السيد علي الميلاني



   ( إن مذهباً يثبت نفسه من كتب خصمه أحق أن يتبع، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل والتحوير أحق أن يتجنب عنه )

تمهيد
   الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله خير الخلق أجمعين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين ، موضوع تحريف القرآن لا يكفيه مجلس واحد ولا مجلسان ولا ثلاثة مجالس إذا أردتم أن نستوعب البحث ونستقصي جوانبه المتعددة المختلفة ، أما إذا أردتم الإفتاء أو نقل الفتاوى عن الآخرين من كبار علمائنا السابقين والمعاصرين ، فأنقل لكم الفتاوى ، ولكنكم تريدون الأدلة بشئ من التفصيل ، فإليكم الآن صورة مفيدة عن هذا الموضوع ، وبالله التوفيق.

عدم تحريف القرآن _ 2 _

سلامة القرآن من التحريف

   لا ريب ولا خلاف في أن القرآن المجيد الموجود الآن بين أيدي المسلمين هو كلام الله المنزل على رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وهو المعجزة الخالدة له ، وهو الذي أوصى أمته بالرجوع إليه ، والتحاكم إليه ، وأفاد في حديث الثقلين المتواتر بين الفريقين أن القرآن والعترة هما الثقلان اللذان تركهما في أمته لئلا تضل ما دامت متمسكة بهذين الثقلين.
   هذا الحديث مروي بهذه الصورة التي أنتم تعلمونها ، وفي أحد ألفاظه : إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض .
   إلا أن بعض العامة يروون هذا الحديث بلفظ : إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وسنتي ، وقد أفردنا رسالة خاصة بهذا الحديث ، وهي رسالة مطبوعة منتشرة في تحقيق هذا الحديث سندا، ودلالة ، إلا أني ذكرته هنا لغرض ما .

عدم تحريف القرآن _ 3 _
   أئمتنا ( صلوات الله عليهم ) اهتموا بهذا القرآن بأنواع الاهتمامات ، فأمير المؤمنين أول من جمع القرآن ، أو من أوائل الذين جمعوا القرآن ، وهو والأئمة من بعده كلهم كانوا يحثون الأمة على الرجوع إلى القرآن ، وتلاوة القرآن ، وحفظ القرآن ، والتحاكم إلى القرآن ، وتعلم القرآن ، إلى آخره ، وهكذا كان شيعتهم إلى يومنا هذا .
   والقرآن الكريم هو المصدر الأول لاستنباط الأحكام الشرعية عند فقهائنا ، يرجعون إلى القرآن في استنباط الأحكام الشرعية واستخراجها .
   إذن ، هذا القرآن الكريم ، هو القرآن الذي أنزله الله سبحانه وتعالى ، وهو الذي اهتم به أئمتنا سلام الله عليهم ، وطالما رأيناهم يستشهدون بآياته ، ويتمسكون بآياته، ويستدلون بها في أقوالهم المختلفة ، فإذا رجعنا إلى الروايات المنقولة نجد الاهتمام بالقرآن الكريم والاستدلال به في كلماتهم بكثرة ، سواء في نهج البلاغة أو في أصول الكافي أو في سائر كتبنا ، والمحدثون أيضا عقدوا لهذا الموضوع أبوابا خاصة ، ولعل في كتاب الوافي أو بحار الأنوار غنى وكفاية عن أي كتاب آخر ، حيث جمعوا هذه الروايات في أبواب تخص القرآن الكريم .

عدم تحريف القرآن _ 4 _
حسبنا كتاب الله:
   النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خلف في أمته القرآن ، وأمرهم بالتمسك بالقرآن مع العترة ، وعلى فرض صحة الحديث الآخر ، أمرهم بالتمسك بالكتاب والسنة ، إلا أن من الأصحاب الذين يقتدي بهم العامة من قال : حسبنا كتاب الله، ففرق هذا القائل وأتباعه بين الكتاب والعترة ، أو بين الكتاب والسنة ، وحرموا الأمة الانتفاع والاستفادة من العترة أو من السنة ، وقالوا: حسبنا كتاب الله، إلا أنهم لم يحافظوا على هذا القرآن الكريم ، هم الذين قالوا : حسبنا كتاب الله ، تركوا تدوين الكتاب الكريم إلى زمن عثمان ، يعني إلى عهد حكومة الأمويين ، فالقرآن الموجود الآن من جمع الأمويين في عهد عثمان ، كما أن السنة الموجودة الآن بيد العامة هي سنة دونها الأمويون ، ولسنا الآن بصدد الحديث عن هذا المطلب.
   المهم أن نعلم أن الذين قالوا : حسبنا كتاب الله ، لم يرووا القرآن ، تركوا تدوينه وجمعه إلى زمن عثمان ، ولكن عثمان الذي جمع القرآن هو بنفسه قال : إن فيه لحنا ، والذين جمعوا القرآن على عهد عثمان وتعاونوا معه في جمعه قالوا : إن فيه غلطا ، قالوا : إن فيه خطأ .

عدم تحريف القرآن _ 5 _
   إلا أنك لا تجد مثل هذه التعابير في كلمات أهل البيت ( عليهم السلام ) ، لا تجد عن أئمتنا كلمة تشين القرآن الكريم وتنقص من منزلته ومقامه، بل بالعكس كما أشرنا من قبل ، وهذه نقطة يجب أن لا يغفل عنها الباحثون ، وأؤكد أنك لا تجد في رواياتنا كلمة فيها أقل تنقيص للقرآن الكريم .
   فالذين قالوا : حسبنا كتاب الله، وأرادوا أن يعزلوا الأمة عن العترة والسنة ، أو يعزلوا السنة والعترة عن الأمة ، هم لم يجمعوا القرآن ، وتركوا جمعه إلى زمن عثمان ، وعثمان قال : إن فيه لحنا. وقال آخر : إن فيه غلطا .
   وقال آخر : إن فيه خطأ ، (1) ثم جاء دور العلماء ، دور الباحثين ، دور المحدثين ، فمنذ اليوم الأول جعلوا يتهمون الشيعة الإمامية الاثني عشرية بأنهم يقولون بتحريف القرآن .

--------------------
(1) راجع : الدر المنثور في التفسير بالمأثور 2 / 47 ، تفسير الرازي 22 / 74 ، الإتقان في علوم القرآن 1 / 316 ، فتح الباري 8 / 301 ، معالم التنزيل .

عدم تحريف القرآن _ 6 _
معاني التحريف
إن للتحريف معاني عديدة :

التحريف بالترتيب :
   هناك معنى للتحريف لا خلاف بين المسلمين في وقوعه في القرآن الكريم ، يتفق الكل على أن القرآن الموجود ليس تدوينه بحسب ما نزل ، يختلف وضع الموجود عن تنزيله وترتيبه في النزول ، وهذا ما ينص عليه علماء القرآن في كتبهم ، فراجعوا إن شئتم كتاب الإتقان لجلال الدين السيوطي ، ترونه يذكر أسامي السور، سور القرآن الكريم بحسب نزولها .
   وأي غرض كان عندهم من هذا الذي فعلوا ؟ لماذا فعلوا هكذا ؟ هذا بحث يجب أن يطرح، فقد قلت لكم إن المجلس الواحد لا يكفي ، ترتيب السور وترتيب الآيات يختلف عما نزل عليه القرآن الكريم ، ترون آية المودة مثلا وضعت في غير موضعها ، آية التطهير وضعت في غير موضعها ، ترون آية ( أكملت لكم دينكم ) وضعت في غير موضعها، سورة المائدة التي هي بإجماع الفريقين آخر ما نزل من القرآن الكريم ، ترونها ليست في آخر القرآن ، بل في أوائل القرآن ، ما الغرض من هذا ؟ فهذا نوع من التحريف لا ريب في وقوعه ، وقد اتفق الكل على وقوعه في القرآن .

عدم تحريف القرآن _ 7 _
التحريف بالزيادة :
   وهناك معنى آخر من التحريف اتفقوا على عدم وقوعه في القرآن ، ولا خلاف في ذلك ، وهو التحريف بالزيادة ، اتفق الكل وأجمعوا على أن القرآن الكريم لا زيادة فيه ، أي ليس في القرآن الموجود شئ من كلام الآدميين وغير الآدميين ، إنه كلام الله سبحانه وتعالى فقط .
   نعم ينقلون عن ابن مسعود الصحابي أنه لم يكتب في مصحفه المعوذتين (1) ، قال : لأنهما ليستا من القرآن ، إلا أن الكل خطأه ، حتى في رواياتنا أيضا خطأه الأئمة سلام الله عليهم .
فليس في القرآن زيادة ، وهذا معنى آخر من التحريف .

التحريف بالنقصان :
   المعنى الذي وقع فيه النزاع هو التحريف بمعنى النقصان : بأن يكون القرآن الكريم قد وقع فيه نقص ، بأن يكون غير مشتمل أو غير جامع لجميع ما نزل من الله سبحانه وتعالى بعنوان القرآن على رسوله الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، هذا هو الأمر الذي يتهم الشيعة الإمامية بالاعتقاد به .

--------------------
(1) مسند أحمد 5 / 129 ، الإتقان في علوم القرآن 1 / 271 .

عدم تحريف القرآن _ 8 _
تنبيهـــان

الأول : نفي قصد التغلب في البحث العلمي
   قبل كل شئ ، لا بد من أن أذكركم بمطلب ينفعنا في هذا البحث وفي كل بحث من البحوث : دائما يجب أن يكون الذين يبحثون في موضوع من المواضيع العلمية ، وبعبارة أخرى : على كل مختلفين في مسألة ، سواء كان هناك عالمان يختلفان في مسألة ، أو فرقتان وطائفتان تختلفان في مسألة ، يجب أن يكونوا ملتفتين وواعين إلى نقطة ، وهي أن لا يكون القصد من البحث هو التغلب على الطرف الآخر بأي ثمن ، أن لا يحاولوا الغلبة على الخصم ولو على حساب الإسلام والقرآن ، دائما يجب أن يحدد الموضوع الذي يبحث عنه ، ويجب أن يكون الباحث ملتفتا إلى الآثار المترتبة على بحثه ، أو على الإعلان عن وجهة نظره في تلك المسألة.

عدم تحريف القرآن _ 9 _
   لاحظوا لو أن السني اتهم الطائفة الشيعية كلها بأنهم يقولون بنقصان القرآن ، فهذا خطأ إن لم يكن هناك تعصب ، إن لم يكن هناك عداء ، إن لم يكن هناك أغراض أخرى ، هذا خطأ في البحث .
   فيجب على الباحث أن يحدد موضوع بحثه ، فالتحريف بأي معنى ؟ قلنا : للتحريف معاني متعددة ، ثم إنك تنسب إلى طائفة بأجمعها إنهم يقولون بتحريف القرآن ، هل تقصد الشيعة كلها بجميع فرقها ، أو تقصد الشيعة الإمامية الاثني عشرية .
   لو قرأت كتاب منهاج السنة لرأيته يتهجم على الطائفة الشيعية بأجمعها وبجميع أشكالها وأقسامها وفرقها ، إذا سألته بأن هذه الأشياء التي تنسبها إلى الشيعة هم لا يقولون بها ، يقول : إنما قصدت الغلاة منهم ، إنك تسب الشيعة بأجمعها ، ثم عندما تعتذر تقول قصدت بعضهم ، هذا خطأ في البحث إن لم يكن غرض ، إن لم يكن مرض .
   إذن ، يجب أن يحدد البحث ، فتقول في الطائفة الشيعية الاثني (20) عشرية من يقول بتحريف القرآن بمعنى نقصان القرآن ، لا أن تقول إن الشيعة تقول بتحريف القرآن ، التحريف بمعنى النقصان ، ففي الشيعة من لا يقول بتحريف القرآن ، في الشيعة من لا يقول بنقصان القرآن ، في الشيعة من ينفي نقصان القرآن ، فكيف تنسب إلى كلهم هذا القول .
   فلو أن شيعيا أيضا بادر وانبرى للدفاع عن مذهبه ، وعن عقائده ، فاتهم السنة كلهم بأنهم يقولون بتحريف القرآن ، وبنقصانه ، إذن ، وقع وفاق بين الجانبين من حيث لا يشعرون على أن القرآن محرف وناقص ، وهذا مما ينتفع به أعداء الإسلام وأعداء القرآن .
   فلا يصح للشيعي أن ينسب إلى السني أو إلى السنة كلهم بأنهم يقولون بتحريف القرآن ونقصانه ، كما لا يصح للسني أن يطرح البحث هكذا .

عدم تحريف القرآن _ 10 _
الثاني : طرح البحث تارة على صعيد الروايات وتارة على صعيد الأقوال
   في كل بحث ، تارة يطرح البحث على صعيد الروايات ، وتارة يطرح البحث على صعيد الأقوال ، وهذا فيه فرق كثير ، علينا أن ننتبه إلى أن الأقوال غير الروايات ، والروايات غير الأقوال ، فقد تكون هناك روايات وأصحاب المذهب الرواة لتلك الروايات لا يقولون بمضامينها ومداليلها ، وقد يكون هناك قول وروايات الطائفة المتفق عليها تنافي وتخالف ذلك القول .
   إذن ، يجب دائما أن يكون الإنسان على التفات بأنه كيف يطرح البحث ، وما هو بحثه ، وما هي الخطوط العامة للبحث ، وما هو الموضوع الذي يبحث عنه ، وكيف يريد البحث عن ذلك الموضوع ، هذا كله إذا كان الغرض أن يكون البحث موضوعيا ، أن يكون البحث علميا ، لا يكون فيه تهجم أو تعصب أو خروج عن الإنصاف .

عدم تحريف القرآن _ 11 _
   فالنقطة التي أؤكد عليها دائما هي : أن أبناء المذهب الواحد إذا اختلفوا في رأي ، عليهم أن يطرحوا البحث فيما بينهم بحيث لا ينتهي إلى الإضرار بالمذهب ، وأيضا الطائفتان من المسلمين ، إذا اختلفتا في رأي ، في قضية ، في مطلب ، عليهما أن يبحثا عن ذلك الموضوع بحيث لا يضر بالإسلام كله ، بحيث لا يضر القرآن كله .
   أيصح أنك إذا بحثت مع سني حول شئ من شؤون الخلافة مثلا ، وأراد أن يتغلب عليك فيضطر إلى إنكار عصمة النبي مثلا ، هذا ليس أسلوب البحث ، هذا غرض من الباحث ، وقد شاهدناه كثيرا في بحوث القوم ، وهذا من جملة نقاط الضعف المهمة الكبيرة عندهم ، إنهم إذا تورطوا ، وخافوا من الإفحام ، نفوا شيئا مما لا يجوز نفيه ، أو أنكروا أصلا مسلما من أصول الإسلام .
وعلى كل حال ، فهذه أمور أحببت أن أذكركم بها ، لأنها تفيد دائما ، وفي بحثنا أيضا مفيدة جدا .
   لا يمكن أن ننسب إلى السنة كلهم أنهم يقولون بنقصان القرآن، هذا لا يجوز، كما لا يجوز للسني أن ينسب إلى الطائفة الشيعية الاثني عشرية أنها تقول بنقصان القرآن، هذا لا يجوز. ثم على كل باحث أن يفصل بين الروايات، وبين الأقوال، وهذا شئ مهم جدا، ففي مسألة تحريف القرآن بمعنى النقصان، تارة نبحث عن الموضوع على صعيد الروايات، وتارة نبحث عن الموضوع على صعيد الأقوال، والروايات والأقوال تارة عند السنة، وتارة عند الشيعة الإمامية الاثني عشرية.

عدم تحريف القرآن _ 12 _
التحريف بالنقصان حسب الروايات :
   إن الروايات الواردة في كتبنا نحن الإمامية ، فيما يتعلق بموضوع نقصان القرآن الكريم ، يمكن تقسيمها إلى أقسام عديدة ، وهذا التقسيم ينطبق في رأيي على روايات أهل السنة أيضا ، لأني أريد أن أبحث عن المسألة بحثا موضوعيا ، ولست في مقام الدفاع أو الرد :
   القسم الأول: الحمل على اختلاف القراءات إن كثيرا من الروايات الواردة في كتبنا وفي كتبهم قابلة للحمل على اختلاف القراءات، وهذا شئ موجود لا إنكار فيه ، الاختلاف في القراءات شئ موجود ، في كتبنا موجود ، في رواياتنا ، وفي روايات متعددة .
   إذن ، لو أن شيعيا أراد أن يتمسك برواية قابلة للحمل على الاختلاف في القراءة ليفحم الخصم بأنك تقول بتحريف القرآن ، أو في رواياتكم ما يدل على تحريف القرآن ، هذا غير صحيح ، كما لا يصح للسني أن يتمسك بهكذا روايات موجودة في كتبنا ، فهذا قسم من الروايات .

عدم تحريف القرآن _ 13 _
   القسم الثاني : ما نزل لا بعنوان القرآن نزل عن الله سبحانه وتعالى، ونزل بواسطة جبرئيل ، لكن لا بعنوان القرآن ، وقد وقع خلط كبير بين القسمين ، ما نزل من الله سبحانه وتعالى على رسوله بعنوان القرآن ، وما نزل من الله سبحانه وتعالى على رسوله لا بعنوان القرآن ، وقع خلط كبير بين القسمين من الروايات ، وهذا موجود في رواياتنا وفي رواياتهم أيضا .
   القسم الثالث : ما يصح حمله على نسخ التلاوة وهذا البحث بحث أصولي ، ولا بد أنكم درستم أو ستدرسون هذا الموضوع، مسألة النسخ كما في الكتب الأصولية ، فبناء على نسخ التلاوة ، ووجود نسخ التلاوة ، وأن يكون هناك لفظ لا يتلى إلا أن حكمه موجود ، إذ النسخ ينقسم إلى ثلاثة أقسام : منسوخ اللفظ والحكم ، منسوخ الحكم دون اللفظ ، ومنسوخ اللفظ دون الحكم .
   هذه ثلاثة أقسام في النسخ ، يتعرضون لها في الكتب الأصولية ، وفي علوم القرآن أيضا يتعرضون لهذه البحوث ، فلو أنا وافقنا على وجود نسخ التلاوة ، فقسم من الروايات التي بظاهرها تدل على نقصان القرآن ، هذه الروايات قابلة للحمل على نسخ التلاوة .
   القسم الرابع : الروايات القابلة للحمل على الدعاء فهناك بعض الروايات تحمل ألفاظا توهم أنها من القرآن ، والحال أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان يدعو بها ، هذه أيضا موجودة في كتبهم وفي كتبنا .
   وتبقى في النتيجة أعداد قليلة من الروايات ، هي لا تقبل الحمل ، لا على نسخ التلاوة بناء على صحته ، ولا على الحديث القدسي ، ولا على الاختلاف في القراءات ، ولا على الدعاء ، ولا على وجه آخر من الوجوه التي يمكن أن تحمل تلك الروايات عليها ، فتبقى هذه الروايات واضحة الدلالة على نقصان القرآن .

عدم تحريف القرآن _ 14 _
البحث في سند الروايات:
   حينئذ تصل النوبة إلى البحث عن سند تلك الروايات ، لأن الرواية إنما يصح الاستناد إليها في مسألة من المسائل ، في أي باب من الأبواب ، إنما يصح التمسك برواية إذا ما تم سندها، وتمت دلالتها على المدعى .
   فلو فرضنا أن الرواية لا تقبل الحمل على وجه من الوجوه المذكورة وغيرها من الوجوه ، فحينئذ تبقى الرواية ظاهرة في الدلالة على نقصان القرآن ، فتصل النوبة إلى البحث عن سندها ، هنا نقطة الخلاف بيننا وبين أهل السنة ، ومع الأسف فإننا وجدنا الروايات التي تدل دلالة واضحة على نقصان القرآن ولا تقبل الحمل على شئ من الوجوه الصحيحة أبدا ، وجدنا تلك الروايات كثيرة عددا وصحيحة سندا في كتب أهل السنة .
   اللهم ، إلا أن نجد في المعاصرين ـ كما نجد من يقول بما نقول ـ بأن لا كتاب صحيح عند السنة من أوله إلى آخره أبدا ، ونحن أيضا منذ اليوم الأول قلنا بالنسبة إلى كتبهم : إنهم تورطوا عندما قالوا بصحة الكتب الستة ولا سيما الصحيحين ، ولا سيما البخاري ، بناءا على المشهور بينهم حيث قدموه على كتاب مسلم ، وقالوا بأنه أصح الكتب بعد القرآن المجيد ، تورطوا في هذا ، نعم ، نجد الآن في ثنايا كتب المعاصرين ، وفي بعض المحاضرات التي تبلغنا عن بعضهم ، أنهم ينكرون أو ينفون القول بصحة الكتابين أيضا ، وهذا يفتح بابا لهم ، كما يفتح بابا لنا .
   وأما بناءا على المشهور بينهم من صحة الصحيحين والكتب الأربعة الأخرى ، بالإضافة إلى كتب وإن لم تسم بالصحاح إلا أنهم يرون صحتها ككتاب المختارة للضياء المقدسي ، الذي يرون صحته ، والمستدرك على الصحيحين ، حيث الحاكم يراه صحيحا ، وغيره أيضا ، ومسند أحمد بن حنبل الذي يصر بعض علمائهم على صحته من أوله إلى آخره ، وهكذا كتب أخرى ، فماذا يفعلون مع هذه الروايات ؟ وماذا يقولون ؟ روايات لا ريب في دلالتها على التحريف ، يعني كلما حاولنا أن نحملها على بعض المحامل الصحيحة ونوجهها التوجيه الصحيح ، لا نتمكن . . . أما نحن، فقد تقرر عندنا منذ اليوم الأول، أن لا كتاب صحيح من أوله إلى آخره سوى القرآن، هذا أولا.
   وثانيا : تقرر عندنا أن كل رواية خالفت القرآن الكريم فإنها تطرح . . . نعم ، كل خبر خالف الكتاب بالتباين فإنه يطرح ، إن لم يمكن تأويله ، وفرضنا أن هذا القسم الأخير لا يمكن تأويله .

عدم تحريف القرآن _ 15 _
   نعم في رواياتنا ـ ونحن لا ننكر ـ توجد روايات شاذة ، قليلة جدا ، هذه لا يمكن حملها على بعض المحامل ، لكن هذه الروايات أعرض عنها الأصحاب ، السيد المرتضى رحمة الله عليه المتوفى قبل ألف سنة تقريبا يدعي الإجماع على عدم نقصان القرآن ، مع وجود هذه الروايات الشاذة ، يدعي الإجماع على ذلك ، فيدل على إعراضهم عن هذه الروايات وعدم الاعتناء بها ، وكذلك الطبرسي في مجمع البيان ، والشيخ الطوسي في التبيان ، وهكذا كبار علمائنا (1) .
   والأهم من ذلك كله ، لو أنكم لاحظتم كتاب الإعتقادات للشيخ الصدوق (2) ، فنص عبارته: ومن نسب إلينا أنا نقول بأن القرآن أكثر من هذا الموجود بين أيدينا فهو كاذب علينا ، مع العلم بأن الصدوق نفسه يروي بعض الروايات الدالة على التحريف في بعض كتبه، وقد تقرر عندنا في الكتب العلمية أن الرواية أعم من الاعتقاد ، ليس كل راو لحديث يعتقد بما دل عليه الحديث ، يشهد بذلك عبارة الصدوق رحمة الله عليه الذي هو رئيس المحدثين ، فإنه قد يروي بعض الروايات التي هي بظاهرها تدل على نقصان القرآن، لكنه يقول : من نسب إلينا أنا نقول بأن القرآن أكثر مما هو الآن بأيدينا فهو كاذب علينا .

--------------------
(1) راجع: التبيان في تفسير القرآن 1 / 3 ، مجمع البيان في تفسير القرآن 1 / 15 .
(2) الشيخ الصدوق أولا: يلقب برئيس المحدثين، وثانيا : في كتابه الإعتقادات يذكر هذا المطلب، وثالثا : الشيخ الصدوق من قدماء علمائنا.

عدم تحريف القرآن _ 16 _
   إذن ، لا يقول بمضامين هذه الروايات ، فهذه نقطة أخرى . لقد تتبعت كتبنا منذ القديم ، كتبنا في الحديث ، كتبنا في التفسير ، كتبنا في علوم الحديث ، وفي الأصول أيضا ، وفي الفقه أيضا في أبواب القراءة حيث تطرح مسألة نقصان القرآن ، فلم أجد من علمائنا الكبار الذين يرجع إليهم ويعتمد عليهم في المذهب من يقول بنقصان القرآن بعدد أصابع اليد الواحدة .
   إلا أنك إذا راجعت كتاب البخاري الذي التزم فيه بالصحة، وإذا راجعت كتاب مسلم الذي التزم فيه بالصحة ، والكتب الأخرى ، ككتاب مسند أحمد وغيره وغيره . . . بل لقد ذكرت في كتابي في هذا الموضوع اسم أربعين عالما من كبار علماء القوم، في مختلف القرون، يروون أحاديث التحريف ، ومن بينهم أكثر من عشرة يلتزمون بصحة تلك الأحاديث التي رووها في كتبهم، فلو أردنا أن ننسب هذا القول إلى قوم من المسلمين فبالأحرى أن ينسب إلى. . . أما نحن ، فلا نقول هكذا، لأنه قد قلنا إن البحث على صعيد الأقوال يجب أن لا يختلط بالبحث على صعيد الأحاديث، ففي الأقوال نجدهم أيضا يدعون الإجماع على عدم نقصان القرآن .

عدم تحريف القرآن _ 17 _
   إذن ، القرآن غير ناقص ، لا عندنا ولا عندهم ، ولو كان هناك قول فهو قول شاذ منا ومنهم، لكن الروايات عندهم كثيرة ، وهي عندهم صحيحة، أكثرها عن عمر بن الخطاب ، وعن عائشة ، وعن أبي موسى الأشعري ، وعن زيد بن ثابت ، وعن عبد الله بن العباس ، وعن جماعة آخرين من كبار القراء عندهم ، من أبي بن كعب ، وعبد الله بن مسعود، هم يروون تلك الأحاديث ، ولا يوجد عشر أعشارها في كتبنا .
   إلا أن الطريق الصحيح أن نقول ببطلان هذه الأحاديث كما يقولون ، ويبقى عليهم أن يرفعوا اليد عن صحة الصحيحين والصحاح الستة ، فلو رفعوا اليد عن هذا المبنى المشتهر بينهم ، وأيضا رفعوا اليد عما اشتهر بينهم من عدالة الصحابة أجمعين ، فلو أنا وجدناهم لا يقولون بعدالة الصحابة ، ووجدناهم لا يقولون بصحة الصحيحين أو الصحاح ، ارتفع النزاع بيننا وبينهم ، لأن النزاع سيبقى في دائرة الروايات الموجودة في كتبهم ، إذ المفروض أنهم على صعيد الأقوال لا يقولون بتحريف القرآن، وإن كنت عثرت على أقوال أيضا منهم صريحة في كون القرآن ناقصا .

عدم تحريف القرآن _ 18 _
كتاب فصل الخطاب :
   إلا أنهم ما زالوا يواجهون الطائفة الشيعية بكتاب فصل الخطاب للميرزا النوري ، صحيح أن الميرزا نوري من كبار المحدثين ، إننا نحترم الميرزا النوري ، الميرزا النوري رجل من كبار علمائنا ، ولا نتمكن من الاعتداء عليه بأقل شئ ، ولا يجوز ، وهذا حرام ، إنه محدث كبير من علمائنا، لكنكم لم تقرأوا كتاب فصل الخطاب ، لربما قرأتم كتبا لبعض الهنود ، أو الباكستانيين ، أو بعض الخليجيين ، أو بعض المصريين ، الذين يتهجمون على الشيعة ، ولا يوجد عندهم في التهجم إلا نقاط منها مسألة تحريف القرآن ، وليس عندهم إلا الميرزا النوري وكتاب فصل الخطاب ، هذا تقرؤونه ، وما زالوا يكررون هذا ، ما زالوا وحتى يومنا هذا ، بعضهم يحاول أن ينسب إلى الطائفة هذا القول من أجل كتاب فصل الخطاب ، ولكنكم لو قرأتم كتاب فصل الخطاب لوجدتم خمسين بالمائة من رواياته من أهل السنة أو أكثر من خمسين بالمائة ، ولوجدتم أن فصل الخطاب يشتمل على الروايات المختلفة التي تقبل الحمل على اختلاف القراءات ، وتقبل الحمل على الحديث القدسي ، وتقبل الحمل على الدعاء ، ولا يبقى هناك إلا القليل الذي أشرت إليه من قبل ، والذي يجب أن يدرس من الناحية السندية .

عدم تحريف القرآن _ 19 _
   وحتى أني وجدت كتابا قد ألف من قبل بعضهم ، نظير كتاب فصل الخطاب ، إلا أن الحكومة المصرية صادرت هذا الكتاب وأحرقته بأمر من مشيخة الأزهر ، وحاولوا أن يغطوا على هذا الأمر ، فلا ينتشر ولا يسمع به أحد ، إلا أن الكتاب موجود عندنا الآن في قم ، كتاب صادرته الحكومة المصرية .
   والفرق بيننا وبينهم ، أنا إذا طبع عندنا كتاب فصل الخطاب مرة واحدة منذ كذا من السنين، ليست هناك حكومة تصادر هذا الكتاب ، إلا أنهم لو أن باحثا كتب شيئا يضر بمذهبهم بأي شكل من الأشكال حاربوه وطاردوه وصادروا كتابه وحرقوه وحكموا عليه بالسجن ، والكتاب الذي أشرت إليه موجود عندنا في قم ولا يجوز لي إظهاره لكم ، وقد ذكرت لكم من قبل إنا لا نريد أن نطرح المسألة بحيث تضر بالإسلام والقرآن .
   وعلى الجملة ، فإن هذا الموضوع يجب أن يبحث عنه في دائرة البحث العلمي الموضوعي ، وعلى صعيدي الأقوال والروايات كلا على حدة ، بحيث يكون بحثا موضوعيا خالصا بحتا ، ولا يكون هناك تهجم من أحد على أحد ، ولو أن السني أراد أن يواجه شيعيا عالما مطلعا على هذه القضايا لأفحم في أول لحظة ، ولكنهم ينشرون كتبهم على مختلف اللغات وبأشكال مختلفة ، ولربما حتى في موسم الحج يوزعون كتبهم على الحجاج ، حتى ينتشر هذا الافتراء منهم على هذه الطائفة ، إلا أن واحدا منهم لا يستعد لأن يباحث في مثل هذا الموضوع الحساس الذي طالما حاولوا أن يخصموا به هذه الطائفة المظلومة منذ اليوم الأول.

عدم تحريف القرآن _ 20 _
   إن الفرق بيننا وبينهم هو أنهم دائما يحاولون أن يغطوا على مساويهم وسيئاتهم ، ثم يتهجمون على الآخرين بالافتراء والشتم، ولست بصدد التهجم على أحد ، وإنما البحث ينجر أحيانا وينتهي إلى ما لا يقصده الإنسان .
   فنرجع إلى ما كنا فيه وحاصله : أما على صعيد الروايات ، فروايات التحريف بمعنى نقصان القرآن في كتب أولئك القوم هي أكثر عددا وأصح سندا ، ومن أراد البحث فأهلا وسهلا ، أنا مستعد أن أباحثه في هذا الموضوع .

التحريف بالنقصان حسب الأقوال
وأما على صعيد الأقوال، فنحن وهم متفقون على أن القرآن الكريم سالم من النقصان، وليس فيه أي تحريف بمعنى النقصان، ولم يقع فيه أي نقيصة، هذا متفق عليه بين الطائفتين، ولا يعبأ بالشذوذ الموجود عندنا وعندهم.
فالقرآن مصون من التحريف، سالم من النقيصة، ليس بيننا وبين الفرق الأخرى من المسلمين خلاف في أنه القرآن العظيم الكريم الذي يجب أن يتلى، يجب أن يتبع، يجب أن يتحاكم إليه، يجب أن ينشر، يجب أن يدرس، وإلى آخره، هذا هو القرآن.
إلا أن في ثنايا أحاديثهم ما يضر بهذا القرآن ، مما نقل عن عثمان بسند صحيح أن فيه لحنا ، وعن ابن عباس أن فيه خطأ، وعن آخر أن فيه غلطا ، وهذه الأشياء غير موجودة في رواياتنا أبدا ، والمحققون من أهل السنة يعرضون عن هذه النقول ، وقول بعض الصحابة: حسبنا كتاب الله، فالغرض منه شئ آخر، كان الغرض من هذه المقولة عزل الأمة عن العترة الطاهرة، وعزل العترة عن الأمة، وعلى فرض صحة الحديث القائل: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وسنتي، فقد عزلوا السنة عن الأمة والأمة عن السنة أيضا عندما قالوا: حسبنا كتاب الله، لكن قولهم حسبنا كتاب الله يقصد منه شئ آخر أيضا، أليس الوليد قد رماه ومزقه، ألم يقل:

إذا ما جئت ربك يوم حشرفقل  يا  رب مزقني iiالوليد

عدم تحريف القرآن _ 21 _
   ليس عبد الملك بن مروان الذي هو خليفة المسلمين عندهم ، عندما أخبر أو بشر بالحكم وكان يقرأ القرآن قال: هذا فراق بيني وبينك ؟ ! إذن ، لم يبق القرآن كما لم تبق العترة ولم تبق السنة .
   أكانت هذه الخطة مدبرة، أو لا عن عمد قال القائل كذا وانتهى الأمر إلى كذا، لكن الله سبحانه وتعالى يقول : ( أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ) (1).

--------------------
(1) سورة آل عمران 3 / 144 .

عدم تحريف القرآن _ 22 _
ملحق البحث (1)
1 ـ حول قرآن علي ( عليه السلام ) : هذا الموضوع تعرضت له في بحثي حول تحريف القرآن (2) ، فهو يشكل فصلا من فصول الكتاب، أو شبهة من شبهات تحريف القرآن، صحيح أن أمير المؤمنين (عليه السلام) جمع القرآن، وقد أشرت إلى هذا من قبل ، فالإمام جاء بالقرآن إليهم، فرفضوه، وهذا أيضا موجود ، كان لعلي قرآن ، هذا موجود والكل يذكره ، علي جمع القرآن الكل يذكره، حتى جاء في فهرست النديم أيضا أن قرآن علي كان موجودا عند أحد علماء الشيعة الكبار في عصر النديم ، أتذكر يقول : رأيته عند أبي يعلى الجعفري ، فهذا القرآن الآن موجود عند الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه كسائر المواريث الموجودة عنده.
   ويختلف هذا القرآن عن القرآن الموجود الآن في الترتيب أولا، ويختلف عن القرآن الموجود في أن عليا قد أضاف في هوامش الآيات بعض الفوائد التي سمعها من النبي والمتعلقة بتلك الآيات ، ذكرها في الهوامش .

--------------------
(1) يعقب المركز ندواته العقائدية بالإجابة على الأسئلة، وتتميما للفائدة نذكر في هذا الملحق الإجابة على بعض الأسئلة مع الاختصار وحذف الأسئلة والاكتفاء بوضع عنوان لكل سؤال .
(2) التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف: 89.

عدم تحريف القرآن _ 23 _
   أما أن يكون ذلك القرآن يختلف عن هذا القرآن في ألفاظه أي في سور القرآن ومتن القرآن ، هذا غير ثابت عندنا ، غاية ما هناك أنه يختلف مع هذا القرآن الموجود في الترتيب ، وفي أن فيه إضافات أمير المؤمنين تتعلق بالآيات وقد سمعها من النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فكتبها في هوامش تلك الآيات ، إذن ، هذا الموضوع لا علاقة له بمسألة نقصان القرآن ، وهذا القرآن موجود عند الإمام الثاني عشر ( عليه السلام ) كما في رواياتنا .
2 ـ موقف العلماء من الميرزا النوري وكتابه : لقد رد عليه العلماء ، وكتبت ردود كثيرة على كتابه ، من المعاصرين له ومن كبار علمائنا المتأخرين عنه ، هناك كتاب في الرد على فصل الخطاب ، كتاب كبير وضخم، رد على روايات فصل الخطاب واحده واحدة ، ونظر فيها واحدا واحدا ، وهذا المؤلف معاصر له، إلا أن هذا الكتاب غير مطبوع الآن.
   ولاحظوا أنتم كتاب آلاء الرحمن في تفسير القرآن للشيخ البلاغي الذي هو معاصر للشيخ النوري ، لاحظوا هذا الكتاب وانظروا كيف يرد عليه بشدة .
   أما أن نكفره ونطرده عن طائفتنا ونخرجه عن دائرتنا ، كما يطالب بعض الكتاب المعاصرين من أهل السنة ، فهذا غلط وغير ممكن أبدا ، وهل يفعلون هذا مع كبار الصحابة القائلين بالنقصان ، ومع كبار المحدثين منهم الرواة لتلك الأقوال ؟
   هذا ، وشيخنا الشيخ آقا بزرك الطهراني تلميذ المحدث الميرزا النوري ، في كتاب الذريعة إلى تصانيف الشيعة، تحت عنوان فصل الخطاب ، يصر على أن الميرزا النوري لم يكن معتقدا بمضامين هذه الروايات ، ولم يكن معتقدا بكون القرآن ناقصا ومحرفا ، فهذا ما يقوله شيخنا الشيخ الطهراني الذي هو أعرف بأحوال أستاذه وبأقواله ، وهذا كتاب الذريعة موجود ، فراجعوه .

عدم تحريف القرآن _ 24 _
   ولو سلمنا أن الشيخ النوري يعتقد بنقصان القرآن ، فهو قوله ، لا قول الطائفة ، قول الواحد لا ينسب إلى الطائفة ، وكل بحثنا عن رأي الطائفة ، ولم يكن بحثنا عن رأي الشيخ النوري ، كنا نبحث عن مسألة التحريف على ضوء الأقوال عند الطائفة كلها ، على ضوء الروايات عند الطائفة كلها ، لا على رأي واحد أو اثنين ، وإلا لذكرت خمسين عالما كبيرا هو أكبر من الشيخ النوري وينفي التحريف .
3 ـ حول جمع القرآن الموجود : إنه لم يكن لأئمتنا ( عليهم السلام ) دور في جمع هذا القرآن الموجود ، إلا أنهم كانوا يحفظون هذا القرآن ، ويتلون هذا القرآن ، ويأمرون بتلاوته ، وبالتحاكم إليه ، وبدراسته ، ولا تجد عنهم أقل شئ ينقص من شأنه .
   القرآن كان مجموعا على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، مكتوبا على الخشب والحجر وأشياء أخرى كانوا يكتبون عليها ، وكانت هذه مجتمعة في مكان واحد ، إلا أنها غير مرتبة ، ومبعثرة غير مدونة، عند أبي بكر ، ثم عند عمر ، ثم عند حفصة، حتى جاء عثمان وقد حصل الترتيب على الشكل الموجود الآن في زمن عثمان .
   إلا أنكم لو تلاحظون روايات القوم في كيفية جمعه وتدوينه ، لأخذتكم الدهشة ، ولا شئ من مثل تلك الروايات في كتب أصحابنا ، وعندما أرادوا جمع القرآن وتدوينه وترتيبه ، طالبوا من كتب قرآنا لنفسه بإحضار نسخته ، فأخذوها وأحرقوها ، أما قرآن علي ( عليه السلام ) فهو باق كما ذكرنا من قبل .

عدم تحريف القرآن _ 25 _
4 ـ مسألة تهذيب كتب الحديث من مثل هذه الروايات : أما كتب أصحابنا فهي تشتمل على روايات تدل على الجبر ، وأخرى على التفويض ، وهكذا أشياء أخرى مما لا نعتقد به، ولذلك أسباب ليس هنا موضع ذكرها ، ولكن الذي يسهل الخطب أنه لا يوجد عندنا كتاب صحيح من أوله إلى آخره سوى القرآن الكريم ، بخلاف كتب القوم ، فقد ذكرنا أن كثيرا منهم التزم فيها بالصحة ، والروايات الباطلة في كتبهم كثيرة جدا، وقد حصلت عندهم الآن فكرة تهذيب كتبهم ، ولكن هذا أمر عسير جدا ولا أظنهم يوفقون .
   نعم ، شرعوا بتحريف كتبهم في الطبعات الجديدة، خاصة فيما يتعلق بمسائل الإمامة والخلافة، من مناقب علي وأهل البيت (عليهم السلام)، ومساوئ مناوئيهم، وقد سمعت بعضهم في المدينة المنورة أنه قد قرروا إسقاط سبعين حديثا من أحاديث صحيح مسلم من هذا القبيل .
   هذا ، ومن شاء الوقوف على تفاصيل القضايا والمسائل في موضوع تحريف القرآن فليرجع إلى كتابنا ( التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف ) .
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين