وذلك لأنّ مبنى الإرث على الولاية ، ولا ولاية للكافر على المسلم ، أمّا المسلم فإنّه يرث الكافر على إختلاف أصنافه إجماعا.
فعلم ممّا ذكر سقوط ما عليه أئمّة الضّلال من عدم إرث المسلم من الكافر استنادا إلى النّصوص الدّالّة على عدم التّوارث بين أهل ملّتين ضرورة إنّها مع عدم مقاومتها بما ذكر من وجوه شتّى ، وقصور سندها واحتمالها على التّقيّة لموافقتها لمذهب أكثر العامّة ، كما صرّح به جماعة.
منهم : شيخ الطّائفة ، غير صريحة ، بل ولا ظاهرة في الخلاف بعد كون المراد منها نفى التّواريث من الجانبين ، بحيث يرث كلّ منهما صاحبه على نحو إرث المسلم من المسلم ، وذلك لا ينافى إرث المسلم من الكافر دون العكس ، كما وقع التّصريح به في كثير من المعتبرة.
الّتي منها : الصّحيح عن مولانا الصّادق عليهالسلام برواية أبى العبّاس إنّه قال : فيما يروى النّاس عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إنّه قال : لا يتوارث بين أهل ملّتين ، فقال : نرثهم ولا يرثونا ، والخبر عن قوله : ( لا يتوارث أهل ملّتين ) ، فقال عليهالسلام : نرثهم ولا يرثونا ، إنّ الإسلام لم يزده في ميراثه إلّا شدّة
(1)
وفي آخر : لا يتوارث أهل ملّتين يرث هذا هذا ، وهذا هذا ، إلّا أنّ المسلم يرث الكافر ، والكافر لا يرث المسلم
(2)
وفي الموثق : لا يزداد الإسلام إلّا عزّا ، فنحن نرثهم ولا يرثونا
(3)
|
(1) الكافى ( ص : 142 ، ج : 7 ) ، التّهذيب ( ص : 365 ، ج : 9 ) ، على بن إبراهيم ، عن : ابن أبى عمير ، عن : جميل ، وهشام ، عن : أبى عبد الله عليهالسلام قال :
(2) التّهذيب ( ص : 367 ، ج : 9 ) ، علىّ بن الحسن بن فضّال ، عن : محمّد بن عبد الله بن زرارة ، عن : القاسم بن عروة ، عن : أبى العبّاس قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول :
(3) التّهذيب ( ص : 366 ، ج : 9 ) ، يونس ، عن : موسى بن بكر ، عن : عبد الله بن أعين ، قال : قلت لأبي جعفر عليهالسلام : جعلت فداك ، النّصرانىّ يموت وله ابن مسلم ، أيرثه ؟ فقال عليهالسلام : نعم ، إنّه الله لم يزده بالإسلام إلّا عزّا ...
|
إيضاح الغوامض في تقسيم الفرائض 16
وحيث ظهر أنّ الكافر لا يرث المسلم فقد ظهر منه أنّ ميراث المسلم لوارثه المسلم ، حتّى أنّه لو كان ذلك الوارث المسلم ضامن الجريرة للمسلم يمنع الولد الكافر والإجماع على هذا بالخصوص صرّح جماعة من الأصحاب ، ونفى عنه الخلاف في السّرائر والمسالك وغيرهما ، ولعلّه يفهم من إطلاق الأخبار ، فإنّ بعضها كالصّريح فيه ، بل جزم بصراحته في المسالك وغيره ، وقصور سنده منجبر بالعمل به من الكلّ من دون خلاف يظهر مضافا إلى اعتضاده بصريح كثير من النّصوص المعتبرة ، كالصّحيح الوارد في إسلام الكافر على الميراث قبل القسمة.
بقى هنا شيء ، وهو : أنّ الورثة لو كانوا أطفالا لنصرانىّ وله ابن أخ ، وابن اخت مسلمان.
فقد روى مالك بن أعين عن الباقر عليهالسلام إنّه يعطى لابن الأخ ثلثا التّركة ، ولابن الاخت الثّلث ، وينفقان على الأولاد بنسبة حقّهما ، فإن أدركوا قطع النّفقة عنهم ، فإن أسلموا دفع المال إلى الإمام عليهالسلام حتّى يدركوا فيدفعه إليهم مع بقائهم عليه ، وإلّا دفعه إلى ابن الأخ ، وابن الاخت المسلمين (1)
وعمل بمضمونها الشّيخان ، والقاضى ، وأبو الصّلاح ، وابن زهرة ، والمحقّق نصير الدّين الطّوسى في فرائضه ، وعمّوا الحكم في القرابة والكفر ، وهو مشكل لإجراء الطّفل مجرى أبيه ، وسبق القسمة على الإسلام ، وعدم وجوب بذل المسلم النّفقة للكافر صغيرا كان أو كبيرا.
ويمكن حملها على الاستحباب ، أو على عدم القسمة إلى أوان بلوغهم وإسلامهم.
|
(1) يأتى مفصّلا في الصّفحة : 30.
|
إيضاح الغوامض في تقسيم الفرائض 17
وقوله عليهالسلام : يعطى ابن أخيه وابن اخته ، ليس دالّا على حصولها ، لأنّه أخبار عن قدر مستحقّهما ، وكون النّفقة من المال لا يستلزمها (1) ، ومن طرق تنزيلها عدم صدق الكفر على الأطفال حقيقة إلّا بعد بلوغهم وإظهار الكفر ، فلا مانع.
وردّ بأنّ عدم الإسلام أيضا مانع ، وبتقدير الانحصار ، فالكفر صادق ، إذ حكم الطّفل التّبعيّة على أبيه.
ومنها : أنّ الأولاد إن أظهروا الإسلام لم يعتدّ بإسلامهم للصّغر كان إسلاما مجازيّا ، فلا يرثون في ذلك الوقت ، فإذا بلغوا ولم يقرّوا بالكفر ورثوا.
ويضعّف بأنّ الإسلام المجازىّ لا يعارض الحقيقىّ ، ولأنّ من حكم بعدم صحّة إسلامه كيف يعارض من حكم بصحّة إسلامه.
وابن إدريس والمحقّق والعلّامة وشيخنا العلائى والشّهيد الثّانى على ترك العمل بها ، وقد ضعّف الرّواية بعض المحقّقين ، فإنّ مالك بن أعين لم ينصّ عليه بتوثيق ، ولا بمدح.
فنتيجة القول باطّراحها ، أو حملها على الاستحباب ، والتّوقّف أسلم.
ولو لم يخلّف المسلم قريبا مسلما كان ميراثه للمعتق ، ثمّ ضامن الجريرة ، ثمّ الإمام عليهالسلام ، ولا يرثه الكافر بحال.
بخلاف الكفّار المعلوم من الكتاب والسّنّة والإجماع بقسميه إنّهم يرثون أمثالهم مع فقد ، من عدا الإمام من الورثة ، وإن اختلفوا في الملل على المشهور لعموم الأدلّة ، ولأنّ الكفر كلّه ملّة واحدة.
وفي قوله تعالى شأنه : ( لكم دينكم ولى دين ) (2) ، ( فما ذا بعد الحقّ
|
(1) جمع بين الكلامين ـ منه.
(2) سورة الكافرون ، الآية : 6.
|
إيضاح الغوامض في تقسيم الفرائض 18
إلّا الضّلال " (1) إشعار بذلك.
وقال أبو الصّلاح : بإرث كفّار ملّتنا غيرهم دون العكس ، وهو تحكّم.
وكما يعلم من أمثال ذلك ، إنّ المسلمين يرثون بعضهم من بعض ومن سائر ملل الكفّار ويحجبونهم وإن اختلفوا في المذاهب الّتي يجمعها الإسلام الّذي قد لا يرتاب أحد إنّه في مثل المواريث وكثير من المعاملات ملّة واحدة ، كالكفر الّذي قد نطقت به الأخبار بتفسير ما نطق عنها منها بنفى التّواريث بين أهل ملّتين به ، وبالإسلام ، وحينئذ فيرث اليهودى والحربى النّصرانى وبالعكس.
ويرث المؤمنون جميع ملل الكفّار وسائر أهل البدع من المسلمين ، ويرثون مع عدم خروجهم عن الإسلام.
فما عن الحلبى من القول بإرث كفّار ملّتنا غيرهم من الكفّار ، وعدم إرث غيرهم منهم بمكان من الضّعف والشّذوذ ، كالمنسوب إلى بعض نسخ المقنعة من إرث المؤمن المبتدع عن سائر فرق المسلمين ، وعدم إرثهم له ، وإن وافق القوم في النّسخة الاخرى الّتي قد لا يشكّ في كونها هى الأصحّ ، كما قد لا يشكّ في عدم مخالفة الحلبى لسائر الأصحاب فيما لو أراد بكفّار ملّتنا خصوص من كان مرتدّا عن فطرة ، أو من كان على غير الحقّ من فرق المسلمين الّذين قد ينسب إلى المفيد والحلبى وكثير كفر منكرى النّص منهم ، بل وكلّ من خالف الإماميّة في المذهب.
ولكن يكون معه النّزاع حينئذ لفظيّا إلّا على تقدير القول بإرث من خالف الحقّ من سائر فرق المسلمين لمن قد كان مؤمنا ، وإن حكم بكفره ونجاسته ، كما لعلّه هو الظّاهر من النّصوص والفتاوى المصرّح فيها بثبوت
|
(1) سورة يونس ، الآية : 33.
|
إيضاح الغوامض في تقسيم الفرائض 19
التّوارث بين سائر فرق المسلمين الّذينهم يظهرون الشّهادتين ، ولم يخرجوا عن الإسلام بمثل إنكار ضرورىّ من ضروريّاته ، فليتأمّل فيما يعلم منه إنّه لا ملازمة بين القول بكفر غير المؤمن من سائر فرق المسلمين ، وبين القول بعدم إرثهم من المؤمنين.
وإنّه لو لم يخلف الكافر وارثا خاصّا ، ولو ضامن الجريرة ، كان إرثه للإمام الّذي لا يعارض وارث الكافر وإن كان كافرا أو ضامن جريرة نصّا وفتوى.
وهنا مسائل
الاولى : لو كانت للميّت زوجات أربعة فاسلمت واحدة اخذت كمال الحصّة.
الثّانية : إذا أسلم الكافر على ميراث مورّثه المحجوب منه بكفره مع وجود ورثة له مسلمين قبل قسمته عليهم شارك في الإرث بحسب حاله إن كان مساويا لهم في النّسب والمرتبة ، كما لو كان ابنا ، والورثة إخوته ، وانفرد بالإرث ، لو كان أولى منهم ، كما لو كانوا إخوة مسلما كان الموروث ، أو كافرا من دون خلاف في شيء من ذلك المصرّح بدعوى الإجماع عليه ، مضافا إلى النّصوص المعتبرة المستفيضة المشتملة على الصّحاح والموثقين ، وغيرهما ، وعموم أدلّة الإرث الّذي قد يعلم منه.
الثّالثة : لو كان الإسلام بعد قسمة البعض ففى اختصاصه أو مشاركته في الجميع ، أو في الباقى ، أو المنع ، أوجه ، أوسطها الوسط ، لأنّه تركة لم تقسم ، وقد أسلم عليها مع تعدّد الوارث ، ولو كان كذلك ورّث ، والاولى ظاهرة ،
إيضاح الغوامض في تقسيم الفرائض 20
والثّانية والثّالثة فرضيتان ، والرّابعة إجماعيّة ، والثّالثة بعيدة ، لأنّ قسمة البعض لا تستلزم صدق قسمة على الكلّ.
الرّابعة : هل النّماء المتجدّد بعد الموت وقبل الإسلام كالأصل وجهان : لا المتجدّدة على ملك الورثة ، ولعدم كونه تركة ، لأنّها ما كان مملوكا لشخص ، ثمّ مات قبل انتقاله عنه ، والميّت ليس له أهليّة الملك لعدمه ، ولمانعيّة الكفر ، أو شرطيّة الإسلام ، والحكم لا يثبت مع وجود المانع ، ولا يتقدّم على الشّرط ، ونعم لتبعيّته له ، ويكشف الإسلام عن استحقاقه في ذلك الوقت.
ومن خصوص المقام ما صرّح به كثير ، منهم الفاضل ، والشّهيدان ، من القول بتبعيّة النّماء لأصل التّركة ، فيكون الإسلام بمنزلة فسخ العقد الّذي يرجع معه المال بعد دخوله في ملك الغير إلى أهله قبل العقد ، أو كاشفا عن استحقاقه المال حين الموت الّذي لا يبعد أن يكون المال بعده في حكم مال الميّت الّذي قد لا يتصوّر ملك أصل ماله الإسلام دون ما تجدّد مع أنّه من فروعه كما قد يرشد إلى ذلك الاعتبار ، وكثير من وجوه العقل والنّقل ، وما دلّ على إرث الدّية ، ولو صولح عليها ، وإن كان القول بعدم التّبعيّة لا يخلو عن وجه عند التّأمّل في أمثال المقام المعلوم من نصوصه وفتاوى الأصحاب فيه ، وكثير من الوجوه أنّه لو أسلم بعد القسمة ، أو كان الوارث واحدا فلا مشاركة ولا استحقاق ، وإن كانت أعيان التّركة باقية ، فما عن : أبى علىّ من توريث من أسلم بعد القسمة إذا كانت العين في يد الوارث بمكان من الضّعف والشّذوذ ، والبعد عن اصول المذهب وقواعده الّتي قد
إيضاح الغوامض في تقسيم الفرائض 21
يتوهّم إنّها بمذهب أبى علىّ ، أولى.
الخامسة : لو لم يكن للمورث والمسلم وارث سوى الإمام ففى تنزيله منزلة الوارث الواحد ، أو اعتبار نقل التّركة إلى بيت المال أو توريث المسلم مطلقا أقوال.
وجه الأوّل منها واضح ، ووجه الثّانى خفى ، والأخير مروىّ صريحا عن الباقر عليهالسلام في خبر أبى بصير المروىّ بعدّة طرق ، منها صحيح ، ومنها حسن ، ولا ريب أنّه الأقرب بعد ملاحظة عموم أدلّة الوارث ، والشّكّ في تناول عموم أدلّة الحجب لمثل المقام بعد ملاحظة الاعتبار وارث الكافر من الكافر مع وجود من جعلت فداه ومن أنصاره عليهالسلام ، ونحو ذلك ممّا يدلّ على ترفّع الإمام عليهالسلام ، وكونه مرتّبة بعد تعذّر من تقدّمه من المراتب وخصوصا على تقدير كون الوارث فقراء المسلمين ، ويكون من أسلم منهم ضرورة ، إنّه حينئذ يكون هو المتيقّن على كلا التّقديرين ، فيؤخذ به وينفى غيره بالاصول والقواعد الحاكمة كالنّصوص والفتاوى بأنّ من أسلم على ميراث قد وهبه ذووه ، أو باعه ، أو تصدّق به من دون تقدّم قسمة كان كمن أسلم بعد القسمة.
السّادسة : لو كان الوارث الكافر أحد الزّوجين وكافر فعلى القول بالرّدّ مطلقا لا بحث في أنّه يكون الكلّ لأحدهما ، وعلى القول بعدمه مطلقا يرث ما فضل عن فرضهما ، لأنّ الإمام عليهالسلام لا يمنع الكافر من إرث مثله ، ويحتمل أن يكون له عليهالسلام ، لأنّ الإسلام في وارث مانع الكافر ، والمتمانعان لا يجتمعان خصوصا على القول بأنّ فرضهما معه الأعلى ، لأنّ كونه لهما مبنىّ على كونه غير وارث ، ومشاركته مبنيّة على فرضه وارثا ، فلو شاركهما والحال هذه
ّ