ابن يعقوب الكليني المتوفى سنة 329 ، روى تلك الأخبار في كتابه ( الكافي ) الذي هوأهم الكتب الأربعة المشهورة بين الشيعة الإمامية .
لقد كان ـ وما زال ـ التحقيق حول رأي الشيخ الكليني في المسألة موضع الإهتمام بين العلماء والكتّاب ، لما له ولكتابه من مكانة مرموقة متّفق عليها بين المسلمين ، فنسب إليه بعض المحدّثين من الشيعة القول بالتحريف إعتماداً على ظاهر كلامه في خطبة كتابه ( الكافي ) ، ونفي ذلك آخرون ، وحاول بعض الكتّاب القاصرين نسبة القول بذلك إلى الطائفة عامة والتشنيع عليها ـ بزعمه ـ بعد وصف ( الكافي ) بـ ( الصحيح ) لكنها محاولة يائسة كما سنرى .
لقد تقدّم في الفصل الثاني من هذا البحث ذكر أهم الأخبار التي رواها الكليني في ( الكافي ) وبيّنّا ما في كلّ منها من مواقع النظر أو وجوه الجواب ، بحيث لا يبقى مجال للقول بأنها تدل على تحريف القرآن .
والتحقيق حول رأي الكليني وما يتعلّق بذلك يتم بالبحث في عدة جهات :
ترجمته وشأن كتابه
لقد ترجم علماء الشيعة للكليني بكلّ ثناء وإطراء وتعظيم وتفخيم ، فقد قال أبو العباس النجاشي : ( شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم ، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم ، صنّف الكتاب الكبير المعروف بالكليني ، يسمى ( الكافي ) في عشرين سنة )
(1) وقال الشيخ الطوسي : ( عالم بالأخبار ، له كتاب
(2)
--------------------
(1) رجال النجاشي : 266 .
(2) الفهرست للطوسي : 161 .
التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف
_ 139 _
( الكافي ) يشتمل على ثلاثين كتاباً ) (1) وقال المامقاني : ( أمر محمد بن يعقوب في العلم والفقه والحديث والثقة والورع وجلالة الشأن وعظيم القدر وعلوّ المنزلة وسموّ المرتبة أشهر من أن يحيط به قلم ويستوفيه رقم ) (2) .
وقال الشيخ بهاء الدين العاملي في ( الوجيزة ) : ( ولجلالة شأنه عدّه جماعة من علماء العامة كابن الأثير في كتاب جامع الاصول من المجددين لمذهب الإمامية على رأس المائة الثالثة ، بعد ما ذكر أن سيدنا وإمامنا أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السّلام هو المجدّد لهذا المذهب على رأس المائة الثانية ) .
أما كتابه ( الكافي ) فهو أهم كتب الشيعة الإثني عشرية وأجلّها وأعظمها في الاصول والفروع والمعارف الإسلامية ، وإليه يرجع الفقيه في استنباطه للأحكام الشرعية ، وعليه يعتمد المحدّث في نقله للأخبار والأحاديث الدينية ، ومنه يأخذ الواعظ في ترهيبه وترغيبه .
إلاّ أنّه تقرر لدى علماء الطائفة ـ حتى جماعة من كبار الأخباريين ـ لزوم النظر في سند كلّ خبر يراد الأخذ به في الاصول والفروع ، إذ ليست أخبار الكتب الأربعة ـ وأوّلها الكافي ـ مقطوعة الصدور عن المعصومين ، بل في أسانيدها رجال ضعّفهم علماء الفن ولم يثقوا برواياتهم ، ومن هنا قسّموا أخبار الكتب إلى الأقسام المعروفة ، واتّفقوا على اعتبار ( الصحيح ) وذهب أكثرهم إلى حجّية ( الموثّق ) وتوقف بعضهم في العمل بـ ( الحسن ) . وأجمعوا على وجود الأخبار ( الضعيفة ) في الكتب الأربعة المعروفة ، وقد ذكرنا هذه الحقيقة في الامور الأربعة ببعض التفصيل .
--------------------
(1) معالم العلماء : 154 .
(2) تنقيح المقال 3 : 201 .
التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف
_ 140_