صفية على النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : لم يزل أبوك من أشد اليهود لي عداوة حتى قتله الله ، فقالت : يا رسول الله يقول في كتابه ( وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : اختاري ، فإن اخترت الإسلام أمسكتك لنفسي ، وإن اخترت اليهودية فعسى أن أعتقك فتلحقي بقومك ، فقالت : يا رسول الله ، لقد هويت الإسلام وصدقت بك قبل أن تدعوني ، حيث صرت إلى رحلك ، وما لي في اليهودية أرب ، وما لي فيها والد ولا أخ ، وخيرتني الكفر والإسلام ، فالله ورسوله أحب إلى من العتق وأن أرجع إلى قومي ، قال : فأمسكها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه (1) .
  وقال المسعودي : وكان زواجه من صفية سنة سبع من الهجرة وروى عن سعيد بن المسيب قال : قدمت صفية بنت حيى في أذنيها خرصة من ذهب ، فأهدت منه لفاطمة الزهراء ولنساء معها (2) .
  وروى عن سليمان بن عتيق عن جابر بن عبد الله ، إن صفية بنت حيى لما دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فسطاطه حضرنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قوموا عن أمكم ) فلما كان من العشي حضرنا فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي طرف ردائه نحو من مد ونصف من تمر عجوة فقال : كلوا من وليمة أمكم (3) .
  وعن أبو الوليد : كانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، السمن والأقط والتمر (4) .
  ترى هل كان الكساء الخيبري الذي أصابه النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو من بقية ما ترك آل موسى وآل هارون ؟
  لقد أمر الله تعالى موسى عليه السلام أن يضع على هارون وبنيه ملابس لها معالم خاصة كما ذكرت

---------------------------
(1) الطبقات الكبرى : 123 / 7 .
(2) الطبقات : 127 / 7 ، الإصابة : 347 / 4 .
(3) الطبقات : 124 / 7 .
(4) الطبقات : 122 / 7 .

زوجات النبي (صلى عليه وآله وسلم) _ 102 _

  التوراة الحاضرة ، وإن الله تعالى طهر هارون وبنوه وجعلهم قضاة لبني إسرائيل يفسرون لهم شريعة التوراة ، وفي الرسالة الخاتمة أدخل النبي صلى الله عليه وآله فاطمة وعلي وأبناهما تحت الكساء الخيبري ونزل قوله تعالى ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) .
  ترى هل الخاتمة تحمل معالم الدعوة الإلهية عند المقدمة ، ومن المعروف أن الدعوة الإلهية التي حملها الأنبياء دعوة واحدة ، لقد ظهر تابوت السكينة وبه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون كآية لطالوت وكحجة على بني إسرائيل ، ترى هل ظهر بعض ما ترك آل موسى وآل هارون كآية لنبوة النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم وكحجة على بني إسرائيل الذين يعلمون المقدمات ويعرفون النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما يعرفون أبناءهم ؟ ترى هل استقامت المعجزة عند المقدمة مع المعجزة عند الخاتمة ؟
  لقد أخبر القرآن الكريم إن تابوت السكينة به ( بقية ) مما ترك آل موسى وآل هارون بمعنى إن التابوت لم يكن به مجموع ما ترك آل موسى وآل هارون ، ولازم ذلك أن تراث آل موسى وآل هارون امتدت إليه الأيدي قبل ظهور طالوت كملك على بني إسرائيل ، فما المانع أن تكون البقية قد امتدت إليها الأيدي ، وخاصة أن اليهود كانت لهم آنية يتباركون بها ، وكان لحيي بن أخطب تراث يتفاخر به على اليهود على خلفية إنه من نسل هارون .
  ترى هل كان في خيبر حجة الله على بني إسرائيل وعلى الأمة الخاتمة ؟ ومن الثابت والمحفوظ ، أن منزلة علي بن أبي طالب من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة هارون من موسى .
  روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا إنه لا نبي بعدي ) (1) وهذا المعنى نقف عليه إذا تدبرنا بعض الأمور .

---------------------------
(1) رواه البخاري : ( الصحيح 300 / 2 ) ومسلم : ( الصحيح 174 / 15 .

زوجات النبي (صلى عليه وآله وسلم) _ 103 _

  منها : ما ذكره صاحب لسان العرب ، في تعريفه لمعنى لفظ ( الديان ) قال : الديان معناه : الحكم القاضي ، وسئل بعض السلف عن علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقال : كان ديان هذه الأمة بعد نبيها ، أي قاضيها وحاكمها ، هـ‍ (1) .
  ومنها : ما روي عن جابر بن عبد الله قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته يوم عرفة ، وهو على ناقته القصواء يخطب ، فسمعته يقول : يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما أن أخذتم به لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي (2) .
  ومنها : ما روي عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني أوشك أن أدعى فأجيب ، وإني تارك فيكم الثقلين ، كتاب الله وعترتي ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما (3) .
  وبالجملة : سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الله تعالى خير خيبر ، وخير أهلها وخير ما فيها ، وأعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اللواء لعلي بن أبي طالب ومنزلته من النبي صلى الله عليه وآله وسلم كمنزلة هارون من موسى عدا النبوة ، وفتح الله خيبر .
  وسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهل خيبر عن الآنية التي كانوا يحتفظون بها وجاء رجل من الأنصار بالآنية ، وجاء بلال بن رباح بصفية بنت حيى ، وصب الخير في وعاء المسلمين ، وعندما سمع أهل فدك ما صنع النبي بيهود خيبر بعثوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يسيرهم ويحقن دماءهم ويخلون بينه وبين الأموال ، ففعل ، فكانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن المسلمين لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب ، وتحت الكساء الخيبري كان الخير ، كل الخير .

---------------------------
(1) لسان العرب مادة دين : ص 1467 .
(2) رواه الترمذي وحسنه : ( الجامع 662 / 5 ) والنسائي : ( كنز العمال 172 / 1 ) .
(3) رواه الترمذي وحسنه : ( الجامع 663 / 5 ) .

زوجات النبي (صلى عليه وآله وسلم) _ 104 _

  أما ما روي في حديث الكساء ، فلقد ذكرناه في قصة أم سلمة رضي الله عنها ، ونذكره هنا لأن الموقف يقضي بذلك .
  وروى الإمام ابن عساكر في تاريخه عن شهر بن جوشب عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لفاطمة ( أتيني بزوجك وأبنيك ) فجاءت بهم ، فألقى عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كساء كان تحته خيبريا أصبناه من خيبر ـ ثم قال ( اللهم هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم ) قالت أم سلمة : فأخذت بطرف الكساء لأدخل معهم ـ وفي رواية : فرفعت الكساء ـ فجذبه رسول الله صلى الله عليه وسلم من يدي وقال ( إنك على خير ) .
  وروى الإمام أحمد عن عطاء بن رباح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيت أم سلمة ، فأتته فاطمة ، فقال ( أدعي زوجك وابنيك ) فجاء علي والحسن والحسين ، فدخلوا عليه فجلسوا على دثار ، وكان تحته كساء له خيبري ، قالت أم سلمة : وأنا أصلى في الحجرة ، فأنزل الله عز وجل ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم فضل الكساء فغشاهم به ، ثم أخرج يده فألوى بها إلى السماء ثم قال ( اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ) قالت أم سلمة : فأدخلت رأسي البيت فقلت : وأنا معكم يا رسول الله ؟ قال ( إنك إلى خير ، إنك إلى خير ) (1) .
 وبالجملة : فإن منزلة علي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإعطاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الراية له يوم خيبر ، ووجود صفية التي ينتهي نسبها إلى هارون عليه السلام ، وجود الكساء الخيبري ، إلى

---------------------------
(1) رواه أحمد : ( الفتح الرباني 338 / 18 ) ، ورواه الحاكم وأقره الذهبي .

زوجات النبي (صلى عليه وآله وسلم) _ 105 _

  غير ذلك من الأمور التي تتعلق بهذا الباب ، فجميع ذلك يدعو في حقيقة الأمر إلى مزيد من التدبر والتبصر .

  مناقبها :
  أخرج ابن سعد عن ابن أبي عون قال : استبت عائشة وصفية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصفية : ألا قلت أبي هارون وعمي موسى ؟ وذلك أن عائشة فخرت عليها (1) .
  وأخرج الترمذي عن أنس قال : بلغ صفية أن حفصة قالت : إنها بنت يهودي ، فبكت ، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي ، فقال : ما يبكيك ؟
   فقالت : قالت لي حفصة إني بنت يهودي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنك لابنة نبي وإن عمك لنبي وإنك لتحت نبي ففيما تفخر عليك ، ثم قال صلى الله عليه وسلم : اتقي الله يا حفصة (2) .
  وأخرج الترمذي عن صفية أنها قالت : بلغني عن حفصة وعائشة أنهم قالوا : نحن أكرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفية ، نحن أزواجه وبنات عمه ، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكرت ذلك له ، فقال : ألا قلت ، فكيف تكونان خيرا " مني وزوجي محمد وأبي هارون وعمي موسى (3) .
  وقال صاحب التاج الجامع للأصول : أي إنك لابنة نبي وهو هارون عليه السلام ، وإن عمك لنبي ورسول وهو موسى عليه السلام ، وإنك لتحت نبي وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، فلا فخر لهم مثلك ولا فخر أعظم من ذلك ، فنسبها يتصل بإسحاق ويعقوب وإبراهيم صلى الله عليهم

---------------------------
(1) الطبقات الكبرى : 127 / 7 .
(2) رواه الترمذي بسند صحيح :( التاج الجامع 385 / 3 ) .
(3) رواه الترمذي بسند صحيح :( التاج الجامع 385 / 3 ) .

زوجات النبي (صلى عليه وآله وسلم) _ 106 _

  وسلم ، ورضي الله عن صفية وأرضاها آمين (1) .
  وأخرج ابن سعد بسند حسن عن زيد بن أسلم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم في الوجع الذي توفي فيه إجتمع إليه نساؤه ، فقالت صفية بنت حيي : أما والله يا نبي الله لوددت إن الذي بك بي ، فغمزنها أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبصرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : مضمضن فقلن : من أي شئ يا نبي الله ؟ قال : من تغامزكن بصاحبتكن ، والله إنها لصادقة (2) .

  وفاتها :
  كان لصفية دارا تصدقت بها في حياتها (3) .
  وروي أنها ماتت سنة خمسين في زمن معاوية ، وقيل سنة اثنتين وخمسين (4).

---------------------------
(1) التاج الجامع : 384 / 3 .
(2) الطبقات الكبرى : 128 / 7 ، الإصابة 347 / 4 .
(3) الطبقات الكبرى : 128 / 7 .
(4) الإستيعاب : 349 / 4 ، الإصابة : 349 / 4 ، الطبقات : 129 / 7 .

زوجات النبي (صلى عليه وآله وسلم) _ 107 _

   11 ـ السيدة ميمونة بنت الحارث زواجها :
  هي : ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبه بن عبد الله بن هلال ، وأمها : هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن حماطة بن حمير ، وقيل : من كنانة .
  وأخوات ميمونة لأبيها وأمها : أم الفضل لبابة الكبرى بنت الحارث زوج العباس بن عبد المطلب ، ولبابة الصغرى بنت الحارث زوج الوليد بن المغيرة وهى أم خالد بن الوليد ، وعصماء بنت الحارث ، وكانت تحت أبي بن خلف الجهمي فولدت له إبان وغيره ، وعزة بنت الحارث ، كانت تحت زياد بن عبد الله بن مالك ، فهؤلاء أخوات ميمونة لأب وأم .
  أما أخوات ميمونة لأمها : أسماء بنت عميس ، كانت تحت جعفر بن أبي طالب فولدت له عبد الله ، وعونا ، ومحمدا ، ثم خلف عليها أبو بكر بن أبي قحافة ، فولدت له محمدا ، ثم خلف عليها علي بن أبي طالب ، وسلمى بنت عميس أخت أسماء ، كانت تحت حمزة بن عبد المطلب فولدت له آمة الله ، ثم خلف عليها بعده شداد بن أسامة بن الهادي ، فولدت له عبد الله وعبد الرحمن ، وسلامة بنت عميس أخت أسماء وسلمى ، كانت تحت عبد الله بن كعب بن منبه (1) .

---------------------------
(1) الإستيعاب: 404 / 4 .


زوجات النبي (صلى عليه وآله وسلم) _ 108 _

  ولقد سقنا أسماء الأخوات لنقف على حقيقة مفادها إن مصاهرة القبائل والبيوت في الجاهلية والإسلام كان لها أثرا ( بالغا ) في المجتمع ، فيها كانت تتحرك القبائل بتجارتها من بلد إلى بلد دون خوف من اللصوص والقراصنة ، وبها تصبح القبيلة القليلة العدد كثيرة ، وبها كانت تنتعش حركة البيع والشراء وما يترتب عليها .
  والدعوة الإسلامية انطلقت من طريق المصاهرة إلى مدى بعيد ، كانت الدعوة همتها بالله وشغلها فيه وفرارها إليه ، وكانت المصاهرة والتعارف على هذا الطريق بمثابة الواحة التي تستقبل القادمين بالزاد الفطري من كل فج .
  وأخرج ابن سعد : أن مسعود بن عمرو بن عمير الثقفي تزوج ميمونة في الجاهلية ، ثم فارقها ، فخلف عليها أبو رهم بن عبد العزى بن أبي قيس من بني مالك ، فتوفي عنها ، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، زوجه إياها العباس بن عبد المطلب ، وكان ولي أمرها ، وهي أخت أم ولده أم الفضل بنت الحارث الهلالية لأبيها وأمها ، وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرف على عشرة أميال من مكة ، وكانت آخر امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك سنة سبع في عمرة القضية (1) .
   ورعها أخرج ابن سعد عن مجاهد قال : كان اسم ميمونة برة ، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ميمونة (2) .

---------------------------
(1) الطبقات : 132 / 7 .
(2) الطبقات الكبرى : 37 1 / 7 ، الإستيعاب : 405 / 4 .

زوجات النبي (صلى عليه وآله وسلم) _ 109 _

  وروي عن يزيد بن الأصم قال : كان مسواك ميمونة بنت الحارث ، منقعا في ماء فإن شغلها عمل أو صلاة وإلا أخذته فأستاكت به (1) .
  وروي عنه إنه قال : أن ذا قرابة لميمونة دخل عليها ـ فوجدت منه ريح شراب فقالت : لئن لم تخرج إلى المسلمين فيجلدوك ـ أو قالت يطهروك ـ لا تدخل علي بيتي أبدا (2) .
  وروي عن الفضل بن دكين قال ، حدثنا عقبة بن وهب عن يزيد بن الأصم قال : رأيت أم المؤمنين ميمونة تحلق رأسها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألت عقبة : لم ؟ فقال : أراه تبتل (3) .
  وروي عن أبي عائشة : أن ميمونة أبصرت حبة رمان في الأرض ، فأخذتها وقالت : إن الله لا يحب الفساد (4) .
  وأخرج ابن سعد عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الأخوات مؤمنات ميمونة وأم الفضل وأسماء ) (5) .

  وفاتها :
  روي أن ميمونة رضي الله عنها ماتت سنة إحدى وستين ، وقيل : سنة ست وستين .
  وقال أبو عمر : توفيت بسرف سنة ست وستين وصلى عليها ابن عباس ودخل قبرها هو ويزيد بن الأصم وعبد الله بن شداد وهم بنو أخواتها ، وعبيد الله الخولاني وكان يتيما في حجرها (6) .

---------------------------
(1) الطبقات الكبرى : 139 / 7 .
(2) المصدر السابق : 139 / 7 .
(3) المصدر السابق : 139 / 7 .
(4) المصدر السابق : 139 / 7 .
(5) الإصابة : 412 / 7 .
(6) الإستيعاب : 408 / 7 ، الطبقات 140 / 7 .

ازوجات النبي (صلى عليه وآله وسلم) _ 110 _

  وأخرج ابن سعد : توفيت ميمونة رضي الله عنها بمكة ، فحملها ابن عباس وجعل يقول للذين يحملونها : أرفقوا بها فإنها أمكم ، حتى دفنها بسرف (1) وكان لها يوم توفيت ثمانون أو إحدى وثمانون سنة (2) .

---------------------------
(1) الطبقات : 140 / 7 .
(2) المصدر السابق : 140 / 7 .

زوجات النبي (صلى عليه وآله وسلم) _ 111 _

   12 ـ السيدة مارية القبطية :
  تأملات في الطريق من مصر إلى المدينة :
  هي : مارية بنت شمعون ، كان أهل الكتاب ينتظرون نبيا يبعث من جزيرة العرب ، وكان بعض من الرهبان يقيمون داخل مكة وحولها وعلى الجبال التي تربط بينها وبين الشام ، وكانوا يتحسسون أخبار هذا النبي من التجار الذين يخرجون من مكة أو الذين يقصدونها ، ولم تقف دائرة الانتظار وتتبع الأخبار عند هذا الحيز الذي يحيط بمكة ، وإنما اتسع ليصل إلى بلاد اليمن وبلاد الحبشة ومصر .
  وكان بمصر في هذه الآونة مكتبة عامرة بالإسكندرية ، وكانت الإسكندرية لا تخلو من الباحثين عن الحقيقة ، نظرا ( لأن عقيدة إلوهية المسيح عقيدة غير مفهومة لم يقرها المسيح ولا يعلم عنها شيئا ) ، وإنما هي من إختراع الذين جاؤا من بعده ولم يروه ولم يسمعوا منه ، ولما كانت عقيدة التثليث عقيدة مستعصية عن الفهم ولا يفهمها حتى القائمين عليها ، فإن دائرة الخاصة بالإسكندرية بحثت عن الحقيقة كما بحث عنها دائرة الخاصة في الحبشة وعلى رأسهم النجاشي ، وكما بحث عنها دائرة الخاصة في خيبر وعلى رأسهم صفية بنت حيى .

زوجات النبي (صلى عليه وآله وسلم) _ 112 _

  وكما اهتم النجاشي ملك الحبشة بالدعوة الخاتمة ، اهتم مقوقس الإسكندرية أيضا " بهذه الدعوة .
  ومن الثابت أن مصر كانت ترتبط بالحبشة يومئذ بروابط اقتصادية وسياسية وكانت الكنيسة الحبشية ترتبط بالكنيسة القبطية المصرية الأرثوذكسية .
  وروي أن مقوقس مصر بعث بهدية إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن صفاته عندهم إنه يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة ، والمتدبر في هدية صاحب الإسكندرية ، يجد أنه بعث للنبي صلى الله عليه وآله بثلاثة من بيت واحد وأسرة واحدة ، قال صاحب الإصابة عن أبي صعصعة قال : بعث المقوقس صاحب الإسكندرية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة لينا ، وبغلته الدلال وحماره عفير ، ومع ذلك خصي يقال له : مأبور شيخ كبير كان أخا مارية (1) .
  ويمكن الوقوف على أصول هذه الأسرة ، إذا علمنا أن مارية القبطية لم تكن جارية عادية شأنها كشأن غيرها من الجواري ، بمعنى إنها لم تكن من العامة وإنما كانت من الخاصة ، فعن عروة عن عائشة قالت : أهدى ملك بطارقة الروم يقال له المقوقس جارية من بنات الملوك يقال لها مارية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) .
  ولا يخفى أن مكتبات القصور لا تخلو من الكتب العتيقة والنادرة التي تختصر الطريق للوصول إلى الحق ولقد قال بعض علماء الآثار : إن عقيدة التوحيد التي اعتنقها ( أخناتون ) وصلت إليه من بقايا تراث الأسرة الفرعونية الثانية عشرة .
  وهذا التراث كان ينتقل من قصر إلى قصر ، وأجمع علماء الآثار على أن نزول إبراهيم عليه السلام إلى مصر كان في عهد الأسرة الثانية عشرة ، ولقد أهدى فرعون مصر إلى إبراهيم عليه السلام .

---------------------------
(1) الإصابة : 404 / 4 ، الطبقات الكبرى 212 / 7 .
(2) البداية والنهاية : 304 / 5 .

زوجات النبي (صلى عليه وآله وسلم) _ 113 _

  هاجر أم إسماعيل ، وذكر ابن كثير في البداية والنهاية إن هاجر كانت جارية من بنات الملوك .
  وبالجملة : كانت هاجر عند المقدمة الأولى من بنات الملوك ، وسارت في القافلة الإبراهيمية ، ثم كانت مارية عند الدعوة الخاتمة من الملوك ، وسارت نحو المدينة لتكون ضمن أمهات المؤمنين ، وكأن التاريخ يحدثنا أن سنة إبراهيم سنة جارية استقرت في نهاية المطاف عند النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم ، أو كأنه يقول إن حركة المقدمة يستقيم مع حركة الخاتمة .
  إن هدية المقوقس تفيد أن الحجة قد قامت على الخاصة من قبل أن يبعثوا بالهدية ، وعندما بعثوا بهذه الهدية فإن هذا يعني أن الحجة دامغة على دائرة أوسع من دائرة الخاصة ، وتحت هذا السقف يمكن أن نفهم بكل يسر ما روي عن كعب بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( استوصوا بالقبط خيرا ( فإن لهم ذمة ورحما ) ، قال : ورحمهم أن أم إسماعيل بن إبراهيم منهم ، وأم إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم منهم ) (1) .
  وروى ابن كثير وغيره : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركب في المدينة البغلة التي أهداها إليه المقوقس ، وأنه ركبها يوم حنين ، وقد تأخرت هذه البغلة وطالت مدتها ، وكانت عند علي بن أبي طالب ، كان يركبها يوم الجمل ، ثم صارت إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وكبرت حتى كان يحش لها الشعير لتأكله (2) .
  وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يطأ مارية بملك

---------------------------
(1) الطبقات الكبرى : 214 / 7 .
(2) البداية والنهاية : 303 / 5 .

زوجات النبي (صلى عليه وآله وسلم) ـ 114 ـ

  اليمين ، ووهب أختها لحسان بن ثابت فولدت له عبد الرحمن (1) .
  وروي عن عبد الرحمن بن زياد قال : أتى جبريل عليه السلام ، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن الله قد وهب لك غلاما من مارية ، وأمرك أن تسميه إبراهيم ) (2) .
  وروي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم (3) .
  وروى أبو عمر : إن إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ثمانية عشر شهرا (4) وقيل : وهو ابن ستة عشر شهرا (5).
  وذكر ابن كثير في البداية والنهاية : لما توفي إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآله ، بعث علي بن أبي طالب إلى أمه مارية ، فحمله علي بن أبي طالب وجعله بين يديه على الفرس ، ثم جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فغسله وكفنه وخرج به وخرج الناس معه ، فدفنه في الزقاق الذي يلي دار محمد بن زيد ، فدخل علي بن أبي طالب في قبره ، حتى سوى عليه ودفنه ، ثم خرج ورش على قبره وأدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده في قبره وبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبكى المسلمون حوله حتى ارتفع الصوت ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تدمع العين ويحزن القلب ، ولا نقول ما يغضب الرب ، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون (6) .

---------------------------
(1) الطبقات الكبرى : 215 / 7 .
(2) البداية والنهاية : 309 / 5 .
(3) الإستيعاب : 42 / 4 .
(4) المصدر السابق : 43 / 4 .
(5) البداية والنهاية : 309 / 5 .
(6) المصدر السابق : 309 / 5

زوجات النبي (صلى عليه وآله وسلم) _ 115 _

  وفاتها :
  روي أن مارية رضي الله عنها توفيت سنة ست عشر في خلافة عمر بن الخطاب .
  وروي أنها ماتت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمس سنين ودفنت بالبقيع (1) .

---------------------------
(1) الإصابة 405 / 4 .

زوجات النبي (صلى عليه وآله وسلم) _ 116 _

   13 ـ السيدة ريحانة بنت زيد زواجها :
  هي : ريحانة بنت زيد بن عمرو بن خنافة بن سمعون بن زيد من بني النضير ، قال ابن سعد : وكانت متزوجة رجلا من بني قريظة يقال له الحكم ، فنسبها بعض الرواة إلى قريظة لذلك (1) .
  روي عن محمد بن كعب قال : كانت ريحانة مما أفاء الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قتل زوجها وقعت في السبي ، فكانت صفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بني قريظة ، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الإسلام وبين دينها فاختارت الإسلام، فاعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها وضرب عليها الحجاب (2) .
  وروي عن عمر بن الحكم عن ريحانة قالت : لما سبيت بنو قريظة ، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن اخترت الله ورسوله اختارك رسول الله لنفسه ، فقلت : إني اختار الله ورسوله ، فلما أسلمت أعتقني

---------------------------
(1) الطبقات الكبرى : 129 / 8 ، الإصابة : 88 / 8 .
(2) الطبقات : 130 / 8 ، الإصابة : 88 / 8 .

زوجات النبي (صلى عليه وآله وسلم) _ 117 _

  رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصدقني كما كان يصدق نساءه ، وأعرس بي في بيت أم المنذر ، وكان يقسم لي كما كان يقسم لنسائه ، وضرب علي الحجاب (1) .
  قال ابن سعد : هذا ما روي لنا في عتقها وتزويجها ، وهو أثبت الأقاويل عندنا ، وهو الأمر عند أهل العلم ، وقد سمعت من يروي أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعتقها ، وكان يطأها بملك اليمين ، ومن ذلك ما روي عن أيوب بن بشير ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها : أن أحببت أن أعتقك وأتزوجك فعلت ، وإن أحببت أن تكوني في ملكي .
  فقالت : يا رسول الله أكون في ملكك أخفت على وعليك ، فكانت في ملك رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) .

  وفاتها :
  روى ابن سعد عن عمر بن الحكم قال : لم تزل ريحانة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ماتت مرجعه من حجة الوداع ، فدفنها بالبقيع ، وكان تزويجه إياها في المحرم سنة ست من الهجرة (3) .
  وقال صاحب الإصابة : ماتت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بستة عشر . وقيل لما رجع من حجة الوداع (4).

  الخاتمة :
  وفي الختام نقول بما قاله أبو عمر في الإستيعاب : اللواتي لم

---------------------------
(1) الطبقات : 130 / 8 ، الإصابة : 88 / 8 .
(2) الطبقات : 131 / 8 .
(3) الطبقات : 130 / 8 .
(4) الإصابة : 88 / 8 .

زوجات النبي (صلى عليه وآله وسلم) _ 118 _

  يختلف أهل العلم فيهن هن إحدى عشر امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ست من قريش ، وواحدة من بني إسرائيل من ولد هارون عليه السلام ، وأربع من سائر العرب ، وتوفي في حياته صلى الله عليه وآله وسلم من أزواجه اثنتان : خديجة بنت خويلد ، وزينب بنت خزيمة ، وتخلف منهن تسع بعده ، أما اللواتي اختلف فيهن ممن أبتنى بها ، أو فارقها ، أو عقد عليها ولم يدخل بها ، أو خطبها ولم يتم له العقد معها ، فقد اختلف فيهن وفي أسباب فراقهن اختلافا ( كثيرا ) ، يوجب التوقف عن القطع بالصحة في واحدة منهن (1) .
ولم يختلف أهل العلم في أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان له سريتان يقسم لهما مع أزواجه : مارية القبطية ، وريحانة الخندقية ، وما ذكره أبو عمر وما اتفق عليه العلماء ، أقر به ، فلقد ظهر لي ذلك ظهورا ( جليا ) عندما كنت أجمع مادة هذا الكتاب من أكثر من مصدر .
ووفقا لهذه الخلفية فإن أي قول غير هذا فهو إما قول مختلف فيه ، وإما قول لا يستند إلى أساس ، ومن كان شأنه كذلك فلا يلتفت إليه ، ( قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ) (2) .
  ( سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (3).
  وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما ( كثيرا ) .

---------------------------
(1) الإستيعاب : 34 / 1 .
(2) سورة النمل آية : 59 .
(3) سورة الصافات آية : 182 .

زوجات النبي (صلى عليه وآله وسلم) _ 119 _

  المصادر والمراجع :
  تفسير الميزان : العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي ، ط ـ مؤسسة الأعلمي ، بيروت .
  تفسير القرآن : ابن كثير ، ط ـ دار التراث ، حلب 1950 .
  الإصابة في تميز الصحابة : ابن حجر العسقلاني ، ط ـ دار العلوم الحديثة ، ط ـ دار الكتب العلمية .
  الإستيعاب : ابن عبد البر ، هامش الإصابة ط ـ دار العلوم الحديثة 1328 .
  البداية والنهاية : ابن كثير ، ط ـ دار المعارف 1981 .
  تاريخ دمشق : ابن عساكر ط ـ المجمع العلمي العربي دمشق .
  تاريخ الأمم والملوك : الطبري ط ـ دار الفكر بيروت .
  صحيح البخاري : البخاري ، ط ـ الحلبي القاهرة ، ط ـ دار الكتاب الإسلامي .
  صحيح مسلم : مسلم بن الحجاج ، ط ـ إحياء التراث بيروت ، ط ـ التحرير القاهرة .
  الجامع الصحيح : الترمذي ط ـ الحلبي القاهرة 1970 .
  الطبقات الكبرى : ابن سعد ، ط ـ دار صادر بيروت .

زوجات النبي (صلى عليه وآله وسلم) _ 120 _

  الفتح الرباني ترتيب مسند أحمد : أحمد البنا ، ط ـ دار التراث العربي بيروت .
  كنز العمال : علي المتقي ، ط ـ دار الرسالة بيروت 1979 .
  المستدرك : الحاكم ، ط ـ دار الفكر ، بيروت .
  مجمع الزوائد : الهيثمي ط ـ القدسي ، القاهرة .
  مروج الذهب : المسعودي ، ط ـ دار الكتب العلمية ، بيروت 1981 .
  الكتاب المقدس : ط ـ دار الكتاب المقدس 1983 ، القاهرة .
  تحفة الأحوازي شرح سنن الترمذي : المباركفوري ط ـ المكتبة السلفيه ، المدينة .
  التاج الجامع للأصول : منصور ناصف ، ط ـ دار الفكر ، بيروت .
  العقد الفريد : ابن عبد البرط ـ لجنة التأليف والنشر القاهرة 1950 .
  إبتلاءات الأمم : سعيد أيوب ، ط ـ دار الهادي ، بيروت .
  معالم الفتن : سعيد أيوب ، ط ـ دار الكرام ، بيروت .