ومن هذه الزاوية الاجتهادية ـ وان كان مجالها الحقيقي في تطبيقات علمي الفقه والأصول ـ كان استناد الشيخ الأكبر إلى مدرسة الكوفة في اللغة والنحو من خلال ظاهرتين :
الأولى : اختياره مذهب الكوفيين في جملة مسائل الخلاف في النحو ، ومواطن الافتراق في اللغة ، ومظاهر التمايز في القراءة ، وتنصيصه على ذلك في كل الكتاب .
الثانية : استعماله المصطلحات الدقيقة عند الكوفيين كالتعبير : عن النفي بالجحد ، وعن الكسر بالخفض ، وعن العطف بالنسق ، وعن الحروف بالأدوات ، وعن الصفة بالنعت ، مما هو مطروح في مباحث الحجة واللغة والاعراب في تفسيره التبيان .
3 ـ أبو علي ، الفضل بن الحسن الطبرسي ( ت : 548 هـ ) في تفسيره الشهير : « مجمع البيان في تفسير القرآن »
(1) ، وأصل شهرة هذا التفسير مضافاً إلى النية الصادقة أنه طبع عدة مرات قبل تفسير الشيخ الطوسي ، ومع ما للطبرسي من المكانة العلمية ، والاضطلاع بتصريف شؤون البيان ، إلا أنه استند إلى تفسير الطوسي استناداً حقيقياً ، إن لم يكن قد استنسخه نسخاً فعلياً ، وهذا جارٍ في سيرة السلف الصالح أن ينشر اللاحق علم السابق ، ولكن بإضافات قيمة ، توسع فيها خصوصاً في المقارنة ، ولا أدل على ذلك من إجماع هيأة كبار العلماء في القاهرة على اختياره تفسيراً يجمع آراء المسلمين كافة ، فقرروا طبعه ببادرة من دار التقريب لهذا الملحظ طبعة جديدة غير طبعة صيدا : 1333 هـ .
ولما كان هذا التفسير حاوياً لعلم الشيخ المؤسس الطوسي ، وجامعاً لتفسيره بكل جزئياته ، مع الاضافات الجوهرية الثمينة ، فما قيل عن « التبيان » فيما سبق ، يقال عن « مجمع البيان » جملة وتفصيلاً ، وبعد هذا العرض التلميحي لمدرسة الكوفة في تفسير القرآن العظيم ، يجب أن نضع بين أعيننا جادين ، أن هذه المدرسة هي خلاصة تجارب الامام علي الريادية في التشريع والتفسير والبلاغة والفلسفة وعلم الكلام والفقه والاصول والنحو واللغة ، فهو المؤسس الحقيقي لميادين هذه المدرسة ، جزءاً من إعداده القيادي من قبل الرسول الاعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) القائل بإيجاز : « أنا مدينة العلم وعلي بابها » .
--------------------
(1) طبع عشرات الطبعات ، ومن أفضلها طبعة صيدا ، 1333 .
مَجازُ القُرآنِ
خصَائصهُ الفَنيَّة وبَلاغَته العَربيَّة
_ 52 _