تأليف
سيد علي الشهرستاني


الاهداء
  إلى جدي رسول الله وإلى أمي فاطمة الزهراء وإلى آبائي الكرام أئمّة أهل البيت وإلى كل مظلوم من ولد علي وفاطمة وإلى من يريد الوقوف على حقائق التاريخ بروح علمية .
  إنّ قضية تزويج أم كلثوم ابنة الإِمام عليّ بن أبي طالب من عمر بن الخطاب من الأَمور التي تُثار بين الحين وآلاخر ، على شبكات الانترنيت والصحف والمجلات ، وهي ليست بالقضية الجديدة ، بل هي من القضايا القديمة ، وقد أُثيرت لاَوّل مرة في عهد الإمامين الباقر والصادق ، واستمرت حتّى يومنا هذا .
   وبما أنّ المسالة ترتبط بالتاريخ من جهة ، والفقه والعقائد من جهة أُخرى ، فقد التزمنا دراسة هذه القضية مع ملابساتها الاجتماعية والتاريخية بقدر ما يسعنا الوقت في هذه العجالة ، لكن قبل بيان حقيقة الاَمر لا بد من الاِشارة إجمالاً إلى الاَقوال المذكورة في هذه المسألة ، كي يكون القارىء على بصيرة من ذلك .
   والأَقوال فيها ثمانية : أربعة منها من مختصّات الشيعة ، والقول الخامس والسادس والسابع قال بها بعض الشيعة وبعض أهل السنة ، أما القول الثامن فهو المشهور عند أهل السنة ، أمّا الاَقوال الاَربعة التي قالت بها الشيعة ، فهي :
الاَوّل : هو عدم وقوع التزويج بين عمر وأم كلثوم ، وقد ذهب إلى هذا الرأي الشيخ المفيد ( ت 413 ) في المسائل السروية ( المسألة العاشرة ) ، وكذا في المسائل العكبرية ( المسألة الخامسة عشر ) ، وله رسالة بهذا الصدد طبعت على انفصال ضمن منشورات مؤتمر الشيخ المفيد .
   هذا ، وقد كذب خبر التزويج علماء آخرون كالسيد مير حامد حسين اللكهنوي الهندي في كتابه ( إفحام الاعداء والخصوم بتكذيب ما افتروه على سيدتنا أم كلثوم ) ، والشيخ محمد جواد البلاغي في كتابه ( تزويج أم كلثوم بنت أمير المؤمنين وانكار وقوعه ) ، وغيرهم .
الثاني : وقوع التزويج لكنه كان عن إكراه مستدلين بنصوص متعددة ذكروها في كتبهم ، وقد ذهب إلى هذا الرأي السيّد المرتضى ( ت 436 ) في كتابه الشافي ، وتنزيه الاَنبياء ، والمجموعة الثالثة من رسائله (1) .
   وفي بعض روايات وأقوال الكليني( ت 329 ) في الكافي (2) .

---------------------------
(1) الشافي 3 : 272 وتلخيص الشافي 2 : 160 ، وتنزيه الانبياء : 191 ومجموعة رسائل السيّد المرتضى 3 : 149 و 150 ، وانظر البحار 42 : 107 ، والصوارم المهرقه : 201 ـ 202 ، والصراط المستقيم 3 : 130 .
(2) الكافي 5 : 346 | ح 1 و 2 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 2 _

  والكوفي ( ت 352 ) في الاستغاثة (1) ، والقاضي النعمان ( ت 363 ) في شرح الاَخبار (2) قط ، والطبرسي ( ت 845 ) في إعلام الورى (3) ، والمجلسي ( ت 1111 ) في مرآة العقول والبحار (4) ، وغيرهم ما يشير إلى ذلك .
الثالث : إنّ المتزوج منها هي ربيته لأبنته ، وهي ابنة أسماء بنت عميس زوجة الإِمام علي بن أبي طالب ، أي أنّها ابنة أبي بكر واخت محمد بن أبي بكر ، وبذلك تكون أم كلثوم ربيبة الإِمام عليّ وليست ببنته ، انظر هذا الكلام عند الشيخ النقدي في الانوار العلوية : 426 .
   قال السيد شهاب الدين المرعشي في تعليقاته على إحقاق الحق : ثم ليعلم أن أم كلثوم التي تزوجها الثاني كانت بنت اسماء وأخت محمد هذا ، فهي ربيبة مولانا أمير المؤمنين ولم تكن بنته كما هو المشهور بين المؤرخين والمحدثين ، وقد حققنا ذلك وقامت الشواهد التاريخية في ذلك واشتبه الأَمر على الكثير من الفريقين ، وأني بعد ما ثبت وتحقق لدي أن الأمر كان كذلك استوحشت التصريح به في كتاباتي لزعم التفرد في هذا الشان إلى ان وقفت على .

---------------------------
(1) الاستغاثة 80 ـ 82 ، وعنه في مستدرك الوسائل 14 : 443 ـ 443 .
(2) شرح الاخبار 2 : 507 .
(3) اعلام الورى 1 : 397 ، وعنه في بحار الاَنوار 42 : 93 .
(4) مرآة العقول 20 : 42 ، بحار الانوار 42 : 109 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 3 _

  تأليف في هذه المسألة للعلاّمة المجاهد السيّد ناصر حسين الموسوي الكنوي ابان عن الحق وأسفر وسمى كتابه ( افحام الخصوم في نفي تزويج أم كلثوم ) (1) .
   وقال رحمه الله في مكان آخر : أسماء بنت عميس تزوجها جعفر بن أبي طالب فولدت له عوناً وجعفراً ، ثمّ تزوجها أبو بكر فوُلد له منها عدة أولاد منهم أم كلثوم ، وهي التي رباها أمير المؤمنين وتزوجها الثاني ، فكانت ربيبته ( عليه السلام ) وبمنزلة إحدى بناته ، وكان ( عليه السلام ) يخاطب محمّداً بأبني وأمّ كلثوم هذه ببنتي ، فمن ثمّ سرى الوهم إلى عدة من المحدثين والمؤرخين ، فكم لهذه الشبه من نظير ، ومنشأ توهُّم أكثرهم هو الاشتراك في الاسم والوصف ، وأن مولانا عليّاً ( عليه السلام ) تزوّجها بعد موت أبي بكر (2) .
الرابع : إن علياً زوّج عمر بن الخطاب جنية تشبه أم كلثوم إذ الثابت عند الشيعة أن للنبي الإِمام سلطةً على الجن باذن الله كما كان لسليمان ( عليه السلام ) سلطة عليهم (2) ، وأن وقوع الشبه ليس ببعيد فقد شُبِّه على الظلمة عيسى بن مريم بيهوذا فقتل وصلب .
   هذا ما رواه القطب الراوندي ( ت 573 ) في كتابه الخرائج .

---------------------------
(1) إحقاق الحق 2 : 376 .
(2) احقاق الحق 3 : 315 بتصرف .
(3) انظر سورة ص الايات : 35 إلى 40 مثلاً .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 4 _

  والجرائح (1) .
  هذه هي الاَقوال المختصة بالشيعة ، وأمّا الاَقوال التي ذهب إليها بعض الشيعة وبعض العامة فهي :
الخامس : إنكار وجود بنت لعلي اسمها أم كلثوم .
   لاَن أم كلثوم كنية لزينب الصغرى (2) أو الكبْرى (3) أو لرقية (4) ، أما وجود بنت اسمها أم كلثوم فلم يعرف عند المحققين ، إذ لو كان ذلك لعرف تاريخ ولادتها ، ومكان دفنها ، وبما أن الاَخبار خالية من ذلك ، فإن هذا يشير إلى التشكيك في وجودها .

---------------------------
(1) الخرائج والجرائح 2 : 825 ـ 827 ، وعنه المجلسي في بحار الاَنوار 42 : 88 ، 106 ومرآة العقول 21 : 198 ، وأنظر المجدي في أنساب الطالبيين : 17 ، ومستدرك سفينة البحار 2 : 121 ، ومدينة المعاجز 3 : 203 ، والصراط المستقيم للبياضي 3 : 130 وغيرها .
(2) انظر الارشاد للمفيد 1 : 354 ، وعنه في بحار الانوار 42 : 74 ، وهذه هو الرأي المشهور عند المؤرخين .
(3) وهو ما يفهم من شعر الشيخ إبراهيم بن يحيى العاملي والسيّد عبدالرزاق المقرم الآتي وغيرهم .
(4) المجدي في أنساب الطالبين للعمري : 17 ، عمدة الطالب لأبن عنبة : 63 ينابيع المودة : 3 ـ 147 ، ملحقات احقاق الحق 10 : 426 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 5 _

  وقد ذهب إلى هذا الرأي جمع من أهل السنة والشيعة ، فقد نقل عن الدميري أنه قال : أعظم صداق بلغنا خبره صداق عمر لما تزوج زينب بنت علي ، فإنّه أصدقها أربعين ألف دينار (1) ومعنى كلام الدميري أن زينب هو أسم لأَم كلثوم ، وذلك لأشتهار تزويج عمر بأم كلثوم لا بزينب .
   وروى البيهقي عن قثم مولى آل العباس قال : جمع عبد الله بن جعفر بين ليلى بنت مسعود النهشلية وكانت امراة علي وبين أم كلثوم بنت علي لفاطمة ( عليها السلام ) (2) ومعنى كلامه أنّ أم كلثوم هي زينب ، لاَنّها كانت زوجته على القطع واليقين ولم يثبت طلاقه لها ؛ حيث ماتت وهي عنده .
   وقد كتب الشيخ إبراهيم بن يحيى بن محمد العاملي ( ت 1214 هـ ) على جدار مقام السيدة زينب بدمشق هذه الابيات لاعتقاده .

---------------------------
(1) التراتيب الادارية 2 : 405 عن المختار الكتبي في الاجوبة المهمة .
(2) السنن الكبرى للبيهقي 7 : 167 ، الطبقات الكبرى لأبن سعد 8 : 465 ، وقال ابن حجر في فتح الباري عن ابن مهران انه قال : جمع عبدالله بن جعفر بين زينب بنت علي وامرأة على ليلى بنت مسعود ، وقد حاول الزهري الجمع بين الروايتين ـ في زينب وأم كلثوم ـ بأنّه تزوجهما واحدة بعد الاَخرى مع بقاء ليلى في عصمته ( أنظر فتح الباري 9 : 127 وتهذيب التهذيب 8 : 324 ترجمة قثم بن لؤلو ) ، لكنّ جمعه باطل بنظرنا ؛ وذلك لصغر سن أم كلثوم عن زينب عندهم ، ولاَنّ عبدالله الذي هو أكبر أولاد جعفر كان قد تزوج بزينب ـ اكبر بنات علي ـ أولاً ولم يثبت تطليقه لها حتى ماتت عنده ، ومن المعلوم بأنّ الشرع لا يجيز الجمع بين الاَختين ، فتأمل .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 6 _

  أنّ زينب هي أم كلثوم : مقام لعمرو الله ضم كريمة زكا الفرع منه البرية والاَصلُ لها المصطفى جَدٌّ ، وحيدرة وفاطمةٌ أمٌّ ؛ وفاروقهم بَعْلُ (1) ومن الشيعة الإمامية : السيّد عبد الرزاق المقرم في بعض كتبه كنوادر الاَثر ( المخطوط ) ، والسيدة سكينة : صفحة 38 وعدة مواضع من كتابه مقتل الحسين .
   والشيخ الممقاني في تنقيح المقال حيث قال : أم كلثوم بنت أمير المؤمنين هذه كنية لزينب الصغرى وقد كانت مع أخيها الحسين بكربلاء ، وكانت مع السجاد إلى الشام ثم إلى المدينة ، وهي جليلة القدر فهيمة بليغة وخطبتها في مجلس ابن زياد بالكوفة معروفة وفي الكتب مسطورة ، وأني اغتبرها من الثقات والمشهور بين الاَصحاب أنه تزوجها عمر بن الخطاب غصباً ، كما أصر السيّد المرتضى وصمم عليه في رسالة عملها في هذه المسألة وهو الاصح للاَخبار المستفيضة (2) .

---------------------------
(1) انظر اعيان الشيعة 5 : 514 .
(2) انظر تنقيح المقال قديم ( الفصل الثاني في الكنى ) 373 ـ ، هذا وقد اعترض السيد محسن الامين في اعيان الشيعة 345 ، ( ما بدأ بأم ) على ما قاله الشيخ الطريحي في تكملة الرجال بقوله : فما في تكملة الرجال من الجزم بأن زينب الصغرى المكناة أم كلثوم هي زوجة عمر في غير محله بل هي غيرها .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 7 _

القول السادس : هو أن أم كلثوم لم تكن من بنات فاطمة بنت محمّد ( صلى الله عليه وآله ) بل كانت من أم ولد ، وقد ذهب إلى هذا الرأي بعض أعلام أهل السنة والشيعة كذلك :
   ففي تاريخ مواليد الأئمة (1) ونور الابصار (2) ونهاية الارب (3) : . . . وكان له زينب الصغرى ، وأم كلثوم الصغرى من أم ولد .
   وقال ابن قتيبة في المعارف (4) : . . . وأم كلثوم ، وامها أم ولد .
أما القول السابع : وهو القول بتزويجها من عمر ، لكنّ عمر مات ولم يدخل بها ، وإلى هذا ذهب بعض أعلام الشيعة وبعض أهل السنة والجماعة ، فقد قال النوبختي ( من اعلام القرن الثالث الهجري ) من الشيعة الإِمامية في كتابه الإِمامة : أم كلثوم كانت صغيرة ومات عنها عمر قبل أن يدخل بها (5) .

---------------------------
(1) مواليد الاَئمّة : 15 .
(2) نور الابصار : 103 .
(3) نهاية الارب 20 : 223 .
(4) المعارف : 185 .
(5) البحار 42 : 91 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 89 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 8 _

  وقال الشيخ جعفر النقدي في الاَنوار العلوية : . . . فروي أنّه ( أي عمر ) لما دخل عليها كان ينظر شخصها من بعيد ، وإذا دنا منها ضُرِبَ حجاب بينها وبينه فأكتفى بالمصاهرة (1) .
   وقال أبو الحسن العمري في المجدي في أنساب الطالبيين : وآخرون من أهلنا يزعمون أنه لم يدخل بها (2) .
   وقال الزرقاني المالكي ( ت 1122 هـ ) في شرح المواهب اللدنية : وأم كلثوم زوجة عمر بن الخطاب مات عنها قبل بلوغها (3) .
   هذا ، ولم يذكر المسعودي أم كلثوم بنت علي في اُمهات أولاد عمر في كتابه مروج الذهب ، بل عدّ عبدالله وعبيدالله وحفصه وزيداً وعاصماً من أم واحدة (4) ، وقد ذكر الطبري أسماء أولاد عمر فقال : وزيد الاَصغر وعبيدالله قتلا يوم صفين مع معاوية وأمهما أم كلثوم بنت جرول بن مالك بن مسيب بن ربيعة ، وكان الإِسلام فرق بين عمر وأم كلثوم بنت جرول (5) .
أمّا القول الثامن : وهو المشهور عند أهل السنة والجماعة ، فملخَّصه : أن عمر .

---------------------------
(1) الانوار العلوية : 435 .
(2) المجدي في أنساب الطالبيين : 17.
(3) شرح المواهب اللدنيه 7 : 9 :
(4) مروج الذهب 2 : 330 .
(5) تاريخ الطبري 3 : 269 ، الكامل في التاريخ 2 ـ 450 ، البداية والنهاية 7 : 156 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 9 _

   تزوج بأم كلثوم ودخل بها وأولدها زيداً ورقية .
   ونحنُ وإن كان المنهج العلمي يدعونا إلى دراسة الاَقوال الثمانية كلّها ثم الوقوف على ضوء ذلك على الرأي المختار .
   لكنّ دراسة تلك الاَقوال تستدعي الدراسة الوافية لتلك الاَقوال والترجيح بينها ، وهو مما يحتاج إلى مزيد وقت لا نمتلكه الآن ، فاكتفينا بالتعليق على القول الاَخير ، على أمل أن نلتقي مع القُرّاء في دراسة شاملة عن هذه القضية ، آملين أن نكون قد قدمنا شيئاً في هذا المضمار ، مشيرين إلى أن عملنا سيكون في ثلاثة جوانب .

1 ـ الجانب التاريخي :
   وفيه نبين ملابسات القول الثامن تاريخياً وعقائدياً واجتماعياً ، ونناقش ما ورد فيه من نصوص تاريخية على وجه التحديد ، وهل أن هذا القول يمس عقائد الشيعة الاِمامية أم أنّه يمس أهل السنة والجماعة ، أم أنّه لا يمس أيّاً منهما أو أنه يمسهما معاً ؟ .

2 ـ الجانب الفقهي :
   وفيه بيان لكيفية دخول الروايات الداعمة للرأي الثامن في كتب الفقه والحديث الشيعية ومدى حجية تلك الاَحاديث ودلالتها .

3 ـ الجانب العقائدي :
   وفيه نبحث عن الأِشكاليات المطروحة في هذا الزواج ، وأن القول بالتزويج لا يمس بعقائد الشيعة بقدر ما يمس بأصول الفكر السني ، لاَنّ لازم هذا القول هو خروج عمر بن الخطاب عن الموازين الاخلاقيّة والضوابط العرفية المتعارف عليها في المجتمعات الاِسلاميّة .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 10 _

  وعليه ـ وحسبما أكدنا ـ فنحن لسنا بصدد ترجيح رأي على آخر ، أو تبني رأي تاسع في المسألة ، بل كل ما في الأَمر هو بيان ملابسات القول الاَخير ـ أي الثامن ـ ومحاكمة النصوص فيه ، وكيفية تداخل النصوص بين الطائفتين ، ومدى تأثيرها على الاُصول والمفاهيم عند الفريقين ، لا اعتقاداً منا بصحة تلك الاخبار سنداً أو دلالة بل الزاماً للآخرين القائلين بوقوع هذا التزويج ليس أكثر من ذلك. مؤكدين للقارىء العزيز بأن عملنا هذا ما هو إلاّ محاوله بسيطة في هذا السياق ، واجابة لاَشهر الأقوال وأكثرها شيوعاً على شبكات الانترنيت ، إذ لم نحقق بعد كل جوانب هذه المسألة للخروج بالنتيجة المطلوبة .
   وإليك الآن بعض النصوص في تزويج عمر بن الخطاب من أم كلثوم أتينا بها من كتب السير والتاريخ في مدرسة الخلفاء لتكون مقدمة لما نبغي الوصول إليه .

نصوص في التزويج :
   ترجم ابن سعد لاَُم كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب في الطبقات الكبرى ، فقال : تزوّجها عمر بن الخطّاب وهي جارية لم تبلغ ، فلم تزل عنده إلى أن قتل ، وولدت له زيد بن عمر ورُقيّة بنت عمر ـ إلى أن يقول : أخبرنا أنس بن عياض الليثي ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه : أنّ عمر بن الخطّاب خطب إلى عليّ بن أبي طالب ابنته أمّ كلثوم .
   فقال عليّ : إنّما حبست بناتي على بني جعفر .
   فقال عمر : أنكحنيها يا عليّ فوالله ما على ظهر الاَرض رجل يرصد من حسن صحابتها ما أرصد .
   فقال عليّ : قد فعلت .
   فجاء عمر إلى مجلس المهاجرين بين القبر والمنبر ، وكانوا يجلسون ثَمّ عليّ وعثمان والزبير وطلحة وعبدالرحمن بن عوف ، فإذا كان الشيء يأتي عمر من الآفاق جاءهم فأخبرهم ذلك واستشارهم فيه .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 11 _

  فجاء عمر فقال : رفئّوني ، فرفّؤوه وقالوا : بمن يا أمير المؤمنين ؟ قال : بأبنة عليّ بن أبي طالب ، ثمّ أنشأ يخبرهم فقال : إنّ النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قال : كلّ نسب وسبب منقطع يوم القيامة إلاّ نسبي وسببي ، وكنت قد صحبته فأحببت أن يكون هذا أيضاً (1) .
   وفيه أيضاً : قال محمد بن عمر وغيره : لما خطب عمر بن الخطّاب إلى عليّ ابنته أمّ كلثوم قال : يا أمير المؤمنين إنّها صبيّة .
   فقال : إنّك والله ما بك ذلك ولكن قد علمنا ما بك ، فأمر عليّ بها فصُنّعت ثمّ أمر ببرد فطواه وقال : انطلقي بهذا إلى أمير المؤمنين فقولي : أرسلني أبي يقرئك السلام ويقول إن رضيت البُرد فأمسكه ، وإن سخطته فردّه .
   فلمّا أتت عمر قال : بارك الله فيك وفي أبيك قد رضينا .

---------------------------
(1) الطبقات الكبرى 8 : 463. رفئوني ، أي قولوا لي : بالرفاء والبنين ، وهذا كان من رسوم الجاهلية ، وقد نهى عنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فقد روى الكليني في الكافي 2 : 19 بإسناده عن البرقي رفعه قال : لما زوّج رسول الله فاطمة ( عليها السلام ) قالوا : بالرفاء والبنين ، فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لا ، بل على الخير والبركة ، وفي مسند احمد 3 : 451 بسنده عن سالم بن عبدالله عن عبدالله بن محمد بن عقيل ، قال : تزوج عقيل بن أبي طالب فخرج علينا ، فقلنا : بالرفاء والبنين ، فقال : مه ، لا تقولوا ذلك فان النبي قد نهانا عن ذلك وقال : قولوا : بارك الله لك ، وبارك الله عليك ، وبارك لك فيها .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 12 _

  قال فرجعت إلى أبيها فقالت : ما نشر البُرد ولا نظر إلا إليّ. فزوّجها إيّاه فولدت له غلاماً يقال له زيد (1) .
   وفي الاِصابة ، وغوامض الاَسماء المبهمة ، والنص للأَول : عن ابن أبي عمر المقدسي ، حدثني سفيان عن عمرو ، عن محمد بن عليّ : إن عمر خطب إلى عليّ ابنته أم كلثوم فذكر له صغرها ، فقيل له : إنه ردك ، فعاوده فقال له عليّ : أَبعثُ بها إليك فإن رضيتَ فهي امراتك ، فأرسل بها إليه فكشف عن ساقيها ، فقالت : مه ، لولا أنك أمير المؤمنين للطمت عينك (2) .
   وفي المنتظم لابن الجوزي وتاريخ دمشق لابن عساكر ، والنص للأَول : أنبانا الحسين بن محمد بن عبدالوهاب بإسناده عن الزبير بن بكار ، قال : كان عمر بن الخطّاب خطب أمّ كلثوم إلى عليّ بن أبي طالب .
   فقال له عليّ : صغيرة .
   فقال له عمر : زوجنيها يا أبا الحسن فإني أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد .
   فقال له عليّ : أنا ابعثها إليك فإن رضيتَها زوّجتكها ، فبعثها إليه برد وقال لها : قولي : هذا البرد الذي قلت لك .

---------------------------
(1) الطبقات الكبرى 8 : 464 ، المنتظم 4 : 237 ، تاريخ بن عساكر 19 : 486 .
(2) الاصابة في تمييز الصحابة 8 : 465 ، غوامض الاسماء المبهمة 2 : 787 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 13 _

  فقالت ذلك لعمر : فقال : قولي قد رضيته رضي الله عنك ، ووضع يده على ساقها وكشفها .
   فقالت له : أتفعل هذا ! ! لولا أنّك أمير المؤمنين لكسرت أنفك ، ثمّ خرجت ، وجاءت أباها فأخبرته الخبر وقالت : بعثتني إلى شيخ سوء ، فقال : مهلا يا . . . . (1) .
   وفي رواية الطبري : إّن عليّاً أرسل ابنته إلى عمر فقال لها : انطلقي إلى أمير المؤمنين فقولي له : إن أبي يقرئك السلام ويقول لك قد قضيتُ حاجتك التي طلبت ، فأخذها عمر فضمّها إليه فقال : إنّي خطبتها إلى أبيها فزوّجينها .
   قيل : يا أمير المؤمنين ، ما كنت تريد إليها ؟ إنها صبية صغيرة .
   فقال : إني سمعت رسول الله يقول : كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي . . . (2) .

---------------------------
(1) المنتظم 4 : 237 ، تاريخ دمشق لأبن عساكر 19 : 482 ، الطبقات الكبرى 8 : 464 ، مختصر تاريخ دمشق 9 : 159 ـ 160 ، الفتوحات الإِسلامية 2 : 455 ، شرح نهج البلاغة 12 : 106 ، سير أعلام النبلاء 3 : 501 ، الاستيعاب 4 : 1954 ـ 1954 ، المستدرك على الصحيحين 3 : 153 ح 4684 .
(2) ذخائر العقبى : 169 عن الدولابي في الذرية الطاهرة : 114 ، سيرة ابن اسحاق : 233 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 14 _

  وذكر الخطيب البغدادي بإسناده عن عقبة بن عامر الجهني : خطب عمر بن الخطاب إلى علي بن أبي طالب ابنته من فاطمة ، وأكثر تردده إليه ، فقال : يا أبا الحسن ما يحملني على كثرة تردّدي إليك إلاّ حديث سمعته من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : كل سبب وصهر منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي ، فأحببت أن يكون لي منكم أهل البيت سبب وصهر .
   فقام علي فأمر بأبنته من فاطمة فزُيِّنت ، ثم بعث بها إلى أمير المؤمنين عمر ، فلمّا رآها قام إليها فأخذ بساقها ، وقال : قولي لاَبيك قد رضيتُ قد رضيتُ قد رضيت ، فلما جاءت الجارية إلى أبيها قال لها : ما قال لك أمير المؤمنين ؟ قالت : دعاني وقبلّني فلمّا قمت أخذ بساقي وقال : قولي لاَبيك قد رضيت ، فأنكحها إيّاه ، فولدت له زيد بن عمر بن الخطاب فعاش حتى كان رجلاً ثمّ مات (1) .
   وروى الزرندي الحنفي في نظم درر السمطين (2) وابن الجوزي في المنتظم (3) والنص للأول :
   إن عمر بن الخطّاب خطب إلى عليّ ( عليه السلام ) ابنته أم كلثوم وهي من فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (4) .

---------------------------
(1) تاريخ بغداد 6 : 180 .
(2) نظم درر السمطين : 235 .
(3) المنتظم 4 : 238 .
(4) لم يكن في النصوص السابقة أنّها من فاطمة بنت رسول الله ، فتأمل .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 15 _

  وقال عليّ : إنّها صغيرة ، فقال عمر : زوجنيها يا أبا الحسن فإنّي أرغب في ذلك ، سمعت رسول الله يقول : كل نسب وصهر ينقطع إلا ما كان من نسبي وصهري .
   فقال علي : إنّي مرسلها إليك تنظر إليها ، فأرسلها إليه ، وقال لها : اذهبي إلى عمر فقولي له : يقول لك عليّ : رضيتَ الحلة ؟ فأتته ، فقالت له ذلك ، فقال : نعم رضي الله عنك ، فزوّجه إياها في سنة سبع عشرة من الهجرة ، وأصدقها على ما نقل أربعين الف درهم ، فلما عقد بها جاء إلى مجلس فيه المهاجرين والاَنصار وقال : ألا تزفّوني ، وفي رواية : ألا تهنئوني .
   قالوا : بماذا يا أمير المؤمنين ؟ قال : تزوجت أم كلثوم بنت عليّ ، لقد سمعت رسول الله يقول : كل نسب وسبب منقطع إلاّ نسبي وسببي وصهري ، وكان به ( صلى الله عليه وآله وسلم ) السبب والنسب فأردت أن أجمع إليه الصهر ، فزفوه ودخل بها في ذي القعدة من تلك السنة (1) .
   وْقال اليعقوبي في تاريخه : وفي هذه السنة ( أي سنة سبع عشرة ) خطب عمر إلى عليّ بن أبي طالب أم كلثوم بنت عليّ وأمها فاطمة بنت رسول الله .

---------------------------
(1) انظر الاستيعاب 4 : 1954 ـ 1955 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 16 _

  فقال عليّ : إنها صغيرة .
   فقال : إني لم أرد حيث ذهبت ، ولكني سمعتُ رسول الله يقول : كل نسب وسبب ينقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي وصهري ، فأردت أن يكون لي سبب وصهر برسول الله (1) .

البحث التاريخي :
  قبل الدخول في صلب البحث لابد من الوقوف على مقدمتين : أولاهما : الوقوف على نظرة أهل السنة والجماعة إلى الخليفة والخلافة ، وهل أنّ الخليفة عندهم منصوص عليه من قبل الله ورسوله أم لا ؟ ثانيهما : ما هي تصوراتهم عن الخليفة ، هل أنّه معصوم أم أنه إنسان عادي يصيب ويخطىَُ ؟ من الثابت المشهور عن أهل السنة والجماعة أنّهم لا يعتقدون بلزوم كون الخليفة منصوصاً عليه من قبل الله ورسوله ، بل إن أمر الخلافة عندهم راجعٌ إلى الاَمة ، فتحصل تارة ببيعة أهل الحل والعقد أو ببيعة اثنين أو واحد ، وأُخرى بالشورى ، وثالثة بالاِجماع ، . . . فمن أنُتخب صار أماماً للمسلمين وخليفة لرسول الله ! !
   أما المقدمة الثانية : فهم لا يقولون بعصمة الخلفاء بل نراهم يحددون ويحصرون عصمة الرسول فيما يبلّغه عن الباري جل شأنه فقط ، ومعنى كلامهم أنّهم يذهبون إلى تخطئة الرسول الاَكرم في الموضوعات الخارجية وحتّى في الاَحكام الشرعية التي لم ينزل فيها وحي من الله تعالى ، لكونه مجتهداً ، والمجتهد قد يخطىَ وقد يصيب. هذا بصرف النظر عن واقع الخليفة ، فالسير التاريخي والوقائع والنصوص أكدت لنا خطأ الخلفاء وجهلهم في كثير من الاَحكام والمواقف ، لكننا لا نرتضي جرّ هذا القول ـ وبالمعكوس ـ على ساحة الرسول الامين صلى الله عليه وآله والقول بأنه كان يخطىَُ أو يجتهد في الاَحكام الشرعية ، لاَنّه صلى الله عليه وآله كان متصلا بالوحي ، يأخذ تعاليمه ومواقفه منه ، فلا حاجة به للاجتهاد والاِفتاء طبق الظن والتخمين .

---------------------------
(1) تاريخ اليعقوبي 2 : 149 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 17 _

   نعم ، إنهم قالوا بهذا القول كي يرفعوا بضبع بعض الصحابة من خلال إهباطهم لمستوى الرسول الاَمين ، فتراهم يذهبون إلى أن الله تعالى عاتب رسوله على أخذ الفداء من أسرى بدر ، وأنَّ العذاب قرب نزوله ، ولو نزل لما نجا منه إلاّ عمر .
   بهذه النصوص والاَقوال أنزلوا الرسول المصطفى إلى منزلة رجل عادي يخطىَ ويصيب ويسبّ ويلعن ثمّ يطلب الرحمة لمن سبهم .
   ونحن قد أجبنا عن هذه الافتراءات والترهات وأمثالها ـ شارحين كيفية نشوء فكرة اجتهاد النبي ، ومن ثمّ تأطُّر مدرسة الاجتهاد والرأي عند أهل السنة والجماعة ، والاَسباب والدواعي الكامنة وراء تناقل مثل هذه الاَقوال ـ في كتابنا ( منع تدوين الحديث ) فمن أحب فليرجع إليه .
  إذاً يمكن للباحث ـ وبمطالعة سريعة لتاريخ صدر الاِسلام ـ الوقوف على اُمور كثيرة صدرت من قبل الشيخين ومن تبعهم من الخلفاء كعثمان ومعاوية و . . بُنيت على المصلحة الوهمية والرأي الشخصي ، وغالبها منافية للاَُصول الاِسلامية ؛ كرفع الخليفة الاَول الرجم عن خالد بن الوليد مع ثبوت دخوله بزوجة مالك بن نويرة وهي في العدة (1) .
   وكتعطيل عمر بن الخطّاب لسهم المؤلفة قلوبهم (2) مع أنّ الله قد فرضه لهم في كتابه العزيز بقوله ( . . . للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم ) (3) .
   وكتشريعه للطلاق ثلاثاً (4) مع أنّ الباري جل شأنه قال : ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) (5) ، وكابتداعه لصلاة التراويح مع اعتقاده بأنّها بدعة وقوله عنها : نعمت البدعة هي (6) .

---------------------------
(1) تاريخ الطبري 2 : 503 ، البداية والنهاية 6 : 355 ، أسد الغابة 1 : 588 ، الكامل في التاريخ 2 : 358 .
(2) فتح القدير للشوكاني 2 : 373 .
(3) التوبة : 60 .
(4) صحيح مسلم 4 : 183 ، المستدرك على الصحيحين 2 : 196 ، مسند احمد 1 : 314 .
(5) البقرة : 229 .
(6) صحيح البخاري 2 : 252 | باب فضل من قام رمضان ح 1906 ، موطا مالك 1 : 114 | باب ما جاء في رمضان ح 250 ، تاريخ المدينة 2 : 714 ، الطبقات الكبرى 5 : 59 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 140 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 18 _

  وكحرق عثمان للمصاحف مع ثبوت نهي الرسول عن حرق التوراة (1) فكيف بالقرآن العزيز ؟ كلُّ هذه الاَفعال والمواقف وأضعافها من هؤلاء الخلفاء اعتبرت بأنّها شرعية تحت غطاء شرعية المصلحة والاجتهاد ! ! وعُلِّلَ الاَمر بأنّ هؤلاء الخلفاء والصحابة يعرفون مصالح الاَحكام وروح التشريع أحسن من غيرهم .
   فهل كانوا كذلك ؟ وإذا كانوا كذلك فكيف يمكن رفع التعارض بين مواقفهم إذاً ؟ ومن هو المحق : هل إنّ عمر هو المحق في تهديده لخالد وقوله له : ارئاءً ؟ ! قتلت أمرءاً مسلماً ثم نزوت على امراته والله لارجمنك بأحجارك ، ولا يكلّمه خالد بن الوليد ولا يظن إلاّ أن رأي أبي بكر على مثل رأي عمر فيه حتى دخل على أبي بكر ، فلما . . . (2) أم إن أبا بكر هو المحق في قوله : يا عمر ! ( تأول فأخطأ ) (3) فارفع لسانك عن خالد فإني لا أشيم سيفاً سلّه الله على الكافرين (4) .

---------------------------
(1) كما في حديث عائشة انظر الكامل في الضعفاء 1 : 173 .
(2) تاريخ الطبري 2 : 504 ، تاريخ دمشق 16 : 259 ، سير اعلام النبلاء 1 : 378 .
(3) الاصابة 5 : 561 .
(4) تاريخ الطبري 2 : 589 ، البداية والنهاية 6 : 355 ، أسد الغابة 2 : 95 وغيرها .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 19 _

  ولماذا يصر أبو قتادة الانصاري على موقفه من خالد ، ومن هو المحق أبو قتادة ، أم أبو بكر في نهيه له ؟ (1) وماذا يعني منطق الخليفة الاَول ( تأول ) ؟ وكون أعدائه ( المسلمين ) من الكافرين ؟ هل جاء هذا الموقف لاحتياجه إلى خالد في مواقفه الاَخرى ، أم لشيء آخر ؟ وكيف ساغ لأبي بكر أن ينهى أبا قتادة عن التعرّض لخالد مع أنّ اعتراض أبي قتادة كان نابعاً من القرآن الكريم والسنة المطهرة ؟ وماذا يمكننا أن نقول في المؤلفة قلوبهم ؟ ومن هو المحق في القرار : هل هو أبو بكر أم عمر ؟ إذ جاء في كتب التاريخ : إن أبا بكر كتب إلى عمر بأنّ يعطي المؤلفة قلوبهم حقَّهم ، فلما أتوه مزق الكتاب وقال : إنا لا نعطي على الاِسلام شيئاً ، فمن شاء فليؤُمن ومن شاء فليكفر ، ولا حاجه لنا بكم .
  فرجعوا إلى أبي بكر وقالوا : هل أنت الخليفة أم عمر ؟ قال : هو إن شاء الله (2) .
   وبعد هذا كيف يمكن لغيرنا أن يصحح المنسوب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر (3) مع ما يراه من الاختلاف بين مواقفهما .

---------------------------
(1) الكامل في التاريخ 2 : 358 .
(2) انَر تاريخ دمشق 9 : 195 ، انظر الدر المنثور 3 : 252 في تفسير الآية 60 من سورة التوبة ، وتفسير المنار 10 : 96 ، والمبسوط للسرخسي 3 : 9 .
(3) مسند احمد 5 : 382 ، سنن الترمذي 5 : 271 ، ح 374 ، سنن ابن ماجة 1 : 37 ح 97 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 20 _

  ولو صح هذا الخبر ، فلماذا نرى تخلف كثير من الصحابة عما شرعه الشيخان ؟ وتخطئتهم لهما فيما اجتهدا فيه في بعض الاَحيان ؟ !
   وما يعني ذلك ؟ ألم تكن مواقفهم ـ المخطئة للشيخين وتصريحات الشيخين بأنهما عاجزان غير عالمين في كثير من الاحايين بما جاء في الذكر الحكيم والسنة المطهرة دالّة على كذب هذه المقولة ؟ بل كيف بالخليفة يسأل عن الاَحكام لو كان هو الاِمام المقتدى المأمور بطاعته والاقتداء به ؟ كل هذه النصوص تؤكد على أن المصالح التي صورها الاعلام في مدرسة الخلفاء لم تكن شرعية وحقيقية بالمعنى الصحيح للكلمة ، بل هي مصالح وهمية تصورها الخلفاء وانصارهم ومنها وعليها سرى وجرى التشريع الحكومي لاحقاً .
   بعد أن اتضح جواب السؤالين السابقين وعُرف أن الخليفة ليس بمعصوم وأن الله لم ينصبه ، وقد أخطأ بالفعل في كثير من الاَمور ، وأن المصالح التي تصوّرها لم تكن حقيقية عامة للجميع ، بل كثير منها وهمية ، وهي مصالح خاصة ، فلا بد إذاً من دراسة مدّعى عمر بن الخطّاب في هذا الاَمر ، وهل حقاً أنه كان يريد التقرب إلى رسول الله إذ سمع منه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( كل سبب أو نسب منقطع إلا سببي ونسبي ) (1) أم نه جعلها وسيلة لامر آخر .

---------------------------
(1) السنن الكبرى 7 : 64 ، المعجم الكبير للطبراني 3 : 45 ، 11 : 194 ، الاوسط للطبراني 6 : 357 ، ورواه أيضاً الهيثمي في مجمع الزوائد 4 : 271 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 21 _

  وهل إنّ اقتراح الزواج يرتبط بأمر سياسي ، أم اجتماعي ، أم عاطفي ، أم غير ذلك عمر ودعوى القرابة نحن لو درسنا سيرة عمر بن الخطاب قبل وبعد الإِسلام لوقفنا على حقيقة أخرى غير ما يصوره أصحاب السير والتراجم ، ولرأيناها تنافي المدعى كمال المنافاة ، لاَنه كان يصر في معركة بدر على لزوم قتل كل قريبٍ قريبَهُ ، وقد طلب بالفعل من رسول الله أن يقتل عمَّه العباس ، ومن عليّ أن يقتل أخاه عقيل و . . مع أنّ رسول الله كان يؤكد له بأنّهما جاء مكرهين للمعركة (1) .
   كانت هذه صورة واحدة عن موقف عمر بن الخطّاب مع قرابة رسول الله ومفهوم القرب والقرابة عنده في أوائل الاِسلام ، وعدم وجود ميزة للقرابة عنده .
   وإليك الآن صورة أخرى تنبئك عن مدى اعتقاد عمر بمنزلة القربى واحترامه للقرابة ، تلك الصورة في خبر تعامله مع صفيه عمة رسول الله في المدينة المنوّرة وبعد أن قطع الاِسلام شوطاً كبيراً واستحكم ، واستقرت مفاهيمه العامة استقرار كبيراً .

---------------------------
(1) صحيح مسلم 5 : 157 ، مسند أحمد 1 : 31 ، البداية والنهاية 3 : 362 ، تفسير ابن كثير 4 : 352 ، الدر المنثور 3 : 175 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 22 _

  ومنها وجوب مودة ذي قُرباه ، ومع ذلك لم يأبه عمر ، إذ اخرج الهيثمي عن ابن عباس قال : توفى ابنٌ لصفية عمة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فبكت عليه وصاحت ، فأتاها النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال لها : يا عمة ما يبكيك ؟ قالت : توفي ابني .
   قال : يا عمة ، من تُوفيِّ له ولد في الاِسلام فصبر بنى الله له بيتاً في الجنّة ، فسكتت .
   ثمّ خرجت من عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فأستقبلها عمر بن الخطّاب فقال : يا صفية قد سمعت صراخك ، إنّ قرابتك من رسول الله لا تغني عنك من الله شيئاً ، فبكت ، فسمعها النبيّ وكان يكرمها ويحبها فقال : يا عمة أتبكين وقد قلتُ لكِ ما قلتُ ! !
   قالت : ليس ذلك أبكاني يا رسول الله ، استقبلني عمر بن الخطّاب فقال : إنّ قرابتك من رسول الله لن تغني عنك من الله شيئاً .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 23 _

   قال : فغضب النبيّ ، وقال : يا بلال هجّر بالصلاة ، فهجّر بلال بالصلاة ، فصعد النبيُّ المنبرَ ، فحمد الله وأثنى عليه مّ قال : ما بال أقوام يزعمون أنّ قرابتي لا تنفع ، كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي فأنها موصولة في الدنيا والاخرة (1) .
   فنحن لو قسنا مدعى عمر اليوم في الزواج مع ما قاله في نأنأة الاِسلام وفي عزّته لحصلنا على نتائج لا ترضي محبيه وأنصاره ، بل تشكك الجميع في صحة دعواه .
   أما لو أحسنا الظن بمدعاه وقلنا أنّه حقاً كان يريد القرابة ، لأنه عرف منزلتهم لمّا غضب النبي وهجّر بلال بالصلاة . . .
   فلنتساءل : لو كان عمر آمن بقول رسول الله وعرف أن قرابته تنفع في الاخرة ، مضافاً لما لها من منزلة في الدنيا ! فكيف به يحتج بالصحبة وقربه إلى رسول الله على الاَنصار ـ كي يبعدهم عن الخلافة ـ ولا يرتضي أن يسلم الخلافة إلى الاِمام عليّ بن أبي طالب وهو أقرب المقربين إليه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، مع أن الاِمام عليّاً ألزمه بما استدل به على الانصار بقوله : وَاعَجَبَاهُ أَتَكُونُ الْخِلاَفَةَ بِالصَّحَابَة ولا تكون بِالصَّحَابَةِ وَالْقَرَابَةِ ؟ فَإِنْ كُنْتَ بِالشُّورَى مَلَكْتَ أُمُورهُم ْفَكَيْفَ بِهذَا وَالْمُشِيرُونَ غُيَّبُ وَإِنْ كنْتَ بِالْقُرْبَى حَجَجْتَ خَصِيمَهُم ْفَغَيْرُكَ أَوْلَى بِالنَّبِيِّ وأَقْرَبُ (2) بل كيف نقبل دعوى اهتمامه بالقرابة ، وهو لا يولّي أحداً منهم السرايا والبلدان أيام حكومته .

---------------------------
(1) مجمع الزوائد 8 : 216 .
(2) نهج البلاغة 4 : 44 باب المختار من حكم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 24 _

   بل بم يمكن تصحيح مدعاه وأنّه يريد بزواجه من أم كلثوم لتقرب إلى رسول الله عن طريق بنته فاطمة الزهراء ، في حين نراه يقول لمن اعترض عليه عند هجومه على دار فاطمة الزهراء : إن فيها فاطمه ، قال : وإن (1) .
   فهل يمكن الجمع بين هذه المواقف وبين ما يدعيه عن القرابة والقربى اليوم ؟ ولو كان حقاً يعرف منزلة القرابة والقربى ، فلماذا نراه يتخوف من تولّي بني هاشم ويحرمهم من خمس الغنيمة (2) ؟ بل إذا كانت القرابة لها هذه السمة المعنوية في الدنيا والاخرة حسب اعتراف عمر ؟ فكيف به لا يحترم ابنة رسول الله التي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها (3) ؟ ويقول مستنقصاً مكانتها : وإن ! !
   إن عدم تفهمهم لتلك الخصائص الاِلهية ـ أو عدم ترتيبهم الآثار عليها ـ إنما يكمن وراءه موروث قديم ، وهو احترام الرئيس ما دام حياً ، ولا يعار للبنت أهمية إلاّ بمقدار كونها امراة لا توازي الرجل ولا تساويه ، بل ليس لها أن تطالب بشيءٍ من حقوقها الشرعية ، وقد يكون وراء هذا الاَمر مصالح وأهداف سياسية أخرى لا يريدون لكشف عنها .

---------------------------
(1) الامامة والسياسة 1 : 30 .
(2) سنن أبي داود 2 : 27 ح 2984 ، السنن الكبرى للبيهقي 6 : 344 ، سنن النسائي 7 : 129 ، ح 4134 ، شواهد التنزيل 1 : 291 .
(3) انظر تهذيب الكمال 35 : 250 عن صحيح البخاري 6 : 158 باب ذب الرجل عن ابنته ، وفيه فإنما هى بضعة منى يروينى ما أرابي ويؤذينى ما آذاها ، صحيح مسلم 7 : 141 ، أبي داود 1 : 460 ، الترمذي 5 : 359 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 25 _

  وقد رأيتَ أنّ بعض النصوص تدعي أنّه كان يريد ( النسب والسبب ) مع أنّ المفروض أنّ عمر من قريش ، وله نسب مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وبذلك احتج في السقيفة ، كما انّ له سبباً من جهة ابنته حفصة ، فلا يبقى لمدعاه مجال من المصداقية .
   نعم ، في نصوص أخرى التصريح بأنّه أراد المصاهرة ؛ وإذا صحّ هذا المدّعى من عمر فكان الاولى به أن يحاول تلك المصاهرة مع بنات رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مباشرة من خلال إحدى بناته ؛ لا من خلال بنت بنته .
   فكما كان عثمان ذا نورين كان يمكن لعمر أن يكون ذا نور واحد ، لكنّ التاريخ لم يحدثنا أنه حاول تلك المصاهرة من إحدى بنات رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) غير فاطمة ! !
   نعم أقدم عمر على خطبة فاطمة الزهراء ربّما منافسة لعلي فرّده رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وانتهى كل شيء (1) .

---------------------------
(1) روى النسائي بإسناده عن بريدة بن الخصيب قال : خطب أبو بكر وعمر وفاطمة ، فقال رسول الله : إنها صغيرة ، فخطبها علي فزوجها منه ، وقد صحح الاَلباني هذا الخبر في صحيح النسائي 2 : 678 .
  وعلق السندي على الخبر بقوله : . .. ففيه أن الموافقة في السنّ أو المقاربة مرعية ، لكونها أقرب إلى المؤالفة ، نعم قد يترك ذاك لما هو أعلى منه كما في تزويج عائشة .
  لكن الاَمر لم يكن كما قاله السندي بل أغلب النصوص تصرح بأن رسول الله كا ينتظر بها القضاء وأمر الله ( تعالى )إلى من يزوجه انظر الطبقات 8 : 19 ، مجمع الزوائد 9 : 204 ـ 212 ، المعجم الكبير 3 : 34 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 26 _

  هذا كلّه بغض النظر عن أنّ القوم وعمر لم يفهموا كلام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على وجهه الصحيح ، أو فهموه وحرفوه ، لاَنّ مراد رسول الله هو أنّ نسبه في إطار المفهوم الديني هو الباقي ، وذلك من خلال علي والحسنين وولد الحسين ؛ وهم الاَئمّة الاثنا عشر الذين لا يزال الدين عزيزاً بهم (1) ، تسعة منهم من ولد الحسين الذي هو من رسول الله ورسول الله منه (2) حي .
   والمراد بسببه هو سبب الله الممدود والموصول بين السماء والاَرض ، بنص ( اني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله حبل ممدود بين السماء والاَرض ، وعترتي أهل بيتي ) (1) .
   على أننا اليوم بالضرورة والوجدان لا نرى أولاداً نسبيين لرسول الله إلاّ أولاد فاطمة الزهراء من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وهذه من نبوءات رسول الله ودلائل نبوته .
   وعليه فإن هذه النصوص وغيرها تشككنا في مدعي عمر بن الخطاب ، بل توصلنا إلى أن الاَمر لم يكن كما يصوّره أتباع مدرسة لخلفاء ، لاَنّ العلل والاَسباب التي ذكرها عمر ـ أو ذكروها له ـ في التزويج لا تتفق مع ما يهدف إليه عمر من هذا الزواج ، عمر وتزوجه من النساء .

---------------------------
(1) صحيح مسلم 6 : 3 ، مسند أحمد 5 : 90 ، 93 ، سنن أبي داود 2 : 309 .
(2) مسند أحمد 4 : 172 ، سنن ابن ماجة 1 : 51 ، سنن الترمذي 5 : 324 ، مصنف ابن ابي شيبة 7 : 515 ، الادب المفرد : 85 .
(3) مسند أحمد 3 : 18 ، 27 ، 59 ، مصنف ابن أبي شيبة 7 : 176 ، المعجم الكبير للطبراني 3 : 66 وعنه السيوطي في الدر المنثور 2 : 60 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 27 _

  ن شدة وغلظة عمر بن الخطاب لا يمكن لاَحد أن ينكرها ، حتّى وأن النساء كن يكرهن التزويج منه لنظرته الخاصة والخاطئة اليهن ، فجاء في أنساب الاَشراف : أن عمر نهر امرأة لاَنها تكلمت في شيء بقوله : ما أنت وهذا ، إنما انتن لعب ، فأقبلي على مغزلك ولا تعرضي فيما ليس من شأنك (1) ، وقد أقدم عمر على أكثر من امرأة فردته .
  ففي تاريخ الطبري : . . قال المدائني خطب ـ أي عمر ـ أم كلثوم بنت أبي بكر وهي صغيرة وأرسل فيها إلى عائشة ، فقالت : الاَمر إليك .
   فقالت أم كلثوم : لا حاجة لي فيه .
  فقالت لها عائشة : ترغبين عن أمير المؤمنين .
  قالت : نعم إنه خشن العيش شديد على النساء ، فأرسلت عائشة إلى عمرو بن العاص فأخبرته .
   فقال : أنا اكفيك .

---------------------------
(1) أنساب الاَشراف : 189 كما في ( دراسة نقدية لمرويات عمر بن الخطاب ) ط الجامعة الاِسلامية بالمدينة المنورة 1 : 241 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 28 _

  فأتى عمر فقال : يا أمير المؤمنين بلغني خبرٌ أعيذك بالله منه ، قال : وما هو ؟ قال : خطبتَ أم كلثوم بنت أبي بكر ؟ قال : نعم .
   قال : أفرغبت بي عنها أم رغبت بها عني ؟ قال : لا واحدة ، ولكنها حدثة نشأت تحت كنف أم المؤمنين في لين ورفق ، وفيك غلظة ، ونحن نهابك وما نقدر أن نردك عن خلق من أخلاقك ، فكيف بها إن خالفتك في شيء فسطوت بها ، كنت قد خلفت أبا بكر في ولده بغير ما يحق عليك .
   قال : فكيف بعائشة وقد كلّمتها ، قال : أنا لك بها وأدلك على خير منها أم كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب ، تعلق منها بنسب من رسول الله (1) .
   وفي نص آخر : إن رجلاً من قريش قال لعمر بن الخطاب : ألا تتزوج أم كلثوم بنت أبي بكر ، فتحفظه بعد وفاته ، وتخلفه في أهله ؟ فقال عمر : بلى ، إني لاَحبّ ذلك ، فأذهب إلى عائشة فاذكر لها ذلك وعد إليّ بجوابها .
   فمضى الرسول إلى عائشة فأخبرها بما قال عمر ، فأجابته إلى ذلك وقالت له : حباً وكرامة .
   ودخل عليها بعقب ذلك المغيرة بن شعبة فرآها مهمومة ، فقال لها : مالك يا أم المؤمنين ؟ ! فأخبرته برسالة عمر ، وقالت : إنّ هذه جارية حدثة ، وأردت لها ألين عيشاً من عمر ، فقال لها : عليَّ أن أكفيك .

---------------------------
(1) تاريخ الطبري 3 : 275 ، شرح النهج 12 : 222 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 29 _

  وخرج من عندها ، فدخل على عمر ، فقال : بالرفاء والبنين ، فقد بلغني ما أتيته من صلة أبي بكر في أهله ، وخطبتك أم كلثوم ، فقال : قد كان ذاك .
   قال : إلاّ أنك يا امير المؤمنين رجلٌ شديد الخلق على أهلك ، وهذه صبية حديثة السن ، فلا تزال تنكر عليها الشيء فتضربها ، فتصيح ، فيغمك ذلك وتتألم له عائشة ، ويذكرون أبا بكر فيبكون عليه ، فتجدد لهم المصيبة ـ مع قرب عهدها ـ في كل يوم ، فقال له : متى كنت عند عائشة ، وأصدقني ؟ ! فقال : آنفاً .
  فقال عمر : أشهد أنهم كرهوني ، فضمنتَ لهم أن تصرفني عمّا طلبتُ ، وقد أعفيتهم ، فعاد إلى عائشة فأخبرها بالخبر ، وأمسك عمر من معاودة خطبتها (1) .
  قال المدائني : وخطب ( عمر ) أُمَّ أبان بنت عتبة بن ربيعة فكرهته وقالت : يغلق بابه ، ويمنع خيره ، ويدخل عابساً ويخرج عابساً (2) .

---------------------------
(1) اعلام النساء ، كحاله 4 : 250 .
(2) تاريخ الطبري 3 : 270 ، الكامل في التاريخ 2 : 451 ، 55 ، البداية والنهاية 7 : 157 ، وفي المعارف لابن قتيبة : 175 وانظر البدء والتاريخ 5 : 79 أن عمر خطب أم كلثوم بنت أبي بكر ، وذلك بعد وفاة أبي بكر ، خطبها من عائشة فأنعمت له بها ، لكنّ أم كلثوم كرهته ، فأحتالت حتى أمسك عنها ، فتزوجها طلحة بن عبيد الله فولدت له زكريا وعائشة . . . الخ ، وانظر كذلك كنز العمال 13 : 626 ح 37590 عن ابن عساكر 25 : 96 ، والروضة الفيحاء في تواريخ النساء : 303 .