وفي المناقب لما رأى هشام معرفته وقوة حجته وشاهد منه مالم يكن في حسبانه داخله الخوف منه أن يفتتن به أهل الشام وقال لقهرمانه لا يبيتن هذا في عسكري الليلة ، وفي كتاب مختار البيان والنبيين للجاحظ عند تعداد الخطباء : ومنهم زيد بن علي بن الحسين قال وكان قد وشي به الى هشام فسأله عن ذلك فقال أحلف لك قال هشام وإذا حلفت أفأصدقك قال اتق الله قال أو مثلك يا زيد يأمر مثلي بتقوى الله قال لا أحد فوق أن يوصى بتقوى لله ولا أحد دون أن يوصي بتقوى الله قال هشام بلغني أنك تريد الخلافة وأنت تصلح لها لأنك ابن أمة قال قد كان إسماعيل بن إبراهيم ابن أمة واسحق ابن حرة فأخرج لله من صلب اسماعيل النبي الكريم فعندها قال له هشام قم قال إذا لا تراني إلا حيث تكره الى أن قال ومن أخبار زيد بعد ذلك أنه لما رأى الارض قد طبقت جورا ورأى قلة الأعوان وتخاذل الناس كانت الشهادة أحب المنيات اليه ، وفي عمدة الطالب أنه لما قال ما كره قوم حد السيوف الا ذلوا حملت كلمته الى هشام فعرف أنه يخرج عليه ثم قال هشام ألستم تزعمون أن أهل هذا البيت قد بادوا ولعمري ما انقرض من مثل هذا خلفهم .
وفي المناقب عن عيون الاخبار وفي الرياض أن هشاما قال له ما فعل أو ما يصنع أخوك البقرة فغضب زيد حتى كاد يخرج من أهابه ثم قال سماه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الباقر وتسميه أنت البقرة لشد ما اختلفتما ولتخالفنه في الآخرة كما خالفته في الدنيا فيرد الجنة وترد النار .
وفي الرياض فقال هشام خذوا بيد هذا الأحمق المائق فأخرجوه فأخرج زيد واشخص الى المدينة ومعه نفر يسير حتى طردوه عن حدود الشام فلما فارقوه عدل العراق .
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 41 _
وفي تاريخ دمشق قال عبد الاعلى الشامي لما قدم زيد الشام كان حسن الخلق حلو اللسان فبلغ ذلك هشاما فاشتد عليه فشكا ذلك الى مولى له فقال ائذن للناس اذنا عاما واحجب زيدا وائذن له في آخر الناس فدخل فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين فلم يرد عليه فقال السلام عليك يا أحول فانك ترى نفسك أهلا لهذا الاسم فقاله له هشام أنت الطامع في الخلافة وأمك أمة فقال ان لكلامك جوابا فان شئت أجبت قال وما جوابك فقال لو كان في أم الولد تقصير لما بعث الله اسماعيل نبيا وأمه هاجر فالخلافة أعظم أم النبوة فأفحم هشام فلما خرج قال لجلسائه أنتم القائلون أن رجالات بني هاشم هلكت والله ما هلك قوم هذا منهم فردوه وقال يا زيد ما كانت أمك تصنع بالزوج ولها ابن مثلك قال أرادت آخر مثلي قال ارفع الي حوائجك فقال أما وأنت النائر في أمور المسلمين فلا حاجة لي ثم قام فخرج فأتبعه رسولا وقال اسمع ما يقول فتبعه فسمعه يقول من أحب الحياة ذل ثم أنشأ يقول :
مـهلا بـني عمنا عن نحت iiاثلتنا سـيروا رويـدا كما كنتم iiتسيرونا لا تـطمعوا أن تـهينونا iiونكرمكم وان نـكف الاذى عـنكم iiوتؤذونا الله يـعـلـم أنــا لا iiنـحـبكم ولا نـلـومـكم أن لا تـحـبونا كل امرىء مولع في بغض صاحبه فـنـحمد الله نـقـلوكم iiوتـقلونا |
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 42 _
ثم حلف أن لا يلقى هشاما ولا يسأله صفراء ولا بيضاء الحديث .
وفي مروج الذهب قد كان زيد دخل على هشام بالرصافة فلم ير موضعا يجلس فيه فجلس حيث انتهى به مجلسه وقال يا أمير المؤمنين ليس أحد يكبر عن تقوى الله ولا يصغر دون تقوى الله فقال هشام اسكت لا أم لك أنت الذي تنازعك نفسك في الخلافة وأنت ابن أمة قال يا أمير المؤمنين ان لك جوابا إذا أحببت أجبتك به وان أحببت أمسكت عنه فقال بل أجب فقال إن الامهات لا يقعدن بالرجال عن الغايات وقد كانت أم إسماعيل أمه لا أم اسحق ( صلى الله عليهما وسلم ) فلم يمنعه ذلك أن بعثه الله نبيا وجعله للعرب أبا فاخرج من صلبه خير البشر محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فنقول لي هذا وأنا ابن فاطمة وابن علي وقام وهو يقول ( منخرق النعلين يشكو الوجى ) الابيات الأربعة الآتية فمضى عنها الى الكوفة وخرج فيها ومعه القراء والأشراف فحاربه يوسف بن عمر الثقفي فلما قامت الحرب انهزم أصحاب زيد وبقي في جماعة يسيرة فقاتلهم لشد قتال وهو يقول متمثلا :
أذل الـحياة وعـز iiالـممات وكــلا أراه طـعاما وبـيلا فـان كـان لا بـد من iiواحد فسيري الى الموت سيرا جميلا |
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 43 _
وروي ابن عساكر ان زيدا دخل على هشام فقال له يا زيد بلغني ان نفسك لتسمو بك الى الامامة والامامة لا تصلح لاولاد الاماء فاجابه بما مر فقال هشام يا زيد ان الله لا يجمع النبوة والملك لاحد فقال زيد قال الله تعالى : ( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ) .
وقال ابن عساكر قال عبدالله بن جعفر قال لي سالم مولى هشام دخل زيد على هشام فرفع دينا كثيرا وحوائج فلم يقض له هشام حاجة وتجهمه واسمعه كلاما شديدا فخرج من عنده وهو يأخذ شاربه ويفتله ويقول ما أحب الحياة أحد الا ذل ثم مضى فكان وجهه الى الكوفة فخرج بها ثم قتل وصلب فأخبرت هشاما بعد ذلك بما قاله زيد لما خرج من عنده فقال ثكلتك أمك الا كنت أخبرتني بذلك قبل اليوم وما كان يرضيه إنما كانت خمسمائة ألف فكان ذلك أهون علينا مما صار إليه ، وهذا من الاعذار التي هي أقبح من الذنب ، ورواه الطبري في ذيل المذيل بسنده عن عبد الله بن جعفر مثله .
وقال ابن الاثير وغيره ان زيدا تنازع مع ابن عمه جعفر ابن حسن بن حسن بن علي في صدقان ( وقوف ) علي بن أبي طالب زيد من طرف أولاد الحسين بن علي وجعفر من طرف أولاد الحسن ابن علي فكانا يتبالغان كل غاية ويقومان فلا يعيدان مما كان بينهما حرفا فلما توفي جعفر قام مقامه عبد الله المحض بن الحسن المثنى فتخاصم مع زيد يوما في مجلس خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم والي المديينة فاسمع عبدالله زبدا كلاما فيه غلظة وخشونة وعرض بان أمه أم ولد .
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 44 _
وقال له يا ابن السندية فتبسم زيد وقال لا عيب في كون أمي امة فان أم اسماعيل أيضا أمة وقد صبرت أمي بعد وفاة سيدها ولم تتزوج كما فعل غيرها يعرض بام عبد الله المحض فاطمة بنت الحسين ابن علي عمة زيد فإنها بعد وفات الحسن بن الحسن تزوجت وندم زيد على هذا الكلام وبقي مدة لا يدخل دار فاطمة حياء منها فارسلت اليه يا ابن أخي إني لا علم أن قدر أمك ومنزلتها عندك مثل منزلة أم عبد الله عند عبد الله وعاتبت عبد الله وقالت له بئسما قلت لام زيد أما والله لنعم دخيلة القوم كانت ، وقال لهم خالد في ذلك اليوم اغدوا علي غدا فلست لعبد الملك ان لم أفصل بينكما فباتت المدينة تغلي كالمرجل يقول قائل قال زيد كذا ويقول قائل قال عبدالله كذا فلما كان الغد جلس خالد في المسجد واجتمع الناس فمن بين شامت ومهموم فدعا بهما خالد وهو يحب أن يتشاتما فذهب عبد الله يتكلم فقال له زيد لا تعجل يا أبا محمد اعتق زيد ما يملك أن خاصمك الى خالد أبدا ثم اقبل على خالد وقال جمعت ذرية رسول الله لامر لم يكن أبوبكر وعمر يجمعانهم له فقال خالد أما لهذا السفيه أحد فقام رجل من الانصار من آل عمرو بن حزم وقال يا ابن أبي تراب أما ترى لوال عليك حقا قال زيد أسكت أيها القحطاني فأنا لا نجيب مثلك قال فلماذا ترغب عني فوالله اني لخير منك وأبي خير لأبيك وأمي خير من أمك فتضاحك زيد وقال يا معشر قريش هذا الدين قد ذهب أفذهبت الاحساب انه ليذهب دين القوم وما تذهب أحسابهم فتكلم عبد الله بن واقد بن عبد الله ابن عمر بن الخطاب .
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 45 _
فقال كذبت والله أيها القحطاني فوالله لهو خير منك نفسا وأبا وأما ومحتدا وتناوله بكلام كثير وأخذ كفا من حصباه فضرب بها الأرض ثم قال انه والله ما لنا على هذا من صبر ثم خرج من المسجد وشخص زيد الى هشام بن عبدالملك فجعل هشام لا يأذن له فيرفع اليه القصص فكلما رفع اليه قصة كتب هشام في أسفلها أرجع الى منزلك فيقول زيد والله لا ارجع الى خالد أبدا ثم اذن له يوما بعد طول حبس فرقى علية عالية وأمر هشام خادما ان يتبعه بحيث لا يراه زيد ويسمع ما يقول فصعد زيد وكان بادنا فوقف في بعض الدرجة فسمعه الخادم يقول ما أحب أحد الحياة الا وذل فأبلغ الخادم هشاما ذلك فعلم هشام أن في نفسه الخروج ثم دخل على هشام الى أن قال : فقال هشام لقد بلغني يا زيد أنك تذكر الخلافة وتتمناها ولست هناك وأنت ابن أمة الى آخر ما مر فقال له هشام أخرج قال أخرج ثم لا أكون غلا بحيث تكره فقال له سالم يا أبا الحسين لا يظهرن هذا منك فخرج من عنده وسار الى الكوفة ولما خرج من مجلس هشام أنشد :
شـــرده الـخـوف وازرى iiبــه كــذاك مــن يـكره حـر iiالـجلاد منخرق النعلين ( الخفين ) يشكو الوجى تـنـكبه اطــراف مــرو iiحـداد قـد كـان فـي الـموت لـه راحـة والـموت حـتم فـي رقـاب الـعباد ان يــحـدث الله لـــه iiدولـــة تـتـرك آثــار الـعـدا iiكـالـرماد |
وفي رواية أنه نهض من عند هشام وهو يقول : من أحب الحياة أصبح في قيــد من الذل ضيق الحلقات وأخرج ابن عساكر عن الزهري كنت على باب هشام ابن عبد الملك فخرج من عنده زيد بن علي وهو يقول والله ما كره قوم الجهاد في سبيل الله الا ضربهم الله تعالى بالذل وقال ابن الأثير قال له هشام أخرج قال أخرج ثم لا أكون إلا بحيث تكره فقال له سالم ( مولى هشام ) يا ابا الحسين لا يظهرن هذا منك فخرج من عنده وسار الى الكوفة .
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 46 _
( ثانيها ) أنه كان سبب خروجه الامر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث شاعت المحرمات والفسق والفجور في عصر بني أمية ، روي الخوارزمي في كتاب المقتل عن جاب الجعفري أنه قال : قال لي محمد بن علي الباقر ( عليهما السلام ) ان أخي زيد بن علي خارج مقتول وهو على الحق فالويل لمن خذله والويل لمن حاربه والويل لمن يقتله قال جابر فلما أزمع زيد بنعلي على الخروج قلت له أني سمعت أخاك يقول كذا وكذا فقال لي يا جابر لا يسعني أن أسكت وقد خولف كتاب الله وتحوكم الى الجبت والطاغوت وذلك أني شهدت هشاما ورجل عنده يسب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقلت للاب وملك يا كافر أما أني لو تمكنت منك لاختطفت روحك وعجلتك الى النار فقال لي هشام مه عن جليسنا يا زيد فوالله أن لم يكن الا أنا ويحيى ابني لخرجت عليه وجاهدته حتى أفنى . وقال ابن عساكر : قال محمد ابن عمير أن أبا الحسين لما رأى الأرض قد طوقت جورا ورأى قلة الأعوان وتخاذل الناس كانت الشهادة أحب الميتات اليه فخرج وهو يتمثل بهذين البيتين :
ان الـمحكم مـا لـم يرتقب iiحسدا لو يرهب السيف أو وخز القناة صفا مـن عاذ بالسيف لاقى فرجة عجبا مـوتا على عجل أو عاش iiفانتصفا |
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 47 _
( ثالثها ) إنه كان السبب في خروجه ان خالد بن عبد الله القسري وابنه يزيد ادعيا ما لا قبل زيد وغيره لما سألهم يوسف بن عمر عن ودائعهم فكتب يوسف بذلك الى هشام فأرسل هشام زيدا الى الكوفة ليجمع يوسف بينه وبين خالد فلما انقضى أمر هذه الدعوى وخرج زيد من الكوفة لحقه الشيعة وحملوه على الخروج وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق قال حمزة بن ربيعة كان سبب خروج زيد بالعراق أن يوسف بن عمر سأل القسري وابنه عن ودائعهم فقالوا لنا عند داود بن علي وديعة وعند زيد بن علي وديعة فكتب بذلك الى هشام فكتب هشام الى صاحب المدينة في أشخاص زيد وكتب الى صاحب البلقاء في أشخاص داود اليه فأما داود فحلف لهشام أن لا وديعة له عندي فصدقه وإذن له بالرجوع الى أهله وأما زيد فأبى أن يقبل منه وأنكر زيد أن يكون له عنده شيء فقال أقدم على يوسف فقدم عليه فجمع بينه وبين يزيد وخالد القسر بين فقال خالد إنما هو شيء تبردت به أي ليس لي عنده شيء وإنما قلت هذا لتخفيف العذاب عني فصدقه وأجازه يوسف وخرج يريد المدينة فلحقه رجال من الشيعة وقالوا له أرجع فان لك عندنا الرجال والأموال فرجع .
وروي ابوالفرج في مقاتل الطالبيين باسانيده عن رواة حديثه قالوا كان أول أمر زيد بن علي ( صلوات الله عليه ) أن خالد بن عبد الله القسري ادعى ما لا قبل زيد بن علي ومحمد بنعمر بن علي بن أبي طالب وداود بن علي بن عبدالله بن عباس وسعد بن ابراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف وايوب بن سامة المخزومي وكتب فيهم يوسف بن عمر عامل هشام على العراق الى هشام وزيد بن علي ومحمد بن عمر يومئذ بالرصافة ( الظاهر أنها رصافة الشام بناها هشام بن عبد الملك ) زيد يخاصم الحسن بن الحسن في صدقة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فبعث اليهم هشام فأنكروا فقال لهم هشام فأنا باعثون بكم اليه يجمع بينكم وبينه فقال له زيد أنشدك الله والرحم أن لا تبعث بنا الى يوسف قال وما الذي تخاف من يوسف .
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 48 _
قال أخاف أن يتعدى علينا فكتب هشام الى يوسف اذا قدم عليك زيد وفلان وفلان فأجمع بينهم وبينه فإن أقروا فسرح بهم الي وان أنكروا ولم يقم بينة فاستحفلهم بعد صلاة العصر ثم خل سبيلهم فقالوا إنا نخاف أن يتعدى كتابك قال كلا أنا باعث معكم رجلا من الحرس ليأخذه بذلك حتى يفرغ ويعجل قالوا جزاك الله عن الرحم خيرا .
فسرح بهم الى يوسف وهو يومئذ بالحيرة واحتبس ايوب بم سلمة لخؤاته ولم يؤخذ بشيء من ذلك فلما قدموا على يوسف أجلس زيدا قريبا منه ولاطفه في المسألة ثم سألهم عن المال فأنكروا فأخرجه يوسف اليهم وقال هذا زيد بنعلي ومحمد بن عمر بن علي اللذان أدعيت قبلهما ما أدعيت قال ما لي قبلهما قليل ولا كثير قال أفهي كنت تهزأ أم بامير المؤمنين فعذبه عذابا ظن أنه قد قتله ثم أخرج زيدا وأصحابه بعد صلاة العصر الى المسجد فاستحلفهم فحلفوا فخلى سبيلهم ( كان خالد القسري واليا على العراق قبل يوسف فلما ولي يوسف عذبه بأمر هشام ليستخرج منه الاموال ادعى أن له مالا أودعه عند هؤلاء ليرفع عنه العذاب ولم يكن له عندهم شيء فلما جمعه بهم تكلم بالحقيقة ) .
وقال ابن الاثير أن هشاما أحضرهم من المدينة وسيرهم الى يوسف ليجمع بينهم وبين خالد فقال يوسف لزيد أن خالدا زعم أنه أودعك مالا قال كيف يودعني وهو يشم آبائي على منبره فأرسل الى خالد فأحضره في عباءة فقال هذا زيد قد أنكر أنك أودعته شيئا فقال خالد ليوسف أتريد مع أئمك في آثما في هذا كيف أودعه وأنا أشتمه وأشتم آباءه على المنبر فقالوا لخالد ما دعاك الى ما صنعت قال شدد علي العذاب فأدعيت ذلك وأملت أن يأتي الله بفرج قبل قدومكم فرجعوا وأقام زيد وداود بالكوفة وقيل أن يزيد بن خالد القسري هوالذي ادعى المال وديعة عند زيد .
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 49 _
قال ابن عساكر : قال مصعب بن عبدالله : كان هشام بعث الى زيد والى داود بن علي وأتهمهما أن يكون عندهما مال لخالد ابن عبد الله القسري حين عزله فقال كثير بن كثير بن المطلب ابن وداعة السهمي حين أخذ داود وزيد بمكة :
يأمن الظبي والحمام ولا iiيأ مـن ابن النبي عند iiالمقام طبت بيتا وطاب أهلك أهلا أهـل بيت النبي iiوالإسلام رحـمة الله والسلام iiعليكم كـلما قـلم قـائم iiبـسلام حـفظوا خاتما وجزء iiرداء وأضـاعوا قرابة iiالارحام |
قال ويقال أن زيدا بينما كان بباب هشام في خصومة عبد الله ابن حسن في الصدقة ورد كتاب يوسف بن عمر في زيد وداود ابن علي ومحمد بن عمر بن علي بن أبي طالب وأيوب بن سلمة فحبس زيدا وبعث الى أولئك فقدم بهم ثم حملهم الى يوسف بن عمر غير أيوب فانه أطلقه لأنه من أخواله وبعث بزيد الى يوسف بن عمر بالكوفة فاستحلفه ما عنده لخالد مال وخلى سبيله حتى إذا كان بالقدسية لحقته الشيعة فسألوه الرجوع معهم والخروج ففعل وقتل وانهزم أصحابه وفي ذلك يقول سلمة بن الحر بن يوسف بن الحكم :
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 50 _
وامـتنا جحاجح من iiقريش فأمسى ذكرهم كحديث أمس وكـنا أس مـلكهم iiقـديما ومـا مـلك يقوم بغير iiأس ضـمنا مـنهم ثكلا iiوحزنا ولـكن لا مـحالة من تأس |
والاختلاف بين هذه الاخبار ظاهر ، فالخبر الاول دل على أن زيدا كان بالمدينة وداود بالبلقاء والخبر الثاني دل على أن زيدا ومحمد ابن عمر كانا بالرصافة بالشام ، والخبر الثالث دل على ان الجميع كانوا بمكة والخبر الرابع دل على ان هشاما هو الذي اتهم زيدا وداود بالمال وأنهما كانا بمكة وأنه حبس زيدا .
وقال ابن الاثير في الكامل أن المال الذي ادعاه خالد على زيد كان ثمن أرض ابتاعها خالد من زيد ثم ردها عليه فذكر في حوادث سنة 121 قيل أن زيدا قتل فيها وقيل في سنة 122 وقيل في سبب خلافه أن زيدا وداود بن علي بن عبد الله بن عباس ومحمد بن عمر بن علي ابن ابي طالب قدموا على خالد بن عبد الله القسري بالعراق فأجازهم ورجعوا الى المدينة فلما ولي يوسف بن عمر كتب الى هشام بذلك وذكر أن خالد بن عبد الله ابتاع من زيد أرضا بالمدينة بعشرة آلاف دينار ثم رد الأرض عليه فكتب هشام الى عامل المدينة أن يسيرهم اليه ففعل فسألهم هشام عن ذلك فاقروا بالجائزة وانكروا ما سوى ذلك وحلفوا فصدقهم وأمرهم بالمسير الى العراق ليقابلوا خالدا فساروا على كره وقابلوا خالدا فصدقهم فعادوا نحو المدينة فلما نزلوا القادسية راسل أهل الكوفة زيدا فعاد اليهم .
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 51 _
قال أبو الفرج في روايته فأقام زيد بعد خروجه من عند يوسف بالكوفة اياما وجعل يوسف يستحثه حتى خرج وأتي القادسية ثم أن الشيعة لقوة فقالوا أين تخرج عنا رحمك الله ومعك مائة ألف سيف من أهل الكوفة والبصرة وخراسان يضربون بني أمية بها دونك وليس قبلنا من أهل الشام الا عدة يسيرة فأبى عليهم فقال له محمد ابن عمر بن علي بن أبي طالب اذكرك الله يا أبا الحسين لما لحقت بأهلك ولم تقبل قول أحد من هؤلاء فإنهم لا يفون لك أليسوا أصحاب جدك الحسين بن علي ( عليهما السلام ) فأبى أن يرجع فما زالوا يناشدونه حتى رجع بعد أن أعطون العهود والمواثيق . وقال ابن الاثير فقال له محمد ابن عمر بن علي بن أبي طالب أذكرك الله يا زيد لما لحقت بأهلك ولا ترجع اليهم فإنهم لا يفون لك فلم يقبل وقال له خرج بنا أسراء على غير ذنب من الحجاز الى الشام ثم الى الجزيرة ثم الى العراق الى تيس ثقيف يلعب بنا ثم قال :
بـكرت تـخوفني الـحتوف iiكأنني اصـبحت عن عرض الحياة iiبمعزل فـأجـبـتها أن الـمـنية iiمـنـهل لابــد أن أسـقى بـذاك الـمنهل أن الـمـنية لــو تـمثل iiمـثلت مثلى ( كذا ) اذا نزلوا بضيق المنزل فـاقني حـياءك لا أبـالك iiوأعلمي أنـت امـرؤ سـأموت أن لم iiأقتل |
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 52 _
استودعك الله واني أعطي الله عهدا أن دخلت يدي في طاعة هؤلاء ما عشت وفارقه وأقبل الى الكوفة فأمام بها مستخفيا ينتقل في المنازل وأقبلت الشيعة تختلف اليه تبايعه فبايعه جماعة منهم سلمة ابن كهيل ونصر بن خزيمة ومعوية بن اسحق بن زيد بن حارثة الانصاري وأناس من وجوه أهل الكوفة .
وفي عمدة الطالب كان هشام بن عبد الملك قد بعث الى مكة فأخذوا زيدا وداود بن علي بن عبد الله بن عباس ومحمد بن عمر ابن علي بن أبي طالب لأنهم اتهموا أن لخالد بن عبد الله القسري عندهم مالا مودوعا وكان خالد قد زعم ذلك فبعث بهم الى يوسف بن عمر الثقفي بالكوفة فحلفهم أن ليس لخالد عندهم مال فحلفوا جميعا فتركهم يوسف فخرجت الشيعة خلف زيد الى القادسية فردوه وبايعوه ، ( رابعها ) أن السبب في ذلك وشاية ابن الخالد الى هشام بأن زيدا وجماعة يريدون خلعه فأغلظ له هشام في القول وأحرجه فخرج ، روي ابن عساكر في تاريخ دمشق أن ابنا لخالد بن عبدالله القسري أقر على زيد وعلى داود بن علي بن عبد الله بن عباس وأيوب بن سلمة المخزومي ومحمد بن عمر بن علي وسعد بن ابراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف أنهم قد أزمعوا على خلع هشام بن عبد الملك فقال هشام لزيد قد بلغني كذا وكذا فقال ليس كما بلغك يا أمير المؤمنين قال بلى قد صح عندي ذلك قال احلف لك قال وإن حلفت فأنت غير مصدق قال زيد ان الله لم يرفع من قد أحد أن يخحلف له بالله فلا يصدق فقال له هشام أخرج عني فقال له لا تراني إلا حيث تكره فلما خرج من بين يدي هشام قال ، من أحب الحياة ذلفقال له الحاجب يا أبا الحسين لا يسمعن هذا منك أحد ،
( خامسها ) أن السبب في خروجه أن أهل الكوفة كتبوا إليه فقدم عليهم ، في تاريخ دمشق قال زكريا بن أبي زائدة لما حجبت مررت بالمدينة فدخلت على زيد فسلمت عليه فسمعته يتمثل بهذه الأبيات :
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 53 _
متى تجمع القلب الذكي وصارما وانـفا حـميا تـجتنبك iiالمظالم وكنت إذا قوم غزوني iiغزوتهم فـهل أنا في ذا يال همدان ظالم |
فخرجت من عنده فمضيت فقضيت حجتي ثم انصرفت الى الكوفة فبلغني قدومه فأتيه فسلمت عليه وسألته عما قدم له فأخبرني عمن كتب إليه يسأله القدوم عليهم فأشرت عليه بالانصراف فلحقه القوم فردوه .
ورواه أبوالفرج في المقاتل بسنده عن زكريا الهمداني نحوه الى آخر الابيات ثم قال فخرجت من عنده وظننت أن في نفسه شيئا وكان من أمره ما كان ويعلم مما مر وأني أن الذي دعا زيدا الى الخروج إنما هو آباء الضيم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا طلب ملك وإمارة وأنه خرج موطنا نفسه على القتل مع غلبة ظنه بأنه يقتل فاختار المنية على الدنية وقتل العز على عيش الذل كما فعل جده الحسين عليه السلام الذي سن الاباء لكل أبي .
قال أبو مخنف : واقبلت الشيعة وغيرهم من الحكمة يختلفون إليه ويبايعونه حتى أحصى ديوانه خمسة عشر ألف رجل من أهل الكوفة خاصة سوى أهل المدائن والبصرة وواسط والموصل وخراسان والري وجرجان والجزيرة وقيل أحصى ديوانه أربعين ألفا. وفي الشذرات كان ممن بايعه منصور بن المعتمر ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهلال بن خباب بن الحارث قاضي المدائن وابن شبرمة ومسعود بن كذام وغيرهم وأرسل إليه أبو حنيفة بثلاثين ألف درهم وحث الناس على نصره وكان مريضا وحضر معه من أهله محمد بن عبد الله النفس الزكية وعبد الله بن علي بن الحسين ، ويأتي بعد ذكر مقتله ما ذكره أبو الفرج من أسماء من عرف ممن خرج معه من أهل العلم ونقلة الآثار والفقهاء وفيهم بعض هؤلاء .
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 54 _
صورة البيعة
قال ابن الاثير وكانت بيعته إنا ندعوكم الى كتاب الله وسنة نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) وجهاد الظالمين والدفع عن المستضعفين واعطاء المحرومين وقسم هذا الفيء بين أهله بالسواء ورد المظالم ونصره أهل البيت أتبايعون على ذلك فإذا قالوا نعم وضع يده على أيديهم ويقول عليك عهد الله وميثاقه وذمته وذمة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) لتفين ببيعتي ولتقاتلن عدوي ولتنصحن لي في السر والعلانية فاذا قال نعم مسح يده على يده ثم قال اللهم أشهد قال أبو الفرج وأقام بالكوفة بضعة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا منها شهران بالبصرة والباقي بالكوفة ثم خرج وأرسل دعاته الى الآفاق والكور يدعون الناس الى بيعته قال ابن الاثير فشاع أمره في الناس على قول من زعم أنه أتى الكوفة من الشام وأختفى بها يبايع الناس وأما على قول من زعم أنه أتى الى يوسف بن عمر لموافقة خالد بن عبد الله القسري أو ابنه يزيد بن خالد فإن زيدا أقام بالكوفة ظاهرا ومعه داود بن علي وأقبلت الشيعة تختلف الى زيد وتأمره بالخروج ويقولون انا لنرجو أن تكون أنت المنصور وان هذا الزمان هو الذي يهلك فيه بنو أمية فأقام بالكوفة وجعل يوسف ابن عمر يسأل عنه فيقال هو هاهنا ويبعث اليه ليسير فيقول نعم ويعتل بالوجع فمكث ما شاء الله ثم أرسل اليه يوسف ليسير فاحتج بأنه يحاكم بعض آل طلحة بن عبدالله لملك بينهما بالمدينة فأرسل إليه ليؤكل وكيلا فلما رأى جد يوسف في أمره سار حتى أتى القادسية وقيل الثعلبية فتبعه أهل الكوفة وقالوا نحن اربعون الفا لم يتخلف عنك أحد نضر بأسيافنا وليس ها هنا من أهل الشام إلا عدة يسيرة بعض قبائلنا يكفيكهم بإذن الله تعالى وحلفوا بالايمان المغلظة وجعل يقول أني أخاف أن تخذلوني وتسلموني كما فعلتم بأبي وجدي فيحلفون له .
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 55 _
فقال له داود بن علي يا ابن عم إن هؤلاء يغرونك من نفسك أليس قد خذلوا من كان أعز عليهم منك جدك علي بن أبي طالب حتى قتل والحسن من بعده بايعوه ثم وثبوا عليه فانتزعوا رداءه وجرحوه أو ليس قد أخرجوا جدك الحسين وبايعوه ثم خذلوه وأسلموه ولم يرضوا بذلك حتى قتلوه فلا ترجع معهم فقالوا إن هذا لا يريد أن تظهر ويزعم أنه وأهل بيته أولى بهذا الأمر منكم فقال زيد لداود أن عليا ( عليه السلام ) كان يقاتله معوية بذهبه ( بدهائه ) وإن الحسين قاتله يزيد والأمر مقبل عليهم ( ولداود أن يقول له وأنت يقتلك هشام وليس بدون يزيد ) فقال داود اني خائف أن رجعت معهم أن لا يكون أحد أشد عليك منهم وأنت أعلم ومضى داود إلى المدينة ورجع زيد الى الكوفة فلما رجع أتاه سلمة بن كهيل فذكر له قرابته من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وحقه فأحسن ثم قال له نشدتك الله كم بايعك قال أربعون ألفا قال فكم بايع جدك قال ثمانون ألفا قال فكم حصل معه قال ثلثمائة قال نشدتك الله أنت خير أم جدك قال جدي قال فهذا القرن خير أم ذلك القرن قال ذلك القرن قال أفتطمع أن يفي لك هؤلاء وقد غدر اولئك بجدك قال قد بايعوني ووجبت البيعة في عنقي وأعناقهم قال أفتأذن لي أن أخرج من هذا البلد فلا آمن أن يحدث حدث فلا أملك نفسي فاذن له فخرج الى اليمامة وكتب عبدالله بن الحسن الحسني الى زيد أما بعد فإن أهل الكوفة قبح العلانية جود السريرة هرج في الرخاء جزع في اللقاء يقدمهم ألسنتهم ولا يشايعهم قلوبهم ولقد تواترت الي كتبهم بدعوتهم فصمت عن ندائهم وألبست قلبي غشاء عن ذكرهم يأسا منهم واطراحا لهم ومالهم مثل إلا ما قال علي بن أبي طالب عليه السلام أن أهملتم خضتم وان جوربتم خرتم وان إجتمع الناس على أمام طعنتم وان أجبتم الى مشاقة نكصتم فلم يصغ زيد الى شيء من ذلك فأقام على حاله يبايع الناس ويتجهز للخروج وتزوج بالكوفة ابنة ليعقوب السلمي وتزوج أيضا ابنة عبدالله بن أبي القيس الازدي وكان سبب تزوجه اياها أن أمها أم عمرو بنت الصلت كانت تتشيع فأتت زيدا تسلم عليه وكانت جميلة حسنة قد دخلت في اليمن فلم يظهر عليها فخطبها زيد الى نفسها فاعتذرت بالسن وقالت أن لي بنتا هي أجمل مني وأبيض وأحسن دلا وشكلا فضحك زيد ثم تزوجها وكان ينتقل بالكوفة تارة في بني نهد وتارة في بني تغلب وغيرهم الى أن ظهر ، انتهى كلام ابن الاثير .
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 56 _
وكان خروجه بالكوفة في ولاية يوسف بن عمر بن أبي عقيل الثقفي العراق لهشام بن عبد الملك في الشذرات ويوسف هذا هو ابن عمر أبوه عم الحجاج بن يوسف .
أخبار السجاد والباقر والصادق عليهم السلام بقتله قبل وقوعه
عن فرحة الغري : روي عن أبي حمزة الثمالي قال كنت أزور علي بن الحسين ( عليهما السلام ) في كل سنة مرة في وقت الحج فزرته سنة فرأيت على ركبته ولدا جالساً ثم نهض الى نحو باب الدار فوقع فجرح رأسه وجرى دمه فقام الامام ( عليه السلام ) مسرعا وحمله ومسح الدم عن رأسه وقال يا بني أعيذك بالله أن تكون المصلوب بالكناسة فقلت فداك أبي وأمي أي كناسة هذه قال كناسة الكوفة فقلت جعلت فداك هذه الواقعة من المحتوم فقال أي والذي بعث محمداً بالحق أن عشت بعدي لترين هذا الغلام في ناحية من نواحي الكوفة مقتولا مدفونا منبوشا مسلوبا مسحوبا مصلوباً في الكناسة قال أبو حمزة جعلت فداك ما اسم هذا الغلام فقال زيد ابني ثم بكى قال أبو حمزة والله ما لبثت الا برهة حتى رأيت زيدا بالكوفة في دار معوية ابن اسحق فجئت اليه وسلمت عليه وقلت جعلت فدا ما اقدمك هذا البلد قال انتقل الى دور بارق وبني هلال فوالله لقد رأيت زيدا مقتولا ومدفونا ومنبوشا ومسلوبا ومسحوبا ومصلوبا ثم أحرق وذري رماده في الهواء .
وروي أبو الفرج في المقاتل بسنده عن خالد مولى آل الزبير كنا عند علي بن الحسين فدعا ابنا له يقال له زيد فكبا لوجهه فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول أعيذك بالله أن تكون زيدا المصلوب بالكناسة الحديث .
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 57 _
وبسنده عن يونس بن جناب جئت مع أبي جعفر ( عليه السلام ) الى الكتاب فدعا زيدا فاعتنقه وألزق بطنه ببطنه وقال أعيذك بالله أن تكون صليب الكناسة ، وعن كتاب الثاقب في المناقب عن يزيد بن خلف : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) وذكر عنده زيد وهو يومئذ يتردد في المدينززكة يقول كأني به خرج الى العراق ويمكث يومين ويقتل في اليوم الثالث ثم يدار برأسه في البلاد يؤتى برأسه وينصب ها هنا وأشار بيده الي الموضع قال فسمت أذني من أبي عبد الله ( عليه السلام ) ورأت عيني أن أتي برأسه حتى أقيم في الموضع الذي أشار إليه .
أخبار ابن الحنفية بقتله قبل وقوعه
في أمالي الصدوق في الحديث العاشر من المجلس 54 بسنده عن عون بن عبدالله كنت مع محمد بن علي بن الحنفية في فناء داره فمر به زيد بن الحسن فرفع طرفه اليه ثم قال ليقتلن من ولد الحسين رجل يقال له زيد بن علي وليصلبن بالعراق من نظر الى عورته فلم ينصره أكبه الله على وجهه في النار .
وروي ابو الفرج في المقاتل بسنده عن محمد بن الحنفية مر زيد ابن علي بن الحسين على محمد ابن الحنفية فرق له وأجلسه وقال أعيذك بالله يا ابن أخي أن تكون زيدا المصلوب بالعراق الحديث ، ومرت احاديث أخرى تتضمن الاخبار بقتل زيد وصلبه وهذه الاحاديث تدل على أن خبر قتل زيد وصلبه كان مشهورا معروفا عند أهل البيت ( عليهم السلام ) قبل وقوعه .
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 58 _
خروجه ومقتله
قال ابو الفرج وابن الاثير فلما دنا خروجه أمر أصحابه بالاستعداد والتهيؤ فجعل من يريد أن يفي له يستعد وشاع ذلك قال ابوالفرج فانطلق سليمان بن سراقة الباقي فأخبر يوسف بن عمر خبر يد فبعث يوسف فطلب زيدا ليلا فلم يوجد عند الرجلين الذين سعي اليه أنه عندهما فأتي بهما يوسف فلما كلمهما استبان أمر زيد وأصحابه وأمر بهما يوسف فضربت أعناقهما وبلغ الخبر زيدا فتخوف أن يؤخذ عليه الطريق فتعجل الخروج قبل الاجل الذي بينه وبين أهل الأمصار وكان قد وعد أصحابه ليلة الاربعاء أول ليلة من صفر سنة 122 فخرج قبل الاجل فلما حققت الراية على رأسه قال الحمد لله الذي أكمل لي ديني والله اني كنت أستحيي من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن أرد عليه الحوض ولم آمر في أمته بمعروف ولا أنهى عن منكر وبلغ ذلك يوسف بن عمر فأمر الحكم بن الصلت أن يجمع أهل الكوفة في المسجد الاعظم فيحصرهم فه فبعث الحكم الى العرفاء
(1) .
---------------------------
(1) العرفاء كشرفاء جمع عريف كأمير وهو رئيس القوم أو النقيب وهو دون الرئيس .
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 59 _
والشرط (1) والمناكب (2) والمقاتلة (3) فادخلوهم المسجد ثم نادى مناديه ايما رجل من العرب والموالي (4) أدركناه في رحلة فقد برأت منه الذمة ائتوا المسجد يوم الثلثاء قبل خروج زيد .
وقال ابن عساكر في حديث عن ضمرة بن ربيعة أن يوسف بن عمر لما علم بخروج زيد أمر بالصلاة جامعة وبأن من لم يحضر المسجد فقد حلت عليه العقوبة فاجتمع الناس وقالوا ننظر ما هذا الامر ثم نرجع فلما اجتمع الناس أمر بالابواب فأخذ بها وبنى عليهم وأمر الخبل فجالت في أزقة الكوفة فمكث الناس ثلاثة أيام وثلاث ليال في المسجد يؤتى الناس من منازلهم بالطعام يتناوبهم الشرط والحرس فخرج زيد على تلك الحال .
وقال أبو الفرج في حديثه وطلبوا زيدا في دار معوية ابن اسحق فخرج ليلا وذلك ليلة الاربعاء لسبع بقين من المحرم في ليلة شديدة البرد من دار معوية بن اسحق فرفعوا الهرادي (5) فيها النيران ونادوا بشعارهم شعار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا منصور أمت فما زالوا كذلك .
---------------------------
(1) الشرط كصرد أول كتيبة تشهد الحرب وطائفة من أعوان الولاة .
(2) المناكب جمع منكب في القاموس هو عريف القوم وينبغي أن يكون دون العريف وكلهم معينون من قبل السلطان .
(3) المقاتلة هم العسكر المعينون للقتال ولهم رواتب .
(4) جمع مولى وهو الذي أصله ليس بعربي وجرى عليه الرق فأعتق .
(5) الهرادي جمع هردي بالكسر ويمد .