الناشر
( السيد محمد باقر الصدر) التعريف عنه يبقى موجزا مهما طال وتشعب ، وما قدمه للفكر الانساني عامة والاسلامي بوجه خاص يغني عن أي تعريف فمن كتاباته ( البنك اللاربوي في الاسلام ) الى كتاب ( فلسفتنا ) الى كتاب ( اقتصادنا ) ثم ( الاسس المنطقية للاستقراء ) اضافة الى العديد من كتاباته الاخرى التي أصبحت مرجعاً فلسفياً يعتمد عليه اساتذة الفلسفة الحديثة على اختلاف اتجاهاتها ، حتى اعتبر ( مجدداً ) بحق ، ولم تكن جهوده هذه كل همه فكانت جنبا الى جنب مع مساعيه من دروس ومحاضرات يلقيها على طلبة العلوم الدينية في النجف الأشرف .
فكان بحد ذاته مدرسة يعتمد عليها في مختلف العلوم .
وهذا الكتاب الذي بين يديك أخي القارئ( مقدمات في التفسير الموضوعي للقرآن الكريم ) يمثل محاضرات ألقاها سماحته متوجا فيها أعماله باتجاه تجديدي يكون مكملا لجهود المفسرين باضافته الاتجاه الموضوعي في التفسير الى الاتجاه التجزيئي ، وليكون بذلك أثباتا فعليا وعصريا لمقولة( الاسلام نظام شامل وكامل للحياة ) .
وقد قام بعض الافاضل من تلامذته بمراجعة هذه الدروس وتحقيقها لتكون على شكل كتاب ، فجزاه الله واياهم عن الاسلام أفضل الجزاء .
تقديم
بسم الله الرحمن الرحيم
وأفضل الصلوات على سيد الخلق محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .
ربنا فقهنا في كتابك وأكشف عن قلوبنا ظلمات الذنوب لكي نتفهم آياتك وأزح عن بصائرنا غشاوة الدنيا وبريقها الكاذب لكي تملأ قلوبنا بهداك واجعلنا من حملة قرآنك وسنة نبيك والسائرين على طريق طاعتك .
ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا أنك على كل شيء قدير ، ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو اخطأنا ، ربنا ولا تحمل علينا اصراً كما حملته على الذين من قبلنا ، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به وأعف عنا وأغفر لنا وانصرنا ، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ، ربنا وأغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا للايمان ، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ، ربنا انك رؤوف رحيم .
مُقدّمَاتٌ
في التفسير الموضوعي للقرآن
_ 2 _
الدرس الاول :
لا شك في تنوع التفسير واختلاف مذاهبه وتعدد مدارسه والتباين في كثير من الاحيان بين اهتماماته واتجاهاته ، فهناك التفسير الذي يهتم بالجانب اللفظي والادبي والبلاغي من النص القرآني وهناك التفسير الذي يهتم بجانب المحتوى والمعنى والمضمون وهناك التفسير الذي يركز على الحديث ويفسر النص القرآني بالمأثور عن الرسول وأهل بيته (عليه السلام) أو بالمأثور عن الصحابة والتابعين .
وهناك التفسير الذي يعتمد العقل أيضاً كأساس من أسس التفسير وفهم كتاب الله سبحانه وتعالى ، وهناك التفسير المتميز الذي يتخذ مواقف مذهبية مسبقة ويحاول أن يطبق النص القرآني على أساسها .
وهناك التفسير غير المتحيز الذي يحاول أن يستنطق النص القرآني ويطبق الرأي على القرآن لا القرآن على الرأي والى غير ذلك من الاتجاهات المختلفة في التفسير الاسلامي .
الا ان الذي يهمنا ونحن على أبواب هذه الدراسة القرآنية أن نركز على ابراز اتجاهين رئيسيين لحركة التفسير في الفكر الاسلامي ونطلق على أحدهما اسم ( الاتجاه التجزيئي في التفسير ) وعلى الآخر اسم ( الاتجاه التوحيدي أو الموضوعي في التفسير ) الاتجاه الاول : الاتجاه التجزيئي المنهج الذي يتناول المفسر ضمن اطاره القرآن الكريم آية فآية وفقا لتسلسل تدوين الآيات في المصحف الشريف ، والمفسر في نطاق هذا المنهج يسير مع المصحف ويفسر قطعاته تدريجياً بما يؤمن به من أدوات ووسائل للتفسير من الظهور أو المأثور من الاحاديث أو العقل أو الآيات الاخرى التي تشترك مع تلك الآية في مصطلح أو مفهوم بالقدر الذي يلقي ضوءا على مدلول القطعة القرآنية التي يراد تفسيرها مع أخذ السياق الذي وضعت تلك القطعة ضمنه بعين الاعتبار في كل تلك الحالات .
وطبعا نحن حينما نتحدث عن التفسير التجزيئي نقدمه في أوسع وأكمل صوره التي انتهى اليها فان التفسير التجزيئي تدرج تاريخيا الى أن وصل الى مستوى الاستيعاب الشامل للقرآن الكريم بالطريقة التجزيئية وكان قد بدأ في عصر الصحابة والذي يعين على مستوى شرح تجزيئي لبعض الآيات القرآنية وتفسير لمفرداتها ، وكلما امتد الزمن ازدادت الحاجة الى تفسير المزيد من الآيات الى أن انتهى الى الصورة التي قدم فيها ابن ماجة والطبري وغيرهما كتبهما في التفسير في أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع وكانت تمثل أوسع صورة للمنهج التجزيئي في التفسير .
مُقدّمَاتٌ
في التفسير الموضوعي للقرآن
_ 3 _
فالمنهج التجزيئي في التفسير حيث أنه كان يستهدف فهم مدلول اللفظ ، وحيث أن فهم مدلول اللفظ كان في البداية ميسرا لعدد كبير من الناس ثم بدأ اللفظ يتعقد من حيث المعنى بمرور الزمن وازدياد الفاصل وتراكم الخبرات والتجارب وتطور الاحداث والاوضاع من هنا توسع التفسير التجزيئي تبعا لما أعتبر النص القرآني من غموض ومن شك في تحديد مدلول اللفظ حتى تكامل بالطريقة التي نراها في موسوعات التفسير حيث ان المفسر يبدأ من الآية الاولى من سورة الفاتحة الى سورة الناس فيفسر القرآن آية آية ، لان كثير من الآيات بمرور الزمن أصبح معناها ومدلولها اللفظي بحاجة الى ابراز أو تجربة أو تأكيد ونحو ذلك ، هذا هو التفسير التجزيئي ، طبعا نحن لا نعني بالتجزيئية في هذا المنهج التفسيري ان المفسر يقطع نظره عن سائر الآيات ولا يستعين بها في فهم الآية المطروحة للبحث ، بل انه قد يستعين بآيات أخرى في هذا المجال كما يستعين بالاحاديث والروايات ، ولكن هذه الاستعانة تتم بقصد الكشف عن المدلول اللفظي الذي تحمله الآية المطروحة للبحث ، فالهدف في كل خطوة من هذا التفسير فهم مدلول الآية التي يواجهها المفسر بكل الوسائل الممكنة أي أن الهدف ( هدف تجزيئي ) ، لانه يقف دائما عند حدود فهم هذا الجزء أو ذاك من النص القرآني ولا يتجاوز ذلك غالبا ، وحصيلة تفسير تجزيئي للقرآن الكريم كله تساوي على أفضل تقدير مجموعة مدلولات القرآن الكريم ملحوظة بنظرة تجزيئية أيضا ، أي أنه سوف نحصل على اعداد كبيرة من المعارف والمدلولات القرآنية ، لكن في حالة تناثر وتراكم عددي دون أن نكتشف أوجه الارتباط ، دون أن نكتشف التركيب العضوي لهذه المجاميع من الافكار ، دون أن نحدد في نهاية المطاف نظرية قرآنية لكل مجال من مجالات الحياة فهناك تراكم عددي للمعلومات ، الا أن الخيوط بين هذه المعلومات ، أي الروابط والعلاقات التي تحولها الى مركبات نظرية ومجاميع فكرية بالامكان ان نحصر على أساسها نظرية القرآن لمختلف المجالات والمواضيع ، أما هذا فليس مستهدفا بالذات في منهج التفسير التجزيئي وان كان قد يحصل احيانا ، وقد أدى هذا التناثر ونزعه الاتجاه التجزيئي الى ظهور التناقضات المذهبية العديدة في الحياة الاسلامية ، لانه كان يكفي ان يجد هذا المفسر أو ذاك آية تبرر مذهبه لكي يعلن عنه ويجمع حوله.
مُقدّمَاتٌ
في التفسير الموضوعي للقرآن
_ 4 _