الفهرس العام

معنى العرش (*)


فصل : في النفوس والأرواح
فصل : في المسألة في القبر



   قال الشيخ أبو جعفر ـ رحمه الله ـ (1) : اعتقادنا في العرش أنه حملة جميع الخلق والعرش في وجه آخر هو العلم ... (2) إلخ .
   قال الشيخ أبو عبد الله المفيد ـ رحمه الله ـ : العرش في اللغة هو الملك (3) ، قال الشاعر بذلك :
   إذا ما بنو مروان ثلت عروشهم * وأودت كما أودت أياد وحمير (4) يريد إذا ما بنو مروان هلك ملكهم وبادوا ، وقال آخر (5) :

أظـننت  iiعرشك      لا يزول ولا يغير
   يعني : أظننت ملكك لا يزول ولا يغير وقال الله تعالى مخبرا عن واصفي ملك ملكة سبأ : ( وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ

---------------------------
(*) أنظر البحار ـ ص 93 ج 14 ط كمباني ، چ .
(1) عنه في البحار 58 : 7 / 5 .
(2) الاعتقادات ص 45 ، وبحار الأنوار 55 : 7 .
(3) بحار الأنوار 55 : 7
(4) بحار الأنوار 55 : 7 .
(5) ( ق ) : الآخر ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 76 _

   وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ) (1) يريدون : لها ملك عظيم ، فعرش الله تعالى هو ملكه ، واستواؤه على العرش هو استيلاؤه على الملك ، والعرب تصف الاستيلاء بالاستواء ، قال الشاعر :
قـد  اسـتوى بشر على iiالعراق      من غير سيف ودم مهراق (2)
   يريد به قد استولى على العراق (3) ، فأما العرش الذي تحمله الملائكة ،

---------------------------
(1) النمل : 23 .
(2) بحار الأنوار 4 : 5 .
(3) قال العلامة الشهرستاني في مجلة ( المرشد ص 29 ـ 31 ج 3 ) : ليس المذهب الصحيح ما ذهب إليه الحشوية وبعض الظاهرية من أن العرش سرير كبير يجلس الله عليه جلوس الملك اغترارا منهم بما يفهمه العوام من كلمة ( العرش ) أو من لفظة ( استوى ) إذ العلم والدين متفقان على تنزيه الخالق ـ عز شأنه ـ من صفات الأجسام ، وتقديس العالم الروحاني من شوائب المواد .
   ولو اتخذنا فهم العوام ميزانا لتفسير الكتاب والسنة لشوهنا محاسن تلك الجمل البليغة ، وذهبنا بها إلى معاني مبذولة غير مقبولة ، ولوجب علينا أن نفسر آية : ( يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم ) ( البقرة : 20 ) بدخول الأصابع كلها في الآذان ، وأن نفسر حديث ( الحجر الأسود يمين الله في أرضه ) بأن الحجر هو إحدى أكف الرب ـ تعالى شأنه ـ نعم ، لهذا الحديث وأمثاله ولتلك الآية وأمثالها وجه معقول ، ولكن على سبيل التشبيه والمجاز وعليهما مدار الكلام البليغ .
   وبالجملة : إننا نفسر القرآن بالقرآن لئلا نحيد عن صراطه المستقيم ، فنقول : إن العرب كانوا ولا يزالون يسمون البيت المصنوع سقفه وقوائمه من أصول الأشجار عريشا ويستعملون الصيغ المشتقة من هذا الاسم لمعاني قريبة منه ، كما في آية ( وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ ) ( الأعراف : 137 ) .
   وفي آية : ( وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ) ( النحل : 68 )
   وآية : ( وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ ) ( الأنعام : 141 ) يعني بذلك السقوف وقوائمها المصنوعة من أصول الشجر وفروعها للكرم أو لغيره ، وآية : =>

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 77 _

   فهو بعض الملك (1) ، وهو عرش خلقه الله تعالى في السماء السابعة ، وتعبد الملائكة ـ عليهم السلام ـ بحمله وتعظيمه ، كما خلق سبحانه بيتا في الأرض وأمر البشر بقصده وزيارته والحج إليه وتعظيمه ، وقد جاء في الحديث أن الله تعالى خلق بيتا تحت

---------------------------
   => ( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا ) ( البقرة 260 ) يعني قصورها وبيوتها المسقفة ، وبهذه المناسبة ومن غلبة الاستعمال صار ( العرش ) علما للدائرة الخاصة بملوك البشر على اختلاف أشكالها حسب اختلاف حضارة البشر في أدواره وفخامة الملك وسلطانه .
   وقد استعمل الوحي الإلهي لفظة ( العرش ) على سبيل التجوز في دائرة ملك الله سبحانه الخاصة به وبملائكته المقربين ، فعرشه كناية عن عالم الروحانيات ، وما كان الحكماء الأقدمون يسمونه بعالم الملكوت ، وسماه حكماء الاسلام بعالم الأمر .
   وأما لفظة ( استوى ) وهي التي جعلت الآية من المتشابهات عند القوم ، فمعناها التمكن التام والاستيلاء الكامل بدليل ما يظهر من آية : ( فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ ) ( المؤمنون : 28 ) أي : تمكنت ، وآية : ( فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ ) ( الفتح : 29 ) أي : تمكن واستقام ، وآية : ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا ) ( القصص : 14 ) فالاستواء فيهن بمعنى التمكن التام دون الجلوس كما زعمت المشبهة ، وكثير في محاورات العرب استعمال ( استوى ) بمعنى التمكن الأتم والاقتدار الكامل ، كقول بعيث الشاعر :
قد استوى بشر على العراق      من  غير سيف ودم iiمهراق
   يريد تمكنه التام ، غير أننا نتوخى على الدوام تفسير القرآن بالقرآن والاهتداء منه إليه ، وقد دلنا على معنى ( العرش ) كما دلنا على معنى ( الاستواء ) وأن الله سبحانه قد ظهر من خلقه للسموات والأرض تمكنه التام واقتداره الكامل على عالم الأرواح ، أي : دائرة ملكه الخاصة به والمهيمنة على عالم الأجسام ويؤيد ذلك : قوله تعالى بعد هذه الآية : ( لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ) ( طه : 6 ) مشيرا إلى أنه استولى قبل كل شئ على عالم الملكوت والأرواح ، ثم تمكن بذلك من تملك عالم الناسوت والأجرام .
   وإن شئتم التفاصيل الكافية بأسرار العرش وآياته وحل سائر مشكلاته ، فقد استوفينا كل ذلك في رسالتنا ( العرشية ). چ.
(1) بحار الأنوار 5 : 8 ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 78 _

   العرش سماه البيت المعمور تحجه الملائكة في كل عام ، وخلق في السماء الرابعة بيتا سماه الضراح وتعبد الملائكة بحجه والتعظيم له والطواف حوله ، وخلق البيت الحرام في الأرض وجعله (1) تحت الضراح (2) .
   وروي عن الصادق ـ عليه السلام ـ (3) أنه قال : لو ألقي حجر من العرش لوقع على ظهر البيت المعمور ، ولو القي حجر من البيت المعمور لسقط على ظهر البيت الحرام ، ولم يخلق الله عرشا لنفسه ليستوطنه ، تعالى الله عن ذلك .
   لكنه خلق عرشا أضافه إلى نفسه تكرمة له وإعظاما وتعبد الملائكة بحمله كما خلق بيتا في الأرض ولم يخلقه (4) لنفسه ولا ليسكنه ، تعالى الله عن ذلك كله .
   لكنه خلقه لخلقه وأضافه لنفسه (5) إكراما له وإعظاما ، وتعبد الخلق بزيارته والحج إليه . فأما [ الوصف للعلم ] (6) بالعرش فهو في مجاز اللغة دون حقيقتها ، ولا وجه لتأويل (7) (8) قوله تعالى : ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) (9) بمعنى (10) أنه احتوى على العلم ، وإنما الوجه في ذلك ما قدمناه .
   والأحاديث التي رويت في صفة الملائكة الحاملين للعرش أحاديث آحاد وروايات أفراد لا يجوز القطع بها ولا العمل عليها ، والوجه الوقوف عندها والقطع على أن [ العرش في الأصل ] (11) هو الملك ، والعرش المحمول جزء من الملك تعبد الله تعالى بحمله الملائكة على ما قدمناه (12) .

---------------------------
(1) (أ) (ز) (ح) : فجعله .
(2) بحار الأنوار : 55 : 8 .
(3) بحار الأنوار 55 : 8 .
(4) (ز) : يجعله .
(5) (ح) (ز) (ق) : إلى نفسه .
(6) (ق) : وصف العلم .
(7) بحار الأنوار 55 : 8 .
(8) (ح) (ز) (ش) (ق) : لتأول .
(9) طه : 5 .
(10) (ق) : على .
(11) في المطبوعة : الأصل في العرش .
(12) بحار الأنوار 55 : 8 ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 79 _

فصل : في النفوس والأرواح
   قال الشيخ أبو جعفر ـ رحمه الله ـ (1) : اعتقادنا في النفوس أنها هي الأرواح ، وأنها الخلق الأول ، وأنها خلقت للبقاء ، وأنها في الأرض غريبة ، وفي الأبدان مسجونة .
   قال الشيخ أبو عبد الله : كلام أبي جعفر في النفس والروح على مذهب الحدس دون التحقيق ، ولو اقتصر على الأخبار ولم يتعاط ذكر معانيها كان أسلم له من الدخول في باب يضيق عنه (2) سلوكه .
   [ قال الشيخ أبو عبد الله : النفس عبارة ] (3) عن معان : أحدها : ذات الشئ ، والثاني (4) الدم السائل ، والثالث (5) : النفس الذي هو الهواء ، والرابع : الهوى وميل الطبع (6) * .
   فأما شاهد المعنى الأول ، فهو قولهم : هذا نفس الشئ ـ أي : ذاته وعينه ـ

---------------------------
(1) الاعتقادات ص 47 والبحار 6 : 249 / 87 و 61 : 78 ـ 79 .
(2) (ق) : عليه .
(3) في المطبوعة : أما النفس فعبارة .
(4) (أ) (ح) (ز) (ق) (ش) : والآخر .
(5) (أ) (ح) (ز) (ش) (ق) : والآخر .
(6) (ح) (ق) : الطباع ، * بحار الأنوار 58 : 79 .

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 80 _

   وشاهد الثاني قولهم : كل ما كانت [ له نفس ] (1) سائلة فحكمه كذا وكذا .
   وشاهد الثالث قولهم : فلان هلكت نفسه ، إذا انقطع نفسه ولم يبق في جسمه هواء يخرج من جوانبه (2) .
   وشاهد الرابع قول الله تعالى : ( إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ) (3) يعني : الهوى داع إلى القبيح ، وقد يعبر بالنفس عن النقم ، قال الله تعالى : ( وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ ) (4) يريد به : نقمه وعقابه (5) .
فصل (6) : [ قال الشيخ المفيد : وأما الروح ] (7)
   فعبارة عن معان : أحدها : الحياة ، والثاني القرآن ، والثالث : ملك من ملائكة الله تعالى ، والرابع : جبرئيل ـ عليه السلام ـ .
   فشاهد الأول قولهم : كل ذي روح فحكمه كذا وكذا ، يريدون : كل ذي حياة ، وقولهم في من مات : قد خرجت منه الروح ، يعنون به الحياة ، وقولهم في الجنين صورة لم تلجه الروح ، يريدون : لم تلجه (8) الحياة .
   وشاهد الثاني قوله تعالى : (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ) (9) يعني به : القرآن .
   وشاهد الثالث قوله تعالى : ( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ ) (10) الآية .
   وشاهد الرابع قوله تعالى : ( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ ) (11) يعني : جبرئيل ـ عليه السلام ـ .
   فأما ما ذكره الشيخ أبو جعفر ورواه : أن الأرواح مخلوقة قبل الأجساد بألفي

---------------------------
(1) (أ) (ز) : النفس .
(2) (ا) (ح) (ز) (ق) (ش) : حواسه .
(3) يوسف : 53 .
(4) آل عمران : 29 .
(5) (ز) : وعذابه .
(6) ليست في المطبوعة .
(7) في المطبوعة : وأما الروح .
(8) (ق) : تحله .
(9) الشورى : 52 .
(10) النبأ : 38 .
(11) النحل : 102 ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 81 _

   عام ؟ فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف ، فهو حديث من أحاديث الآحاد وخبر من طرق الأفراد ، وله وجه غير ما ظنه من لا علم له بحقائق الأشياء ، وهو أن الله تعالى خلق الملائكة قبل البشر بألفي عام ، فما تعارف منها قبل خلق البشر ائتلف عند خلق البشر ، وما لم يتعارف منها إذ ذاك اختلف بعد خلق البشر (1) ، وليس الأمر كما ظنه أصحاب التناسخ ودخلت الشبهة فيه على حشوية

---------------------------
(1) قال المصنف ـ قدس الله نفسه ـ في ضمن جواب المسألة الثانية من المسائل السروية * : فأما الخبر بأن الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام فهو من أخبار الآحاد ، وقد روته العامة كما روته الخاصة وليس ( هو ) مع ذلك مما يقطع على الله بصحته ، وإنما نقله رواته لحسن الظن به ، وإن ثبت القول فالمعنى فيه أن الله تعالى قدر الأرواح في علمه قبل اختراع الأجساد ، واخترع الأجساد واخترع لها الأرواح ، فالخلق للأرواح قبل الأجساد خلق تقدير في العلم ـ كما قدمناه ـ وليس بخلق لذواتها كما وصفناه ـ والخلق لها بالأحداث والاختراع بعدخلق الأجسام والصور التي تدبرها الأرواح ، و لولا أن ذلك كذلك لكانت الأرواح تقوم بأنفسها ولا تحتاج إلى آلات تعتملها ولكنا نعرف ما سلف لنا من الأحوال قبل خلق الأجساد كما نعلم أحوالنا بعد خلق الأجساد . وهذا محال لا خفاء بفساده .
   وأما الحديث بأن الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ، فالمعنى فيه أن الأرواح التي هي الجواهر البسائط تتناصر بالجنس وتتخاذل بالعوارض ، فما تعارف منها باتفاق الرأي والهوى ائتلف ، وما تناكر منها بمباينة في الرأي والهوى اختلف .
   وهذا موجود حسا ومشاهد ، وليس المراد بذلك أن ما تعارف منها في الذر ائتلف ـ كما يذهب إليه الحشوية ، كما بيناه من أنه لا علم للانسان بحال كان عليها قبل ظهوره في هذا العالم ، ولو ذكر بكل شئ ما ذكر ذلك ـ فوضح بما ذكرناه أن المراد بالخبر ما شرحناه ، والله الموفق للصواب ، انتهى .
   أنظر المجلد الرابع عشر من البحار ( السماء والعالم ـ ص 428 ط أمين الضرب ) . چ .
   * أنظر إلى مقدمة العلامة الزنجاني لكتاب ( أوائل المقالات ـ ص مه طبع 1371 ) ، وانظر البحار ـ ص 74 ج 3 ط كمباني ، چ (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 82 _

   الشيعة فتوهموا أن الذوات (1) الفعالة المأمورة والمنهية كانت مخلوقة في الذر (2)

---------------------------
(1) ( ق ) : الذات .
(2) قال المصنف ـ قدس سره ـ في ضمن جواب المسألة الثانية من المسائل السروية ، ما نصه : وأما الحديث في إخراج الذرية من صلب آدم ـ عليه السلام ـ على صورة الذر فقد جاء ، الحديث بذلك على اختلاف ألفاظه ومعانيه * ، والصحيح أنه أخرج الذرية من ظهره كالذر فملأ بهم الأفق ، وجعل على بعضهم نورا لا يشوبه ظلمة وعلى بعضهم ظلمة لا يشوبها نور ، وعلى بعضهم نورا وظلمة ، فلما رآهم آدم عجب من كثرتهم وما عليهم من النور والظلمة فقال : يا رب ما هؤلاء ؟ فقال الله ـ عز وجل ـ : هؤلاء ذريتك ، يريد في تعريفه كثرتهم وامتلاء الآفاق بهم ، وأن نسله يكون في الكثرة كالذر الذي رآه ليعرفه قدرته ويبشر باتصال نسله وكثرتهم ، فقال آدم ـ عليه السلام ـ : يا رب ما لي أرى على بعضهم نورا لا يشوبه ظلمة ، وعلى بعضهم ظلمة لا يشوبها نور ، وعلى بعضهم ظلمة ونورا ؟ فقال تبارك وتعالى : أما الذين عليهم النور بلا ظلمة فهم أصفيائي من ولدك الذين يطيعوني ولا يعصوني في شئ من أمري ، فأولئك سكان الجنة .
   وأما الذين عليهم ظلمة لا يشوبها نور فهم الكفار من ولدك الذين يعصوني ولا يطيعوني في شئ من أمري ، فهؤلاء حطب جهنم .
   وأما الذين عليهم نور وظلمة فأولئك الذين يطيعوني من ولدك ويعصوني يخلطون أعمالهم السيئة بأعمال حسنة ، فهؤلاء أمرهم إلي إن شئت عذبتهم فبعدلي ، وإن شئت عفوت عنهم بتفضلي ، فأنبأه الله بما يكون من ولده وشبههم بالذر الذي أخرجه من ظهره وجعله علامة على كثرة ولده ، ويحتمل أن يكون ما أخرجه من ظهره أصول أجسام ذريته دون أرواحهم ، وإنما فعل الله ذلك ليدل آدم ـ عليه السلام ـ على العاقبة منه ، ويظهر له من قدرته وسلطانه ومن عجائب صنعه وعلمه بالكائن قبل كونه ليزداد آدم ـ عليه السلام ـ يقينا بربه ويدعوه ذلك إلى التوفير على طاعته والتمسك بأوامره والاجتناب لزواجره .
   وأما الأخبار التي جاءت بأن ذرية آدم ـ عليه السلام ـ استنطقوا في الذر فنطقوا فأخذ =>
   * أنظر المقام الخامس من ( مقامات النجاة ) للسيد نعمة الله الجزائري ـ ره ـ ، وراجع البحار ـ ص 73 ج 3 ط كمباني ، چ (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 83 _

   تتعارف وتعقل وتفهم وتنطق ، ثم خلق الله لها أجسادا من بعد ذلك

---------------------------
   => عليهم العهد فأقروا ، فهي من أخبار التناسخية ، وقد خلطوا فيها ومزجوا الحق بالباطل ، والمعتمد من إخراج الذرية ما ذكرناه بما يستمر القول به على الأدلة العقلية والحجج السمعية دون ما عداه ، وإنما هو تخليط لا يثبت به أثر على ما وصفناه .
فصل : فإن تعلق متعلق بقوله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ؟ قَالُواْ : بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ) ( الأعراف : 173 ) وظن بظاهر هذا القول تحقق ما رواه أهل التناسخ والحشوية والعامة في إنطاق الذرية وخطابهم بأنهم كانوا أحياءا ناطقين .
   فالجواب عنه * : أن هذه الآية من المجاز في اللغة كنظائرها مما هو مجاز واستعارة، والمعنى فيها أن الله تبارك وتعالى أخذ من كل مكلف يخرج من صلب آدم وظهور ذريته العهد عليه بربوبيته من حيث أكمل عقله ودله بآثار الصنعة فيه على حدوثه ، وأن له محدثا أحدثه لا يشبهه أحد يستحق العبادة منه بنعمته عليه ، فذلك هو أخذ العهد منهم ، وآثار الصنعة فيهم هو إشهادهم على أنفسهم بأن الله تعالى ربهم ، وقوله تعالى : ( قالوا بلى ) يريد أنهم لم يمتنعوا من لزوم آثار الصنعة فيهم ، ودلائل حدوثهم اللازمة لهم ، وحجة العقل عليهم في إثبات =>
   * وأجاب المؤلف ـ قده ـ عن الآية في المسألة الخامسة والأربعين من المسائل العكبرية بما أجاب عنها في المسألة الثانية من المسائل السروية لكن مع اختلاف في التعبير .
   وقال العلامة الشهرستاني في مجلة ( المرشد ـ ص 120 ج 3 ط بغداد ) : ( في الناس أناس يعتقدون أن البشر من قبل أن يخلقوا خلقتهم هذه ، كانوا على كثرتهم ذوي حظ من الوجود ولكن على قدر الذر أو أصغر ويسمون الوطن الذي كانوا فيه على هذه الصفة ( عالم الذر ) و ( عالم الميثاق ) و ( يوم الألست ) بمناسبة خطاب الله لهم ( وهم ذر ) بقوله : ( ألست بربكم قالوا بلى ) غير أن المحقق رشيد الدين محمد بن شهر آشوب المتوفى سنة 588 نسب هذا المذهب إلى الحشوية في كتابه ( المحكم والمتشابه ) * * وفسر هذه الآية التي هي من أقوى أدلة الذريين بحال أمتنا تجاه الخطابات الشرعية في عالمنا المحسوس ، وعلى هذا أكثر المحققين من علمائنا المتقدمين كالشيخ المفيد والطبرسي ـ رض ـ وكالنراقيين من المتأخرين ... ) ، چ
   * أنظر متشابهات القرآن ومختلفه ص 8 ج 1 ط طهران لابن شهر آشوب ، چ ، ( * )

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 84 _

   فركبها فيها ، ولو كان ذلك كذلك لكنا نعرف نحن ما كنا عليه ، وإذا

---------------------------
   => صانعهم ، فكأنه سبحانه لما ألزمهم الحجة بعقولهم على حدثهم ووجود محدثهم قال لهم : ( ألست بربكم ) فلما لم يقدروا على الامتناع عن لزوم دلائل الحدث لهم كانوا كقائلين بلى .
   وقوله تعالى : ( أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ) ( الأعراف : 173 ) ألا ترى أنه احتج عليهم بما لا يقدرون يوم القيامة أن يناولوا [ يتأولوا ] في إنكاره ولا يستطيعون .
   وقد قال سبحانه : ( وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ) ( الحج : 18 ) * ولم يرد أن المذكور يسجد ( كذا ) كسجود البشر في الصلاة ، وإنما أراد أنه غير ممتنع من فعل الله ، فهو كالمطيع لله ، وهو يعبر عنه بالساجد ، قال الشاعر :
بجمع تظل البلق في حجراته      ترى الأكم فيه سجدا iiللحوافر
* * =>    *أول الآية : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ ) .
   قال المصنف ـ قده ـ في جواب المسألة الرابعة من المسائل العكبرية : السجود في اللغة التذلل والخضوع ومنه سمي المطيع لله ساجدا لتذلله بالطاعة لمن أطاعه، وسمي واضع جبهته على الأرض ساجدا لمن وضعها له لأنه تذلل بذلك له وخضع والجمادات وإن فارقت الحيوانات بالجمادية فهي متذللة لله عز وجل من حيث لم تمتنع من تدبيره لها وأفعاله فيها ، والعرب تصف الجمادات بالسجود وتقصد بذلك ما شرحناه في معناه ، ألا ترى إلى قول الشاعر وهو زيد الخيل : بجمع تظل البلق في حجراته .
   *ترى الأكم فيه سجدا للحوافر أراد أن الأكم الصلاب في الأرض لا تمتنع في هدم حوافر الخيل لها وانخفاضها بعد الارتفاع . . . والتذلل بالاختيار والاضطرار لله عز اسمه يعم الجماد والحيوان الناطق والمستبهم معا . چ
   *وفي الكامل للمبرد ـ ص 156 ج 2 ط مصر 1339 ه‍ : ويروى عن حماد الراوية قال : قالت ليلى بنت عروة بن زيد الخيل لأبيها : هل رأيت قول أبيك : بني عامر هل تعرفون إذا غدا .
   *أبو مكنف قد شد عقد الدوابر بجيش تضل البلق في حجراته .
   *ترى الأكم منه سجدا للحوافر مكنف كمحسن كنية زيد الخيل الصحابي ـ رض ـ .
   قال العلامة ابن قتيبة الدينوري ( المتوفى سنة 276 ه‍ في كتاب ( المعارف ـ ص 145 ط مصر 1353 ، : كان مكنف أكبر ولد أبيه وبه كان يكنى وصحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنه أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسماه زيد الخير وحماد الراوية مولى مكنف ، چ (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 85 _

   ذكرنا به ذكرناه ولا يخفى علينا الحال فيه ، ألا ترى أن من نشأ ببلد من البلاد

---------------------------
   => يريد : أن الحوافر تذل الأكم بوطئها عليها ، وقال آخر :
سجودا له عانون يرجون فضله      وترك  ورهط الأعجمين وكابل
   يريد : أنهم يطيعون له ، وخبر عن طاعتهم بالسجود ، وقوله تعالى : ( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِين ) ( فصلت : 11 ) وهو سبحانه لم يخاطب السماء بكلام ، ولا السماء قالت قولا مسموعا ، وإنها أراد أنه عهد إلى السماء فخلقها فلم يتعذر عليه صنعها ، وكأنه لما خلقها قال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها فلما انفعلت بقدرته كانتا كالقائل : أتينا طائعين ، ومثله قوله تعالى : ( يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ ) ( ق : 30 ) والله تعالى يجل عن مخاطبة النار وهي مما لا تعقل ولا تتكلم ، وإنما [ هو ] الخبر عن سعتها وأنها لا تضيق بمن يحلها من المعاقبين ، وذلك كله على مذهب أهل اللغة وعادتهم في المجاز ألا ترى إلى قول الشاعر :
وقالت  له العينان سمعا iiوطاعة      وحدرتا كالدر لما يثقب والعينان
   لم تقولا قولا مسموعا ، ولكنه أراد منهما البكاء فكانتا كما أراد من غير تعذر عليه ، ومثله قول غيره [ عنترة ] : أزور عن وقع القنا بلبانه * وشكى إلي بعبرة وتحمحم والفرس لا يشتكي قولا ولكنه ظهر منه علامة الخوف أو الجزع ، ومنه قول الآخر : ( شكى إلي جملي طول السرى ) * .
   والجمل لا يتكلم لكنه لما ظهر منه النصب ، والوصب لطول السري عبر عن هذه العلامة بالشكوى التي تكون كالنطق والكلام ، ومنه قوله : امتلأ الحوض وقال قطني * حسبك مني قد ملأت بطني والحوض لم يقل قطني ولكنه لما امتلأ بالماء عبر عنه بأنه قال حسبي ، ولذلك أمثال كثيرة في منثور كلام العرب ومنظومه وهو من الشواهد على ما ذكرناه في تأويل الآية ، والله تعالى =>
  *اللبان : الصدر أو ما بين الثديين ، وأكثر استعماله لصدر ذات الحوافر كالفرس . چ .
  *آخر الشعر : يا جملي ليس إلي المشتكى.
  *صبر جميل فكلانا مبتلى ، چ ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 86 _

   فأقام (1) فيه حولا ثم انتقل (2) إلى غيره لم يذهب عنه علم ذلك (3) وإن خفي عليه لسهوه عنه فذكر به ذكره ، ولولا أن الأمر كذلك لجاز أن يولد إنسان منا ببغداد وينشأ بها ويقيم عشرين سنة فيها ثم ينتقل إلى مصر آخر فينسى حاله ببغداد ولا يذكر منها شيئا ، وإن ذكر به وعدد عليه علامات حاله ومكانه ونشوئه أنكرها ، وهذا ما لا يذهب إليه عاقل (4) ، وكذا ما كان ينبغي لمن لا معرفة له بحقائق الأمور

---------------------------
   => سأل التوفيق ، ا ه‍ ، أنظر ( المسألة 45 من المسائل العكبرية للشيخ المفيد ـ ره ـ وأمالي تلميذه الشريف السيد المرتضى ـ ره ـ المسمى بغرر الفوائد ودرر القلائد ـ ص 20 ـ 34 ج 1 ط مصر ) و ( مجمع البيان ـ ص 497 ج 2 ط صيدا ) لإمام المفسرين الشيخ الطبرسي ـ ره ـ ورسالة ( فلسفة الميثاق والولاية ـ ص 3 ـ 10 ط صيدا ) للعلامة الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي مد ظله ، چ .
(1) ( ق ) : وأقام .
(2) ( ق ) زيادة : عنه .
(3) بحار الأنوار 58 : 80 ـ 81 .
(4) قال ـ قدس سره ـ في ضمن جواب المسألة الأولى من المسائل العكبرية * : إن قيل إن أشباح آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم سبق وجودها وجود آدم فالمراد بذلك أن أمثلتهم في الصور كانت في العرش فرآها آدم وسأل عنها فأخبره الله أنها أمثال صور من ذريته شرفهم بذلك وعظمهم به ، فأما أن تكون ذواتهم ـ عليهم السلام ـ كانت قبل آدم موجودة فذلك باطل بعيد عن الحق لا يعتقده محصل ولا يدين به عالم وإنما قال به طوائف من الغلاة الجهال والحشوية من الشيعة الذين لا بصيرة لهم بمعاني الأشياء ولا حقيقة الكلام .
   وقد قيل : إن الله تعالى كان قد كتب أسمائهم في العرش ورآها آدم وعرفهم بذلك وعلم أن شأنهم عند الله عظيم .
   وأما القول بأن ذواتهم كانت موجودة قبل آدم فالقول في بطلانه على ما قدمناه ، ا ه‍ . =>
   *أنظر مقدمة ( أوائل المقالات ص مه طبع 1371 ) چ ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 87 _

   أن يتكلم فيها على خبط عشواء (1) ، والذي (2) صرح به أبو جعفر ـ رحمه الله ـ في معنى الروح والنفس هو قول التناسخية بعينه من غير أن يعلم أنه قولهم فالجناية بذلك على نفسه وعلى غيره عظيمة .
   فأما ما ذكره من أن الأنفس (3) باقية فعبارة مذمومة ولفظ يضاد ألفاظ القرآن .
   قال الله تعالى : ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) (4) والذي حكاه من ذلك وتوهمه هو مذهب كثير من الفلاسفة الملحدين الذين زعموا أن الأنفس (5) لا يلحقها الكون والفساد ، وأنها باقية ، وإنما تفنى وتفسد الأجسام المركبة ، وإلى هذا ذهب بعض أصحاب التناسخ

---------------------------
   => وقال ( س ) في ضمن جواب المسألة المتممة للخمسين : فصل ـ وقوله أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولد مبعوثا ولم يزل نبيا فإنه مجمل من المقال وباطل فيه على حال فإن أراد بذلك أنه لم يزل في الحكم مبعوثا وفي العلم نبيا فهو كذلك ، وإن أراد ( بذلك ) أنه لم يزل موجودا في الأزل ناطقا رسولا وكان في حال ولادته نبيا مرسلا كما كان بعد الأربعين من عمره فذلك باطل لا يذهب إليه إلا ناقص غبي لا يفهم عن نفسه ما يقول والله المستعان وبه التوفيق ، چ .
(1) قال في ( الحور العين ـ ص 313 ) : والعشواء في قول الخليل : الناقة التي لا تبصر ما أمامها ، فهي تخبط بيديها كل شئ وترفع طرفها لا تنظر موقع يديها ، فضرب بها المثل لمن لا يتبين في أمره ، فقيل : كراكب العشواء ، وركب العشواء وهو يخبط خبط العشواء .
   ( أنظر مجمع الأمثال ص 336 ج 2 ط مصر ) أيضا ، چ .
(2) من هنا ذكره المجلسي في البحار 58 : 81 .
(3) ( ق ) ( ز ) : النفس .
(4) الرحمن : 26 ـ 27 .
(5) في المطبوعة : النفس ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 88 _

   وزعموا أن الأنفس (1) لم تزل تتكرر في الصور (2) والهياكل لم تحدث ولم تفن ولن (3) تعدم ، وأنها باقية غير فانية ، وهذا من أخبث قول وأبعده من الصواب ، وبما دونه في الشناعة والفساد شنع به الناصبة على الشيعة ونسبوهم إلى الزندقة ، ولو عرف مثبته ما (4) فيه لما تعرض له ، لكن أصحابنا المتعلقين بالأخبار أصحاب سلامة وبعد ذهن وقلة فطنة يمرون على وجوههم فيما سمعوه من الأحاديث ولا ينظرون في سندها ، ولا يفرقون (5) بين حقها وباطلها ، ولا يفهمون ما يدخل عليهم في إثباتها ، ولا يحصلون معاني ما يطلقونه منها .
   والذي ثبت من الحديث في هذا الباب أن الأرواح بعد موت الأجساد على ضربين : منها ما ينقل إلى الثواب والعقاب ، ومنها ما يبطل فلا يشعر بثواب ولا عقاب .
   وقد روي عن الصادق ـ عليه السلام ـ ما ذكرناه (6) في هذا المعنى وبيناه (7) ، فسئل عمن مات في هذه الدار أين تكون روحه ؟ فقال ـ عليه السلام ـ : من

---------------------------
(1) (ز) : النفس .
(2) في المطبوعة : الصورة .
(3) (ح) (ز) (ق) : ولم .
(4) في المطبوعة : بما .
(5) (ح) (ق) : يميزون .
(6) (ق) : ذكرنا .
(7) ومما هو جدير بالذكر أنه لا منافاة بين هذا الخبر وبين سائر الأخبار الواردة في الرجعة المشعرة بأنه لا يرجع إلى الدنيا إلا من محض الإيمان محضا أو محض الكفر محضا ، فإن هذا الخبر في مقام بيان أنه لا ينعم ولا يعذب من النفوس بعد مفارقة الأجساد إلا نفوس ماحضي الإيمان أو ماحضي الكفر ، وأن سائر النفوس من أمثال المستضعفين وغيرهم لا يشعر بشئ من الثواب والعقاب حتى يوم النشور وبعث من في القبور .
   وأخبار الرجعة في مقام بيان أن الراجعين إلى الدنيا ليسوا إلا من هاتين الطائفتين أعني ممحضي الإيمان وممحضي الكفر وليس في مقام إثبات أن كل ماحض للإيمان أو ماحض للكفر يعود ، فلا منافاة بين مضامين الأخبار ، وللمصنف ـ قدس ـ بيان شاف في هذا الباب أيضا في ( أوائل المقالات ) ، ز ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 89 _

   مات وهو ماحض للإيمان محضا أو ماحض للكفر محضا نقلت روحه من هيكله إلى مثله في الصورة (1) ، وجوزي بأعماله إلى يوم القيامة ، فإذا بعث الله من في القبور أنشأ جسمه (2) ورد روحه إلى جسده وحشره ليوفيه أعماله ، فالمؤمن تنتقل (3) روحه من جسده إلى مثل جسده في الصورة ، فيجعل في جنة من جنان الله يتنعم فيها إلى يوم المآب ، والكافر تنتقل روحه من جسده إلى مثله بعينه فتجعل في نار فيعذب بها إلى يوم القيامة ، وشاهد ذلك في المؤمن قوله تعالى : ( قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي ) (4) وشاهد ما ذكرناه في الكافر قوله تعالى : ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ) (5) فأخبر سبحانه أن مؤمنا قال بعد موته وقد ادخل الجنة : يا ليت قومي يعلمون ، وأخبر أن كافرا يعذب بعد موته غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة يخلد في النار .
   والضرب الآخر : من يلهى عنه وتعدم نفسه عند فساد جسمه ، فلا يشعر بشئ حتى يبعث ، وهو من لم يمحض الإيمان محضا ، ولا الكفر محضا .
   وقد بين الله تعالى ذلك عند قوله : ( إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا ) (6) فبين أن قوما عند الحشر لا يعلمون مقدار لبثهم في القبور حتى يظن

---------------------------
(1) أنظر ( بقاء النفس بعد فناء الجسد ـ ص 48 ـ 49 ط مصر ) للفيلسوف الأكبر وأستاذ البشر نصير الدين الطوسي ـ ره ـ وشرحها للمرحوم العلامة أبي عبد الله الزنجاني طاب ثراه ، چ .
(2) بحار الأنوار 58 : 81 .
(3) (ز) : تنقل .
(4) يس : 26 ـ 27 .
(5) المؤمن : 46 .
(6) طه : 104 ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 90 _

   بعضهم أن ذلك كان عشرا (1) ، ويظن بعضهم أن ذلك كان يوما ، وليس يجوز أن يكون ذلك عن وصف من عذب إلى بعثه أو نعم إلى بعثه ، لأن من لم يزل منعما أو معذبا لا يجهل عليه حاله فيما عومل به ، ولا يلتبس عليه الأمر في بقائه بعد وفاته .
   وقد روي عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ أنه قال : إنما يسأل في قبره من محض الإيمان محضا أو محض الكفر محضا ، فأما ما سوى هذين فإنه يلهى عنه .
   وقال في الرجعة : إنما يرجع إلى الدنيا عند قيام القائم من محض الإيمان محضا أو محض الكفر محضا (2) ، فأما ما سوى هذين فلا رجوع لهم إلى يوم المآب (3) .

---------------------------
(1) في سورة طه : 103 ( ... إن لبثتم إلا عشرا ) الآية ، چ .
(2) بحار الأنوار 58 : 82 .
(3) قال المصنف ـ قدس سره ـ في ضمن جواب المسألة الأولى من المسائل السروية : فصل : والرجعة عندنا تختص بمن يمحض الإيمان ويمحض الكفر دون ما سوى هذين الفريقين ، وإذا أراد الله تعالى على ما ذكرناه أوهم الشيطان أعداء الله ـ عز وجل ـ أنهم إنما ردوا إلى الدنيا لطغيانهم على الله تعالى فيزدادون عتوا ، فينتقم الله تعالى منهم لأوليائه المؤمنين ، ويجعل لهم الكرة عليهم ، فلا يبقى منهم أحد إلا وهو مغموم بالعذاب والنقمة ، وتصفو الأرض عن الطغاة ، ويكون الدين لله تعالى ، والرجعة إنما هي لممحضي الإيمان من أهل الملة وممحضي النفاق منهم دون من سلف من الأمم الخالية .
   فصل :وقد قال بعض المخالفين لنا : كيف تعود كفار الملة بعد الموت إلى طغيانهم وقد عاينوا عذاب الله تعالى في البرزخ وتيقنوا بذلك أنهم مبطلون ، فقلت له : ليس ذلك بأعجب من الكفار الذين يشاهدون في البرزخ ما حل بهم من العذاب فيها ويعلمون ضرورة بعد الموافقة لهم والاحتجاج عليهم بضلالهم في الدنيا ، فيقولون حينئذ : ( يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) ( الأنعام : 27 ) فقال الله ـ عز وجل ـ : (بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) ( الأنعام : 28 ) فلم يبق للمخالف بعد هذا الاحتجاج شبهة يتعلق بها فيما ذكرناه ، والمنة لله ، چ ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 91 _

   وقد اختلف أصحابنا ـ رضي الله عنهم ـ فيمن ينعم ويعذب بعد موته (1) ، فقال بعضهم : المعذب والمنعم هو الروح التي توجه إليها الأمر والنهي والتكليف ، وسموها ( جوهرا ) .
   وقال آخرون : بل الروح الحياة ، جعلت في جسد كجسده في دار الدنيا ، وكلا الأمرين يجوزان في العقل (2) ، والأظهر عندي قول من قال إنها الجوهر المخاطب ، وهو الذي يسميه (3) الفلاسفة ( البسيط ) .
   وقد جاء في الحديث (4) أن الأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ خاصة والأئمة ـ عليهم السلام ـ من بعدهم ينقلون بأجسادهم وأرواحهم من الأرض إلى السماء ، فيتنعمون في أجسادهم التي كانوا فيها عند مقامهم في الدنيا .
   وهذا خاص بحجج الله تعالى دون من سواهم من الناس .
   وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (5) أنه قال : من صلى علي عند قبري سمعته ، ومن صلى علي من بعيد بلغته ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : من صلى علي مرة صليت عليه عشرا ، ومن صلى علي عشرا صليت عليه مائة ، فليكثر امرؤ منكم الصلاة علي أو فليقل (6) .
   فبين أنه صلى الله عليه وآله و سلم بعد خروجه من الدنيا يسمع الصلاة عليه ، ولا يكون كذلك إلا وهو حي عند الله تعالى ، وكذلك أئمة الهدى ـ عليهم السلام ـ يسمعون سلام المسلم عليهم من قرب ، ويبلغهم سلامه من بعد ، وبذلك جاءت الآثار الصادقة

---------------------------
(1) (ق) : الموت .
(2) (ح) ( ق ) : العقول .
(3) (ح) : تسميه .
(4) بحار الأنوار 58 : 82 و 83 .
(5) بحار الأنوار 58 : 83 .
(6) بحار الأنوار 58 : 83 ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 92 _

   عنهم ـ عليهم السلام ـ (1) .
   وقد قال الله تعالى : ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء ) (2) الآية .
   وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (3) أنه وقف على قليب (4) بدر (5) فقال للمشركين الذين قتلوا يومئذ وقد القوا في القليب : لقد كنتم جيران سوء لرسول الله ، أخرجتموه من منزله (6) وطردتموه ، ثم اجتمعتم عليه فحاربتموه ، فقد وجدت ما وعدني ربي حقا ، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا ؟ فقال له عمر يا رسول الله ، ما خطابك لهام (7) قد صديت (8) ؟ فقال له : مه يا ابن الخطاب ! فوالله ما أنت بأسمع منهم ، وما بينهم وبين أن تأخذهم الملائكة بمقامع (9) الحديد إلا أن أعرض بوجهي هكذا عنهم (10) .

---------------------------
(1) بحار الأنوار 58 : 83 .
(2) آل عمران : 170 .
(3) بحار الأنوار 6 : 254 .
(4) القليب : البئر .
(5) بدر اسم بئر كانت لرجل يدعى بدرا ، قال حسان بن ثابت شاعر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( المتوفى سنة 50 ه‍ ) .
يـنـاديهم رسـول الله iiلـما      قـذفناهم كـباكب في iiالقليب
ألـم تجدوا حديثي كان حقا ii؟      وأمـر  الله يـأخذ iiبـالقلوب
فـما  نطقوا ولو نطقوا iiلقالوا      صدقت وكنت ذا رأي مصيب
   أنظر ( شرح ديوان حسان ـ ص 17 ط مصر ) للأستاذ عبد الرحمان البرقوقي .
   وإلى ( أعيان الشيعة ـ ص 167 ج 2 ط 1 دمشق ) للعلامة الإمام الأمين العاملي ، چ .
(6) ( ق ) : بلده ، ( ح ) : مولده .
(7) جمع الهامة : تطلق عل الجثة .
(8) أي ماتت .
(9) جمع المقمعة : خشبة أو حديدة يضرب بها الإنسان ليذل .
(10) بحار الأنوار 6 : 255 ، أنظر ( البداية والنهاية ـ ص 137 ـ 138 ج 1 ط مصر ) لابن كثير المؤرخ المفسر ، چ ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 93 _

   وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ (1) أنه ركب بعد انفصال الأمر من حرب البصرة فصار (2) يتخلل بين الصفوف حتى مر على كعب بن سورة ـ وكان هذا قاضي البصرة ولاه إياها عمر بن الخطاب ، فأقام بها قاضيا بين أهلها زمن عمر وعثمان ، فلما وقعت الفتنة بالبصرة علق في عنقه مصحفا وخرج بأهله وولده يقاتل أمير المؤمنين ، فقتلوا بأجمعهم ـ فوقف عليه أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ وهو صريع بين القتلى ، فقال : أجلسوا كعب بن سورة ، فأجلس بين نفسين ، وقال له : يا كعب بن سورة ، قد وجدت ما وعدني ربي حقا ، فهل وجدت ما وعدك ربك حقا ؟ ثم قال : أضجعوا كعبا . وسار قليلا فمر بطلحة بن عبد (3) الله صريعا ، فقال : أجلسوا طلحة ، فأجلسوه ، فقال : يا طلحة ، قد وجدت ما وعدني ربي حقا ، فهل وجدت ما وعدك ربك حقا ؟ ثم قال : أضجعوا طلحة ، فقال له رجل من أصحابه : يا أمير المؤمنين ، ما كلامك لقتيلين لا يسمعان منك ؟ فقال : مه يا رجل ، فوالله لقد سمعا كلامي كما سمع أهل القليب كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (4) .
   وهذا من الأخبار الدالة على أن بعض من يموت ترد إليه روحه لتنعيمه أو لتعذيبه ، وليس ذلك بعام في كل من يموت ، بل هو على ما بيناه (5) .

---------------------------
(1) بحار الأنوار 6 : 255 .
(2) (ز) (ق) (ش) : فسار
(3) (ح) (ش) : عبيد .
(4) أنظر كتاب ( الجمل ـ أو ـ النصرة في حرب البصرة ـ ص 194 ـ 5 ط 1 نجف ) للمؤلف قده ، چ .
(5) بحار الأنوار 6 : 255 ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 94 _

   فصل : فيما وصف به الشيخ أبو جعفر الموت قال أبو جعفر (1) : باب الموت ، قيل لأمير المؤمنين ... إلى آخره (2).
   قال الشيخ أبو عبد الله (3) : ترجم الباب بالموت وذكر غيره ، وقد كان ينبغي أن يذكر حقيقة الموت أو يترجم الباب بمال الموت وعاقبة الأموات ، فالموت ، هو يضاد الحياة ، يبطل معه النمو ويستحيل معه الاحساس ، وهو محل (4) الحياة فينفيها ، وهو من فعل الله تعالى وليس لأحد فيه صنع ولا يقدر عليه أحد إلا الله تعالى .
   قال الله سبحانه : ( هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ) (5) ، فأضاف الإحياء [ إلى نفسه ، وأضاف الإماتة إليها ] (6) .
   وقال سبحانه : ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) (7) فالحياة ما كان بها النمو والاحساس وتصح معها القدرة والعلم ، والموت ما

---------------------------
(1) معاني الأخبار 288 ، وعنه في البحار 6 : 167 / 40 .
(2) الاعتقادات ص 51 .
(3) بحار الأنوار 6 : 167 .
(4) (ح) (ق) : يحل محل .
(5) المؤمن : 68 .
(6) في المطبوعة : والإماتة إلى نفسه .
(7) الملك : 2 ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 95 _

   استحال معه النمو والاحساس ولم تصح معه القدرة والعلم ، وفعل الله تعالى الموت بالإحياء لينقلهم (1) من دار العمل والامتحان إلى دار الجزاء والمكافأة ، وليس يميت الله عبدا من عبيده (2) إلا وإماتته أصلح له من بقائه ، ولا يحييه إلا وحياته أصلح له من موته ، وكل ما يفعله الله تعالى بخلقه فهو أصلح لهم وأصوب في التدبير .
   وقد يمتحن الله تعالى كثيرا من خلقه بالآلام الشديدة قبل الموت ، ويعفي آخرين من ذلك (3) ، وقد يكون الألم المتقدم للموت [ ضربا من ] (4) العقوبة لمن حل به ، ويكون استصلاحا له ولغيره ، ويعقبه نفعا عظيما ، وعوضا كثيرا (5) ، وليس كل من صعب عليه خروج نفسه كان بذلك معاقبا ، ولا كل من سهل عليه الأمر في ذلك كان به مكرما مثابا .
   وقد ورد الخبر بأن الآلام التي تتقدم الموت تكون كفارات لذنوب المؤمنين ، وتكون عقابا للكافرين ، وتكون الراحة قبل الموت استدراجا (6) للكافرين ، وضربا من ثواب المؤمنين (7) .
   وهذا أمر مغيب عن الخلق ، لم يظهر الله تعالى أحدا من خلقه على إرادته فيه تنبيها له ، حتى يتميز (8) له حال الامتحان من (9) حال

---------------------------
(1) في بقية النسخ : لنقلهم .
(2) (ق) : عباده .
(3) بحار الأنوار 6 : 168 .
(4) (ز) : من باب .
(5) (ح) : كبيرا .
(6) استدرجه : خدعه ، واستدراج الله للعبد إنه كلما جدد خطيئته جدد له نعمة وأنساه الاستغفار فيأخذه قليلا قليلا ولا يباغته ، أنظر ( مجمع البحرين ـ درج ) ، چ .
(7) بحار الأنوار 6 : 168 .
(8) (أ) (ز) (ش) : يميز .
(9) (ق) : عن ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 96 _

   العقاب ، وحال الثواب من حال الاستدراج ، وتغليظا للمحنة ليتم التدبير الحكيم (1) في الخلق .
   فأما ما ذكره أبو جعفر من أحوال الموتى بعد وفاتهم ، فقد جاءت الآثار به على التفصيل .
   وقد أورد بعض ما جاء في ذلك إلا أنه ليس مما ترجم به الباب في شئ ، والموت على كل حال أحد بشارات المؤمن، إذ كان أول طرقه إلى محل النعيم ، وبه يصل ثواب الأعمال الجميلة في الدنيا (2) ، وهو أول شدة تلحق الكافر (3) من شدائد العذاب (4) ، وأول طرقه إلى حلول العقاب (5) ، إذ كان الله تعالى جعل الجزاء على الأعمال بعده وصيره سببا لنقله من دار التكليف إلى دار الجزاء ، وحال المؤمن بعد موته أحسن من حاله قبله ، وحال الكافر بعد مماته (6) أسوء من حاله قبله ، إذ المؤمن صائر إلى جزائه بعد مماته ، والكافر صائر إلى جزائه بعد مماته (7) .
   وقد جاء في الحديث عن آل محمد ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ أنهم قالوا : الدنيا سجن المؤمن ، والقبر بيته ، والجنة مأواه ، والدنيا جنة الكافر ،

---------------------------
(1) (أ) (ح) (ز) (ش) : الحكمي .
(2) بحار الأنوار 6 : 168 .
(3) (ش) (ز) (ق) : الكافرين .
(4) في بقية النسخ : العقاب .
(5) (ز) : العذاب .
(6) في بقية النسخ : موته .
(7) بحار الأنوار 6 : 169 ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 97 _

   والقبر سجنه ، والنار مأواه (1) (2) .
   وروي عنهم ـ عليهم السلام ـ أنهم قالوا : الخير كله بعد الموت ، والشر كله بعد الموت .
   ولا حاجة بنا مع نص القرآن بالعواقب إلى الأخبار ، [ ومع شاهد ] (3) العقول إلى الأحاديث .
   وقد ذكر الله تعالى جزاء الصالحين فبينه ، وذكر عقاب الفاسقين ففضله ، وفي بيان الله سبحانه وتفصيله غنى عما سواه .

---------------------------
(1) قال العلامة المحقق ، كعبة الأدباء ، الشيخ بهاء الدين محمد العاملي ( المتوفى سنة 1030 ه‍ ) في ( الكشكول ص 295 ط 2 نجم الدولة ) : رأى يهودي الحسن بن علي ـ عليه السلام ـ في أبهى زي وأحسنه ، واليهودي في حال ردئ وأسمال رثة ، فقال : أليس قال رسولكم : الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ؟ قال : نعم ، فقال : هذا حالي وهذا حالك ؟ ! فقال ـ عليه السلام ـ : غلطت يا أخا اليهود ، لو رأيت ما وعدني الله من الثواب وما أعد لك من العقاب لعلمت أنك في الجنة وأني في السجن !
   وقال العلامة المدقق الحاج الملا محمد مهدي النراقي ( المتوفى سنة 1309 ه‍ ) في كتاب ( مشكلات العلوم ص 318 ط إيران 1305 ه‍ ) عند كلامه على توجيه الحديث : إن المؤمن وإن كان في الدنيا في نعيم وحسن حال ، فإنه بالنسبة إلى حاله في الجنة في سجن وضيق وسوء حال ، والكافر وإن كان في الدنيا في ضيق وسوء حال ، فإنه بالنسبة إلى حاله في النار في جنة ونعيم ، فيكون الحكمان للدنيا بالنسبة إلى الآخرة .
   ومثل هذا التوجيه مروي عن الحسن ـ عليه السلام ـ ، چ .
(2) بحار الأنوار 6 : 169 / 41 و 42 .
(3) في بعض النسخ : وبشاهد ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 98 _

فصل : في المسألة في القبر (*)
   قال أبو جعفر اعتقادنا في المسألة في القبر أنها حق (1) ، (2) .

---------------------------
(*) قال المؤلف قده في ضمن جوابه عن المسألة الخامسة من المسائل السروية : فأما كيفية عذاب الكافر في قبره وتنعم المؤمن فيه ، فإن الخبر أيضا قد ورد بأن الله تعالى يجعل روح المؤمن في قالب مثل قالبه في الدنيا في جنة من جناته ، ينعمه فيه إلى يوم الساعة فإذا نفخ في الصور أنشأ جسده الذي في التراب وتمزق ثم أعاده إليه وحشره إلى الموقف وأمر به إلى جنة الخلد ، ولا يزال منعما ببقاء الله عز وجل ( بإبقاء الله ـ ظ ) غير أن جسده الذي يعاد فيه لا يكون على تركيبه في الدنيا بل يعدل طباعه ويحسن صورته ولا يهرم مع تعديل الطباع ولا يمسه نصب في الجنة ولا لغوب ، والكافر يجعل في قالب كقالبه في محل عذاب يعاقب ونار يعذب بها حتى الساعة ثم ينشئ جسده الذي فارقه في القبر فيعاد إليه فيعذب به في الآخرة عذاب الأبد ويركب أيضا جسده تركيبا لا يفنى معه وقد قال الله عز وجل : ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ) ( سورة المؤمن : 46 ) وقال في قصة الشهداء : ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون ) ( سورة آل عمران : 170 ) وهذا قد مضى في ما تقدم فدل على أن الثواب والعذاب يكون قبل يوم القيمة وبعدها ، والخبر وارد بأنه يكون مع فراق الروح والجسد في الدنيا والروح هيهنا عبارة عن الفعال الجوهر البسيط ، وليس بعبارة عن الحياة يصح عليها العلم والقدرة لأن هذه الحياة عرض لا تبقى ولا يصح عليها الإعادة ، فهذا ما عول عليه أهل النقل وجاء به الخبر على ما بيناه .
   أنظر الصفحة 40 ـ 42 من هذا الكتاب ، طبع 1371 چ ، فأخبر أنهم أحياء وإن كانت أجسادهم على وجه الأرض أموات لا حياة فيها ، منه ره .
(1) الاعتقادات ص 58 .
(2) عنه في البحار 6 : 279 ـ 280 و 53 : 128 ـ 130 ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 99 _

   قال أبو عبد الله الشيخ المفيد ـ رضي الله عنه ـ : الذي ذكره أبو جعفر غير مفيد (1) لما تصدق (2) الحاجة إليه في المسألة والغرض منها ، والذي يجب أن يذكر (3) في هذا المعنى ما أنا مثبته إن شاء الله تعالى .
   جاءت الآثار الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (4) أن الملائكة تنزل (5) على المقبورين فتسألهم عن أديانهم ، وألفاظ الأخبار بذلك متقاربة ، فمنها أن ملكين لله تعالى يقال لهما : ناكر ونكير ، ينزلان على الميت فيسألانه عن ربه ونبيه ودينه وإمامه ، فإن أجاب بالحق سلموه إلى ملائكة النعيم ، وإن ارتج (6) عليه سلموه إلى ملائكة العذاب .
   وقيل في بعض الأخبار (7) : إن اسمي الملكين اللذين ينزلان على الكافر : ناكر ونكير ، واسمي الملكين اللذين ينزلان على المؤمن : مبشر وبشير ، وقيل : إنه إنما سمي ملكا الكافر ناكرا ونكيرا ، لأنه ينكر الحق وينكر ما يأتيانه به ويكرهه ، وسمي ملكا المؤمن مبشرا وبشيرا ، لأنهما يبشرانه بالنعيم ، ويبشرانه من الله تعالى بالرضا والثواب المقيم ، وإن هذين الاسمين ليسا بلقب (8) لهما ،

---------------------------
(1) (ز) (ش) : جيد .
(2) في المطبوعة : يقصد .
(3) (أ) : يذكره .
(4) بحار الأنوار 6 : 280 .
(5) (ز) : تتنزل .
(6) رتج وارتج الباب : أغلقه ، ارتج على الخطيب : استغلق عليه الكلام ، أنظر ( مجمع البحرين ـ رتج ) لفخر الدين الطريحي ، أيضا ، چ .
(7) بحار الأنوار 6 : 280 .
(8) (ق) تلقيبا ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 100 _

   وإنهما (1) عبارة عن فعلهما .
   وهذه أمور يتقارب بعضها من بعض ولا تستحيل معانيها ، والله سبحانه أعلم بحقيقة الأمر فيها ، وقد قلنا فيما سلف أنه إنما ينزل الملكان على من محض الإيمان محضا أو محض الكفر محضا ، ومن سوى هذين فيلهى عنه (2) ، وبينا أن الخبر جاء بذلك ، فمن جهته قلنا فيه ما ذكرناه (3) .
فصل : وليس ينزل الملكان إلا على حي ، ولا يسألان إلا من يفهم المسألة (4) ويعرف معناها ، وهذا يدل على أن الله تعالى يحيي العبد بعد موته للمسألة (5) ، ويديم حياته لنعيم إن كان يستحقه ، أو لعذاب إن كان يستحقه .
   نعوذ بالله من سخطه ، ونسأله التوفيق لما يرضيه برحمته (6) .
   والغرض من نزول الملكين ومساءلتهما العبد أن الله تعالى يوكل بالعبد بعد موته ملائكة النعيم أو ملائكة العذاب ، وليس للملائكة طريق إلى علم ما يستحقه العبد إلا بإعلام (7) الله تعالى ذلك لهم ، فالملكان اللذان ينزلان على العبد أحدهما من ملائكة النعيم والآخر من ملائكة العذاب ، فإذا هبطا لما وكلا به

---------------------------
(1) (ح) (ق) : وإنما هو ، والأنسب في السياق : وإنما هما .
(2) بحار الأنوار 6 : 280 .
(3) بحار الأنوار 6 : 280 .
(4) في بقية النسخ : للمسألة .
(5) في بقية النسخ : المسألة .
(6) بحار الأنوار 6 : 280 .
(7) (ز) : بإلهام ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 101 _

   استفهما حال العبد بالمسألة (1) ، فإن أجاب بما يستحق به النعيم قام بذلك ملك النعيم وعرج عنه ملك العذاب ، وإن ظهرت فيه علامة استحقاقه (2) العذاب (3) ، وكل به ملك العذاب وعرج عنه ملك النعيم .
   وقد قيل : إن الملائكة الموكلين بالنعيم والعذاب (4) .
   غير الملكين الموكلين بالمسألة ، وإنما يعرف ملائكة النعيم وملائكة العذاب ما يستحقه العبد من جهة ملكي المسألة ، فإذا سألا العبد وظهر منه ما يستحق به الجزاء تولى منه ذلك ملائكة الجزاء وعرج ملكا المسألة إلى مكانهما من السماء .
   وهذا كله جائز ، ولسنا نقطع بأحد دون صاحبه ، إذ الأخبار فيه متكافئة والعبارة لنا في معنى ما ذكرناه الوقف والتجويز (5) .
فصل : وإنما وكل الله تعالى ملائكة المسألة وملائكة العذاب والنعيم بالخلق تعبدا لهم بذلك ، كما وكل الكتبة من الملائكة بحفظ أعمال الخلق (6) وكتبها ونسخها ورفعها تعبدا لهم بذلك ، وكما تعبد طائفة من الملائكة بحفظ بني آدم ، وطائفة منهم بإهلاك الأمم ، وطائفة (7) بحمل العرش ، وطائفة بالطواف حول

---------------------------
(1) في بقية النسخ : بالمسألة .
(2) (ق) : استحقاق .
(3) بحار الأنوار 6 : 280 و 281 .
(4) (ح) : والعقاب .
(5) بحار الأنوار 6 : 281 .
(6) (ح) : الخلائق .
(7) (ز) زيادة : منهم ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 102 _

   البيت المعمور ، وطائفة بالتسبيح ، وطائفة بالاستغفار للمؤمنين ، وطائفة بتنعيم أهل الجنة ، وطائفة بتعذيب أهل النار [ والتعبد لهم ] (1) بذلك ليثيبهم (2) عليها .
   ولم يتعبد الله الملائكة بذلك عبثا كما لم يتعبد البشر والجن بما تعبدهم به لعبا ، بل تعبد الكل للجزاء ، وما تقتضيه الحكمة من تعريفهم نفسه تعالى والتزامهم شكر النعمة (3) عليهم .
   وقد كان الله تعالى قادرا على أن يفعل العذاب بمستحقه من غير واسطة ، وينعم المطيع من غير واسطة ، لكنه سبحانه علق ذلك على الوسائط لما ذكرناه وبينا وجه الحكمة فيه ووصفناه ، وطريق مسألة الملكين الأموات بعد خروجهم من الدنيا بالوفاة هو السمع ، وطريق العلم برد الحياة إليهم عند المسألة هو العقل، إذ لا يصح مسألة الأموات واستخبار الجماد (4) (5) .
   وإنما يحسن الكلام للحي العاقل لما يكلم به ، وتقريره وإلزامه بما يقدر عليه ، مع أنه قد جاء في الخبر أن كل مسائل ترد إليه الحياة عند مساءلته (6) ليفهم ما يقال له ، فالخبر بذلك (7) يؤكد ما في العقل ، ولو لم يرد بذلك خبر لكفى حجة العقل فيه على ما بيناه (8) .

---------------------------
(1) في المطبوعة : وتعبدهم .
(2) (ح) (ق) زيادة : على الأعمال التي يؤدون بها التكليف كما تعبد البشر والجن بالأعمال ليثيبهم .
(3) (ز) : النعم .
(4) في المطبوعة : الجمادات .
(5) بحار الأنوار 6 : 281 .
(6) في بقية النسخ : مساءلتهم .
(7) في بعض النسخ : أكد .
(8) بحار الأنوار 6 : 281 ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 103 _

فصل :
   فيما ذكر الشيخ أبو جعفر في العدل قال أبو جعفر : باب الاعتقاد في العدل ... إلى آخره (1) (2) .
   قال الشيخ المفيد أبو عبد الله ـ رحمه الله : العدل ، هو الجزاء على العمل بقدر المستحق عليه ، والظلم ، هو منع الحقوق ، والله تعالى عدل كريم جواد متفضل رحيم ، قد ضمن الجزاء على الأعمال ، والعوض (3) على المبتدئ من الآلام ، ووعد التفضل بعد ذلك بزيادة من عنده .
   فقال تعالى : ( لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ) (4) الآية ، فخبر أن للمحسنين الثواب المستحق وزيادة من عنده وقال : ( مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ) يعني له عشر أمثال ما يستحق عليها .
  ( وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) (5) يريد أنه لا يجازيه بأكثر مما يستحقه ، ثم ضمن بعد ذلك العفو ووعد بالغفران .

---------------------------
(1) الاعتقادات ص 69 .
(2) بحار الأنوار 5 : 335 / 2 .
(3) بحار الأنوار 5 : 335 .
(4) يونس : 26 .
(5) الأنعام : 160 ، وقال النراقي الأول ـ قدس سره ـ في كتابه ( مشكلات العلوم ص 162 ) عند كلامه على تفسير قول الله تعالى : ( وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ) ( آل عمران : 182 ) : إن صيغة المبالغة إنما جئ بها لكثرة العبيد لا لكثرة الظلم في نفسه ، فإن الظالم عل الجمع الكثير يكون =>

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 104 _

   فقال سبحانه : ( وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ ) (1).
   وقال سبحانه : ( إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء ) (2) .
   وقال سبحانه : ( قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ ) (3) .
   والحق الذي للعبد هو ما جعله الله تعالى حقا له واقتضاه [ جود الله وكرمه ] (4) ، وإن كان لو حاسبه بالعدل لم يكن له عليه بعد النعم التي أسلفها حق ، لأنه تعالى ابتدأ خلقه بالنعم وأوجب عليهم بها الشكر ، وليس أحد من الخلق يكافئ نعم الله تعالى عليه بعمل ، ولا يشكره أحد إلا وهو مقصر بالشكر عن حق النعمة .
   وقد أجمع أهل القبلة (5) على أن من قال : إني وفيت (6) جميع ما لله تعالى علي وكافأت نعمه بالشكر ، فهو ضال ، وأجمعوا على أنهم مقصرون عن حق الشكر ، وأن لله عليهم حقوقا لو مد في أعمارهم إلى آخر مدى الزمان لما وفوا لله سبحانه بما

---------------------------
   => كثير الظلم نظرا إلى كثرة المظلومين ، فيصح الاتيان بصيغة المبالغة الدالة على كثرة أفراد الظلم نظرا إلى كثرة أفراد المظلوم ، فمن كانت عبيده كثيرة فإن كان يظلم الكل فالأنسب به اسم الظلام دون الظالم ، فإذ ألم يكن ظالما لشئ منهم فاللازم نفي الظلام عنه ، إذ لو فرض صدور الظلم منه لكان ظلاما لا ظالما .
   ولذا إذا أفرد المفعول لا يؤتى بصيغة المبالغة ، ومع كونه جمعا يؤتى بها ، كقوله تعالى : ( عَالِمِ الْغَيْبِ ) و ( عَلَّامُ الْغُيُوبِ ) وقولهم : زيد ظالم لعبده ، وزيد ظلام لعبيده .
   والحاصل : أن صيغة المبالغة هنا لكثرة المفعول لا لتكرار الفعل ، چ .
(1) الرعد : 6 .
(2) النساء : 48 .
(3) يونس : 58 .
(4) (ز) : جوده أو كرمه .
(5) (ح) : العقل .
(6) بحار الأنوار 5 : 335 ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 105 _

   له عليهم ، فدل ذلك على أن ما جعله حقا لهم فإنما جعله بفضله وجوده وكرمه .
   ولأن حال العامل الشاكر بخلاف حال من لا عمل له في العقول ، وذلك أن الشاكر يستحق في العقول الحمد، ومن لا عمل له فليس في العقول له حمد ، وإذا ثبت الفضل (1) بين العامل ومن لا عمل له (2) كان ما يجب في العقول من حمده (3) هو الذي يحكم عليه بحقه ويشار إليه بذلك ، وإذا أوجبت العقول له مزية على من لا عمل له كان العدل من الله تعالى معاملته بما جعله (4) في العقول له حقا .
   وقد أمر الله تعالى بالعدل ونهى عن الجور ، فقال تعالى : ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ) (5) (6) .

---------------------------
(1) في بعض النسخ : الفصل .
(2) بحار الأنوار 5 : 366 .
(3) (ق) : الحمد .
(4) (ز) : جعل .
(5) النحل : 90 .
(6) بحار الأنوار 5 : 336 ، (*)