إلى آخر الآية وهم الملحدون عدلوا عن التوحيد إلى الإلحاد فقال هارون أخبرني عن أول من ألحد وتزندق فقال موسى ( عليه السلام ) أول من ألحد وتزندق في السماء إبليس اللعين فاستكبر وافتخر على صفي الله ونجيه آدم ( عليه السلام ) فقال اللعين أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين فعتا عن أمر ربه وألحد فتوارث الإلحاد ذريته إلى أن تقوم الساعة فقال ولإبليس ذرية فقال ( عليه السلام ) نعم أ لم تسمع إلى قول الله ( إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ والْأَرْضِ ولا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدا )ً لأنهم يضلون ذرية آدم بزخارفهم وكذبهم ويشهدون أن لا إله إلا الله كما وصفهم الله في قوله ( ولَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ والْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) أي إنهم لا يقولون ذلك إلا تلقينا وتأديبا وتسمية ومن لم يعلم وإن شهد كان شاكا حاسدا معاندا ولذلك قالت العرب من جهل أمرا عاداه ومن قصر عنه عابه وألحد فيه لأنه جاهل غير عالم وكان له ( عليه السلام ) مع أبي يوسف القاضي كلام طويل ليس هنا موضعه ثم قال الرشيد بحق آبائك لما اختصرت كلمات جامعة لما تجاريناه فقال ( عليه السلام ) نعم وأتي بدواة وقرطاس فكتب بسم الله الرحمن الرحيم جميع أمور الأديان أربعة أمر لا اختلاف فيه وهو إجماع الأمة على الضرورة التي يضطرون إليها والأخبار المجمع عليها وهي الغاية المعروض عليها كل شبهة والمستنبط منها كل حادثة وهو إجماع الأمة وأمر يحتمل الشك والإنكار فسبيله استيضاح أهله لمنتحليه بحجة من كتاب الله مجمع على تأويلها وسنة مجمع عليها لا اختلاف فيها أو قياس تعرف العقول عدله ولا يسع خاصة الأمة وعامتها الشك فيه والإنكار له وهذان الأمران من أمر التوحيد فما دونه وأرش الخدش فما فوقه فهذا المعروض الذي يعرض عليه أمر الدين فما ثبت لك برهانه اصطفيته وما غمض عليك صوابه نفيته فمن أورد واحدة من هذه الثلاث فهي الحجة البالغة التي بينها الله في قوله لنبيه قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ يبلغ الحجة البالغة الجاهل فيعلمها بجهله كما يعلمه العالم بعلمه لأن الله عدل لا يجور يحتج على خلقه بما يعلمون ويدعوهم إلى ما يعرفون لا إلى ما يجهلون وينكرون فأجازه الرشيد ورده والخبر طويل .
وروي عنه ( عليه السلام ) في قصار هذه المعاني :
قال ( عليه السلام ) ينبغي لمن عقل عن الله أن لا يستبطئه في رزقه ولا يتهمه في قضائه .
وقال رجل سألته عن اليقين فقال ( عليه السلام) يتوكل على الله ويسلم لله ويرضى بقضاء الله ويفوض إلى الله .
وقال عبد الله بن يحيى كتبت إليه في دعاء الحمد لله منتهى علمه فكتب (عليه السلام) لا تقولن منتهى علمه فإنه ليس لعلمه منتهى ولكن قل منتهى رضاه. .
وسأله رجل عن الجواد فقال ( عليه السلام ) إن لكلامك وجهين فإن كنت تسأل عن المخلوقين فإن الجواد الذي يؤدي ما افترض الله عليه والبخيل من بخل بما افترض الله وإن كنت تعني الخالق فهو الجواد إن أعطى وهو الجواد إن منع لأنه إن أعطاك أعطاك ما ليس لك وإن منعك منعك ما ليس لك .
وقال لبعض شيعته أي فلان اتق الله وقل الحق وإن كان فيه هلاكك فإن فيه نجاتك أي فلان اتق الله ودع الباطل وإن كان فيه نجاتك فإن فيه هلاكك. ,
وقال له وكيله والله ما خنتك فقال (عليه السلام) له خيانتك وتضييعك علي مالي سواء والخيانة شرهما عليك .
وقال ( عليه السلام ) إياك أن تمنع في طاعة الله فتنفق مثليه في معصية الله .
وقال ( عليه السلام ) المؤمن مثل كفتي الميزان كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه .
وقال ( عليه السلام ) عند قبر حضره إن شيئا هذا آخره لحقيق أن يزهد في أوله وإن شيئا هذا أوله لحقيق أن يخاف آخره .
وقال ( عليه السلام ) من تكلم في الله هلك ومن طلب الرئاسة هلك ومن دخله العجب هلك .
وقال ( عليه السلام ) اشتدت مئونة الدنيا والدين فأما مئونة الدنيا فإنك لا تمد يدك إلى شيء منها إلا وجدت فاجرا قد سبقك إليه وأما مئونة الآخرة فإنك لا تجد أعوانا يعينونك عليه .
وقال ( عليه السلم ) أربعة من الوسواس أكل الطين وفت الطين وتقليم الأظفار بالأسنان وأكل اللحية وثلاث يجلين البصر النظر إلى الخضرة والنظر إلى الماء الجاري والنظر إلى الوجه الحسن .
وقال ( عليه السلام ) ليس حسن الجوار كف الأذى ولكن حسن الجوار الصبر على الأذى .
وقال ( عليه السلام ) لا تذهب الحشمة بينك وبين أخيك وأبق منها فإن ذهابها ذهاب الحياء .
تحف العقول عن آل الرسول _163_
وقال ( عليه السلام ) لبعض ولده يا بني إياك أن يراك الله في معصية نهاك عنها وإياك أن يفقدك الله عند طاعة أمرك بها وعليك بالجد ولا تخرجن نفسك من التقصير في عبادة الله وطاعته فإن الله لا يعبد حق عبادته وإياك والمزاح فإنه يذهب بنور إيمانك ويستخف مروتك وإياك والضجر والكسل فإنهما يمنعان حظك من الدنيا والآخرة .
وقال ( عليه السلام ) إذا كان الجور أغلب من الحق لم يحل لأحد أن يظن بأحد خيرا حتى يعرف ذلك منه .
.
وقال ( عليه السلام ) اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات ساعة لمناجاة الله وساعة لأمر المعاش وساعة لمعاشرة الإخوان والثقات الذين يعرفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن وساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرم وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث ساعات لا تحدثوا أنفسكم بفقر ولا بطول عمر فإنه من حدث نفسه بالفقر بخل ومن حدثها بطول العمر يحرص اجعلوا لأنفسكم حظا من الدنيا بإعطائها ما تشتهي من الحلال وما لا يثلم المروة وما لا سرف فيه واستعينوا بذلك على أمور الدين فإنه روي ليس منا من ترك دنياه لدينه أو ترك دينه لدنياه .
وقال ( عليه السلام ) تفقهوا في دين الله فإن الفقه مفتاح البصيرة وتمام العبادة والسبب إلى المنازل الرفيعة والرتب الجليلة في الدين والدنيا وفضل الفقيه على العابد كفضل الشمس على الكواكب ومن لم يتفقه في دينه لم يرض الله له عملا .
وقال ( عليه السلام ) لعلي بن يقطين كفارة عمل السلطان الإحسان إلى الإخوان .
وقال أبو حنيفة حججت في أيام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) فلما أتيت المدينة دخلت داره فجلست في الدهليز أنتظر إذنه إذ خرج صبي يدرج فقلت يا غلام أين يضع الغريب الغائط من بلدكم قال على رسلك ثم جلس مستندا إلى الحائط ثم قال توق شطوط الأنهار ومساقط الثمار وأفنية المساجد وقارعة الطريق وتوار خلف جدار وشل ثوبك ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها وضع حيث شئت فأعجبني ما سمعت من الصبي فقلت له ما اسمك فقال أنا موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فقلت له يا غلام ممن المعصية فقال ( عليه السلام ) إن السيئات لا تخلو من إحدى ثلاث إما أن تكون من الله وليست منه فلا ينبغي للرب أن يعذب العبد على ما لا يرتكب وإما أن تكون منه ومن العبد وليست كذلك فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف وإما أن تكون من العبد وهي منه فإن عفا فبكرمه وجوده وإن عاقب فبذنب العبد وجريرته قال أبو حنيفة فانصرفت ولم ألق أبا عبد الله ( عليه السلام ) واستغنيت بما سمعت .
تحف العقول عن آل الرسول _164_
وقال ( عليه السلام ) كلما أحدث الناس من الذنوب ما لم يكونوا يعملون أحدث الله لهم من البلاء ما لم يكونوا يعدون .
وقال ( عليه السلام ) إذا كان الإمام عادلا كان له الأجر وعليك الشكر وإذا كان جائرا كان عليه الوزر وعليك الصبر .
وقال له أبو أحمد الخراساني الكفر أقدم أم الشرك فقال ( عليه السلام ) له ما لك ولهذا ما عهدي بك تكلم الناس قلت أمرني هشام بن الحكم أن أسألك فقال قل له الكفر أقدم أول من كفر إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين والكفر شيء واحد والشرك يثبت واحدا ويشرك معه غيره .
ورأى رجلين يتسابان فقال ( عليه السلام) البادئ أظلم ووزره ووزر صاحبه عليه ما لم يعتد المظلوم .
وقال ( عليه السلام) ينادي مناد يوم القيامة ألا من كان له على الله أجر فليقم فلا يقوم إلا من عفا وأصلح فأجره على الله .
وقال ( عليه السلام ) السخي الحسن الخلق في كنف الله لا يتخلى الله عنه حتى يدخله الجنة وما بعث الله نبيا إلا سخيا وما زال أبي يوصيني بالسخاء وحسن الخلق حتى مضى .
وقال السندي بن شاهك وكان الذي وكله الرشيد بحبس موسى ( عليه السلام ) لما حضرته الوفاة دعني أكفنك فقال ( عليه السلام ) إنا أهل بيت حج صرورتنا ومهور نسائنا وأكفاننا من طهور أموالنا .
وقال ( عليه السلام ) لفضل بن يونس أبلغ خيرا وقل خيرا ولا تكن إمعة قلت وما الإمعة قال لا تقل أنا مع الناس وأنا كواحد من الناس إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال يا أيها الناس إنما هما نجدان نجد خير ونجد شر فلا يكن نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير .
وروي أنه مر برجل من أهل السواد دميم المنظر فسلم عليه ونزل عنده وحادثه طويلا ثم عرض ( عليه السلام ) عليه نفسه في القيام بحاجة إن عرضت له فقيل له يا ابن رسول الله أ تنزل إلى هذا ثم تسأله عن حوائجك وهو إليك أحوج فقال ( عليه السلام ) عبد من عبيد الله وأخ في كتاب الله وجار في بلاد الله يجمعنا وإياه خير الآباء آدم ( عليه السلام ) وأفضل الأديان الإسلام ولعل الدهر يرد من حاجاتنا إليه فيرانا بعد الزهو عليه متواضعين بين يديه ثم قال ( عليه السلام ) نواصل من لا يستحق وصالنا مخافة أن نبقى بغير صديق .
وقال ( عليه السلام ) لا تصلح المسألة إلا في ثلاثة في دم منقطع أو غرم مثقل أو حاجة مدقعة .
تحف العقول عن آل الرسول _165_
وقال ( عليه السلام ) عونك للضعيف من أفضل الصدقة .
وقال ( عليه السلام ) تعجب الجاهل من العاقل أكثر من تعجب العاقل من الجاهل .
وقال ( عليه السلام ) المصيبة للصابر واحدة وللجازع اثنتان .
وقال ( عليه السلام ) يعرف شدة الجور من حكم به عليه .
ما روي عن الإمام علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) :
وروي عن الإمام الهمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) في طوال هذه المعاني :
جوابه ( عليه السلام ) للمأمون في جوامع الشريعة لما سأله جمع ذلك :
روي أن المأمون بعث الفضل بن سهل ذا الرئاستين إلى الرضا ( عليه السلام ) فقال له إني أحب أن تجمع لي من الحلال والحرام والفرائض والسنن فإنك حجة الله على خلقه ومعدن العلم فدعا الرضا (عليه السلام) بدواة وقرطاس وقال ( عليه السلام ) للفضل اكتب بسم الله الرحمن الرحيم حسبنا شهادة أن لا إله إلا الله أحدا صمدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا قيوما سميعا بصيرا قويا قائما باقيا نورا عالما لا يجهل قادرا لا يعجز غنيا لا يحتاج عدلا لا يجور خلق كل شيء ليس كمثله شيء لا شبه له ولا ضد ولا ند ولا كفو وأن محمدا عبده ورسوله وأمينه وصفوته من خلقه سيد المرسلين وخاتم النبيين وأفضل العالمين لا نبي بعده ولا تبديل لملته ولا تغيير وأن جميع ما جاء به محمد (صلى الله عليه وآله) أنه هو الحق المبين نصدق به وبجميع من مضى قبله من رسل الله وأنبيائه وحججه ونصدق بكتابه الصادق ( لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ولا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) وأنه كتابه المهيمن على الكتب كلها وأنه حق من فاتحته إلى خاتمته نؤمن بمحكمه ومتشابهه وخاصه وعامه ووعده ووعيده وناسخه ومنسوخه وأخباره لا يقدر واحد من المخلوقين أن يأتي بمثله وأن الدليل والحجة من بعده على المؤمنين والقائم بأمور المسلمين والناطق عن القرآن والعالم بأحكامه أخوه وخليفته ووصيه والذي كان منه بمنزلة هارون من موسى علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) أمير المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين يعسوب المؤمنين وأفضل الوصيين بعد النبيين وبعده الحسن والحسين ( عليهما السلام )
تحف العقول عن آل الرسول _166_
واحدا بعد واحد إلى يومنا هذا عترة الرسول وأعلمهم بالكتاب والسنة وأعدلهم بالقضية وأولاهم بالإمامة في كل عصر وزمان وأنهم العروة الوثقى وأئمة الهدى والحجة على أهل الدنيا حتى يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين وأن كل من خالفهم ضال مضل تارك للحق والهدى وأنهم المعبرون عن القرآن الناطقون عن الرسول بالبيان من مات لا يعرفهم ولا يتولاهم بأسمائهم وأسماء آبائهم مات ميتة جاهلية وأن من دينهم الورع والعفة والصدق والصلاح والاجتهاد وأداء الأمانة إلى البر والفاجر وطول السجود والقيام بالليل واجتناب المحارم وانتظار الفرج بالصبر وحسن الصحبة وحسن الجوار وبذل المعروف وكف الأذى وبسط الوجه والنصيحة والرحمة للمؤمنين والوضوء كما أمر الله في كتابه غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين واحد فريضة واثنان إسباغ ومن زاد أثم ولم يؤجر ولا ينقض الوضوء إلا الريح والبول والغائط والنوم والجنابة ومن مسح على الخفين فقد خالف الله ورسوله وكتابه ولم يجز عنه وضوءه وذلك أن عليا (عليه السلام) خالف القوم في المسح على الخفين فقال له عمر رأيت النبي (صلى الله عليه وآله) يمسح فقال علي ( عليه السلام ) قبل نزول سورة المائدة أو بعدها قال لا أدري قال علي (عليه السلام) لكني أدري أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يمسح على خفيه مذ نزلت سورة المائدة والاغتسال من الجنابة والاحتلام والحيض وغسل من غسل الميت فرض والغسل يوم الجمعة والعيدين ودخول مكة والمدينة وغسل الزيارة وغسل الإحرام ويوم عرفة وأول ليلة من شهر رمضان وليلة تسع عشرة منه وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين منه سنة وصلاة الفريضة الظهر أربع ركعات والعصر أربع ركعات والمغرب ثلاث ركعات والعشاء الآخرة أربع ركعات والفجر ركعتان فذلك سبع عشرة ركعة والسنة أربع وثلاثون ركعة منها ثمان قبل الظهر وثمان بعدها وأربع بعد المغرب وركعتان من جلوس بعد العشاء الآخرة تعد بواحدة وثمان في السحر والوتر ثلاث ركعات وركعتان بعد الوتر والصلاة في أول الأوقات وفضل الجماعة على الفرد كل ركعة بألفي ركعة ولا تصل خلف فاجر ولا تقتدي إلا بأهل لما أروم بأهل إنما ينجو من أطال الصمت عن الفحشاء وصبر في دولة الباطل على الأذى أولئك النجباء الأصفياء الأولياء حقا وهم المؤمنون إن أبغضكم إلي المتراسون المشاءون بالنمائم الحسدة لإخوانهم ليسوا مني ولا أنا منهم إنما أوليائي الذين سلموا لأمرنا واتبعوا آثارنا واقتدوا بنا في كل أمورنا ثم قال والله لو قدم أحدكم ملء الأرض ذهبا على الله ثم حسد مؤمنا لكان ذلك الذهب مما يكوى به في النار يا ابن النعمان إن المذيع ليس كقاتلنا بسيفه بل هو أعظم وزرا بل هو أعظم وزرا بل هو أعظم وزرا يا ابن النعمان إنه من روى علينا حديثا فهو ممن قتلنا عمدا ولم يقتلنا خطأ يا ابن النعمان إذا كانت دولة الظلم فامش واستقبل من تتقيه بالتحية فإن المتعرض للدولة قاتل نفسه وموبقها إن الله يقول ( ولا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) يا ابن النعم
تحف العقول عن آل الرسول _167_
ان إنا أهل بيت لا يزال الشيطان يدخل فينا من ليس منا ولا من أهل ديننا فإذا رفعه ونظر إليه الناس أمره الشيطان فيكذب علينا وكلما ذهب واحد جاء آخر يا ابن النعمان من سئل عن علم فقال لا أدري فقد ناصف العلم والمؤمن يحقد ما دام في مجلسه فإذا قام ذهب عنه الحقد يا ابن النعمان إن العالم لا يقدر أن يخبرك بكل ما يعلم لأنه سر الله الذي أسره إلى جبرئيل ( عليه السلام ) وأسره جبرئيل ( عليه السلام ) إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأسره محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى علي (عليه السلام) وأسره علي (عليه السلام) إلى الحسن ( عليه السلام ) وأسره الحسن (عليه السلام) إلى الحسين ( عليه السلام ) وأسره الحسين ( عليه السلام ) إلى علي ( عليه السلام ) وأسره علي ( عليه السلام ) إلى محمد ( عليه السلام ) وأسره محمد ( عليه السلام ) إلى من أسره فلا تعجلوا فو الله لقد قرب هذا الأمر ثلاث مرات فأذعتموه فأخره الله والله ما لكم سر إلا وعدوكم أعلم به منكم يا ابن النعمان أبق على نفسك فقد عصيتني لا تذع سري فإن المغيرة بن سعيد كذب على أبي وأذاع سره فأذاقه الله حر الحديد وإن أبا الخطاب كذب علي وأذاع سري فأذاقه الله حر الحديد ومن كتم أمرنا زينه الله به في الدنيا والآخرة وأعطاه حظه ووقاه حر الحديد وضيق المحابس إن بني إسرائيل قحطوا حتى هلكت المواشي والنسل فدعا الله موسى بن عمران ( عليه السلام ) فقال يا موسى إنهم أظهروا الزنا والربا وعمروا الكنائس وأضاعوا الزكاة فقال إلهي تحنن برحمتك عليهم فإنهم لا يعقلون فأوحى الله إليه أني مرسل قطر السماء ومختبرهم بعد أربعين يوما فأذاعوا ذلك وأفشوه فحبس عنهم القطر أربعين سنة وأنتم قد قرب أمركم فأذعتموه في مجالسكم يا أبا جعفر ما لكم وللناس كفوا عن الناس ولا تدعوا أحدا إلى هذا الأمر فو الله لو أن أهل السماوات والأرض اجتمعوا على أن يضلوا عبدا يريد الله هداه ما استطاعوا أن يضلوه كفوا عن الناس ولا يقل أحدكم أخي وعمي وجاري فإن الله جل وعز إذا أراد بعبد خيرا طيب روحه فلا يسمع معروفا إلا عرفه ولا منكرا إلا أنكره ثم قذف الله في قلبه كلمة يجمع بها أمره يا ابن النعمان إن أردت أن يصفو لك ود أخيك فلا تمازحنه ولا تمارينه ولا تباهينه ولا تشارنه ولا تطلع صديقك من سرك إلا على ما لو اطلع عليه عدوك لم يضرك فإن الصديق قد يكون عدوك يوما يا ابن النعمان لا يكون العبد مؤمنا حتى يكون فيه ثلاث سنن سنة من الله وسنة من رسوله وسنة من الإمام فأما السنة من الله جل وعز فهو أن يكون كتوما للأسرار يقول الله جل ذكره ( عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً ) وأما التي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو أن يداري الناس ويعاملهم بالأخلاق الحنيفية وأما التي من الإمام فالصبر في البأساء والضراء حتى يأتيه الله بالفرج يا ابن النعمان ليست البلاغة بحدة اللسان ولا بكثرة الهذيان ولكنها إصابة المعنى وقصد الحجة .
تحف العقول عن آل الرسول _168_
( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) في الصلاة مع فاتحة الكتاب والزكاة المفروضة من كل مائتي درهم خمسة دراهم ولا تجب في ما دون ذلك وفي ما زاد في كل أربعين درهما درهم ولا تجب في ما دون الأربعينات شيء ولا تجب حتى يحول الحول ولا تعطى إلا أهل الولاية والمعرفة وفي كل عشرين دينارا نصف دينار والخمس من جميع المال مرة واحدة والعشر من الحنطة والشعير والتمر والزبيب وكل شيء يخرج من الأرض من الحبوب إذا بلغت خمسة أوسق ففيه العشر إن كان يسقى سيحا وإن كان يسقى بالدوالي ففيه نصف العشر للمعسر والموسر وتخرج من الحبوب القبضة والقبضتان لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها ولا يكلف العبد فوق طاقته والوسق ستون صاعا والصاع ستة أرطال وهو أربعة أمداد والمد رطلان وربع برطل العراقي وقال الصادق ( عليه السلام ) هو تسعة أرطال بالعراقي وستة أرطال بالمدني وزكاة الفطر فريضة على رأس كل صغير أو كبير حر أو عبد من الحنطة نصف صاع ومن التمر والزبيب صاع ولا يجوز أن تعطى غير أهل الولاية لأنها فريضة وأكثر الحيض عشرة أيام وأقله ثلاثة أيام والمستحاضة تغتسل وتصلي والحائض تترك الصلاة ولا تقضي وتترك الصيام وتقضيه ويصام شهر رمضان لرؤيته ويفطر لرؤيته ولا يجوز التراويح في جماعة وصوم ثلاثة أيام في كل شهر سنة من كل عشرة أيام يوم خميس من العشر الأول والأربعاء من العشر الأوسط والخميس من العشر الآخر وصوم شعبان حسن وهو سنة وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) شعبان شهري وشهر رمضان شهر الله وإن قضيت فائت شهر رمضان متفرقا أجزأك وحج البيت من استطاع إليه سبيلا والسبيل زاد وراحلة ولا يجوز الحج إلا متمتعا ولا يجوز الإفراد والقران الذي تعمله العامة والإحرام دون الميقات لا يجوز قال الله ( وأَتِمُّوا الْحَجَّ والْعُمْرَةَ لِلَّهِ ولا ) يجوز في النسك الخصي لأنه ناقص ويجوز الموجوء والجهاد مع إمام عادل ومن قاتل فقتل دون ماله ورحله ونفسه فهو شهيد ولا يحل قتل أحد من الكفار في دار التقية إلا قاتل أو باغ وذلك إذا لم تحذر على نفسك ولا أكل أموال الناس من المخالفين وغيرهم والتقية في دار التقية واجبة ولا حنث على من حلف تقية يدفع بها ظلما عن نفسه والطلاق بالسنة على ما ذكر الله جل وعز وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) ولا يكون طلاق بغير سنة وكل طلاق يخالف الكتاب فليس بطلاق وكل نكاح يخالف السنة فليس بنكاح ولا تجمع بين أكثر من أربع حرائر وإذا طلقت المرأة ثلاث مرات للسنة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) اتقوا المطلقات ثلاثا فإنهن ذوات أزواج والصلاة على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في كل المواطن عند الرياح والعطاس وغير ذلك وحب أولياء الله وأوليائهم وبغض أعدائه والبراءة منهم ومن أئمتهم وبر الوالدين وإن كانا مشركين فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا
تحف العقول عن آل الرسول _169_
معروفا لأن الله يقول ( اشْكُرْ لِي ولِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما ) قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ما صاموا لهم ولا صلوا ولكن أمروهم بمعصية الله فأطاعوهم ثم قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول من أطاع مخلوقا في غير طاعة الله جل وعز فقد كفر واتخذ إلها من دون الله وذكاة الجنين ذكاة أمه وذنوب الأنبياء صغار موهوبة لهم بالنبوة والفرائض على ما أمر الله لا عول فيها ولا يرث مع الوالدين والولد أحد إلا الزوج والمرأة وذو السهم أحق ممن لا سهم له وليست العصبة من دين الله والعقيقة عن المولود الذكر والأنثى يوم السابع ويحلق رأسه يوم السابع ويسمى يوم السابع ويتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة يوم السابع وأن أفعال العباد مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين ولا تقل بالجبر ولا بالتفويض ولا يأخذ الله عز وجل البريء بجرم السقيم ولا يعذب الله الأبناء والأطفال بذنوب الآباء وإنه قال ( ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى ) والله يغفر ولا يظلم ولا يفرض الله على العباد طاعة من يعلم أنه يظلمهم ويغويهم ولا يختار لرسالته ويصطفي من عباده من يعلم أنه يكفر ويعبد الشيطان من دونه وأن الإسلام غير الإيمان وكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنا لايسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الشارب حين يشرب الخمر وهو مؤمن ولا يقتل النفس التي حرم الله بغير الحق وهو مؤمن وأصحاب الحدود لا بمؤمنين ولا بكافرين وأن الله لا يدخل النار مؤمنا وقد وعده الجنة والخلود فيها ومن وجبت له النار بنفاق أو فسق أو كبيرة من الكبائر لم يبعث مع المؤمنين ولا منهم ولا تحيط جهنم إلا بالكافرين وكل إثم دخل صاحبه بلزومه النار فهو فاسق ومن أشرك أو كفر أو نافق أو أتى كبيرة من الكبائر والشفاعة جائزة للمستشفعين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللسان واجب والإيمان أداء الفرائض واجتناب المحارم والإيمان هو معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان والتكبير في الأضحى خلف عشر صلوات يبتدأ من صلاة الظهر من يوم النحر وفي الفطر في خمس صلوات يبتدأ بصلاة المغرب من ليلة الفطر والنفساء تقعد عشرين يوما لا أكثر منها فإن طهرت قبل ذلك صلت وإلا فإلى عشرين يوما ثم تغتسل وتصلي وتعمل عمل المستحاضة ويؤمن بعذاب القبر ومنكر ونكير والبعث بعد الموت والحساب والميزان والصراط والبراءة من أئمة الضلال وأتباعهم والموالاة لأولياء الله وتحريم الخمر قليلها وكثيرها وكل مسكر خمر وكل ما أسكر كثيره فقليله حرام والمضطر لا يشرب الخمر فإنها تقتله وتحريم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير وتحريم الطحال فإنه دم والجري والطافي والمارماهي والزمير وكل شيء لا يكون له قشور ومن الطير ما لا تكون له قانصة ومن البيض كل ما اختلف طرفاه فحلال
تحف العقول عن آل الرسول _170_
أكله وما استوى طرفاه فحرام أكله واجتناب الكبائر وهي قتل النفس التي حرم الله وشرب الخمر وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وأكل مال اليتامى ظلما وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله من غير ضرورة به وأكل الربا والسحت بعد البينة والميسر والبخس في الميزان والمكيال وقذف المحصنات والزنا واللواط والشهادات الزور واليأس من روح الله والأمن من مكر الله والقنوط من رحمة الله ومعاونة الظالمين والركون إليهم واليمين الغموس وحبس الحقوق من غير عسر والكبر والكفر والإسراف والتبذير والخيانة وكتمان الشهادة والملاهي التي تصد عن ذكر الله مثل الغناء وضرب الأوتار والإصرار على الصغائر من الذنوب فهذا أصول الدين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبيه وآله وسلم تسليما .
ومن كلامه ( عليه السلام ) في التوحيد :
سأله عمران الصابي في مجلس كبير جمع له المأمون فيه متكلمي الملل كلهم المخالفين للإسلام فخصم جميعهم والخبر طويل والمجلس مشهور ذكرنا منه ما اقتضاه الكتاب قال له عمران الصابي أخبرني نوحد الله بحقيقة أم نوحده بوصف فقال له الرضا (عليه السلام) إن النور البديء الواحد الكون الأول واحد لا شريك له ولا شيء معه فرد لا ثاني معه ولا معلوم ولا مجهول ولا محكم ولا متشابه ولا مذكور ولا منسى ولا شيء يقع عليه اسم شيء من الأشياء كلها فكان البديء قائما بنفسه نور غني مستغن عن غيره لا من وقت كان ولا إلى وقت يكون ولا على شيء قام ولا إلى شيء استتر ولا في شيء استكن ولا يدرك القائل مقالا إذا خطر بباله ضوء أو مثال أو شبح أو ظل وذلك كله قبل الخلق في الحال التي لا شيء فيها غيره والحال أيضا في هذا الموضع فإنما هي صفات محدثة وترجمة من متوهم ليفهم أ فهمت يا عمران قال نعم قال الرضا (عليه السلام) اعلم أن التوهم والمشيئة والإرادة معناها واحد وأسماؤها ثلاثة وكان أول توهمه وإرادته ومشيئته الحروف التي جعلها أصلا لكل شيء وفاصلا لكل مشكل ولم يجعل في توهمه معنى غير أنفسها متناهي ولا وجود لأنها متوهمة بالتوهم والله سابق التوهم لأنه ليس قبله شيء ولا كان معه شيء والتوهم سابق للحروف فكانت الحروف محدثة بالتوهم وكان التوهم وليس قبل الله مذهب والتوهم من الله غير الله ولذلك صار فعل كل شيء غيره وحد كل شيء غيره وصفة كل شيء غير الموصوف وحد كل شيء غير المحدود وذلك لأن الحروف إنما هي مقطعة قائمة برءوسها لا تدل غير نفوسها فإذا ألفتها وجمعت منها أحرفا كانت تدل على غيرها من أسماء وصفات واعلم أنه لا يكون صفة لغير موصوف ولا اسم لغير معنى ولا حد لغير محدود والأسماء والصفات كلها تدل على الكمال والوجود ولا تدل على الإحاطة كما تدل على الوجود الذي هو التربيع والتدوير والتثليث لأن الله يدرك بالأسماء والصفات ولا يدرك بالتحديد فليس ينزل بالله شيء من ذلك حتى يعرفه خلقه معرفتهم لأنفسهم ولو كانت صفاته لا تدل عليه وأسماؤه لا تدعو إليه لكانت العبادة
تحف العقول عن آل الرسول _171_
من الخلق لأسمائه وصفاته دون معناه ولو كان كذلك لكان المعبود الواحد غير الله لأن صفاته غيره قال له عمران أخبرني عن التوهم خلق هو أم غير خلق قال الرضا ( عليه السلام ) بل خلق ساكن لا يدرك بالسكون وإنما صار خلقا لأنه شيء محدث الله الذي أحدثه فلما سمي شيئا صار خلقا وإنما هو الله وخلقه لا ثالث غيرهما وقد يكون الخلق ساكنا ومتحركا ومختلفا ومؤتلفا ومعلوما ومتشابها وكل ما وقع عليه اسم شيء فهو خلق .
ومن كلامه (عليه السلام) في الاصطفاء :
لما حضر علي بن موسى ( عليه السلام ) مجلس المأمون وقد اجتمع فيه جماعة علماء أهل العراق وخراسان فقال المأمون أخبروني عن معنى هذه الآية ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا ) الآية فقالت العلماء أراد الله الأمة كلها فقال المأمون ما تقول يا أبا الحسن فقال الرضا ( عليه السلام) لا أقول كما قالوا ولكن أقول أراد الله تبارك وتعالى بذلك العترة الطاهرة ( عليه السلام ) فقال المأمون وكيف عنى العترة دون الأمة فقال الرضا ( عليه السلام ) لو أراد الأمة لكانت بأجمعها في الجنة لقول الله ( فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ ومِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ومِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ) ثم جعلهم كلهم في الجنة فقال عز وجل ( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها ) فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم ثم قال الرضا (عليه السلام) هم الذين وصفهم الله في كتابه فقال ( إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) وهم الذين قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض انظروا كيف تخلفوني فيهما يا أيها الناس لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم قالت العلماء أخبرنا يا أبا الحسن عن العترة هم الآل أو غير الآل فقال الرضا ( عليه السلام ) هم الآل فقالت العلماء فهذا رسول الله يؤثر عنه أنه قال أمتي آلي وهؤلاء أصحابه يقولون بالخبر المستفيض الذي لا يمكن دفعه آل محمد أمته فقال الرضا (عليه السلام) أخبروني هل تحرم الصدقة على آل محمد قالوا نعم قال ( عليه السلام ) فتحرم على الأمة قالوا لا قال ( عليه السلام ) هذا فرق بين الآل وبين الأمة ويحكم أين يذهب بكم أ صرفتم عن الذكر صفحا أم أنتم قوم مسرفون أ ما علمتم أنما وقعت الرواية في الظاهر على المصطفين المهتدين دون سائرهم قالوا من أين قلت يا أبا الحسن قال ( عليه السلام ) من قول الله ( لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وإِبْراهِيمَ وجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ والْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ ) فصارت وراثة النبوة والكتاب في المهتدين دون الفاسقين أ ما علمتم أن نوحا سأل ربه ( فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ )وذلك أن الله وعده أن ينجيه وأهله فقال له ربه تبارك وتعالى ( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ ) فقال المأمون
تحف العقول عن آل الرسول _172_
فهل فضل الله العترة على سائر الناس فقال الرضا ( عليه السلام ) إن الله العزيز الجبار فضل العترة على سائر الناس في محكم كتابه قال المأمون أين ذلك من كتاب الله قال الرضا ( عليه السلام ) في قوله تعالى ( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ ونُوحاً وآلَ إِبْراهِيمَ وآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ ) وقال الله في موضع آخر ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ والْحِكْمَةَ وآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً ) ثم رد المخاطبة في أثر هذا إلى سائر المؤمنين فقال ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) يعني الذين أورثهم الكتاب والحكمة وحسدوا عليهما بقوله ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ والْحِكْمَةَ وآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً ) يعني الطاعة للمصطفين الطاهرين والملك هاهنا الطاعة لهم قالت العلماء هل فسر الله تعالى الاصطفاء في الكتاب فقال الرضا (عليه السلام) فسر الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثني عشر موضعا فأول ذلك قول الله ( وأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) ورهطك المخلصين هكذا في قراءة أبي بن كعب وهي ثابتة في مصحف عبد الله بن مسعود فلما أمر عثمان زيد بن ثابت أن يجمع القرآن خنس هذه الآية وهذه منزلة رفيعة وفضل عظيم وشرف عال حين عنى الله عز وجل بذلك الآل فهذه واحدة والآية الثانية في الاصطفاء قول الله ( إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) وهذا الفضل الذي لا يجحده معاند لأنه فضل بين والآية الثالثة حين ميز الله الطاهرين من خلقه أمر نبيه في آية الابتهال فقال ( فَقُلْ ) يا محمد ( تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وأَبْناءَكُمْ ونِساءَنا ونِساءَكُمْ وأَنْفُسَنا وأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) فأبرز النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عليا والحسن والحسين وفاطمة (عليهما السلام ) فقرن أنفسهم بنفسه فهل تدرون ما معنى قوله ( وأَنْفُسَنا وأَنْفُسَكُمْ ) قالت العلماء عنى به نفسه قال أبو الحسن ( عليه السلام ) غلطتم إنما عنى به عليا ( عليه السلام ) ومما يدل على ذلك قول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حين قال لينتهين بنو وليعة أو لأبعثن إليهم رجلا كنفسي يعني عليا ( عليه السلام ) فهذه خصوصية لا يتقدمها أحد وفضل لا يختلف فيه بشر وشرف لا يسبقه إليه خلق إذ جعل نفس علي ( عليه السلام ) كنفسه فهذه الثالثة وأما الرابعة فإخراجه الناس من مسجده ما خلا العترة حين تكلم الناس في ذلك وتكلم العباس فقال يا رسول الله تركت عليا وأخرجتنا فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما أنا تركته وأخرجتكم ولكن الله تركه وأخرجكم وفي هذا بيان قوله لعلي ( عليه السلام ) أنت مني بمنزلة هارون من موسى قالت العلماء فأين هذا من القرآن قال أبو الحسن ( عليه السلام ) أوجدكم في ذلك قرآنا أقرؤه عليكم قالوا هات قال ( عليه السلام ) قول الله عز وجل ( وأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً واجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً ) ففي هذه الآية منزلة هارون من موسى وفيها أيضا منزلة علي ( عليه السلام ) من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومع هذا دليل ظاهر في قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حين قال إن هذا المسجد لا يحل لجنب ولا لحائض إلا لمحمد وآل محمد فقالت العلماء هذا الشرح وهذا البيان لا يوجد إلا عندكم معشر أهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال أبو الحسن ( عليه السلام ) ومن ينكر لنا ذلك ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد مدينة العلم فليأتها من بابها ففيما أوضحنا وشرحنا من الفضل والشرف والتقدمة والاصطفاء والطهارة ما لا ينكره إلا
تحف العقول عن آل الرسول _173_
معاند ولله عز وجل الحمد على ذلك فهذه الرابعة وأما الخامسة فقول الله عز وجل وآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ خصوصية خصهم الله العزيز الجبار بها واصطفاهم على الأمة فلما نزلت هذه الآية على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال ادعوا لي فاطمة فدعوها له فقال يا فاطمة قالت لبيك يا رسول الله فقال إن فدك لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب وهي لي خاصة دون المسلمين وقد جعلتها لك لما أمرني الله به فخذيها لك ولولدك فهذه الخامسة .
وأما السادسة فقول الله عز وجل ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) فهذه خصوصية للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) دون الأنبياء وخصوصية للآل دون غيرهم وذلك أن الله حكى عن الأنبياء في ذكر نوح ( عليه السلام ) ( يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالًا إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ ولكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ ) وحكى عن هود ( عليه السلام ) قال... ( لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَ فَلا تَعْقِلُونَ ) وقال لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم ) ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) ولم يفرض الله مودتهم إلا وقد علم أنهم لا يرتدون عن الدين أبدا ولا يرجعون إلى ضلالة أبدا وأخرى أن يكون الرجل وادا للرجل فيكون بعض أهل بيته عدوا له فلا يسلم قلب فأحب الله أن لا يكون في قلب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على المؤمنين شيء إذ فرض عليهم مودة ذي القربى فمن أخذ بها وأحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأحب أهل بيته ( عليه السلام ) لم يستطع رسول الله أن يبغضه ومن تركها ولم يأخذ بها وأبغض أهل بيت نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فعلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يبغضه لأنه قد ترك فريضة من فرائض الله وأي فضيلة وأي شرف يتقدم هذا ولما أنزل الله هذه الآية على نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) قام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في أصحابه فحمد الله وأثنى عليه وقال أيها الناس إن الله قد فرض عليكم فرضا فهل أنتم مؤدوه فلم يجبه أحد فقام فيهم يوما ثانيا فقال مثل ذلك فلم يجبه أحد فقام فيهم يوم الثالث فقال أيها الناس إن الله قد فرض عليكم فرضا فهل أنتم مؤدوه فلم يجبه أحد فقال أيها الناس إنه ليس ذهبا ولا فضة ولا مأكولا ولا مشروبا قالوا فهات إذا فتلا عليهم هذه الآية فقالوا أما هذا فنعم فما وفى به أكثرهم ثم قال أبو الحسن (عليه السلام) حدثني أبي عن جدي عن آبائه عن الحسين بن علي (عليه السلام) قال اجتمع المهاجرون والأنصار إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا إن لك يا رسول الله مئونة في نفقتك وفيمن يأتيك من الوفود وهذه أموالنا مع دمائنا فاحكم فيها بارا مأجورا أعط ما شئت وأمسك ما شئت من غير حرج فأنزل الله عز وجل عليه الروح الأمين فقال يا محمد قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى لا تؤذوا قرابتي من بعدي فخرجوا فقال أناس منهم ما حمل رسول الله على ترك ما عرضنا عليه إلا ليحثنا على قرابته من بعده إن هو إلا شيء افتراه في مجلسه وكان ذلك من قولهم عظيما فأنزل الله هذه الآية أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وبَيْنَكُمْ وهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ فبعث إليهم النبي (صلى الله عليه وآله) فقال هل من حدث فقالوا إي والله يا رسول الله
تحف العقول عن آل الرسول _174_
لقد تكلم بعضنا كلاما عظيما فكرهناه فتلا عليهم رسول الله فبكوا واشتد بكاؤهم فأنزل الله تعالى وهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ ويَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ ويَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ فهذه السادسة وأما السابعة فيقول الله إِنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيماً وقد علم المعاندون منهم أنه لما نزلت هذه الآية قيل يا رسول الله قد عرفنا التسليم عليك فكيف الصلاة عليك فقال تقولون اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد وهل بينكم معاشر الناس في هذا اختلاف قالوا لا فقال المأمون هذا ما لا اختلاف فيه أصلا وعليه الإجماع فهل عندك في الآل شيء أوضح من هذا في القرآن قال أبو الحسن (عليه السلام) أخبروني عن قول الله يس والْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ فمن عنى بقوله يس قال العلماء يس محمد ليس فيه شك قال أبو الحسن (عليه السلام) أعطى الله محمدا وآل محمد من ذلك فضلا لم يبلغ أحد كنه وصفه لمن عقله وذلك أن الله لم يسلم على أحد إلا على الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال تبارك وتعالى ( سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ )وقال ( سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ وقال سَلامٌ عَلى مُوسى وهارُونَ ) ولم يقل سلام على آل نوح ولم يقل سلام على آل إبراهيم ولا قال سلام على آل موسى وهارون وقال عز وجل ( سَلامٌ عَلى إِلْياسِينَ ) يعني آل محمد فقال المأمون لقد علمت أن في معدن النبوة شرح هذا وبيانه فهذه السابعة وأما الثامنة فقول الله عز وجل ( واعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ ولِذِي الْقُرْبى ) فقرن سهم ذي القربى مع سهمه وسهم رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فهذا فصل بين الآل والأمة لأن الله جعلهم في حيز وجعل الناس كلهم في حيز دون ذلك ورضي لهم ما رضي لنفسه واصطفاهم فيه وابتدأ بنفسه ثم ثنى برسوله ثم بذي القربى في كل ما كان من الفيء والغنيمة وغير ذلك مما رضيه عز وجل لنفسه ورضيه لهم فقال وقوله الحق ( واعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ ولِذِي الْقُرْبى ) فهذا توكيد مؤكد وأمر دائم لهم إلى يوم القيامة في كتاب الله الناطق الذي ( لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ولا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) وأما قوله ( والْيَتامى والْمَساكِينِ ) فإن اليتيم إذا انقطع يتمه خرج من المغانم ولم يكن له نصيب وكذلك المسكين إذا انقطعت مسكنته لم يكن له نصيب في المغنم ولا يحل له أخذه وسهم ذي القربى إلى يوم القيامة قائم فيهم للغني والفقير لأنه لا أحد أغنى من الله ولا من رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فجعل لنفسه منها سهما ولرسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) سهما فما رضي لنفسه ولرسوله رضيه لهم وكذلك الفيء ما رضيه لنفسه ولنبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) رضيه لذي القربى كما جاز لهم في الغنيمة فبدأ بنفسه ثم برسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم بهم وقرن سهمهم بسهم الله وسهم رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وكذلك في الطاعة قال عز وجل ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) فبدأ بنفسه ثم برسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم بأهل بيته وكذلك آية الولاية ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ ورَسُولُهُ والَّذِينَ آمَنُوا ) فجعل ولايتهم مع طاعة الرسول مقرونة بطاعته
تحف العقول عن آل الرسول _175_
كما جعل سهمه مع سهم الرسول مقرونا بأسهمهم في الغنيمة والفيء فتبارك الله ما أعظم نعمته على أهل هذا البيت فلما جاءت قصة الصدقة نزه نفسه عز ذكره ونزه رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ونزه أهل بيته عنها فقال ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ والْمَساكِينِ والْعامِلِينَ عَلَيْها والْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وفِي الرِّقابِ والْغارِمِينَ وفِي سَبِيلِ اللَّهِ وابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ) فهل تجد في شيء من ذلك أنه جعل لنفسه سهما أو لرسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أو لذي القربى لأنه لما نزههم عن الصدقة نزه نفسه ونزه رسوله ونزه أهل بيته لا بل حرم عليهم لأن الصدقة محرمة على محمد وأهل بيته وهي أوساخ الناس لا تحل لهم لأنهم طهروا من كل دنس ووسخ فلما طهرهم واصطفاهم رضي لهم ما رضي لنفسه وكره لهم ما كره لنفسه وأما التاسعة فنحن أهل الذكر الذين قال الله في محكم كتابه ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) قال العلماء إنما عنى بذلك اليهود والنصارى قال أبو الحسن ( عليه السلام ) وهل يجوز ذلك إذا يدعونا إلى دينهم ويقولون إنه أفضل من دين الإسلام فقال المأمون فهل عندك في ذلك شرح يخالف ما قالوا يا أبا الحسن قال نعم الذكر رسول الله ونحن أهله وذلك بين في كتاب الله بقوله في سورة الطلاق ( فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ ) فالذكر رسول الله ونحن أهله فهذه التاسعة وأما العاشرة فقول الله عز وجل في آية التحريم ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وبَناتُكُمْ وأَخَواتُكُمْ ) إلى آخرها أخبروني هل تصلح ابنتي أو ابنة ابني أو ما تناسل من صلبي لرسول الله أن يتزوجها لو كان حيا قالوا لا قال ( عليه السلام ) فأخبروني هل كانت ابنة أحدكم تصلح له أن يتزوجها قالوا بلى قال فقال ( عليه السلام ) ففي هذا بيان أنا من آله ولستم من آله ولو كنتم من آله لحرمت عليه بناتكم كما حرمت عليه بناتي لأنا من آله وأنتم من أمته فهذا فرق بين الآل والأمة لأن الآل منه والأمة إذا لم تكن الآل فليست منه فهذه العاشرة
وأما الحادية عشر فقوله في سورة المؤمن حكاية عن قول رجل ( وقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَ تَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ ) الآية وكان ابن خال فرعون فنسبه إلى فرعون بنسبه ولم يضفه إليه بدينه وكذلك خصصنا نحن إذ كنا من آل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بولادتنا منه وعممنا الناس بدينه فهذا فرق ما بين الآل والأمة فهذه الحادية عشر وأما الثانية عشر فقوله وأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ واصْطَبِرْ عَلَيْها فخصنا بهذه الخصوصية إذ أمرنا مع أمره ثم خصنا دون الأمة فكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يجيء إلى باب علي وفاطمة ( عليه السلام ) بعد نزول هذه الآية تسعة أشهر في كل يوم عند حضور كل صلاة خمس مرات فيقول الصلاة يرحمكم الله وما أكرم الله أحدا من ذراري الأنبياء بهذه الكرامة التي أكرمنا الله بها وخصنا من جميع أهل بيته فهذا فرق ما بين الآل والأمة والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد نبيه .