حتى أصحوا فبعث زيد القاسم بن عمر التبعي ورجلا آخر اسمه صدام وسعيد بن خثيم ينادون بشعارهم ورفع أبو الجارود زياد بن المنذر الهمداني هرديا من مئذنتهم ونادى بشعار زيد فلما كانوا في صحاري عبد القيس لقيهم جعفر بن العباس الكندي فشد على القاسم وعلى أصحابه فقتل صدام وارتث (1) القاسم فأتي به الحكم بن الصلت فقتله على باب القصر .
قال أبو مخنف وقال يوسف بن عمر وهو بالحيرة من يأتي الكوفة فيقرب من هؤلاء فيأتينا يخبرهم فقال عبد الله بن العباس المنتوف الهمداني أنا آتيك بخبرهم فركب في خمسين فارسا ثم أقبل حتى أتى جبانة سالم فاستخبر ثم رجع الى يوسف فأخبره فلما أصبح يوسف خرج الى تل قريب من الحيرة فنزل معه قريش واشراف الناس وأمير شرطته يومئذ العباس بن سعد المرادي وبعث الريان بن سلمة البلوي في نحو من ألفي فارس وثلثمائة من القيقانية (2) رجالة ناشبة (3) واصبح زيد بن علي وجميع من وافاه تلك الليلة 218 رجالة ناشبة فقال زيد سجن الله فأين الناس قيل هم محصورون في المسجد فقال لا والله ما هذا لمن بايعنا بعذر واقبل نصر بن خزيمة الى زيد فتلقى عمر بن عبد الرحمن صاحب شرطة الحكم بن الصلت .
---------------------------
(1) ارتث بالبناء للمجهول حمل من المعركة رثيثا أي جريحا وبه رمق .
(2) نسبة الى قيقن كجيران موضعان .
(3) الناشبة أصحاب النشاب .
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 61 _
عند بعض دور الكوفة فقال يا منصور أمت فلم يرد عليه عمر شيئا فشد نصر عليه وعلى أصحابه فقتله وانهزم من كان معه واقبل زيد حتى انتهى الى جبانة الصائديين وبها خمسمائة من أهل الشام فحمل عليهم زيد في أصحابه فهزمهم ثم مضى حتى انتهى الى الكناسة فحمل على جماعة من أهل الشام فهرمهم ثم شلهم (1) حتى ظهر الى المقبرة ويوسف ابن عمر على التل ينظر الى زيد وأصحابه وهم يكرون ولو شاء زيد أن يقتل يوسف لقتله ، ثم أن زيدا أخذ ذات اليمين حتى دخل الكوفة فطلع أهل الشام عليهم فدخلوا زقاقا ضيقا ومضوا فيه فقال زيد لنصر ابن خزيمة تخاف على أهل الكوفة أن يكونوا فعلوها حسينية فقال جعلني الله فداك أما أنا فوالله لأضربن بسيفي هذا معك حتى أموت ثم خرج بهم زيد نحو المسجد فخرج اليه عبيد الله بن العباس الكندي في أهل الشام واقتتلوا فانهزم عبيدالله وأصحابه وتبعهم زيد حتى انتهوا الى باب الفيل ( وهو أحد أبواب المسجد ) وجعل أصحاب زيد يدخلون راياتهم من فوق أبواب ويقولون يا أهل المسجد اخرجوا وجعل نصر بن خزيمة يناديهم يا أهل الكوفة اخرجوا من الذل الى العز الى الدين والدنيا وجعل أهل الشام يرمونهم من فوق المسجد بالحجارة ، وبعث يوسف بن عمر الربان بن سلمة في خيل الى دار الرزق فقاتلوا زيدا قتالا شديدا وجرح من أهل الشام جرحى كثيرة وشلهم اصحاب زيد من دار الرزق حتى انتهوا الى المسجد الاعظم فرجع اهل الشام .
---------------------------
(1) شلهم أي طردهم ـ المؤلف .
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 62 _
مساء يوم الاربعاء وهم أسوأ شيء ظن فلما كان غداة يوم الخميس دعا يوسف بن عمر الريان بن سلمة فافف به وقال له فلك من صاحب خيل ودعا العباس بن سعد المري ( المرادي ) صاحب شرطته فبعثه الى أهل الشام فسار بهم حتى انتهوا الى زيد في دار الرزق وخرج اليه زيد وعلى مجنبته (1) نصر بن خزيمة ومعوية بن اسحق فلما رآهم العباس نادى يا أهل الشام الأرض فنزل ناس كثير واقتتلوا فتالا شديدا وكان رجل من أهل الشام اسمه نائل بن مرة العبسي قال ليوسف والله لئن ملأت عيني من نصر بن خزيمة لاقتلنه أو ليقتلني فاعطاه يوسف سيفا لا يمر بشيء غلا قطعه فلما التقى أصحاب العباس وأصحاب زيد ضرب نائل نصرا فقطع فخذه وضربه نصر فقتله ومات نصر ثم أن زيدا هزمهم وانصرفوا باسوأ حال فلما كان العشاء عبأهم يوسف ثم سرحهم نحو زيد فكشفهم ثم أتبعهم حتى أخرجهم الى السبخة ثم شد عليهم حتى أخرجهم من بني سليم ثم ظهر لهم زيد فيما بين بارق وبني دوس فقاتلهم قتالا شديدا وصاحب لوائه رجل من بني سعد بن بكر يقال له عبد الصمد قال سعيد بن خثيم وكنا مع زيد في خمسمائة وأهل الشام أثناء عشر ألفا وكان بايع زيدا أكثر من أثني عشر ألفا فغدروا به إذ فصل رجل من أهل الشام من كلب على فرس له رائع فلم يزل شتما لفاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعليها فجعل زيد يبكي حتى ابتلت لحيته وجعل يقول أما أحد يغصب .
---------------------------
(1) المجنبة تقال للميمنة وللميسرة ـ المؤلف .
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 63 _
لفاطمة بنت رسول الله أما أحسد يغضب لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أما أحد يغضب لله ثم تحول الشامي عن فرسه فركب بغلة وكان الناس فرقتين نظارة ومقاتلة قال سعيد فجئت الى مولى لي فأخذت منه مشعلا (1) كان معه ثم استترت من خلف النظارة حتى اذا صرت من ورائه ضربت عنقه وأنا متمكن منه بالمشعل فوقع رأسه بين يدي بغلته ثم رميت جيفته عن السرج وشد أصحابه علي حتى كادوا يرهقوني وكبر أصحاب زيد وحملوا عليهم واستنقذوني فركبت وأتيت زيدا فجعل يقبل بين عيني ويقول أدركت والله ثأرنا أدركت والله شرف الدنيا والآخرة وذخرهما ونفلني البغلة ، وجعلت خيل أهل الشام (2) لا تثبت الخيل زيد فبعث العباس بن سعد الى يوسف بن عمر يعلمه ما يلقى من الزيدية وسأله أن يبعث اليه الناشبة (3) فبعث اليه سليمان ابن كيسان في القيقانية (4) وهم بخارية وكانوا رماة فجعلوا يرمون أصحاب زيد وقاتل معوية بن اسحق الانصاري يومئذ قتالا شديدا فقتل بين يدي زيد وثبت زيد في أصحابه حتى إذا كان عند جنح .
---------------------------
(1) المشمل كمنير سيف قصير يتغطى بالثوب .
(2) جاء في هذه الاخبار في غير موضع ما يدل على أن العسكر الذي كان يحارب زيدا كان أكثره أو جملة منه من أهل الشام والظاهر أن العسكر الشامي كان موجودا دائما لقلة ثقة الامويين بأهل الكوفة .
(3) أصحاب النشاب .
(4) مر تفسيره .
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 64 _
الليل رمي زيد بسهمهم فأصاب جانب جبهته اليسرى فنزل السهم في الدماغ فرجع ورجع أصحابه ولا يظن أهل الشام أنهم رجعوا إلا للمساء والليل فدخل دارا من دور أرحب وشاكر وجاؤا بطبيب يقال له سفيان مولى لبني دوس فقال له أن نزعته من رأسك مت قال الموت ايسر علي مما أنا فيه فأخذ الكلبتين فانتزعه فساعة انتزاعه مات وفي عمدة الطالب قال سعيد بن خثيم تفرق اصحاب زيد عنه حتى بقي في ثلثمائة رجل وقيل جاء يوسف بن عمر الثقفي في عشرة آلاف (1) فصف أصحابه صفا بعد صف حتى لا يستطيع أحدهم أن يلوي عنقه فجعلنا نضرب فلا نرى الا النار تخرج من الحديد فجاء سهم فاصاب جبين زيد بن علي يقال رماه مملوك ليوسف بن عمر الثقفي يقال له راشد فأصاب عينيه فانزلناه وكان رأسه في حجر محمد ابن مسلم الخياط فجاء يحيى بن زيد فاكب عليه فقال يا ابناه ابشر ترد على رسول الله وعلي وفاطمة وعلى الحسن والحسين فقال أجل يا بني ولكن أي شيء تريد أن تصنع قال أقتلهم والله ولو لم أجد إلا نفسي فقال إفعل يا بني فإنك على الحق وإنهم على الباطل وان قتلاك في الجنة وإن قتلاهم في النار ثم نزع السهم فكانت نفسه معه .
وقال المسعودي حال المساء بين الفريقين فراح زيد مثخنا بالجراح وقد أصابه سهم في جبهته فطلبوا من ينزع النصل فأتي بحجام .
---------------------------
(1) مر عن سعد بن خثيم ان زيدا بقي في خمسمائة وأهل الشام عشر ألفا .
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 65 _
من بعض القرى فاستكتموه أمره فاستخرج النصل فمات من ساعته فدفنوه في ساقية ماء وجعلوا على قبره التراب والحشيش وأجري الماء على ذلك وحضر الحجام مواراته فعرف الموضع فلما أصبح مضى الى يوسف متنصحا فدله على موضع قبره فاستخرجه يوسف وبعث رأسه الى هشام
فكتب اليه هشام ان أصلبه عريانا فصلبه يوسف كذلك وبني تحت خشبته عمودا ثم كتب هشام الى يوسف باحراقه وذروه في الرياح .
وقال ابو الفرج قال القوم أين ندفنه وأين نواريه ( خوفا من بني أمية وعمالهم أن يمثلوا به لما يعلمون من خبث سرائرهم وعادتهم في التمثيل التي ابتدأت من يوم أحد ) فقال بعضهم نلبسه درعين ثم نلقيه في الماء وقال بعضهم لا بل نحتز رأسه ثم نلقيه بين القتلى فقال يحيى ابن زيد لا والله لا يأكل لحم أبي السباع وقال بعضهم نحمله الى العباسية فندفنه فيها ( وهي على ما في القاموس بلدة بنهر الملك ) .
وقال سلمة بن ثابت فأشرت عليهم أن ينطلقوا الى الحفرة التي يؤخذ منها الطين فندفنه فيها فقبلوا رأيي فانطلقنا فحفرنا له حفرتين وفيها يومئذ ماء كثير حتى إذا نحن مكنا له دفناه ثم أجرينا عليه الماء ومعنا عبد سندي وقيل حبشي كان مولى لعبد الحميد الرواسي وكان معمر بن خثم قد أخذ صفقته لزيد وقيل هو مملوك سندي لزيد وكان حضرهم وقيل كان نبطي يسقي زرعا له حين وجبت الشمس فرآهم حيث دفنوه فلما اصبح أتي الحكم بن الصلت فدلهم على موضع قبره .
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 66 _
وقال ابن عساكر أخذه رجل دفنه في بستان له وصرف الماء عن الساقية وحفر له تحتها ودفنه وأجرى عليه الماء وكان غلام له سندي في بستان له ينظر فذهب الى يوسف فأخبره . وقال ابن الاثير رآهم قصار فدل عليه فبعث اليه يوسف بن عمر الثقفي فاستخرجوه وحملوه على بعير قال أبو الفرج قال نصر بن قابوس فنظرت والله اليه حين أقبل به على جمل قد شد بالحبال وعليه قميص أصفر هروي فألقي من البعير على باب القصر كأنه جبل وقطع الحكم بن الصلت رأسه وسيره الى يوسف بن عمر وهو بالحيرة فأمر يوسف أن يصلب زيد بالكناسة هو ونصر بن خزيمة ومعوية
ابن اسحق وزياد النهدي وأمر بحراستهم وبعث بالرأس الى الشام فصلب على باب مدينة دمشق ثم أرسل الى المدينة . ثم أن يوسف بن عمر تتبع الجرحى في الدور قال المسعودي ففي ذلك ( اي صلب زيد ) يقول بعض شعراء بني أمية ( وهو الحكم ( الحكيم ) بن العباس الكلبي ) يخاطب آل أبي طالب وشيعتهم من أبيات :
صلبنا لكم زيدا على جذع نخلة ولم أر مهديا على الجذع يصلب وقـستم بـعثمن عـليا iiسفاهة وعـثمن خير من علي iiوأطيب |
وفي البحار أن الصادق عليه السلام لما بلغه قول الحكم رفع يديه الى السماء وهما يرعشان فقال اللهم ان كان عبدك كاذبا فصلط عليه كلبك فبعثه بنو أمية الى الكوفة فبينما هو يدور في سككها اذ افترسه الاسد واتصل خبره بجعفر فخر لله ساجدا ثم قال الحمد لله الذي انجزنا ما وعدنا ، ورواه ابن حجر أيضا في صواعقه ، وقد نظم المؤلف قصيدة في الرد على الحكيم الكلبي وتوجد في القسم الأول من الرحيق المختوم ونوردهم هنا شيئا منها اولها :
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 67 _
لـقد لامـني فـيك الوشاة iiواطنبوا ورامـوا الـذي لم يدر كوه iiفخيبوا ارقـت وقـد نـام الخلي ولم أزل كـأني عـلى جـمر الغضى اتقلب عـجبت وفي الايام كم من iiعجائب ولـكنما فـيها عـجيب iiواعـجب تـفاخرنا قـوم لـنا الـفخر iiدونها عـلى كـل مخلوق يجيء ويذهب ومــا سـاءني الا مـقالة قـائل الـى آل مـروان يضاف iiوينسب صـلبنا لـكم زيدا على جذع نخلة ولـم أر مـهديا على الجذع يصلب فـإن تـصلبوا زيـدا عـنادا iiلجده فـقد قـتلت رسـل الاله iiوصلبوا وأنـا نـعد الـقتل أعـظم iiفخرنا بـيوم بـه شـمس النهار iiتحجب فـما لـكم والـفخر بـالحرب iiانها اذا مـا انـتمث تنمى الينا وتنسب هداة الورى في ظلمة الجهل والعمى اذا غـاب مـنهم كوكب بأن كوكب كـفاهم فـخارا أن أحـمد iiمـنهم وغـيرهم أن يـدعوا الفخر iiكذبوا |
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 68 _
وفي أمالي الصدوق في الحديث الثاني من المجلس 62 حدثنا أحمد ابن زياد بن جعفر الهمداني رحمه الله حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن محمد بن أبي عمير عن حمزة بن حمران دخلت الى الصادق جعفر بن محمد عليه السلام فقال لي يا حمزة من أين أقبلت قلت من الكوفة فبكى حتى بلت دموعه لحيته فقلت له يا ابن رسول الله ما لك أكثرت البكاء قال ذكرت عمي زيدا وما صنع به فبكيت فقلت له وما الذي ذكرت منه فقال ذكرت مقتله وقد أصاب جبينه سهم فجاء ابنه يحيى فانكب عليه وقال له أبشر يا أبتاه فإنك ترد على رسول الله وعلى فاطمة والحسن والحسين ( صلوات الله عليهم ) قال أجل يا بني ثم دعي بحداد فنزع السهم من جبينه فكانت نفسه معه فجيء به الى ساقية تجري عند بستان زائدة فحفر له فيها ودفن وأجري عليه الماء وكان معهم غلام سندي لبعضهم فذهب الى يوسف بن عمر من الغد فأخبره بدفنهم إياه فأخرجه يوسف بن عمر فصلبه في الكناسة أربع سنين ثم أمر به فأحرق بالنار وذري في الرياح فلعن الله قاتله وخاذله والى الله جل اسمه اشكو ما نزل بنا أهل بيت نبيه بعد موته وبه نستعين على عدونا وهو خير مستعان .
قال المفيد في الارشاد ولما قتل زيد بلغ ذلك من أبي عبد الله ( عليه السلام ) كل مبلغ وحزن له حزنا شديدا عظيما حتى بأن عليه وفرق من ماله على عيال من أصيب مع زيد من أصحابه ألف دينار ، وفي أمالي الصدوق في الحديث 13 من المجلس 54 حدثنا أبي حدثنا عبدالله ابن جعفر الحميري عن ابراهيم بن هاشم عن محمد بن أبي عمير عن عبدالرحمن بن سيابة قال دفع الي ابو عبد الله الصادق جعفر بن محمد الف دينار وامرني أن اقسمها في عيال من أصيب مع زيد بن علي فقسمتها فاصاب عبدالله بن الزبير اخا فضيل الرسان أربعة دنانير وفي عمدة الطالب روي الشيخ ابو نصر البخاري عن محمد بن عمير عن عبدالرحمن بن سيابة قال أعطاني جعفر بن محمد الصادق الف دينار وأمرني أن افرقها في عيال من أصيب مع زيد فأصاب كل رجل أربعة دنانير .
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 69 _
قال أبو الفرج ووجه يوسف برأسه الى هشام مع زهرة ابن سليم فلما كان بمضيعة ابن أم الحكم ضربه الفالج فانصرف واتته جائزته من عند هشام .
وفي معجم البلدان ج 8 ص 77 عند الكلام على مصر وعلى باب الكورتين مشهد فيه مدفن رأس زيد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب الذي قتل بالكوفة وأحرق وحمل رأسه فطيف به الشام ثم حمل الى مصر فدفن هناك وفي عمدة الطالب قال الناصر الكبير الطبرستاني لما قتل زيد بعثوا برأسه الى المدينة ونصب عند قبر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوما وليلة كأنهم يريدون أن يقولوا يا محمد هذا رأس ولدك الذي قتلناه بمن قتل منا يوم بدر نصبناه عند قبرك .
وروي ابو الفرج باسناده عن الوليد بن محمد الموقري كنت مع الزهري بالرصافة فسمع أصوات لعابين فقال لي أنظ ما هذا فاشرف من كوة في بيته فقلت هذا رأس زيد بن علي فاستوى جالسا ثم قال أهلك أهل هذا البيت العجلة فقلت له أو يملكون قال حدثني علي بن حسين عن أبي عن فاطمة أن رسو الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال لها المهدي من ولدك .
ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق بسنده عن الوليد ابن محمد الموقري قال كنا على باب الزهري اذ سمع جلبة فقال ما هذا يا وليد فنظرت فاذا رأس زيد يطاف به بيد اللعالبين فأخبرته فبكى وقال أهلك أهل هذا البيت العجلة قلت ويملكون قال نعم حدثني علي ابن الحسين عن أبيه أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال لفاطمة ابشري المهدي منك ( وقول ) ما أهلك أهل هذا البيت العجلة ولا نفعهم الابطاء وإنما أهلكهم يوم معلوم مشهور كان السبب الاول لغصب حقوقهم وسفك دمائهم وان يحكم فيهم من لهم الحكم فيه ومن أجله دفنت الزهراء سرا وفيه قتل علي بن أبي طالب لا في التاسع عشر من شهر رمضان وفيه سم الحسن وفيه أصيب الحسين كما قال القاضي ابن أبي قريعة لا في يوم عاشورا وفيه قتل زيد وابنه يحيى وعبد الله بن الحسن وأهل بيته والحسين صاحب فخ وسائر آل أبي طالب .
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 70 _
قال أبو الفرج : وأمر يوسف بن عمر بزيد فصلب بالكناسة عاريا وصلب معه من أصحابه معوية بن اسحق وزياد النهدي ونصر بن خزيمة العبسي ومكث مصلوبا أربع سنين الى أيام الوليد بن يزيد سنة 126 ( وفي رواية أن الفاختة عششت في جوفه ) فلما ظهر يحيى بن زيد كتب الوليد الى يوسف ( أما بعد ) فاذا أتاك كتابي هذا فانظر عجل اهل العراق فأحرقه وأنسفه في اليم نسفا والسلام فأمر يوسف عند ذلك خراش بن حوشب فأنزره من جذعه فأحرقه بالنار ثم جعله في قواصر ثم حمله في سفينة ثم ذراه في الفرات .
وقال المسعودي : ذكر أبو بكر بن عياش وجماعة أن زيدا مكث مصلوبا خمسين شهرا عريانا فلم ير له أحد عورة عورة سترا من الله له وذلك بالكناسة بالكوفة فلما كان في أيام الوليد بن يزيد بن عبد الملك وظهر ابنه يحيى بن زيد بخراسان كتب الوليد الى عامله بالكوفة أن أحرق زيدا بخشبته ففعل به ذلك وأذري في الرياح على شاطىء الفرات قال ابن عساكر صلب عاريا فنسجت العنكبوت على عورته وقيل تدلت قطعة لحم منه فسترت عورته .
ورأى جرير بن حازم كما في مقاتل الطالبيين وتهذيب التهذيب النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو متساند الى جذع زيد بن علي وهو مصلوب وهو يقول للناس أهكذا تفعلون بولدي . وقال ابن عساكر أن الموكل بخشبته رأى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في النوم وقد وقف على الخشبة وقال هكذا تصنعون بولدي من بعدي يا بني يا زيد قتلوك قتلهم الله صلبوك صلبهم الله فخرج هذا في الناس فكتب يوسف بن عمر الى هشام أن عجل الى العراق فقد فتنوا فكتب اليه هشام أن احرقه بالنار. وجازى الله يوسف بن عمر على سوء فعلته في دار الدنيا والعذاب الآخرة أشد وأبقى فإنه لما ولي يزيد بن الوليد استعمل على العراق منصور بن جهور فلما كان بعين التمر كتب الى من بالحيرة من قواد أهل الشام يأمرهم بأخذ يوسف عماله فعلم بذلك يوسف فتحير في أمره ثم إختفى عند محمد بن سعيد بن العاص فلم ير رجل كان مثل عتوه خاف خوفه ثم هرب الى الشام فنزل البلقاء فلما بلغ خبره يزيد ابن الوليد وجه اليه خمسين فارسا فوجدوه بين نسوة قد ألقين عليه قطيفة خز وجلسن على حواشيها حاسرات فجروا برجله وأخذوه الى يزيد فوثب عليه بعض الحرس فأخذ بلحيته نتف بعضها وكانت تبلغ الى سرته فحبسه يزيد وبقي محبوسا ولاية يزيد وشهرين وعشرة ايام من ولاية ابراهيم ثم قتل في الحبس هذا مختصر ما في كامل ابن الاثير .
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 71 _
والتمثيل بالقتيل بعد الموت يدل على خسة النفوس وخبثها والرجل الشريف النبيل يكتفي عند الظفر بخصمه بقتله أن لم يكن للعفو موضع وتأنف نفسه ويأبى له كرم طباعه التمثيل بعدوه ولو كان من أعدى الاعداء بل لا يسلبه ثيابه ولا درعه كما فعل أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) حين قتل عمرو بن عبدود واستدلت أخته بذلك على أن قاتل أخيها رجل كريم وقال له بعض الاصحاب هلا سلبته درعه فإنها داوودية فقال كلا أن عمرا رجل جليل وافتخر بذلك فقال :
وعففت عن أثوابه ولو أنني كـنت المجدل بزني أثوابي |
ونهى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن المثلة ولو بالكلب العقور وكانت سيرة بني أمية رجالهم ونسائهم وسيرة عمالهم المقتدين بهم والمتبعين لاوامرهم التمثيل بالقتلى من أخصامهم فمثلت هند ابنة عتبة ام معوية وزوجة أبي سفيان بقتلى أحد واتخذت من آذان الرجال وآنافهم خدماوقلائد وبقرت عن كبد حمزة وأخذت منها قطعة فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها وسمية آكلة الأكباد وعير بنوها بذلك الى آخر الدهر وسموا بني آكلة الاكباد وأمر أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) ولده أن يفنوه ليلا ويخفوا قبره خوفا من بني أمية أن ينبشوه ويمثلوا به لما علمه بما سمعه من الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من دولتهم ومثل دعي بني أمية وابن دعيهم بمسلم بن عقيل وهاني بن عروة ومثل ابن سعد بأمر الدعي ابن الدعي بالحسين سبط رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وريحانته يوم كربلاء وبأهله وأصحابه ومثلوا بزيد بن علي افظع المثلة كما سمعت فدلوا بذلك على خبث سرائرهم وسوء ضمائرهم ولؤم طباعهم وخسة نفوسهم ودناءتها وبعدهم عن الشهامة ومكارم الاخلاق وسمو الصفات .
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 72 _
مـلكنا فـكان الـعفو iiمناسجية فـلما مـلكتم سـال بالدم أبطح وحـللتم قتل الاسارى ولم iiنزل نعف عن العاني الاسير ونصفح وحـسبكم هـذا الـتفاوت iiبيننا وكـل إنـاء بالذي فيه iiينضح |
ولئن أحرق هشام عظام زيد بنار الدنيا فقد سلط الله عليه وعلى أهل بيته من بني العباس من نبشهم وأحرقهم بنار الدنيا وأحرق الله هشاما وأهل بيته لظلهمهم وإلحادهم بنار الآخرة التي لا أمد لها .
قال المسعودي : حكى الهيثم بن عدي الطائي عن عمر بن هانىء قال خرجت مع عبد الله بن علي لنبش قبور بني أمية في أيام أبي العباس السفاح فانتهينا الى قبر هشام فاستخرجناه صحيحا ما فقدنا منه الا حثمة
(1) انفه فضربه عبد الله بن علي ثمانين سوطا ثم أحرقه واستخرجنا سليمان من أرض دابق فلم نجد منه شيئا الا صلبه .
---------------------------
(1) الحثمة بسكون الثاء المثلثة ارنبة الانف .
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 73 _
واضلاعه ورأسه فاحرقناه وفعلنا ذلك بغيرهما من بني أمية وكانت قبورهم بقنسرين ثم انتهينا الى دمشق فاستخرجنا الوليد بن عبدالملك فما وجدنا في قبره قليلا ولا كثيرا واحتفرنا عن عبد الملك فما وجدنا الا شؤن رأسه ثم احتفرنا عن يزيد بن معوية فما وجدنا فيه الا عظما واحدا ووجدنا مع لحده خطا أسود كأنما خط بالرماد في الطول في لحده ثم اتبعنا قبورهم في جميع البلان فاحرقنا ما وجدنا فيها منهم .
قال المسعودي : وانما ذكرناهذا الخبر في هذا الموضع لقتل هشام زيد بن علي وما نال هشاما من المثلة وما فعل بسلفه من الاحراق كفعله بزيد بن علي لكنه لم يذكر مؤسس ملكهم العضوض باسمه وان دخل في عموم قوله ولا شك أنه فعل به ما فعل بهم وعدم التصريح به لامر ما قال ابن ابي الحديد في شرح النهج ج 2 ص 205 قرأت هذا الخبر على النقيب ابي جعفر يحيى بن أبي زيد العلوي ابن عبد الله في سنة 605 وقلت له اما إحراق هشام باحراق زيد فمفهوم فما معنى جلده ثمانين سوطا فقال رحمه الله أظن عبد الله بن علي ذهب في ذلك الى حد القذف لأنه يقال أنه قال لزيد يا ابن الزانية لما سب أخاه محمد الباقر ( عليه السلام ) فسبه زيد وقال له سماه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الباقر وتسمية أنت البقرة لشد ما اختلفتما ولتخالفنه في الآخرة كما خالفته في الدنيا فيرد الجنة وترد النار وهذا استنباط لطيف .
قال ابن الاثير ثم أن يوسف بن عمر خطب الناس بعد قتل زيد وذمهم وتهددهم .
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 74 _
جماعة ممن تابع زيد بن علي من أهل الفضل والعلم
في مقاتل الطالبيين : تسمية من عرف ممن خرج مع زيد ابن علي (ع) من أهل العلم ونقلة الآثار والفقهاء ثم عد من جملتهم :
الامام ابا حنيفة امام المذهب والعلم
فروي بسنده عمن سمع محمد بن جعفر بن محمد في دار الامارة يقول رحم الله ابا حنيفة لقد تحققت مودته لنا في نصرته زيد ابن علي وفعل بابن المبارك في كتمانه فضائلنا ودعا عليه ، وبسنده على الفضيل بن الزبير ص 59 قال أبو حنيفة من يأتي زيدا في هذا الشأن من فقهاء الناس قلت سلمة بن كهيل وعد معه جماعة من الفقهاء فقال لي قل لزيد لك عندي معونة وقوة على جهاد عدوك فاستعن بها أنت وأصحابك في الكراع والسلاح ثم بعث ذلك معي الى زيد فأخذه زيد ومر في ترجمة ابراهيم بن عبد الله بن الحسن ما فعله الامام أبو حنيفة من الدعاء اليه ومعونته بالمثل وما قاله للمرأة التي قتل ابنها مع ابراهيم وغير ذلك اذن فأبو حنيفة زيدي ولهذا كانت فرقة من الزيدية على مذهب الامام أبي حنيفة ويأتي عند الكلام على الزيدية زيادة في ذلك ،
ومنهم منصور بن المعتمر ومحمد بن أبي ليلى جاء منصور يدعو الى الخروج مع زيد بن علي وبيعته وأبطأ عن زيد لما بعثه يدعو اليه فقتل زيد ومنصور غائب فصام سنة يرجو أن يكفر ذلك عن تأخره .
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 75 _
ومنهم يزيد بن أبي زياد مولى بني هاشم صاحب عبد الرحمن ابن أبي ليلى قال عبدة بن كثير السراج الجرمي قدم يزيد الرقة يدعو الناس الى بيعة زيد بن علي وكان من دعاته واجابه ناس من أهل الرقة وكنت فيمن أجابه .
وروي أبو الفرج بسنده الى عبدة بن كثير الجرمي كتب زيد ابن علي الى هلال بن حباب وهو يومئذ قاضي المدائن فأجابه وبايع له ، وبسنده عن سالم بن أبي الجعد أرسلني زيد بن علي الى زبيد اليامي أدعوه الى الجهاد معه ، وبسنده عن أبي عوانة فارقني سفيان على أنه زيدي ، وبسنده كان رسول زيد الى خراسان عبدة بن كثير الجرمي والحسن بن سعد الفقيه ،
وبسنده عن شريك قال اني لجالس عند الاعمش أنا وعمرو ابن سعيد أخو سفيان بن سعيد الثوري إذ جاءنا عثمن بن عمير ابو اليقظان الفقيه (1) فجلس الى الاعمش فقال أخلنا فإن لنا إليك حاجة فقال وما خطبكم هذا شريك وهذا عمرو بن سعيد ( أي أنهما ليس دونهما سر ) اذكر حاجتك فقال أرسلني اليك زيد بن علي أدعوك الى نصرته والجهاد معه وهو من عرفت قال أجل ما أعرفني بفضله اقرئاه مني السلام وقولا له يقول لك الاعمش لست أثق لك جعلت فداك بالناس ولو أنا وجدنا لك ثلثمائة رجل أثق بهم لغيرنا لك جوانبها وقال ابن عشاكر قيل للاعمش أيام زيد لو خرجت فقال ويلكم والله ما أعرف أحدا أجعل عرضي دونه فكيف اجعل ديني دونه ، قال وكان سلمة بن كهيل من أشد الناس قولا لزيد ينهاه عن الخروج وكان أبو كثير يضرب بغله ويقول الحمد لله الذي سار بي تحت رايات الهدى يعني رايات زيد وقال مغيرة كنت أكثر الضحك فما قطعه الا قتل زيد .
---------------------------
(1) لعل الصواب وأبو اليقظان الفقيه لأن آخر الحديث يدل على أنها اثنان .
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 76 _
وفي هذه الاخبار دلالة على أن أكثر الخاصة كانت ناقمة على بني أمية اما العامة فهم أتباع الدنيا في كل عصر وإن زيدا ( رضوان الله عليه ) لم يأل جهدا في بث الدعاية .
الذين روي عنهم والذين رووا عنه
في تهذيب التهذيب روي عن أبيه وأخيه أبي جعفر الباقر وأبان بن عثمن وعروة بن الزبير وعبيد الله بن أبي وافع وعنه ابناه حسين وعيسى وابن أخيه جعفر بن محمد والزهري والاعمش وشعبة ( ابن الحجاج ) وسعيد بن خثيم واسماعيل السدي وزبيد اليامي وزكريا ابن أبي زائدة وعبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة وأبو خالد عمرو ابن خالد الواسطي وابن أبي الزناد وعدة وفي الشذرات أخذ عنه أبو حنيفة كثيراً ( أقول ) وذكر رواية جعفر بن محمد الصادق عنه أيضا ابن عساكر في تاريخ دمشق فإن ارادا روايته عنه في أحكام الدين فالصادق ( عليه السلام ) لم يكن بأخذها عن غير آبائه عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن جبرئيل عن الله تعالى وإن ارادا غيرها فيمكن .
ما أثر عنه من المواعظ والحكم والآداب ونحوها
عن أبي المؤيد موفق بن أحمد المكي الملقب بأخطب خوارزم أنه ذكر في مقتله أنه قيل لزيد بن علي الصمت خير أم الكلام فقال قبح الله المساكتة ما أفسدها للبيان وأجلبها للعي والحصر والله للمماراة أسرع في هدم الفتى من النار في ببس العرفج ومن السيل الى الحدور فقد فضل الكلام على السكوت وذم المماراة فالكلام أفضل بشرط أن لا يكون مماراة ونقل أن زيد بن علي كان اذا تلا هذه الآية ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) يقول أن كلام الله هذا تهديد وتخويف ثم يقول اللهم لا تجعلنا ممن تولى عنك فاستبدلت به بدلا ، وروي عن زيد بن علي أنه قال صرفت مدة ثلاث عشرة سنة من عمري في قراءة القرآن فما وجدت آية من كتاب الله يفهم منها الرخصة في طلب الرزق ، ( أقول ) كأنه ( رضي الله عنه ) نظر الى الآيات المتضمنة ان الله تعالى تكفل بالرزق وهي أكثر الآيات كقوله وما من دابة الا على الله رزقها ، الله الذي خلقكم ثم رزقكم .
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 77 _
إن الله يرزق من يشاء بغير حساب فرأى أنه ليس فيها أمر بطلب الرزق وغفل عن الآيات التي أمر فيها بذلك وان كانت أقل كقوله تعالى وامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله وغير ذلك .
وقال بعض المعاصرين : ليس معنى هذا الكلام ان الانسان غير مأمور بطلب الرزق حتى ينافي الاخبار الآمرة بطلب الرزق وعدم استجابة دعاء من يقول رب ارزقني ولا يسعي في طلب الرزق بل المقصود أنه ليس من المناسب للسلطنة الالاهية ان يقول الله تعالى إنا خلقتكم فاذهبوا فتكلفوا تحصيل الرزق بأنكم لذلك نسب الرزق تعالى في الآيات المتقدمة ولكن زيدا ( رضي الله عنه ) انما قال أنه لم يجد في القرآن لا في الروايات وأما دعوى أنه ليس من المناسب للسلطنة الالاهية أن يقول الله ذلك فدعوى غير صحيحة فقوله تعالى اذهبوا فتكلفوا تحصيل الرزق بانفسكم ان لم يكن مؤيدا للسلطنة الالاهية فليس منافيا على أنه قد أمرهم بذلك في الآيتين السالفتين اما الآيات التي اسندت لرزق اليه تعالى فالمراد بها والله اعلم إن كل شيء بتسببه وارادته وتوفيقه فلا منافاة بينها وبين الامر بطلب الرزق .
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 78 _
في كفاية الاثر ص 86 عن محمد بن بكير أنه قال دخلت على زيد بن علي وعنده صالح بن بشر فسلمت عليه وهو يريد الخروج الى العراق فقلت له يا ابن رسول الله حدثني بشيء سمعته عن أبيك فقال حدثني أبي عن جده عن رسول الله ( صلوات الله عليهم ) أجمعين أنه قال من أنعم الله عليه بنعمة فليحمد الله ومن استبطأ الرزق فليستغفر الله ومن أحزنه أمر فليقل لا حول ولا قوة الا بالله قال محمد بن بكير قلت يا ابن رسول الله زدني قال حدثني أبي عن جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال أربعة أنا لهم اشفيع يوم القيامة المكرم لذريتي والقاضي لهم حوائجهم والساعي لهم في أمورهم عند اضطرارهم اليه والمحب لهم بقلبه ولسانه قال ابن بكير يا ابن رسول الله حدثني عن هذه الفضائل التي أنعم الله بها عليكم فقال حدثني أبي عن جده عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال من أحبنا أهل البيت في الله حشر معنا وادخلناه معنا الجنة يا ابن بكير من تمسك بنا فهو معنا في الدرجات العلى يا ابن بكير ان الله تبارك وتعالى اصطفى محمدا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) واختارنا له ذرية فلولانا لم يخلق الله الدنيا والاخرة يا ابن بكير بنا عرف الله وبنا عبدالله ونحن السبيل الى الله وعن الامالي عن زيد بن علي عن أمير المؤمنين
( عليه السلام ) أنه قال سادة الناس في الدنيا الاسخياء وعنه عن زيد بن علي عن أمير المؤمنين عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال ان الله تعالى بعث مائة وأربعة وعشرين ألف نبي وأنا أكرمهم عند الله ولا فخر وجعل الله ( عز وجل ) مائة وأربعة وعشرين ألف وصي وعلي أكرمهم وأفضلهم عند الله تعالى ، وعن الأمالي عن زيد بن علي أنه سئل عن معنى قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من كنت مولاه فعلي مولاه ، فقال نصبه علما ليعلم به حزب الله عند الفرقة .
أبو الحسين زيد الشهيد
_ 79 _
وفي تاريخ ابن عساكر قال له مطلب بن زياد يا زيد أنت الذي تزعم أن الله اراد أن يعصى فقال له زيد أفعصي عنوة فأقبل يخطو من بين يديه ومعنى ذلك أن الارادة بمعنى عدم المنع لابمعنى المحبة قال وقال في قوله تعالى ( ولسوف يعطيك فربك فترضى ) أم من رضائه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يدخل أهل بيته الجنة وقال المروءة انصاف من دونك والسمع الى من فوقك والرضى بما أتي اليك من خير أو شر وقال لابنه يحيى أن الله لم يرضك لي فأوصاك بي ورضيني لك فلم يوصني بك يا بني خير الاباء من لم تدعه المودة الى الافراط وخير الأبناء من لم يدعه التقصير الى العقوق .
وفي كتاب لباب الآداب تأليف الامير اسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منبقذ الكناني صاحب قلعة شيزر ما لفظه : قال المدائني قال زيد بن علي لاصحابه : أوصيكم بتقوى الله فإن الموصي بها لم يدخر نصيحة ولم يقصر في الابلاغ فاتقوا الله في الامر الذي لا يفوتكم منه شيء وإن جهلتموه واجملوا في الطلب ولا تستعينوا بنعم الله على معاصيه وتفكروا وأبصروا هل لكم قبل خالقكم من عمل صالح قدمتموه فشكره لكم فبذلك جعلكم الله تعالى من أهل الكتاب والسنة وفضلكم على أديان آبائكم الم يستخرجكم نطفا من أصلاب قوم كانوا كافرين حتى بثكم في حجور أهل التوحيد وبث من سواكم في حجور أهل الشرك فبأي سوابق أعمالكم طهركم الا بمنه وفضله الذي يؤتيه من يشاء والله ذوالفضل العظيم .