وتبقى أيضاً شهادات ابن مسعود الصريحة بأن زيداً غلام يهودي !!
  وإذا أخذنا بإجماع أئمة الجرح والتعديل من إخواننا على توثيق ابن مسعود وتقواه ... فلا بد أن نقول إن والد زيد يهودي ، وأمه أنصارية، وقد نسب الى الأنصار من جهة أمه وأخواله ! وهذا يفتح باب الشك في ادعاء زيد أن أباه قتل يوم بعاث لأن اليهود لم يشاركوا في حرب بعاث !
  جائزة لمن يجد نسب زيد بن ثابت !
  وعندما نرجع الى ترجمة زيد في كتب التراجم نجدهم يذكرون أن أمه هي النوار بنت مالك ولايذكرون فيها خلافاً ... قال ابن الأثير في أسد الغابة ج 5 ص 557 : ( النوار بنت مالك بن صرمة من بني عدي بن النجار وهي أم زيد بن ثابت الأنصاري الفقيه الفرضي كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، روت عنها أم سعد بنت أسعد بن زرارة ، أخرجها الثلاثة ) انتهى .
  ولكن مصادر السيرة والتاريخ والرجال المعروفة خالية عن إسم أبيها مالك بن صرمة ، ولا عن اسمه الآخر الذي ذكره ابن الأثير ( مالك بن معاوية ) كما لا توجد روايات عن حياتها ، وهل أنها تزوجت بعد ثابت أم لا ؟
  لكن المشكلة الصعبة في ترجمة زيد معرفة الإسم الحقيقي لأبيه وجده وأعمامه ونسبه ! فقد ذكرت المصادر لجده عدة أسماء ، منها الضحاك بن خليفة ، وله ابن اسمه ثابت ، ومنها الضحاك بن أمية بن ثعلبة بن جشم وله ابن اسمه ثابت ، ومنها الضحاك بن الصامت ، ومنها الضحاك بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد عوف ... لكن يصعب أن تنطبق ترجمة أي واحد منهم على زيد ... ! وهكذا إذا صعدت مع نسبه جداً فجداً ، مضافاً الى أن بعض هؤلاء الأجداد المفترضين لزيد من الأوس ، وبعضهم من الخزرج !!
  قال ابن شبة في تاريخ المدينة ج 3 ص 1006 : ( ... عن خمير بن مالك قال : لما أمر بالمصاحف أن تغير ساء ذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال : من استطاع منكم أن يغل مصحفاً فليفعل ، فإن من غل شيئاً جاء بما غل يوم القيامة ، ثم قال : لقد قرأت القرآن من في رسول الله سبعين سورة ، وزيد صبي ، أفأترك ما أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!
  ... عن حمزة بن عبدالله قال : بلغني أنه قيل لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه : مالك لا تقرأ على قراءة فلان ؟ فقال : لقد قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة فقال لي لقد أحسنت ، وإن الذي يسألون أن أقرأ على قراءته في صلب رجل كافر !
  ... عن ابن إسحاق ، عن أبي الأسود ـ أو غيره ـ قال : قيل لعبد الله ألا تقرأ على قراءة زيد ؟ قال : مالي ولزيد ولقراءة زيد ، لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة ، وإن زيد بن ثابت ليهودي له ذؤابتان .
  حدثنا الحماني قال حدثنا شريك ، عن ابن إسحاق ، عن أبي الأسود ـ أو غيره ـ قال : قيل لعبد الله ألا تقرأ على قراءة زيد ؟ قال ما لي ولزيد ولقراءة زيد ، لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة ، وإن زيد بن ثابت ليهودي له ذؤابتان !! ) انتهى .
  هل هو ابن ثابت بن الضحاك بن خليفة الأشهلي ؟

تدوين القرآن _ 157 _

  قال السمعاني في الأنساب ج 1 ص 172 : ( ... وأبو عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن بن عثمان بن عبد الرحمن بن زيد بن ثابت بن الضحاك بن خليفة الأشهلي المديني ، وخليفة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ) انتهى .
  ووصف السمعاني له بالأشهلي يعني أنه من الأوس ، قال ابن حجر في تهذيب التهذيب ج 2 ص 8 ( ثابت بن الضحاك بن خليفة الأشهلي الأوسي أبو زيد المدني ، وقال في هامشه : الأشهلي بمفتوحة وإعجام شين وفتح هاء منسوب الى عبد الأشهل بن جشم كذا في المغني اه‍ ) انتهى .
  ومن البعيد جداً أن يكون مقصوده بهذا النسب زيد بن ثابت وأن جد جده كان من صحابة النبي (ص) !!
  وقد ترجم ابن هشام للضحاك بن خليفة بأنه كان منافقاً ومثبطاً للمسلمين في غزوة تبوك ... قال في السيرة ج 4 ص 96 : ( قال ابن هشام : وحدثني الثقة عمن حدثه ، عن محمد بن طلحة بن عبد الرحمن ، عن إسحاق بن إبراهيم بن عبدالله بن حارثة ، عن أبيه ، عن جده ، قال : بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن ناساً من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي ، وكان بيته عند جاسوم ، يثبطون الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، فبعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم طلحة بن عبيدالله في نفر من أصحابه ، وأمره أن يحرق عليهم بيت سويلم ، ففعل طلحة ، فاقتحم الضحاك بن خليفة من ظهر البيت ، فانكسرت رجله ، واقتحم أصحابه فأفلتوا ، فقال الضحاك في ذلك : كــادت وبيــت الله نــار محمدٍ يشيـط بها الضحاك وابن أُبَيْرِقِ وَظَلْتُ وقد طبقتُ كَبْسَ سويلمٍ أنـوء على رجلي كسيراً ومرفقي ســلام عليكــم لا أعــود لمثلها أخاف ومن تشمل به النار يحرق قال ابن إسحاق : ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جد في سفره ، وأمر الناس بالجهاز والإنكماش ، وحض أهل الغنى على النفقة والحملان في سبيل الله... ) انتهى .
  وروى الطبري عن الضحاك هذا في تاريخه ج 2 ص 459 رواية قد تدل على أنه حضر السقيفة ! قال الطبري : ( حدثنا عبيد الله بن سعيد قال حدثنا عمي قال أخبرنا سيف بن عمر عن سهل وأبي عثمان عن الضحاك بن خليفة قال : لما قام الحباب بن المنذر انتضى سيفه وقال أنا جذيلها المحكك وغذيقها المرجب أنا أبوشبل في عرينة الأسد يعزى إليَّ الأسد ، فحامله عمر فضرب يده فندر السيف ، فأخذه ثم وثب على سعد ، ووثبوا على سعد وتتابع القوم على البيعة وبايع سعد ، وكانت فلتة كفلتات الجاهلية قام أبوبكر دونها ! وقال قائل حين أوطئ سعداً : قتلتم سعداً ! فقال عمر قتله الله إنه منافق ! واعترض عمر بالسيف صخرة فقطعه ) انتهى .
  وللضحاك هذا ولد اسمه ثابت بن الضحاك بن خليفة ، ترجم له البخاري في تاريخه ج 2 ص 165 فقال : ( ثابت بن الضحاك الأنصاري ، وقال بعضهم الكلابي ، له صحبة وأخوه أبو جبيرة بن الضحاك ) انتهى .

تدوين القرآن _ 158 _
  ولكن الرازي نفى في الجرح والتعديل ج 2 ص 453 أن يكون ثابت هذا والد زيد بن ثابت ... قال : ( ثابت بن الضحاك بن خليفة الأنصارى له صحبة روى عنه عبدالله بن معقل وأبو قلابة سمعت أبي يقول ذلك ، سمعت أبي يقول : بلغني عن ابن نمير أنه قال : هو والد زيد بن ثابت ، فإن كان قاله فقد غلط وذلك أن أبا قلابة لم يدرك زيد بن ثابت فكيف يدرك أباه ؟ وهو يقول حدثني ثابت بن الضحاك الأنصاري ! ) انتهى .
  وترجم ابن الأثير لثابت هذا فقال في أسد الغابة ج 1 ص 226 : ( ثابت بن الضحاك بن خليفة بن ثعلبة بن عدي بن كعب بن عبدالأشهل كذا نسبه أبو عمر .
  وأما ابن منده وأبو نعيم فلم يجاوزا في نسبه خليفة وقالا إنه أخو أبي جبيرة بن الضحاك شهد الحديبية ، وقال ابن منده قال البخاري أنه شهد بدراً مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال أبونعيم : هذا وهم وإنما ذكر البخاري في الجامع أنه من أهل الحديبية واستشهد بحديث أبي قلابة عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم الذى أخبرنا به أبوالفرج يحيى بن محمود ... أن أبا قلابة حدثه أن ثابت بن الضحاك حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذباً فهو كما قال ، وليس على رجل نذر في ما لا يملك ... وقال ابن منده توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثماني سنين وقيل توفي سنة خمس وأربعين ، وقيل توفي في فتنة ابن الزبير أخرجه الثلاثة ، وأخرجه أبوموسى مستدركاً على ابن مندة فقال : ثابت بن الضحاك بن ثعلبة الأنصاري أبوجبيرة هكذا أورده أبوعثمان ، وقال بعضهم هو أخو ثابت بن الضحاك بن خليفة ، وقال حماد بن سلمة : هو الضحاك بن أبي جبيرة أورده في غير باب الثاء ، انتهى كلام أبي موسى.
  فأما قوله في نسبه الضحاك بن ثعلبة فهو وهم أسقط منه خليفة وما لإخراجه عليه وجه ، فإن بعض الرواة قد أسقط الجد الذي هو خليفة ، وقد أخرجه ابن منده على الصواب ) انتهى.
  وللضحاك هذا أولاد آخرون معروفون مثل أبي جبيرة واسمه قيس وقد ترجم له البخاري في تاريخه ج 9 ص 20 برقم 157 وابن الأثير في أسد الغابة ج 4 ص 218 و ج 5 ص 156 ، وله بنت اسمها ثبيتة أو نبيتة ترجم لها في أسد الغابة ج 5 ص 413 وإكمال الكمال ج 1 ص 185 وقال عن ثابت ( وهو أخو جبيرة بن الضحاك ، وثبيتة بنت الضحاك ، التي كان محمد بن مسلمة يطاردها ببصره ليتزوجها ) ... الخ .
  ولو كان هؤلاء أعمام زيد وأقاربه لعرفوا ، أو ذكر ذلك أحد في ترجمته أو ترجماتهم ... مضافاً الى أن زيداً كان يقول إن والده توفي وعمره ست سنوات كما روت عنه المصادر مثل سير أعلام النبلاء وأسد الغابة وتهذيب الكمال ... وغيرها .

تدوين القرآن _ 159 _
  هل هو ابن ثابت بن الضحاك بن زيد ؟
  نسب ابن الأثير وأكثر كتب الرجال زيداً الى الخزرج فقال في أسد الغابة ج 2 ص 221 : ( زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي ثم النجاري ، أمه النوار بنت مالك بن معاوية بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار ... ) انتهى .
  ومن المشكل قبول ذلك ، لأن زيد بن لوذان المذكور هو جد بني حزم المعروفين من نقباء الأنصار ، ولو كان زيد منهم لظهر ذلك في ترجماته أو ترجماتهم ، فمنهم النقيب المعروف عمارة ، وإخوته عمرو ومعمر وأولادهم ... قال ابن هشام في السيرة ج 2 ص 520 في تعديد النقباء ( قال ابن إسحاق : ومن بني عمرو بن عبد عوف بن غنم ، عمارة بن حزم بن زيد بن لوذان بن عمرو ) .
  وقال في ج 2 ص 313 : ( قال ابن هشام : وعمارة بن حزم بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار ، شهد بدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلها ، قتل يوم اليمامة ) .
  وقال ابن الأثير في أسد الغابة ج 4 ص 48 ( عمارة بن حزم بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي ثم من بني النجار أخو عمرو بن حزم وأمه خالدة بنت أنس ... )
  وقال في أسد الغابة ج 4 ص 400 : ( معمر بن حزم بن زيد بن لوذان بن عمر وبن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي النجاري جد أبي طوالة وهو أخو عمرو بن حزم قاله محمد بن سعد كاتب الواقدي ، شهد بيعة الرضوان وما بعدها وهو أحد العشرة الذين بعثهم عمر بن الخطاب مع أبي موسى الى البصرة أخرجه أبو نعيم وأبو موسى ) انتهى .
  فلو كان النسب الذي ذكروه لزيد صحيحاً لكان عمارة وإخوته أبناء حزم ، أولاد عم أبيه ثابت ، ولظهر شئ من هذا النسب الرفيع في ترجمته أو تراجمهم ... مع أنه لا ذكر لشئ من ذلك !
  هل هو زيد بن ثابت بن الصامت ؟
  ذكر الرازي في الجرح والتعديل ج 9 ص 255 أن اسم جده الصامت ، فقال : ( يزيد بن ثابت بن الصامت أخو زيد بن ثابت الأنصارى له رؤية للنبي صلى الله عليه وسلم ، رمي باليمامة ومات في الطريق ، روى عنه خارجة بن زيد بن ثابت سمعت أبي يقول ذلك ) انتهى .
  ولم أجد لثابت بن الصامت ذكراً في شئ مصادر التاريخ والسيرةوالحديث المعروفة ... ولا للصامت بن زيد بن لوذان ، وقد تفرد بذكره الرازي ، ومن المحتمل أن يكون تصحيف الضحاك ، ولكنه أيضاً لا يصح !
  هل أعمامه أبو أيوب ورفاعة بن رافع ؟

تدوين القرآن _ 160 _
  روى أحمد في مسنده ج 5 ص 115 : ( عن عبيد بن رفاعة بن رافع عن أبيه قال زهير في حديثه رفاعة بن رافع وكان عقبياً بدرياً ، قال كنت عند عمر فقيل له إن زيد بن ثابت يفتي الناس في المسجد قال زهير في حديثه الناس برأيه في الذي يجامع ولا ينزل ، فقال أعجل به فأتي به فقال : يا عدو نفسه أو قد بلغت أن تفتي الناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم برأيك ؟! قال ما فعلت ، ولكن حدثني عمومتي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال أي عمومتك ؟! قال أبي بن كعب قال زهير وأبو أيوب ورفاعة بن رافع !
  فالتفت إليَّ : ما يقول هذا الفتى ؟! وقال زهير ما يقول هذا الغلام ؟! فقلت كنا نفعله في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال فسألتم عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال كنا نفعله على عهده فلم نغتسل ! قال فجمع الناس واتفق الناس على أن الماء لا يكون إلا من الماء إلا رجلين علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل قالا : إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل ) انتهى .
  ولا بد أن نحمل العمومة في كلام زيد في هذه الرواية على معناها المجازي ، لأن أياً من هؤلاء الثلاثة المذكورين لا يمكن أن يكون عماً حقيقياً لزيد ! فأبيّ بن كعب هو كما في أسد الغابة ج 1 ص 49 ( أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك ابن النجار واسمه تيم اللات وقيل تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج الأكبر الأنصاري لخزرجي ) .
  وأبو أيوب هو كما في أسد الغابة ج 5 ص 143 ( أبو أيوب الأنصاري واسمه خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد عوف بن غنم ابن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي النجاري شهد العقبة وبدراً وأحداً والخندق وسائر المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومن خاصته قال ابن الكلبي وابن إسحاق وغيرهما شهد أبو أيوب مع على الجمل وصفين وكان على مقدمته يوم النهروان ) ، وكذا في مستدرك الحاكم ج 3 ص 463 وفي سيرة ابن هشام ج 2 ص 49 ورفاعة بن رافع هو كما في مستدرك الحاكم ج 3 ص 233 ( ... ثنا عروة في تسمية من شهد العقبة من الأنصارمن بني زريق رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان بن زريق وهو نقيب وذكره أيضاً في تسمية من شهد بدراً ) وكذا في سيرة ابن هشام ج2 ص 255 بل قد يفهم من سؤال عمر الشديد لزيد : أي عمومتك ؟! أنه لا أعمام لزيد من أصحاب النبي (ص) !!
  مهما يكن ... فإن زيد بن ثابت من الذين يحتاج الباحث أن يبحث طويلاً عن اسم جده لأمه وعن اسم أبيه وجده وأعمامه وأسرته ، لأن الأنساب التي ذكروها له تزيد الباحث شكاً ، واستيفاء ذلك خارج عن غرض هذا الكتاب ... والذي يهون الخطب أن دور زيد في جمع القرآن دور تنفيذي لا أكثر كما سترى ... وإن حاول هو أن يعطيه صفة أخرى !!
  مناصب زيد في عهود الخلفاء الثلاثة كان زيد من أنصار السلطة الجديدة بعد النبي (ص) من أول ساعاتها ... فبعد ولادة خلافة أبي بكر في السقيفة ببيعة أفراد محدودين ، ومعارضة سعد بن عبادة زعيم الخزرج ... كان المشروع بحاجة في اليوم الثاني الى بيعة الأنصار الذين هم أهل المدينة ، وكان الصوت المؤيد من الأنصار ذا قيمة عند أبي بكر وعمر حتى لو كان لشاب صغير السن محسوب على الأنصار ، مثل زيد بن ثابت ...

تدوين القرآن _ 161 _
  روى أحمد في مسنده ج 5 ص 185 : ( عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطباء الأنصار فجعل منهم من يقول يا معشر المهاجرين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استعمل رجلاً منكم قرن معه رجلاً منا فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان أحدهما منكم والآخر منا ، قال فتتابعت خطباء الأنصار على ذلك قال فقام زيد بن ثابت فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين وإنما الإمام يكون من المهاجرين ونحن أنصاره ، كما كنا أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فقام أبوبكر فقال جزاكم الله خيراً من حي يا معشر الأنصار وثبت قائلكم ، ثم قال والله لو فعلتم غير ذلك لما صالحناكم ) انتهى .
  وروى ابن كثير في السيرة النبوية ج 4 ص 494 ( ... أن زيد بن ثابت أخذ بيد أبي بكر فقال : هذا صاحبكم فبايعوه ... ) انتهى .
  وبما أنه لا يمكن قبول التوقيت في هذه الرواية لأن زيداً لم يحضر السقيفة بل لم يحضرها إلا زوار زعيم الخزرج المريض ومجموعة أبي بكر وعمر ... فلابد أن يكون موقف زيد المذكور فيها في اليوم الثاني للسقيفة عندما طلب أبوبكر وعمر من الأنصار أن يبايعوا .
  ومن ذلك اليوم أخذ زيد موقعه في الدولة الجديدة وصار كاتب دار الخلافة ، ثم مقسم مواريث المسلمين ... ثم مسؤول جمع القرآن !
  قال النووي في المجموع ج 16 ص 68 : ( ... دليلنا ما روى عن زيد بن ثابت أنه قال : ولاني أبوبكر مواريث قتلى اليمامة فكنت أورث الأحياء من الموتى ولا أورث الموتى من الموتى ) انتهى .
  وقد أعطى لمنصبه هذا لوناً من الشرعية أنه كان أحياناً يكتب للنبي (ص) ... قال ابن الأثير في أسد الغابة ج 1 ص 50 : ( ... عن الشعبي عن مسروق قال كان أصحاب القضاء من أصحاب رسول الله ستة عمر وعلي وعبدالله وأبيّ وزيد وأبوموسى ، قال أبوعمر قال محمد بن سعد عن الواقدي : أول من كتب لرسول الله مقدمه المدينة أبيّ بن كعب وهو أول من كتب في آخر الكتاب وكتب فلان بن فلان ، فإذا لم يحضر أبي كتب زيد بن ثابت ، وأول من كتب من قريش عبدالله بن سعد بن أبي سرح ثم ارتد ورجع الى مكة فنزل فيه ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو قال أوحى إلي ولم يوح إليه شئ وكان من المواظبين على كتاب الرسائل عبدالله بن الأرقم الزهري .
  وكان الكاتب لعهوده صلى الله عليه وسلم إذا عاهد وصلحه إذا صالح علي بن أبي طالب .
  وممن كتب لرسول الله أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان والزبير بن العوام وخالد وأبان ابنا سعيد بن العاص وحنظلة الأسيدي والعلاء بن الحضرمي وخالد بن الوليد وعبدالله بن رواحة ومحمد بن مسلمة وعبدالله بن عبدالله بن أبي ابن سلول والمغيرة بن شعبة وعمر وابن العاص ومعاوية بن أبي سفيان وجهم بن الصلت ومعيقيب بن أبي فاطمة وشرحبيل بن حسنة ) انتهى .

تدوين القرآن _ 162 _
  أما في عهد عمر فصار زيد الكاتب الرسمي لدار الخلافة ، ونائب الخليفة على ولاية المدينة ... قال ابن شبة في تاريخ المدينة ج 2 ص 693 : ( ... عن نافع : أن عمر رضي الله عنه استعمل زيداً على القضاء ، وفرض له رزقاً... عن خارجة بن زيد قال : كان عمر رضي الله عنه كثيرا ما يستخلف زيد بن ثابت إذا خرج الى شئ من الأسفار ، وقلما رجع من سفر إلا أقطع زيداً حديقة من نخل ! ... عن السائب بن يزيد ، عن أبيه : أن عمر رضي الله عنه قال : أكفني صغار الأمور ، فكان يقضي في الدرهم ونحوه ) انتهى .
  وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء ج 2 ص 438 : ( وعن يعقوب بن عتبة : أن عمر استخلف زيداً ، وكتب إليه من الشام : الى زيد بن ثابت ، من عمر ) ، يقصد الذهبي أن عمر قدم اسم زيد على إسمه فخالف أعراف العرب والخلافة ، بسبب حبه لزيد !
  ثم قال الذهبي : ( ... عن خارجة بن زيد ، قال : كان عمر بن الخطاب كثيراً ما يستخلف زيد بن ثابت إذا خرج الى شئ من الأسفار ، وقلما رجع من سفر إلا أقطع زيد بن ثابت حديقة من نخل .
  ورجاله ثقات .
  وعن سليمان بن يسار ، قال : ما كان عمر وعثمان يقدمان على زيد أحداً في الفرائض والفتوى والقراءة والقضاء ) انتهى .
  في عهد عثمان فصار زيد والي بيت المال ووالي الصدقات ... قال البخاري تاريخه ج8 ص 373 ( ... عن يوسف بن سعد كان زيد بن ثابت عامل عثمان على بيت المال ) .
  وروى أحمد في مسنده ج 3 ص 22 وفي ج 5 ص 187 : ( ... عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى عليه وسلم أنه قال لما نزلت هذه السورة إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس قال قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ختمها وقال : الناسُ حِيزٌ وأنا وأصحابي حِيز ، وقال لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية ، فقال له مروان كذبت ، وعنده رافع بن خديج وزيد بن ثابت وهما قاعدان معه على السرير ، فقال أبو سعيد لو شاء هذان لحدثاك ، ولكن هذا يخاف أن تنزعه عن عرافة قومه ، وهذا يخشى أن تنزعه عن الصدقة فسكتا ، فرفع مروان عليه الدرة ليضربه ، فلما رأيا ذلك قالوا صدق ! ) انتهى .
  وروى الذهبي أن زيداً كان والي القضاء والإفتاء والقراءة والمحاسبة ، طيلة عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ... قال في سير أعلام النبلاء ج 4 ص 424 : ( ويروي عن الزهري ، عن قبيصة بن ذؤيب ، قال : كنا في خلافة معاوية ، وإلى آخرها ، نجتمع في حلقة بالمسجد بالليل ، أنا ، ومصعب وعروة ابنا الزبير ، وأبو بكر بن عبد الرحمن ، وعبد الملك بن مروان ، وعبد الرحمن المسور ، وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، وعبيدالله بن عبدالله بن عتبة ، وكنا نتفرق بالنهار ، فكنت أنا أجالس زيد بن ثابت وهو مترئس بالمدينة في القضاء ، والفتوى ، والقراءة ، والفرائض ، في عهد عمر ، وعثمان ، وعلي ، ثم كنت أنا وأبو بكر بن عبد الرحمن نجالس أبا هريرة ، وكان عروة يغلبنا بدخوله على عائشة ) انتهى .

تدوين القرآن _ 163 _
  لكن زيداً لم يكن مع علي (ع) بل مع معاوية .
  والظاهر أن الميزة الأساسية في شخصية زيد التي جعلته مرغوباً فيه عند الخلفاء الثلاثة مضافاً الى سيره في خطهم السياسي ، كفاءته في الكتابة والحسابات وأنه موظف مطيع ، فهذه المهنة كانت عزيزة في الجزيرة لا يجيدها إلا القلة ... وكان الكاتب يساوي في عصرنا السكرتير الخاص ووزير المالية ... وقد ورث هذه المهنة عن زيد ولده خارجة بن زيد ، قال ابن حجر في تهذيب التهذيب ج 5 ص 18 : ( ... وقال ابن أبي خيثمة كان هو وخارجة بن زيد بن ثابت في زمانهما يستفتيان وينتهي الناس الى قولهما ويقسمان المواريث ويكتبان الوثائق ) انتهى .
  وقال في المدونة الكبرى ج 4 ص 423 ( قال مالك : وقد كان خارجة بن زيد بن ثابت ومجاهد يقسمان مع القضاة ويحسبان ولا يأخذان لذلك جعلاً ) انتهى .
  على أن أعظم منصب ديني تحمله زيد بن ثابت في حياته هو منصب كتابة القرآن ، حتى لو كان دوره فيه مجرد كاتب مأمور !
  كان زيد يتقن اللغة العبرية قال البخاري في صحيحه ج 8 ص 120 ( قال خارجة بن زيد بن ثابت عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلم كتاب اليهود حتى كتبت للنبي صلى الله عليه وسلم كتبه وأقرأته كتبهم إذا كتبوا إليه ) .
  وقال أحمد في مسنده ج 5 ص 182 : ( عن عبيد قال قال زيد بن ثابت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : تحسن السريانية ، إنها تأتيني كتب ، قال قلت لا ، قال فتعلمها ، فتعلمتها في سبعة عشر يوماً ! ) .
  وقال السرخسي في المبسوط ج 16 ص 89 : ( وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت رضي الله عنه أن يتعلم العبرانية وكان يترجم لرسول الله صلى الله عليه وسلم عمن كان يتكلم بين يديه بتلك اللغة ) انتهى .
  وهكذا نسج الآخرون على منوال البخاري وأحمد ورووا أن النبي (ص) أمر زيداً أن يتعلم العبرية فتعلمها قراءة وكتابة في أسبوعين ، وفسر المحللون ذلك بمعجزة للنبي (ص) أو بكرامة لزيد ، أو بذكائه المفرط ، وأفتوا لزيد بجائزة نوبل !
  وقد تقدمت شهادة ابن مسعود وأبيّ بن كعب بأن زيداً كان يهودياً ، درس من صغره عند كتاتيب اليهود ... ثم إن النبي (ص) لم يكن يحتاج الى كاتب بالعبرية ، فاليهود الذين في الجزيرة كانوا يكتبون رسائلهم للعرب بالعربية ! فلا بد أن يكون هدف زيد من هذه الرواية تبرير معرفته باللغة العبرية وإجادته الكتابة بها ، بأن ذلك كان بأمر النبي ومن أجله (ص) ! وهو أمر يوجب المزيد من الشك في أصله !
  هذا بناء على عقيدة إخواننا السنة بالنبي (ص) ، أما نحن الشيعة فنعتقد أن النبي ، أي نبي ، وكذا الإمام ، حجة الله تعالى على خلقه ... ومن أول شروط الحجة أن يعرف لغة المحتج عليه ... وبذلك صرحت أحاديثنا الصحيحة عن النبي وآله (ص) بأن نبينا وأوصياءه يعرفون كل ما يحتاجون اليه من لغات الناس في عصرهم ، ولا حاجة لهم الى زيد وعمرو ليترجموا لهم !

تدوين القرآن _ 164 _
  الأحاديث التي رووها في فضل زيد وعلمه وعلى عادة المؤرخين لشخصيات السلطة ، حاولوا أن يجدوا تاريخاً جهادياً لزيد مع النبي (ص) ، فقالوا إنه أراد أن يشترك في بدر فاستصغر النبي سنه ، ثم صار في الخندق غلاماً ينقل التراب ... وقالوا إن النبي أعطاه راية بني النجار في تبوك التي لم يكن فيها حرب ، ولعلهم جعلوه بدل زيد بن حارثة ، كما جعلوا له عدة أنساب لا ينطبق عليه شئ منها !
  قال ابن الأثير في أسد الغابة ج 2 ص 221 : ( زيد بن ثابت ... وكان عمره لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة إحدى عشرة سنة وكان يوم بعاث ابن ست سنين وفيها قتل أبوه ، واستصغره رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر فرده وشهد أحداً وقيل لم يشهدها وإنما شهد الخندق أول مشاهده وكان ينقل التراب مع المسلمين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه نعم الغلام وكانت راية بني مالك بن النجار يوم تبوك مع عمارة بن حزم فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفعها الى زيد بن ثابت فقال عمارة يا رسول الله بلغك عني شئ قال لا ولكن القرآن مقدم وزيد أكثر أخذاً للقرآن منك !! ) انتهى .
  أما الشهادات بعلمه فكثيرة ... روى أحمد وغيره شهادة من النبي (ص) لزيد بأنه أعلم الأمة بالرياضيات ... قال في مسنده ج 3 ص 281 : ( عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ارحم أمتي بأمتي أبو بكر ، وأشدهم في دين الله عمر ، وقال عفان مرة : في أمر الله عمر ، وأصدقهم حياء عثمان، وأفرضهم زيد بن ثابت ، وأقرؤهم لكتاب الله أبيّ بن كعب ، وأعلمهم بالحلال والحر ام معاذ بن جبل ، ألا وإن لكل أمة أميناً وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ، رضي الله عنهم أجمعين ) ، ورواه في كنز العمال ج 11 ص 641 وقال في مصادره ( حم ، ت ، ن ه‍ ، حب ، ك ، هق ـ عن أنس ) انتهى .
  وينبغي أن نسجل هنا أن عرب الحجاز لم يكونوا يجيدون الرياضيات والحساب ، بمن فيهم أكثر الصحابة ... فقد روت مصادر الحديث تحير الصحابة والخليفة عمر في مسائل الإرث وحساب سهام الورثة وارتباكه في إرث الكلالة ... لذلك كان يوجه الناس الى تعلم الفرائض أي حساب سهام الإرث في الصور المختلفة ، وينهاهم عن البحث في المسائل العقائدية والمسائل المستحدثة ... فقد روى الحاكم في المستدرك ج 4 ص 333 : ( ... عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الى أبي موسى الأشعري : إذا لهوتم فالهو بالرمي ، وإذا تحدثتم فتحدثوا بالفرائض ، هذا وإن كان موقوفاً فإنه صحيح الإسناد ) .
  وروى البيهقي في سننه ج 6 ص 209 : ( ... عن إبراهيم قال قال عمر رضي الله عنه : تعلموا الفرائض فإنها من دينكم ( قال وثنا ) يحيى بن يحيى أنا وكيع عن أبي هلال عن قتادة قال كتب عمر : إذا لهوتم فالهو بالرمي وإذا تحدثتم فتحدثوا بالفرائض ) انتهى .
  وفي جو كهذا يبرز أصحاب الذهن الرياضي ويتميزون ، وكان زيداً أحد هؤلاء ، ولذلك صار كاتب دار الخلافة ومقسم الفرائض الرسمي ، كما صار عبد الرحمن بن أبزى غلام نافع بن عبد الحارث بن حبالة ، كاتب والي مكة والطائف ونائبه ، كما تقدم .

تدوين القرآن _ 165 _
  روى الحاكم في المستدرك ج 3 ص 272 : ( ... أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس فقال : من أراد أن يسأل عن القرآن فليات أبيّ بن كعب ، ومن أراد أن يسأل عن الحلال والحرام فليأت معاذ بن جبل ، ومن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت ، ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتني فإني له خازن ، صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ) .
  وقال الدارمي ج 2 ص 341 عن عهد عثمان : ( ... قال ابن شهاب لو هلك عثمان وزيد في بعض الزمان لهلك علم الفرائض ، لقد أتى على الناس زمان وما يعلمها غيرهما ! ) ورواه البيهقي في سننه ج 6 ص 211 أعلم الأمة بالرياضيات يقع في مشكلات قام منهج زيد بن ثابت في تقسيم الإرث على ثلاثة أسس : الأول : آيات القرآن حسب ما يفهمها الصحابي العادي بدون سؤال عنها ، ودون بحث وتعمق .
  الثاني : العمل بظنه واحتماله واستنسابه ، فيما لا علم له فيه ، وما أكثره !
  الثالث : ترجيح جانب الدولة ، وتحويل ما أمكن من المواريث الى بيت المال !
  ولذلك وقع في مشكلات شرعية كبيرة توجب الشك في الشهادة التي رووها في حقه عن النبي (ص) ، و ترجح أنها كانت شهادة من الخليفة عمر الذي كان يحب زيداً أكثر من ولده عبدالله ، ثم نسبوها الى النبي (ص) !
  وفيما يلي نماذج من أحكام زيد ، يتضح منها ما ادعيناه : قال الترمذي في سننه ج 3 ص 285 : ( واختلف فيه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فورث بعضهم الخال والخالة والعمة ، وإلى هذا الحديث ذهب أكثر أهل العلم في توريث ذوي الأرحام ، وأما زيد بن ثابت فلم يورثهم وجعل الميراث في بيت المال ! ) .
  وقال الدارمي في سننه ج 2 ص 361 و 362 : ( عن خارجة بن زيد عن زيد بن ثابت أن أتي في ابنة أو أخت ، فأعطاها النصف وجعل ما بقي في بيت المال ! ... وقال زيد بن ثابت للجدة السدس وللإخوة للأم الثلث ، وما بقي فلبيت المال ) .
  وقال السرخسي في المبسوط ج 30 ص 2 : ( حكي أن المعتضد سأل أبا حازم القاضي عن هذه المسألة فقال : أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غير زيد بن ثابت على توريث ذوي الأرحام ولا يعتد بقوله بمقابلة إجماعهم ، وقال المعتضد أليس أنه يروي ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان ؟ فقال كلا ! وقد كذب من روى ذلك عنهم !! وأمر المعتضد برد ما كان في بيت المال مما أخذ من تركة من كان وارثه من ذوي الأرحام ، وقد صدق أبوحازم فيما قال ! ) انتهى .
  وقال في المدونة الكبرى ج 3 ص 380 : ( ... عن محمد بن سيرين قال مات مولى لعمر بن الخطاب فسأل ابن عمر زيد بن ثابت فقال أيعطى بنات عمر شيئاً ؟ فقال : ما أرى لهن شيئاً وإن شئت أعطيتهن ) وكذا في سنن الدارمي ج 2 ص 397

تدوين القرآن _ 166 _
  وقال السرخسي في المبسوط ج 29 ص 181 : ( والمروي عن زيد ابن ثابت أنه شبه الأخوين بواد تشعب منه نهران ، والجد مع النافلة بواد تشعب منه نهر ثم تشعب من النهر جدول ، فالقرب بين النهرين يكون أظهر منه بين الجدول وأصل الوادي ، وهذا يوجب تقديم الأخوة على الجد إلا أن في جانب الجد معنى الأولاد وبه يسمى أباً ، ولكنه أبعد من الأب الأول بدرجة ! ) .
  وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء ج 2 ص 434 : ( ... عن الشعبي : أن مروان دعا زيد بن ثابت ، وأجلس له قوماً خلف ستر ، فأخذ يسأله وهم يكتبون ففطن زيد ، فقال يا مروان أغدراً ، إنما أقول برأيي ، رواه إبراهيم بن حميد الرؤاسي ، عن ابن أبي خالد ، نحوه ، وزاد : فمحوه ) انتهى .
  ويدل هذا على أن زيداً كان يفتي بظنونه واحتمالاته ، وكانت تلك مدرسة الفتوى بالرأي والاحتمالات التي أشاعها الخليفة عمر بن الخطاب ، وسيأتي تصريح زيد بذلك أيضاً !
  وفقهاء المذاهب قلدوا زيداً جاء في مجموع النووي ج 6 ص 210 : ( باب ترجيح قول زيد بن ثابت على قول غيره من الصحابة رضي الله عنهم في الفرائض ... قلت : ذكر الإمام تاج الدين الفزاري أن المشهور عند الفقهاء أن الشافعي لم يقلد زيداً وإنما وافق رأيه رأيه فإن المجتهد لا يقلد المجتهد ، وظاهر كلام البيهقي يدل على أنه قلده ، وفيه مخالفة للمشهور عندهم ، وتقليد المجتهد المجتهد ، ويقال للشافعي هلا قلدت معاذاً في تحليله وتحريمه بعين ماذكرتم ؟ وهلا قلدت علياً في جميع قضائه لقوله (ع) : أقضاكم علي الحديث ... وإن كان لم يقلد زيداً كما هو المشهور عندهم ففيه أيضاً نظر من وجهين :
  أحدهما ، أن الشافعي لم يضع في الفرائض كتاباً ولولا تقليد زيد لوضع كتاباً ليظهر لمتبعيه طريق اجتهاده التي بها وافق زيداً كما فعل في سائر الأبواب .
  الثاني ، أنه لم يخالف ولا في مسألة ، ويبعد اتفاق رأيين في كتاب من العلم من أوله الى آخره ! ) .
  وقال ابن قدامة في المغني ج 7 ص 46 : ( وذهب زيد بن ثابت الى أن الفاضل عن ذوي الفروض لبيت المال ولا يرد على أحد فوق فرضه ، وبه قال مالك والأوزاعي والشافعي رضي الله عنهم ) انتهى .
  رأي ابن عباس في علم زيد قال الدارمي في سننه ج 2 ص 346 : ( ... عن عكرمة قال أرسل ابن عباس الى زيد بن ثابت : أتجد في في كتاب الله للأم ثلث ما بقي ؟ فقال زيد إنما أنت رجل تقول برأيك ، وأنا رجل أقول برأيي !! ) وقال السرخسي في المبسوط ج 29 ص 182 : ( فأما أبوحنيفة احتج بما نقل عن ابن عباس أنه كان يقول : ألا يتق الله زيد بن ثابت يجعل ابن الإبن ابناً ولا يجعل أب الأب أباً ؟! ومعنى هذا الكلام أن الإتصال بالقرب من الجانبين يكون بصفة واحدة لا يتصور التفاوت بينهما بمنزلة المماثلة بين مثلين ) انتهى .

تدوين القرآن _ 167 _
  وعلى رغم انتقادات ابن عباس لزيد ، فقد روى محبوا زيد احترام ابن عباس له الى حد التقديس ... والسبب في ذلك أن خط زيد السياسي صار أموياً وكان ابن عباس في المعارضة !
  قال الذهبي في سير أعلام النبلاء ج 2 ص 426 : ( ... عن ابن عباس ، قال : لقد علم المستحفظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن زيد بن ثابت ، من الراسخين في العلم ...
  ... عن أبي سلمة أن ابن عباس قام الى زيد بن ثابت فأخذ له بركابه ! فقال : تنح يابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فقال إنا هكذا نفعل بعلمائنا وكبرائنا ! ) .
  قال ابن حجر في تهذيب التهذيب ج 3 ص 345 : ( قال علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب شهدت جنازة زيد بن ثابت ، فلما دلي في قبره قال ابن عباس : من سره أن يعلم كيف ذهاب العلم فهكذا ذهاب العلم ، والله قد دفن اليوم علم كثير ، قلت : وقال أبو هريرة يوم مات زيد : مات اليوم حبر الأمة وعسى الله أن يجعل في ابن عباس منه خلفاً ) انتهى .
  بل جعلوه أستاذ بن عباس ومعلمه القرآن ! قال الذهبي في سير أعلام النبلاء ج 2 ص 426 : ( ... حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن صاحبيه وقرأ عليه القرآن بعضه أو كله ، ومناقبه جمة ، حدث عنه أبو هريرة وابن عباس وقرآ عليه ... ! ) انتهى .
  والمتتبع لشخصية ابن عباس وزيد يدرك أن أمثال هذه الأحاديث من مغالاة أتباع الدولة بزيد ، فالذي لا يحترمه ابن مسعود ويتكلم في نسبه بذلك الكلام الغليظ ... كيف يحترمه ابن عباس الى حد الإجلال والتقديس ؟! خاصة أن زيداً لم يكن معروفاً بالتقوى ، بل ورد في ترجمته أنه كان عنده عبد مغنٍ يغني في بيت المال ويأخذ مرتباً من عثمان كما سيأتي ! وربما كان عنده مغنيات !
  رأي الأئمة من أهل بيت النبي في علم زيد روى الكليني في الكافي ج 7 ص 407 : ( عن أبي بصير ، عن أبي جعفر (ع) قال : الحكم حكمان حكم الله وحكم الجاهلية ، وقد قال الله عز وجل : ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون ، واشهدوا على زيد بن ثابت لقد حكم في الفرائض بحكم الجاهلية ! ) .
  وقال الحر العاملي في وسائل الشيعة ج 18 ص 405 : ( روت العامة والخاصة أن مكاتبةً زنت على عهد عثمان قد عتق منها ثلاثة أرباع ، فسأل عثمان أميرالمؤمنين (ع) فقال : يجلد منها بحساب الحرية ، ويجلد منها بحساب الرق ، وسأل زيد بن ثابت فقال : يجلد منها بحساب الرق ، فقال أميرالمؤمنين (ع) : كيف يجلد بحساب الرق وقد اعتق ثلاثة أرباعها ؟ وهلا جلدتها بحساب الحرية فإنها أكثر ؟ فقال زيد : لو كان ذلك كذلك لوجب توريثها بحساب الحرية فقال له أمير المؤمنين (ع) : أجل ذلك واجب ، فأفحم زيد ، وخالف عثمان أميرالمؤمنين (ع) ) انتهى .
  كان زيد مع السلطة دائماً إلا مع علي

تدوين القرآن _ 168 _
  قال الذهبي في سير أعلام النبلاء ج 2 ص 426 : ( ... الواقدي : حدثنا ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، وآخر ، قالا : لما حصر عثمان ، أتاه زيد بن ثابت ، فدخل عليه الدار ، فقال له عثمان : أنت خارج الدار أنفع لي منك ها هنا فذب عني ، فخرج ، فكان يذب الناس ويقول لهم فيه حتى رجع أناس من الأنصار ، وجعل يقول للأنصار كونوا أنصارا لله مرتين أنصروه ، والله إن دمه لحرام ، فجاء أبوحية المازني مع ناس من الأنصار فقال : ما يصلح معك أمر ! فكان بينهما كلام وأخذ بتلبيب زيد هو وأناس معه فمر به ناس من الأنصار ، فلما رأوهم أرسلوه ، وقال رجل منهم لأبي حية : أتصنع هذا برجل لو مات الليلة ما دريت ما ميراثك من أبيك ! ) انتهى .
  ومع ذلك قال زيد لعثمان إن الأنصار أطاعوا زيداً ولكن عثمان أمرهم بالرجوع ! قال في تاريخ المدينة ج 4 ص 1209 : ( حدثنا قريش بن أنس قال ، حدثنا هشام ، عن محمد قال : دخل زيد بن ثابت على عثمان رضي الله عنه فقال : هؤلاء الأنصار يقولون دعنا نكن أنصار الله مرتين ، قال : عزمت عليكم لما رجعتم ، قال فرجعوا ) انتهى .
  وبعد عثمان كان زيد مع المعتزلة الذين لم يبايعوا علياً ... ! قال النوري في مستدرك الوسائل ج 12 ص 323 : ( ... ويمكن أن يكون مراده (ع) من المعتزلة الذين اعتزلوا عن بيعته (ع) ، ولم يلحقوا بمعاوية ، كسعد بن وقاص وعبدالله بن عمر وزيد ابن ثابت وأشباههم ، وكانوا معروفين بلقب الإعتزال ، والله العالم ) انتهى .
  وسرعان ما خرج زيد من اعتزاله وانضم الى صف معاوية ، ورويت عنه الروايات الموضوعة في مدح معاوية ومدح أهل الشام ! قال الذهبي في سير أعلام النبلاء ج 3 ص 129 : ( عن زيد بن ثابت : دخل النبي (ع) على أم حبيبة ، ومعاوية نائم على فخذها ، فقال : أتحبينه ؟ قالت : نعم ، قال : لله أشد حباً له منك له ، كأني أراه على رفارف الجنة !! ) .
  وروى عنه أحمد في مسنده ج 5 ص 184 : ( ... عن ابن شماسة عن زيد بن ثابت قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً حين قال طوبى للشام ، طوبى للشام قلت ما بال الشام ؟ قال الملائكة باسطوا أجنحتها على الشام ! ) انتهى .
  لكنه كان في زمن النبي شيعياً كان زيد في زمن النبي (ص) غلاماً عادياً يدور حول النبي وأهل بيته ، ويروي عن النبي فضائل علي وفاطمة والحسن والحسين صلى الله عليه وعليهم ... وقد بقيت بعض مروياته مدونة في مصادر الحديث ... وروى بعضها أحمد في مسنده ، قال في ج 5 ص 181 ونحوه ص 189 : ( ... عن القاسم بن حسان عن زيد بن ثابت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض أو ما بين السماء الى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض ) .

تدوين القرآن _ 169 _
  وروى عنه الصدوق في علل الشرائع ج 1 ص 144 حديثاً في وجوب حب علي (ع) ، قال : ( حدثنا أبو حاتم قال : حدثنا أحمد بن عبدة قال : حدثنا أبوالربيع الأعرج قال : حدثنا عبدالله بن عمران ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن سعيد بن المسيب عن زيد بن ثابت قال : قال رسول الله (ص) : من أحب علياً في حياتي وبعد موتي كتب الله له الأمن والإيمان ما طلعت الشمس أو غربت ، ومن أبغضه في حياتي وبعد موتي مات ميتة جاهلية وحوسب بما عمل ) انتهى .

من شؤون زيد الشخصية
  اهتم الرواة والمترجمون بحياة زيد ، فرووا روايات عن شؤونه الشخصية منها أنه كان ناعماً يغطي وجهه في طريق الحج ، مع أن المحرم لا يغطي وجهه !
  وقال النووي في المجموع ج 2 ص 85 : ( أما حكم المسألة فقال أصحابنا يكره البول قائماً بلا عذر كراهة تنزيه ولا يكره للعذر وهذا مذهبنا ، وقال ابن المنذر اختلفوا في البول قائماً فثبت عن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت وابن عمر وسهل بن سعد أنهم بالوا قياماً ... ) .
  وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء ج 2 ص 426 : ( ... وروى الأعمش ، عن ثابت بن عبيد ، قال : كان زيد بن ثابت من أفكه الناس في أهله وأزمته عند القوم ) .
  وقال السرخسي في المبسوط ج 17 ص 99 : ( روى عن عمر رضي الله عنه أنه كان له جارية وكان يطأها فجاءت بولد ونفاه وقال اللهم لا يلحق بآل عمر من لا يشبههم ، فأقرت أنه من فلان الراعي ، وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه كان يطأ جاريته فجاءت بولد فنفاه فقال كنت أطأها ولا أبغي ولدها أي أعزل عنها ) ، ورواه الشافعي في كتاب الأم ج 7 ص 242 وذكروا من شؤون زيد الشخصية كثرة حديثه عن نفسه ... فقد روت مصادر إخواننا كثيراً من ذلك كالذي رواه البخاري عنه بأنه كان مقرباً من النبي (ص) حتى أن النبي كان يتكئ على فخذ زيد ثم يوحى إليه فيثقل بدنه ... مما لا يناسب مقام النبوة ولا صفة الوحي ! قال البخاري في صحيحه ج 1 ص 97 : ( وقال زيد بن ثابت : أنزل الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفخذه على فخذي فثقلت عليَّ حتى خفت أن ترض فخذي ) !
  وقال في ج 3 ص 211 : ( عن ابن شهاب عن سهل بن سعد الساعدي أنه قال رأيت مروان بن الحكم جالساً في المسجد فأقبلت حتى جلست الى جنبه فأخبرنا أن زيد بن ثابت أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى عليه لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله قال فجاءه ابن أم مكتوم وهو يملها عليَّ فقال يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت ، وكان رجلاً أعمى فأنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم وفخذه على فخذي فثقلت عليَّ حتى خفت أن ترض فخذي ثم سري عنه فأنزل الله عز وجل ( غير أولى الضرر ) !! ورواه أيضاً في ج 5 ص 182 ، وأحمد في مسنده ج 5 ص 191 ، وأبو داود في سننه ج 1 ص 563 ورواه مسلم في صحيحه ج 6 ص 43 عن البراء وعن زيد ، وليس فيه وصف الوحي وإتكاء النبي على زيد !
  وروى النوري في مستدرك الوسائل ج 4 ص 371 : ( ... زيد بن ثابت أنه قال : قال رسول الله (ص) : إذا كتبت بسم الله الرحمن الرحيم فبين السين فيه ) وهو مروي عن علي (ع) ، ولعل زيداً نسبه الى النبي (ص) ، بدل أن ينسبه الى علي (ع) .

تدوين القرآن _ 170 _
مشروع جمع القرآن في عهد أبي بكر وعمر
  زيد بن ثابت يدعي أنه بطل جمع القرآن ، جمعه أربع مرات في ربع قرن !!
  نلاحظ في روايات جمع القرآن الأساسية أن راويها زيد بن ثابت ، وأنه صَوَّرَ المسألة على أن الخليفة أبا بكر وعمر كلفاه بجمع القرآن فامتنع من ذلك لتقواه ! ولكنهما أصرا عليه مراراً حتى قبل هذه المسؤلية الثقيلة احتساباً لخدمة الدين والقرآن ... ولكن الواقع أن زيداً لم يكن أكثر من كاتب ، وكان القرار في هذا الموضوع حتى في خلافة أبي بكر للخليفة عمر ، ثم كان القرار في خلافة عثمان للخليفة عثمان ولمملي القرآن سعيد بن العاص ... وكان زيد كاتباً مأموراً فقط كما سيأتي !
  والأهم من ذلك أن القرآن كان مجموعاً من عهد النبي (ص) ... فما معنى تكليف زيد بجمعه بعد النبي ؟ وخوف زيد من الله تعالى ؟!
  وما معنى أن يجمعه زيد عدة مرات ، مرة له ، وثلاث مرات للخلفاء ؟!
  وهل ضاعت نسخة زيد الأولى ، والثانية ، والثالثة ؟!
  وما هو الفرق بين هذه النسخ ؟! ... الى آخر الأسئلة التي ستعرف أجوبتها!
  كان أبيّ بن كعب يملي القرآن ولا وجود لمشكلة قال أحمد في مسنده ج 5 ص 134 : ( عن أبي العالية عن أبيّ بن كعب أنهم جمعوا القرآن في مصاحف في خلافة أبي بكر رضي الله عنه فكان رجال يكتبون ويملي عليهم أبيُّ بن كعب فلما انتهوا الى هذه الآية من سورة براءة ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون ، فظنوا أن هذا آخر ما أنزل من القرآن ، فقال لهم أبيُّ بن كعب إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأني بعدها آيتين لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم الى وهو رب العرش العظيم ثم قال هذا آخر ما أنزل من القرآن ، قال فختم بما فتح به بالله الذي لا إله إلا هو وهو قول الله تبارك وتعالى وما أرسلنا قبلك من رسول إلا يوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) انتهى .
  هذه الرواية طبيعية ومنسجمة مع ما ثبت من وجود نسخ القرآن من عهد النبي (ص) وتوفرها عند كثيرين ... ومنسجمة مع اعتراف المسلمين بحفظ أبي بن كعب للقرآن وخبرته بنصه ... فالمسألة لا تحتاج الى أكثر من كاتب ومملٍ موثوق ، ومع وجود أبي بن كعب فلا حاجة لأمثال زيد بن ثابت ولا دور له في الإملاء .
  كذلك هي منسجمة مع حاجة المسلمين في المناطق المختلفة لنسخ القرآن وقيام الصحابة في المدينة بدل الدولة بكتابة نسخ عديدة وإرسالها إليهم ، وإن لم تعتمد الدولة نسخة رسمية منها !
  ثم بقدرة قادر ولدت المشكلة وطرح عمر وأبو بكر مشروعاً لحلها يقول زيد بن ثابت : ولدت المشكلة من اللامشكلة ، وضاعت نسخ المصحف كلها ... وغاب أبي بن كعب وعبدالله بن مسعود وغيرهم من الحفاظ المشهود لهم ... ولم يبق إلا زيد بن ثابت ومكتوبات القرآن المشتتة ، ومحفوظاته الموزعة ... فنهض زيد بعد تردد وخوف من الله تعالى ، وبعد تكليف رسمي والتماس متكرر من الخليفتين أبي بكر وعمر ... وتحمل زيد صعوبات جمة وبذل جهوداً كبيرة متنوعة ... حتى أكمل جمع القرآن في سنتين وأكثر والحمد لله ! ولكن نسخته لم تر النور !!

تدوين القرآن _ 171 _
  روى البخاري في صحيحه ج 5 ص 210 عن زيد : ( ... أخبرني ابن السباق أن زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه وكان ممن يكتب الوحي قال : أرسل إليَّ أبوبكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر فقال أبو بكر : إن عمر أتاني فقال إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن إلا أن تجمعوه ، وإني لأرى أن تجمع القرآن ، قال أبوبكر قلت لعمر كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال عمر هو والله خير فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري ، ورأيت الذي رأى عمر ، قال زيد بن ثابت وعمر عنده جالس لا يتكلم ، فقال أبوبكر إنك رجل ( ... ) شاب عاقل ولا نتهمك كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتتبع القرآن فاجمعه ، فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليَّ مما أمرني به من جمع القرآن ! قلت كيف تفعلان شيئاً لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال أبوبكر هو والله خير ، فلم أزل أراجعه ( ... ) حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر ، فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره ، لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم الى آخرها ) .
  وروى البخاري في ج 6 ص 98 عن زيد أيضاً : ( ... عن عبيد بن السباق أن زيداً بن ثابت رضي الله عنه قال : أرسل إليَّ أبوبكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده قال أبوبكر رضي الله عنه أن عمر أتاني فقال إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن ، قلت لعمر كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال عمر هذا والله خير ، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر ، قال زيد : قال أبوبكر إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه ، فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليَّ مما أمرني به من جمع القرآن ، قلت كيف تفعلون شيأ لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال هو والله خير ، فلم يزل أبوبكر يراجعني ( ... ) حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي ( ... ) خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حتى خاتمة براءة ، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنه .
  ... باب كاتب النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب أن ابن السباق قال : إن زيد بن ثابت قال : أرسل الى أبوبكر رضي الله عنه قال إنك كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبع القرآن فتتبعت حتى وجدت آخر سورة التوبة آيتين مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم الى آخرها ) وروى نحوه عن زيد أيضاً في ج 8 ص 118 ، انتهى .
  هذا ما رواه زيد عن جمعه الثاني للقرآن في زمن الخليفة أبي بكر ... ولم يقل شيئاً عن نسخته التي كتبها من زمن النبي (ص) ! ولا عن دور غيره من القراء والحفاظ ، ولو بقدر رأس إبرة ...

تدوين القرآن _ 172 _
  ثم قلد البخاري أكثر المؤلفين ورووا قصة جمع القرآن عن زيد ... ورووا متفرقاتها عن غيره !
  قال السيوطي في الدر المنثور ج 3 ص 296 ( وأخرج ابن سعد ، وأحمد ، والبخاري ، والترمذي ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن أبي داود في المصاحف ، وابن حبان ، وابن المنذر ، والطبراني ، والبيهقي في سننه عن زيد بن ثابت قال : أرسل الى أبو بكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر فقال ... الخ ) .
  وقال في كنز العمال ج 2 ص 571 : جمع القرآن ـ من مسند الصديق رضي الله عنه ، عن زيد بن ثابت قال : أرسل إليَّ أبوبكر مقتل أهل اليمامة فإذا عنده عمر بن الخطاب فقال ... ( ط ، وابن سعد ، حم، خ ، والعدنى ت ن ، وابن جرير ، وابن أبي داود في المصاحف ، وابن المنذر ، حب طب ق ) انتهى .

إستعطاء آيات القرآن على باب المسجد
  من أجل إثبات فضيلة لزيد ، وبيان الصعوبات التي تحملتها الدولة في جمع القرآن ، وأن المشروع كان يحتاج الى وقت طويل وكان على المسلمين أن ينتظروا ولا يستعجلوا ... ارتكب الرواة إهانة للمسلمين واتهموهم بأنهم لم يهتموا بكتاب ربهم وضيعوه ، حتى اضطر نائب الخليفة عمر ورئيس اللجنة وعضوها الوحيد زيد بن ثابت أن يجلسا على باب المسجد ويعلنا للمصلين : رحم الله من كان من عنده آية فليقلها حتى نكتبها في المصحف !!
  روى في كنز العمال ج 2 ص 573 : ( عن هشام بن عروة قال : لما استحر القتل بالقراء فرق أبو بكر على القرآن أن يضيع ، فقال لعمر بن الخطاب ، ولزيد بن ثابت : أقعدا على باب المسجد ، فمن جاءكما بشاهدين على شئ من كتاب الله فاكتباه ـ ابن أبي داود في المصاحف .
  ... عن هشام بن عروة عن أبيه قال : لما قتل أهل اليمامة أمر أبو بكر الصديق عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت فقال : أجلسا على باب المسجد فلا يأتينكما أحد بشئ من القرآن تنكرانه يشهد عليه رجلان إلا أثبتماه ، وذلك لأنه قتل باليمامة ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جمعوا القرآن ! ـ ابن سعد ك ) انتهى .
  وفي عصرنا الواعي كما في عصور سابقة ، صارت هذه الرواية موثقة وصارت منقبة للدولة ولزيد في ورعه واحتياطه ... قال الدكتور صبحي الصالح في كتابه ( مباحث في علوم القرآن ) ص 75 ـ 76 : ( ... ولكنه ( زيد ) أراد ـ ورعاً منه واحتياطاً ـ أن يشفع الحفظ بالكتابة ، وظل ناهجاً هذا النهج في سائر القرآن الذي تتبعه فجمعه بأمر أبي بكر : فكان لا بد لقبول آية أو آيات من شاهدين هما الحفظ والكتابة ، وبهذا فسر ابن حجر المراد من الشاهدين في قول أبي بكر لعمر وزيد : أقعدا على باب المسجد ، فمن جاءكما بشاهدين على شئ من كتاب الله فاكتباه ـ الإتقان 1 ـ 100 ) !! انتهى .

تدوين القرآن _ 173 _
  وينبغي أن نتوقف طويلاً عن قول أبي بكر ( فلا يأتينكما أحد بشئ من القرآن تنكرانه يشهد عليه رجلان إلا أثبتماه ) ففي هذا الكلام علم كثير ، فهو يدل على أن القرآن الذي ( يحفظه ) أبوبكر وعمر وزيد وغيرهم من الحفاظ المعروفين ، ناقص !! وأن بقيته مبثوثة عند الناس ، لذلك تعلن الخلافة أن أي نص يشهد عليه رجلان أنه من القرآن فهي تلتزم به وتثبته في القرآن ، ونائب الخليفة وكاتبه مأموران أن يدخلا ذلك النص في القرآن حتى لو لم يشهدا به ، بل حتى لو استغرباه وأنكراه ( تنكرانه ... إلا أثبتماه ) !
  إن هذه الحركة منسجمة تماماً مع الأحاديث الصحيحة الواردة عن الخليفة عمر بأن القرآن الذي نزل أضعاف الموجود ، لذلك فهو يحاول جمع ما ضاع منه بأقل إثبات شرعي وهو شاهدان عاديان ! ولعل تأخر الخليفة عمر بنشر نسخته كان لهذا السبب ... والله يعلم ماذا جمع في نسخته من أمثال سورتي ( الخلع والحفد ) والآيات التي تقدمت !!
  ونلاحظ في الرواية التالية مزيداً من المبالغة في فقدان نسخ القرآن ... فقد ( مات ) كل حفاظه ، حتى أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود وغيرهم ... وغيرهم !
  قال في كنز العمال ج 2 ص 584 : ( عن ابن شهاب قال : بلغنا أنه كان أنزل قرآن كثير فقتل علماؤه يوم اليمامة الذين كانوا قد وعوه ولم يعلم بعدهم ولم يكتب !!
  فلما جمع أبوبكر وعمر وعثمان القرآن ولم يوجد مع أحد بعدهم ، وذلك فيما بلغنا ( ... ) حملهم على أن تتبعوا القرآن ، فجمعوه في الصحف في خلافة أبي بكر ، خشية أن يقتل رجال من المسلمين في المواطن ، معهم كثير من القرآن فيذهبوا بما معهم من القرآن ، فلا يوجد عند أحد بعدهم ، فوفق الله عثمان فنسخ ذلك المصحف في المصاحف ، فبعث بها الى الأمصار وبثها في المسلمين ـ ابن أبي داود ) انتهى .

نتيجة عمل لجنة أبي بكر لتدوين القرآن
  استغرق عمل اللجنة التي عينها الخليفة أبو بكر باقتراح عمر بن الخطاب وإصراره ورئاسته ، وعضوية زيد بن ثابت ... شطراً من عهد أبي بكر ، ثم استمر عملها طوال عهد الخليفة عمر ، ولكن نتيجتها لم تر النور ولم تصل الى أيدي المسلمين ! بل كانت صحائف عند الخليفة عمر ، وبقيت بيده وعند ابنته حفصة ... حتى وفاته ! قال البخاري في صحيحه ج 5 ص 211 وج 6 ص 98 ج 8 ص 119 وكل رواياته عن زيد : ( وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله ، ثم عند عمر حتى توفاه الله ، ثم عند حفصة بنت عمر ) انتهى .
  ونستبعد أن يكون الخليفة أبابكر احتفظ بالصحف في بيته ، فقد كان المشروع مشروع عمر ، وكان هو المتصدي له حتى في عهد أبي بكر ، وكان زيد منفذاً لأمر عمر فقط! كما أن لحفظ الصحف عند حفصة لا في بيت عمر ولا عند زيد ، معنى المحافظة التامة عليها وعدم نشرها ، فقد كانت حفصة أقرب أهل بيت عمر إليه ، ووصيه الشرعي وموضع أسراره !
  قال السرخسي في المبسوط ج 12 ص 36 : ( واستدل محمد رحمه الله في الكتاب بحديث عمر رضي الله عنه فإنه جعل وقفه في يد ابنته حفصة رضي الله عنها وإنما فعل ذلك ليتم الوقف ، ولكن أبو يوسف رحمه الله يقول فعل ذلك لكثرة اشتغاله وخاف التقصير منه في أوانه ، أو ليكون في يدها بعد موته ) انتهى .

تدوين القرآن _ 174 _
  لكن الأسئلة الكبيرة في الموضوع : لماذا لم ينشر عمر النسخة ؟
  ولماذا لم تسلمها حفصة الى الخليفة عثمان ؟
  ثم لماذا أصر عثمان ثم مروان على مصادرتها من حفصة وإحراقها ؟!
  ثم