2 ـ وقفة مع خبر عمار :
   إنّ هناك عللاً خفية في ـ خبر عمار بن ياسر = عمار بن أبي عمار ـ في محكي الخلاف ومرويّ العامّة يجب الاِشارة إلى بعضها :
  أحدها : الاختلاف في زيد بن عمر، وهل أنّه مات غلاماً أم رجلاً ؟ وهل هناك فرق بينهما في الاستدلال ؟ ثم هل أنّه وأُمّه ماتا في يوم واحد أم على التعاقب ؟
 الثاني : ما المراد من قول عمار بن أبي عمار ( قالوا إنها السنة ) ؟ هل يعني بكلامه لزوم جعل المرأة قبلة الغلام والغلام قبلة الاِمام ؟ أو أرادوا شيئاً آخر ؟ وكيف كان التكبير في خبره ؟ ولماذا لم يذكره ؟ هل كان التكبير على الميت أربعاً كما صلاها ابن عمر عليهما ؟ أم خمساً كما عليه إجماع أهل البيت ؟ وما هو حكم الصلاة على المرأة ، هل السنة في أن يكون الاِمام عند رأسها ـ كما تقوله الشيعة (1) ـ ؟ أم عند وسطها أو عجيزتها ـ كما تقوله العامة (2) ـ ؟
  وهل السنة هي التسوية في الجنائز أم التدرج فيها ؟ بل من هو الاحق بالصلاة على الميت ، هل السنة أن يصلي عليها الاِمام ؟ أم أولياء الميت ؟ إلى غيرها من الفروع الفقهية التي يمكن أن تبحث ضمن هذه المسالة .

---------------------------
(1) انظر في ذلك وسائل الشيعة 3 : 618 الباب 27 .
(2) صحيح البخاري 2 : 91 كتاب الجنائز باب اين يقوم من المرأة والرجل وسنن الترمذي 2 : 249 ابواب الجنائز باب 44 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 62 _

   جاء في مختصر تاريخ دمشق : . . . كانت في زيد وأمه سنّتان : ماتا في ساعة واحدة لم يعرف أيّهمامات قبل الآخر فلم يورث كلّ واحد منهما من صاحبه ، ووضعا معاً في موضع الجنائز ، فأخّرت أمّه وقدّم هو مما يلي الاِمام ، فجرت السنة في الرجل والمرأة بذلك بعد (1) .
  أما الكلام عن الاَمر الاول : وهل أنّ زيداً مات رجلاً أم غلاماً ؟
   فقد عرّف الخليل في العين (2) والصاحب بن عباد في المحيط (3) وابن سيده في المحكم (4) والازهري في التهذيب (4) : الغلام بـ ( الطارّ الشارب ) .
   وفي المصباح المنير للفيومي :
   الغلام : الابن الصغير ، ويطلق على الرجل مجازاً باسم ما كان عليه ، كما يقال للصغير : ( شيخ ) ، مجازاً باسم ما يؤول إليه ، وقال الاَزهري : وسمعت العرب تقول للمولود حين يولد ذكراً : ( غلام ) ، وسمعتهم يقولون للكهل ( غلام ) وهو فاشٍ في كلامهم (6) .
   فالغلام حقيقة هو للأبن الصغير ، وقد يطلق على الشيخ مجازاً بأسم ما يؤول إليه حسبما عرفت ، والآن نتساءل عن زيد بن عمر ، هل مات صغيراً أم رجلاً ؟ فإن قيل بموته صغيراً ، فإنه سينافي ما دل على أنّه مات رجلاً ؟

---------------------------
(1) تاريخ دمشق 19 : 488 ـ 489 .
(2) العين ، للخليل 4 : 422 مادة : غلم .
(3) المحيط في اللغة 5 : 88 .
(4) لسان العرب 12 : 440 عن المحكم .
(5) تهذيب اللغة 8 : 141 .
(6) المصباح المنير : 452 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 63 _

   ولو قلنا بأنّه مات رجلاً ، فيعارض كونه مات صبيّاً طفلاً صغيراً ؟ وإليك بعض الكلام في أنّه مات رجلاً .
  ذكر ابن حبيب ( ت 245 ) في المنمق عند بيانه ( حروب بني عدي بن كعب بن لؤي في الاِسلام ) (1) دور زيد بن عمر في حل هذا النزاع ، وأنّه قد مات على أثر شجة أصابته في ظلمة الليل .
   وفي أسد الغابة : توفي زيد في حرب ، وقد خرج ليصلح بينهم ، وقد عاش أياماً ثم مات (2) وقد رثاه عبدالله بن عامر شعراً (3) .
   وفي سير أعلام النبلاء : كان ( زيد ) من سادة أشراف قريش توفّي شاباً ولم يعقّب ، وأضاف الذهبي : وكان ذلك في أوائل دولة معاوية (4) .
   وقال الزبير بن بكار : ضرب في حرب كانت بين عدي في خلافة بعض بني أمية فصرع وحمل فمات (5) .

---------------------------
(1) المنمق : 309 ـ 310 .
(2) اسد الغابة 5 : 615 ، الاِصابة 8 : 465 ، ت 12267 .
(3) أسد الغابة 3 : 190 .
(4) سير اعلام النبلاء 3 : 502 .
(5) المغني 2 : 421 ، الشرح الكبير 2 : 345 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 64 _

   وصرحت بعض المصادر بأنّه كان متزوجاً وله اولاد ، ففي هامش تاريخ دمشق قال الزبير : وأما زيد بن عمر فكان له ولد فانقرضوا (1) .
   وقال محمد بن سعد في تسمية أولاد عمر بن الخطاب : ( وزيد الاَكبر لا بقية له ) (2) .
   وقد عُدّ زيد بن عمر من العلماء ، مع ابن عباس بعد معاذ بن جبل وعبدالله بن مسعود وأبي الدرداء وسلمان (3) .
   ولمعاوية حكاية طويلة مع زيد بن عمر تؤكّد على أنّه كان رجلاً يمكنه أن يعترض ويردّ معاوية (4) .
   وقد ذكر ابن معين في تاريخه أسماء عدة أشخاص كانوا أبناء لزيد بن عمر كعبد الرحمن ومحمد ، كل هذه النصوص توضح لنا بأن زيداً لم يكن صغيراً كما صوّرته نصوص أخرى ، بل كان رجلاً له مكانته عند التابعين حتّى كانوا يعدّونه من العلماء مع ابن عباس بعد معاذ بن جبل وعبدالله بن مسعود وأبي الدرداء كما مر عليك في خبر الطبراني في الكبير وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني وغيرهما .

---------------------------
(1) تاريخ دمشق 19 : 484 .
(2) طبقات ابن سعد 3 : 265 .
(3) انظر الاحاد والمثاني 4 : 86 وفيه عن سعيد بن عبد العزيز قال : كان العلماء بعد معاذ بن جبل ، عبد الله بن مسعود ، وأبو الدرداء ، وسلمان ، وعبد الله بن سلام ، وكان العلماء بعد هؤلاء زيد بن ثابت ثم كان بعد زيد بن عمر وابن عباس ، المعجم الكبير 5 : 108 .
(4) انظر تاريخ دمشق 19 : 489 و 484 ، الكامل في التاريخ 3 : 373 ، سير اعلام النبلاء 3 : 502 مختصر تاريخ دمشق 9 : 190 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 65 _

  فلو مات زيد في خلافة بعض بني أمية وهو غلامٌ بمعنى الطّار الشارب ، فهذا لا يتفق مع كونه بمنزلة ابن عباس عند الصحابة والتابعين وأن يعدوه من العلماء ، وهو الاخر لا يتفق مع تدخله لحلّ حرب من حروب بني عدي .
   فلو كان زيد قد عاش إلى بعض خلافة بني أمية ، فما كانت أخباره في عهد جده الاِمام عليّ ؟ وهل شارك في معركة الجمل وصفين معه أم عليه ؟ بل أي شيء خلف له عمر بن الخطاب من الميراث .
   وما هي كلمات حفصة وابن عمر وغيرهما من أولاد عمر في أخيهم زيد ؟ ولماذا تظهر شخصية زيد بن عمر وأمه بعد وفاتهما في المصادر ، ولا نرى لهما ذكراً واضحاً دقيقا قبل ذلك ؟ وعلى أي شيء يدل هذا ؟ كل هذه التساؤلات تشككنا في وجود شخص اسمه زيد بن عمر وأمه أم كلثوم بنت علي (1) .
   نعم ، قد يكون هذا الشخص هو ابن أم كلثوم بنت جرول ـ حسبما قالته المصادر ـ وقد شارك مع أخيه عبيد الله بن عمر مع معاوية في وقعة صفين ، ثّم إنّ المؤرخين وبلحاظ التطبيع التاريخي والعقائدي جعلوه ابن أم كلثوم بنت علي الصغيرة ! وذلك لتطبيق الاَهداف التي كانوا يرجونها .

---------------------------
(1) ونحن سنعود ضمن بحثنا عن خبر القداح في المواريث إلى هذا الاَمر تارة أخرى بأذن الله ومشيئته .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 66 _

   أمّا الكلام عن الاَمر الثاني : وهو قول عمار : ( قالوا إنّها السنة ) .
   ربما يكون هذا الكلام مبهماً حيث لا نعرف مراد المتكلم = عمار بن أبي عمار من نقله قولهم ( هذا هو السنة ) : هل عنى بكلامه أن السنة هي تقديم الغلام إلى الاِمام وإبعاد المرأة إلى القبلة ؟ أم أنّه أراد بها كون التكبير على الميت أربعاً لا خمساً ؟ أو أنّه أراد بأن الصلاة على الميت هي للاِمام والاَمير لا لاَوليائه ، وبذلك جرت السنة .
   أو أنّ المقصود من كلامهم ( هذا هو السنة ) أي التسوية بين الموتى لا التدرج ، لأن سعيد بن العاص سوى بينهم والصحابة أمضوا ذلك ، أو أنّه أراد بذلك شيئاً آخر .
   فلو كان مراده القول الاَول فهو صحيح؛ لاَنّ السنة عندنا هو أن يقدم الغلام إلى الاِمام وتبعد المرأة إلى القبلة ، وفي ذلك صحاح مروياتنا (1) .
   أما لو أراد بذلك القول الثاني فانه يخالف فقه أهل البيت ، لاَنّ أهل البيت كانوا يكبرون خمساً ولا يرتضون التكبير على الميت أربعاً ،

---------------------------
(1) انظر احاديث الباب في وسائل الشيعة 3 : 124 باب 32 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 67 _

   فكيف يقبل الاِمامان الحسن والحسين وابن الحنفية ما فعله ابن عمر مع أختهم المفترضة ؟ والمطالع في فقه الطالبيين يعرف أنهم كانوا يصرون على أنّ التكبير على الميت خمسٌ ولا يرتضون غيره ، وهذه حقيقة ثابته دلت عليها نصوص كثيرة ، منها ما جاء في مقاتل الطالبيين : أن إبراهيم بن عبدالله بن الحسن صلّى على جنازة بالبصرة فكبر عليها أربعاً .
  فقال له عيسى بن زيد : لم نقصت واحدة وقد عرفت تكبير أهلك ؟
   قال : إن هذا أجمع للناس ونحن إلى اجتماعهم محتاجون ، وليس في تكبيرة تركتها ضرر إن شاء الله. ففارقه عيسى واعتزله ، وبلغ أبا جعفر ( أي المنصور ) فارسل إلى عيسى يسأله أن يخذل الزيدية عن إبراهيم ، فلم يفعل ، ولم يتم الاَمر حتّى قتل إبراهيم ، فأستخفى عيسى بن زيد ، فقيل لأَبي جعفر : ألا تطلبه ؟
   فقال : لا والله لا أطلب منهم رجلاً بعد محمد وإبراهيم ، أنا أجعل لهم بعد هذا ذكراً (1) ؟ !
   ففي النص المذكور عدة أمور ينبغي التامل فيها !
1 ـ لِمَ نقصت واحدة وقد عرفت تكبيرة أهلك .
2 ـ إنّ هذا أجمع للناس ونحن إلى اجتماعهم محتاجون .

---------------------------
(1) مقاتل الطالبين : 268 ـ 269 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 68 _

3 ـ ففارقه عيسى واعتزله .
4 ـ بلغ أبا جعفر ( أي المنصور ) فأرسل إلى عيسى يسأله أن يخذل الزيدية عن إبراهيم فلم يفعل .
  فلو أريد من ( هذه السنة ) هو التكبير على الميت أربع تكبيرات فهو باطل لتخالفه مع فقه الطالبيين ، إلا أنّ نقول بأنّ أمّ كلثوم المفترضة هي بنت أبي بكر لا بنت عليّ ، لتخالف فقه علي وأهل بيته مع فقه الحكّام في كثير من الاَمور .
   كل ذلك ونحن نستبعد أن يقدم الإِمام الحسن عبد الله بن عمر للصلاة على اخته المفترضة مع علمنا باستفاضة الاَخبار في استحباب تقديم الهاشمي على غيره في الصلاة على الميت .
   أما لو أراد القول الثالث والرابع فهو مما يجب البحث عنه كي نراه هل يتفق مع فقه أهل البيت أم لا ؟ كان هذا بعض الشيء عن مقصود عمار بن أبي عمار من جملة : أنّها السنة ، والان مع خبر القداح في المواريث .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 69 _

3 ـ ميراث الغرقى والمهدوم عليهم :
   روى الشيخ محمد بن الحسن الطوسي في تهذيب الاَحكام ( باب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم في وقت واحد ) : ( عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن جعفر بن محمد القمي ، عن القداح ، عن جعفر ، عن أبيه ( عليهما السلام ) قال : ماتت أم كلثوم بنت عليّ وابنها زيد بن عمر بن الخطاب في ساعة واحدة لا يُدرى أيّهما هلك قبل فلم يُورَّث أحدهما من الآخر وصُلِّي عليهما جميعاً ) (1) .
   السند وفي هذا الاسناد جعفر بن محمد ، الذي قال عنه السيّد الخوئي : ( جعفر بن محمد القمي = جعفر بن محمد الاشعري .
   روى عن القداح ، وروى عنه محمد بن أحمد بن يحيى ، التهذيب : الجزء 9 ، باب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم الحديث 1295 .
   أقول : الظاهر إتحاده مع جعفر بن محمد الاشعري المتقدم ) (2) .

---------------------------
(1) تهذيب الاَحكام 9 : 363 ح 1295 وعنه في الوسائل 26 : 314 ح 33067 وفيه عن ابن القداح .
(2) معجم رجال الحديث 5 : 99 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 70 _

   وقد كان رحمه الله قد قال قبل ذلك : ( جعفر بن محمد الاشعري = جعفر بن محمد القمي : وقع في اسناد عدة من الروايات تبلغ مائه وعشرة موارد ، فقد روى عن ابن القداح ، ورواياته عنه بهذا العنوان تبلغ تسعة وسبعين مورداً ، وعن عبد الله بن القداح ، وعبد الله بن ميمون ، وعبد الله بن ميمون القداح ، وعبد الله الدهقان والقداح . . . ) (1) .
   إلى أن يقول : ( أقول : قيل أن جعفر بن محمد هذا هو جعفر بن محمد بن عبيد الله الآتي ، أو جعفر بن محمد بن عيسى الاشعري ، إلاّ أن كلا منهما وإن كان محتملاً في نفس الاَمر ، لكنه لا دليل عليه ، فإن جعفر بن محمد بن عبيدالله لم يثبت أنّه كان أشعرياً ، ومجرّد رواية كل منهما عن ابن القداح لا يثبت الاتّحاد ، كما أن أحمد بن محمد بن عيسى ، لم يثبت أنّه كان له أخ يسمى بجعفر .
  هذا ، ومن المطمأَنّ به أنّ جعفر بن محمد الاَشعري هو جعفر بن محمد بن عبيد الله الآتي ، وذلك فإنّ جعفر بن محمد الاشعري قد روى عن ابن القداح كثيراً يبلغ عددها مائة وتسعة موارد ، ولم يذكر له رواية عن غيره إلاّ في مورد واحد . . . ) (2) .
   وقال السيّد الخوئي أيضاً في ترجمة جعفر بن محمد بن عبيد الله :
( روى عن عبد الله بن ميمون القداح ، ويروى عنه أحمد بن محمد بن عيسى كامل الزيارات ، باب في فضل كربلاء وزيارة الحسين 88 الحديث 11 .

---------------------------
(1) معجم رجال الحديث 5 : 68 ، ولينظر للاَمالي : 603 للشيخ الطوسي كذلك .
(2) معجم رجال الحديث 5 : 68 ـ 70 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 71 _

  وقال الشيخ ( 150 ) : ( له كتاب رويناه عن عدة من أصحابنا عن أبي المفضل عن ابن بطة عن أحمد بن عبيد الله عن ابنه عن جعفر بن محمد بن عبيد الله وطريقه إليه ضعيف بأبي المفضل وبأبي بطة وتقدم في جعفر بن محمد الاشعري ما له ربط بالمقام ) (1) .
   وقد علق الشيخ التستري على ما قاله الميرزا الاسترآبادي ـ في جعفر بن محمد الاشعري من أنّه جعفر بن محمد بن عبد الله الذي يروي عن ابن القداح كثيراً أو جعفر بن محمد بن عيسى الاَشعري = اخو أحمد بن محمد ـ في كتابه قاموس الرجال بقوله : ( أقول : كان عليه أن يحقّق أولاً موضوعه وموضع وروده ، هل ورد في الاَخبار أو الرجال ؟ ثمّ يردّد في المراد منه ) (2) .

---------------------------
(1) معجم رجال الحديث 5 : 83 ـ 84 .
(2) قاموس الرجال للشيخ التستري 2 : 665 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 72 _

   وكيف كان فجعفر بن محمد القمي مشترك بين عدة أشخاص منهم الثقة ومنهم غير الثقة ، ويمكن للمطالع وبمراجعة مثل كتاب الشيخ فخر الدين الطريحي ( جامع المقال فيما يتعلق باحوال الرجال ) أو ( هداية المحدثين ) للكاظمي أو غيرها من كتب لمشتركات أن يستعلم حال ما نحن فيه ؛ إذ ( لما يعسر التمييز تقف الرواية ) (1) .
إذاً كان جعفر بن محمد مشترك بين الثقة وغيره ، فهو إما جعفر بن محمد الاشعري أو جعفر بن محمد بن عبيد الله أو جعفر بن محمد بن عيسى الاَشعري ، أو أنّ هؤلاء جميعاً شخص واحد (2) ، ولما تعسر التمييز بينهم وقفت الرواية عن الاحتجاج بها ، مشيرين إلى أن الراوي ( جعفر بن محمد القمي ) لم يرو عنه أحد في كتب الحديث بهذا الاسم إلا الشيخ الطوسي في تهذيب الاَحكام ، والاستبصار ، والاَمالي ، وعنه أخذ الحر العاملي في وسائل الشيعة .
   ففي المطبوع من تهذيب الاحكام روى الشيخ بسنده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن جعفر بن محمد القمّي عن القداح (3) .
   وفي نسخة صاحب الوسائل من التهذيب عن ابن القداح (4) .
  فلو كانت الرواية عن ابن القداح فهو عبد الله بن ميمون بن الاسود القداح ، الثقة حسبما قاله النجاشي (5) .

---------------------------
(1) انظر احوال الرجال : 103 ، هداية المحدثين .
(2) انظر فى ذلك كلام الشيخ الطوسي في أماليه 3 : 6 ح 1247 .
(3) تهذيب الاحكام 9 : 362 ح 1295 ، وروى له أيضاً فى الاستبصار 1 : 477 ح 1845 بسنده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن جعفر بن حمد بن عبد الله القمى عن عبد الله بن ميمون القداح عن جعفر عن أبيه آن علياً .
(4) وسائل الشيعة 26 : 314 ح 33067 .
(5) رجال النجاشي : 213 ت 557 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 73 _

  وأما لو كان عن القداح ، فهو ميمون بن الاَسود ، الذي عدّه الشيخ في رجاله تارة من اصحاب السجاد ( عليه السلام ) وأخرى من أصحاب الباقر ( عليه السلام ) قائلاً : ميمون قداح مولى بني مخزوم ، مكي .
   وثالثة من أصحاب الصادق ( عليه السلام ) قائلاً : ميمون القداح المكّي مولى بني هاشم روى عنهما .
   ثم جاء السيّد الخوئي برواية الكليني التي فيها مدح لميمون القداح وقال : ( وغير بعيد أن يكون ميمون القداح مولى لهم ( سلام الله عليهم ) من جهة ولائه لهم ( سلام الله عليهم ) اجمعين ويظهر من الرواية شدة اختصاصه بهم ، كما يدل عليه قول ابن شريح فانه منهم وفي هذا مدح عظيم ، غير ان الرواية ضعيفة بجهالة رواتها ) (1) .
   وعليه فالراوية تعدّ مجهولة لعدم ورود توثيق في جعفر بن محمد القمّي ، والقداح ، أما لو ان ابن القداح فهو ثقة حسبما قاله النجاشي ، لكنها تنحصر في نسخة صاحب الوسائل ، أما نسخ غالب فقهاءنا العظام ( كصاحب المستند ) (2) .

---------------------------
(1 ) معجم رجال الحديث 20 : 127 ، وقال الشيخ الممقاني في تنقيح المقال 3 : 265 ط ـ قديم : الحديث دل على كون الرجل امامياً ولم أقف فيه على مدح يدرجه في الحسان ( وانظر قاموس الرجال 10 : 327 ) وقد أورده ابن داود الحلي في القسم الثاني من رجاله : 282 وقال : ميمون القداح ين ، ( جخج ملعون ) .
(2) مستند الشيعة 19 : 452 و 463 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 74 _

  ( الجواهر ) (1) ٍ و ( المسال ) (2) و ( مجمع الفائدة والبرهان ) (3) و ( كشف اللثام ) (4) وغيرهم فجميعها عن ( القداح ) لا ابنه ، وهو مجهول ، ولما كان الرواي هو القداح ولم يثبت توثيق فيه ، وكان في الرواية أيضاً جعفر بن محمد القمّي المشترك في الرواية ، سقطت عن الاعتبار ولا يؤخذ بها . .
   وقد علق العلاّمة المجلسي ( ت 1111 هـ ) في كتابه ( ملاذ الاَخيار في فهم تهذيب الاَخبار ) على الحديث الرابع عشر من أحاديث باب الغرقى والمهدوم عليهم بقوله : ( مجهول ، وجعفر بن محمد هو ابن عبد الله المجهول ) (5) .
   سؤلان ؟ ! لنا هنا سؤالان :
   الاول : هل أن أم كلثوم وزيداً ماتا في يوم واحد أم لا ؟
   الثاني : هل يمكن تعميم نصوص توريث الغرقى والمهدوم

---------------------------
(1) جواهر الكلام 39 : 308 .
(2) مسالك الافهام 13 : 270 .
(3) مجمع الفائدة والبرهان 11 : 529 .
(4) كشف اللثام 9 : 525 .
(5) ملاذ الاخيار 15 : 382 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 75 _

  عليهم على الذين ماتوا حتف أنفهم ـ كما في رواية القداح ـ أم لا ؟
   أما الجواب عن السؤال الاَول ، فالنصوص متضاربة في ذلك ، فتارة تصرح بأنّ زيد بن عمر مات وهو غلام (1) .
   وأخرى : مات وهو رجل (2) ، وثالثة : مات وأمه في يوم واحد (3) ، ورابعة : لم نر قيداً فيها (4) ، وخامسة : مات على اثر نزاع نشب لبني عدي (5) .
   وسادسة أن عبدالملك بن مروان سمّ زيداً وأمّه فماتا ، وذلك بعد ما قيل لعبد الملك : هذا ابن علي وابن عمر ، فخاف على ملكه فسمّهما (6) .
   وليس في كل تلك النصوص أنه مات على أثر هدم حائط أو أنه غرق في بحر أو ما شابه ذلك .

---------------------------
(1) سير اعلام النبلاء 3 : 502 وفيه توفي شاباً ولم يعقب .
(2) تاريخ المدينة 2 : 654 .
(3) أنساب الاَشراف : 190 ، نسب قريش : 353 .
(4) السنن الكبرى للبيهقي 7 : 70 ـ 71 .
(5) الاستيعاب بهامش الاصابة 4 : 491 ، سير اعلام النبلاء 3 : 502 وفيه وقعت هوسة بالليل ، فركب زيد فيها ، فأصابه حجر فمات ، السنن الكبرى للبيهقي 7 : 70 ، تاريخ دمشق 19 : 483 .
(6) المصنف لعبد الرزاق 6 : 164 | ح 10354 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 76 _

  والآن مع خبر ابن حبيب البغدادي ( ت 245 ) في المنمق في اخبار قريش إذ أفرد باباً في كتابه بعنوان ( حروب بني عدي في الاِسلام ) أشار فيه إلى وجود رجلين قبل الاِسلام كانا أشد الناس عداوة لرسول :
   أحدهما : عمر بن الخطاب .
   والثاني : أبو الجهم بن حذيفة .
   وقد فتح الله على عمر بن الخطاب وهداه إلى الاِسلام ، أما أبو الجهم بن حذيفة فبقي على كفره حتى أسلم يوم الفتح (1) .
   ولما أسلم عمر وسمع بقوله تعالى ( لا تمسكوا بعصم الكوافر ) طلّق زوجته أم كلثوم بنت جرول والتي كانت تسمى بـ ( مليكة ) مع أنه كان قد أولدها عبيدالله وزيداً . . . (2) وكان ذلك في الهدنة فخلف عليها أبو الجهم بن حذيفة (3) ولما حدث نزاع في بني جهم جاء عبد الله وسليمان ابنا أبي الجهم إلى زيد بن عمر بن الخطاب يسألاه النصر ، فأجابهما وقال : لا هضيمة عليكما ولا ضيم (4) .
   فبنو الجهم كانوا يدرسون ويتباحثون النزاع العائلي في الصباح نظرياً ولفظياً ويجربونه في المساء تطبيقا عملياً ، وقد تدخّل زيد بن عمر لحلّ النزاع بين الاَخوة فأصابه شيء ، فجرح وقد أدى ذلك إلى موته .

---------------------------
(1) المنمق : 294 .
(2) البداية والنهاية 7 : 156 .
(3) الاصابة 2 : 519 .
(4) المنمق : 301 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 77 _

  وقد كان زيد يتهم خالد بن أسلمَ ـ أخا زيد بن أسلم ، من موالي عمر بن الخطاب ـ بأنّه هو ضاربُهُ (1) الضربة التي أدّت إلى موته .
   وقد عاتب عبدالله بن عمر أخاه زيداً بقوله : اتق الله يا زيد لا تدري من ضربك فلا تتهم خالداً . . .
   كل هذه النصوص توكد على أن زيداً ـ ابن أم كلثوم بنت جرول أو ابن أم كلثوم بنت فاطمة ـ كان رجلاً مقبولاً عند الآخرين بحيث كان يُقدّم على إخوته أمثال : عبدالله بن عمر وأولاده ، ولم يمكن تصور تقديمه على أولئك إلاّ لوجاهته ومكانته الاجتماعية .
  ومن الطريف في الاَمر أنّ غالب المورخين يذكرون وجود ابنين لعمر بن الخطاب :
اسم أحدهما : زيد الاَكبر ، وهذا ابن أمّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب الذي مات مع أمه في يوم واحد حسبما يقولون (2) .
   وثانيهما : زيد الاَصغر ، وهو ابن أم كلثوم بنت جرول (3) .

---------------------------
(1) انظر تاريخ دمشق 19 : 498 ، والمنمق : 310 .
(2) عون المعبود 8 : 665 عن المنذري .
(3) تاريخ الطبري 3 : 269 ، تاريخ دمشق 38 : 58 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 78 _

   وفي ( المنمق ) إن الذي تدخّل في النزاع هو ابن أم كلثوم بنت علي ، وقد مدحه بعض الشعراء مصرّحاً بأنّه من الفاطميين الذين نصروهم في هذا النزاع (1) .
  ولو راجعت كتب التراجم ، ـ ترجمة أم كلثوم بنت جرول ـ لرايتها قد ولدت لعمر ( عبيد الله وزيداً ) قبل الاِسلام ، فيكون زيد هذا هو أكبر حقيقة من ابن أم كلثوم بنت فاطمة .
   فلماذا يطلق على ابن أم كلثوم بنت جرول : الاَصغر ، ويقال عن ابن أم كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب : الاَكبر ؟ ! ! هذا تساؤل يثار ويبحث عن جواب ، ولا ناه مَقْنعاً ـ بعد الوقوف على كل هذه الملابسات ـ ما قالوه من أنّه سميّ الاَصغر أكبر كرامةً لاتصاله برسول الله ، وتسمى الاَكبر حقيقة أصغر لاَنه ليس له نسبة برسول الله .
   ومن الطبيعي لو كان هناك نزاع بين بني جهم أن يتدخل زيد ابن أم كلثوم بنت جرول لكونه أقرب لبني جهم من ابن فاطمة وعلي ، وذلك للعلقة الموجودة بين أولاد عمر وأولاد جهم ؛ لاَن أمّ زيد صارت زوجة أبي جهم بن حذيفة بعد عمر بن الخطاب .
   لكنا نرى الاَمر يختلف حسب فرضهم ، حيث إنّهم يذكرون أنّ زيد ابن أم كلثوم بنت علي هو الذي تدخل لحلّ النزاع مع أنّه كان صغيراً في ذلك الوقت وليس بتلك المكانة التي كان يحظى بها إخوانه في بني جهم ، في حين أن العصبية القبلية لبني جهم كانت تدعوهم لتدخل ابن أمّ كلثوم بنت جرول لانّه هو الاَكبر والاَشهر والاَعرف عندهم .

---------------------------
(1) المنمق : 305 ، وفيه قول عبد الله بن أبي الجهم : وزيدٌ اتيناه فهشَّ ولم يَخِمْلدن أن ندبناه ابن خير الفواطمِ
.

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 79 _

  ولكي يتأكد لك الاَمر أقرأ ما قاله ابن شبة في تاريخ المدينة : زيد الاَصغر وعبد الله قتلا يوم صفين زمن معاوية ، وأمّهما أم كلثوم بنت جرول (1) ؟
   وبنظرنا ان تسليط الضوء على هذه الفترة من تاريخ العرب وتاريخ زواج عمر من أم كلثوم بنت جرول وطلاقه لها هو اللغز الذي يمكن أن يفتح به موضوع تزويج عمر من أم كلثوم بنت علي .
   وأما الجواب عن السؤال الثاني فهو : أنّه لا خلاف بين الفقهاء في توريث الغرقى والمهدوم عليهم حسب تفصيل مذكور في كتب الفقه ، بل الاِجماع بقسميه دالٌّ عليه ، والنصوصُ به متواترة ، لكن هنا تساؤل مفادُهُ : هل يمكن تعميم هذا الحكم على الذين ماتوا حتف أنفهم في يوم واحد ؟ بحيث لا يعلم أيّهما مات قبل الاخر ؟ أم أنه يختص بالغرقى والمهدوم عليهم ؟ ذهب البعض إلى عدم ذلك للاَصل ، والاِجماع الذي نقله صاحب مسالك الاِفهام ، ولرواية القداح ، وهناك من شك في الاِجماع وضَعَّف خبر القداح وقال بالتوريث بناءً على ان العلّة قطعية ، وهي جهالة تقدم موت أحدهما على الآخر ، كما مال إليه صاحب الرياض .

---------------------------
(1) تاريخ المدينة 2 : 654 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 80 _

  وقد علق صاحب الجواهر على كلام صاحب الرياض بقوله : ( ومن الغريب ما في الرياض هنا من الميل إلى الاَول ( أي التوريث ) محتجاً عليه بقوة احتمال كون العلة المُحْتَجّ بها قطعية منقّحة بطريق الاعتبار لا مستنبطة بطريق المظنة لتلحق بالقياس المحرم في الشريعة . . . ) (1) .
   وقال الاردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان :
   قال ( العلامة ) في المختلف : لنا ان الاصل عدم توريث أحدهما من صاحبه لعدم العلم ببقائه بعده ، خرج عنه الغرقي والمهدوم عليهم للنصوص الدالة عليه ، فيبقى الباقي على أصل المنع ، احتج : بأن العلة الاشتباه ، وهو موجود في القتل والحرق .
  والجواب : المنع من التعليل بمطلق الاشتباه فجاز أن يكون العلّة الاشتباه المستند إلى أحدهما ، على أن قول ابن حمزة لا يخلو من قوة .
  وأنت تعلم ان هذا الاحتجاج يدل على كون الاَمر كذلك في مطلق الاشتباه ولو كان الموت حتف آنفه ، والظاهر ان لا قائل به ، بل نقل الاِجماع في شرح الشرائع على عدم القائل به .
   وتويّده رواية القداح ، عن جعفر عن أبيه ( عليهما السلام ) قال : ماتت أمّ كلثوم بنت علي ( عليه السلام ) وابنها زيد بن عمر بن الخطاب في ساعة واحدة لا يدرى أيهما هلك قبل ، فلم يورث أحدهما من الاخر وصلى عليهما جميعاً .

---------------------------
(1) جواهر الكلام 39 : 309 ـ 311 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 81 _

  ولكنها ضعيفة مع مخالفتها لبعض الاصول (1) .
   وعلى كُلّ حال ، فإنّ عمدة من قال بعدم التوريث هو الاَصل لا رواية القداح ، فلو كانت معتبرةً عندهم لما وصلت نوبة الاستدلال إلى الاَصل .
   وللوقوف على تشعبات هذه المسألة يمكنك مراجعة كتاب ( فقه الصادق ) للسيد صادق الروحاني (2) ، لأن فيه مزيد بيان .

---------------------------
(1) مجمع الفائدة والبرهان 11 : 520 .
(2) فقه الصادق 34 : 311 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 82 _

   قال المحقق السبزواري في آخر كتاب ( كفاية الاحكام ) عند ذكره الاَحكام المتفرقه لهذا الباب : ( مسائل : الاَولى : من شروط الاِرث عند الاَصحاب العلم بحياة الوارث بعد موت الموروث ، فلو علم موتهما معاً لم يرث أحدهما من الآخر ، ولو اشتبه التقدم والتأخر والمعية لم يرث المشتبه عندهم إلاّ فيما استثنى ونقل في ذلك الاِجماع على ذلك ، وقد روى القداح عن الصادق ( عليه السّلام ) عن أبيه قال : ماتت أم كلثوم بنت عليّ . . . إلى أن يقول : وفي ثبوت الاِجماع أمّل ، والرواية ضعيفة ، ولم يذكر الاَصحاب احتمال القرعة ههنا ، وهو احتمال صحيح إن لم يثبت . . . ) (1) .
   وبهذا فقد عرفت أن هناك من يذهب إلى إمكان سراية أحكام ميراث الغرقى والمهدوم عليهم إلى مَن مات حتف أنفه لاتّحاد العلة في الجميع ـ وهو الاشتباه ـ حيث لا يُدرى أيهما مات قبل الآخر ، وهذا يرشدنا إلى إمكان تخطي رأي المشهور ، وخصوصاً لو قسنا ما نقوله مع ما جاء عن أهل السنة والجماعة في هذا الفرع وأمثاله ، فإنك لو راجعت كتب الصحاح والسنن عند أهل السنة لوقفت على نصوص كثيرة عن زيد بن ثابت وغيره تؤكّد على عدم التوريث ، في حين جاء عن ابن عباس وابن مسعود وعليّ بن أبي طالب ما يشير إلى توريث أحدهما من الآخر ، نترك بسط الكلام عن هذا الموضوع إلى حينه ، وبهذا فقد وقفنا على عدة أمور :
   الاَوّل : الشك في أصل وقوع الزواج ، وعلى فرض وقوعه الشك في ولادة زيد ، وعلى فرض ولادته أيّهما هو ؟
   الثاني : التشكيك في أن يكون زيد وأمّه قد ماتا في يوم واحد ، إذ لا نعرف سبب الموت : هل كان بسبب هدم الحائط أو الغرق ؟ أو ان بني عدي ضربوا زيداً ، أو أنّ عبدالملك بن مروان سمّهما ؟ أو . . .

---------------------------
(1) كفاية الاحكام : 307 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 83 _

   الثالث : مسألة التوارث بين الام والابن وامكان تخالفه مع فقه أهل البيت .
   الرابع : إنّ قضية الزواج من أوّلها إلى آخرها تضجّ بالاِشكالات والتناقضات ، في كيفية الخطبة ، والتزويج ، والولادة ، ومن هو المزوِّج ، وما هو المهر ، وهل كان برضا أم غصب ، ومن هم أزواج أم كلثوم بنت علي . . . وعليه فقد اتضح عدم إمكان أن يلزمنا الخصم بهاتين الروايتين وأمثالهما والاستدلال على ضوئهما بولادة زيد من عمر بن الخطاب وأم كلثوم ، لاَنّ الروايات التي ارادوا الاستدلال بها على الاِنجاب كانت هذه ، وهي غير صحيحة بنظرنا ، ومخالفة للحقائق التاريخية والاَصول الشرعية عند الشيعة الاِمامية .
  أمّا عندهم فقد صرّح الزرقاني : بأنّ عمر قد مات عنها قبل بلوغها ، كلّ ذلك مع الاَخذ بنظر الاعتبار اختلاف النصوص ، ففي مختصر تاريخ دمشق : مات زيد وهو صغير (1) .
   وفي صفة الصفوة ، والبداية والنهاية ، وتاريخ الاِسلام وغيرها : أنها ولدت له زيداً ورقية (2) ، وفي المعارف لابن قتيبة : فاطمة وزيداً (3) .

---------------------------
(1) مختصر تاريخ دمشق 9 : 160 .
(2) سير اعلام النبلاء 3 : 501 ، تركة النبي : 95 ، الذرية الطاهرة : 118 ، تاريخ الطبري 3 : 270 ، تاريخ دمشق 19 : 482 .
(3) المعارف : 185 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 84 _

   وفي الرابع : عاش حتى صار رجلاً (1) لي .
  وفي خامس : إنّ لزيد بن عمر عقباً (2) .
   وفي سادس قتل بلا عقب (3) ، إلى غيرها من الاقوال ، وانت تعلم بأن ما جاء في كيفية الصلاة على الجنائز كانت رواية عامية وقد ذكرها الفقهاء في كتبهم استشهاداً لا استدلالاً ، فلا يمكنهم ان يلزمونا بولادة زيد وموته مع أمه في يوم واحد وكذا لا يمكن اثبات كون زيد هو ابن لاَم كلثوم بنت فاطمة .
   أمّا رواية القداح فهي الاخرى متروكة عند أعلامنا لجهالة جعفر بن محمد القمي ومخالفتها لبعض اصول المذهب ، وقد تكون جملة ( بنت علي ) هي من توضيحات الراوي ذكرها تبرعاً من عند نفسه ، وقد يكون الراوي قد تأثر بالاشاعات والموترات الخارجية فأضاف هذه الزيادة ، ولو علم بأنّ كل ذلك تحريف وتزوير لما فعل ذلك ، بعد كل هذا نقول ان هذه الاَقوال تشككنا في صحة الاَخبار المنقولة عن حادثة زيد بن عمر وموته وأمّه في يوم واحد ، وكذا ما نقل من مسألة التوريث بينهما .

---------------------------
(1) انظر تاريخ دمشق 9 : 489 ، 484 ، الكامل في التاريخ 3 : 373 ، سير اعلام النبلاء 3 : 502 .
(2) هامش تاريخ دمشق 19 : 484 .
(3) سير اعلام النبلاء 3 : 502 ، الطبقات الكبرى 8 : 463 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 85 _

4 ـ عدة المتوفّى عنها زوجها :
  ( روى الكليني عن حميد بن زياد ، عن ابن سماعة ، عن محمد بن زياد ، عن عبدالله بن سنان ، ومعاوية بن عمّار بنأبي عبد الله ، قال : سألته عن المرأة المتوفّى عنها زوجها اتعتدُّ في بيتها أو حيث شاءت ؟ قال : بل حيث شاءت ، إنّ علياً لمّا توفّي عمر أتى أمّ كلثوم فانطلق بها إلى بيته ) (1) .
  وفي آخر : ( فأخذ بيدها فانطلق بها إلى بيته ) (2) . .
   فهذه الرواية هي الاَخرى لا تدل على الاِنجاب ، فإن قيل : إنّها تدل على التزويج ، وهو كاف لاِثبات المراد ، قلنا : بإن تفسير الخبر جاء معه بقوله في الخبر الآخر ( ذلك فرج غصبناه ) (3) أو ( غصبنا عليه ) (4) ، وأقصى ما يمكن هو الدلاله هو وقوع التزويج عن إكراه لا عن طيب خاطر وهذا لا يفيد شيئاً ، بل يشير إلى المنافرة بين علي وعمر لا الاَخّوة بينهما كما يريدون .

---------------------------
(1) الكافي 6 : 115 ح 1 وانظر التهذيب 8 : 161 ، والاستيعاب 3 : 252 كذلك ، وفي السنن الكبرى للبيهقي 7 : 436 وكنز العمال 9 : 694 عن الشعبي قال : نقل علي ( عليه السلام ) أم كلثوم بعد قتل عمر بسبع ليال ، ورواه الثوري في جامعه وقال : لأنها كانت في دار الامارة .
(2) الكافي 6 : 115 ح 2 ، وفي النوادر للراوندي عن جعفر الصادق عن ابنه ( عليه السلام ) : نقل علي بن أبي طالب ابنته أم كلثوم في عدتها حين مات زوجها عمر بن الخطاب ، لأنها كانت في دار الامارة .
(3) الكافي 5 : 346 ، ح 2 ، وسائل الشيعة 2 : 561 ح 26349 ، البحار 42 : 106 .
(4) الاستعانة 1 : 78 ، 81 ، شرح الاَخبار 2 : 507 ، رسائل المرتضى ، المجموع الثالثة : 149 ، 150 ، الصراط المستقيم 3 : 130 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 86 _

  بل الشيخ المجلسي ذهب إلى أكثر من ذلك ، وقال : إنّ هذين الخبرين ( أي خبر زرارة (1) وهشام (2) لا يدلان على وقوع تزويج أم كلثوم من عمر (3) ، لمنافاتهما لما جاء في الخرائج والجرائح عن الصفار . . . واحتمل آخر : بأنّ جملة ( ذلك فرج غصبناه ) جاءت على سبيل المجاراة مع من يدعي ذلك وليس لها دلالة على وقوع التزويج .
  وأحتمل ثالث : أنّ الجملة ( ذلك فرج غصبناه ) استفهام استنكاري من الاِمام ، وهي الاَخرى لا دلالة لها على وقوع الزواج من أم كلثوم ، وقرأ رابع الجملة هكذا : ( ذلك فرجٌ عَصَبْنَاهُ ) و ( ذلك فرج عَصَبْنَا عليه ) ، وبنظرنا انّ كثيراً من هذه الاَقوال هي خلاف الظهور ، بل في كلام الاِمام ما يشير إلى الاِكراه والجبر ، وهو لا يدلّ على أكثر من وقوع لعقد ، إذ المتوفى عنها زوجها تجب عليها العدة وإن لم يدخل بها ، على أنّه ليس في تلك الاخبار دلالة على أنّ أم كلثوم هي ابنة فاطمة ، فقد تكون ابنته من غير فاطمة ، وهذا القول هو الآخر بعيد؛ لاَنّ علياً لم يتزوّج في زمن فاطمة بامرأة أخرى فلا يعقل أن تكون له بنت مؤهلة للزواج من عمر إلاّ أن نقول بأنّها ربيبته من امرأة أخرى ، والربيبة تعد في الشرع من حيث محرميتها بمنزلة البنت ، وعند العرب بمنزلة البنت مطلقاً حتى في الاِرث وغيره .

---------------------------
(1) الكافي 5 : 346 ح 1 بسنده عن زرارة ، عن الصادق ( عليه السلام ) وفيه ( إن ذلك فرجٌ غُصبناه ) .
(2) الكافي 5 : 346 ح 2 بسنده عن هشام بن سالم ، عن الصادق ( عليه السلام ) ، وفيه أنّ عمر هدَّد باتهام علي بالسرقة وقطع يديه إن لم يزوّجه ابنته أمّ كلثوم .
(3) مرآة العقول 20 : 42 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 87 _

  وعليه فلا دلالة لهذا الخبر على الدخول والانجاب كذلك ، وخصوصاً لو قلنا بتافيه مع ما رواه القطب الراوندي عن الصفار باسناده الى عمر بن أذينة ، وأنّ فقهاءنا حينما قالوا بجواز اعتداد المرأة في غير بيت زوجها قالوا بذلك طبقاً لروايات كثيرة في الباب عندهم ، لا لما جاء في خبر تزويج أم كلثوم فقط .

5 ـ الوكالة في التزويج :
   مرت عليك نصوص أهل السنة والجماعة في إيكال الاِمام علي بن أبي طالب أمر زواج أم كلثوم لابنيه الحسن والحسين (1) .

---------------------------
(1) مجمع الزوائد 4 : 272 ، الاوسط 6 : 357 ، حياة الصحابة 2 : 527 ، السنن الكبرى للبيهقي 7 : 139 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 88 _

   لكنّ الروايات الشيعية تشير إلى أنّ الاِمام قد وكّل أمرها لعمّه العباس اتقاءً للحرج (1) .
   وهنا سؤال يطرح نفسه وهو : لماذا يوكّل الاِمام في أمر زواج أم كلثوم ابنيه وفي آخر عمه العباس ولا يزوّجها هو بنفسه ، وعلى أي شيء يدل هذا ؟ ألم يكن الانسب ـ إن صح الخبر ـ أن تكون الوكالة لعمه العباس من ابنيه الحسن والحسين ؟ وهل تعقل بأنّ الحسن والحسين قد أغضبا والدهما عليّاً ـ كما جاء في روايات العامة ـ بل كيف بعلي يغضب من قول الحق وابناه سيّدا شباب أهل الجنة يقولان ذلك ، ورسول الله قال عن علي : انّه مع الحقّ والحقّ معه ، أما لو قلنا بأن كلامهما كان باطلاً ـ والعياد بالله ـ فكيف يقولان الباطل ، ألا تذهب معي إلى أنّ تلك النصوص وضعت للتعريض بعلي والحسن والحسين ، ان مسالة التوكيل إن دلت على شيء فإنّما تدل على عدم رضا الاِمام بهذا الزواج ، لكنّ العسر والحرج هما العاملان اللذان الجئَا علياً إلى ذلك ، ولو راجعت مجمل حياة عمر بن الخطاب لوقفت على غلظته في الأَمور وضربه ونفيه وحبسه للصحابه ، وهو الذي يتّفق مع ما جاء في روايات الشيعة من أنّ عمر قد هدد عليّاً بقطع يده بدعوى السرقة ، أو رجمه بدعوى الزنى ، وأنّه لبّس ذلك على عامة الناس بدعوى القربى إلى رسول الله ، إنها مسألة تحتاج إلى تدبر وتفكّر ، فعُد معي أخي القارىء إلى ما روته الشيعة لتقف على ما ورائيات الحديث :

---------------------------
(1) الكافي 5 : 346 ، الاستغاثة : 81 ، بحار الانوار 42 : 93 ، المجموعة الثالثة من رسائل المرتضى : 149 ، مرآة العقول 20 : 44 ، الشافي 36273 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 89 _

   عن أبن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، قال : لما خطب عمر إلى أمير المؤمنين قال له : إنّها صبية ، فأتى العباس فقال مالي ؟ أبي بأس ؟ قال له : وما ذاك ؟
   قال : خطبتُ إلى ابن أخيك فردّني ، أما والله لاَعوِّرنَّ زمزم ولا أدع لكم مكرمة إلاّ هدمتها (1) ، ولاَقيمن عليه شاهدين أنّه سرق ولاقطعن يمينه ، فاتاه العباس فاخبره وساله ان يجعل الامر إليه فجعله إليه (2) .
   وروى الكوفي في الاستغاثة قال : حدثنا جماعة من مشايخنا الثقات ، منهم جعفر بن محمد بن مالك الكوفي ، عن أحمد بن المفضل ، عن محمد بن أبي عمير ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سألت جعفر بن محمد عن تزويج عمر من أم كلثوم ، فقال : ذلك فرج غصبنا عليه .

---------------------------
(1) لاحظ محاولة عمر من قبل ذلك قلع ميزاب العباس بن عبد المطلب عن الكعبة راجع سير أعلام النبلاء 2 : 96 .
(2) النوادر لاَحمد بن عيسى الاَشعري : 130 ح 332 ، الكافي 5 : 356 ح 2 .

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 90 _

   وهذا الخبر مشاكل لما رواه مشايخنا أن عمر بعث العباس إلى عليّ ( صلوات الله عليه ) فسأله أن يزوّجه أمّ كلثوم ، فأمتنع عليّ من ذلك ، فلما رجع العباس إلى عمر يخبره بامتناع عليّ ( عليه السلام ) وأعلمه بذلك ، قال : يا عباس أيانف من تزويجي ( والله لئن لم يزوجنيج لاَقتلنه ) ، فرجع العباس إلى عليّ ( عليه السلام ) فأعلمه بذلك ، فأقام علي ( عليه السلام ) على الامتناع ، فأخبر العباسُ عمرَ ، فقال له : يا عباس احضر يوم الجمعة في المسجد وكن قريباً مني لتعلم أنّي قادر على قتله ، فحضر العباس المسجد ، فلمّا فرغ عمر من الخطبة ، قال : أيها الناس إنّ ها هنا رجلاً من عليّة أصحاب النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد زنى وهو محصن ، وقد اطّلع عليه أمير المؤمنين وحده ، ف ما أنتم قائلون ؟ فقال الناس من كل جانب : إذا كان أمير المؤمنين قد اطّلع عليه فما حاجته أن يطلع عليه غيره .
   فلما انصرف عمر قال للعباس : امضِ إليه فأعلمه ما قد سمعت ، فوالله لئن لم يفعل لاَفعلن ، فصار العباس إلى عليّ ( عليه السلام ) فعرّفه ذلك .
   فقال عليّ ( عليه السلام ) : أنا أعلم أنّ ذلك مما يهون عليه ، وما كنتُ بالذي أفعل ما تلتمسه أبدا .
   فقال العباس : إن لم تفعل أنتَ فأنا أهله ، وأقسمتُ عليك إن خالفتَ قولي وفعلي .