تدوين الحديث:
  من الحقائق التي ظفرت بفصل القول ، واجتازت محنة التوقف ، أن السُنَّة النبوية لم تنلها يدُ التدوين الرسمي على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وذلك كما كان حظ القرآن الكريم فقد كان له كُتَّابه المعيَّنون بالاسم والصفة ، وعُرفوا بعنوان واضح وسمةٍ شاخصة ( كتَّاب الوحي ) ، وفي عددهم ودورهم جالت أقلام المؤرخين ، كانت مهمتهم تقييدُ الآيات الكريمات بعد نزولها بإشراف متواصل وتوجيه متاخم وعناية لاصقه من النبي العظيم ، الأمر الذي ساهم في حفظه للأمة المرحومة على طبق حقيقته الربانيَّة المنزَّلة .
  وفي روايات يعتبرها علماء السُنَّة صحيحة أن صاحب الرسالة ( صلى الله عليه وآله ) نهى عن تدوين أحاديثه ، بل شدد على ذلك ، وفي ضوئها وعلى هديها يعلّل البعض من علماء الجمهور عدم تدوين السُنَّة المطهرة ، إنه نتيجة طبيعية للنهي النبوي الوارد في هذا المضمار .

مشكلة تدوين الحديث _ 2 _

  قال صاحب مفتاح السنة : ( لم تكن السُنَّة في القرن الأول ـ عصر الصحابة وأكابر التابعين ـ مدوَّنة في باطن الكتب ، وإنما كانت مسطورة على صفحات القلوب ، فكانت صدور الرجال مهد التشريع ، ومصدر الفتيا ، ومبعث الحكم والأخلاق ، ولم يقيدوا السُنَّة بكتاب لما ورد من النهي عن كتابتها ) (1) ، إن فقدان التدوين ـ بموجب هذا التصوير ـ جاء أثراً لممارسة شرعيّة ، ولم يكن لندرة الكتاب أو لضيق الفرص المؤاتية بفعل الضغوطات الجاهلية التي كان المسلمون الأوائل يعانون منها (2) ، خاصّة وإن النهي صريح لا يقبل التأويل ، وينطوي أحياناً على لون من التوكيد ، إضافة إلى ما سبق أن الدلائل تشير إلى انتشار عادة الكتابة في العهد النبوي ، وعلى الأخص بعد الهجرة الميمونة ، كما أن النـهي التحريمي امتدَّ زمنه بعد تأسيس الدولة الإسلامية على يد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، حيث تبدَّد الخوف ، وصار المسلمون أصحاب الإرادة النافذة .
  إن الامتناع ـ بلحاظ الروايات السنية ـ امتثال مولوي ، ولم يكن استجابة لحكمة طرأت على الأذهان بعد موازنة بين إقدام وإحجام ، فقد روى أبو سعيد الخدري عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : ( لا تكتبوا عني ، ومن كتب عني شيئاً سوى القرآن فليمحه ) (3) ، وللحديث صيغ متعددة ، وهو كما يقول بعض علماء الجمهور صحيح(4) ، وليس فيه مجال لبناء على غير ما ينطق به .

--------------------------------
(1) مفتاح السنّة : محمد عبد العزيز متولي : ص 16 .
(2) راجع : (أ) أصول الحديث : محمد عجاج الخطيب : ص 142 ـ 146 ، (ب) مكاتيب الرسول : الأحمدي ص 61 الهامش .
(3) مسند أحمد : ج 3 ص 21 .
(4) أصول الحديث : ص 147 .

مشكلة تدوين الحديث _ 3 _

  ولكن بعض الأقلام فتَّشت عن سابقة داعٍ معقول لهذا المنع خارج نطاق النص ، لأن نهي النبي عن تدوين حديثه ، وذلك على ما يحملُ من شأن خطير يبعث على الاستغراب ، إن لم نقل أنه ينقش على صفحات الذهن الوقاد فكرة الرفض أو التردّد ، وهنا دخلت ( الفلسفة ) لترمّم سلامة الإذعان بصحَّة الأحاديث الناهية عن التدوين ، وذلك فيما تخلقه من أجواء مشحونة بالريب والتردد ، فكثرت التصورات ، وقالوا على مجمل ما تصافق عليه أكثر علماء الجمهور : أن المنع تغذَّى من خشية اختلاطٍ بين ( الوحي الذي يُتلى بالوحي الذي لا يُتلى ) (1) .
  وعلى منوال هذا النسج وفي نطاقه حاكت الأفكار تبريرات أخرى ، سنأتي عليها بالتفصيل ، على أن الأثر النبوي ـ عن طريق الجمهور ـ لم يعدم أحاديث وقرائن وأخبار ( تبلغ في مجموعها رتبة التواتر في إثبات وقوع الكتابة للحديث النبوي في عهده ( صلّى الله عليه وآله ) ) (2) ، وهذا ( الوقوع ) عن رخصة شرعية نصَّ عليها حديث أو أحاديث ، بل منها ما كان يحث على الكتابة والتدوين ، ومن هنا نشأت مشكلة سببها التعارض الفاضح بين أحاديث المنع من جهة وأحاديث الإباحة من جهة أخرى ، والمشكلة بطبيعة الحال تواجه أولئك الذين يؤمنون بصحّة هذه الأحاديث على تنافيها ، أي سواء تلك التي تحرّم أو تلك التي ترفض ، وعلماء الجمهور يجمعهم إصرار لا تفلّه أقوى دواعي الحيرة على إمضاء هذه الأحاديث صحيحة بكل معنى الكلمة ، ولهذا اجتهدوا في التأليف بينها ، وتلمَّسوا لذلك أعذاراً شتى ، وقبل استعراض هذه الاجتهادات يحسن بنا أن نذكر بعض الروايات المتعارضة في هذا المجال :

--------------------------------
(1) مفتاح السنة : ص 17 .
(2) منهج النقد في علوم الحديث: الدكتور نور الدين عتر: ص 400.

مشكلة تدوين الحديث _ 4 _

بعض روايات المنع:
1 ـ عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : ( لا تكتبوا عني ، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه ) (1) .
2 ـ وعن أبي سعيد الخدري ( جهدنا بالنبي ( صلّى الله عليه وآله ) أن يأذن لنا في الكتابة فأبى ) (2) ، وفي رواية أخرى ( استأذنّا النبي ( صلى الله عليه وآله ) في الكتابة فلم يأذن لنا ) (3) .
3 ـ وعن أبي هريرة ( خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ونحن نكتب الأحاديث ، فقال : ما هذا الذي تكتبون قلنا : أحاديث نسمعها منك ، قال : كتاب غير كتاب الله أتدرون ما ضلَّ الأمم قبلكم إلاَّ بما اكتتبوا من الكتب مع كتاب الله تعالى ) (4) .
  هذه الأحاديث التي يرويها الجمهور من المسلمين صريحة في النهي عن تدوين السنَّة ، وخاصة رواية أبي سعيد الخدري ، كما أن رواية أبي هريرة تشير بكل وضوح إلى أن ترقيم الحديث النبوي يقود إلى ضلال الأمة وانحرافها عن طريق نبيها، وعليه فإن نهى النبي ( صلى الله عليه وآله ) في هذا المقام لا يعطي دلالة هي دون الحرمة المقطوعة ، ومن هنا يحق لنا أن نتساءل عن حكمة هذا الكاتب أو ذاك ، عندما يؤطر هذه الأحاديث بعنوان آخر هُوَ ( كراهة الكتابة ) (5) .

--------------------------------
(1)مسند أحمد : ج 3 ص 21 .
(2) أنظر مسند أحمد : ج 3 ص 12 و56 وسنن الدارمي : ج 1 ص 119 .
(3) سنن الترمذي : ص 385 ، طبع المكتبة الإسلامية، و ج 10 ص 134 طبع دار الكتاب العربي .
(4) تقييد العلم : الخطيب البغدادي : ص 34 .
(5) أصول الحديث : ص 147 .

مشكلة تدوين الحديث _ 5 _

  والتدقيق في هذه الأحاديث التي هي أصحّ ما ورد في هذا الباب نلاحظ الحقائق التالية :
  أ ـ أن النهي الوارد تحريمي .
  ب ـ أن النهي عام .
  ج ـ أن النهي امتد تاريخه إلى سنة (7 هـ) على أقل تقدير زمني متصور ، لأن أبا هريرة بايع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سنة (7 هـ) (1) .
  الأمر الذي نوَدّ أن نثبته هنا ـ وسيأتي تفصيله ـ أن منع تدوين الحديث فاز على رضا السلطة الخلافية بعد انتقال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) إلى الملأ الأعلى ، وتحوَّل المنع إلى مذهب رسمي تتجاذبه إجراءات بلغت حدَّ العنف المادي والمعنوي ، وذلك رغم أن الرسول أباح الكتابة بعد النبي كما يُدلي علماء الجمهور . . . ملاحظة سريعة أوردنا بيانها .
روايات الإباحة:
1 ـ عن أبي هريرة : ( ما من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله ) أحد أكثر حديثاً عنه مني ، إلاَّ ما كان من عبد الله بن عمرو ، فإنه كان يكتب ولا أكتب ) (2) .

--------------------------------
(1) كما في سير أعلام النبلاء : ج 2 ص 586 .
(2) صحيح البخاري بشرح فتح الباري : ج 1 ص 148 .

مشكلة تدوين الحديث _ 6 _

2 ـ عن عبد الله بن عمرو بن العاص : ( كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، أريد حفظه ، فنهتني قريش ، وقالوا : تكتب كل شيء سمعته عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ورسولُ الله بشر يتكلم في الغضب والرضا ، فأمكست عن الكتابة ، فذكرت ذلك لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فأومأ إلى فيه وقال : اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلاَّ الحق )(1) .
3 ـ عن أبي هريرة : ( أن رجلاً من الأنصار كان يشهد حديث رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) فلا يحفظه ، فيسأل أبا هريرة فيحدّثه ، ثم شكا قلَّة حفظه إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، فقال له النبي : استعِن على حفظك بيمنك )(2) .
4 ـ عن رافع بن خديج : ( قلنا : يا رسول الله، إنا نسمع منك أشياء ، أفنكتبها قال : اكتبوا ولا حرج )(3) .
5 ـ وعن أنس بن مالك : ( قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : قيّدوا العلم بالكتاب )(4) .
6 ـ عن أبي هريرة : ( لما فتح الله على رسوله ( صلى الله عليه وآله ) مكة ، قام الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وخطب الناس ، فقام رجل من أهل اليمن يقال له أبو شاه ، فقال : يا رسول الله: اكتبوا لي ، فقال : اكتبوا له ، فقال أبو عبد الرحمن ( عبد الله بن أحمد ) ليس يروى في كتابه الحديث شيء أصح من هذا الحديث لأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : اكتبوا لأبي شاه ) (5) .

--------------------------------
(1) سنن الدارمي : ج 1 ص 125 ـ 126 .
(2) تقييد العلم : ص 72 .
(3) المصدر السابق : ص 72 .
(4) المصدر السابق : ص 69 .
(5) مسند أحمد : ج 12 ص 235 .

مشكلة تدوين الحديث _ 7 _

  هذه الأحاديث ـ وهي أصح ما في هذا الباب ـ وغيرها صريحة بجواز كتابة الحديث الشريف ، والتدقيق في نصوصها وظروفها وأجوائها يعطي الحقائق التالية :
  أ ـ أن من هذه الأحاديث ما هو خاص كما هُو في صدد ( أبي شاه ) .
  ب ـ أن من هذه الأحاديث ما هو عام في دلالته كالخبر الذي يرويه أنس بن مالك ورافع بن خديج .
  ج ـ أن من هذه الأحاديث ما يشجّع على الكتابة ويحبّذها ، كما هو مع عبد الله بن عمرو بن العاص .
  د ـ أن من هذه الأحاديث ما يفيد الأمر ( قيدوا العلم بالكتاب ) (1) ، على أن في البين معضدات كثيرة يذكرها علماء الجمهور للتدليل على إباحة الكتابة ووقوعها في عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، منها :
أولاً: وجود (صحف) حديثية على عصر الرسالة ، ومنها :
1 ـ الصحيفة ( الصادقة ) التي كتبها عبد الله بن عمرو بن العاص ، وقد انتقلت إلى حفيده ( عمر بن شعيب ) وفيها الشيء الكثير عن رسول الله كما تنوّه وتصرّح مصادر الجمهور في الحديث (2) .
2 ـ صحيفة علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وهي تشمل على مقادير الديات(3) .
3 ـ صحيفة سعد بن عبادة ، وقد جمع فيها طائفة من أحاديث النبي (4).

--------------------------------
(1) سنن الدارمي: ص 127 طبعة دمشق .
(2) سنن الدارمي: ج 1 ص 127 .
(3) البخاري : ج 1 ص 29 .
(4) مسند أحمد : ج 5 ص 285 .

مشكلة تدوين الحديث _ 8 _

4 ـ صحيفة عبد الله بن أبي الذي كان يكتب الأحاديث بيده .
5 ـ صحيفة سمرة بن جندب وقد ضمّنها أحاديث عديدة ، ورثها ابنه (1).
6 ـ صحيفة جابر بن عبد الله الأنصاري (2) .
7 ـ صحف أبي هريرة الكثيرة التي لم يبق منها إلاَّ صحيفة واحدة ، رواها عنه تلميذه ( همام بن منبه ) وهو من التابعين (3) .
  ثانياً : ومن المعضدات الرئيسية والمهمة التي تفيد أن الإباحة في تدوين حديث رسول الله ( صلّى الله عليه وآله )، وأنه وقع كحادثة مؤكدة ، ما كتبه ( صلّى الله عليه وآله ) من رسائل سياسية إلى ملوك وأمراء عصره ، يدعوهم فيها إلى الإسلام ، وذلك في سنة (6 هـ) أو (7 هـ) على اختلاف بين المؤرخين (4) .
  ثالثاً : وفي هذا المجال يمكن أن يُدرج كتبه ( صلّى الله عليه وآله ) الإرشادية والفقهية إلى بعض الصحابة ، منها :
1 ـ كتابه إلى وائل بن حجر ضمَّنه الأصول العامة للإسلام، حمل به إلى أهله في حضر موت مرشداً وهادياً (5) .
0 2 ـ كتابه إلى عمرو بن حزم عامله على اليمن ، وقد احتوى شيئاً من عقائد الدين الجديد وأحكامه الشرعية (6) .

--------------------------------
(1) تهذيب التهذيب : ج 4 ص 198 .
(2) أصول الحديث : ص 197 .
(3) تهذيب التهذيب : ج 12 ص 265 .
(4) مكاتيب الرسول : الأحمدي : ص 30 ـ 31 .
(5) الإصابة في معرفة الصحابة : ج 6 ص 312 .
(6) الطبري: ج 2 ص 388.

مشكلة تدوين الحديث _9 _

3 ـ كتابه الذي دوَّن فيه حقوق الأنصار والمهاجرين وأهل المدينة بعد الهجرة المباركة (1) .
4 ـ كتابه الذي طلب ( صلى الله عليه وآله ) إملاءَهُ لأمته قبيل وفاته لكي يعصمها من الضلال التأبيدي ، فمنعه عمر ، وقال قولته الشهيرة : ( كفانا كتاب الله إن الرجل ليهجر ) (2) وفي رواية ( غلبه الوجع ) (3) .
  في رأي علماء الجمهور أن هذه الأحاديث والصحف والكتب تثبت أمرين مهمين :
  الأول: أن الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) أباح كتابة الحديث الشريف على عهده .
  الثاني : أن تدوين الحديث عملية حصلت فعلاً في زمنه ( صلّى الله عليه وآله ) .
  ولكن الذي يثير الدهشة حقاً ، أن هذه الإباحة أو الرخصة التي أطلقها رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، لم تترك أثرها الإيجابي الفاعل بعيد وفاته ، فقد أصرَّت طائفة متقدمة من الأصحاب على عدم تدوين الحديث ، فضلاً عن الاهتمام به بالدرجة التي تناسب أهميته ودوره في تشييد الصرح الإسلامي ، ذلك أن السُنة وباعتراف الجميع ضد الكتاب .

--------------------------------
(1) سيرة ابن هاشم : ج 2 ص 147 ـ 149 .
(2) راجع : (أ) صحيح مسلم : ج 3 ص 1257 ـ 1259 ، (ب) طبقات ابن سعد : ج 2 ص 36 ـ 37 .
(3) المصدر السابق .

مشكلة تدوين الحديث _ 10 _

  قال الوهابي : ـ إنكم تتحدثون بلا علم ، والوقت ضيق الآن فلنأخذ من الموضوع شيئا نتناقش حوله وفي وقت آخر أكون مستعدا لنتحاور أكثر من ذلك ، قلت : ـ عندي سؤال أخير حول التوحيد ماذا تقولون في صفات الله، قال : ـ نحن لا نقول إنما نصفه بما وصف به نفسه في القرآن، قلت : ـ وبماذا وصف نفسه ؟ هل قال بأنه جسم يتحرك أو أن له يدا وساقا وعينان ، قال : ـ نحن نقول بما جاء في القرآن لقد قال تعالى : ( يد الله فوق أيديهم ) وكثير من الآيات الأخرى التي تصف الله لنا فنقول إن لله يدا بلا كيف ، قلت : ـ إن قولك هذا يستلزم التجسيم والله ليس بجسم وهو ليس كمخلوقاته ، ثم ما هو الفرق بينكم وبين مشركي مكة أولئك نحتوا أصنامهم بأيديهم وعبدوها وأنتم نحتم أصناما بعقولكم وظلت في أذهانكم تعبدونا لقد جعلتم لله يدا وساقا وعينين ومساحة يتحرك فيها ( ما لكم لا ترجون لله وقارا ) (1) وبكلمة إن الآيات التي ذكرتها مجازية وترمز لمعان أخرى، قال : ـ نحن لا نؤمن بالمجازات والتأويلات في القرآن، قلت : ـ ما رأيك في من يكون في الدنيا أعمى هل يبعث كذلك أعمى ؟ قال : ـ لا ،قلت : ـ كيف وقد قال تعالى ( ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى ) (2) وأنتم تقولون لا مجاز في القرآن. ثم إنه بناء على كلامك إن يد الله ستهلك وساقه وكلشيء مما زعمتموه ـ والعياذ بالله ـ عدا وجهه ألم يقل البارئ جل وعلا ( كلشيء هالك إلا وجهه ) (3) و ( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) (4) .

------------------------------
(1) سورة نوح : آية / 13.
(2) سورة الإسراء : آية / 72.
(3) سورة القصص : آية / 88.
(4) سورة الرحمن : آية / 26.

مشكلة تدوين الحديث _ 11 _


لماذا نهى الرسول (صلّى الله عليه وآله) عن تدوين الحديث :
  النهي الصارم الذي مارسه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) في تدوين الحديث يثير في العقل مشكلة حادة ، فليس سراً أن سنة النبي ( صلّى الله عليه وآله ) عدل الكتاب ، وهي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي الذي أراده الله منهاجاً كاملاً ودائماً للإنسان ، وعليه فإن هذا النهي يكون مدعاة استغراب مشروع ، ويستدعي أكثر من سؤال صميمي ، خاصّة وأن المنع عن التدوين له آثاره الخطيرة على بنية الشريعة وأسسها وأهدافها وغاياتها - سنفصل القول في ذلك - وذلك مهما بالغنا بقدرة الحفظ بالصدور على صيانة الحديث من الاختلاق والاختلاف والدس والتشويه .
  إن التعويل على حفظ الحديث في الصدور، وترجيحه بهذه القوة وهذا الإصرار على حفظه في السطور ، مسألة معقدة بفعل استقطابها لعنصر ( اللامعقولية ) ، وبفعل كونها تتعارض مع طبائع الأشياء، ومن هنا كانت مثار معالجة بل معالجات منذ زمن ليس بالقصير ، والذي يعتقد أن هذه القضية ـ كمشكلة ـ إنما بنيت هذه الأيام ، إنما هو واهم ، فلأنها تندرج في غرائب الأمور بلحاظ ظروفها وأجوائها كانت محط تدبر القدماء من صيارفة الحديث ، وهي اليوم مشكلة تُساق على ألسنة المخلصين والمغرضين .
  وقد تعدَّدت الأطروحات في هذا المجال ، وتباينت في مضامينها العلاجيّة ، في الواقع أنَّ إثارة الموضوع قديماً وحديثاً ، والسعي الجاد للجواب على سؤال ( لماذا ) بين فترة وأخرى يكشف وإلى حدٍ كبير أن النهي الوارد يدخل في حومة التساؤل ، والآن لماذا نهى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) عن تدوين حديثه هناك طائفة من الإجابات ، نرى من الأفضل استعراضها على نحو التفصيل بغية عرضها على ميزان الفكر الحر ، لنرى مدى قدرتها العلمية على إيفاء الجواب .

مشكلة تدوين الحديث _ 12 _

الأطروحة الأولى:
  صاحبها : الحافظ بن حجر العسقلاني ، أوردها في مقدمة كتابه الكبير والموسوم بـ( فتح الباري في شرح البخاري ) ، قال : ( اعلم ـ علّمني الله وإياك ـ أن آثار النبي ( صلّى الله عليه وآله ) لم تكن في عصر أصحابه وكبار تَبَعهم مدوَّنة في الجوامع ، ولا مرتبة لأمرين :
  أحدهما : أنهم كانوا في ابتداء الحال قد نُهوُا عن ذلك كما ثبت في صحيح مسلم خشية أن يختلط بعض ذلك بالقرآن العظيم .
  وثانيهما : لسعة حفظهم وسيلان أذهانهم ، ولأن أكثرهم كانوا لا يعرفون الكتابة )(1) .
  ونحن إذا دققنا النظر في هذا النص لوجدناه مُساقاً لتعليل عدم تدوين الحديث الشريف في أبواب ومجاميع ، ويدرج في الأثناء سببين ، أحدهما النهي النبوي الوارد ، ثم يعطي للنهي سبباً خاصَّاً به ، أجمله في قوله : ( خشية أن يختلط بعض ذلك بالقرآن العظيم ) ، وهذا التعليل المنصب على النهي النبوي من التدوين محل تصافق وتجاذب العديد من علماء الجمهور من المسلمين ، سواء القدماء منهم أو المحدثين ، منهم صاحب معلم السنن (ج 4 ص 182)، وابن كثير في الحاشية (ص 155) والصنعاني في توضيح الأفكار (ج 2 ص 253 ـ 254)، والأستاذ أحمد محمد شاكر في تعليقته على الباعث الحثيث (ص 148 الحاشية)، والشيخ محمد عبد العزيز الخولي في مفتاح السنة (ص 16 ـ 17) .

------------------------------
(1) فتح الباري : ص 4 ، طبعة القاهرة : 1301هـ .

مشكلة تدوين الحديث _13 _

  ولكن هل ينهض هذا التبرير على ساق قوية وهل يزيل عن قلب المؤمن غشاوة السؤال الملحّ والاستفهام المنطوي على الحيرة إن من علماء الجمهور من لم يعجبه هذا ( التعليل ـ التبرير ) لأن نتائجه وخيمة ، والآثار السلبية التي تترتب على قبوله أكثر من آثاره الإيجابية المأمولة ، ومن هؤلاء العالم الكبير رشيد رضا صاحب ( تفسير المنار ) المعروف ، فقد استثار فيه هذا النهي مكامن الدهشة ، وردَّ عليه بما يلي : ( على أن الأحاديث لو كانت قد كتبت ، فإنما ذلك على إنها أحاديث للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وبين الحديث والقرآن لا ريب فروق كثيرة ، يعرفها كل من له بصر بالبلاغة وذوق البيان، ومن ثم كانت تؤثر على هذه الصفة ، وإذا كتبها الصحابة بعد انتقاله ( صلى الله عليه وآله ) إلى الرفيق الأعلى ، وزَّعوا منها نسخاً على الأمصار ، كما فعلوا بالقرآن ، فيكون ذلك على أنها أحاديث ، ويتلقاها المسلمون على أنها كلام النبي ، ويظل أمرها كذلك جيلاً بعد جيل فلا يدخلها الشوب ، ولا يعتريها التغيير ، ولا ينالها الوضع ، على أن هذا السبب الذي يتشبثون به ، قد زال بعد أن كتب القرآن في عهد أبي بكر على ما رووه . . ) (1) .
  على أن ( التعليل ـ التبرير ) المذكور يتناسى قضية في غاية الوضوح ، فإن الحيلولة دون اختلاط القرآن بالحديث لا تحتاج إلى أكثر من إجراء وقائي ، وبالتالي هي مسألة فنية ممكنة وسهلة ، وعلى غرارها مثل ساطع ، فليس عسيراً على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يكلف جماعة مخصوصة في تدوين سنَّته ، كما فعل مع القرآن الكريم ولم يكن عسيراً عليه أن يواكب عملية التدوين بخطه مبرمجة تتلافى سلبية أو سلبيات الإباحة العامة والحظر العام .

------------------------------
(1) تفسير المنار ، مجلد 10 ص 766 ، مجلد 19 ص 511 .

مشكلة تدوين الحديث _ 14 _

  ولكن هل ينهض هذا التبرير على ساق قوية وهل يزيل عن قلب المؤمن غشاوة السؤال الملحّ والاستفهام المنطوي على الحيرة إن من علماء الجمهور من لم يعجبه هذا ( التعليل ـ التبرير ) لأن نتائجه وخيمة ، والآثار السلبية التي تترتب على قبوله أكثر من آثاره الإيجابية المأمولة ، ومن هؤلاء العالم الكبير رشيد رضا صاحب ( تفسير المنار ) المعروف ، فقد استثار فيه هذا النهي مكامن الدهشة ، وردَّ عليه بما يلي : ( على أن الأحاديث لو كانت قد كتبت ، فإنما ذلك على إنها أحاديث للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وبين الحديث والقرآن لا ريب فروق كثيرة ، يعرفها كل من له بصر بالبلاغة وذوق البيان ، ومن ثم كانت تؤثر على هذه الصفة ، وإذا كتبها الصحابة بعد انتقاله ( صلى الله عليه وآله ) إلى الرفيق الأعلى ، وزَّعوا منها نسخاً على الأمصار ، كما فعلوا بالقرآن ، فيكون ذلك على أنها أحاديث ، ويتلقاها المسلمون على أنها كلام النبي ، ويظل أمرها كذلك جيلاً بعد جيل فلا يدخلها الشوب ، ولا يعتريها التغيير ، ولا ينالها الوضع ، على أن هذا السبب الذي يتشبثون به ، قد زال بعد أن كتب القرآن في عهد أبي بكر على ما رووه . . ) (1) .
  على أن ( التعليل ـ التبرير ) المذكور يتناسى قضية في غاية الوضوح ، فإن الحيلولة دون اختلاط القرآن بالحديث لا تحتاج إلى أكثر من إجراء وقائي ، وبالتالي هي مسألة فنية ممكنة وسهلة ، وعلى غرارها مثل ساطع ، فليس عسيراً على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يكلف جماعة مخصوصة في تدوين سنَّته ، كما فعل مع القرآن الكريم ، ولم يكن عسيراً عليه أن يواكب عملية التدوين بخطه مبرمجة تتلافى سلبية أو سلبيات الإباحة العامة والحظر العام .
  فما المانع أن يخطو رسول الله مثل هذه الخطوة العلمية العقلية السهلة إن النبي الذي وضع الخطة الكونية البارعة والرقيقة والناجحة لقيادة الجيوش وتنظيم المجتمع وتأسيس الدولة . . . إن مثل هذا النبي لا يصعب عليه ابتداع خطة يحفظ من خلالها سنته الشريفة ، ولو على الإجمال وليس التفصيل ، والغريب أن مصادر الجمهور لا تشير إلى مثل هذا العمل من قبل الرسول حتى بعد ترخيصه التدوين ، فيما هو من طبائع الأشياء كما نعتقد ، وكما سنبرهن عليه في وقته .

------------------------------
(1) تفسير المنار ، مجلد 10 ص 766 ، مجلد 19 ص 511 .

مشكلة تدوين الحديث _ 15 _

الأطروحة الثانية:
  قال الرامهرمزي : ( وحديث أبي سعيد أحسب أنه كان محفوظاً ـ أي القرآن الكريم ـ في أول الهجرة وحين كان لا يؤمن الاشتغال به عن القرآن ) (1) ، وردَّد هذا الرأي علماء أفاضل من الجمهور عندما يتناولون هذه المشكلة من أجل تذليلها ، منهم ابن كثير في حاشيته (2) ، ويستلطفه كثيراً الأستاذ أحمد محمد شاكر (3) ، وفي الحقيقة إن المؤسّس الأول لهذا الرأي هو الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ، فقد استنَّه سبباً لمنع التدوين ، بل لمنع نشره والاشتغال به ، ( وقد روى شعبه وغيره عن بيان عن الشعبي عن قرظة بن كعب قال : لما سيّرنا عمر إلى العراق مشى معنا عمر ، وقال : أتدرون لِمَ شيعتكم قالوا : نعم ، تكرمة لنا ، قال : ومع ذلك أنكم تأتون أهل القرية ، لهم دوي بالقرآن كدوي النحل، فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم جرَّدوا القرآن، وأقلوا الرواية عن رسول الله . . . ) (4) .
  وقد اجترأ الخليفة على حرق الأحاديث في بعض المرات انسياقاً مع هذا الخوف الذي ذكره (5) ، هذا هو منبع التعليل وجذره الأول. . . وعليه يمكن صياغة هذه الأطروحة التي أسَّسها الخليفة الثاني ، وسار عليها رهط من علماء الجمهور بالعبارة التالية : ( إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) نهى الصحابة عن كتابة الحديث لئلا يتشاغلوا به عن القرآن الكريم ، وخاصة حفظه ) ، والأطروحة مرفوضة لأكثر من سبب . . . منها :
1 ـ إنها مجرد تصور ، عارية عن كل برهان ، والتصورات المطلقة لا تنفع في مثل هذه الأمور الخطيرة .
2 ـ من مصادر الجمهور الحديثية يؤكدون أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان على اهتمام فوق العادة في تعليم الأصحاب أحاديثه الكريمة ، ولم يفتأ أن يُطلق عبارات التشجيع والترغيب على روايته وإذاعته وبيانه ، ففي الحديث : ( نضّر الله امرئً سمع مقالتي فحفظها ووعاها حتى يبلغها غيره ) (6) .

----------------------------------
(1) المصدر السابق .
(2) ص 155 .
(3) الباعث الحثيث ص 119 / الحاشية .
(4) الباعث الحثيث : ص 119 / الحاشية .
(5) صحيح البخاري : ج 1 ص 20 .
(6) المصدر السابق .

مشكلة تدوين الحديث _ 16 _

  قال الدكتور الحسيني : ( كان من عناية الصحابة بحديث النبي أنهم كان الواحد منهم إذا شغله عمل أرسل صاحبه الثقة ليخبره بما يقول الرسول فكانوا يتناوبون في السماع ، ويبلغ الشاهد الغائب ، ويسأل الغائب الشاهد ، وسطروا السُنَّة على صفحات قلوبهم ، ووعوا كل ما سمعوا وما شهدوا ، وحرصوا على نشره وتبليغه . . . ) (1) .
  ترى هل كان تدوين الحديث يستوجبُ أكثر من هذا الجهد ليكون ملهاة عن الوحي المنزّل لماذا لا يكون هذا العمل المستمر الدائب على حفظ الحديث في الصدور ، ومن ثم فهمه وهضمه ووعيه ، ثم نشره وبسطه ، ومن ثم تبليغه عن سابق إصرار وإرادة . . . لماذا لا يكون كل ذلك هو الآخر مشغلة عن كتاب الله إن هذا ( التعليل ـ التبرير ) لا يمتلك صلاحيَّة موضوعية ليقوم بنفسه .
3 ـ ولا نحتاج إلى إمعان نظر طويل لنكتشف أن هذا التبرير يسيءُ إلى وعي الصحابة الديني والشرعي ، ويميط اللثام عن جهل مطبق لديهم . . . أي مسلم من هذا النوع تلهيه كتابة الحديث عن جمع القرآن وتلاوته اعتقد أن الأرقام العلمية تعكس التصور تماماً ، أن الغوصَ في الحديث والاهتمام بحفظه وكتابته يدفع إلى الاهتمام الأكثر عمقاً وجديَّة بالقرآن وصيانته ، إن ذلك يضعنا بين يدي مسؤولية مباشرة .
4 ـ ومع افتراض أن هذا الخطر قائم ، فإن ذلك لا يحول دون تفكير الرسول ( صلى الله عليه وآله ) لجمع حديثه وسنته بواسطة أصحاب معتمدين ، نالوا إيماناً ومعرفة ووعياً لا يجامعهُ مثلُ هذا المحذور المزعوم .
  في الحقيقة إن هذا الجواب بعد ملاحظة كل ما مرَّ من حقائق يعبر عن جهد العاجز في إعطاء الجواب الشافي على السؤال الذي يتحرك في ضمير كل مسلم يؤمن بالمنزلة الخطيرة لسُنَّة النبي . . . إن الضعف يعتريه من كل صوب .

----------------------------------
(1) الإمام البخاري ، محدثاً وفقيهاً للدكتور الحسيني : ص 12 .

مشكلة تدوين الحديث _ 17 _

  وبسياق عفوي تشترك في صنعه أكثر من حقيقة معروفة تاريخياً وذوقياً وإسلامياً ، نقول : لقد كان المسلمون على عهد رسول الله مشدودين إلى القرآن المجيد لسحر بلاغته ، وعمق تصوراته في الكون والحياة والإنسان ، ولأجوبته الحاسمة على عسير أسئلتهم عن الوجود وآفاقه ومبدئه ومصيره . . . فليس من المعقول ولا من المتوقع مع هذه الحال الصارفة والمعالم الظاهرة أن يستوعب تدوين الحديث اهتمام الصحابة وطاقاتهم وإمكاناتهم بالدرجة التي تصرفهم عن كتاب الله وإنه لتبرير يستدرج فطرة السؤال لتحوم حيرتها عن عظمة هذا القرآن ، ويفجر في المتربص حجة الطعن الصريح المستند إلى الحس في واقع هذا الكتاب العظيم .
الأطروحة الثالثة:
  قال السيد رشيد رضا : ( إن نهيه ( صلى الله عليه وآله ) عن كتابة حديثه مراد به ألاَّ تُتخذ ديناً عاماً كالقرآن ) (1) ، وقال أيضاً : ( وقد يكون قريباً من الصواب في حكمةِ نهي النبي عن كتابة حديثه هو لكي لا تكثر أوامر التشريع ولا تتـســع أدلة الأحكام ) (2) ، وهذا ( التعليل ـ التبرير ) يتغافل بدرجة مذهلة الأهمية القصوى للسنة النبوية بالنسبة للإسلام ككل ، فهي ليست موعظة عابرة ، ولا حكاية تاريخية ولا نوع من استخراج الخاطر . . . إنها المصدر الثاني لهذا الدين في صياغة الإنسان الكامل والمجتمع الفاضل والدولة العادلة ، وإذا أردنا أن نكوّن فكرة مختصرة نافعة وواضحة عن دور السنة ، علينا أن نتصور مدى شمولية الإسلام وواقعيته مع إهمال السُنَّة أو إعطائها أهمية ثانوية من المؤكد أننا سنواجه فرغاً غير عادي ، وسنتعثر في فهم ذات الكتاب الكريم .

--------------------------
(1) أضواء على السنة المحمدية ص 48 نقلاً عن تفسير المنار .
(2) المصدر السابق .

مشكلة تدوين الحديث _ 18 _

  إن السنّة النبوية :
  *توضّح المجمل وتقيّد المطلق وتخصّص العموم (1) .
  *مبيّنة للكتاب وشارحة لمعانيه (2) .
  ولذا فإن السنة النبوية ينبغي أن تتخذ ديناً كالقرآن بعد أن تتكامل الأدلة على صدورها من النبي العظيم .
  قال أبو البقاء (ت 1091 هـ) في كلياته : ( والحاصل : أن القرآن والحديث يتحدان في كونهما وحياً منزلاً من عند الله بدليل : ( إن هو إلاَّ وحي يوحى ) (3) ، ولذا فمما يثير العجب أن تُحذف السُنَّة من دائرة انتسابها الحقيقية ، وأن تُجعَل خارج النطاق الذي تنتمي إليه . . . إنها دين . . . ( والحق أن الأحاديث كلها خلا القليل منها لابد أن تكون هي والقرآن ديناً عاماً للناس ، لأن الحديث هو صنو القرآن والمصدر الثاني في استنباط الأحكام، ولولاه لما كان بمستطاعنا أن نحصل على كل هذه الثروة التشريعية التي غطت سائر علاقاتنا . . . ) (4) .
  والجدير بالذكر أن السُنَّة النبوية بهذا الموقع والاعتبار والمنزلة حقيقة سارية لدى كل المسلمين ، فلولاها لما عرفنا ـ مثلاً ـ كيفية الصلاة ولا عدد ركعاتها على اختلاف أوقاتها ، ولا أكثر أحكامها . . . وهكذا مع كل الفروض الإسلامية في كل مناحي الحياة . . . فكيف لا تعدُّ ديناً كالقرآن أما في خصوص الخوف من أن ( تكثر أوامر التشريع ) و(تتسع أدلة الأحكام ) فلا نعرف وجهاً مقبولاً لرفضه فما المانع من ذلك والإسلام جاء لكل زمان ومكان خاصة إذا تعلق الأمر بحاجات الناس وهي ليست قليلة آنذاك ، علماً أن الإسلام قلب الأوضاع الفكرية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية رأساً على عقب ، الأمر الذي يتطلب وضع مقاييس ومعايير وصيغ أخرى في كل هذه المضامير .

------------------------------
(1) مرافقات الشاطبي : ج 3 ص 21 .
(2) المصدر السابق : ج 3 ص 43 .
(3) الكليات مادة (وحي) .
(4) مجلة كلية الفقه : ع 1 س 1 ص 104 .

مشكلة تدوين الحديث _ 19 _

الأطروحة الرابعة:
  قال الشيخ عبد الحليم محمود : ( إن موضوع القرآن في هذه الفترة ـ العهد المكي ـ كان موضوعاً محدَّداً ، لقد كان جملة من القضايا التي تتصل بالغيب ، الغيب الإلهي أو ـ بتعبير آخر ـ توضيح العقيدة ، توحيداً ورسالة وبعثاً ، وكان أسلوب القرآن في ذلك واضحاً لا لبس فيه ، بيّناً بياناً سافراً من أجل ذلك نهى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن كتابة حديثه ( صلوات الله وسلامه عليه ) ولكن في فترة العهد المدني تغير الوضع ومن أجل ذلك أباح الرسول ( صلى الله عليه وآله ) كتابته بعد أن كان قد نهى عنه ، وبدأ الصحابة رضوان الله عليهم يكتبون ) (1) .
  ولا نرغب الإطالة في الرد على هذا التبرير من حيث اصطدامه ببداية الأمور ، فلم تكن الآيات المكية بذلك الوضوح الجلي الذي يأبى الحاجة إلى بيان وشرح من قبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . . . إلاَّ أننا نقول : إن أحاديث المنع كانت في العصر المدني . . . فرواتها هما أبو سعيد الخدري وأبو هريرة ، أما الأول فهو ( سعد بن مالك بن شيبان بن عبيد بن ثعلبة بن الأبجر وَهُو خدره بن عوف بن الحارث بن الخزرج أبو سعيد الأنصاري الخدري وهو مشهور بكنيته . . . ) (2) ، فهو ربيب المدينة ، وعلى يكون التبرير الذي انقدح في ذهن شيخ الأزهر الراحل متهاوياً لأنه يتقوم بمعلومات رجالية خاطئة .

-----------------------------
(1) السنة في مكانتها وفي تاريخها ص 34 ـ 40 .
(2) أسد الغابة في معرفة الصحابة : ج 2 ص 189 ـ 190 .

مشكلة تدوين الحديث _20 _


الجمع بين أحاديث النهي والإباحة :
  يذهبُ علماء الجمهور إلى صحة الأحاديث سنداً ومتناً على كلا الصورتين ، أي المنع والرخصة ( فقد وردت الأحاديث عنه ( صلى الله عليه وآله ) في ذلك هذا المجال، وقد لوحظ أنها في الغالب تشترك في كونها من خلق العقل ، ويعوزها السند النقلي ، وها نحن نستعرض أهمَّ الآراء التي طُرحت لتذليل هذه المشكلة لنرى مدى جديتها بقطع دابر السؤال المشروع . . . كيف نجمع بين هذه المتناقضات .
الرأي الاول:

  قال ابن قتيبة (ت 276 هـ) : ( إن في هذا معنيين والمعنى الآخر أن يكون خصَّ بهذا عبد الله بن عمرو لأنه كان قارئاً للكتب المتقدمة ، ويكتب بالسريانية والعربية ، وكان غيره من الصحابة أميين ، لا يكتب منهم إلاَّ الواحد والاثنان ، وإذا كتب لم يتقن ولم يصب التهجّي ، فلما خشي عليهم الغلط فيما يكتبون نهاهم ، ولما أمِن على عبد الله بن عمرو ذلك أذن له ) (1) .
  وزبدة هذا الرأي أن المنع كان عاماً والإباحة كانت خاصة ( ولكننا نرى أن هذا النوع من الجمع بين أخبار النهي وأخبار الإذن ومحاولة التوفيق والموائمة بينهما ليس أمراً منتجاً ذلك لأن الإذن أو الأمر الوارد في بعض الأخبار ليس هو من قبيل التخصيص أو الاستثناء من حكم العام الذي هو النهي ، وإنما هو في ذاته حكم مستقل غير ناظر إلى غيره ، بدليل توافر أخبار أخرى في الإذن بالكتابة وتحمل صفة العموم والشمول وتعبر عن الاستقلالية ) (2) فالأحاديث العامة التي ثبتت صحَّتها عند السُنة تعوّق مثل هذه الأطروحة في ممارسة حقها العلمي الدقيق لتكون حلاً مقبولاً في حل مشكلة التناقض .

----------------------------------
(1) مجلة كلية الفقه : مصدر سابق ص 98 ـ 99 .
(2) طبقات ابن سعد : ج 2 ص 358 .

مشكلة تدوين الحديث _ 21 _

  على أن سؤالاً يفرض نفسه : هل تفرَّد ( عبد الله بن عمرو ) بالقدرة على الكتابة والقراءة لكي يخصَّهُ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بهذا الإذن أو الأمر وفي المجتمع الإسلامي آنذاك العديد من جيادهما ويكفي أن نستذكر كتَّاب الوحي ، فهم حتماً على دراية فائقة ومهارة متقدمة سواء في ميدان الكتابة أو القراءة ، وإذا كان إلمامُ عبد الله بالسريانية داعياً إلى تكليفه أو ترخيصه من قبل النبي ، فإن مصادر الحديث تقول أن زيداً بن ثابت تعلم هذه اللغة وغيرها إلهاماً بسبع عشر ليلة ، ببركة دعاءٍ نبويٍّ ، لكي يتوفر ( زيد ) على قراءة وكتابة الرسائل بين الرسول ( صلى الله عليه وآله ) والملوك والأمراء من غير العرب (1) . . . إذا كان هذا الواقع فلماذا لم يخصَّ زيداً بهذا الشرف العظيم وهي لمفارقة عجيبة أن زيداً بن ثابت الذي يتقن هذه اللغات كان ضد تدوين الحديث ، وأكثر منها مفارقة أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يكلف عبد الله لأنه متقن لهذه اللغات فيما يحجب ذلك عن زيد ، وهو أولى لأنه كان من كتَّاب الوحي ، فبصيرته على سعةٍ من فارق التمييز بين الوحي الذي يتلى والوحي الذي لا يتلى .
  على أن المنع باتفاق أكثرية علماء الجمهور ، جاء لكي يؤمن من الاختلاط والاشتباه والالتباس بين القرآن والحديث ، ولأن الأمة لم تتمرَّس أذهانها على تشخيص كلام الله، ولذا به ربما تقع في محذور التداخل بين الوحيين ، فهل كان عبد الله قد ظفر على فضيلةِ السلامة من هذا الخطر المحتمل دون غيره وهو الذي أسلم سنة (8 هـ) ، ولم يتمتع من عـمـر الصحبـة على طولها بأكثر من سنتين (2) ، لا توجد أي قرينة ولا يتوفر أي دليل أن عبد الله هذا يمتلك الخصائص الفاردة التي تنحى بمحاولته عن محاذير التدوين ، تلك المحاذير التي حرمت على مئات الصحابة أو عشراتهم نعمة تدوين حديث النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، إن سن عبد الله بن عمرو عندما أسلم كانت (15) سنة ، وهي سن إذاً أضفنا إليها ما سبق من عمر الصحبة اليسير ، تجعلنا نشكك في هذا الإذن الخاص الذي فاز به عبد الله بن عمرو عن غيره من أجلاء الصحابة وعيونهم .

---------------------------------
(1) طبقات ابن سعد : ج 2 ص 358 .
(2) طبقات ابن سعد : ج 4 ص 261 .

مشكلة تدوين الحديث _22 _

الرأي الثاني:
  قال الخطّابي (ت) : ( وقد قيل : إنه إنما نهى أن يكتب الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة ، لئلا يختلط به ، ويشتبه على القارئ فأمَّا أن يكون نفس الكتاب محظوراً ، وتقييدُ العلم بالخط منهياً عنه فلا . . . ) (1) ، والرأي يشهد على نفسه بالتحميل إلى حدٍ بعيد ، إذ ليس في البين من معضد يساعد عليه ، سواء على صعيد القرينة أو النقل ، ولعل لأجل صدَّره الخطابي بـ( قيل ) ، أي ضعيف وغير واف بالغرض المأمول ، لعدم استوائه على مؤيدِّ متين أو مسوّغ معقول .
الرأي الثالث:
  يعتمدُ هذا الرأي على القول بالنسخ ، أي أن أحاديث الإباحة أو الأمر وردت بعد أحاديث النهي ، فتكون ناسخة لها ( ومال إليه كثير من العلماء كالمنذري وابن القيم وابن حجر وغيرهم ، وذلك لأن الإذن بالكتابة متأخر عن النهي . . . ) (2) ، وهذا الرأي يستمدُ وجاهته من النقل ، ولكنَّه يصطدم بعقبات كثيرة يصعب حلها أو تذليلها .
  أولاً: ( لأن النهي عن الكتابة لو نُسخ نسخاً عاماً لما بقي الامتناع عن الكتابة في صحابة النبي ( صلّى الله عليه وآله ) ) (3) وفي الواقع : إن موقف العيون من الصحابة إزاء حديث رسول الله تشلَّ هذه المحاولة ، وتطعنها في الصميم ، لأن الموقف المذكور جسَّد سلبية حادَّة من الحديث النبوي - كما سنرى - سواء على مستوى روايته أو تدوينه أو التثقيف على زاده أو تعليمه . . .

---------------------------
(1) شرح مختصر سنن أبي داود : ج 5 ص 246 .
(2) منهج النقد في علوم الحديث : ص 42 .
(3) المصدر السابق .

مشكلة تدوين الحديث _ 23 _

  ثانياً : إن حلَّ هذا التعارض بطريقة الناسخ والمنسوخ يتطلَّب معرفة دقيقة بتاريخ الأحاديث الناهية والمبيحة ، وأيهما المتقدم وأيهما المتأخر ، فما ثبت تقدمه زماناً يقال له : منسوخ ، وما تأخر زماناً يقال له : ناسخ ، وليس هناك من قرائن أو دلائل تكشف الحقيقة في هذا المضمار ، لا من حديث ولا من سيرة .
  ولكن الأستاذ أحمد محمد شاكر يقول : إن أحاديث النهي منسوخة بأحاديث أخرى ، وهي حسب رأيه .
1 ـ حديث ( اكتبوا لأبي شاه ) .
2 ـ حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عندما استفهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن كتابته لما يُسمع عنه ، فأباح له ذلك ، بل حبَّذ له ذلك .
3 ـ حديث أبي هريرة الذي قال فيه : ( ليس أحد من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أكثر حديثاً مني ، إلاَّ ما كان من عبد الله بن عمرو بن العاص فإنه كان يكتب ولا أكتب ) .
4 ـ حديث ( استعن بحفظك على يمينك ) (1) ، وسوف نتعرض لهذه الأحاديث مفصلاً .
  وفي الحقيقة أن هذه المحاولة تقوم على أساس خاطئ ، فلو افترضنا أن هذه الأحاديث صحيحة أولاً، وأنها جاءت بعد النهي العام ثانياً ، إلاَّ أنها لا تكون ناسخة له ، بسبب تعلقها بوقائع شخصية ، فإن ترخيص النبي لشخصٍ ما بكتابة حديثه ، لا يعني رفعاً للنهي العام الوارد في ذلك .
  على أنَّ كاتباً آخر كان أقدر على تمييز حديث عبد الله بن عمرو وحديث ( استعن على حفظك بيمينك ) ، إذ جعلهما حديثين خاصين وليسا عامين (2) ، وبذلك يفقدان حقهما في نفي النهي العام ، ولكنه عرَّج على حديث ( أبي شاه ) وحديث ( آتوني بكتاب ) الشهير وادَّعى كونهما ( إذناً عاماً ) (3) .
  والآن لنسأل : هل أن حديث أبي شاه يعطي أباحه عامَّة الجواب بكل بساطة لا ، لأن أبا شاه طلب بنفسه أن يُكتب له ، فأمر النبي بالكتابة لأبي شاه خاصة ، فمن أين جاءت الدلالة على الإباحة العامة هذه الحقيقة انتبه إليها الإمام رشيد رضا فقال ما نصِّه : ( إن ما أمر بكتابته لأبي شاه هو خطبة خطبها ( صلّى الله عليه وآله ) يوم فتح مكة ، موضوعها تحريم مكة ولقطة الحرم ، وهذا من بيانه ( صلّى الله عليه وآله ) للقرآن الذي صرَّح به يوم الفتح ، وصرَّح به في حجة الوداع وأمر بتبليغه - فهو خاص مستثنى من النهي العام ، وقد صرَّح البخاري في صحيحه في باب اللقطة بأن أبا شاه اليمني طلب أن تكتب له الخطبة المذكورة فأمر ( صلّى الله عليه وآله ) بإجابة طلبه ) (4) .

--------------------------------
(1) الباعث الحثيث : ص 128 / الهامش .
(2) أصول الحديث : الخطيب ص 153 .
(3) المصدر السابق .
(4) نقلاً عن أضواء على السنة المحمدية .

مشكلة تدوين الحديث _ 24 _

  وأما حديث ( آتوني بكتاب ) فهو استدلال حقاً ينطوي على غرابة ، وسنناقشه بعد فترة ، والغريب أن الأستاذ شاكر لم يتمسك بالأحاديث ذات الإباحة العامة التي توردها بعض المصادر ، وذلك مثل ( قيدوا العلم بالكتاب ) المنسوب تارة إلى رسول الله وأخرى إلى عمر وثالثة إلى ابن عباس (1) ويبدو أنه أعرض عنها لأنه لا يؤمن بصحتها ، وإلاَّ هي أولى بالدلالة على النسخ من الأحاديث التي استعرضها بل تلكم الأحاديث لا دلالة لها على ذلك .
  إن الحديث الناسخ المطلوب توفره في هذا المجال يجب أن تتوفر فيه صفة العموم ، وفي المصادر الحديثية التي يعتمدها الجمهور بشكل عام حديثان مهمان :
  الأول: ( قيدوا العلم بالكتاب ) .
  الثاني: ( اكتبوا ولا حرج ) .
  ولذا ينبغي مناقشتهما أما الحديث الأول: فقد ورد بعدَّة طرق ، نستعرضها ونناقش سندها ومتنها إذا وجد داع لذلك .
1 ـ ( عبد الحميد بن سليمان عن ابن المثنى عن عمه تمامة بن أنس ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : قيدوا العلم بالكتاب ) (2) .
  في سنده :
  * عبد الحميد بن سليمان : قال يحيى بن معين وأبو داود : ليس بثقة ، قال الدارقطني : ضعيف الحديث ، وقد ضعَّفه كذلك علي المديني وأبو داود والنسائي ، وذكره ابن حبان في المجروحين ، كما أن عبد الحميد تفرَّد به مرفوعاً ، فلم يروه عن ابن المثنى غيره ، ولذلك عدَّه ابن الجوزي من الأحاديث الواهية (3) .

-----------------------------
(1) جامع بيان العلم وفضله / لابن عبد البر القرطبي : ص 72 .
(2) جامع العلم وبيان فضله : ص 72 .
(3) راجع : (أ) العلل المتناهية في الأحاديث الواهية : ص 86 ، (ب) المجموع في الضعفاء المتروكين رقم : 351 من متروكي القطني ورقم 397 من متروكي النسائي ، (ج) الضعفاء الكبير : ج 3 رقم 1004 .

مشكلة تدوين الحديث _ 25 _

2 ـ ( سريح بن النعمان قال : نا عبد الله بن المؤمل عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن عمر ، قال : قلت لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أقيدُ العلم قال : نعم ) (1) ، والحديث لا يفيدُ الإباحة العامة، إذ قد يكون رخصه لطالبها .
  وفي سنده :
  * عبد الله بن المؤمل : قال يحيى بن معين : ضعيف ، قال أبو حاتم بن حيان : لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد به ، قال الدارقطني : كذاب متروك ، قال أحمد : أحاديثه مناكير ، ولكل ذلك ضعفه ابن الجوزي في كتابه ( العلل المتناهية في الأحاديث الواهية ) ، بعد أن استعرض آراء الرجاليين في عبد الله بن المؤمَّل (2) .
3 ـ ( سعيد بن سليمان ، عن عبد الله بن المؤمَّل ، عن ابن جريح ، عن عطاء ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : قلت : يا رسول الله أقيدُ العلم ، قال : نعم ، قلت : وما تقييده ، قال : الكتابة ) (3) ، وفيه ما في سابقه ، ولذا ضعَّفه ابن الجوزي .

-----------------------------
(1) جامع بيان العلم : ج 1 ص 63 ، مستدرك الحاكم : ج 1 ص 106 .
(2) راجع : (أ) العلل المتناهية : ص 87 ، (ب) المجموع . . . رقم 331 من النسائي ، (ج) الضعفاء الكبير/ العقيلي، ترجمة 879 ، (د) مجروحي ابن حبان : ج 2 ص 27 .
(3) تقييد العلم : ص 83 .