قال أبو جعفر : اعتقادنا في الأعراف أنه سور ... إلى آخره
(1) (2) .
قال الشيخ المفيد ـ رحمه الله ـ : قد قيل إن الأعراف جبل بين الجنة والنار ، وقيل أيضا : إنه سور بين الجنة والنار ، وجملة الأمر في ذلك : أنه مكان ليس من الجنة ولا من النار
(3) .
وقد جاء الخبر بما ذكرناه ، وأنه إذا كان يوم القيامة كان به رسول الله وأمير المؤمنين والأئمة من ذريته صلى الله عليه وآله وسلم وهم الذين عني الله سبحانه بقوله : ( وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ )
(4) وذلك أن الله تعالى يعلمهم أصحاب الجنة وأصحاب النار بسيماء يجعلها عليهم ـ وهي العلامات ـ وقد بين ذلك في قوله تعالى : ( يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ) و ( يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ )
(5) (6) .
---------------------------
(1) الاعتقادات ص 70 .
(2) عنه في البحار 8 : 340 .
(3) بحار الأنوار 8 : 340 .
(4) الأعراف : 46 .
(5) الرحمن : 41 .
(6) بحار الأنوار 8 : 340 ، (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 107 _
وقد قال الله تعالى : ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ وإنها لبسبيل مقيم )
(1) فأخبر أن في خلقه طائفة يتوسمون الخلق فيعرفونهم بسيماهم .
وروي عن أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ أنه قال في بعض كلامه : أنا صاحب العصا والميسم ، يعني : علمه بمن يعلم حاله بالتوسم .
وروي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر ـ عليه السلام ـ أنه سئل عن قوله تعالى : ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ ) قال : فينا نزلت أهل البيت ، يعني : في الأئمة ـ عليهم السلام ـ .
وقد جاء الحديث بأن الله تعالى يسكن الأعراف طائفة من الخلق
(2) لم يستحقوا بأعمالهم الجنة على الثبات من غير عقاب ، ولا استحقوا الخلود في النار وهم المرجون لأمر الله ، ولهم الشفاعة ، ولا يزالون على الأعراف حتى يؤذن لهم في دخول الجنة بشفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين والأئمة من بعده ـ عليهم السلام ـ .
وقيل أيضا : إنه مسكن طوائف لم يكونوا في الأرض مكلفين فيستحقون بأعمالهم جنة ونارا ، فيسكنهم الله ذلك المكان ويعوضهم على آلامهم في الدنيا بنعيم لا يبلغون به منازل أهل الثواب المستحقين له بالأعمال
(3) .
وكل ما ذكرناه جائز في العقول .
وقد وردت به أخبار ـ والله أعلم بالحقيقة من ذلك ـ إلا أن المقطوع به في جملته أن الأعراف مكان بين الجنة والنار يقف فيه من سميناه من حجج الله تعالى على خلقه ، ويكون به يوم القيامة قوم من المرجين لأمر الله ، وما بعد ذلك فالله أعلم بالحال فيه
(4) .
---------------------------
(1) الحجر : 75 ـ 76 .
(2) بحار الأنوار 8 : 340 .
(3) بحار الأنوار 8 : 341 .
(4) بحار الأنوار 8 : 341 ، (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 108 _
فصل : في الصراط
قال أبو جعفر : اعتقادنا في الصراط أنه حق ، وأنه جسر
(1) (2) .
قال الشيخ المفيد أبو عبد الله ـ رحمه الله ـ : الصراط في اللغة هو الطريق ، فلذلك سمي الدين صراطا ، لأنه طريق إلى الصواب ، [ وله سمي ]
(3) الولاء لأمير المؤمنين والأئمة من ذريته ـ عليهم السلام ـ صراطا
(4) .
ومن معناه قال أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ : أنا صراط الله المستقيم ، وعروته الوثقى التي لا انفصام لها . يعني : أن معرفته والتمسك به طريق إلى الله سبحانه .
وقد جاء الخبر بأن الطريق يوم القيامة إلى الجنة كالجسر يمر به الناس ، وهو الصراط الذي يقف عن يمينه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن شماله أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ ويأتيهما النداء من قبل الله تعالى : ( ألقيا في جهنم كل كفار عنيد )
(5) وجاء الخبر أنه لا يعبر الصراط يوم القيامة إلا من كان معه براءة
(6) من علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ من النار
(7) .
---------------------------
(1) الاعتقادات ص 70 .
(2) عنه في البحار 8 : 70 .
(3) ( ق ) وبه يسمى .
(4) بحار الأنوار 8 : 70 .
(5) ق : 24 .
(6) برات : يعني الفرمان الملكي ، چ .
(7) بحار الأنوار 8 : 70 ، (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 109 _
وجاء الخبر بأن الصراط أدق من الشعرة وأحد من السيف على الكافر
(1) .
والمراد بذلك أنه لا تثبت لكافر قدم على الصراط يوم القيامة من شدة ما
---------------------------
(1) قال العلامة الشهرستاني في مجلة ( المرشد ص 179 ـ 180 ج 1 ) في جواب هذا السؤال : من الوارد في الأخبار المأثورة عن الصراط أنه أدق من الشعر وأحد من السيف ، فأي معنى يقصد من الشعرة والسيف ؟
الجواب : لم يفصل كتاب الله الحكيم من هذا القبيل شيئا ، وقد استعمل لفظ الصراط بمعنى الطريق والمسلك المؤدي إلى غاية قدسية مرغوبة ، استعارة تمثل شرع الحق المؤدي إلى جنانه ورضوانه بالصراط .
نعم ، تضمنت تفاصيل السؤال بعض مرويات قاصرة الاسناد ـ ولا ضير ـ فقد وردت في شرحها أحاديث أخرى عن أئمة الاسلام تفسر الصراط الممدود بين النار والجنة كالشعرة دقة ، وكالسيف حدة بسيرة الإمام أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ والحديث المجمع على صحته ناطق بأن عليا ـ عليه السلام ـ قسيم النار والجنة ، وأن طريقته المثلى هي المسلك الوحيد المفضي إلى الجنان والرضوان .
ومعلوم لدى الخبراء أن سيرة علي ـ عليه السلام ـ كانت أدق من الشعرة ، فإنه ـ عليه السلام ـ ساوى في العطاء بين أكابر الصحابة الكرام ، كسهل بن حنيف ، وبين أدنى مواليهم ، وكان يقص من أكمام ثيابه لإكساء عبده ، ويحمل إلى اليتامى والأيامى أرزاقهم على ظهره في منتصف الليل ، ويشبع الفقراء ويبيت طاوي الحشا ، ويختار لنفسه من الطعام ما جشب ، ومن اللباس ما خشن، ويوزع مال الله على عباد الله في كل جمعة ثم يكنس بيت المال ويصلي فيه ، وهو يعيش على غرس يمينه وكد يده ، وحاسب أخاه عقيلا بأدق من الشعرة في قصته المشهورة.
*وطالب شريحا القاضي أن يساوي بينه وبين خصمه الإسرائيلي عند المحاكمة .
إلى غير ذلك من مظاهر ترويضه النفس والزهد البليغ ، حتى غدا الاقتداء به في إمامة المسلمين فوق الطوق . وكما كانت سيرة علي ـ عليه السلام ـ أدق
من الشعرة كانت مشايعته في الخطورة أحد من السيف ، نظرا إلى مزالق الأهواء والشهوات ، ومراقبة السلطات من بني أمية وتتبعهم أولياء علي ـ عليه السلام ـ وأشياعه وأتباعه تحت كل حجر ومدر ، چ .
*أنظر ( منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة ـ ص 421 ـ 430 ج 7 ط إيران على الحجر ) للعلامة المحقق الأديب والفقيه المتكلم الأريب الحاج ميرزه حبيب الله الموسوي الخوئي =>
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 110 _
يلحقهم من أهوال يوم
(1) القيامة ومخاوفها ، فهم يمشون عليه كالذي يمشي على الشئ الذي هو أدق من الشعرة وأحد من السيف ، وهذا مثل مضروب لما يلحق الكافر من الشدة في عبوره على الصراط ، وهو طريق إلى الجنة وطريق إلى النار ، يشرف
(2) العبد منه إلى الجنة
(3) ويرى منه أهوال النار .
---------------------------
(1) ليست في بقية النسخ .
(2) (ز) : يسير .
(3) بحار الأنوار 8 : 71 .
=> الآذربيجاني ـ ولما انجر الكلام إلى هذا المقام لا بأس بأن نشير إلى وجيز من ترجمة العلامة الخوئي ـ كما أفاد نفسه طاب رمسه ـ فنقول : قال في ( مرآة الكتب ـ مخطوط ) : الحاج ميرزا حبيب الله من المعاصرين تشرفت بملاقاته
في بلدة تبريز وكان مولده كما ذكره نفسه خامس شهر رجب سنة 1265 ه اشتغل بالتحصيل عند الأساتيذ الفخام كالسيد العلامة الحاج السيد حسين الترك والمحقق الحاج ملا علي بن الحاج ميرزا خليل الطهراني وله إجازة عامة منهما ،
وكان فاضلا محققا وله من المؤلفات : شرح نهج البلاغة ، وحاشية على بعض أبواب القوانين في أربعة عشر ألف بيت ، وكتاب منتخب الفن في حجية القطع والظن ، وكتاب إحقاق الحق في تحقيق المشتق ، وكتاب الجنة الواقية في أدعية
نهار رمضان مع شرحها ، وشرح كتاب القضاء والشهادات من الدروس ، كذا أفاده سلمه الله .
سافر في هذه الأواخر إلى طهران لعرض شرح نهج البلاغة على السلطان المغفور له مظفر الدين شاه واستدعاه أمره بطبعه فنال من السلطان
المزبور احتراما وأمر بطبع الكتاب ثم عرض العوارض وتوفي السلطان المزبور ( سنة 1324 ه ) وتوفي هو رحمه الله في طهران سنة 1325 ه ولم أقف هل طبع شئ من الكتاب أم لا ؟ ) .
أقول : وقد طبع الكتاب أخيرا ؟ بتبريز في سبعة أجزاء على النسخة التي كانت قد كتبت بمداد الطبع سنة 1325 ـ 1328 ه بأمر ولد المؤلف العالم الحاج أمين الاسلام نزيل طهران ، وينتهي المطبوع منه إلى شرح الخطبة الثامنة
والعشرين بعد المائتين ، وقال كاتب النسخة في آخرها : ( هذا آخر ما وفق إلا شرح بشرحه روح الله روحه وكتبته أنا حسب أمر ولده السيد السند الحاج أمين الاسلام ... في ربيع الثاني 1328 ه ) .
هذا وقد ذكر لي نجل المؤلف السيد نعمة الله ( هاشمي ) أن أباه العلامة مات بطهران ونقل جثمانه إلى بلدة قم المشرفة ودفن هناك قدس الله سره ورحمه رحمة واسعة ، چ ، (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 111 _
وقد يعبر به عن الطريق المعوج فلهذا قال الله تعالى : ( وأن هذا صراطي مستقيما )
(1) فميز بين طريقه الذي دعا إلى سلوكه من الدين ، وبين طرق الضلال .
وقال الله تعالى فيما أمر به عباده من الدعاء وتلاوة القرآن : ( اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ )
(2) فدل على أن ما سواه صراط غير مستقيم . وصراط الله تعالى دين الله ، وصراط الشيطان طريق العصيان ، والصراط في الأصل ـ على ما بيناه ـ هو الطريق ، والصراط يوم القيامة هو الطريق المسلوك إلى الجنة أو
(3) النار ـ على ما قدمناه
(4) .
---------------------------
(1) الأنعام : 135 .
(2) الحمد : 6 .
(3) في بقية النسخ : و .
(4) بحار الأنوار 8 : 71 ، (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 112 _
فصل : في العقبات على طريق المحشر
قال الشيخ أبو جعفر ـ رحمه الله ـ في العقبات : اسم كل عقبة اسم فرض أو أمر أو نهي
(1) (2) .
قال الشيخ المفيد ـ رحمه الله ـ : العقبات عبارة عن الأعمال الواجبات
(3) والمسألة عنها والمواقفة عليها ، وليس المراد بها جبال في الأرض تقطع وإنما هي الأعمال شبهت
(4) بالعقبات ، وجعل الوصف لما يلحق الإنسان في تخلصه من تقصيره
(5) في طاعة الله تعالى كالعقبة التي يجهد صعودها وقطعها
(6) .
قال الله تعالى : ( فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ )
(7) الآية ، فسمى سبحانه الأعمال التي كلفها العبد عقبات تشبيها لها بالعقبات والجبال لما يلحق الإنسان في أدائها من المشاق ، كما يلحقه في صعود العقبات وقطعها .
---------------------------
(1) الاعتقادات ص 71 .
(2) بحار الأنوار 7 : 128 ـ 129 / 11 .
(3) في المطبوعة : الواجبة .
(4) (ح) (ش) : شبهها .
(5) في المطبوعة : التقصير .
(6) بحار الأنوار 7 : 129 .
(7) البلد : 11 ـ 13 ، (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 113 _
قال أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ : إن أمامكم عقبة كؤودا
(1) ومنازل مهولة
(2) ، لا بد من الممر بها ، والوقوف عليها ، فإما برحمة من الله نجوتم ، وإما بهلكة ليس بعدها انجبار
(3) (4) .
أراد ـ عليه السلام ـ بالعقبة : تخلص الإنسان من التبعات التي عليه ، وليس كما ظنه الحشوية من أن في الآخرة جبالا وعقبات يحتاج الإنسان إلى قطعها ماشيا وراكبا
(5) ، وذلك لا معنى له فيما توجبه الحكمة من الجزاء ، ولا وجه لخلق
عقبات تسمى بالصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها من الفرائض ، يسأم الإنسان أن يصعدها ، فإن كان مقصرا في طاعة الله حال ذلك بينه وبين صعودها ، إذ كان الغرض في القيامة المواقفة على الأعمال والجزاء عليها بالثواب والعقاب ،
وذلك غير مفتقر إلى تسمية
(6) عقبات وخلق جبال ، وتكليف قطع ذلك وتصعيبه
(7) أو تسهيله مع أنه لم يرد خبر صحيح بذلك على التفصيل فيعتمد عليه وتخرج له الوجوه ، وإذا لم يثبت بذلك خبر كان الأمر فيه ما ذكرناه
(8) .
---------------------------
(1) صعبة شاقة المصعد .
(2) المهول : المخوف . ذو الهول .
(3) انجبر صلح بعد الكسر . ج .
(4) نهج البلاغة / الخطبة 202 .
(5) بحار الأنوار 7 : 129 .
(6) ( ح ) ( ش ) ( ق ) : نسبة .
(7) بحار الأنوار 7 : 130 .
(8) بحار الأنوار 7 : 130 (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 114 _
فصل : في الحساب والموازين (1)
قال الشيخ أبو جعفر اعتقادنا في الحساب أنه حق
(2) .
قال الشيخ المفيد ـ رحمه الله ـ : الحساب هو المقابلة بين الأعمال والجزاء عليها ، والمواقفة للعبد على ما فرط منه ، والتوبيخ له على سيئاته ، والحمد له على حسناته ، ومعاملته في ذلك باستحقاقه .
وليس هو كما ذهبت العامة إليه من مقابلة الحسنات بالسيئات والموازنة
(3) بينهما على حسب استحقاق الثواب والعقاب عليهما ، إذ كان التحابط بين الأعمال غير صحيح ، ومذهب المعتزلة فيه باطل غير ثابت ، وما اعتمده
(4) الحشوية في معناه غير معقول .
والموازين هي التعديل بين الأعمال والجزاء عليها ، ووضع كل جزاء في موضعه ، وإيصال كل ذي حق إلى حقه . فليس الأمر في معنى ذلك على ما ذهب إليه أهل الحشو ، من أن في القيامة موازين كموازين الدنيا ، لكل ميزان كفتان توضع الأعمال فيها ، إذ الأعمال أعراض
(5) ، والأعراض لا يصح وزنها ، وإنما توصف بالثقل والخفة على وجه المجاز ، والمراد بذلك أن ما ثقل
(6) منها هو ما
---------------------------
(1) في بعض النسخ : الميزان .
(2) الاعتقادات ص 73 .
(3) بحار الأنوار 7 : 252 .
(4) (أ) (ح) (ش) (ق) : يعتمده ، (ز) : اعتمد .
(5) بحار الأنوار 7 : 252 .
(6) (ز) : يثقل ، (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 115 _
كثر واستحق عليه عظيم الثواب ، وما خف منها ما قل قدره ولم يستحق عليه جزيل الثواب .
والخبر الوارد في أن أمير المؤمنين والأئمة من ذريته ـ عليهم السلام ـ هم الموازين ، فالمراد أنهم المعدلون بين الأعمال فيما يستحق عليها ، والحاكمون فيها بالواجب والعدل ، ويقال فلان عندي في ميزان فلان ، ويراد به نظيره .
ويقال : كلام فلان عندي
(1) أوزن من كلام فلان
(2) ، والمراد به أن كلامه أعظم وأفضل قدرا ، والذي ذكره الله تعالى في الحساب والخوف منه إنما هو المواقفة على الأعمال ، لأن من وقف على أعماله لم يتخلص من تبعاتها ، ومن عفى الله تعالى عنه في ذلك فاز بالنجاة : ( فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ـ بكثرة استحقاقه الثواب ـ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ـ بقلة أعمال
(3) الطاعات ـ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ )
(4).
والقرآن إنما أنزل بلغة العرب وحقيقة كلامها ومجازه ، ولم ينزل على ألفاظ العامة وما سبق إلى قلوبها من الأباطيل
(5) .
---------------------------
(1) (ق) : عندنا .
(2) بحار الأنوار 7 : 252 .
(3) (ح) (ش) (ق) : أعماله .
(4) المؤمنون : 102 ـ 103 .
(5) بحار الأنوار 7 : 252 ، (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 116 _
فصل : في الجنة والنار (*)
قال أبو جعفر اعتقادنا في الجنة أنها دار البقاء
(1) ،
(2) .
قال الشيخ المفيد ـ رحمه الله ـ : الجنة ، دار النعيم لا يلحق من دخلها نصب ولا يلحقهم فيها لغوب ، و
(3) جعلها الله سبحانه دارا لمن عرفه وعبده ، [ ونعيمها دائم ]
(4) لا انقطاع له ، والساكنون فيها على أضرب : فمنهم : من أخلص لله تعالى ، فذلك الذي يدخلها على أمان من عذاب الله تعالى .
ومنهم : من خلط عمله الأصلح بأعماله
(5) السيئة كأن يسوف منها التوبة ، فاخترمته المنية قبل ذلك ، فلحقه خوف من العقاب في عاجله وآجله ، أو في عاجله دون آجله ، ثم سكن الجنة بعد [ عفو الله أو عقابه ]
(6) ،
(7) .
---------------------------
(*) أنظر كتاب ( علم اليقين في أصول الدين ـ ص 208 ـ 209 ) للمحدث القاشاني ، ج .
(1) الاعتقادات ص 76 .
(2) البحار 8 : 200 ـ 201 / 204 و 8 : 324 ـ 325 / ؟ ؟ ؟ .
(3) ليست في (ز) .
(4) (ق) : وجعل نعيمها دائا .
(5) (ح) (أ) (ش) : بأعمال سيئة ، (ق) : بالأعمال .
(6) في بقية النسخ : عفو أو عقاب .
(7) بحار الأنوار 8 : 201 ، (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 117 _
ومنهم : من يتفضل
(1) عليه بغير عمل سلف منه في الدنيا ، وهم الولدان المخلدون الذين جعل الله تعالى تصرفهم لحوائج أهل الجنة ثوابا للعاملين
(2) ، وليس في تصرفهم مشاق عليهم ولا كلفة ، لأنهم مطبوعون إذ ذاك على المسار بتصرفهم في حوائج المؤمنين .
وثواب أهل الجنة الالتذاذ [ بالمآكل والمشارب ]
(3) والمناظر والمناكح وما تدركه حواسهم مما يطبعون على الميل إليه ، ويدركون مرادهم بالظفر به وليس في الجنة من البشر من يلتذ بغير مأكل ومشرب وما تدركه الحواس من الملذوذات .
وقول من يزعم
(4) : أن في الجنة بشرا يلتذ بالتسبيح والتقديس من دون الأكل والشرب ، قول شاذ عن دين الاسلام ، وهو مأخوذ من مذهب النصارى الذين زعموا أن المطيعين في الدنيا يصيرون في الجنة ملائكة لا يطعمون ولا يشربون ولا ينكحون .
وقد أكذب الله سبحانه هذا القول في كتابه بما رغب العاملين
(5) فيه من الأكل والشرب والنكاح ، فقال تعالى : ( أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ )
(6) الآية ، وقال تعالى : ( فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ )
(7) الآية ، وقال تعالى :
---------------------------
(1) (ح) : تفضل .
(2) (أ) (ز) (ق) : العالمين .
(3) (ق) : بالمأكل والمشرب .
(4) (أ) (ز) : زعم .
(5) في بعض النسخ : العالمين .
(6) الرعد : 35 .
(7) محمد : 15 ، (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 118 _
( حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ )
(1) .
وقال تعالى : ( وَحُورٌ عِين )
(2) .
وقال سبحانه : ( وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ )
(3) .
وقال سبحانه : ( وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ )
(4) .
وقال سبحانه : ( إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ {يس/55} هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ )
(5) الآية ، وقال سبحانه : ( وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ )
(6) .
فكيف استجاز من أثبت في الجنة طائفة من البشر لا يأكلون ولا يشربون ويتنعمون بما به الخلق من الأعمال يتألمون ، وكتاب الله تعالى شاهد بضد ذلك والاجماع على خلافه ، لولا أن
(7) قلد في ذلك من لا يجوز تقليده أو عمل على حديث موضوع
(8) ؟ !
وأما النار ، فهي [ دار من ]
(9) جهل الله سبحانه ، وقد يدخلها بعض من عرفه [ بمعصية الله ]
(10) تعالى ، غير أنه لا يخلد فيها ، بل يخرج منها إلى النعيم المقيم ، وليس يخلد فيها إلا الكافرون .
وقال تعالى : ( فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى )
(11) يريد [ بالصلي هاهنا ]
(12) الخلود فيها ، قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا )
(13) .
وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ )
(14)
---------------------------
(1) الرحمن : 72 .
(2) الواقعة : 22 .
(3) الدخان : 54 .
(4) ص : 52 .
(5) يس : 55 .
(6) البقرة : 25 .
(7) (أ) (ح) (ق) : أنه .
(8) بحار الأنوار 8 : 202 .
(9) (ز) : دار القرار لمن .
(10) (ز) : بمعصيته .
(11) الليل : 14 ـ 16 .
(12) (ق) : بالأشقى ها هنا الكافر ، وبالإصلاء .
(13) النساء : 56 .
(14) المائدة : 36 ، (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 119 _
الآيتان .
وكل آية تتضمن ذكر الخلود في النار فإنما هي في الكفار دون أهل المعرفة بالله تعالى بدلائل العقول والكتاب المسطور والخبر الظاهر المشهور والاجماع والرأي
(1) السابق لأهل البدع من أصحاب الوعيد . [ حد التكفير ]
فصل : وليس يجوز أن يعرف الله تعالى من هو كافر به ، ولا يجهله من هو به مؤمن ، وكل كافر على أصولنا فهو جاهل بالله ، ومن خالف أصول الإيمان من المصلين إلى قبلة الاسلام فهو عندنا جاهل بالله سبحانه وإن أظهر القول بتوحيده تعالى ، كما أن الكافر برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاهل بالله وإن كان فيهم من يعترف بتوحيد الله تعالى ويتظاهر بما يوهم المستضعفين أنه معرفة بالله تعالى .
وقد قال الله تعالى : ( فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا )
(2) فأخرج بذلك المؤمن عن أحكام الكافرين ، وقال تعالى : ( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ )
(3) الآية ، فنفى عمن كفر بنبي الله صلى الله عليه وآله وسلم الإيمان ، ولم يثبت له مع الشك فيه المعرفة بالله على حال .
وقال سبحانه وتعالى : ( قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ ـ إلى قوله ـ وَهُمْ صَاغِرُونَ )
(4) فنفى الإيمان عن اليهود والنصارى ، وحكم عليهم بالكفر والضلال
(5) .
---------------------------
(1) ليست في بقية النسخ .
(2) الجن : 13 .
(3) النساء : 65 .
(4) التوبة : 29 .
(5) بحار الأنوار 8 : 326 ، (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 120 _
فصل : في كيفية نزول الوحي
قال الشيخ أبو جعفر ـ رحمه الله ـ [ في نزول الوحي ]
(1) : اعتقادنا في ذلك
(2) أن بين عيني إسرافيل
(3) ... إلخ
(4) ،
(5) .
قال الشيخ المفيد ـ رحمه الله
(6) ـ : هذا أخذه أبو جعفر ـ رحمه الله ـ من شواذ الحديث ، وفيه خلاف لما قدمه من أن اللوح ملك من ملائكة الله تعالى .
وأصل الوحي هو الكلام الخفي
(7) ، ثم قد يطلق على كل شئ قصد به إفهام المخاطب على السر له عن غيره والتخصيص له به دون من سواه ، وإذا أضيف إلى الله تعالى كان [ فيما يخص ]
(8) به الرسل ـ صلى الله عليهم ـ خاصة دون من سواهم على عرف الاسلام وشريعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
---------------------------
(1) ليست في بقية النسخ .
(2) (ز) : اللوح .
(3) (ق) : زيادة : لوحا ، فإذا أراد الله تعالى أن يتكلم بالوحي ضرب اللوح على جبين إسرافيل ، فينظر فيه ، وألقاه إلى ميكائيل ، ويلقيه ميكائيل إلى جبرئيل ، ويلقيه جبرئيل إلى الأنبياء .
(4) الاعتقادات ص 81 .
(5) عنه في البحار 18 : 248 / 1 .
(6) بحار الأنوار 18 : 248 .
(7) بحار الأنوار 26 : 83 .
(8) (ز) : يختص ، (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 121 _
قال الله تعالى : ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ )
(1) الآية ، فاتفق أهل الاسلام على أن الوحي كان رؤيا مناما أو كلاما سمعته أم موسى في منامها على الاختصاص ، قال الله تعالى : ( وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ )
(2) الآية ، يريد به الإلهام الخفي ، إذ كان [ خاصا بمن ]
(3) أفرده به دون من سواه ، فكان علمه حاصلا للنحل بغير كلام جهز به المتكلم فأسمعه غيره .
وقال تعالى : ( وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ )
(4) بمعنى ليوسوسون
(5) إلى أوليائهم بما يلقونه من الكلام في أقصى أسماعهم ، فيخصون بعلمهم
(6) دون من سواهم ، وقال سبحانه : ( فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ )
(7) يريد به أشار إليهم من غير إفصاح الكلام ، شبه ذلك بالوحي لخفائه عمن سوى المخاطبين ، ولستره
(8) عمن سواهم .
وقد يري الله سبحانه وتعالى في المنام خلقا كثيرا ما يصح تأويله [ ويثبت حقه ]
(9) لكنه لا يطلق بعد استقرار الشريعة عليه اسم الوحي ، ولا يقال في هذا الوقت لمن طبعه
(10) الله على علم شئ أنه يوحى إليه .
وعندنا أن الله تعالى يسمع الحجج بعد نبيه صلى الله عليه وآله وسلم كلاما يلقيه إليهم
(11) في علم ما يكون ، لكنه لا يطلق عليه اسم الوحي لما قدمناه
(12) من إجماع المسلمين على أنه لا وحي [ إلى أحد ]
(13) بعد
---------------------------
(1) القصص : 7 .
(2) النحل : 68 .
(3) في بعض النسخ : خالصا لمن .
(4) الأنعام : 121 .
(5) (ح) (ز) (ق) : يوسوسون .
(6) ( ق ) : بعلمه .
(7) مريم : 11 .
(8) (ا) : وستره ، (ز) والمطبوعة : وسره .
(9) في بعض النسخ : وتثبت حقيقته .
(10) في بعض النسخ : أطلعه .
(11) (ح) زيادة : أي الأوصياء .
(12) أنظر ( أوائل المقالات ص 78 الطبعة الأولى ) . چ
(13) (ح) : لأحد ، (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 122 _
نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنه لا يقال في شئ مما ذكرناه
(1) أنه وحي إلى أحد .
ولله تعالى أن يبيح إطلاق الكلام أحيانا ويحظره أحيانا ، ويمنع السمات
(2) بشئ حينا ويطلقها حينا ، فأما المعاني ، فإنها لا تتغير عن حقائقها على ما قدمناه
(3) .
فصل : قال الشيخ المفيد ـ رحمه الله تعالى ـ
(4) : فأما الوحي من الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فقد كان تارة بإسماعه الكلام من غير واسطة ، وتارة بإسماعه الكلام على ألسن الملائكة .
والذي ذكره أبو جعفر ـ رحمه الله ـ من اللوح والقلم وما ثبت فيه فقد جاء به حديث ، إلا أنا لا نعزم على القول
(5) به ، ولا نقطع على الله بصحته ، ولا نشهد منه إلا بما علمناه
(6) ، وليس الخبر به متواترا يقطع العذر ولا عليه إجماع ، ولا
نطق به القرآن ، ولا ثبت عن حجة الله تعالى فينقاد له والوجه أن نقف فيه ونجوزه ولا نقطع به ولا نجزم
(7) له
(8) ونجعله في حيز الممكن .
فأما قطع أبي جعفر به وعلمه على اعتقاده فهو يستند إلى ضرب من التقليد ، ولسنا من التقليد في شئ
(9) .
---------------------------
(1) (ز) : ذكرنا .
(2) في المطبوعة : السماع . في ( المنجد ـ مادة وسم ) السمة : مص ، العلامة ، أثر الكي ج سمات چ .
(3) بحار الأنوار 26 : 84 .
(4) بحار الأنوار 18 : 250 .
(5) (أ) : القبول .
(6) (ق) (ز) : علمنا .
(7) كذا في المطبوعة ، وفي النسخ المخطوطة بدل ( نجزم ) كلمة لا تقرأ فراجع .
(8) كذا في جميع النسخ ، والأنسب : به .
(9) بحار الأنوار 18 : 250 ، (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 123 _
فصل : في نزول القرآن
قال الشيخ أبو جعفر ـ رحمه الله ـ
(1) ،
(2) : إن القرآن نزل في شهر رمضان في ليلة القدر جملة واحدة إلى البيت المعمور ، ثم أنزل من البيت المعمور في مدة عشرين سنة
(3) ... إلخ
(4) .
قال الشيخ المفيد ـ رحمه الله ـ
(5) : الذي ذهب إليه أبو جعفر في هذا الباب أصله حديث واحد لا يوجب علما ولا عملا
(6) .
ونزول القرآن على الأسباب الحادثة حالا بحال
(7) يدل على خلاف ما تضمنه الحديث ، وذلك أنه قد تضمن حكم ما حدث وذكر ما جرى على وجهه ، وذلك لا يكون على الحقيقة إلا
---------------------------
(1) الاعتقادات ص 82 .
(2) عنه في البحار 18 : 250 ـ 251 / 3 .
(3) بحار الأنوار 18 : 250 .
(4) تمام الكلام : وأن الله عز وجل أعطى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم العلم جملة ، ثم قال له : لا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ( وقل رب زدني علما ) وقال : ( لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه ) الآية ( سورة القيامة ـ 17 ـ 18 ) ، چ .
(5) بحار الأنوار 18 : 252 .
(6) أنظر ( أمالي السيد المرتضى ـ ص 161 ج 4 ط مصر ) چ .
(7) في المطبوعة : فحالا ، (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 124 _
بحدوثه عند السبب ، ألا ترى إلى قوله تعالى : ( وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ )
(1) .
وقوله : ( وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ )
(2) وهذا خبر عن ماض ، ولا يجوز أن يتقدم مخبره ، فيكون حينئذ جزاءا
(3) عن ماض وهو لم يقع بل هو في المستقبل . وأمثال ذلك في القرآن كثيرة .
وقد جاء الخبر بذكر الظهار وسببه ، وأنها
(4) لما [ جادلت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ]
(5) في ذكر الظهار أنزل الله تعالى : ( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا )
(6) وهذه قصة
(7) كانت بالمدينة فكيف ينزل الله تعالى الوحي
بها بمكة قبل الهجرة ، فيخبر بها أنها قد كانت ولم تكن !
(8) ولو تتبعنا قصص القرآن لجاء مما ذكرناه
(9) كثير لا يتسع به المقال ، وفيما ذكرناه منه كفاية لذوي الألباب .
وما أشبه ما جاء به الحديث بمذهب المشبهة الذين زعموا أن الله سبحانه وتعالى لم يزل متكلما بالقرآن ومخبرا عما يكون بلفظ كان ، وقد رد عليهم أهل التوحيد بنحو ما ذكرناه .
وقد يجوز في الخبر الوارد في نزول القرآن جملة في ليلة القدر بأن المراد أنه نزل جملة منه في ليلة القدر ثم تلاه ما نزل منه إلى وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأما أن يكون نزل بأسره وجميعه في ليلة القدر فهو بعيد مما يقتضيه ظاهر القرآن والمتواتر من الأخبار وإجماع العلماء على اختلافهم في الآراء
(10) .
---------------------------
(1) النساء : 155 .
(2) الزخرف : 20 .
(3) في المطبوعة وبعض النسخ : خبرا .
(4) في بعض النسخ : وإنما .
(5) (ز) : جادلته التي .
(6) المجادلة : 1 .
(7) (ق) : قضية .
(8) أنظر مجمع البيان ص 246 ج 5 ط صيدا للشيخ الطوسي ره چ .
(9) (ق) : ذكرنا .
(10) أنظر تفسير المنار ص 171 ـ 172 ج 2 ط 1 مصر چ ، (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 125 _
فصل : فأما قوله تعالى : ( ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه )
(1) ففيه وجهان غير ما ذكره أبو جعفر وعول فيه على حديث شاذ :
أحدهما : أن الله تعالى نهاه عن التسرع إلى تأويل القرآن قبل الوحي إليه به ، وإن كان في الامكان من جهة اللغة ما قالوه على مذهب أهل اللسان
(2) .
والوجه الآخر : أن جبرئيل ـ على السلام ـ كان يوحي إليه بالقرآن فيتلوه معه
---------------------------
(1) طه : 114 ، قال العلامة الشهرستاني عند جوابه عن سؤال رفعناه إلى معاليه شعبان سنة 1354 ه ، ما نصه : ( الصواب في تفسيرها ( أي تفسير الآية 114 من سورة طه ) هو الوجه الثالث مما ذكره المحقق الطبرسي * في
( مجمع البيان ) وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يتوقع نزول الوحي عليه يوميا وحول كل حادثة تأمينا لقلوب المؤمنين ومزيدا لعلمه فأوحى إليه سبحانه بهذه الآية قائلا : ( فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ) يعني أن الله في مقام
ملوكيته و حقانيته يتعالى شأنه عن خلف الوعد وعن خلاف الحق فينبغي أن تستقر قلوب المؤمنين به فلا موجب باستعجالك بنزول القرآن قبل أن يتحتم من الله إيحاؤه كما لا موجب لاستزادة علمك بنزول الآيات فقط بل يمكن ذلك
بدعائك وطلب مزيد العلم من ربك ، وعليه فالتعجيل بالقرآن هو الالحاح بنزوله ومعنى ( يقضى إليك ) تحتم نزوله إليه حسب ما يراه الله من المصلحة ) ، ا ه ، وانظر ملحق ( أمالي السيد المرتضى ـ ص 395 ط طهران 1272 ه ) ، چ .
(2) أنظر كتاب أوائل المقالات ص 55 چ .
*ومما هو جدير بالتسطير أن طبرس المنسوب إليه الإمام السعيد أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي ـ من أكابر علماء الإمامية وجهابذتهم في القرن السادس للهجرة ـ بسكون الباء الموحدة معرب ( تفرش ) من توابع قم ، وليس مفتوح الباء
منسوبا إلى طبرستان كما هو المشهور ، يظهر ذلك من الفصل الذي عقده أبو الحسن علي بن زيد البيهقي الشهير بابن فندق المتوفى سنة 565 ه في ( تاريخ بيهق ـ ص 242 ط طهران ) لترجمته ، وإن شئت مزيد التوضيح والتبيين فعليك =>
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 126 _
حرفا بحرف ، فأمره الله تعالى أن لا يفعل ذلك ويصغي إلى ما يأتيه به جبرئيل ، أو ينزله الله تعالى عليه بغير واسطة حتى يحصل الفراغ منه ، فإذا تم الوحي به تلاه ونطق به وقرأه .
فأما ما ذكره المعول على الحديث من التأويل فبعيد ، لأنه لا وجه لنهي الله
---------------------------
=> بالرجوع إلى المقالة التي دبجها يراعة العلامة أحمد ( بهمنيار * ) أستاذ جامعة طهران ، وأدرجها في ذيل التاريخ المذكور ( ص 347 ـ 353 ) فراجها واغتنم وكن من الشاكرين .
وقال العلامة العاملي في ( أعيان الشيعة ـ ص 97 ـ 98 ج 9 ) في ترجمة الشيخ أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي صاحب الاحتجاج : والأكثر أن يقال في النسبة إلى طبرستان طبري وفي النسبة إلى طبرية فلسطين طبراني على غير قياس للفرق بينهما كما قالوا : صنعاني
وبهراني وبحراني في النسبة إلى صنعاء وبهراء والبحرين ، وما يقال إنه لم يسمع في النسبة إلى طبرستان طبري غير صحيح بل هو الأكثر ولو قيل أنه لم يسمع في النسبة إليها طبرسي لكان وجها لما في الرياض عن صاحب تاريخ قم
المعاصر لابن العميد من أن طبرس ناحية معروفة حوالي قم مشتملة على قرى ومزارع كثيرة ، وإن هذا الطبرسي وسائر العلماء المعروفين بالطبرسي منسوبون إليها ، ويستشهد له بما عن الشهيد الثاني في حواشي إرشاد العلامة من
نسبة بعض الأقوال إلى الشيخ علي بن حمزة الطبرسي القمي والله أعلم ... في رياض العلماء أن هذا الطبرسي المترجم غير صاحب مجمع البيان لكنه معاصر له وهما شيخا ابن شهرآشوب وأستاذاه قال : وظني أن بينهما قرابة وكذا
بينهما وبين الشيخ حسن بن علي بن محمد بن علي بن الحسن الطبرسي المعاصر للخواجة نصير الدين الطوسي ) .
وقد اختار هذا الرأي السديد صديقنا العلامة السعيد محمد علي القاضي الطباطبائي التبريزي مد ظله ـ نزيل النجف الأشرف ـ فجاد يراعه الطاهر بمقال باهر حول كلمتي ( طبرس ـ طبرسي ) ونشر ذلك المقال القيم في مجلة ( العرفان ـ ص 371 ـ 375 ج 3 مج 39 ط صيدا ـ لبنان ) تلك المجلة الراقية التي خدمت العلم والأدب عشرات الأعوام فأقيم لها مهرجان ذهبي في مدينة صيدا الجميلة هذا العام ، ومؤسسها ومنشئها هو العلامة الأستاذ صديقنا الشيخ
أحمد عارف الزين ذلك الرجل المجاهد الذي طالما خدم الدين الاسلامي والمذهب الإمامي بيراعه الطاهر وقلمه القوي السيال ، حفظه الله علما للعلم والدين چ .
*اقرأ وجيزا من ترجمته في كتابي ( سخنوران إيران در عمر حاضر ص 165 ج 2 ط هند ) و ( نثر فارسي معامر ـ ص 97 ط طهران ) ، چ ، (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 127 _
تعالى له عن العجلة بالقرآن الذي هو في السماء الأربعة حتى يقضى إليه وحيه ، لأنه لم يكن محيطا علما بما في السماء الرابعة قبل الوحي به إليه ، فلا معنى لنهيه عما ليس في إمكانه .
اللهم إلا أن يقول قائل ذلك أنه كان محيطا علما بالقرآن المودع في السماء الرابعة ، فينتقض كلامه ومذهبه ، لأنه كان في السماء الرابعة لأن ما في صدر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحفظه في الأرض فلا معنى لاختصاصه بالسماء ،
ولو كان ما في حفظ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوصف بأنه في السماء الرابعة خاصة لكان ما في حفظ غيره موصوفا بذلك ، ولا وجه يكون حينئذ لإضافته إلى السماء الرابعة ، ولا إلى السماء الأولى فضلا عن السماء الرابعة !
ومن تأمل ما ذكرناه علم أن تأويل الآية على ما ذكره المتعلق بالحديث بعيد عن
(1) الصواب
(2) .
---------------------------
(1) (ح) (ق) : من .
(2) بحار الأنوار 18 : 253 ، (*)