وإلّا دفعه إلى ابن الأخ ، وابن الاخت المسلمين (1)
  وعمل بمضمونها الشّيخان ، والقاضى ، وأبو الصّلاح ، وابن زهرة ، والمحقّق نصير الدّين الطّوسى في فرائضه ، وعمّوا الحكم في القرابة والكفر ، وهو مشكل لإجراء الطّفل مجرى أبيه ، وسبق القسمة على الإسلام ، وعدم وجوب بذل المسلم النّفقة للكافر صغيرا كان أو كبيرا.
  ويمكن حملها على الاستحباب ، أو على عدم القسمة إلى أوان بلوغهم وإسلامهم.

(1) يأتى مفصّلا في الصّفحة : 30.

إيضاح الغوامض في تقسيم الفرائض 17
  وقوله عليه‌السلام : يعطى ابن أخيه وابن اخته ، ليس دالّا على حصولها ، لأنّه أخبار عن قدر مستحقّهما ، وكون النّفقة من المال لا يستلزمها (1) ، ومن طرق تنزيلها عدم صدق الكفر على الأطفال حقيقة إلّا بعد بلوغهم وإظهار الكفر ، فلا مانع.
  وردّ بأنّ عدم الإسلام أيضا مانع ، وبتقدير الانحصار ، فالكفر صادق ، إذ حكم الطّفل التّبعيّة على أبيه.
  ومنها : أنّ الأولاد إن أظهروا الإسلام لم يعتدّ بإسلامهم للصّغر كان إسلاما مجازيّا ، فلا يرثون في ذلك الوقت ، فإذا بلغوا ولم يقرّوا بالكفر ورثوا.
  ويضعّف بأنّ الإسلام المجازىّ لا يعارض الحقيقىّ ، ولأنّ من حكم بعدم صحّة إسلامه كيف يعارض من حكم بصحّة إسلامه.
  وابن إدريس والمحقّق والعلّامة وشيخنا العلائى والشّهيد الثّانى على ترك العمل بها ، وقد ضعّف الرّواية بعض المحقّقين ، فإنّ مالك بن أعين لم ينصّ عليه بتوثيق ، ولا بمدح.
  فنتيجة القول باطّراحها ، أو حملها على الاستحباب ، والتّوقّف أسلم.
  ولو لم يخلّف المسلم قريبا مسلما كان ميراثه للمعتق ، ثمّ ضامن الجريرة ، ثمّ الإمام عليه‌السلام ، ولا يرثه الكافر بحال.
  بخلاف الكفّار المعلوم من الكتاب والسّنّة والإجماع بقسميه إنّهم يرثون أمثالهم مع فقد ، من عدا الإمام من الورثة ، وإن اختلفوا في الملل على المشهور لعموم الأدلّة ، ولأنّ الكفر كلّه ملّة واحدة.
  وفي قوله تعالى شأنه : ( لكم دينكم ولى دين ) (2) ، ( فما ذا بعد الحقّ

(1) جمع بين الكلامين ـ منه.
(2) سورة الكافرون ، الآية : 6.

إيضاح الغوامض في تقسيم الفرائض 18
  إلّا الضّلال " (1) إشعار بذلك.
  وقال أبو الصّلاح : بإرث كفّار ملّتنا غيرهم دون العكس ، وهو تحكّم.
  وكما يعلم من أمثال ذلك ، إنّ المسلمين يرثون بعضهم من بعض ومن سائر ملل الكفّار ويحجبونهم وإن اختلفوا في المذاهب الّتي يجمعها الإسلام الّذي قد لا يرتاب أحد إنّه في مثل المواريث وكثير من المعاملات ملّة واحدة ، كالكفر الّذي قد نطقت به الأخبار بتفسير ما نطق عنها منها بنفى التّواريث بين أهل ملّتين به ، وبالإسلام ، وحينئذ فيرث اليهودى والحربى النّصرانى وبالعكس.
  ويرث المؤمنون جميع ملل الكفّار وسائر أهل البدع من المسلمين ، ويرثون مع عدم خروجهم عن الإسلام.
  فما عن الحلبى من القول بإرث كفّار ملّتنا غيرهم من الكفّار ، وعدم إرث غيرهم منهم بمكان من الضّعف والشّذوذ ، كالمنسوب إلى بعض نسخ المقنعة من إرث المؤمن المبتدع عن سائر فرق المسلمين ، وعدم إرثهم له ، وإن وافق القوم في النّسخة الاخرى الّتي قد لا يشكّ في كونها هى الأصحّ ، كما قد لا يشكّ في عدم مخالفة الحلبى لسائر الأصحاب فيما لو أراد بكفّار ملّتنا خصوص من كان مرتدّا عن فطرة ، أو من كان على غير الحقّ من فرق المسلمين الّذين قد ينسب إلى المفيد والحلبى وكثير كفر منكرى النّص منهم ، بل وكلّ من خالف الإماميّة في المذهب.
  ولكن يكون معه النّزاع حينئذ لفظيّا إلّا على تقدير القول بإرث من خالف الحقّ من سائر فرق المسلمين لمن قد كان مؤمنا ، وإن حكم بكفره ونجاسته ، كما لعلّه هو الظّاهر من النّصوص والفتاوى المصرّح فيها بثبوت

(1) سورة يونس ، الآية : 33.

إيضاح الغوامض في تقسيم الفرائض 19
  التّوارث بين سائر فرق المسلمين الّذينهم يظهرون الشّهادتين ، ولم يخرجوا عن الإسلام بمثل إنكار ضرورىّ من ضروريّاته ، فليتأمّل فيما يعلم منه إنّه لا ملازمة بين القول بكفر غير المؤمن من سائر فرق المسلمين ، وبين القول بعدم إرثهم من المؤمنين.
  وإنّه لو لم يخلف الكافر وارثا خاصّا ، ولو ضامن الجريرة ، كان إرثه للإمام الّذي لا يعارض وارث الكافر وإن كان كافرا أو ضامن جريرة نصّا وفتوى.
  وهنا مسائل
  الاولى : لو كانت للميّت زوجات أربعة فاسلمت واحدة اخذت كمال الحصّة.
 الثّانية : إذا أسلم الكافر على ميراث مورّثه المحجوب منه بكفره مع وجود ورثة له مسلمين قبل قسمته عليهم شارك في الإرث بحسب حاله إن كان مساويا لهم في النّسب والمرتبة ، كما لو كان ابنا ، والورثة إخوته ، وانفرد بالإرث ، لو كان أولى منهم ، كما لو كانوا إخوة مسلما كان الموروث ، أو كافرا من دون خلاف في شي‌ء من ذلك المصرّح بدعوى الإجماع عليه ، مضافا إلى النّصوص المعتبرة المستفيضة المشتملة على الصّحاح والموثقين ، وغيرهما ، وعموم أدلّة الإرث الّذي قد يعلم منه.
  الثّالثة : لو كان الإسلام بعد قسمة البعض ففى اختصاصه أو مشاركته في الجميع ، أو في الباقى ، أو المنع ، أوجه ، أوسطها الوسط ، لأنّه تركة لم تقسم ، وقد أسلم عليها مع تعدّد الوارث ، ولو كان كذلك ورّث ، والاولى ظاهرة ،

إيضاح الغوامض في تقسيم الفرائض 20
  والثّانية والثّالثة فرضيتان ، والرّابعة إجماعيّة ، والثّالثة بعيدة ، لأنّ قسمة البعض لا تستلزم صدق قسمة على الكلّ.
  الرّابعة : هل النّماء المتجدّد بعد الموت وقبل الإسلام كالأصل وجهان : لا المتجدّدة على ملك الورثة ، ولعدم كونه تركة ، لأنّها ما كان مملوكا لشخص ، ثمّ مات قبل انتقاله عنه ، والميّت ليس له أهليّة الملك لعدمه ، ولمانعيّة الكفر ، أو شرطيّة الإسلام ، والحكم لا يثبت مع وجود المانع ، ولا يتقدّم على الشّرط ، ونعم لتبعيّته له ، ويكشف الإسلام عن استحقاقه في ذلك الوقت.
  ومن خصوص المقام ما صرّح به كثير ، منهم الفاضل ، والشّهيدان ، من القول بتبعيّة النّماء لأصل التّركة ، فيكون الإسلام بمنزلة فسخ العقد الّذي يرجع معه المال بعد دخوله في ملك الغير إلى أهله قبل العقد ، أو كاشفا عن استحقاقه المال حين الموت الّذي لا يبعد أن يكون المال بعده في حكم مال الميّت الّذي قد لا يتصوّر ملك أصل ماله الإسلام دون ما تجدّد مع أنّه من فروعه كما قد يرشد إلى ذلك الاعتبار ، وكثير من وجوه العقل والنّقل ، وما دلّ على إرث الدّية ، ولو صولح عليها ، وإن كان القول بعدم التّبعيّة لا يخلو عن وجه عند التّأمّل في أمثال المقام المعلوم من نصوصه وفتاوى الأصحاب فيه ، وكثير من الوجوه أنّه لو أسلم بعد القسمة ، أو كان الوارث واحدا فلا مشاركة ولا استحقاق ، وإن كانت أعيان التّركة باقية ، فما عن : أبى علىّ من توريث من أسلم بعد القسمة إذا كانت العين في يد الوارث بمكان من الضّعف والشّذوذ ، والبعد عن اصول المذهب وقواعده الّتي قد

إيضاح الغوامض في تقسيم الفرائض 21
  يتوهّم إنّها بمذهب أبى علىّ ، أولى.
  الخامسة : لو لم يكن للمورث والمسلم وارث سوى الإمام ففى تنزيله منزلة الوارث الواحد ، أو اعتبار نقل التّركة إلى بيت المال أو توريث المسلم مطلقا أقوال.
  وجه الأوّل منها واضح ، ووجه الثّانى خفى ، والأخير مروىّ صريحا عن الباقر عليه‌السلام في خبر أبى بصير المروىّ بعدّة طرق ، منها صحيح ، ومنها حسن ، ولا ريب أنّه الأقرب بعد ملاحظة عموم أدلّة الوارث ، والشّكّ في تناول عموم أدلّة الحجب لمثل المقام بعد ملاحظة الاعتبار وارث الكافر من الكافر مع وجود من جعلت فداه ومن أنصاره عليه‌السلام ، ونحو ذلك ممّا يدلّ على ترفّع الإمام عليه‌السلام ، وكونه مرتّبة بعد تعذّر من تقدّمه من المراتب وخصوصا على تقدير كون الوارث فقراء المسلمين ، ويكون من أسلم منهم ضرورة ، إنّه حينئذ يكون هو المتيقّن على كلا التّقديرين ، فيؤخذ به وينفى غيره بالاصول والقواعد الحاكمة كالنّصوص والفتاوى بأنّ من أسلم على ميراث قد وهبه ذووه ، أو باعه ، أو تصدّق به من دون تقدّم قسمة كان كمن أسلم بعد القسمة.
  السّادسة : لو كان الوارث الكافر أحد الزّوجين وكافر فعلى القول بالرّدّ مطلقا لا بحث في أنّه يكون الكلّ لأحدهما ، وعلى القول بعدمه مطلقا يرث ما فضل عن فرضهما ، لأنّ الإمام عليه‌السلام لا يمنع الكافر من إرث مثله ، ويحتمل أن يكون له عليه‌السلام ، لأنّ الإسلام في وارث مانع الكافر ، والمتمانعان لا يجتمعان خصوصا على القول بأنّ فرضهما معه الأعلى ، لأنّ كونه لهما مبنىّ على كونه غير وارث ، ومشاركته مبنيّة على فرضه وارثا ، فلو شاركهما والحال هذه ّ