وجاء في أُسد الغابة عن الحسن : أن عمر بن الخطّاب خطب إلى قوم من قريش فردوه ، وخطب إليهم المغيرة بن شعبه فزوّجوه (1) .
   فكل الذين ردّوا عمر علّلوا ذلك بأنّه خشن العيش ، يدخل عابساً ويخرج عابساً ، وينظر إلى النساء نظرة جاهلية ، ويتعامل معهن كأنّهن عبيد ، وإليك ما يؤكد صحة مقولة القوم القرشيين الذين خطب منهم عمر فردوه ، حيث : أخرج ابن ماجه القزويني عن الاَشعث بن قيس أنّه قال : ضفت عمر ليلةً ، فلمّا كان في جوف الليل قام إلى امراته يضربها ، فحجزت بينهما ، فلما أوى إلى فراشه قال لي : يا أشعث ، احفظ عنّي شيئاً سمعته من رسول الله : لا يُسأل الرجل فيم يضرب امرأته ، ولا تنم إلاّ وتراً ، ونسيت الثالثه (1) .

---------------------------
(1) أُسد الغابة في معرفة الصحابة 4 : 64 .
(2) سنن ابن ماجه 1 : 639 ح 1976 ، مسند أحمد 1 : 20 ، كنز العمال 16 : 483 ح 45566 و 498 ح 45628 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 31 _

  وقد مرّ عليك قبل قليل ما قالته أمّ أبان بنت عتبه بن ربيعة حينما خطبها عمر بن الخطّاب بعد أن مات عنها يزيد بن أبي سفيان ، فقالت : لا يدخل إلاّ عابساً ولا يخرج إلاّ عابساً ، يغلق بابه ويقلّ خيره (1) .
   وما قالته أم كلثوم بنت أبي بكر حينما خطبها عمر ( فقالت أم كلثوم : لا حاجة لي فيه ، فقالت لها عائشة : ترغبين عن أمير المؤمنين ، قالت : نعم ، إنّه خشن العيش شديد على النساء . . . ) (2) وروى علي بن يزيد : أن عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل كانت تحت عبدالله بن أبي بكر ، فمات عنها واشترط عليها أن لا تتزوّج بعده ، فتبتلت وجعلت لا تتزوج ، وجعل الرجال يخطبونها وجعلت تأبى .
  فقال عمر لوليها : اذكرني لها ، فذكره لها ، فأبت على عمر أيضاً .
   فقال عمر : زوّجنيها ، فزوجه إياها .
   فأتاها عمر ، فدخل عليها فعاركها حتّى غلبها على نفسها ، فنكحها ، فلمّا فرغ قال : أفُ ، أُف ، أفُ ، أففّ بها ، ثمّ خرج من عندها وتركها لا يأتيها ، فأرسلت إليه مولاة لها أن تعال فإنّي سأتهيأ لك (3) .

---------------------------
(1) عيون الاخبار 4 : 17 ، تاريخ الطبري 5 : 17 ، الكامل لابن الاثير 3 : 55 .
(2) تاريخ الطبري 3 : 720. الكامل في التاريخ 2 : 45 البداية والنهاية 7 : 175 .
(3) الطبقات الكبرى لأبن سعد 8 : 256 وعنه في كنز العمال 13 : 633 ح 37604 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 32 _

   هذا وقد حمل محبو الخليفة الخبر الاَخير على أنّه أراد بيان حكم شرعي ، وهو عدم جواز التبتل في النكاح أو عدم جواز أخذ المال على أن لا تتزوج ، في حين نعلم أنّ عاتكة كانت ثيّباً ، والمرأة الثيّب هي مالكة لاَمرها ، ولا ولاية لاَحدٍ عليها ، وعلى فرض ثبوت الولاية عليها ، يجب أن يُجمع رضاها إلى رضا وليّها ، لكن النص السابق يشير وبوضوح إلى أن عاتكة لم ترض بهذا النكاح ، وأنّ عمر أكرهها على ذلك وتجاوز عليها بدون أذنها لاَنّه ( دخل عليها فعاركها حتّى غلبها على نفسها ، فنكحها ، فلما فرغ قال : أُف ، أُف ، أُف . . . ) .
   على أنّ الخبر يدل على أنّ عمر بن الخطّاب كان طامعاً فيها ، راغباً بها ، لا أنّه فعل ذلك كي يوضح حكماً شرعياً وهو حرمة التبتل ، لأَنه كان قد طلبها قبل ذلك من وليها فقال ( اذكرني لها ، فذكره لها ، فأبت على عمر أيضاً ) وهو يشير إلى ما قلناه ، ويوضّح بأنّ وراء نكاح عاتكة شيئاً آخر غير ما يبرره علماء مدرسة الخلفاء .
   فعمر بن الخطّاب لو كان يريد الوقوف أمام التبتل أو تشريع شيء جديد للزمه أن يحقق ذلك بشكل آخر غير المغالبة ونكاحها بنفسه ثمّ قوله : أُف ، أُف ، أُف .
   وأريد هنا ان أنبه إلى بعض المفارقات في نصوص التزويج عن عمر وعلي ، وهي بنظري تسيء إلى عمر بن الخطاب أكثر من أن تخدمه ، لاَنّ النصوص تؤكّد على أنّ الاِمام عليّاً شارك الآخرين بالرأي فاستشار الاِمامين الحسن والحسين (1) وعقيلاً (2) وعمّه العباس (3) ثل في تزويجه أم كلثوم ، في حين نرى عمر يكتفي في نكاح عاتكة بإذن أبيها ولا ينظر إلى رضاها ولا إلى إذن إخوانها وأخواتها .

---------------------------
(1) ذخائر العقبى : 169 و 170 ، سيرة ابن إسحاق : 248 ، الذرية الطاهرة : 159 ، حياة الصحابة 2 : 527 ، كنز العمال 16 : 532 ، مجمع الزوائد 4 : 272 ، السنن الكبرى 7 : 64 .
(2) المعجم الكبير 3 : 44 و 45 ، مجمع 4 : 271 ، 272 ، ذخائر العقبى : 170 الذرية الطاهرة : 160 .
(3) ذخائر العقبى : 170 ، الذرية الطاهرة : 160 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 33 _

   إنّ عمر لو كان حقاً يريد الزواج مباركاً من عاتكة لكان عليه أن يرسل إليها بعض النساء من أهل بيته بعد العقد برضاها ليأتوا بها إلى عش الزوجية بإعزاز وإكرام لا أن يغالبها ويعاركها ، إذ أنّ هذا الفعل لا يصدر إلاّ من رعاع الناس فكيف بخليفة المسلمين ! نحن وإن كنا لا نقبل بتلك الروايات القائلة بأنّ الإِمام أمير المؤمنين زوّج عمر بعد أن استشار الاِمام الحسن والحسين وعقيلا والعباس لكنا نؤكد أنّ هذه النصوص مختلقة على لسان هذا أو ذاك وهي تسيء بالدرجة الكبرى للخليفة وأتباعه .
   وعليه فالنصوص السابقة وضّحت لنا بأنّ النساء لم يكنّ يرغبن في التزويج بعمر بن الخطاب ، فلو جمعت تلك النصوص إلى نص لطبري في تزويج أم كلثوم بنت أبي بكر ، لعرفت أن الجميع كانوا يهابون عمر بن الخطّاب ويخافون بطشه ، وحتّى عائشة بنت أبي بكر ـ زوجة الرسول ـ فانها كانت تخافه وتهابه ، ولما امتنعت أختها أم كلثوم من الزواج من عمر استولى عليها الخوف فارسلت إلى عمرو بن العاص ـ أو إلى المغيرة بن شعبة ـ تستعين بهما لحل المشكلة ، ولو تدبّرت وتعمقت في كلام عمرو بن العاص لعرفت أنّه هو الآخر كان يهاب عمر ويخاف بطشه ، إذ لينه في الخطاب وأُسلوبه في الاستعطاف ليشير إلى أن عمرو بن العاص أراد أن يستعطف الخليفة من خلال أخيه أبي بكر فقال له :
   ( . . . ولكنها حدثه ، نشأت في كنف ام المؤمنين في لين ورفق ، وفيك غلظة ، ونحن نهابك ، وما نقدر أن نردك عن خلق من إخلاقك ، فكيف بها إن خالفتك في شيء فسطوتبها كنت قد خلفت أبا بكر في ولده بغير ما يحق عليك ) .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 34 _

   انظر إلى كلام عمرو بن العاص ومخططه الجديد ، وهو الداهية ، كيف أراد بتلك الكلمات الخفيفة أن يخلق شيئاً من الرقة المشوبة بالحس السياسي ليزجّها زجّاً في قساوة عمر بن الخطاب ، وأن يستبدل أمّ كلثوم بنت أبي بكر بأمّ كلثوم بنت عليّ ، لاَنّه لو حقّق ذلك لما خاف على بنت عليّ بن أبي طالب كما كان يخاف على بنت أبي بكر ، بل لو سطا عمر على أم كلثوم بنت عليّ لآذى علياً وكان في ذلك سرور أمثال : عمرو بن العاص و . . .
   ولا أدري كيف بعمرو بن العاص ، وعمر بن الخطّاب يخافان أن يخلفا أبا بكر في ولده بغير ما يحقّ عليهما ، ولا يخافان رسول الله في بنته وبنت بنته ؟ وعلى أي شيء يمكن حمل هذه السريرة ؟ وهل إنّ ذكر هذه النصوص والمواقف في كتب القوم تعدُّ ميزة لاَصحاب رسول الله ؟ بل كيف بأمِّ كلثوم بنت علي لو خالفت عمر بن الخطاب ، وقد وقفت على عدم إِطاقة أمثال عمرو بن العاص أن يردوا عمر عن خلق من أخلاقه ؟ ! .
   نعم إن عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة قد استغلا علاقة عمر بن الخطّاب السياسية بأبي بكر ، ونفذا من هذه النافذة إلى فكره وعقله ، كي يبعدا عمر عن هذا الزواج خوفاً من سطوته على أم كلثوم بنت أبي بكر ؟ .
   فقال له المغيرة : إلاّ أنّك يا أمير المؤمنين رجل شديد الخلق على أهلك ، وهذه صبية ، حديثة السن ، فلا تزال تنكر عليها الشيء فتضربها ، فتصيح ، فيغمك ذلك وتتالم له عائشة ، ويذكرون أبا بكر ، فيبكون عليه ، فتجدّد لهم المصيبة في كل يوم .
   وقد مر عليك كلام عمرو بن العاص : ولكنها حدثة ، نشأت تحت كنف أم المؤمنين في لين ورفق وفيك غلظة . . . ولما عاتب عمر بن الخطّاب عمراً بقوله : ( فكيف بعائشة وقد كلمتها ) .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 35 _

   قال ( عمرو بن العاص ) : أنا لك بها ، وأدلك على خير منها أم كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب . . . ) .
   فكلام عمرو بن العاص : ( أدلك على خير منها ) لم ياتِ اعتقاداً منه بكون أم كلثوم بنت عليّ هي خير من أم كلثوم بنت أبي بكر ، وإن كان ذلك من المسلّمات عند المسلمين لانها اقرب قرابة والصق رحماً برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، بل في كلامه إشارة إلى أن أم كلثوم بنت عليّ هي خير من بنت أبي بكر لتعهّد الخدمة في بيت عمر بن الخطّاب ، لاَنّه لو ضربها أو سطا بها لكان في ذلك سرور لمخالفي عليّ بن أبي طالب واعدائه أمثال : معاوية بن أبي سفيان ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، و . . . فعمرو بن العاص حينما اقترح على عمر بن الخطّاب بأن يأخذ أمّ كلثوم بنت عليّ كان يعلم بأنّها أرق وأوجب حقّاً من أم كلثوم بنت أبي بكر ، وهي لا يمكنها أن تتحمل ما لا يتحمله داهية مثل عمرو بن العاص لقوله :
   ( . . . وما نقدر أن نردك عن خلق من أخلاقك فكيف بها إن خالفتك في شيء فسطوت بها . . . ) .
  وبعد كل هذا فقد اتضح لك بأنّ هذا الاقتراح من عمرو بن العاص لم يأت عن حسن نية بل جاء عن سوء نية ؟ .
   نعم ، إنّ ابن العاص أطرّ حقده الدفين ضد عليّ وبنيه بإطار الناصح الامين إذ قال : ( أنا لك بها وأدلك على خير منها ) ، لكن هذا الاَمر لا ينطلي على المتدبر الحكيم ، بل إن الباحث المحقق ـ بل كل مطالع في النصوص ـ يعرف بأنّ عمرو بن العاص كان الموجّه والمنظر لعمر بن الخطاب للدخول إلى بيت وحرم عليّ بن أبي طالب ، أي أنّه رسم لعمر المنهج وأعطى له المبرر كي يصل إلى هذا الزواج ، وبذلك خدم سيده ونال من عدوه في آن واحد .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 36 _

  ونحن حينما قلنا قبل قليل بأنّ الجميع كانوا يهابون عمر بن الخطّاب ويخافون بطشه لا نعني بذلك عدم إمكان أن ينجو أحد من قراره ، فقد نجت أم أبان بنت عتبة .
  وأم كلثوم بنت أبي بكر ، وأم سلمة المخزومية (1) .
   والقوم من قريش الذين خطب منهم عمر بن الخطاب فردوه .
   لكنّ هذا الاَمر لا يمكن تصوّره واحتماله في مخالف سياسي لعمر بن الخطاب كعليّ بن أبي طالب ، وخصوصاً لمّا علمنا بأن أصول هذا المخطط رسمه عمرو بن العاص أو المغيرة بن شعبة وأمثالهما ممن يبغون من وراء مثل تلك المناورات هدفاً بل أهدافاً سياسية .
   نعم إن أم كلثوم بنت أبي بكر نجت ـ إن صحت نجاتها ـ من الزواج من عمر بمسعى عمرو بن العاص أو المغيرة بن شعبة ، مع قوفنا على خوف عائشة من عقبى مخالفة اختها لهذا الزواج ؛ لقولها لاَمّ كلثوم ( ترغبين عن أمير المؤمنين ! ! ) .
   هذا ومن الطبيعي أن لا تكون منزلة عليّ بن أبي طالب وفاطمة الزهراء عند عمر بن الخطّاب كمنزلة أبي بكر بن أبي قحافة وعائشة بنته ؟ ! وهذا هو الذي جعل الداهيتين ! ! يدعوان عمر بن الخطاب على الاِقدام على الزواج من بنت عليّ وأن يترك بنت أبي بكر .

---------------------------
(1) حيث أقدم عليها بعد وفاة زوجها عقيب غزوة أحد فردته ، انظر مسند أحمد 6 : 313 ، والسنن الكبرى للنسائي 3 : 286 ، وتاريخ بغداد 11 : 355 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 37 _

  ولو تدبرت في نصوص زواج عمر من أم كلثوم لرأيتها ذات مرامي سياسية أكثر من كونها ذات أبعاد اعتقادية أو عاطفية ؟ وأن عمر بن الخطاب لم يكن يبغي من زواجه من أم كلثوم النسب والقرابة والصهر من رسول الله بقدر ما كان يهدف في ذلك إلى اُمور أخرى .
  فلو كان عمر يريد القرابة حقاً وكان يعتبر نفسه الوحيد ( على ظهر الاَرض يرصد من حسن صحابتها ما لا يرصده أحد ) فهل يأتي حسن صحبته لها بالكشف عن ساقها ، أو ضمها إلى صدره ، أو تقبيلها ، أو . . .
  وهل أنّ أم كلثوم بنت عليّ كانت من الاِماء والوصائف اللواتي يُبتغى منهن غلظ السوق وصحة الاَبدان ليكُنّ أبلغ في المتعة وأقدر على الخدمة ؟ ! .
   أم أنها كانت كريمة بني هاشم وبنت رسول الله وعليّ الكرار وفاطمة البتول ، وهي الحرة الاَبية التي ادعى عمر أنّه يريد أن يتقرب بزواجه منها إلى الله ورسوله ! ! وهل حقاً أن عمر رصد بفعلته هذه ما لا يرصده أحد من الرجال ؟ !
   وما يعني كلامه آنف الذكر إذاً لو قسناه مع ما فعله معها حسب النصوص المارة ؟ ! وعلى أي شيء يدل ؟ ولو أحب عمر أن يحفظ رسول الله في ولده ، وأراد التزويج ببنت فاطمة وعليّ ، فهل يجوز له اختيار الزواج بهذه الصورة المشينة ؟ بل هل يصح تزيين عليّ بنته وإرسالها إلى رجل اجنبي طامع فيها .
   وعلى فرض أنّ عليّاً كان موافقاً على هذا الزواج ؛ فإن التزيين يأت مع لحاظ كونها مؤهلة للزواج وإن ذلك من شأن النساء لا الرجال ، ولذلك كلّف رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) النساء بتجهيز فاطمة الزهراء والاِصلاح من شأنها لعلي ( عليه السلام ) .
   وإذا كان عليٌّ غير راغب لا يرغب في تزويج ابنته لعمر ـ وفق النصوص ـ فهل يصح أن يزين ابنته ويرسلها إليه ؟ !
   وبنظرنا انّ عمر بن الخطّاب لو كان يريد القرابة ونيل شفاعة الرسول في الآخرة حقاً ، لما اقدم على زواجه من طفلة صغيرة لم تبلغ الحلم ، بهذا الشكل المزري ؟ .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 38 _

   لقد روى المسور بن مخرمة أنّ رسول الله قال : فاطمة شجنة مني يبسطنى ما بسطها يقبضني ما قبضها وأنه ينقطع يوم القيامة الاَنساب الاَسباب إلا سببى ونسبى (1) .
   ألا يكون في فعل عمر هذا ـ مع أم كلثوم ، ومواقفه الاَخرى من فاطمة ـ ما يقبض ويغضب الله ورسوله وفاطمة ؟ ؟
  وقد يكون في كلام الرسول الاَعظم ـ الذي سيأتي بعد قليل ـ تعريضا ـ إن لم يكن تصريحاً ـ به وبأمثاله الذين اساءوا إلى القربى والعترة وخانوا رسول الله : فعن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله يقول : ما بال رجال يقولون إنّ رحم رسول الله لا تنفع قومه ، بلى والله إنّها موصولة في الدنيا والآخرة ، وإنّي يا أيّها الناس فرطكم على الحوض ، فإذا جئتم قال رجل : يا رسول الله أنا فلان بن فلان ، وقال آخر : أنا فلان بن فلان ، فأقول : أما النسب فقد عرفته ولكنّكم أحدثتم بعدي وأرتددتم القهقرى ( رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح ) (2) .

---------------------------
(1) مسند أحمد 4 : 332 ، مستدرك على الصحيحين 3 : 158 فيه زيادة : وصهري ، جامع الصغير 2 : 208 ح 5834 ، السنن الكبرى للبيهقي 7 : 64 ، فضل آل البيت للمقريزي : 64 .
(2) مجمع الزوائد 10 : 364 ، مستدرك الحاكم 4 : 75 ، مسند أحمد 3 : 18مسند أبى يعلى 24 433 وغيرها .
  وفي المعجم الاوسط 5 : 203 ما بال أقوام يزعمون أن رحمي لا تنفع ، ليس كما زعموا ، أني لاشفع واشفع حتّى من اشفع له ليشفع فيشفع حتّى إن ابليس ليتطاول في الشفاعة والتوصية .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 39 _

  بل إلى أي مدى يمكن تصحيح ما قاله علماء مدرسة الاجتهاد والرأي وأنصار الخلفاء لتبرير فعلة عمر بن الخطاب ! ! من أنّه لم يقصد من تقبيله لها وضمّها إلى صدره أو كشفه عن ساقها الريبة والجنس . . ولاَنّها لم تكن في سن من يطمع فيها ، ولم تبلغ بعد ، والخليفة أجل وأكرم من هذا الفعل القبيح (1) .
  فلو صح ذلك ، فماذا نقول عما أدركته السيّده أم كلثوم من فعل وقصد عمر ، حين تعامله معها وهي المعنية بالاَمر ؟ وهل أن فهم اعلام أهل السنة والجماعة ـ وبعد ألف عام ـ هو الاَقرب إلى الصواب أم فهم السيّده أم كلثوم وهي المعنية بالاَمر ، والعارفة بلحن وقصد عمر بن الخطّاب في الخِطاب ؟ ! وعلى أي شيء يدل قولها لابيها ( أرسلتني إلى شيخ سوء ) .
  أو قولها لعمر نفسه : ( لو لم تكن أمير المؤمنين للطمت عينك ) .
   ألا تدل هذه الفقرات على أنّ الصبية البريئة ( أم كلثوم ) قد فهمت مطامع غريزية في نفس عمر بن الخطّاب حاول تبريرها وإلا غماض عنها والتعتيم عليها بعُيض الناس لاحقاً ؟

---------------------------
(1) قال ابن حجر 2 : 457 : وتقبيله وضمه لها على جهة الاِكرام ؛ لانها لصغرها لم تبلغ حداً يشتهى حتى يحرم ذلك ، ولولا صغرها لما بعث بها أبوها ، ( انظر ملحقات احقاق الحق 18 : 551 والصوارم المهرقه : 220 ) .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 40 _

  وهل تساءلت أخي القارىَ عن سن هذه الطفلة في ذلك التاريخ ؟ وهل كانت مما يطمع فيها أم لا ؟ فلو قبلنا بولادتها في آخر عهد رسول الله ، يكون عمرها حينما أرسلها الاِمام عليّ ـ حسب نص الطبري وغيره ـ في حدود السابعة من العمر ؟ أما لو قلنا بولادتها في السنة السادسة من الهجرة ، فيكون عمرها حين الزواج احدى عشرة سنة وهي مما يطمع فيها ويصح الزواج منها (1) .
   وبنظرنا ان كلا الفرضين يسيئان إلى الخليفة عمر بأضعاف ما يسيئان إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب .
  فلو قلنا ببلوغها وأن الاِمام عليّاً أرسلها بعد البلوغ ، فذلك مخالف للشرع الاَقدس ، فضلاً عن أنّ غيرة الانسان العربي تأبى أن يزين رجل ابنته ويرسلها إلى من يطمع فيها ، ثم يستمع بعد ذلك إلى نقل البنت وهي تحكي عن الرجل وأنه كشف عن ساقها وقبلها وضمها إلى صدره ، فألف ضربة على جسدٍ مسلم غيور كعلي بن أبي طالب أهون من القول بهذا الكلام المزري ، هذا أولاً .

---------------------------
(1) سير اعلام النبلاء 3 : 500 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 41 _

  وثانياً : ان تأكيد الاِمام علي ( عليه السلام ) على صغر سنها واستهجان الناس لهذا الزواج (1) . . . لمن قبل عمر خير دليل على عدم صحة كلام الذهبي ، لاَن الاِمام والناس في ذلك العصر هم أعرف ببلوغ أم كلثوم وصلاحيتها للزواج ، أم لا .
   أما لو قلنا بأنها كانت صبية (2) ـ حسبما قالته المصادر ـ فهي الاخرى لا تتفق ، لاَنّ التزيين ليست من مهام الرجال بل هي من مهمّة النساء فقط ، وهو يكون حسبما عرفت بعد حصول الموافقه على التزويج وبعد وقوع العقد لا مع الكراهية ، وقبل العقد ، على أنّها لو كانت صبية لا يُرغب في مثلها فلا معنى لتزيينها وإرسالها لمن يرغب في نكاحها مزينة ، ناهيك عن أنّ الكشف عن ساق الصبية يدل على انحطاط الطرف المقابل بلا ريب .
  فأسالك بالله هل تقبل نفسك مثل هذا التصرف ـ أي كشف الساق والتقبيل والضمّ إلى الصدر قبل العقد والزواج ـ من شيخ في السابعة والخمسين من عمره أو التاسعة والخمسين مع صبية في السابعة من العمر ( لم تبلغ بعد ) بهذا الشكل المزري ؟ وخصوصاً لو عرفنا بان هذا الرجل كانت له زوجة بل زوجات (3) وهو بمنزلة جدّ هذه الصبية .

---------------------------
(1) مناقب الاِمام علي لابن المغازلي : 110 ، وانظر تاريخ بغداد 6 : 182 كذلك .
(2) مر عليك كلام الاِمام علي ( أنها لم تبلغ ) أو ( لأنها صغيرة ) أو ( أنها صبية ) إلى غيرها من النصوص الدالة على صغرها .
(3) مثل زينب بنت مظعون الجمحية ، وأم حكيم بنت الحارث بن هشام المخزومية ، تزوجها بعد استشهاد خالد بن سعيد بن العاص بموقعة مرج الصفر ببلاد الشام وفاطمة بنت الوليد بن المغيرة تزوجها بعد وفاة زوجها بطاعون عمراس ، وجميلة بنت ثابت الاَنصارية ، هذا وقد ذكر عبد السلام بن محسن آل عيسى في كتابه ( دراسة نقدية لمرويات عمر ) 1 : 223 ـ 241 ، أسم 14 امرأة تزوجها عمر واسماء بعض اللواتي خطبهن .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 42 _

   لأن عمر بن الخطّاب هو أبو حفصة ، وحفصة هي زوجة رسول الله ، فيكون عمر بن الخطاب والِدُ زوجة جد هذه الصبية ، وهو رسول الله محمّد المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرينَ .
  فنحن لو قبلنا هذه النصوص وأردنا الاستدلال بها على التزويج للزمنا قبول تواليه الفاسدة ، وإن لم نقبلها فانتفى التزويج والاستدلال به .
   ولنا أن نتأمّل فيما نسب إلى الاِمام علي في تلك النصوص وقوله لاَم كلثوم : ( أنّه زوجكِ ) ألم يكن نسبة هذا القول إلى علي هو للازدراء به وتصحيح موقف عمر بن الخطّاب ، والوصول إلى الاَمرين معاً ؟
   فلو قبلنا شرعية النظر قبل الزواج ، فهل التقبيل والكشف عن الساق والضم إلى الصدر بريبة هو مما جوزه الشرع كذلك ؟
   نعم يمكن تصحيح جزء من ذلك لو تنزلنا وقلنا بصحة صدور خبر التزويج وثبوت رضى الإِمام عليّ بذلك ، لكن الاَمر لم يكن كذلك ، لأن النصوص تشير إلى عدم رضاه ورضى أهل بيته كعقيل (1) . . وبهذا الزواج .
  وعلى فرض صحة الخبر فإلاِمام أرسلها إليه ، لقناعته بأن عمر لو رآها بهذا السن والصغر لاشمأزَّ من اقتراحه وممن اقترح عليه التزويج بها ، ولما رضى بالتزويج بطفلة كأم كلثوم لم تبلغ الحلم بعد ؟ ولا أدري كيف تصدق صدور هذه النصوص على لسان الإِمام عليّ بن أبي طالب وهو المسلم الغيور والعربي الاَبي ؟ تصحيح مقولته : ( إنه زوجك ) ؟ بل يترد السؤال على خاطري بشكل آخر : كيف يمكن الجمع بين كراهة الاِمام عليّ في تزويجها لعمر وبين تزيينه لاَُم كلثوم وأرسالها له ؟ ؟ إنها من المتناقضات حقاً .

---------------------------
(1) مجمع الزوائد 4 : 271 عن المعجم الكبير للطبراني 3 : 44 وفيه قول عمر : ويح عقيل سفيه أحمق .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 43 _

   بل كيف يمكن تصديق هذا الاَمر ، وكلاهما في المدينة ، إذ كان يمكن لعمر أن يراها في طريقه إلى دار الامارة أو بالعكس ، ولو تصوّر أنّ هناك عسراً في مشاهدتها في بيت عليّ بن أبي طالب أو في طريقه إلى دار الامارة أو السوق ، فإنّه كان بإمكانه إرسال ابنته حفصة أو غيرها من امهات المؤمنين وسائر النساء للاِطلاع عليها ووصفها له ، وذلك هو الدأب الذي كان وما زال عليه المسلمون في الخطبة .
   وهل أن هذه النقاط تعتبر نقاط قوة في زواج عمر من أم كلثوم ، أم هي نقاط ضعف ؟
  أترك القارىء والسامع للحكم على النصوص بالوضع أو الكذب أو الصحة والسقم أو أي شيء آخر يرتضيه .
   وأنتقل به بعد ذاك إلى كلام المغيرة بن شعبة في مكة وكيفية تعريضه بالخليفة عمر ! وأنّه أراد بقوله إيقافنا وإيقاف الآخرين على حقائق كثيرة في هذا السياق ، وهي خافية لحد هذا اليوم على الكثير من الناس ، وقبل أن نأتي بكلامه نذكر خبره حينما كان أميراً على الكوفة من قبل عمر بن الخطاب ، كمقدمة لما نريد قوله : فقد كان المغيرة يخرج من دار الاِمارة نصف النهار ، وكان أبو بكرة يلقاه فيقول : أين يذهب الاَمير ؟ فيقول : في حاجة .
  فيقول : إنّ الاَمير يزار ولا يزور .
  قالوا : وكان يذهب إلى امراة يقال لها أم جميل بنت عمرو ، وزوجها الحجاج بن عتيك بن الحارث الجشمي ، .
   فبينما أبو بكرة في غرفة مع إخوته ـ وهم : نافع ، وزياد ، وشبل بن معبد ، والجميع أولاد سمية فهم أخوة لاَم ـ وكانت أم جميل المذكورة في غرفة اُخرى قبالة هذه الغرفة ، فضربت الريح باب غرفة أم جميل ففتحته ، ونظر القوم فإذا هم بالمغيرة مع المرأة على هيئة الجماع ، فقال أبو بكرة : هذه بلية قد ابتليتم بها فانظروا ، فنظروا حتّى أثبتوا .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 44 _

   فنزل أبو بكرة فجلس حتّى خرج عليه المغيرة من بيت المرأة فقال له : إنّه قد كان من أمرك ما قد علمت فاعتزلنا .
   قال : وذهب المغيرة ليصلي بالناس الظهر ، ومضى أبو بكرة فقال : لا والله لا تصلي بنا وقد فعلت ما فعلتَ ، فقال الناس : دعوه فليصل فإنّه الاَمير واكتبو بذلك إلى عمر .
   فكتبوا إليه فأمرهم أن يقدموا عليه جميعاً ، المغيرة والشهود ، فلما قدموا عليه جلس عمر فدعا بالشهود والمغيرة ، فتقدم أبو بكرة ، فقال له ( عمر ) : رأيته بين فخذيها ، قال : نعم ، والله لكاني أنظر إلى تشريم جدري بفخذيها ، فقال له المغيرة : قد الطفت في النظر .
   فقال أبو بكرة : لم آلُ أن أثبت ما يخزيك الله به ، فقال عمر : لا والله حتّى تشهد لقد رأيته يلج فيها ولوج المرود في المكحلة ، فقال : نعم ، أشهد على ذلك ، فقال : فأذهب عنك مغيرة ذهب ربعك .
   ثمّ دعا نافعاً ، فقال له : علام تشهد ؟ قال : على مثل شهادة أبي بكرة ، قال : لا ، حتّى تشهد أنّه ولج فيها ولوج الميل في المكحلة ، قال : نعم حتّى بلغ قذذه ـ وهي ريش السهم : قال له عمر : اذهب مغيرة فقد ذهب نصفك .
   ثمّ دعا الثالث فقال له : على ما تشهد ؟ فقال : على مثل شهادة صاحبي .
   فقال له عمر : اذهب عنك مغيرة ذهب ثلاثة أرباعك .
   ثمّ كتب إلى زياد وكان غائباً فقدم ، فلما رآه جلس له في المسجد واجتمع عنده رؤوس المهاجرين والاَنصار ، فلما رآه مقبلاً قال : إني أرى رجلاً لا يخزي الله على لسانه رجلاً من المهاجرين ، ثمّ إنّ عمر رفع رأسه إليه فقال : ما عندك يا سلح الحُباري ، فقيل : إنّ المغيرة قام إلى زياد فقال : لا مخبأَ لعطر بعد عروس .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 45 _

   فقال له المغيرة : يا زياد اذكر الله تعالى ، واذكر موقف يوم القيامة ، فإنّ الله تعالى وكتابه ورسوله وأمير المؤمنين قد حقنوا دمي ، إلاّ أن تتجاوز إلى ما لم تر مما رأيت ، فلا يحملنّك سوء منظر رأيتَهُ على أن تتجاوز إلى ما لم تر ، فوالله لو كنت بين بطني وبطنها لما رأيت أن يسلك ذكري فيها .
   قال : فدمعت عينا زياد واحمرَّ وجهه وقال : يا أمير المؤمنين أمّا أن أحقّ ما أَحقَّ القومُ فليس عندي ولكنيّ رأيت مجلساً ، وسمعت نفساً حثيثاً وانتهازاً ، ورايته مستبطنها .
   فقال عمر : رأيته يدخل كالميل في المكحلة.    قال : لا ، رأيته رافعاً رجليها ، فرأيت خصيته تتردد إلى بين فخذيها ، ورأيت حفزاً شديداً وسمعت نَفَساً عالياً .
   فقال عمر : رأيت يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة ؟ فقال : لا .
   فقال عمر : الله أكبر ، قم إليهم فأضربهم .
   فقام إلى أبي بكرة فضربه ثمانين ، وضرب الباقين ، وأعجبه قول زياد ، ودرأ الحد عن المغيرة .
   فقال أبو بكرة بعد أن ضُرِبَ : أشهد أنّ المغيرة فَعَلَ كذا وكذا ، فهمَّ عمر أن يضربه حدّاً ثانياً ، فقال له عليّ بن أبي طالب : إن ضربته فارجم صاحبك ، فتركه ، واستتاب عمر أبا بكرة فقال إنما تستتيبني لتقبل شهادتي ؟ فقال : أجل .
   فقال : لا أشهد بين اثنين ما بقيت في الدنيا ، فلمّا ضُربوا الحدَّ قال المغيرة : الله أكبر ، الحمدُ لله الذي أخزاكم ، فقال عمر : بل أخزى الله مكاناً رأوك فيه .
   وذكر عمر بن شبة في كتاب أخبار البصرة : أن أبا بكرة لما جُلِد ، أمرت أُمُّه بشاة فذبحت وجعلت جلدها على ظهره ، فكان يقال : إنّ ذاك إلا من ضرب شديد .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 46 _

   وحكى عبدالرحمن ابن أبي بكرة : أنّ أباه حلف أن لا يكلّم زياداً ما عاش ، فلمّا مات أبو بكرة كان قد أوصى أن لا يصلي عليه زياد ، وأن يصلّي عليه أبو برزة الاسلمي ، وكان النبيّ آخى بينهما ، وبلغ ذلك زياداً ، فخرج إلى الكوفة وحفظ المغيرة بن شعبة ذلك لزياد وشكره ، ثمّ إن أمّ جميل وافقت عمر بن الخطاب بالموسم ، والمغيرة هناك ، فقال له عمر ( معرّضاً به ) : أتعرف هذه المرأة يا مغيرة ؟ .
   قال : نعم ، هذه أم كلثوم بنت عليّ ( معرّضاً بعمر لتفكيره بها وإصراره على الزواج منها ) .
   فقال عمر : أتتجاهل عَلَيَّ ؟ والله ما أظنّ أبا بكرة كذب عليك ، وما رأيتكَ إلاّ خفت أن أُرمى بحجارة من السماء (1) .
   وهذا النص يرشدنا إلى أمور كثيرة ، منها مكان وتاريخ هذه المقولة ـ في مكة أيام موسم الحج ـ وقد تكون قبل الزواج المدعى لعمر من أم كلثوم ، وسواء كان هذا الكلام من المغيرة قبل التزويج أم بعده ، ففيه تعريض بعمر بن الخطاب والاِمام عليّ بن أبي طالب معاً ، لاَنّ تشبيه أمّ كلثوم بنت عليّ بأم جميل الفاحشة ! فيه ما لا يخفى من الانتقاص لاَمير المؤمنين كما أن في كلامه أكبر التعريض بعمر بن الخطاب ، لاَنّ المشاجرة كانت بين عمر بن الخطاب والمغيرة بن شعبة .
   فلمّا عرّض عمر بالمغيرة أراد المغيرة أن يجيبه بأنك لم تكن بأقل مني في مثل هذه الاَمور ، لتفكيرك الدائم في أم كلثوم بنت عليّ مع أنّها صغيرة وبمنزلة حفيدتك ، فإنّ إصرارك الزائد على التزويج بها يشكك الجميع في حسن نواياك ومقاصدك التي تدعيها ، لاَنك لو أردت التزويج بها فإنّ ذلك سوف لن يكون إلاّ بالقوة والاِكراه ، خصوصاً حينما كان غطاؤك ودعواك هو الحصول على القربى .

---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد 12 : 238 ، وفيات الاعيان 6 : 364 ـ 367 والمتن من عنده ، وهو أيضاً في الايضاح لأبن شاذان : 552 ، والصراط المستقيم 3 : 248 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 47 _

  فلو كنت محّقاً فيما تدعيه لكان عليك أن تحقّقه بالعقد فقط دون الدخول والايلاد ، وأن تكتفي بسببيتك من خلال ابنتك حفصة لرسول الله إذ بذلك حُزت السبب والصلة معاً .
  كانت هذه قراءة سريعة لما في كتب أهل السنة والجماعة ، وهي ترجع الاَمر إلى طلب عمر الجنس بدعوى القربى وان كان ورائها أمور سياسية اخرى ، وهي إن صحت تسجل ظلامة أخرى لاهل البيت تضاف إلى قائمة ظلامات الظالمين ، فلو أراد الباحث دراسة مسألة الزواج من أم كلثوم كان عليه دراسة ظروف هذا الزواج وملابساته ، اذ أن فتح هذا الملف سيكلف الخليفة وانصاره الكثير حيث وقفت على بعض اهدافه ، وقد تكون هناك أهداف سياسية اخرى سيقف عليها المطالع في مطاوي كلمات الشيعة .
   والآن مع مجمل ما تقوله الشيعة الاِمامية بهذا الصدد ، حيث إنّ الذي ذهب منهم إلى وقوع الزواج علل وقوعه بأنه كان عن جبر وإكراه لا عن طيب خاطر ، واستدل على كلامه بأدلة : منها ما رواه أبو القاسم الكوفي : أن عمر بعث العباس إلى عليّ يسأله أن يزوّجه بأم كلثوم ، فأمتنع .
   فأخبره بامتناعه فقال : أيأنف من تزويجي ؟ ، والله ، لئن لم يزوّجني لأَقتلنّه .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 48 _

  فأعلم العباس عليّاً ( عليه السلام ) بذلك ، فأقام على الامتناع ، فأعلم عمر بذلك ، فقال عمر : احضَرْ في يوم الجمعة في المسجد ، وكن قريباً من المنبر لتسمع ما يجري ، فتعلم أنّي قادر على قتله إن أردت .
  فحضر ، فقال عمر للناس : إن ههنا رجلاً من أصحاب محمّد وقد زنى ، وقد اطّلع عليه أمير المؤمنين وحده ، فما أنتم قائلون ؟
  فقال الناس من كل جانب : إذا كان أمير المؤمنين اطّلع عليه فما الحاجة إلى أن يطّلع عليه غيره ؟ ! ليمض في حكم الله ، فلما انصرف عمر قال للعباس : امض إلى على فأعلمه بما قد سمعته فوالله ، لئن لم يفعل لأَفعلن ، فأعلم العباس عليّاً بذلك .
   فقال ( عليه السلام ) : أنا أعلم أن ذلك مما يهون عليه ، وما كُنتُ بالذي يفعل ما يلتمسه أبداً . . فأقسم عليه العباس أن يجعل أمرها إليه ، ومضى العباس إلى عمر فزوّجه إياها (1) .
   وقد ورد في نص آخر : أنّه أمر الزبير أن يضع درعه على سطح عليّ ، فوضعه بالرمح ، ليرميه بالسرقة (2) .

---------------------------
(1) انظر الاِستغاثة : 78 والصراط المستقيم 3 : 130 ، شرح الاَخبار 2 : 507 .
(2) الصراط المستقيم 3 : 130 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 49 _

   وقال في أعلام الورى : قال أصحابنا : إنما زوّجها منه بعد مدافعة كثيرة ، وامتناع شديد ، واعتلال عليه بشيء بعد شيء حتّى لجأته الضرورة إلى أن ردّ أمرها إلى العباس بن عبدالمطلب ، فزوجها إياه (1) .
   وعن كتاب الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : لما خطب عمر إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال له ( عليه السلام ) : إنّها صبية .
   قال فأتى العباس فقال : ما لي ؟ أبي بأس ؟ ! فقال له : وما ذاك ؟ قال خطبتُ إلى ابن أخيك فردَّني . . .
   وفي نص المرتضى : فدافعني ومانعني وأنف من مصاهرتي ، والله لاَعوّرن زمزم ، ولأَهدمن السقاية ، ولا تركت لكم يابني هاشم منقبة ِلا وهدمتها ، ولاَقيمن عليه ولاَقيمن عليه شهوداً يشهدون عليه بالسرق وأحكم عليه بقطعه ، فأتاه العباس فأخبره ، وسأله أن يجعل الاَمر إليه ، فجعله إليه (2) .
   وعن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، وحمّاد ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في تزويج أم كلثوم ، فقال : إنّ ذلك فرج غصبناه (3) .
  كانت هذه بعض النصوص التي استدل بها من ادّعى وقوع الزواج من أم كلثوم ، لكن في إطار الجبر والاِكراه وعن تقيّة لا غيره والآن مع .

البحث الفقهي
   ذكرنا قبل قليل بأن أهل السنة ذهبوا إلى وقوع الزواج من أم كلثوم مستدلين بنصوص من التاريخ وفروع من الفقه ، وقد ناقشنا بعض النصوص التاريخية منها وإليك الآن بعض الفروع الفقهية :

---------------------------
(1) أعلام الورى 1 : 397 وعنه في بحار الاَنوار 42 : 93 .
(2) النوادر لاَحمد عيسى الاشعري : 130 ، الكافي 5 : 346 ، الوسائل 20 : 561 ، مرآة العقول 20 : 44 و 45 ، رسائل المرتضى المجموعة الثالثة : 149 .
(3) الكافي 5 : 346 ، وعنه فى الوسائل 20 : 561 ح 26349 ، بحار الاَنوار 42 : 106 وراجع الاستغاثة : 78 عن عبد الله بن سنان .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 50 _

1 ـ كيفية الصلاة على جنازة امرأة وطفل :
  قال الزيلعي في نصب الراية : اخرج أبو داود والنسائي عن عمار بن أبي عمار ، قال : شهدت جنازة أم كلثوم ، وأبنها ، فجعل الغلام ممايلي الإِمام ، فأنكرت ذلك ، وفي القوم ابن عباس ، وأبو سعيد ، وأبو قتادة ، وأبو هريرة فقالوا : هذه السنة ، قال النووي رحمه الله : وسندهُ صحيح ، وفي رواية البيهقي : وكان في القوم الحسن ، والحسين ، وأبو هريرة ، وابن عمر ، ونحوً من ثمانين من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (1) .
   قال النووي ـ شرحاً لكلام صاحب المهذب : والسنة أن يقف الاِمام فيها عند رأس الرجل وعند عجيزة المرأة . . . ـ : وروى عمار بن أبي عمار أنّ زيد بن عمر بن الخطاب وأمه أم كلثوم بنت علي عنهم ماتا ، فصلى عليهما سعيد بن العاص فجعل زيداً مما يليه وأمه مماتلي القبلة وفي القوم الحسن والحسين و . . . (2) وفي سنن أبي داود عن عمار مولى الحارث بن نوفل انه شهد جنازة أم كلثوم وابنها ، فجعل الغلام ممايلي الاِمام ، فأنكرت ذلك ، وفي القوم ابن عباس وأبو سعيد الخدري وأبو قتادة وأبو هريرة فقالوا : هذه السنة (3) .
   وفي سنن النسائي عن نافع قريب من ذلك (4) .

---------------------------
(1) نصب الراية 2 : 317 .
(2) المجموع 5 : 224 .
(3) سنن أبي داود 2 : 77 باب 56 ح 3193 ، مسند ابن الجعد 1 : 98 ، 114 ، وأخرجه ابن أبي شبة في مصنفه 3 : 197 عن عمار مولى بني هاشم في الباب ، 104 ، في جناظز الرجال والنساط الحديث ، 8 .
(4) سنن النسائي 4 : 71 ، السنن الكبرى للنسائي 1 : 641 ح 2105 ، السنن الكبرى 4 : 33 ، المصنف لعبدالرزاق 3 : 465 ح 6337 ، المنتقى من السنن المسندة لابن الجارود : 142 ح 545 ، سنن الدار قطني 2 : 66 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 51 _

2 ـ التكبير على الجنازة :
  روى البيهقي بسنده عن الشعبي قال : صلى ابن عمر على زيد بن عمر وامه أم كلثوم بنت علي فجعل الرجل مما يلي الاِمام والمرأة من خلفه ، فصلى عليهما أربعاً ، وخلفه ابن الحنفية والحسين بن علي وابن عباس . . . (1) وعن عامر قال : مات زيد بن عمر وأم كلثوم بنت علي فصلى عليهما ابن عمر فجعل زيداً ممايليه وأم كلثوم ممايلي القبلة ، وكبر عليهما اربعاً .
  وفي آخر : عن ابن عمر أنّه صلى على أم كلثوم بنت علي وابنها زيد وجعله مما يليه ، وأمه مما يلي القبلة ، وكبر عليهما أربعاً (2) .

3 ـ ميراث الغرقى :
   ذكر الترمذي في باب ميراث الغرقى عن نعيم بن خالد ، عن عبدالعزيز بن محمد ، حدثنا جعفر ، عن أبيه : أنّ أم كلثوم وابنها زيداً ماتا في يوم واحد ، فألتقت الصائحتان في الطريق فلم يرث كل واحد منهما من صاحبه . . . (3) .

---------------------------
(1) السنن الكبرى 4 : 38 ، تاريخ دمشق 19 : 492 ، الاِصابة 8 : 466 ت 12237 .
(2) انظر الطبقات الكبرى لأبن سعد 8 : 464 .
(3) سنن الدارمي 2 : 379 ، ومثله في المستدرك على الصحيحين 4 : 346 ، السنن الكبرى للبيهقي 6 : 222 ، سنن الدارقطني 4 : 40 ، 45 من كتاب الفرائض والسير بسنديه عن عبد الله بن عمر بن حفص وجعفر بن محمد عن أبيه .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 52 _

4 ـ عدة المتوفّى عنها زوجها :
   عن أبي حنيفة ، عن حماد ، عن إبراهيم أنّه قال : إنما نقل علي ( عليه السلام ) أم كلثوم حين قتل عمر لاَنّها كانت مع عمر في دار الاِمارة (1) .
   وعن الشعبي قال : نقل علي ( عليه السلام ) أم كلثوم بعد قتل عمر بن الخطاب بسبع ليال ، ورواه سفيان الثوري في جامعه وقال : لاَنّها كانت في دار الاِمارة (2) .

5 ـ الوكالة في التزويج :
   روى الطبراني في الاَوسط بسنده عن الحسن بن الحسن بن علي : أنّ عمر بن الخطاب خطب إلى علي أم كلثوم ، فقال إنها تصغر عن ذاك ، فقال عمر : إنّي سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي فأحببت أن يكون لي من رسول الله سبب ونسب ، فقال علي للحسن والحسين : زوّجا عمَّكما .

---------------------------
(1) الاثار لاَبي يوسف 1 : 143. وانظر مصنف ابن أبي شيبة 4 : 133 عن الحكم ومصنف عبدالرزاق 7 : 30 رواه بسند آخر عن معمر عن أيوب او غيره أن علياً . . . . ومثله في النوادر : 186 ، عن جعفر عن أبيه .
(2) الأم 7 : 182 ، السنن الكبرى للبيهقي 7 : 436 والنص منه ، مصنف ابن ابي شيبة 4 : 133 ، الباب 175 ، ح 5 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 53 _

  فقالا : هي امرأة من النساء تختار لنفسها .
   فقام عليٌّ وهو مغضب ، فأمسك الحسن بثوبه وقال : لا صبر على هجرانك يا ابتاه .
   لم يرو هذا الحديث عن ابن جريج إلاّ روح بن عبادة ، تفرد به سفيان عن وكيع (1) .
   وهناك مسائل أخرى في الشريعة ، كجمع الرجل بين زوجة الرجل وبنته (2) ؟ والهدية (3) والصداق (4) وغيرها سنتعرض إليها ضمن بياننا لهذه الاَمور الخمسة إن شاء الله تعالى .

---------------------------
(1) الاَوسط 6 : 357 ، وعنه في مجمع الزوائد 4 : 272 ، السنن الكبرى 7 : 64 .
(2) مرت مصادره في القول الخامس قبل قليل .
(3) صحيح البخاري 3 : 222 | كتاب الجهاد والسير ـ باب حمل النساء القرب إلى الناس في الغزو ، وكذا في كتاب المغازي 5 : 36 باب ذكر أم سليط ، كنز العمال 13 : 623 ، شرح النهج 12 : 76 .
(4) سنذكر مصادر الصداق لاحقاً .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 54 _

أخبار في كتب الشيعة :
  ونبحث فيه عن بعض الفروع الفقهية التي دخلت في المصادر الحديثية الشيعية ثم منها إلى الفقه .

1 ـ صلاة الجنائز وكيفية التكبير على الميت :
  قال الشيخ الطوسي في الخلاف : ( مسأله 541 : إذا اجتمع جنازة رجل وصبيّ وخنثى وامرأة ، وكان الصبيّ ممّن يُصلّى عليه ، قدمت المرأة إلى القبلة ، ثمّ الخنثى ، ثمّ الصبي ، إلى أن يقول : . . . . دليلنا : اجماع الفرقة وأخبارهم ، وروى عمار بن ياسر قال : أُخرجت جنازة أم كلثومبنت عليّ ( عليه السلام ) وأبنها زيد بن عمر ، وفي الجنازة الحسن والحسين ( عليهما السلام ) ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وأبو هريرة ، فوضعوا جنازة الغلام مما يلي الاِمام والمرأة وراءَهُ وقالوا : هذا هو السنة ) (1) .
   وقد استدل بعض علماء أهل السنة بهذه المسألة وما يليها ـ إلزاماً لنا ـ للدلالة على وقوع التزويج من أم كلثوم ، ولنا فيه مسائل :

---------------------------
(1) الخلاف 1 : 722 ، كتاب الجنائز مسألة : 541 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 55 _

الاَولى : إنّ ما رواه الشيخ عن عمار بن ياسر ، مرسل إذ ليس له طريق إليه ، وبتتبعنا في كتب الحديث عند الشيعة والعامة لم نحصل على خبر يروى بهذا المضمون عن عمار بن ياسر إلاّ ما حكاه الشيخ في هذه المسألة .
   بل كل ما في الاَمر هو وجودها عند العامة عن عمار بن أبي عمار ؟ فنتساءل : هل هذا هو عمار بن ياسر أم غيره ؟ وهذا ما نوضحه لك بعد قليل .
  بل كيف يكون المعني به عمار بن ياسر ، ذلك الصحابي الجليل الملازم عليّاً ، إذ لو كان ذلك لاحتمل أن يكون الاِمام عليّ حاضراً جنازة ابنته أم كلثوم كذلك ؟ لكنا نرى الخبر يقول ( في الجنازة الحسن والحسين ) وليس فيه ذكر الاِمام عليّ ، مع العلم بأنّ عمار بن ياسر كان قد استشهد تحت لواء عليّ بن أبي طالب في صفين ، فلا يعقل أن يروي واقعة قد حدثت في خلافة بعض بني أمية ؟ .
   ان الخبر آنف الذكر يخالف ما نقل عن زواج عبدالله بن جعفر من أم كلثوم بعد زينب بنت علي ، لأن النص يقول في زوجته زينب : ( فماتت عنده ) ومن المعلوم أن وفاة السيده زينب كان إما في سنة .

---------------------------
(1) السنن الكبرى للبيهقي 7 : 70 و 71 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 56 _

الثانية : (1) أو 56 (2) أو 76 (3) في حين أنّ خبر الصلاة على أم كلثوم كان قبل السنة الرابعة والخمسين من الهجرة يقيناً (4) .
الثالثة : من الثابت المعلوم أن الشيخ الطوسي أتى بهذا الخبر في كتابه ( الخلاف ) استشهاداً والزاماً للآخرين لا استدلالاً به ، لاَنّه كان قد قال ـ بعد ذكره للمسألة ـ : ( دليلنا اجماع الفرقة وأخبارهم ، وروى عمار بن ياسر قال : أخرجت . . . ) .
   وهذا يفهم بأن دليل الشيخ كان إجماع الطائفة وأخبارهم الواردة عن الحلبي (5) زاً وابن بكير (6) وعمارالساباطي (7) و . . . لا خبر عمار بن ياسر حتّى يرد الاِشكال .
   مضافاً إلى ذلك أنّا نعلم أن الكتب الفقهية عند الشيعة الاِمامية كتبت على نحوين .

---------------------------
(1) وفاة زينب الكبرى للشيخ جعفر النقدي : 142 .
(2) معالي السبطين : 689 ، مع بطلة كربلاء لمغنية : 90 ، أعلام النساء 1 : 508 .
(3) نزهة الانام في محاسن الشام 2 : 347 و 381 للبدري ، وشرح نهج البلاغة لأبن ميثم كما في معالي السبطين للحائري : 690 .
(4) للمزيد انظر اعيان الشيعة 13 : 12 .
(5) تهذيب الاحكام 3 : 323 ح 10006 و 10008 ، الاستبصار 1 : 471 ح 1823 و 1825 .
(6) الكافي 3 : 175 ح 5 ، تهذيب الاحكام 3 : 323 ح 10007 ، الاستبصار 1 : 472 ح 1824 .
(7) الكافي 3 : 174 ح 2 ، تهذيب الاحكام 3 : 322 ح 1004 ، الاستبصار 1 : 472 ح 1827 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 57 _

   أوّلهما : وفق الاَصول الحديثية والرجالية الشيعية ، فلا يُتعرّضُ فيها إلى آراء المذاهب الاَخرى .
   وثانيهما : بملاحظة آراء أهل السنة والجماعة مع ما للشيعة من أدلة ، وهذا ما يسمى بالفقه المقارن أو فقه الخلاف .
   فكتاب الشيخ الطوسي ( الخلاف ) هو من القسم الثاني ، إذ لم نره يذكر خبر عمار بن ياسر في كتابه المبسوط أو النهاية أو التهذيب أو غيرها من كتبه الفقهية الحديثية الفتوائية ، بل ذكرهُ في كتابه ( الخلاف ) وهو المعني بفقه الخلاف ، وهذا يؤكد بأنّه جاء بهذا الخبر إلزاماً للآخرين أو استشهاد به على ما ذهب إليه .
   وعليه فدليل الشيخ في هذه المسألة هو إجماع الفرقة المحقّة ، والأَخبار الواردة عن أهل بيت النبوة والتي وردت في صحاح أخبارهم ( عليهم السلام ) لا ما ذكره عن عمار . . . ! !
   الرابعة : إنّ عماراً هذا ليس بأبن ياسر ، بل هو عمار بن أبي عمار مولى بني هاشم ، وفي بعض النصوص مولى الحارث بن نوفل ، وعمار بن أبي عمار تابعي وليس بصحابي ، وقد روى عن أبي هريرة وابن عباس ، وخرّج له أبو داود في سننه (1) والبيهقي (2) وغيرهم .

---------------------------
(1) سنن ابي داود 2 : 77 ح 3193 وفيه عمار مولى الحرث بن نوفل .
(2) السنن الكبرى 4 : 33 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 58 _

  وعليه ، فإنّ الشيخ الطوسي ذكر خبر عمار في الخلاف بعد ذكره دليل الشيعة وذلك للاستشهاد به لا الاستدلال .
   وبنظري أنّ الخطأ والتصحيف الواقع في كتاب ( الخلاف ) جاء من قِبَل النساخ وقَبْلَ العلاّمة الحلي ، إذ لا يعقل أن لا يعرف الشيخ الطوسي ، وهو الإِمام الرجالي المحدّث أنّ عمار بن ياسر قد استشهد في صفين وأنّه لا يُعقل أن يُحدث بأمر وقع في خلافة بعض بني أمية ؟ !
   نعم إن أول من توجه إلى أنّ عماراً هذا ليس بابن ياسر هو العلاّمة الحلي ( ت 726 هـ ) في كتابه منتهى المطلب ، وهو من كتب فقه الخلاف .
   فقد قال العلاّمة الحلّي في ( مختلف الشيعة ) ـ والذي يختص بنقل أقوال علماء الشيعة الاِمامية ـ : ( . . . واحتجّ الشيخ في الخلاف بالاِجماع ، وبما روى عمار بن ياسر ، قال : أخرجت جنازة أم كلثوم . . . ) (1) وقال في ( منتهى المطلب ) : ( . . . لنا : ما رواه الجمهور عن عمار بن أبي عمار قال : شهدت جنازة أم كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) وابنها زيد بن عمر ، فوضع الغلام بين يدي الاِمام ، والمرأة خلفه ، وفي الجماعة الحسن والحسين ( عليهما السلام ) وابن عباس وابن عمر وثمانون نفساً من الصحابة .

---------------------------
(1) مختلف الشيعة للعلاّمة الحلّي 2 : 315 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 59 _

  فقلت : ما هذا ؟ فقالوا : هذه السنة ، ومن طريق الخاصة : ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما قال . . . ) (1) وقال في ( تذكرة الفقهاء ) ، وعند ذكره بعض الفروع : ب | لو اجتمع الرجال والنساء ، قال أصحابنا : يجعل رأس المرأة عند وسط الرجل ليقف الإِمام موضع الفضيلة فيهما ، وكذا لو اجتمع . . . ـ إلى ان يقول ـ :
   وفي اخرى : ( يستوي بين رؤوسهم كلّهم ، لاَنّ أم كلثوم بنت عليّ ( عليه السلام ) وزيداً ابنها توفّيا معاً فأخرجت جنازتهما فصلى عليهما أمير المدينة فسوى بين رؤوسهما وارجلهما ، ولا حجة في فعل غير النبي والإِمام ( عليه السلام ) (2) .
   وأنت ترى نباهة العلاّمة الحلّي وعدم تخطيه عن منهجه في كتابيه ، فإنّه حينما يذكر الخبر في ( مختلف الشيعة ) ـ وهو المعنى بفقه الإِمامية واختلاف أعلام الطائفة فيه ـ ، يذكر خبر الخلاف عن عمار بن ياسر أمانة منه في النقل ، لكنه حينما يقارن المسألة مع كتب هل السنة نراه يشير إلى أن المحكيّ عن عمار بن ياسر مرويٌ في كتب الجمهور عن عمار بن أبي عمار التابعي مولى بني هاشم ، لا ابن ياسر الصحابي .

---------------------------
(1) منتهى المطلب للعلاّمة الحلي 7 : 357 .
(2) تذكرة الفقهاء ، للعلاّمة الحلّي 2 : 66 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 60 _

  وهذا يرشدنا إلى ضرورة الاعتناء بفقه الخلاف ودراسته في الحوزات العلمية لكي نضيف إلى فقهنا ما يؤيدنا من فقه العامة ؛ نأتي به استشهاداً لا استدلالاً ، وهو يعمق استدلالنا وحجّتنا ، لاَنّ كثيراً من الفروع الفقهية لو قيست مع أمثالها في كتب العامة لعُرفت من خلالها أمورٌ كثيرة خافية علينا اليوم ، لاَنّ فقهنا مهيمن وناظر على فقه العامة الذي تأثر بالسلطة والسياسة . . . بشكل كثير .
   إذاً دراسة الاَفكار والعقائد والآراء المطروحة في زمن صدور النص له الارتباط الكامل في فهم المسائل المختلف فيها عند المسلمين اليوم .
   وعليه ، فلا يمكن للخصم أن يستدلّ علينا بورود خبر عمار بن ياسر ، وأمثاله في ( مسالك الاَفهام ) أو ( مجمع الفائدة والبرهان ) أو ( جواهر الكلام ) وغيرها مثلاً ، لكونها مأخوذة من كتاب الخلاف ، وقد عرفت كيفية دخول هذا الخبر إلى التراث الشيعي .