بحضرة أبي الحسن بن أبان قال : حدثني محمد بن سنان ، عن حماد البطحي ، عن زميله ـ وكان
من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ـ قال : إن نفرا من أصحابه قالوا : ياأمير
المؤمنين إن وصي موسى كان يريهم العلامات بعد موسى وإن وصي عيسى كان يريهم العلامات
بعد عيسى فلو أريتنا ؟ فقال : لا تقرون ، فألحوا عليه وقالوا : ياأمير المؤمنين
(1)
فأخذ بيد تسعة وخرج بهم قبل أبيات الهجريين حتى أشرف على السبخة فتكلم بكلام خفي ،
ثم قال بيده : اكشفي غطاءك ، فإذا كل ما وصف الله في الجنة نصب أعينهم مع روحها
وزهرتها فرجع منهم أربعة يقولون : سحرا سحرا وثبت رجل منهم بذلك ما شاء الله ، ثم جلس
مجلسا فنقل منه شيئا من الكلام في ذلك فتعلقوا به فجاؤوا به إلى أمير المؤمنين
وقالوا : يا أمير المؤمنين اقتله ولا تداهن في دين الله قال : وما له ؟ قالوا : سمعناه
يقول : كذا وكذا ، فقال له : ممن سمعت هذا الكلام ؟ قال : سمعته من فلان بن فلان فقال
أمير المؤمنين : رجل سمع من غيره شيئا فأداه ، لا سبيل على هذا ، فقالوا.
داهنت في دين الله والله لنقتلنه ، فقال : والله لا يقتله منكم رجل إلا أبرت عترته
(2).
أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن عبدالملك بن عبد الله القمي قال : حدثني
أخي إدريس بن عبدالله قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : إن منا أهل البيت
لمن الدنيا عنده مثل هذه ـ وعقد بيده عشرة
(3) ـ.
محمد بن هارون ، عن أبي يحيى سهيل بن زياد الواسطي ، عمن حدثه ، عن أبي عبدالله عليه
السلام قال : قال : إن الله تبارك وتعالى خير ذا القرنين السحابتين الذلول والصعب
فاختار الذلول وهو ما ليس فيه برق ولا رعد ولو اختار الصعب لم يكن له ذلك لان الله
ادخره للقائم عليه السلام
(4).
------------------------------------ (1) كذا.
(2) منقول في مدينة المعاجز ص 88.
(3) مروى في البصائر الجزء الثامن الباب الرابع عشر ، ومنقول في البحار ج 7 ص
269 ، وقال العلامة المجلسى ـ رحمه الله ـ : عقد العشرة بحساب العقود هو أن تضع رأس
ظفر السبابة على مفصل أنملة الابهام ليصير الاصبعان معا كحلقة مدورة أى الدنيا عند
الامام عليه السلام كهذه الحلقة في أن له أن يتصرف فيها باذن الله تعالى كيف شاء أو
في علمه بما فيها وإحاطته بها.
(4) مروى في البصائر الجزء الثامن الباب الخامس عشر.
الاختصاص _ 327 _
إبراهيم بن هاشم ، عن عثمان بن عيسى ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن أبي بصير ـ أو غيره ـ
عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن عليا عليه السلام حين خير ملك ما فوق الارض وما
تحتها عرضت له سحابتين إحداهما صعبة والاخرى ذلول ، وكانت الصعبة ملك ما تحت الارض
وفي الذلول ملك ما فوق الارض فاختار الصعبة على الذلول فركبها فدارت به سبع أرضين
فوجد فيه ثلاثا خرابا وأربعا عوامر
(1).
المعلى بن محمد البصري
(2) ، عن سليمان بن سماعة ، عن عبدالله بن القاسم ، عن سماعة
ابن مهران قال : كنت عند أبي عبدالله عليه السلام فأرعدت السماء وأبرقت فقال
أبوعبدالله عليه السلام : أما إنه ما كان من هذا الرعد ومن هذا البرق فإنه من أمر
صاحبكم قلت : من صاحبنا ؟ قال : أميرالمؤمنين عليه السلام.
أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن عمر بن أبان
الكلبي ، عن أديم بن الحر ، عن حمران بن أعين قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام :
بلغني أن الرب تبارك وتعالى قد ناجى عليا عليه السلام ، فقال : أجل قد كانت بينهما
مناجاة بالطائف نزل بينهما جبرئيل
(3).
إبراهيم بن هاشم ، عن يحيى بن أبي عمران ، عن يونس ، عن حماد بن عثمان ، عن محمد بن
مسلم قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : إن سلمه بن كهيل يروي في علي أشياء كثيرة
قال : ما هي ؟ قلت : حدثني رسول الله صلى الله عليه واله كان محاصرا أهل الطائف وإنه
خلا بعلي عليه السلام يوما ، فقال رجل من أصحابه : عجبا لما نحن فيه من الشدة وإنه
يناجي هذا الغلام منذ اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه واله : ما أنا بمناجيه
إنما يناجي ربه ، فقال أبوعبدالله عليه السلام : نعم إنما هذه أشياء يعرف بعضها من
بعض
(4).
علي بن محمد بن علي بن سعد ، عن حمدان بن سليمان النيشابوري قال : حدثني عبدالله ابن
محمد اليماني ، عن منيع ، عن يونس ، عن علي بن أعين ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبي رافع
------------------------------------
(1) مر نحوه ص 199.
(2) مضطرب الحديث والمذهب (صه)
(3) منقول في البحار ج 9 ص 380.
(4) مروى في البصائر الجزء الثامن الباب السادس عشر ، ومنقول في البحار ج 9 ص 380
منه ومن الاختصاص وقال العلامة المجلسى ـ رحمه الله ـ : لعل مراده أن فضائله ومناقبه
يشهد بعضها لبعض بالصحة ففيه تصديق مع برهان أو المعنى أن هذه المناقب تدل على
امامته.
الاختصاص _ 328 _
قال : لما دعا رسول الله صلى الله عليه واله عليا عليه السلام يوم خيبر فتفل في
عينيه قال له : إذا أنت فتحتها فقف بين الناس ، فإذ الله أمرني بذلك ، قال أبورافع :
فمضى علي عليه السلام وأنا معه فلما أصبح بخيبر وافتتحها وقف بين الناس فأطال
الوقوف فقال اناس : إن عليا يناجي ربه ، فلما مكث ساعة أمر الناس بانتهاب المدينة
التي فتحها ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه واله فقلت يارسول الله : إن عليا وقف بين
الناس كما أمرته فسمعت قوما منهم يقولون : إن الله ناجاه ، فقال : نعم ، إن الله ناجاه
يوم الطائف ويوم عقبة تبوك ويوم خيبر
(1).
الفرق بين النبي والرسول والمحدث
أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أبيه. ، ومحمد بن خالد البرقي. ، والعباس بن معروف ، عن
القاسم بن عروة ، عن بريد بن معاوية العجلي قال : سألت أبا جعفر عليه السلام
(2) عن
الرسول والنبي والمحدث فقال : الرسول الذي تأتيه الملائكة ويعاينهم وتبلغه عن الله
تعالى ، و النبي الذي يرى في منامه فما رأى فهو كما رأى.
، والمحدث الذي يسمع الكلام ـ كلام الملائكة ـ وينقر في اذنيه وينكت في قلبه
(3).
وعنه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن زرارة قال : سألت أبا جعفر
عليه السلام عن قول الله عزوجل : ( وكان رسولا نبيا
(4) ) علمنا الرسول ومن النبي ؟
فقال : النبي هو الذي يرى في منامه ويسمع الصوت ولا يعاين الملك والرسول يعاين الملك
ويكلمه ، قلت : فالامام ما منزلته ؟ قال : يسمع الصوت ولا يرى ولا يعاين الملك ، ثم تلا
هذه الآية ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي (ولا محدث) )
(5)، الهيثم بن أبي
مسروق النهدي، وإبراهيم بن هاشم ، عن إسماعيل بن مهران قال : كتب الحسن بن العباس
المعروفي إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام جعلت فداك أخبرني ما الفرق
------------------------------------ (1) كالخبر المتقدم.
(2) في البحار من البصائر ( سألت أبا عبدالله عليه السلام ) وفى الكافى ج 1 ص 177
عنهما عليهما السلام.
(3) مروى في البصائر الجزء الثامن الباب الخامس ، ومنقول في البحار ج 7 ص 293.
(4) مريم : 54.
(5) مروى في البصائر كالخبر السابق ، ومنقول في تفسير البرهان ج 3 ص 16 من الاختصاص
ومروى نحوه في الكافى ج 1 ص 176 ومنقول في البحار ج 7 ص 293.
الاختصاص _ 329 _
بين الرسول والنبي والامام فكتب إليه ـ أو قال له ـ : الفرق بين الرسول والنبي و
الامام أن الرسول هو الذي ينزل عليه جبرئيل فيراه ويكلمه ويسمع كلامه وينزل عليه
الوحي وربما اوتي في منامه نحو رؤيا إبراهيم ، والنبي ربما سمع الكلام وربما رأى
الشخص ولم يسمع الكلام، والامام يسمع الكلام ولا يرى الشخص
(1).
إبراهيم بن محمد الثقفي قال : حدثني إسماعيل بن يسار
(2) ، عن علي بن جعفر الحضرمي ،
عن زرارة بن أعين قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قوله تعالى : ( وما أرسلنا
من قبلك من رسول ولا نبي (ولا محدث) ) فقال : الرسول الذي يأتيه جبرئيل قبلا فيكلمه
فيراه كما يرى الرجل صاحبه ، وأما النبي فهو الذي يؤتى في منامه نحو رؤيا إبراهيم
ونحو ما كان يرى محمد صلى الله عليه واله ومنهم من يجتمع له الرسالة والنبوة وكان
محمد صلى الله عليه واله ممن جمعت له الرساله والنبوة ، وأما المحدث فهو الذي يسمع
كلام الملك ولا يراه و لا يأتيه في المنام
(3).
وعنه قال : حدثني إسماعيل بن يسار قال : حدثني علي بن جعفر الحضرمي ، عن سليم بن قيس
الشامي أنه سمع عليا عليه السلام يقول : إني وأوصيائي من ولدي أئمة مهتدون كلنا
محدثون ، قلت : ياأمير المؤمنين من هم ؟ قال : الحسن والحسين ، ثم ابني علي بن الحسين ـ
قال : وعلي يومئذ رضيع ـ ثم ثمانية من بعده واحد بعد واحد وهم الذين أقسم الله بهم
فقال : ( ووالد وما ولد ) أما الوالد فرسول الله صلى الله عليه واله وما ولد يعني
هؤلاء الاوصياء فقلت : ياأمير المؤمنين أيجتمع إمامان ؟ فقال : لا إلا واحدهما مصمت لا
ينطق حتى يمضي الاول قال سليم : سألت محمد بن أبي بكر فقلت : أكان علي عليه السلام
محدثا ؟ فقال : نعم ، قلت : ويحدث الملائكة الائمة ؟ فقال : أوما تقرء ( وما أرسلنا من
قبلك من رسول ولا نبي (ولا محدث) ) قلت : فأمير المؤمنين محدث ؟ فقال : نعم وفاطمة
كانت محدثة ولم تكن نبية
(4).
أحمد بن محمد بن عيسى ، وأخوه عبدالله بن محمد ، عن أبيهما محمد بن عيسى ، عن عبدالله
بن
------------------------------------ (1) كالخبر السابق.
(2) في بعض النسخ [ بشار ] وهكذا فيما يأتى.
(3) مروى في البصائر كالخبر المتقدم ومنقول في البحار ج 7 ص 294.
(4) كالخبر السابق.
الاختصاص _ 330 _
سنان ، عن موسى بن أشيم قال : دخلت على أبي عبدالله عليه السلام فسألته عن مسألة
فأجابني فيها بجواب : فأنا جالس إذ دخل رجل فسأله عنها بعينها فأجابه بخلاف ما
أجابني ، فدخل رجل آخر فسأله بعينها فأجابه بخلاف ما أجابني وخلاف ما أجابه به
صاحبي ، ففزعت من ذلك وعظم علي فلما خرج القوم نظر الي وقال : ياابن أشيم كأنك جزعت
فقلت : جعلت فداك إنما جزعت في ثلاثة أقاويل في مسألة واحدة ، فقال : ياابن أشيم إن
الله فوض إلى داود أمر ملكه فقال : هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب وفوض إلى
محمد صلى الله عليه واله أمر دينه فقال : ( ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهيكم عنه
فانتهوا ) وإن الله فوض إلى الائمة منا وإلينا ما فوض إلى محمد صلى الله عليه واله
فلا تجزع
(1).
وعنه ، عن الحسين بن سعيد ، عن بعض أصحابه ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي حمزة الثمالي ،
وحدثني محمد بن خالد الطيالسي ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي حمزة الثمالي قال : سمعت أبا
جعفر عليه السلام يقول : من أحللنا له شيئا أصابه من أعمال الظالمين فهو له حلال لان
الائمة منا مفوض إليهم فما أحلوا فهو حلال وما حرموا فهو حرام
(2).
أحمد بن محمد بن عيسى ، عن عبدالرحمن بن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي إسحاق
النحوي قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : إن الله أدب نبيه صلى الله عليه واله
على محبته فقال : ( إنك لعلى خلق عظيم ) ثم فوض إليه فقال ( ما آتيكم الرسول فخذوه
وما نهيكم عنه فانتهوا ) وقال : ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) وإن رسول الله صلى
الله عليه واله فوض إلى علي عليه السلام وائتمنه فسلمتم وجحد الناس ونحن فيما بينكم
وبين الله ، ما جعل الله لاحد من خير في خلاف أمرنا فإن أمرنا أمر الله عزوجل
(3).
محمد بن عيسى بن عبيد ، عن النضر بن سويد ، عن علي بن صامت ، عن اديم بن الحر
------------------------------------ (1) مروى في البصائر الجزء الثامن لباب الخامس.
(2) مروى في البصائر كالخبر السابق ومنقول في البحار ج 7 ص 260 منه ومن الاختصاص.
(3) مروى في البصائر كالخبر المتقدم مع زيادة.
الاختصاص _ 331 _
قال : سأل موسى بن أشيم أبا عبدالله عليه السلام وأنا حاضر عن آية من كتاب الله
فخبره بها ، فلم يبرح حتى دخل رجل فسأله عن تلك الآية بعينها فخبره بخلاف ما خبر به
موسى ابن أشيم ، ثم قال ابن أشيم : فدخلني من ذلك ما شاء الله حتى كان قلبي يشرح
بالسكاكين وقلت : تركنا أبا قتاده بالشام لا يخطئ في الحرف الواحد الواو وشبهها وجئت
ثم يخطئ هذا الخطأ كله ، فبينا أنا في ذلك إذ دخل عليه رجل آخر فسأله عن تلك الآية
بعينها فخبره بخلاف ما خبرني وخلاف الذي خبر به الذي سأله بعدي فتجلى عني وعلمت أن
ذلك تعمدا ، فحدثت نفسي بشئ فالتفت إلي أبا عبدالله عليه السلام فقال : ياابن أشيم لا
تفعل كذا وكذا ، فبان حديثي عن الامر الذي حدثت به نفسي ، ثم قال : ياابن أشيم إن الله
فوض إلى سليمان بن داود فقال : ( هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب ) وفوض إلى
نبيه صلى الله عليه واله فقال : ( ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهيكم عنه فانتهوا )
فما فوض إلى نبيه صلى الله عليه واله فقد فوضه إلينا ، ياابن أشيم ( من يرد الله أن
يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا ) أتدري ما الحرج ؟
قلت : لا ، فقال بيده وضم أصابعه كالشئ المصمت الذي لا يخرج منه شئ ولا يدخل فيه شئ
(1).
محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن محمد بن سنان ، عن عبدالله بن مسكان قال : قال
أبوعبدالله عليه السلام : لا والله ما فوض الله عزوجل إلى أحد من خلقه إلا إلى رسول
الله صلى الله عليه واله وإلى الائمة عليهم السلام فقال في كتابه : ( إنا أنزلنا
إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أريك الله ) وهي جارية في الاوصياء
(2).
محمد بن خالد الطياليسي ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرمي ، عن رفيد مولى
------------------------------------ (1) مروى في البصائر كالخبر السابق ، ومنقول في البحار ج 7 ص 260.
(2) كالخبر السابق وفيه عن محمد بن سنان ، عن عبدالله بن سنان ، عنه عليه السلام ،
وقال العلامة المجلسى ـ رحمه الله ـ : ذهب أكثر المفسرين إلى أن المراد بقوله تعالى :
( بما اريك الله ) بما عرفك الله وأوحى به إليك ، ومنهم من زعم أنه يدل على جواز
الاجتهاد عليه عليه السلام ولا يخفى ضعفه ، وظاهر الخبر أنه عليه السلام فسر الاراء
بالالهام وما يلقى الله في قلوبهم من الاحكام لتدل على التفويض ببعض معانيه.
الاختصاص _ 332 _
ابن هبيرة قال : قال : أبوعبدالله عليه السلام : إذا رأيت القائم قد أعطى رجلا مائة
ألف درهم و أعطاك درهما فلا يكبرن ذلك في صدرك فإن الامر مفوض إليه
(1).
محمد بن خالد الطيالسي ، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن محمد بن سنان ، عن عمار
ابن مروان ، عن المنخل بن جميل ، عن جابر بن يزيد قال : تلوت على أبي جعفر عليه السلام
هذه الآية من قوله الله تعالى : ( ليس لك من الامر شئ ) قال : إن رسول الله صلى الله
عليه واله حرص أن يكون علي ولي الامر من بعده وذلك الذي عنى الله ( ليس لك من الامر
شئ ) وكيف لا يكون له من الامر شئ وقد فوض إليه فقال : ما أحل النبي صلى الله عليه
واله فهو حلال وما حرم النبي صلى الله عليه واله فهو حرام
(2).
وروي أن لله عزوجل ضنائن من عباده يحييهم في عافية ، ويميتهم في عافية ، ويدخلهم
الجنة في عافية
(3).
وفي الدعاء اللهم لا تجعلنا من الذين تقدموا فمرقوا ولا من الذين تأخروا فمحقوا
واجعلنا من النمرقة الاوسط
(4).
في خلق آدم عليه السلام وذريته
هشام بن سالم ، عن حبيب السجستاني قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : إن الله لما
أخرج ذرية آدم عليه السلام من ظهره ليأخذ عليهم الميثاق بالربوبية له وبالنبوة لكل
نبي كان أول من أخذ عليهم الميثاق بالنبوة نبوة محمد بن عبدالله صلى الله عليه
واله ، ثم قال الله تعالى لآدم عليه السلام : انظر ماذا ترى ، قال : فنظر آدم إلى ذريته
وهم ذر قد ملؤوا السماء ، فقال آدم : يارب ما أكثر ذريتي ولامر ما خلقتهم فما تريد
منهم بأخذ الميثاق عليهم ؟ قال الله تعالى : يعبدونني ولا يشركون بي شيئا ويؤمنون
برسلي ويتبعونهم ، قال آدم : يا رب مالي أرى بعض الذر أعظم من بعض وبعضهم له نور كثير
وبعضهم له نور قليل وبعضهم ليس له نور ؟ قال الله عزوجل : كذلك خلقتهم لابلوهم في كل
حالاتهم ، قال آدم : يارب فتأذن لي في الكلام فأتكلم ؟ قال جل جلاله له : تكلم فإن روحك
من روحي و
------------------------------------ (1) مروى في البصائر ، ومنقول في البحار ج 7 ص 261.
(2) منقول في تفسير البرهان ج 1 ص 314 من الاختصاص.
(3) ضنائن الله : خواص خلقه.
(4) منقول في البحار ج 7 ص 258 من الاختصاص.
الاختصاص _ 333 _
طبيعتك من خلاف كينونتي ، قال آدم : يارب فلو كنت خلقتهم على مثال واحد وأعمار واحدة
وأرزاق سوي لم يبغ بعضهم على بعض ولم يكن بينهم تحاسد ولا تباغض ولا اختلاف في شئ
من الاشياء ، فقال الله : ياآدم بوحيي نطقت ولضعف طبعك تكلفت مالاعلم لك به وأنا الله
الخالق العليم ، بعلمي خالفت بين خلقهم وبمشيتي يمضي فيهم أمري ، وإلى تقديري وتدبيري
هم صائرون لا تبديل لخلقي وإنما خلقت الجن والانس ليعبدوني و خلقت الجنة لمن عبدني
وأطاعني منهم واتبع رسلي ولا ابالي [ وخلقت النار لمن عصاني ولم يتبع رسلي ولا
ابالي ] وخلقتك وخلقت ذريتك من غير فاقة بي إليك وإليهم ، وإنما خلقتك وخلقتهم
لابلوك وأبلوهم أيكم أحسن عملا في دار الدنيا في حياتكم وقبل مماتكم ، و كذلك خلقت
الدنيا والآخرة والحياة والموت والطاعة والمعصية والجنة والنار و كذلك أردت في
تقديري وتدبيري ، وبعلمي النافذ فيهم خالفت بين صورهم وأجسامهم و أعمارهم وأرزاقهم
وطاعتهم ومعصيتهم فجعلت منهم السعيد والشقي والبصير والاعمى و القصير والطويل
والجميل والقبيح والعالم والجاهل والغني والفقير والمطيع والعاصي والصحيح والسقيم
ومن به الزمانة ومن لا علة به فينظر الصحيح إلى ذوي العاهة فيحمدني على ما عافيته ،
وينظر الذي به العاهة إلى الصحيح فيدعوني ويسألني العافية أو يصبر على بلائي فآتيته
جزيل عطائي ، وينظر الغني إلى الفقير فيحمدني ويشكرني ، وينظر الفقير إلى الغني
فيدعوني ويسألني ، وينظر المؤمن إلى الكافر فيحمدني على ما هديته فلذلك خلقتهم
لابلوهم في السراء والضراء وفيما عافيتهم وفيما ابتليتهم وفيما أعطيتهم وفيما
منعتهم وأنا الله الملك القادر ولي أن أمضي جميع ما قدرت على ما دبرت ، ولي أن أغير
من ذلك ما شئت إلى ما شئت وأقدم من ذلك ما أخرت واؤخرمن ذلك ما قدمت ، وأنا الله
الفعال لما اريد لا اسأل عما أفعل وأنا أسأل خلقي عما هم فاعلون
(1).
هشام ، عن يزيد الكناسي ، قال : قال أبوجعفر عليه السلام : ابنك أولى بك من ابن ابنك
وابن ابنك أولى بك من أخيك ، قال : وأخوك لابيك وامك أولى بك من أخيك لابيك ، قال :
وأخوك من أبيك أولى بك من أخيك من امك ، قال : وابن أخيك من أبيك
------------------------------------ (1) مروى في علل الشرايع ، ومنقول في البحار ج 3 ص 62 منه ومن الاختصاص.
الاختصاص _ 334 _
وامك أولى بك من ابن أخيك من أبيك ، قال : وابن أخيك من أبيك أولى بك من عمك ، قال :
وعمك أخو أبيك من أبيه وامه أولى بك من عمك أخي أبيك من أبيه ، قال : وعمك أخو أبيك
لابيه أولى بك من بني عمك ، قال : وابن عمك أخي أبيك لابيه وامه أولى بك من ابن عمك
أخي أبيك من أبيه ، قال : وابن عمك أخي أبيك من أبيه وامه أولى بك من ابن عمك أخي
أبيك لامه
(1).
من جحد حق الائمة عليهم السلام كان بمنزلة إبليس
عمرو بن ثابت قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله تعالى : ( ومن الناس من
يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله
(2) ) قال : فقال : هم والله أولياء فلان
وفلان و فلان اتخذوهم أئمة دون الامام الذي جعله الله للناس إماما فذلك قول الله
تعالى : ( ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد
العذاب * إذ تبرء الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأو العذاب وتقطعت بهم الاسباب *
وقال الذين اتبعوا : لو أن لنا كرة فنتبرء منهم كما تبرؤا منا كذلك يريهم الله
أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار
(3) ) ثم قال أبوجعفر عليه السلام : هم
والله ياجابر أئمة الظلمة وأشياعهم
(4).
أبوالقاسم الشعراني يرفعه ، عن يونس بن ظبيان ، عن عبدالرحمن بن الحجاج ، عن الصادق
عليه السلام قال : إذا قام القائم أتى رحبة الكوفة فقال
(5) برجله هكذا وأومأ بيده
إلى موضع ثم قال : احفروا ههنا ، فيحفرون فيستخرجون اثنى عشر ألف درع واثنى عشر ألف
سيف واثنى عشر ألف بيضة لكل بيضة وجهين ، ثم يدعو اثنى عشر ألف رجل من الموالي من
العرب والعجم فيلبسهم ذلك ، ثم يقول : من لم يكن عليه مثل ما عليكم فاقتلوه
(6).
وقال الصادق عليه السلام : إن الله تبارك وتعالى جعلنا حججه على خلقه وامناء علمه ،
------------------------------------ (1) منقول في البحار ج 24 ص 24. وفيه سقط راجع لتمامه الكافى ج 7 ص 76.
(2) البقرة : 160.
(3) البقرة : 161 إلى 163.
(4) رواه الكلينى في الكافى ج 1 ص 374 ونقله البحرانى في التفسير ج 1 ص 172 منه ومن
الاختصاص.
(5) اى اشار.
(6) منقول في البحار ج 13 ص 197.
الاختصاص _ 335 _
فمن حجدنا كان بمنزلة إبليس في تعنته على الله حين أمره بالسجود لآدم ومن عرفنا و
اتبعنا كان بمنزلة الملائكة الذين أمرهم الله بالسجود لآدم فأطاعوه.
بعض الحكم والمواعظ
وقال موسى بن جعفر عليه السلام : محادثة العالم على المزبلة خير من محادثة الجاهل
على الزرابي.
وقال رسول الله صلى الله عليه واله : لا تجلسوا عند كل عالم يدعوكم إلا عالم يدعوكم
من الخمس إلى الخمس : من الشك إلى اليقين ، ومن الكبر إلى التواضع ، ومن الريا إلى
الاخلاص ، ومن العداوة إلى النصيحة ، ومن الرغبة إلى الزهد.
وقال الحكيم : من لم ينتفع بيسير الحكمة ضره كثيرها وإنما منزلة من يسمع باذنيه ما
لا يعي قلبه بمنزلة من يقدح النار في الماء فلا ينال منه حاجته أبدا.
وقال : قوت الاجساد المطاعم ، وقوت العقول الحكمة ، فإذا فقدت العقول قوتها من الحكمة
هلكت هلاك الاجساد عند فقد الطعام.
وقال صلى الله عليه واله : حصنوا أموالكم بالزكاة ، وداووا مرضاكم بالصدقة ، واستقبلوا
البلاء بالدعا فإنه لن يهلك مال في بر ولا بحر إلا بمنع الزكاة.
وقال الحكيم : مثل الذي يطلب الدواء يستغني فيها كمثل الذي يطفئ الناربالحلفاء لا
يزداد عليه إلا اشتعالا.
وقال بعض الحكماء : إن البدن إذا سقم لم ينجع بطعام ولا شراب ولا راحة وكذلك القلب
إذا علقه حب الدنيا لم ينجع فيه المواعظ.
وقال الله لداود : يا داود احذر القلوب المعلقة بشهوات الدنيا ، عقولها محجوبة عني.
وقال سلمان رضي الله عنه : إني أخشى عليكم ثلاثا : زلة العالم ، وجدال المنافق ، ودنيا
مطغية.
وقال بعض الحكماء : من خصال أهل الجنة أربعة : وجه منبسط ، ولسان لطيف وقلب رحيم ، ويد
معطية.
بعض وصايا لقمان الحكيم لابنه عليهما السلام
(بسم الله الرحمن الرحيم)
عن الاوزاعي أن لقمان الحكيم ـ رحمه الله ـ لما خرج من بلاده نزل بقرية بالموصل
يقال لها : كومليس
(1) قال : فلما ضاق بها ذرعه واشتد بها غمه ولم يكن بها أحد يعينه
على أمره ، أغلق الباب وأدخل ابنه يعظه فقال : يابني إن الدنيا بحر عميق هلك فيها بشر
كثير ، تزود من عملها واتخذ سفينة حشوها تقوى الله ثم اركب لجج الفلك تنجو وإني
لخائف أن لا تنجو.
يابني السفينة إيمان وشراعها التوكل وسكانها الصبر ومجاذيفها
(2) الصوم و الصلاة
والزكاة.
يابني من ركب البحر من غير سفينة غرق.
يابني أقل الكلام واذكر الله عزوجل في كل مكان فإنه قد أنذرك وحذرك و بصرك وعلمك.
يابني اتعظ بالناس قبل أن يتعظ الناس بك.
يابني اتعظ بالصغير قبل أن ينزل بك الكبير.
يابني أملك نفسك عند الغضب حتى لا تكون لجهنم حطبا.
يابني الفقر خير من أن تظلم وتطغى.
يابني إياك أن تستدين فتخون من الدين.
يابني إياك أن تستذل فتخزي.
يابني إياك أن تخرج من الدنيا فقيرا وتدع أمرك وأموالك عند غيرك قيما ، فتصيره
أميرا.
يابني إن الله تعالى رهن الناس بأعمالهم فويل لهم مما كسبت أيديهم و أفئدتهم.
------------------------------------ (1) في بعض النسخ [ كوماس ].
(2) المجذاف : ما تدفع به السفينة كالمجذاف.
الاختصاص _ 337 _
يابني لا تأمن الدنيا والذنوب والشيطان فيها.
يابني إنه قد افتتن الصالحون من الاولين فكيف ينجو منه الآخرون.
يابني اجعل الدنيا سجنك فتكون الآخرة جنتك.
يابني إنك لم تكلف أن تشيل الجبال
(1) ولم تكلف مالا تطيقه ، فلا تحمل البلاء على
كتفك ولا تذبح نفسك بيدك.
يابني إنك كما تزرع تحصد وكما تعمل تجد.
يانبي لا تجاورن الملوك فيقتلوك ولا تطيعهم فتكفر.
يابني جاور المساكين واخصص الفقراء والمساكين من المسلمين.
يابني كن لليتيم كالاب الرحيم وللارملة كالزوج العطوف.
يانبي إنه ليس كل من قال : اغفر لي غفر له ، إنه لا يغفر إلا لمن عمل
بطاعة ربه.
يابني الجار ثم الدار.
يابني الرفيق ثم الطريق.
يابني لو كانت البيوت على العجل ما جاور رجل سوء أبدا.
يابني الوحدة خير من صاحب السوء.
يابني الصاحب الصالح خير من الوحدة.
يابني نقل الحجارة والحديد خير من قرين السوء.
يابني إني نقلت الحجارة والحديد فلم أجد شيئا أثقل من قرين السوء.
يابني إنه من يصحب قرين السوء لا يسلم ، ومن يدخل مداخل السوء يتهم.
يابني من لا يكف لسانه يندم.
يابني المحسن تكافي بإحسانه والمسيئ يكفيك مساويه ، لو جهدت أن تفعل به أكثر مما
يفعله بنفسه ما قدرت عليه.
يابني من ذا الذي عبدالله فخذله ، ومن ذا الذي ابتغاه فلم يجده.
يابني ومن ذا الذي ذكره فلم يذكره ، ومن ذا الذي توكل على الله فوكله إلى غيره ، ومن
ذاالذي تضرع إليه جل ذكره فلم يرحمه.
الاختصاص _ 338 _
يابني شاور الكبير ولا تستحيي من مشاورة الصغير.
يابني إياك ومصاحبة الفساق ، هم كالكلاب إن وجدوا عندك شيئا أكلوه وإلا ذموك وفضحوك ،
وإنما حبهم بينهم ساعة.
يابني معاداة المؤمنين خير من مصادقة الفاسق.
يابني المؤمن تظلمه ولا يظلمك ، وتطلب عليه فيرضى عنك ، والفاسق لا يراقب الله فكيف
يراقبك.
يا بني استكثر من الاصدقاء ولا تأمن من الاعداء فإن الغل في صدورهم مثل الماء تحت
الرماد.
يابني إبدء الناس بالسلام والمصافحة قبل الكلام.
يابني لا تكالب الناس فيمقتوك ، ولا تكن مهينا فيذلوك ، ولا تكن حلوا فيأكلوك ، ولا
تكن مرا فيلفظوك ، ـ ويروى ولا تكن حلوا فتبلع ـ ولا مرا فترمى.
يابني لا تخاصم في علم الله فإن علم الله لا يدرك ولا يحصى.
يابني خف الله مخافة لاتيأس من رحمته وارجه رجاء لا تأمن من مكره.
يابني انه النفس عن هواها فإنك إن لم تنه النفس عن هواها لم تدخل الجنة ولم ترها.
ـ ويروى انه نفسك عن هواها فإن في هواها رداها ـ.
يابني إنك منذ يوم هبطت من بطن امك استقبلت الآخرة واستدبرت الدنيا فإنك إن نلت
مستقبلها أولى بك أن تستدبرها.
يابني إياك والتجبر والتكبر والفخر فتجاور إبليس في داره يابني دع عنك التجبر
والكبر ودع عنك الفخر ، واعلم أنك ساكن القبور.
يابني اعلم أنه من جاور إبليس وقع في دار الهوان ، لا يموت فيها ولا يحيى.
يابني ويل لمن تجبر وتكبر ، كيف يتعظم من خلق من طين وإلى طين يعود ثم لا يدري إلى
ماذا يصير إلى الجنة فقد فاز ، أو إلى النار فقد خسر خسرانا مبينا وخاب ، ـ ويروى كيف
يتجبر من قد جرى في مجرى البول مرتين ـ.
يابني كيف ينام ابن آدم والموت يطلبه ، وكيف يغفل ولا يغفل عنه.
الاختصاص _ 339 _
يانبي إنه قد مات أصفياء الله عزوجل وأحباؤه وأنبياؤه صلوات الله عليهم فمن ذا
بعدهم يخلد فيترك.
يابني لا تطأ أمتك ولو أعجبتك وانه نفسك عنها وزوجها.
يابني لا تفشين سرك إلى امرأتك ولا تجعل مجلسك على باب دارك.
يابني إن المرأة خلقت من ضلع أعوج إن أقمتها كسرتها وإن تركتها تعوجت ، ألزمهن
البيوت فإن أحسن فاقبل إحسانهن وإن أسأن فاصبر إن ذلك من عزم الامور.
يابني النساء أربعة : ثنتان صالحتان وثنتان ملعونتان فأما إحدى الصالحتين فهي
الشريفة في قومها الذليلة في نفسها ، التي إن اعطيت شكرت وإن ابتليت صبرت ، القليل في
يديها كثير الصالحة في بيتها ، والثانية الودود الولود ، تعود بخير على زوجها ، هي
كالام الرحيم تعطف على كبيرهم وترحم صغيرهم وتحب ولد زوجها وإن كانوا من غيرها ،
جامعة الشمل ، مرضية البعل ، مصلحة في النفس ، والاهل والمال والولد ، فهي كالذهب
الاحمر طوبى لمن رزقها ، إن شهد زوجها أعانته وإن غاب عنها حفظته ، وأما إحدى
الملعونتين فهي العظيمة في نفسها ، الذليلة في قومها ، التي إن اعطيت سخطت وإن منعت
عتبت وغضبت ، فزوجها منها في بلاء وجيرانها منها في عناء ، فهي كالاسد إن جاورته أكلك
وإن هربت منه قتلك ، و الملعونة الثانية فهي عند زوجها وميلها في جيرانها ، فهي سريعة
السخطة ، سريعة الدمعة إن شهد زوجها لم تنفعه وإن غاب عنها فضحته ، فهي بمنزلة الارض
النشاشة
(1) إن اسقيت أفاضت الماء وغرقت ، وإن تركتها عطشت ، وإن رزقت منها ولدا لم
تنتفع به.
يابني لا تتزوج بأمة فيباع ولدك بين يديك وهو فعلك بنفسك.
يابني لو كانت النساء تذاق كما تذاق الخمر ما تزوج رجل امرأة سوء أبدا.
يابني أحسن إلى من أساء إليك ولا تكثر من الدنيا فإنك على غفلة
(2) منها وانظر إلى
ما تصير منها.
يانبي لا تأكل مال اليتيم فتفتضح يوم القيامة وتكلف أن ترده إليه.
------------------------------------ (1) كذا وفي بعض النسخ [ النسوان ].
(2) كذا وفي بعض النسخ[ على رحلة ].
الاختصاص _ 340 _
يانبي إنه إن أغنى أحد عن أحد لاغنى الولد عن والده.
يابني إن النار تحيط بالعالمين كلهم فلا ينجو منها أحد إلا من رحمه الله و قربه
منه.
يابني لا يغرنك خبيث اللسان فإنه يختم على قلبه وتتكلم جوارحه وتشهد عليه.
يابني لا تشتم الناس فتكون أنت الذي شتمت أبويك.
يابني لا يعجبك إحسانك ولا تتعظمن بعملك الصالح فتهلك.
يابني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم
الامور.
يابني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم.
يابني ولا تمشي في الارض مرحا إنك لن تخرق الارض ولن تبلغ الجبال طولا.
يابني إن كل يوم يأتيك يوم جديد ، يشهد عليك عند رب كريم.
يابني إنك مدرج في أكفانك ومحل قبرك ومعاين عملك كله.
يابني كيف تسكن دار من قد أسخطته ؟ أم كيف تجاور من قد عصيته ؟.
يابني عليك بما يعنيك ودع عنك مالا يعنيك فإن القليل منها يكفيك والكثير منها لا
يعنيك.
يابني لا تؤثرون على نفسك سواها ، ولا تورث مالك أعدائك.
يابني إنه قد احصى الحلال الصغير فكيف بالحرام الكثير ؟.
يابني اتق النظر إلى مالا تملكه وأطل التفكر في ملكوت السماوات والارض والجبال وما
خلق الله فكفى بهذا واعظا لقلبك.
يابني أقبل وصية الوالد الشفيق.
يابني بادر بعلمك قبل أن يحضر أجلك وقبل أن تسير الجبال سيرا ، وتجمع الشمس والقمر.
يابني إنه
(1) حين تتفطر السماء وتطوى ونزل الملائكة صفوفا خائفين حافينمشفقين
وتكلف أن تجاوز الصراط وتعاين حينئذ عملك وتوضع الموازين وتنشر الدواوين.
------------------------------------ (1) أى يوم القيامة.
الاختصاص _ 341 _
في حكم لقمان فيما أوصى به ابنه أنه قال : يابني تعلمت بسبعة آلاف من الحكمة فاحفظ
منها أربعة ومر معي إلى الجنة : أحكم سفينتك فإن بحرك عميق ، وخفف حملك فإن العقبة
كؤود ، وأكثر الزاد فإن السفر بعيد ، وأخلص العمل فإن الناقد بصير
(1).
فضل سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ
بلغنا أن سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ دخل مجلس رسول الله صلى الله عليه واله
ذات يوم فعظموه وقدموه وصدروه إجلالا لحقه وإعظاما لشيبته واختصاصه بالمصطفى وآله ،
فدخل عمر فنظر إليه فقال : من هذا العجمي المتصدر فيما بين العرب ، فصعد رسول الله
صلى الله عليه واله المنبر فخطب فقال : إن الناس من عهد آدم إلى يومنا هذا مثل أسنان
المشط ، لا فضل للعربي على العجمي ولا للاحمر على الاسود إلا بالتقوى ، سلمان بحر لا
ينزف ، وكنز لا ينفد ، سلمان منا أهل البيت ، سلسل يمنح الحكمة ويؤتى البرهان (2).
قال : جرى ذكر سلمان وذكر جعفر الطيار بين يدي جعفر بن محمد صلى الله عليهم وهو
متكئ ، ففضل بعضهم جعفرا عليه وهناك أبوبصير فقال بعضهم : إن سلمان كان مجوسيا ثم
أسلم فاستوى أبوعبدالله عليه السلام جالسا مغضبا وقال : ياأبا بصير جعله الله علويا
بعد أن كان مجوسيا وقرشيا بعد أن كان فارسيا فصلوات الله على سلمان وإن لجعفر شأنا
عند الله يطير مع الملائكة في الجنة ـ أو كلام يشبهه ـ.
أبوعبدالله البرقي قال : لقيت أبا غيث الاصبهاني وكان من أصحاب ضرار فقلت له : ما
حجتك على من خالفك ؟ فقال : الاجماع فقلت : لم يفهم المسألة فأعدتها عليه ثلاث مرات كل
ذلك يقول : الاجماع ، فقلت : لم لم تفهم ؟ فقال لي : وكيف ذاك ؟ فقلت له : إني سألتك الحجة
على من خالفك فقلت : الاجماع ولو كان الاجماع لم يخالفك أحد فقال : أردها عليك
------------------------------------ (1) منقول في البحار ج 1 ص 325.
(2) نقله المحدث النورى في الباب الثانى من كتاب نفس الرحمن من كتاب الاختصاص وقال :
السلسل كجعفر ـ الماء العذب أو البارد.ونقله المجلسى في البحار ج 6 باب احوال سلمان
وقال : لا يبعد أن يكون ( سلسل ) تصحيف ( سلمان ) اه لكنه بعيد لما حكى ان أمير
المؤمنين عليه السلام سماه سلسل كما قاله المحدث النورى ـ ره ـ في مقدمة نفس
الرحمن.
الاختصاص _ 342 _
فقلت : زدها ، فقال : ما حجتك على من خالفك ؟ فقلت : رجل مأمون معدوم مطهر عالم لا يضل
ولا يضل ولا يخطئ ولا يجهل ، الناس محتاجون إليه وهو مستغن عنهم لما جعل الله عنده
من العلم والفضل ، فقال : هذا لا يوجد في الامة فقلت : أليس إذا كان مثل هذا في الامة
فهو أصلح لها ؟ قال : بلى ولكن لا يوجد ، فقلت له : ما يدريك له أنه لا يوجد في الامة
أو ليس في الامة أو لم يخلق الله مثله وفيه صلاح الخلق وأنت لم تمتحن الخلق جميعا
ولم تطف برا ولا بحرا ولا سهلا ولا جبلا ولا عرفت الخيار من الشرار ، فمن أين رفعته
وأنت جاهل بالخلق ؟.
قال : قال أبوالحسن البصري : مسكين ابن آدم مكتوم الاجل أسير جوع ورهين شبع ، إن من
تؤلمه البقة وتنتنه العرقة وتقتله الشرقة لضعيف.
قال : جاء رجل إلى علي بن الحسين عليهما السلام يشكو إليه حاله فقال : مسكين ابن آدم
له في كل يوم ثلاث مصائب لا يعتبر بواحدة منهن ولو اعتبر لهانت عليه المصائب وأمر
الدنيا فأما المصيبة الاولى فاليوم الذي ينقص من عمره قال : وإن ناله نقصان في ماله
اغتم به ، والدرهم يخلف عنه والعمر لا يرده ، والثانية أنه يستوفي رزقه فإن كان حلالا
حوسب عليه وإن كان حراما عوقب عليه ، قال : والثالثة أعظم من ذلك ، قيل : وما هي ؟ قال :
مامن يوم ، يسمي إلا وقد دنى من الآخرة ، رحلة لا يدري على الجنة أم على النار.
وقال : أكبر ما يكون ابن آدم اليوم الذي يلد من امه ، قالت الحكماء : ما سبقه إلى هذا
أحد.
قال : خطب النبي صلى الله عليه واله لما أراد الخروج إلى تبوك بثنية الوداع فقال :
بعد أن حمد الله وأثنى عليه أيها الناس أن أصدق الحديث كتاب الله وأوثق العرى كلمة
التقوى ، وخير الملل ملة إبراهيم عليه السلام ، وخير السنن سنة محمد ، وأشرف الحديث
ذكر الله ، و أحسن القصص القرآن ، وخير الامور عزائمها ، وشر الامور محدثاتها ، وأحسن
الهدى هدى الانبياء ، وأشرف القتل قتل الشهداء ، وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى ، وخير
الاعمال ما نفع ، وخير الهدى ما اتبع وشر العمى عمى القلب ، واليد العليا خير من اليد
السفلى وما قل وكفى خير مما كثر وألهى ، وشر المعذرة حين يحضر الموت ، وشر الندامة
يوم القيامة ، ومن الناس
الاختصاص _ 343 _
من لايأت الجمعة إلا نذرا ، ومنهم من لا يذكر الله إلا هجرا ، ومن أعظم الخطايا
باللسان الكذوب ، وخير الغنى غنى النفس ، وخير الزاد التقوى ، ورأس الحكمة مخافة الله ،
وخير ما ألقى في القلب اليقين ، والارتياب من الكفر ، والنياحة من عمل الجاهلية ،
والغلول من جمر جهنم
(1) والسكر جمر النار ، والشعر من إبليس والخمر جماع الآثام ،
والنساء حبالات إبليس والشباب شعبة من الجنون ، وشر المكاسب كسب الربا وشر المآكل
مال اليتيم ، والسعيد من وعظ بغيره ، والشقي من شقي في بطن أمه ، وإنما يصير أحدكم إلى
موضع أربعة أذرع والامر إلى آخره ، وملاك العمل خواتيمه وأربى الربا الكذب ، وكل ما
هو آت قريب ، وسباب المؤمن فسوق ، وقتال المؤمن كفر ، وأكل لحمه معصية ، وحرمة ماله
كحرمة دمه ومن يبالى على الله يكذبه ، ومن يعف يعفو الله عنه ، ومن كظم الغيظ يأجره
الله ومن يصبر على الرزية يعوضه الله ، ومن يبتغ السمعة يسمع الله به ، ومن يصم بصره
ومن يعصى الله يعذبه الله ، اللهم اغفر لي ولامتي ، اللهم اغفر لي ولامتي استغفر الله
لي ولكم.
ابن محبوب عن الفضيل بن يونس الكاتب : قال : قال لي أبوالحسن موسى بن جعفر ابن محمد
عليهم السلام : أبلغ خيرا ، وقل خيرا ، ولا تكونن أمعة ، قلت : وما الامعة ؟ قال : تقول :
أنا مع الناس وأنا كواحد من الناس إن رسول الله صلى الله عليه واله قال : ياأيها
الناس إنهما نجدان : نجد خير ونجد شر فما بال نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير.
أحمد بن محمد بن عيسى ، عن العباس بن معروف ، عن عبدالله بن المغيرة الخزاز ، عن أبي
حفص العبدي ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري قال : رأيت رسول الله صلى الله
عليه واله وسمعته يقول : ياعلي ما بعث الله نبيا إلا وقد دعاه إلى ولايتك طائعا أو
كارها.
وعنه ، عن أبيه ، والعباس بن معروف ، عن عبدالله بن المغيرة قال : حدثني عبدالله ابن
عبدالرحمن الاصم ، عن عبدالله بن بكر الارجاني قال : صحبت أبا عبدالله عليه السلام في
طريق مكة من المدينة فنزل منزلا يقال له : عسفان ثم مررنا بجبل أسود على يسار
الاختصاص _ 344 _
الطريق وحش ، فقلت : ياابن رسول الله ما أوحش هذا الجبل ما رأيت في الطريق جبلا أوحش
منه ، فقال : ياابن بكر تدري أي جبل هذا ؟ قلت : لا ، قال : هذا جبل يقال له : الكمد وهو
على واد من أودية جهنم ، فيه قتلة أبى الحسين بن علي عليهما السلام استودعوه ، يجري
من تحته مياه جهنم من الغسلين والصديد والحميم الآن وما يخرج من جهنم ، وما يخرج من
الفلق ، وما يخرج من آثام ، وما يخرج من طينة خبال ، وما يخرج من لظى ، وما يخرج من
الحطمة ، وما يخرج من سقر ، وما يخرج من الجحيم ، وما يخرج من الهاوية ، وما يخرج من
السعير ، وما مررت بهذا الجبل قط في مسيري فوقفت إلا رأيتهما يستغيثان بي ويتضرعان
إلي وإني لانظر إلى قتلة أبي فأقول لهما : إن هؤلاء إنما فعلوا بنا ما فعلوا لما
أسستمالم ترحمونا لما وليتم وقتلتمونا وحرمتمونا ووثبتم على حقنا واستبددتم بالامر
دوننا فلا رحم الله من يرحمكما صنعتما وما الله بظلام للعبيد ، وأشدهما تضرعا
واستكانة الثاني فربما وقفت عليهما ليتسلى عني بعض ما يعرض في قلبي ، وربما طويت
الجبل الذي هما فيه وهو جبل الكمد ، قلت : جعلت فداك فإذا طويت الجبل فما تسمع ؟ قال :
أسمع أصواتهم ينادون عرج إلينا نكلمك فإنا نتوب وأسمع صارخا من الجبل يقول : لا
تكلمهم وقل لهم : اخسؤوا فيها ولا تكلمون ، قلت : جعلت فداك ومن معهم ؟ قال : كل فرعون
عتا على الله وحكى الله عنه فعاله ، وكل من علم العباد الكفر ، قلت : من هم ؟ قال : نحو
قورس
(1) الذي علم اليهود أن عزيرا ابن الله ، ونحو نسطور الذي علم النصارى أن
المسيح ابن الله وقال لهم : هم ثلاثة ، ونحو فرعون موسى الذي قال : أنا ربكم الاعلى ،
ونحو نمرود الذي قال : قهرت أهل الارض وقتلت من في السماء ، وقاتل أمير المؤمنين عليه
السلام وقاتل فاطمة عليها السلام وقاتل المحسن وقاتل الحسن والحسين عليهم السلام
فأما معاوية وعمرو بن العاص فما يطعمان في الخلاص ومعهم كل من نصب لنا العداوة
وعاون علينا بلسانه ويده ، قلت : جعلت فداك : إلى أين هذا الجبل ؟ قال : إلى الارض
السادسة وفيها جهنم وهو على واد من أوديتها عليها ملائكة حفظة أكثر من نجوم السماء
وقطر المطر وعدد ماء البحار
------------------------------------ (1) في بعض النسخ [ بولس ].
الاختصاص _ 345 _
وعدد الثرى وقد وكل الله كل ملك منهم بشئ فهو مقيم عليه لا يفارقه
(1).
كتاب صفة الجنة والنار
بسم الله الرحمن الرحيم
حدثنا أبوجعفر أحمد بن محمد بن عيسى ، قال : حدثني سعيد بن جناح
(2) ، عن عوف بن
عبدالله الازدي ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال : قال رسول الله
صلى الله عليه واله : إذا أراد الله تبارك وتعالى قبض روح المؤمن قال : ياملك الموت
أنطلق أنت وأعوانك إلى عبدي ، فطال ما نصب نفسه من أجلي فأتني بروحه لاريحه عندي ،
فيأتيه ملك الموت بوجه حسن وثياب طاهرة وريح طيبة فيقوم بالباب فلا يستأذن بوابا
ولا يهتك حجابا ولا يكسر بابا ، معه خمسمائة ملك أعوان معهم طنان الريحان
(3)
والحرير الابيض والمسك الاذفر فيقولون : السلام عليك ياولي الله أبشر فإن الرب يقرئك
السلام أما إنه عنك راض غير غضبان ، وأبشر بروح وريحان وجنة نعيم.
قال : أما الروح فراحة من الدنيا وبلائها ، والريحان من كل طيب في الجنة فيوضع على
ذقنه ، فيصل ريحه إلى روحه ، فلا يزال في راحة حتى يخرج نفسه ، ثم يأتيه رضوان خازن
الجنة فيسقيه شربة من الجنة لا يعطش في قبره ولا في القيامة حتى يدخل الجنة ريانا ،
فيقول : ياملك الموت رد روحي حتى يثني على جسدي وجسدي على روحي ، قال : فيقول ملك
الموت : ليثن كل واحد منكما على صاحبه ، فيقول الروح :
------------------------------------ (1) روى الصدوق صدر الخبر في ثواب الاعمال وابن قولويه تمامه في الكامل ص 326 بسند
آخر عن عبدالله الاصم مع زيادة بعد قوله : ( لايفارقه ) نحو 28 سطرا وهكذا رواه
الصفار في البصائر.
ونقله المجلسى ـ رحمه الله ـ في البحار ج 7 ص 270 وج 8 ص 213.
(2) قال النجاشي ـ رحمه الله ـ : سعيد بن جناح أصله كوفى ، نشأ ببغداد ومات بها مولى
الازد ويقال : مولى جهينة وأخوه أبوعامر روى عن أبى الحسن والرضا عليهما السلام
وكانا ثقتين ، له كتاب صفة الجنة والنار وكتاب قبض روح المؤمن والكافر ، الخ، وأما
عوف بن عبدالله فمجهول.
(3) الطن ـ بضم الطاء ـ : حزمة القصب وبدن الانسان والجمع أطنان وطنان بكسر الطاء.
الاختصاص _ 346 _
جزاك الله من جسد خير الجزاء ، لقد كنت في طاعته مسرعا وعن معاصيه مبطئا ، فجزاك الله
عني من جسد خير الجزاء ، فعليك السلام إلى يوم القيامة ، ويقول الجسد للروح مثل ذلك.
قال : فيصيح ملك الموت بالروح أيتها الروح الطيبة اخرجي من الدنيا مؤمنة مرحومة
مغتبطة ، قال : فرقت به الملائكة وفرجت عنه الشدائد ، وسهلت له الموارد ، وصار لحيوان
الخلد.
قال : ثم يبعث الله له صفين من الملائكة غير القابضين لروحه ، فيقومون سماطين
(1) ما
بين منزله إلى قبره ، ويستغفرون له ويشفعون له ، قال : فيعلله ملك الموت ويمنيه ويبشره
عن الله بالكرامة والخير كما تخادع الصبي امه تمرخه بالدهن والريحان
(2) وبقاء
النفس وتفديه بالنفس والوالدين.
قال : فإذا بلغت الحلقوم قال الحافظان اللذان معه : ياملك الموت ارؤف بصاحبنا وارفق ،
فنعم الاخ كان ونعم الجليس ، لم يمل علينا ما يسخط الله قط ، فإذا خرجت روحه خرجت
كنخلة بيضاء وضعت في مسكة بيضاء ومن كل ريحان في الجنة فأدرجت إدراجا وعرج بها
القابضون إلى السماء الدنيا ، قال : فيفتح له أبواب السماء ويقول لها البوابون : حياها
الله من جسد كانت فيه ، لقد كان يمر له علينا عمل صالح ونسمع حلاوة صوته بالقرآن
قال : فبكى له أبواب السماء والبوابون لفقدها ، ويقول : يارب قد كان لعبدك هذا عمل
صالح وكنا نسمع حلاوة صوته بالذكر للقرآن ، ويقولون : اللهم ابعث لنا مكانه عبدا
يسمعنا ما كان يسمعنا ويصنع الله ما يشاء فيصعد به إلى عيش رحبت به ملائكة السماء
كلهم أجمعون ويشفعون له ويستغفرون له ويقول الله تبارك وتعالى : رحمتي عليه من روح ،
ويتلقاه أرواح المؤمنين كما يتلقى الغائب غائبه ، فيقول بعضهم لبعض : ذروا هذه الروح
حتى تفيق
(3) فقد خرجت من كرب عظيم وإذا هو استراح أقبلوا عليه يسائلونه ويقولون :
------------------------------------ (1) اى صفين منظمين.
(2) مرخت الرجل بالدهن : اذا أدهنته به ثم دلكته.
(3) من الافاقة.
الاختصاص _ 347 _
ما فعل فلان وفلان ؟ فإن كان قد مات بكوا واسترجعوا ويقولون : ذهبت به امه الهاوية
فإنا لله وإنا لله راجعون.
قال : فيقول الله : ردوها عليه ، فمنها خلقتهم وفيها اعيدهم ومنها اخرجهم تارة اخرى ،
قال : فإذا حمل سريره حملت نعشه الملائكة واندفعوا به اندفاعا والشياطين سماطين
ينظرون من بعيد ليس لهم عليه سلطان ولا سبيل فإذا بلغوا به القبر توثبت إليه بقاع
الارض كالرياض الخضر ، فقالت كل بقعة منها : اللهم اجعله في بطني ، قال : فيجاء به حتى
يوضع في الحفرة التي قضاها الله له ، فإذا وضع في لحده مثل له أبوه وامه وزوجته
وولده وإخوانه قال : فيقول لزوجته : ما يبكيك ؟ قال : فتقول : لفقدك تركتنا معولين.
قال : فتجئ صورة حسنة ، قال : فيقول : ما أنت ؟ فيقول : أنا عملك الصالح أنا لك اليوم حصن
حصين وجنة وسلاح بأمر الله ، قال : فيقول : أما والله لو علمت أنك في هذا المكان لنصبت
نفسي لك وما غرني مالي وولدي ، قال : فيقول : ياولي الله أبشر بالخير ، فوالله إنه
ليسمع خفق نعال القوم إذا رجعوا ونفضهم أيديهم من التراب إذا فرغوا قد رد عليه روحه
وما علموا ، قال : فيقول له الارض : مرحبا ياولي الله مرحبا بك أما والله لقد كنت احبك
وأنت على متني فأنا لك اليوم أشد حبا إذا أنت في بطني ، أما وعزة ربي لاحسنن جوارك
ولا بردن مضجعك ، ولا وسعن مدخلك ، إنما أنا روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر
النار.
قال : ثم يبعث الله إليه ملكا فيضرب بجناحيه عن يمينه وعن شماله ومن بين يديه ومن
خلفه فيوسع له من كل طريقة أربعين نورا ، فإذا قبره مستدير بالنور.
قال : ثم يدخل عليه منكر ونكير وهما ملكان أسودان يبحثان القبر بأنيابهما ويطئان في
شعورهما ، حدقتاهما مثل قدر النحاس ، وأصواتهما ، كالرعد القاصف ، وأبصارهما مثل البرق
اللامع ، فينتهرانه
(1) ويصيحان به ويقولان : من ربك ؟ ومن نبيك ؟ وما دينك ؟ ومن إمامك ؟
فإن المؤمن ليغضب حتى ينتقض من الادلال
(2)
الاختصاص _ 348 _
توكلا على الله من غير قرابة ولا نسب ، فيقول ربي وربكم ورب كل شئ الله ، ونبيي
ونبيكم محمد خاتم النبيين ، وديني الاسلام الذي لا يقبل الله معه دينا ، وإمامي
القرآن مهيمنا على الكتب
(1) وهو القرآن العظيم ، فيقولان : صدقت ووفقت وفقك الله
وهداك انظر ما ترى عند رجليك فإذا هو بباب من نار ، فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون
ما كان هذا ظني برب العالمين ، قال : فيقولان له : ياولي الله لا تحزن ولا تخشى وأبشر
واستبشر فليس هذا لك ولا أنت له إنما أراد الله تبارك وتعالى أن يريك من أي شئ نجاك
ويذيقك برد عفوه قد أغلق هذا الباب عنك ولا تدخل النار أبدا ، انظر ما ترى عند رأسك
فإذا هو بمنازله من الجنة وأزواجه من الحور العين ، قال : فيثب وثبة لمعانقة الحور
العين الزوجة من أزواجه ، فيقولان له : ياولي الله إن لك إخوة وأخوات لم يلحقوا فنم
قرير العين كعاشق في حجلته إلى يوم الدين ، قال : فيفرش له ويبسط ويلحد ، قال : فوالله
ما صبي قد نام مدللا بين يدي امه وأبيه بأثقل نومة منه ، قال : فإذا كان يوم القيامة
يجيئه عنق من النار فتطيف به ، فإذا كان مدمنا على
(2) ( تنزيل ـ السجدة ـ ) و (
تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شئ قدير ) وقفت عنده ( تبارك ) وانطلقت ( تنزيل ـ
السجدة ـ ) فقالت : أنا آت بشفاعة رب العالمين ، قال : فتجيئ عنق من العذاب من قبل
يمينه فتقول الصلاة : إليك عن ولي الله
(3) فليس لك إلى ما قبلي سبيل ، فيأتيه من قبل
يساره فتقول الزكاة : إليك عن ولي الله ، فليس لك إلى ما قبلي سبيل ، فيأتيه من قبل
رأسه فيقول القرآن : إليك عن ولي الله ، فليس لك إلى ما قبلي سبيل ، فقد وعاني في
قبله ، وفي اللسان الذي كان يوحد به ربه فليس لك إلى ما قبلي سبيل ، فتخرج عنق من
النار مغضبا فيقول : دونكما ولي الله ، وليكما
(4) قال : فيقول الصبر وهو في ناحية
القبر : أما والله ما منعني أن ألي من ولي الله اليوم ، إلا أني نظرت ما عندكم فلما
أن جزتم
(5) عن ولي الله عذاب القبر ومؤونته فأنا لولي الله ذخر وحصن عند الميزان
وجسر جهنم والعرض عند الله.
------------------------------------ (1) المهيمن الذى يقوم بأمر جماعة ، ويأتى بمعنى الشاهد والمؤتمن ايضا.
(2) أدمن الشئ : أدامه ومدمن الشئ مداومه.
(3) أى ابعد.
(4) الظاهر أن مرجع الضمير إلى السورتين.
(5) كذا.
الاختصاص _ 349 _
فقال علي أمير المؤمنين عليه السلام يفتح لولي الله من منزله من الجنة إلى قبره
تسعة وتسعون بابا ، يدخل عليها روحها وريحانها وطيبها ولذتها ونورها إلى يوم
القيامة ، فليس شئ أحب إليه من لقاء الله ، قال : فيقول : يارب عجل علي قيام الساعة حتى
أرجع إلى أهلي ومالي ، فإذا كانت صيحة القيامة خرج من قبره مستورة عورته ، مسكنة
روعته قد اعطي الامن والامان ، وبشر بالرضوان ، والروح والريحان ، والخيرات الحسان ،
فيستقبله الملكان اللذان كانا معه في الحياة الدنيا فينفضان التراب عن وجهه وعن
رأسه ولا يفارقانه ، ويبشرانه ويمنيانه ويفرجانه كلما راعه شئ من أهوال القيامة قالا
له : يا ولي الله لا خوف عليك اليوم ولا حزن ، نحن الذين ولينا عملك في الحياة الدنيا
ونحن أولياؤك اليوم في الآخرة ، انظرتلكم الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون ،
قال : فيقام في ظل العرش فيدنيه الرب تبارك وتعالى حتى يكون بينه وبينه حجاب من نور
فيقول له : مرحبا ، فمنها يبيض وجهه ويسر قلبه ويطول سبعون ذراعا من فرحته فوجهه
كالقمر وطوله طول آدم وصورته صورة يوسف ولسانه لسان محمد صلى الله عليه واله وقلبه
قلب أيوب ، كلما غفر له ذنب سجد ، فيقول : عبدي اقرء كتابك فيصطك فرائصه شفقا وفرقا
(1) قال : فيقول الجبار : هل زدنا عليك سيئاتك ونقصنا عليك من حسناتك ؟ قال : فيقول :
ياسيدي بل أنت قائم بالقسط وأنت خير الفاصلين.
قال : فيقول : عبدي أما استحييت ولا راقبتني ولا خشيتني ، قال : فيقول : ياسيدي قد أسأت
فلا تفضحني ، فإن الخلايق ينظرون إلي ، قال : فيقول الجبار : وعزتي يامسيئ لا أفضحك
اليوم قال : فالسيئات فيما بينه وبين الله مستورة والحسنات بارزة للخلائق ، قال :
فكلما كان عيره بذنب قال : سيدي لتبعثني إلى النار أحب إلي من أن تعيرني ، قال : فيضحك
الجبار
(2) تبارك وتعالى لاشريك له ليقر بعينه
(3) ، قال : فيقول : أتذكر يوم كذا وكذا
أطعمت جائعا ووصلت أخا مؤمنا ، كسوت يوما أعطيت سعيا حججت في الصحاري تدعوني محرما ،
أرسلت عينيك فرقا ، سهرت ليلة شفقا ، غضضت طرفك مني
------------------------------------ (1) أى خوفا.
(2) قال العلامة المجلسى ـ رحمه الله ـ : الضحك كناية عن اظهار ما يدل على رضاه عنهم
من خلق صوت يشبه الضحك أو غيره والله تعالى يعلم وحججه صلوات الله عليهم أجمعين.
(3) في بعض النسخ [لتفريعه ] في بعضها [لتفزيعه ].
الاختصاص _ 350 _
فرقا ، فذابذا وأما ما أحسنت فمشكور ، وأما ما أساءت فمغفور ، حول بوجهك فإذا حوله
رأى الجبار فعند ذلك ابيض وجهه وسر قلبه ووضع التاج على رأسه وعلى يديه الحلي
والحلل.
ثم يقول : ياجبرئيل انطلق بعبدي فأره كرامتي فيخرج من عند الله قد أخذ كتابه بيمينه
فيدحو به مد البصر فيبسط صحيفته للمؤمنين والمؤمنات وهو ينادي ( هاؤم اقرؤا كتابيه
* إني ظننت أني ملاق حسابيه * فهو في عيشة راضية ) فإذا انتهى إلى باب الجنة قيل
له : هات الجواز ، قال : هذاجوازي مكتوب فيه : بسم الله الرحمن الرحيم هذا جواز جائز من
الله العزيز الحكيم لفلان بن فلان من رب العالمين ، فينادي مناد يسمع أهل الجمع
كلهم : ألا إن فلان بن فلان قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا ، قال : فيدخل فإذا هو
بشجرة ذات ظل ممدود ، وماء مسكوب ، وثمار مهدلة تسمى رضوان ، يخرج من ساقها عينان
تجريان ، فينطلق إلى إحداهما وكلما مر بذلك فيغتسل منها فيخرج وعليه نضرة النعيم ، ثم
يشرب من الاخرى فلا تكن في بطنه مغص
(1) ولا مرض ولا داء أبدا وذلك قوله تعالى : "
وسقاهم ربهم شرابا طهورا
(2) ( ثم تستقبله الملائكة فتقول له : طبت فادخلها مع
الداخلين
(3) ، فيدخل فإذا هو بسماطين من شجر أغصانها اللؤلؤ ، وفروعها الحلي والحلل ،
وثمارها مثل ثدي الجواري الابكار ، فتستقبله الملائكة معهم النوق والبراذين والحلي
والحلل ، فيقولون : ياولي الله اركب ما شئت ، والبس ما شئت ، وسل ما شئت ، قال : فيركب ما
اشتهى ويلبس ما اشتهى وهو على ناقة أو برذون من نور وثيابه من نور ، وحليته من نور ،
يسير في دار النور ، معه ملائكة من نور وغلمان من نور ، ووصايف من نور حتى تهابه
الملائكة مما يرون من النور فيقول بعضهم لبعض : تنحوا فقد جاء وفد الحليم الغفور.
قال : فينظر إلى أول قصر له من فضة مشرقا بالدر والياقوت
(4) ، فتشرف عليه
------------------------------------ (1) النضرة : البهجة ، والمغص : وجع وتقطيع في الامعاء.
(2) الانسان : 21.
(3) في بعض النسخ [ مع الخالدين ].
(4) وفى بعض النسخ [ مشرفا بالدر ] بالفاء وقال العلامة المجلسى ـ رحمه الله ـ : اى
جعل شرفه من الدر.