ابن قتيبة ( ت : 276 هـ )
(1)
ثعلب ( ت : 291 هـ )
(2)
ابن المعتز ( ت : 296 هـ )
(3)
القاضي الجرجاني ( ت : 366 هـ )
(4)
علي بن عيسى الرماني ( ت : 386 هـ )
(5)
وهذه التعريفات وما تبعها من التفريعات متشابهة في الإشارة الى المصطلح حسنا ، والى العناية بالموروث اللغوي للاستعارة حينا آخر
(6) .
ومع هذا فإننا نميل الى الكشف العلمي فيما أبانه : ابو الهلال العسكري ( ت : 395 هـ ) في تعامله مع المصطلح الاستعاري معاملة جديدة .
إذ أعطى التعريف بوضوح مع التمثيل القرآني الدقيق فقال عن الاستعارة أنها : ( نقل العبارة عن موضع استعمالها في أصل اللغة الى غيره لغرض وذلك الغرض إما أن يكون : شرح المعنى وفضل الإبانة عنه ، أو تأكيده والمبالغة فيه ، أو الإشارة اليه بالقليل من اللفظ ، أو تحسين المعرض الذي يبرز فيه .
وهذه الأوصاف موجودة في الاستعارة المصيبة ، ولولا أن الاستعارة المصيبة تتضمن ما لا تتضمنه الحقيقة من زيادة فائدة ، لكانت الحقيقة أولى منها استعمالا )
(7) .
إن هذه الإبانة في تلخيص النقل للمعنى من لفظ الى لفظ ، وإن عبّر
--------------------
(1) ظ : ابن قتيبة ، تأويل مشكل القرآن : 102 .
(2) ثعلب ، قواعد الشعر : 46 .
(3) ظ : ابن المعتز ، البديع : 2 .
(4) ظ : القاضي الجرجاني ، الوساطة بين المتنبي وخصومه : 41 .
(5) ظ : الرماني ، النكت في إعجاز القرآن ، ضمن ثلاث رسائل : 79 .
(6) ظ : تفصيلات ذلك عند المؤلف : أصول البيان العربي : 90 .
(7) العسكري ، الصناعتين : 274 .
مجاز القرآن وخصائصه الفنية وبلاغته العربية
_ 143 _
عنه بالعبارة تجوزا ، واستحداث معنى جديد في اللفظ ، وجعل الكلمة ذات دلالة لم تجعل لها في أصل اللغة ، وإضافة الفائدة في النقل الاستعاري بدلا من الاستعمال الحقيقي ، إنما هو جوهر الاستعارة وروحها ، فضلا عن كونه كشفا جديدا متوازنا في صنوف الاستعارة وشؤونها ، وهو متناسب مع ما أكده فيما ضربه من نموذج قرآني رفيع ، شاهدا على ذلك بقوله : ( والشاهد على أن للاستعارة المصيبة من الموقع ما ليس للحقيقة أن قوله تعالى : ( يوم يكشف عن ساق ) (1) أبلغ وأحسن وأدخل مما قصد له من قوله لو قال : يوم يكشف عن شدة الأمر ، وأن كان المعنيان واحدا ، ألا ترى أنك تقول لمن تحتاج الى الجد في أمره : شمر عن ساقك فيه ، وأشدد حيازمك له ، فيكون هذا القول أوكد في نفسه من قولك : جد في أمرك ) (2) .
وما ذهب اليه أبو هلال منتظم لما وجدنا عليه أرسطوا من ذي قبل حينما عدّ الاستعارة : من أعظم الأساليب الفنية ، وأنها آية الوهبة التي لا يمكن تعلمها من الآخرين (3) .
ويرى عبد القاهر ( ت : 471 هـ ) في الاستعارة : أنك تثبت بها معنى لا يعرف السامع ذلك المعنى من اللفظ ، ولكنه يعرفه من معنى اللفظ (4) ، وهو هنا يتحدث عن عائدية الاستعارة وفضلها ، ويعرفها بقوله : ( الاستعارة أن تريد تشبيه الشيء وتظهره ، وتجيء الى اسم المشبه به فتعيره المشبه وتجريه عليه ) (5) .
ويتضح من عايدية الاستعارة وتعريفها عند عبد القاهر : أن هناك لفظا ومعنى ، وهناك معنى اللفظ ، والاستعارة تختص بالألفاظ ، ولكنه قد أشرك المضمون بالإضافة الى الشكل في جلاء الصورة الاستعارية ، أو المعنى في
--------------------
(1) القلم : 42 .
(2) العسكري ، الصناعتين : 274 .
(3) ظ : شكري عياد ، أرسوط طاليس ، فن الشعر : 176 .
(4) عبد القاهر ، دلائل الإعجاز : 31 .
(5) المصدر نفسه : 53 .
مجاز القرآن وخصائصه الفنية وبلاغته العربية
_ 144 _
إدراك مؤدي اللفظ ، وكأنه يريد بذلك : معنى المعنى ، أو المعاني الثانوية في الألفاظ .
إن ما أبداه عبد القاهر في الصيغة الإصطلاحية قد تتبعه بالإشارات بعده كل من :
فخرالدين الرازي ( ت : 606 هـ ) (1)
السكاكي ( ت : 626 هـ ) (2)
ابن الأثير ( ت : 637 هـ ) (3)
ابن أبي الأصبع ( ت : 654 هـ ) (4)
ابن مالك ( ت : 686 هـ ) (5)
الخطيب القزويني ( ت : 739 هـ ) (6)
حقا لقد استفاد هؤلاء من منهج عبد القاهر في تحديد الاستعارة ، وقد خلص لنا مما أرساه أبو هلال ، وما أبانه عبد القاهر : أن الاستعارة جارية في الألفاظ على سبيل النقل اللغوي لغرض تشبيهي .
أما المجاز المرسل فحقيقته جاءت على أساس عدم ارتباطه بعنصر المشابهة في ملابسته للمعنى بغير التشبيه ، وتسميته جاءت لخلوه من القيود وسلامته من الحدود ، فالإرسال لغة : الإطلاق ، وأرسله بمعنى أطلقه ، لا شك في هذا ، ولما كانت الاستعارة مقيدة بادعاء أن المشبه من جنس المشبه به ، كان المجاز المرسل مطلقا من هذا القيد ، وحرا من هذا الأرتباط ، فهو طليق مرسل وكفى .
ويبدوا أن السكاكي ( ت : 626 هـ ) هو أول من أطلق هذه التسمية عليه (7)
--------------------
(1) ظ : الرازي ، نهاية الإيجاز : 82 .
(2) ظ : السكاكي ، مفتاح العلوم : 174 .
(3) ظ : ابن الأثير ، المثل السائر : 1/ 365 .
(4) ظ : ابن أبي الأصبع ، بديع القرآن : 19 .
(5) ظ : ابن مالك ، المصباح : 61 .
(6) ظ : القزويني ، الإيضاح : 278 ـ 407 تحقيق الخفاجي .
(7) ظ : السكاكي ، مفتاح العلوم : 195 وما بعدها .
مجاز القرآن وخصائصه الفنية وبلاغته العربية
_ 145 _
وأن كان من سبقه قد أدرك الفرق بين الاستعارة وهذا النوع من المجاز ، ولكنه لم ينص عليه إلا من خلال علاقة غير المشابهة كما هي الحال عند عبد القاهر (1) .
وجاء الخطيب القزويني ( ت : 739 هـ ) فتابع السكاكي في التسمية والتعريف معا ، فقال عنه : ( وهو ما كانت العلاقة بين ما استعمل فيه ، وما وضع له ملابسة غير التشبيه ، كاليد إذا استعملت في النعمة ، لأن من شأنها أن تصدر عن الجارحة ، ومنها تصل الى المقصود بها ، ويشترط أن يكون في الكلام إشارة الى المولي لها ، فلا يقال : اتسعت اليد في البلد ، أو اقتنيت يدا ، كما يقال : اتسعت النعمة في البلد ، أو اقتنيت نعمة ، وإنما يقال : جلّت يده عندي ، وكثرت أياديه لدي ونحو ذلك ) (2) .
وفي هذا التعريف والتنظير تبدو العلاقة بين الاستعمال الحقيقي والمعنى المجازي ، وتظهر الفروق المميزة بين الاستعارة والمجاز المرسل ، فبالنسبة لليد ، وهي وإن كانت جارحة لا تتصرف إلا بأمر من الإنسان نفسه ، إلا أنها تستعمل فيما يصدر عنها من العطاء في مقام النعمة ، والبطش في مقام القوة ، والضرب عند التأديب والانتقام ، وبها يتعلق الأخذ والعطاء ، والمنع والدفع ، والصد والرد ، وكل صادر عنها بعلاقة ومناسبة غير المشابهة لدى الاستعمال المجازي ، وإنما بالأثر والقوة والقدرة والوطئة ، ولا مشابهة بين هذه الآثار وبين الجارحة نفسها ماهية وحقيقة .
لهذا فقد كان اختيار علاقة غير المشابهة للمجاز المرسل ، وعلاقة المشابهة للاستعارة ، اختيار موفقا لدى التفريق بينهما ، فكما كانت الملابسة بين اليد والنعمة واضحة في غير المشابهة بين الحقيقتين ، فكذلك ملابسة المشابهة واضحة في الاستعمال الاستعاري بين المشبه والمشبه به
--------------------
(1) ظ : عبد القاهر ، أسرار البلاغة : 376 .
(2) القزويني ، الإيضاح : 280 ، 397 تحقيق الخفاجي .
مجاز القرآن وخصائصه الفنية وبلاغته العربية
_ 146 _