فقوله : (بشرا) إشارة إلى الابعاد البشرية الموجودة في كل انسان طبيعي ، وإن كانوا يختلفون فيها في ما بينهم كمالا ولمعانا.
  وقوله : (رسولا) إشارة إلى ذلك البعد المعنوي الذي ميزه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الناس وجعله معلما وقدوة للبشر.
  فلاجل ذلك يقف المرء في تحديد الشخصيات الالهية على شخصية مركبة من بعدين : طبيعي وإلهي ولا يقدر على توصيفها إلا بنفس ما وصفهم الله به سبحانه مثل قوله في شأن الرسول الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.
  (الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذى يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التى كانت عليهم) (الاعراف / 157) وقد نزلت في حق الامام أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ آيات ووردت روايات.
  كيف وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب ـ عليه‌السلام ـ) (1).
  وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (من سره أن يحيى حياتي ويموت مماتي ، ويسكن جنة عدن غرسها ربي فليوال عليا بعدي ، وليوال وليه ، وليقتد بالائمة من بعدي فإنهم عترتي خلقوا من طينتي ، رزقوا فهما وعلما ، وويل للمكذبين بفضلهم من أمتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي) (2).
  وقال الامام أحمد بن حنبل : ما لاحد من الصحابة من الفضائل بالاسانيد

-----------------------------
(1) أخرجه الحافظ الخطيب البغدادي في تاريخه 4 / 410.
(2) أخرجه الحافظ أبو نعيم في حلية الاولياء 1 / 86.

خصائص الوحي المبين _27 _

  الصحاح مثل ما لعلي ـ رضي الله عنه (1).
  وقال الامام الفخر الرازي : من اتخذ عليا إماما لدينه فقد استمسك بالعروة الوثقى في دينه ونفسه (2).
  وقال أيضا : من اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدى لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم أدر الحق مع علي حيث دار (3).
  وهذا الكتاب الذي بين يديك ويزخر بهذه الآيات والروايات يتكفل ـ في الحقيقة ـ تسليط الضوء على ذلك البعد المعنوي.
  لا عتب على اليراع لو وقف عند تحديد شخصية كريمة معنوية خصها الله تعالى بمواهب وفضائل ، وكفى في ذلك ما رواه طارق بن شهاب ، قال : كنت عند عبد الله بن عباس فجاء أناس من أبناء المهاجرين فقالوا له : يا بن عباس أي رجل كان علي بن أبي طالب ؟
  قال : ملئ جوفه حكما وعلما وبأسا ونجدة وقرابة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (4).
  روى عكرمة عن ابن عباس قال : ما نزل في القرآن : (يا أيها الذين آمنوا) إلا وعلي ـ عليه‌السلام ـ رأسها وأميرها ، ولقد عاتب الله أصحاب محمد في غير مكان ، وما ذكر عليا إلا بخير (5).
  وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : ما نزل في أحد من كتاب الله ما نزل

-----------------------------
(1) مناقب أحمد لابن الجوزي الحنبلي 163.
(2) تفسير مفاتيح الغيب 1 / 205.
(3) المصدر نفسه 204.
(4) شواهد التنزيل 1 / 108 ح 153.
(5) مسند أحمد 1 / 190 ، تاريخ الخلفاء 171.

خصائص الوحي المبين _ 28 _

  في علي (1).
  وقال ابن عباس : نزلت في علي أكثر من ثلاثمائة آية في مدحه (2).
  ونكتفي في ترجمة علي ـ عليه‌السلام ـ بكلمتين عن تلميذيه اللذين كانا معه سرا وجهرا ، ونحيل الباقي إلى الكتاب الذي بين يديك الآن :
  1 ـ قال ابن عباس ـ عندما سئل عن علي فقال ـ : رحمة الله على أبي الحسن كان والله علم الهدى وكهف التقى وطود النهى ومحل الحجى وغيث الندى ، ومنتهى العلم للورى ، ونورا أسفر في الدجى ، وداعيا إلى المحجة العظمى ومستمسكا بالعروة الوثقى ، أتقى من تقمص وارتدى ، وأكرم من شهد النجوى بعد محمد المصطفى ، وصاحب القبلتين ، وأبو السبطين ، وزوجته خير النساء فما يفوقه أحد ، لم تر عيناي مثله ، ولم أسمع بمثله ، فعلى من أبغضه لعنة الله ولعنة العباد إلى يوم التناد (3).
  2 ـ إن معاوية سأل ضرارا بن جزء بعد موت علي عنه ، فقال : صف لي عليا فقال : أو تعفيني ؟ قال : صفه ، قال : أو تعفيني ؟ قال : لا أعفيك ، قال : أما إذ لا بد فأقول ما أعلمه منه : والله كان بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول فصلا ، ويحكم عدلا ، يتفجر العلم من جوانبه ، وتنطق الحكمة من نواحيه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويستأنس بالليل وظلمته ، كان والله غزير الدمعة ، طويل الفكرة ، يقلب كفيه ويخاطب نفسه ، يعجبه من اللباس ما خشن ، ومن الطعام ما جشب.
  كان والله كأحدنا ، يجيبنا إذا سألناه ويبتدئنا إذا أتيناه ، ويأتينا إذا دعوناه ، ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه هيبة ، ولا نبتدئه عظمة ، إن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم ، يعظم أهل الدين ، ويحب المساكين ، لا يطمع القوي

-----------------------------
(1) الصواعق المحرقة الباب التاسع الفصل الثالث 76.
(2) تاريخ الخلفاء 172.
(3) ميزان الاعتدال 1 / 484.

خصائص الوحي المبين _ 29 _

  في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله.
  فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله ، وغارت نجومه وقد مثل في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين وكأني أسمعه وهو يقول : يا دنيا أبي تعرضت ؟ أم إلي تشوقت ؟ هيهات ، هيهات غري غيري قد باينتك ثلاثا لا رجعة لي فيك ، فعمرك قصير وعيشك حقير ، وخطرك كثير ، آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق.
  قال : فذرفت دموع معاوية على لحيته فما يملكها وهو ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء ، فقال معاوية : رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك فكيف حزنك عليه يا ضرار ؟ قال : حزن من ذبح ولدها في حجرها فلا ترقأ عبرتها ولا يسكن حزنها (1)
  هذه شذرات من فضائله ، وقبسات من مناقبه الكثيرة التي حفظها التاريخ عن تلاعب الايدي ، غير أنه لا يعرف عليا غير خالقه ، وبعده صاحب الرسالة الكبرى ابن عمه المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

المناقب في المكتبة الاسلامية

  ولاجل ذلك قد قام لفيف من علماء الفريقين منذ العصور الاولى بتدوين مناقب أهل البيت عامة ومناقب الامام أمير المؤمنين خاصة ، ومن سبر المعاجم وكتب التراجم يقف على أن موضوع مناقب أهل البيت وفضائلهم ، من المواضيع المهمة التي شغلت بال المفسرين أولا ، والمحدثين ثانيا والمؤلفين ثالثا ، في الاقطار الاسلامية ، باللغات المختلفة وأنه كان موضع اهتمام العلماء منذ الصدر الاول وفي القرون التالية إلى القرن الحاضر ولو جمعت تلك الكتب المطبوعة وصورت المخطوطة منها الموجودة في المكتبات لشكلت مكتبة كبرى واسعة.
  ولئن قام أحد المتتبعين بتدوين أسمائها وأسماء مؤلفيها ، لجاءت المذكرات

-----------------------------
(1) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد 18 / 225 وغيره.

خصائص الوحي المبين _30 _

  بصورة رسالة كبيرة ، ومن حسن الحظ أن قام أحد المحققين في هذا الموضوع فألف رسالة كبيرة في خصوص ما ألف في مناقب وفضائل آل البيت باللغة العربية وأسماها ب‍ (أهل البيت في المكتبة العربية) ، نشرت تباعا في مجلد (تراثنا) الصادرة عن مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام لاحياء التراث في قم وقد توسط الآن حرف الميم وتجاوز حتى الآن الستمائة كتاب.

الكتب المناقبية لابن البطريق

  لقد قامت الامامية بتدوين مناقب أهل البيت من أقدم العصور إلى زماننا هذا فألفوا في هذا المضمار كتبا حافلة ورسائل ذات أهمية بصور متنوعة.
  ومن أحسن ما ألف في هذا الباب في اخريات القرن السادس ، هم كتب ابن البطريق وهو محدث عصره ، وعلامة زمانه ، الحافظ : يحيى بن الحسن بن البطريق الاسدي الحلي (523 ـ 600) فقام بتدوين الفضائل والمناقب لوصي المختار ، بصورة بديعة لم يسبقه إليها أحد من أصحابنا الامامية حتى شيخه العلامة الحافظ : محمد بن علي بن شهرآشوب السروي (488 ـ 588) فقد دون جل ما رواه أصحاب الصحاح والمسانيد بشكل ممتاز ، موضحا لمشكلاته ، ومبينا لمعضلاته ، معلقا عليها كلما استدعت الحاجة وهي العمدة ومستدرك المختار وخصائص الوحي المبين.
  ويقف الباحث على موقع المؤلف ومكانته العلمية ، من خلال الثناء عليه من أعلام الطائفة ، وإليك بعض ما وقفنا عليه :
  1 ـ قال العلامة في إجازته لبني زهرة : ومن ذلك جميع مصنفات الشيخ أبي زكريا : يحيى بن علي البطريق ، ورواياته عني عن والدي ـ قدس الله روحه ـ عن السيد فخار عن المصنف (1).

-----------------------------
(1) إجازة العلامة لبني زهرة المطبوعة في البحار 104 / 60 ـ 137 وهذه الاجازة الكبيرة من العلامة لبني زهرة الحلبيين توصف بالاجازة الكبيرة كتبها عام 723 وهم عبارة عن علاء الملة والحق والدين أبي الحسن علي بن أبي إبراهيم محمد بن أبي علي الحسن بن أبي المحاسن بن =

خصائص الوحي المبين _31 _

  وعلى ذلك فيروي العلامة (648 ـ 726) عن شيخنا المترجم بواسطتين : والده والسيد فخار.
  2 ـ قال الشيخ الحر العاملي : الشيخ أبو الحسين يحيى بن الحسن بن الحسين بن علي بن محمد بن البطريق الحلي ، كان عالما ، فاضلا ، محدثا ، محققا ، ثقة ، صدوقا ، ثم ذكر كتبه (1).
  3 ـ وقال المتتبع الخبير عبد الله الافندي التبريزي : الشيخ الاجل شمس الدين أبو الحسين يحيى بن (الحسن بن الحسين بن علي بن محمد بن) البطريق الحلي الاسدي ، المتكلم الفاضل ، العالم ، المحدث الجليل ، المعروف بابن البطريق : صاحب كتاب العمدة وغيره من الكتب العديدة في المناقب ، وقد رأيت في بعض المواضع في مدحه هكذا : الامام الاجل شمس الدين جمال الاسلام ، العالم الفقيه ، نجم الاسلام ، تاج الانام مفتي آل الرسول (2).
  4 ـ وقال العلامة المجلسي في أول البحار : وكتاب العمدة وكتاب المستدرك كلاهما في اخبار المخالفين في الامامة للشيخ أبي الحسين يحيى (بن الحسن بن الحسين بن علي بن محمد) بن البطريق الاسدي (3).
  ثم قال : وكتاب العمدة ومؤلفه مشهوران مذكوران في أسانيد الاجازات ، وأما المستدرك فعندنا منه نسخة قديمة نظن أنها بخط مؤلفها (4).
  5 ـ وقال في الروضات بعد نقل ما ذكره الشيخ الحرفي أمله في حقه : وفي بعض كتب الاجازات اكتناء الرجل بأبي زكريا وفي بعضها تلقبه بشمس الدين ، شرف الاسلام.
  ثم قال : ويروى في الاغلب عن عماد الدين محمد بن القاسم الطبري ،

-----------------------------
= زهرة ، وولده المعظم شرف الملة والدين أبي عبد الله الحسين ، وأخيه بدر الدين أبي عبد الله محمد ، ووالديه أبي طالب أحمد أمين الدين وأبي محمد عز الدين الحسن ـ رحمهم الله ـ.
(1) أمل الآمل 2 / 45.
(2) رياض العلماء 5 / 358.
(3) و (4) بحار الانوار 1 / 10 و 29.

خصائص الوحي المبين _32 _

  وهو يروي عن الشيخ أبي علي ، ولد شيخنا الطوسي (1).
  6 ـ وقال الميرزا الاسترآبادي في رجاله الكبير : يحيى بن الحسن ... كان عالما فاضلا ، محدثا ، محققا ، ثقة ، صدوقا ، له كتب ... إلى آخر ما ذكره الشيخ الحر العاملي في أمله (2).
  7 ـ وقال المحدث النوري : الشيخ الاجل شمس الدين أبو الحسين أو أبو زكريا كما في إجازة العلامة لبني زهرة : يحيى بن الحسن بن الحسين بن علي بن محمد بن البطريق الحلي الاسدي مؤلف كتاب العمدة الذي جمع فيه ما في الصحاح الستة وتفسير الثعلبي ومناقب ابن المغازلي من مناقب أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ بحيث لم يغادر شيئا من ذلك ولم يذكر فيه شيئا من غيرها ، ولم يسبقه إلى هذا التأليف البديع أحد من أصحابنا ، ومؤلف كتاب المستدرك بعد العمدة ، أخرج فيه قريبا من ستمائة حديث من كتاب اخرى لهم ، عثر عليها بعد تأليف العمدة ، كالحلية لابي نعيم ، والمغازي لابن إسحاق ، والفردوس لابن شيرويه الديلمي ، ومناقب الصحابة للسهاني وغير ذلك من المؤلفات (3).
  8 ـ قال السيد الصدر : أبو الحسين يحيى بن الحسن بن الحسين بن علي ابن محمد بن البطريق الاسدي ، المتكلم الفاضل ، المحدث الجليل ، المعروف بابن البطريق ، يروي عن ابن شهر آشوب سنة خمس وتسعين (4) وخمسمائة وهو صاحب كتاب العمدة في مناقب الائمة والخصائص في مناقب أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ وهو أشهر من أن تشرح أحواله ، من كبار شيوخ الشيعة رضي الله عنه (5).

-----------------------------
(1) روضات الجنات 8 / 196.
(2) منهج المقال 513.
(3) المستدرك 3 / 476.
(4) هكذا في النسخة المطبوعة ، والظاهر انه مصحف سبعين ، وقد توفي الشيخ إبن شهر آشوب عام 588 فكيف يمكن أن يروي عنه المترجم عام 595 ؟ وقد نقل شيخنا الطهراني عام الرواية كما ذكرناه.
(5) تأسيس الشيعة لعلوم الاسلام 130.

خصائص الوحي المبين _ 33_

  9 ـ وقال شيخنا الطهراني : الشيخ شمس الدين أبو الحسين يحيى بن الحسن ابن الحسين بن علي بن محمد الراوي عن محمد بن علي بن شهر آشوب في 575 وقد أرخ في كشف الحجب وفاته سنة 600 عن سبع وسبعين سنة ، وهو صاحب كتاب العمدة المعروف بعمدة ابن البطريق وله (رجال الشيعة) الذي نقل عنه ابن حجرفي (لسان الميزان) الذي كتبه في ما زاد على (ميزان الاعتدال) للذهبي (1).
  هذا ما ذكره أعلام الامامية في حق المترجم له ، وترجمه من غيرهم ، ابن حجر العسقلاني.
  10 ـ قال في لسان الميزان نقلا عن تاريخ ابن النجار (2) : يحيى بن الحسن ابن الحسين بن علي الاسدي الحلي الربعي المعروف بابن البطريق ، قرأ على أخمص الرازي الفقه والكلام على مذهب الامامية وقرأ النحو واللغة وتعلم النظم والنثر ، وجد حتى صارت إليه الفتوى في مذهب الامامية ، وسكن بغداد مدة ، ثم واسط وكان يتزهد ويتنسك ، وكان وفاته في شعبان سنة 600 وله سبع وسبعون سنة (3).
  أقول : وعلى ذلك يكون المترجم له من مواليد عام 523 وقد نص بذلك شيخنا المجيز الطهراني لذلك في الثقات العيون ص 338.
  والقارئ الكريم يجد نظير هذه الكلمات من الثناء على المؤلف وكتبه في المعاجم والتراجم مثل أعيان الشيعة ج 10 ص 289 والفوائد الرضوية ص 709 وهدية العارفين ج 2 ص 522 وريحانة الادب ج 7 ص 415.

-----------------------------
(1) مصفى المقال 502.
(2) وهو غير إبن النجار الشيعي أعني أبا الحسن محمد بن جعفر بن محمد التميمي النحوي المعروف بإبن النجار المتوفى سنة 402 مؤلف تاريخ الكوفة ، الموسوم بالمصنف ، الذي ينقل عنه السيد عبد الكريم بن طاووس المتوفى سنة 692 في كتابه فرحة الغري وهو يروي عن أبي بكر الدارمي الذي أجاز التلعكبري سنة 330 وهذا الكتاب من أنفس الكتب ، نسأل الله تعالى أن يوفقنا للعثور عليه ونشره.
(3) لسان الميزان 6 / 247.

خصائص الوحي المبين _ 34 _

  والكل متفقون على جلالة قدر الرجل في الادب وغيره من الفنون الاسلامية وفي ما ذكرناه ونقلناه من الكلمات حول الآثار العلمية التي خلفها أقوى شاهد عليه وإليك هذه الآثار :

آثاره العلمية

  إن حياة شيخنا المترجم له كانت مفعمة بالتأليف والتصنيف والتربية والتدريس فخلف آثارا مشرقة تدل على نبوغ الرجل وتضلعه في فنون الحديث والرجال ، وإليك أسماء ما وقفنا عليه منها في المعاجم وكتب التراجم :
  1 ـ اتفاق صحاح الاثر في إمامة الائمة الاثني عشر واسمه يحكي عن مسماه ، وعنوانه يكشف عن محتواه.
  2 ـ تصفح الصحيحين في تحليل المتعتين والمراد من المتعتين متعة الحج ومتعة النساء اللتين دلت نصوص الكتاب والسنة على جوازهما في العصر النبوي ، وبعده إلى أن نهي عنهما نهيا سياسيا ، فبقيتا متروكتين بين أبناء السنة دون غيرهم :
  3 ـ الرد على أهل النظر في تصفح أدلة القضاء والقدر ولعل الكتاب حول إبطال استنتاج نظرية الجبر من القول بالقضاء والقدر.
  4 ـ العمدة من عيون الاخبار في مناقب امام الابرار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وصي المختار صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى الائمة من ذريته الاطهار
  5 ـ عيون الاخبار قال في الرياض : نسبه إليه المولى محمد طاهر القمي في مقدمة كتاب الاربعين نقلا عن كتاب الصراط المستقيم.

خصائص الوحي المبين _35 _

  6 ـ المستدرك المختار في مناقب وصي المختار والكتاب استدراك لكتاب العمدة (1).
  7 ـ نهج العلوم إلى نفي المعدوم المعروف بسؤال أهل حلب (2)
  8 ـ رجال الشيعة وينقل عنه ابن حجر في لسان الميزان كما مر.
  9 ـ خصائص الوحي المبين في مناقب أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ وهذا الكتاب هو الذي يزفه الطبع إلى القراء الكرام ، وقد ألفه بعد كتابي العمدة والمستدرك.
  قال في الرياض : (ورأيت منه نسخة عتيقة بتبريز وعندنا منه نسخة) قد أورد فيه أخبار المخالفين في تفسير الايات التي نزلت في شأن علي ـ عليه‌السلام ـ طبع في إيران سنة 1311 ه‍ طبعة حجرية.

تعريف بالكتاب الحاضر

  لقد قام المؤلف في هذا الكتاب بجمع وتدوين مناقب الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه‌السلام) الواردة في الصحاح والسنن والمسانيد لاهل السنة على نسق خاص وترتيب مبتكر.
  وقد استخرج هذه المناقب من : صحيحي البخاري ومسلم ، ومن الجمع بين الصحيحين للحميدي ، ومن كتاب الجمع بين الصحاح الستة لجامعه الشيخ أبي الحسن رزين بن معاوية بن عمار العبدري ومسند أحمد بن حنبل الشيباني ،

-----------------------------
(1) قال في البحار عندنا منه نسخة قديمة ، وذكر الطهراني في الذريعة وجود نسخة في المكتبات.
(2) هذه الكتب ذكرها الشيخ الحر العاملي في أمل الامل 2 / 345 ونقلها عنه صاحب رياض العلماء 5 / 354 ، وغيره من المؤلفين.

خصائص الوحي المبين _ 36_

  وتفسير الثعلبي الموسوم بالكشف والبيان لابي إسحاق أحمد بن محمد بن نعيم الثعلبي ، ومناقب الفقيه أبي الحسن بن علي بن محمد الطيب المعروف بابن المغازلي الواسطي ، ومناقب أحمد بن حنبل المعروف بفضائل الصاحبة ، إلى غير ذلك من الكتب التي أشار إليها المؤلف في ديباجة الكتاب ، وخلال فصوله.
  وقد كان هذا الكتاب خير بداية لهذا النوع من التأليف والتصنيف أعني (جمع المناقب من الصحاح والمسانيد أو السنن المعتبرة عند أهل السنة) وتوالت التآليف والمصنفات على هذا النمط من بعد.
  هذا والكتاب الحاضر يشتمل على مائتين واثنين حديثا في خمسة وعشرين فصلا ثم ذيله بعدة أمور ترى تفصيلها في فهرس الكتاب ولم يخصها بالفصل وقد ذكر عدد أحاديث كل فصل في مقدمته.
  وقد ذكر المؤلف أسانيده وطرقه إلى مؤلفيها ورواتها في صدر الكتاب ، وهو يعرب عن مكانته في الحديث وتضلعه فيه وكثرة مشائخه وأساتذته ، وبلوغه الذروة في الاحاطة بالمناقب والفضائل.

مشايخه وأساتذته

  قرأ شيخنا المترجم له على لفيف من علماء الفريقين وأخذ عنهم الحديث والتفسير والفقه.
  فمن الخاصة يروي عن عدة من الاعلام :
  1 ـ الشيخ عماد الدين الطبري صاحب بشارة المصطفى ، كما يظهر من إجازة الشيخ محمد سبط الشهيد الثاني ، للمولى محمد أمين الاستر آبادي.
  والشيخ عماد الدين الطبري هو العالم الجليل الواسع الرواية ، يروي في كتابه : (البشارة) عن عدة من مشايخه ، من سنة 503 إلى سنة 517 منهم نجل

خصائص الوحي المبين _ 37 _

  شيخنا الطوسي والفقيه (حسكا) الحسن بن الحسين بن بابويه (1).
  2 ـ محمد بن شهر آشوب المولود عام 488 والمتوفى عام 588 صاحب المناقب والمعالم وغيرهما من المؤلفات (2).
  هؤلاء بعض مشايخه من أعلام الطائفة ، وأما مشايخه من العامة فقد ذكر أسماءهم عند ذكر طرقه إلى الصحاح الستة في مقدمة كتاب (العمدة) و (الخصائص) واليك بعض من ذكرهم :
  3 ـ أبو جعفر إقبال من المبارك بن محمد العكبري الواسطي ، روى عنه في جمادي الاولى من شهور عام 584.
  4 ـ الشيخ الامام المقري أبو بكر عبد الله بن منصور بن عمران الباقلاني ، روى عنه في شهر رمضان سنة 579 ، وهو يروي صحيح البخاري عن طريقيهما معا كما يروي صحيح مسلم عن طريق الاخير فقط.
  5 ـ فخر الاسلام أبو عبد الله أحمد بن الطاهر وهو يروي مسند أحمد عن طريقه.
  6 ـ السيد الاجل محمد بن يحيى بن محمد بن أبي السطلين العلوي الواعظ البغدادي يروى عنه تفسير الثعلبي الموسوم بالكشف والبيان في سنة 585.
  هؤلاء بعض مشائخه وأساتذه حديثه وقد أتى باسمائهم وخصوصياتهم في مقدمة كتابي (العمدة) و (الخصائص).

-----------------------------
(1) لاحظ رياض العلماء 5 / 358.
(2) الثقات العيون 278 و 338. 40.

خصائص الوحي المبين _ 38 _

  الراوون عنه

  لقد تتلمذ على يد شيخنا المترجم له ، وروى عنه لفيف من المشائخ والعلماء في الحديث والرجال ، وقد جاءت أسماؤهم في غضون المعاجم نأتي بما وقفنا عليه :
  1 ـ علي بن يحيى بن الحسن ولد المؤلف المكنى بأبي الحسن الكاتب.
  قال الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) ما لفظه : أبو الحسن علي بن يحيى ابن الحسن بن الحسين بن علي بن محمد البطريق بن نصر بن حمدون بن ثابت الاسدي الحلي ، ثم الواسطي ، ثم البغدادي ، الكاتب الشاعر الشيعي ، فقيه الشيعة ...
  ثم قال : كان فاضلا ذكيا جيد النظم والنثر ، لكنه مخذول محجوب عن الحق ، وقد أورد ابن الساعي قطعة جيدة من أشعاره الدالة على غزارة مادته في العلم والذكاء رحمه الله (1).
  والعجب من ابن كثير يصفه بأنه (مخذول محجوب عن الحق) وهو يعترف بفضله وعلو كعبه في العلم والادب!!
  أفهل يكون حب أهل البيت الذين أمر الله بحبهم ومودتهم موجبا لخذلان من يتولاهم ؟
  أفهل يكون المتبع لاثارهم بعيدا عن الحق وقد أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطاعتهم.
  نعم هكذا يرى ابن كثير ، فمن تولى أعداء الرسالة هو العزيز ، ومن أحب خصوم أهل البيت هو الواقف على الحق ؟!!
  وقد قرأ الشيخ كمال الدين أبو العباس أحمد بن إبراهيم العفيف الموصلي

-----------------------------
(1) البداية والنهاية 13 / 164.

خصائص الوحي المبين _ 39 _

  كتاب العمدة عليه ، وكتب عليه إجارة ، وهذه صورتها : قرأ علي الاجل الاوحد العالم العامل الورع كمال الدين عز الاسلام كهف الطائفة أبو العباس أحمد بن الاجل تاج الدين إبراهيم بن أحمد بن الاجل العفيف الموصلي أدام الله سعادته وبلغه إرادته ، ومن أول هذا الكتاب وهو كتاب العمدة في عيون صحاح الاخبار تأليف والدي رحمه الله إلى فصل : (انه ـ عليه‌السلام ـ أول من أسلم) وأذنت له أن يروي ذلك عني وعن والدي المصنف بالقراءة (1) وسيوافيك ما نقله الشارح الحديدي منه.
  2 ـ علي بن يحيى بن علي الخياط الشيخ الفقيه أبو الحسن السور آولي : يروي عن ابن إدريس المتوفي عام 598 وعن يحيى بن البطريق (2).
  3 ـ فخار بن معد بن فخار بن أحمد شرف الدين أبو علي العلوى الموسوي الحائري المتوفى عام 630 وهو يروي عن جماعة منهم والده معد بن فخار أبو المكارم حمزة بن زهرة ويحيى بن علي بن البطريق (3).
  4 ـ السيد نجم الدين محمد بن أبي هاشم العلوي قرأ رجال الكشي على شيخنا المترجم له وكتب شهادة القراءة له في عدة مواضع من النسخة وهي موجودة عند العلامة الورع الشيخ حسن المصطفوي (4).
  5 ـ محمد بن معد بن علي وهو صفي الدين أبو جعفر الموسوي من تلاميذ ابن البطريق ومشايخ سديد الدين الحلي (والد العلامة الحلي) وابن طاووس كما صرح به في كتاب اليقين عند روايته عند في العشر الاخير من صفر عام 616 ه‍ (5).

-----------------------------
(1) الانوار الساطعة في القرون السابعة 3.
(2) الانوار الساطعة 118.
(3) الانوار الساطعة 130.
(4) الثاقت العيون 310.
(5) المصدر نفسه 338 ، الانوار الساطعة 176.

خصائص الوحي المبين _ 40 _

  6 ـ محمد بن عبد الله بن علي بن زهرة الكبير المعروف بابن زهرة وهو ابن أخ أبي المكارم حمزة بن زهرة صاحب كتاب الغنية المتوفى عام 585 وهو يروي عن شيخنا المترجم له.
  قال في الرياض : ويروي عنه محمد بن عبد الله بن زهرة الحسين الحلبي كما يظهر من إجازة الشيخ محمد سبط الشهيد الثاني ، للمولى محمد أمين الاسترآبادي (1).
  7 ـ الفقيه مجد الدين أبو المكارم أحمد بن الحسين بن علي أبي الغنائم كما يظهر من أسانيد بعض أحاديث كتبه (2).
  هذا وفي أمل الامل : ويروي الشهيد عن محمد بن جعفر المشهدي عن ابن البطريق ، وقد قرأ كتبه عليه (3).
  أقول وما ذكره غير صحيح لان محمد بن المشهدي مؤلف المزار ولد حوالي سنة 510 وابن البطريق تولد عام 533 وقراءة الاكبر على الاصغر ، والرواية عنه بعيدة.
  أضف إلى ذلك ان شيخنا المجيز الطهراني استخرج مشايخ المشهدي الذين يروي عنهم في كتاب (المزار) فبلغ خمسة عشر رجلا ، ولم يذكر ابن البطريق فيهم ، بل ذكر من مشايخه نظراء أبي المكارم حمزة بن زهرة الحسيني الحلبي المتوفى عام 584 والشيخ الفقيه عماد الدين محمد بن أبي القاسم الطبري المتوفى عام 553 ومحمد بن علي بن شهر آشوب المتوفى 588 (4).

-----------------------------
(1) رياض العلماء 5 / 358 ، ولا حظ الثقات العيون 338.
(2) رياض العلماء 5 / 358.
(3) أمل الامل 2 / 345.
(4) راجع الذريعة 20 / 324.

خصائص الوحي المبين _41 _

  ثم ان رواية الشهيد عن ابن المشهدي غير صحيحة قطعا ، لان الشهيد بن أعلام القرن الثامن ، وقد تولد عام 734 ، وتوفي عام 786 فكيف يمكن له الرواية عن ابن محمد المشهدي الذي هو من مواليد حوالي سنة 510 ه‍.
  كما أن ما في الرياض ج 5 ص 49 من أن صاحب المزار يروي عن نصير الدين الطوسي غير صحيح جدا ، لان الطوسي توفي عام 672 فكيف يصح لابن المشهدي أن يروي عنه.
  وما في أعيان الشيعة من أن صاحب المزار توفي في 4 ذي الحجة سنة 336 بالحلة ونقل إلى مشهد الحسين ـ عليه‌السلام ـ ودفن فيه غير تام جدا.
  هذا هو ما وقفنا عليه من تلاميذ المترجم له ومن يروون عنه.

  أولاده

  خلف المترجم له ولدين كريمين فاضلين هما :
  1 ـ علي بن يحيى بن البطريق نجم الدين أبو الحسن الحلي الكاتب ، قال محمد شاكر في فوات الوفيات ما لفظه : علي بن يحيى بن بطريق : نجم الدين أبو الحسن الحلي الكاتب ، كتب بالديار المصرية أيام الدولة الكاملية ، ثم اختلف حاله فعاد إلى العراق ومات ببغداد سنة اثنين وأربعة وستمائة وكان فاضلا أصوليا ، ثم نقل طرفا من أشعاره (1).
  ويظهر من الشارح الحديدي وجود الخلطة والصداقة بينهما حيث ينقل عنه في شرحه ويقول : كان صديقنا علي بن يحيى البطريق رحمه الله يقول : لو لا خاصة النبوة وسرها ، لما كان مثل أبي طالب ـ وهو شيخ قريش ورئيسها وذو شرفها ـ يمدح ابن أخيه محمدا وهو شاب قد ربى في حجره وهو يتيمه ومكفوله ، وجار مجرى

-----------------------------
(1) فوات الوفيات 3 / 112.

خصائص الوحي المبين _42 _

  أولاده ، بمثل قوله :
وتـلقوا ربـيع الابطحين iiمحمدا      ii
على ربوة في رأس عنقاء عيطل
وتـأوى إلـيه هاشم ، إن iiهاشما      ii
عـرانين كـعب آخـر بعد أول
  ومثل قوله :
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه      ii
ثمال  اليتامى عصمة iiللارامل
يطيف به الهلاك من آل هاشم      ii
فـهم عنده في نعمة iiوفواضل
  فإن هذا الاسلوب من الشعر لا يمدح به التابع والذنابي من الناس ، وإنما هو من مديح الملوك والعظماء ، فإذا تصورت انه شعر أبي طالب ، ذاك الشيخ المبجل العظيم في محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو شاب مستجير به ، معتصم بظله من قريش ، قد رباه في حجره غلاما وعلى عاتقه طفلا ، وبين يديه شابا ، يأكل من زاده ، ويأوى إلى داره علمت موضع خاصية النبوة وسرها ، وان أمره كان عظيما وان الله تعالى أوقع في القلوب والانفس له منزلة رفيعة ومكانا جليلا (1).
  2 ـ محمد بن يحيى بن البطريق ، انظر ترجمته في تأسيس الشيعة 130.

نكات يجب التنبيه عليها

  1 ـ قد أطبقت كلمة المترجمين لشيخنا المؤلف على أن اسمه هو : يحيح بن الحسن بن الحسين فما في تعليقات بعض الاعاظم بترجمته ، بالحسن بن الحسين محمول على سهو القلم ويصحح بسقوط لفظ (يحيى) قبل الحسن.

-----------------------------
(1) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد 14 / 63 طبع مصر.

خصائص الوحي المبين _ 44 _

  كما أن عد شيخنا المترجم له من علماء أهل السنة كما صدر عنه سهو آخر حيث قال : وان كتاب العمدة من الكتب المعتبرة المعتمدة لديهم (1).
  وكيف خفي على مثله أنه من أعيان الطائفة المحقة ومحدثيهم ومن المتفانين في حب أهل البيت المقتفين آثارهم.
  2 ـ قال السيد الصدر في تأسيس الشيعة : آل البطريق بيت جليل بالحلة من الشيعة الامامية ، بيت علم وفضل وأدب ، اشتهر منهم صاحب الترجمة وابناه : علي ابن يحيى ومحمد بن يحيى (2).
  3 ـ قال في القاموس : البطريق كالكبريت : القائد من قواد الروم ، تحت يده عشرة آلاف رجل ، ثم الطرخان على خمسة آلاف ، ثم الفومس على مائتين.
  4 ـ قال شيخنا المجيز الطهراني : ولعل المؤلف من ولد البطريق الذي عده ابن النديم مع ابنه بحيح بن بطريق من الربان المترجمين إلى العربية في عهد المنصور العباسي وإليه تعزى ترجمة تيماوس لافلاطون ، فيكون انتماؤه إلى بني أسد بالولاء (3) .
  5 ـ المشهور أن المترجم له توفي عام 600 عن عمر يبلغ 77 غير أن إسماعيل پاشا في هدية العارفين ج 2 ص 522 نكر أن المترجم له توفي حدود 605 ولم يذكر مصدره.
  6 ـ إن شيخنا الطهراني قد عنون المترجم له في الثقات العيون في سادس القرون وذكر أنه تولد عام 523 وتوفي عام 600.

-----------------------------
(1) لاحظ إحقاق الحق 2 / 406 و 509 و 3 / 6.
(2) تأسيس الشيعة 130 ، الثقات العيون 337.

خصائص الوحي المبين _45 _

  ومع ذلك قد عنونه في الانوار الساطعة في المائة السابعة وأرخ ميلاده ووفاته 633 ـ 700.
  والصحيح هو ما ذكره في الثاقت العيون ، ولعله تصحيف لتاريخه الصحيح وهو 533 ـ 700 بتبديل خمسة إلى ستة في الميلاد وستة إلى سبعة في الوفاة ومع ذلك لم يعلم وجه لتكراره في الانوار الساطعة لانه لم يكن من علماء القرن السابع بل كان من علماء القرن السادس.
  وقد قام بتحقيق الكتاب العلم الجليل والكوكب اللامع في سماء التحقيق الشيخ مالك المحمودي دامت افاضاته ، فقد تحمل جهدا كبيرا وبذف اوقاتا ثمينة في طريق تصحيح الكتاب وتحقيق نصه وعرضه على المصادر التي نقل عنها المؤلف مع ايضاح بعض لغاته المشكلة.

خصائص الوحي المبين _ 46 _

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم   الحمد لله الذي نبه ذوي العقول على حسن معارفه ، واستنبه ذوي الغفول بحسن عوارفه ، فخسق سهم العارف (1) وبخق (2) فهم القائف (3) فنجح وفد العقول (4) وجمح (5) ورد (6) الغفول ، وغدت أبكار الافكار رواجع بالبيان ، وبدت أنكار الانكار (7) رواجع عن التبيان.
  فحضر قلب العارف بالحضر ، وحصر لب العارف بالحصر.
  وصلواته وسلامه على ذي السبيل الاقوم ، والفخر الاقدم ، والمنار الانجم وسيد العرب والعجم (محمد بن عبد الله) المعصوم من كل فحش وذم.

-----------------------------
(1) خسق السهم : إذا أصاب الهدف ولم ينفذ نفاذا شديدا ـ ينظر أقرب الموارد وقاموس اللغة.
(2) البخق : العوار ـ قاموس اللغة.
(3) القائف : الذي يتتبع الاثار ويعرفها ، ويعرف النسب بفراسته ونظره إلى أعضاء المولود.
(4) نحج : غلب.
(5) جمح يجمح جماحا ، الجماع : المنهزمون من الحرب فلا يمكن ردهم.
(6) الورد له معان ، والمراد هنا الجيش ، ينظر مادة (ورد) في كتب اللغة.
(7) الانكار جمع نكر : المنكر ، ويمكن أن يكون (الافكار).

خصائص الوحي المبين _47 _

  وعلى الائمه من آله شادة الحكم (1) وسادة الامم ، ما طلع صباح ونجم وما عسعس ليل وادلهم (2).
  وبعد :
  فإني لما صنفت كتاب (العمدة) من صحاح الاخبار في مناقب إمام الابرار أمير المؤمنين (علي بن ابي طالب) وصي المختار ـ صلى الله عليه وعلى الائمة من ذريته الاطهار ـ.
  وجعلته خدمة للمواقف المقدسة الشريفة الطاهرة النبوية الامامية ، الناصرة لدين الله زاده الله شرفا وعلاء.
  وانتشر ذلك في الامصار والاقطار ، وظل خرير الابرار (3) وحديث السمار (4) ، [كنت] (5) لم ازل متطلعا إلى تجريد كتاب مفرد في مناقبه ـ صلى الله عليه ـ من وحي العزيز الجبار ، موافقا لما ورد من صحاح لفظ المختار ، إذا هو العلم الاطول في الاستبصار ، والسر (6) الاسبل (7) في الاستبصار ، منير الزناد (8) مبير

-----------------------------
(1) شادة الحكم : بناته.
(2) عسعس اليل : إذا أقبل بظلامه ، ادلهم كثف واسود.
(3) في أصل المطبوع (الخدير) وهو تصحيف من الخرير ، والخرير : صوت الماء والريح والعقاب إذا حفت ـ اقرب الموارد.
(4) حديث السمار : الجماعة الذين يتحديون بالليل.
(5) الزيادة اقتضاها السياق.
(6) السر : الارض الاكرم.
(7) الاسبل : الطويل السنبلة أي الارض الكثيرة الثمر والبركه.
(8) الزناد جمع الزند : العود الاعلى الذي يقتدح به النار.

خصائص الوحي المبين _ 48 _

  الاضداد في العلم اسبل نجاد (1) ، وفي الدين أشمل بجاد (2) ، وفي الكلم اصفى إبراد (3) ، وفي الحكم اصفى إيراد ، وفي الانتجاع (4) انجم ، وفي الاتباع أسلم ، وفي الحجة ألزم ، وللشبهة أحسم ، وفي المدحة أعظم.
  وقد وسمته ب‍ (خصائص الوحي المبين) في مناقب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، إذ كانت الحاجة إليه أمس ، والعناية به أخص.
  فتطلعت على ما ورد في ذلك من طريق [اهل] السنة خاصة مما صح اتصالي به ، فأثبته في كتبانا هذا ، كما تقدم منا تصنف مناقبه المذكورة اعني (العمدة) وكتاب (المستدرك المختار) في مناقب وصي المختار من طريق [اهل] السنة خاصة ، ليس للشيعة فيه طريق لكون ذلك أنجم (5) في الدليل ، وانهج (6) في السبيل ، وأبهج (7) في التأويل ، وأحسم (8) في المقال ، وأحسم (9) للضلال ، إذ هو من خاص طرقهم ، واتحاد فرقهم.
  لا يعتري (10) المتمسك به تقييد ، ولا عن لزوم الحجة به محيد (11) إذا هو من

-----------------------------
(1) النجاد جمع النجد : الطريق المرتفع.
(2) البجاد جمعه بجد : الثوب المخطط.
(3) الابراد : الاثبات.
(4) الانتجاع : الاتيان لطلب المعروف.
(5) أنجم أي أظهر.
(6) النهج : البين الواضح.
(7) البهجة : السرور.
(8) أي الاقطع.
(9) اشد قطعا.
(10) اي لا يصيب.
(11) أي معدل.

خصائص الوحي المبين _49 _

  كلام الغفور الودود ، ذي العرش المجيد فعال لما يريد (1) وكتابنا هذا سيد كتاب صنف وشيد وجمع والف ، إذ هو من براع (2) الوحي المبين ، وبلاغ الروح الامين. للذكر معين ، وللفكر معين ، وفي الفصاحة متين ، وفي النصاحة مبين ، خبت (3) العلاء وخوتع (4) الولاء ، وابن نجدة الخصوص (5) وحذافي (6) النصوص ، سديد المقال (7) ، شديد المحال (8).
  من كل مدحة أفخر ومن كل عون أنصر ، وبكل منقبة أبصر ، وبوجه كل ضلالة وبصرها أبسر (9) وأحر.
  يذر (10) الناقل إذا جنح عنه ناقلا ، والقائل إذا نجح به قائلا.
  فبرأ اوائد (11) الضلال ، وسلس قياد الاستدلال ، وقود زند الولاء ، وهمود (12) حصيد الاعداء ، حجة الملتمس ومنار المقتبس.
  يصدّر الحال إلى الصواب (13) ويصد الحائر عن الذهاب ، ادلمست (14)

-----------------------------
(1) اقتباس من آيات 16 و 17 من سورة البروج.
(2) البريع : الذي يلمع من بعيد.
(3) الخبت : المتسع المطمئن من بطون الارض.
(4) الخوتع : الحاذق بالدلالة الماهر بها.
(5) أي يراجع إليه الخاصة من العلماء.
(6) الحذافي ، حفذ الصانع الشئ : سواه تسوية حسنة و ـ شعره : طرره و ـ سواه وهو أن ياخذ من نواحيه حتى يستوي ، ومنه فلان محذف الكلام.
(7) اي صواب المقال.
(8) أي القدرة.
(9) بسر : عبس.
(10) ذرت الشمس : طلعت.
(11) البرأ من العيب أو الدين : تخلص وسلم منه ، الاوائد : الاعوجاج.
(12) همدت الارض : لم يكن بها حياة ولا اود ولا نبت ولا مطر.
(13) يصدر الحال إلى الصواب : جعله في المقدمة وأول كل شئ : بعثه وارسله إلى الامام.
(14) ادلمس : ادلمس الليل إذا اشتدت ظلمته ، وهو ليل مدلمس ـ لسان العرب.

خصائص الوحي المبين _ 50 _

  لسماعه اضواء العباد ، واقلعت (1) لاستماعه سحب أفاويق (2) الاضداد ، وجرت لمذاقه سيول وهاد (3) الانداد ، واستسمست (4) لمعرفة ذلك مطايا الاسترشاد.
  من كل صوب يشرع الشارع إليه ، ومن كل أوب (5) يشرع العابر عليه ، فهو للحاجة سداد ، وللتبصرة سداد.
  يستعذب عند العل (6) ويعل بعد النهل (7) ، وكل نظم يأتي [في] اعجاز الفصول فهو ايضا لنا حله (8).

-----------------------------
(1) اقلعت : اقلعت السماء كفت وامتنعت.
(2) افاويق : افاويق السحاب : مطرها مرة بعد مرة.
(3) الوهد : المكان المنخفض كأنه حفرة.
(4) واستشمست الارض بمعنى طلعت عليها الشمس.
(5) أوب : آب إلى الشئ يؤوب أوبا : رجع وعاد.
(6) العل : الشربة الثانية وقيل الشرب بعد الشرب اتباعا.
(7) النحل : الشرب أو أوله.
(8) الناحل : انتحل فلان شعر فلان إذا ادعاه انه قائله.