وأخرج عبد بن حميد عن عبد الرحمن بن يزيد أن رجلاً سأل عمر عن قوله وأبا ، فلما رآهم يقولون أقبل عليهم بالدرة !
وأخرج عبد بن حميد وابن الأنباري في المصاحف عن أنس قال قرأ عمر وفاكهة وأبا فقال هذه الفاكة قد عرفناها فما الاب ؟ ثم قال : نهينا عن التكلف !
وأخرج ابن المنذرعن أبي وائل أن عمر سئل عن قوله وأبا ما الأب ؟ ثم قال : ما كلفنا هذا أو ما أمرنا بهذا ! ) انتهى .
وروى في كنز العمال ج 2 ص 328 ( عن أنس قال قرأ عمر وفاكهة وأبا ، فقال : هذه الفاكهة قد عرفناها فماالاب ؟ ثم قال : مه نهينا عن التكلف ، وفي لفظ : ثم قال إن هذا لهو التكلف ، يا عمر فما عليك ألا تدري ما الأب ، إتبعوا ما بين لكم من هذا الكتاب واعملوا به وما لم تعرفوه فكلوه الى عالمه ـ ص ، ش ، وأبو عبيد في فضائله ، وابن سعد وعبد بن حميد وابن المنذر ، وابن الأنباري في المصاحف ، ك ، هب ، وابن مردويه ) انتهى .
قد يأخذ بعضهم على الخليفة من هذه الروايات أنه لايعرف معنى بعض كلمات القرآن ، ولكن هذا إنما يكون إشكالاً على الذين يقولون بوجوب عصمة الإمام والخليفة ويشترطون أن يكون أعلم أهل زمانه ، كما نعتقد نحن الشيعة في الائمة من أهل بيت النبي (ص) ، فلو أن هذه الحادثة كانت مع أحد منهم لكانت دليلاً على عدم سعة علمه باللغة العربية وأضرت بعصمته ... ولكن إخواننا السنة لا يشترطون في الخليفة العصمة ولا الأعلمية على أهل زمانه ، ويروون شهادات الخليفة عمر لعلي وغيره من الصحابة بأنهم أقضى منه وأعلم منه !
ولكن غرضنا من هذه النصوص أن نعرف موقف الخليفة عمر من البحث في القرآن ؟ فقد وردت فيه عبارات ( هذا لعمر الله التكلف ، اتبعوا ماتبين لكم من هذا الكتاب ... ثم قال : نهينا عن التكلف ... أن رجلاً سأل عمر عن قوله وأبا ، فلما رآهم يقولون أقبل عليهم بالدرة ! ) فهل السؤال عن معنى كلمة قرآنية تكلف منهي عنه في الشريعة ؟ وهل يجوز للحاكم المسلم إذا رأى الصحابة أو العلماء يتناقشون في معنى كلمة أن يقبل عليهم ضرباً بالسوط ؟! فهذه الحادثة التي اختصرنا من مصادرها ، تدل على أن الخليفة كان يفتي بحرمة البحث العلمي في القرآن ، ويعاقب عليه !
لكن روى البيهقي في سننه ج 4 ص 313 ( عن ابن عباس قال كنت عند عمر وعنده أصحابه فسألهم فقال : أرأيتهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر التمسوها في العشر الأواخر وتراً ، أي ليلة ترونها ؟ فقال بعضهم ليلة إحدى ، وقال بعضهم ليلة ثلاث ، وقال بعضهم ليلة خمس ، وقال بعضهم ليلة سبع ، فقالوا وأنا ساكت ، فقال : ما لك لا تكلم ؟ فقلت إنك أمرتني أن لا أتكلم حتى يتكلموا ، فقال : ما أرسلت إليك إلا لتكلم ، فقلت : إني سمعت يذكر السبع فذكرسبع سموات ومن الأرض مثلهن وخلق الإنسان من سبع ونبت الأرض سبع ، فقال عمر رضي الله عنه : هذا أخبرتني ما أعلم ، أرأيت مالم أعلم قولك نبت الأرض سبع ؟ قال قال عز وجل ( إنا شققنا الأرض شقا ، فأنبتنا فيها حبا ، وعنباً وقضبا ، وزيتوناً ونخلا ، وحدائق غلبا ) قال فالحدائق الغلب الحيطان من النخل والشجر ، وفاكهة وأبا ؟ قال فالأب ما أنبتت الأرض مما تأكله الدواب والأنعام ولا يأكله الناس ، قال فقال عمر رضي الله عنه لأصحابه : أعجزتم أن تقولوا كما قال هذا الغلام الذي لم تجتمع شؤون رأسه ؟! والله إني لأرى القول كما قلت ) انتهى .
فهذا الحديث يدل على أن الفتوى بتحريم التكلف وتفسير ألفاظ القرآن مختصة بالذين كانوا حول عمر ، الذين يتكلمون رجماً بالغيب ، وأن ضربه لهم بالدرة كان بسبب ذلك ، ولكنه في نفس الوقت أرسل الى ابن عباس وأحضره وسأله عن تفسيرها وقبله منه ووبخ أصحابه الذين لم يعرف أحد منهم معنى وأبا !! فيكون المأخذ على الخليفة في أسلوبه ، وأنه كان الأولى أن يقول أنا وأنتم لانعرف معنى وأبا ، فينبغي أن نسأل من يعرف ، ولا يحتاج الأمر الى النهي عن التكلف ولا الى ... الغضب والضرب بالدرة ! على أن ابن عباس إذا صحت عنه الرواية تكلَّفَ أيضاً ، وأفتى بالظن والإحتمال استحساناً بدون دليل !
نهي الخليفة عن السؤال عما لم يكن !
روى الدارمي في سننه ج 1 ص 50 ( عن عمرو عن طاووس قال قال عمر على المنبر : أحرج بالله على رجل سأل عما لم يكن ، فإن الله قد بين ما هو كائن ) انتهى ، وبمقتضى فتوى الخليفة يجب أن يصبر الحاكم والقضاة والناس حتى تقع الحوادث فيسألون أو يبحثون عن حكمها ، ولا يجوز افتراض حادثة لم تقع وبحث حكمها الشرعي !!
تدوين القرآن
_ 126 _
ضربه بالدرة وقال : مالك نقبت عنها ؟!
قال السيوطي في الدر المنثور ج 2 ص 227 ( وأخرج ابن راهويه في مسنده عن محمد بن المنتشر قال قال رجل لعمر بن الخطاب إنى لأعرف أشد آية في كتاب الله ، فأهوى عمر فضربه بالدرة وقال : مالك نقبت عنها ؟! فانصرف حتى كان الغد قال له عمر الآية التي ذكرت بالأمس فقال من يعمل سوء يجز به فما منا أحد يعمل سوء إلا جزى به ، فقال عمر : لبثنا حين نزلت ما ينفعنا طعام ولا شراب ، حتى أنزل الله بعد ذلك ورخص وقال : من يعمل سوء أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفور رحيما ) انتهى .
ولكن الخليفة لم يتراجع عن ضربه الرجل بالأمس بل أراد التأكيد على منهجه في تطمين الناس بالمغفرة والجنة مهما عملوا ، ومنع تخويفهم بالعقاب ، وقد هيأ للرجل الجواب في اليوم الثاني فجعل الآية 110 من سورة المائدة ترخيصاً ونسخاً للآية 123 منها ، مع أن موضوعهما مختلف ، ويلزم منه جعل المتقدم ناسخاً للمتأخر ... الى آخر البحث في ذلك ، وسيأتي في بحث موقفه من الثقافة اليهودية أنه كان يتبنى تسهيل العقاب الإلهي على الناس ، حتى على أعداء الله تعالى وأنبيائه !!
الفصل الثامن : قصة الأحرف السبعة وجمع القرآن
هل كان يوجد شئ اسمه مشكلة جمع القرآن ؟!
حاولت أكثر روايات جمع القرآن ، أن تثبت أنه لم يكن مجموعاً كله في كتاب واحد ( مصحف ) من عهد النبي (ص) ، وأنه كان موزعاً سوراً وآيات مكتوبة عند هذا وذاك على ( العسب والرقاق واللخاف وصدور الرجال ) كما يقول زيد بن ثابت في رواية البخاري ج 8 ص 119 .
غير أن المتتبع في مصادر الحديث والتاريخ يجزم بأن القرآن كان مجموعاً في مصحف من عهد النبي (ص) ، وأن نسخه كانت موجودة في بيت النبي ، وفي مسجده ، وعند كثيرين ... كما كان محفوظاً في صدور العديد من الصحابة من أهل بيت النبي وغيرهم !! وأن المشكلة كانت مشكلة الدولة التي خافت من اعتماد نسخة من القرآن مكتوبة ، لتكون النسخة الرسمية لجميع المسلمين ... فالدولة ، والدولة هنا تعني الخليفة عمر ، رفضت نسخة القرآن التي جاءها بها علي بن أبي طالب (ع) ... كما نهت الأنصار أن يقدموا نسخة قرآن على أنها النسخة المعتمدة ، لأن ذلك برأيه من حق الدولة وحدها ... ومن جهة ثانية ، لم تقم بنسخ القرآن المتداول في أيدي الناس بعدة نسخ وإرسالها الى الأمصار ، لأنها لا تريد أن تعتمد نسخة معينة ... ومن جهة ثالثة ، قامت بتشكيل لجنة لجمع القرآن ، مكونة من الخليفة عمر وزيد بن ثابت ... وطال عمل هذه اللجنة ولم تقدم الى المسلمين نسخة القرآن ، بل بقيت النسخة التي جمعتها بيد الخليفة عمر ...
تدوين القرآن
_ 127 _
لذلك بقيت الدولة الإسلامية بلا نسخة رسمية للقرآن طوال عهد أبي بكر وعمر ، وكانت تجيب على اختلاف الناس في قراءة نص القرآن برواية الأحرف السبعة ... حتى تفاقمت المشكلة وكادت تنفجر ... فنهض بالأمر الخليفة عثمان وكتب نسخة القرآن الفعلية في سنة 25 هجرية !!
والأدلة على أن القرآن كان مجموعاً من عهد النبي (ص) كثيرة ... نذكر منها أولاً الأدلة التمهيدية التي تثبت أن الكتابة كانت ميسرة في عهد النبي (ص) بل وقبله ، خاصة في المدن ... وترد ادعاء الباقلاني وغيره الذين برروا عمل السلطة بأن الكتابة لم تكن متيسرة في عهد النبي (ص) وعهد الخليفتين أبي بكر وعمر ، ثم تيسرت في عهد الخليفة عثمان ...! فإن عشرات النصوص بل مئاتها في المصادر ، ترد هذا الإدعاء .
فمن ذلك : آية الدين أطول آية في كتاب الله تعالى ، التي أمر تعالى فيها مجتمع المدينة وعموم المسلمين بكتابة الديون حتى اليومية منها ، فقال تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين الى أجل مسمى فاكتبوه ، وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئاً ، فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً أو ضعيفاً أو لا يستطيع أن يمل هو ، فليملل وليه بالعدل ... الى آخر الآية الكريمة .
ومن ذلك : أن النبي (ص) أول من دَوَّنَ الدواوين ، وليس الخليفة عمر كما يذكر بعضهم ، فقد كان عند النبي ديوان فيه أسماء كل المسلمين ، وديوان فيه أسماء المجاهدين ... قال البخاري في صحيحه ج 4 ص 33 : ( ... عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم : أكتبوا لي من تلفظ بالإسلام من الناس ، فكتبنا له ألفاً وخمسمائة رجل ، فقلنا نخاف ونحن ألف وخمسمائة ؟! فلقد رأيتنا ابتلينا حتى أن الرجل ليصلي وحده وهو خائف !
... عن الأعمش فوجدناهم خمسمائة قال أبومعاوية ما بين ستمائة الى سبعمائة .
... عن أبي معبد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني كتبت في غزوة كذا وكذا وامرأتي حاجة قال : إرجع فحج مع امرأتك ! ) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ج 10 ص 48 : ( عن طارق بن شهاب قال : قدم وفد بجيلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله : أكتبوا البجليين وابدؤوا بالأحمسيين ) .
ورواه أحمد في ج 4 ص 315 لكن فيه ( اكسوا ) بدل ( اكتبوا ) ولابد أن يكون أحدهما تصحيفاً .
ومن ذلك : أن أشخاصاً كانوا يكتبون حديث النبي (ص) ، منهم عبد الله بن عمرو بن العاص ... ففي صحيح البخاري ج 1 ص 36 : ( ... وهب بن منبه عن أخيه قال سمعت أبا هريرة يقول : ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثاً عنه مني إلا ما كان من عبدالله ابن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب ) .
تدوين القرآن
_ 128 _
وفي مسند أحمد ج 2 ص 171 ( ... عبد الرحمن الحبلي حدثه قال أخرج لنا عبدالله بن عمرو قرطاساً وقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا يقول : اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت رب كل شئ وإله كل شئ ، أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمداً عبدك ورسولك والملائكة يشهدون ، أعوذ بك من الشيطان وشركه وأعوذ بك أن اقترف على نفسي إثماً أو أجره على مسلم ، قال أبو عبد الرحمن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه عبدالله بن عمرو أن يقول ذلك حين يريد أن ينام ) .
ومن ذلك : أن البدوي كان يطلب كتابة خطبة النبي (ص) فيكتبونها له ... ففي صحيح البخاري ج 1 ص 36 وج 3 ص 95 : ( ... فجاء رجل من أهل اليمن فقال أكتب لي يا رسول الله ، فقال : اكتبوا لأبي فلان ) .
ومن ذلك : أن تعليم الصبيان الكتابة كان متعارفاً ، ففي صحيح البخاري ج 3 ص 209 ( ... حدثنا عبدالملك بن عمير قال سمعت عمرو بن ميمون الأودي قال كان سعد يعلم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة ) .
ومن ذلك : أن الكتابة وطلب التعلم كان في الأنصار قبل الإسلام ... فقد روى مسلم في صحيحه ج 8 ص 231 : ( ... عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار قبل أن يهلكوا ، فكان أول من لقينا أبا اليسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه غلام له معه ضمامة من صحف ... ) .
ورواه الحاكم في مستدركه ج 2 ص 28 فقال : ( عن عبادة بن الصامت قال خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار قبل أن يهلكوا ، فكان أول من لقينا أبو اليسر صاحب رسول الله(ص) ومعه غلام له وعليه برد معافري وعلى غلامه برد معافري ومعه ضبارة صحف ... ) .
ومن ذلك : أنهم كانوا يشبهون الوجه الحسن الحيوي بورقة المصحف ... قال البخاري في صحيحه ج 1 ص 165 : ( حتى إذا كان يوم الإثنين وهم صفوف في الصلاة فكشف النبي صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة ينظر إلينا وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف ، ثم تبسم يضحك فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبي صلى الله عليه وسلم ) .
ورواه مسلم في صحيحه ج 2 ص 24 وأحمد في مسنده ج 3 ص 110 وص 196 ... وغيره ...وجاء في مستدرك الحاكم ج 3 ص 640 قول صهر معاوية الذي طلق ابنته ( ... فنظرت فإذا أنا شيخ وهي شابة لا أزيدها مالاً الى مالها ولا شرفاً الى شرفها ، فرأيت أن أردها إليك لتزوجها فتى من فتيانك كأن وجهه ورقة مصحف ) .
ومن ذلك : أن دباغة الجلد للكتابة عليه كانت أمراً معروفاً عادياً ، فقد اشترى عمر جلداً وكتب عليه التوراة ... قال السيوطي في الدر المنثور ج 5 ص 148 :
( وأخرج عبدالرزاق والبيهقي عن أبي قلابة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر برجل يقرأ كتاباً فاستمعه ساعة فاستحسنه ، فقال للرجل أكتب لي من هذا الكتاب ، قال نعم ،
فاشترى أديماً فهيأه ثم جاء به إليه فنسخ له في ظهره وبطنه ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقرؤه عليه وجعل وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلون ، فضرب رجل
من الأنصار بيده الكتاب وقال : ثكلتك أمك يابن الخطاب ! أما ترى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ اليوم ، وأنت تقرأ عليه هذا الكتاب ؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك إنما بعثت فاتحاً وخاتماً وأعطيت جوامع الكلم وفواتحه واختصر لي الحديث اختصاراً ، فلا يهلكنكم المتهوكون ) .
ومن ذلك : أن عادة وضع القلم وراء الأذن كانت من ذلك الزمان ... قال أحمد في مسنده ج 5 ص 193 : ( ... عن زيد بن خالد الجهني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ، قال فكان زيد يروح الى المسجد وسواكه على أذنه بموضع قلم الكاتب ، ما تقام صلاة إلا استاك قبل أن يصلي ) .
تدوين القرآن
_ 129 _
وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ج 9 ص 356 رواية لا يصححها علماء الشيعة ولا السنة ، ولكنها تدل على المقصود ، قال : ( عن عائشة قالت لما كان يوم أم حبيبة من النبي صلى الله عليه وسلم دق الباب داق فقال النبي صلى الله عليه وسلم أنظروا من هذا قالوا معاوية قال ائذنوا ودخل وعلى أذنه قلم يخط به ، فقال ما هذا القلم على أذنك يا معاوية ، قال قلم أعددته لله ولرسوله فقال جزاك الله عنا خيراً ... ) .
ومن ذلك : أن بعضهم كان يكتب أسئلته ويرسلها يستفتي بها ... فقد روى البيهقي في سننه ج 9 ص 241 : ( ... عبدالله بن أبي الهذيل قال أمرني ناس من أهلي أن أسأل لهم عبدالله بن عباس رضي الله عنهما عن أشياء فكتبتها في صحيفة فأتيته لأسأله فإذا عنده ناس يسألونه فسألوه حتى سألوه عن جميع ما في صحيفتي وما سألته عن شئ ، فسأله رجل أعرابي فقال إني مملوك أكون في إبل أهلي فيأتيني الرجل يستسقيني فأسقيه ... ؟ )
ومن ذلك : أن نظام الكمبيالات أول ما ظهر في العالم في المدينة المنورة في زمن عثمان ... فقد روى مالك في الموطأ ج 2 ص 641 : ( وحدثني عن مالك ، أنه بلغه أن صكوكاً خرجت للناس في زمان مروان بن الحكم من طعام الجار فتبايع الناس تلك الصكوك بينهم ، قبل أن يستوفوها فدخل زيد بن ثابت ورجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على مروان بن الحكم فقالا : أتحل بيع الربا يا مروان ؟ فقال أعوذ بالله وما ذاك ؟ فقالا هذه الصكوك تبايعها الناس ثم باعوها قبل أن يستوفوها ، فبعث مروان الحرس يتبعونها ينزعونها من أيدى الناس ويردونها الى أهلها ) .
كل ذلك يدل على أن الكتابة في زمن النبي (ص) كانت أمراً شائعاً ، وكان الناس عامة مدركين لفائدتها وضرورتها خاصة في الأمور المهمة ، فكيف جَوَّزَ هؤلاء الرواة والباحثون على النبي (ص) ، مع إيمانهم ببعد نظره وعمق تفكيره وتسديده بوحي الله تعالى ، أن لا يهتم بكتابة القرآن ونشر نسخه في مصاحف ، والقرآن هو كتاب الدعوة الإلهية ومعجزتها ، والذي بواسطته كان النبي والمسلمون يدعون الناس الى الإسلام ... ؟!!
بلى ... إن الأحاديث الكثيرة تشهد بأن نسخ القرآن كانت موجودة من عهده (ص) ومنتشرة في أيدي الرجال والنساء ، في المدينة وفي بقية بلاد الجزيرة ... وأنهم كانوا يضيفون الى نسخهم السور والآيات الجديدة عند ما تنزل ... ولا مجال لادعاء الزركشي وغيره بأن النبي والمسلمين لم يكتبوا القرآن في عهده (ص) بحجة أنهم كانوا ينتظرون اكتمال نزوله !!
قال في البرهان ج 1 ص 262 ( وإنما لم يكتب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مصحف لئلا يفضي الى تغييره في كل وقت ، فلهذا تأخرت كتابته الى أن كمل نزول القرآن بموته صلى الله عليه وسلم ) فهذا المؤلف يتكلم عن التغيير في القرآن كأنه كتاب تحت التأليف لأمثاله ، ينتظر الناشرون اكتماله لينشروا نسخته ! ولكن السورة الواحدة من القرآن كانت حدثاً عقائدياً وفكرياً وسياسياً ، وكان المسلمون يستقبلون نزولها بأرواحهم قبل ألسنتهم ، ويكتبونها لأنفسهم ولدعوة الناس بها الى الإسلام ! ثم إذا نزلت آية أو سورة جديدة كتبوها أيضاً !
تدوين القرآن
_ 130 _