أيها الأخوة الصادقون الذين تعتقدون بأن الكذب حرام : هل الإيمان بالله تعالى أكبر أم الإيمان بكتابه ؟ فكيف اكتفى الله تعالى من الناس أن يتلفظوا بالشهادتين ولو تحت السيف ، وقبل منهم الإسلام وعاملهم معاملة المسلمين ، وأنتم لا تقبلون من الشيعة كلامهم ، وإعلانهم ، وأَيْمانَهُم ، وفتاوى مراجعهم ، وواقع ملايينهم ؟!
  تلك هي صورة من محنة الشيعة مع خصومهم قديماً وحديثاً ... أما قصة التقية التي يقولون ، فهي قصة إرهاب الظالم ومداراة المظلوم ليحفظ دمه ... إنها قصة تقتيل الحكام وعوامهم للشيعة تقتيلاً بالجملة ومجازر بلا رحمة ، لمجرد أنهم شيعة أهل بيت النبي (ص) ! فيضطر الشيعة أن يداروهم ليحفظوا دماءهم من السفك ، وأعراضهم من الهتك ، وأموالهم من الغارة !!
  فإن كان في التقية عار وشنار ، فأيهما أولى بعارها وشنارها : الظالم أو المظلوم ؟
  ألا تعجب لمن لا يتحمل مخالفتك له في الرأي فيصادر حريتك ، ويكم فمك ، ويصوِّب رصاصه الى رأسك ، ويضع شعلة ناره على باب بيتك ... ثم يقول لك : إنك كذاب جبان لأنك تداريني ، وأنا شجاع صادق لأني لا أداريك !!
  إن التقية سند مظلومية الشيعة من بعد النبي (ص) الى يومنا هذا ، وهي سند يدين الذين اضطهدوا الشيعة ... ولكن هؤلاء ( الباحثين ) الموضوعيين يريدون أن يقلبوا الواقع ويجعلوها سنداً لإدانة الشيعة !!
  والتقية سيرة العقلاء في كل المجتمعات مع المتسلط والحاكم ، عندما تصادر حرياتهم ويواجهون الخوف على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم ، فتراهم يدارون الظالم ليسلموا من شره ... فهل صارت مداراة الظالم سبة ؟ وصار ظلمه مكرمة ؟!
  والتقية عندنا حكم شرعي علمنا إياه أئمتنا عترة النبي (ع) أننا إذا ابتلينا بإرهاب جسدي أو إرهاب فكري ... فلا يجب على أحدنا أن يقتل نفسه ، بل يجوز له أحياناً، أو يجب عليه أحياناً ، أن يداري الإرهابي ويتعايش معه ، وقد تحرم عليه التقية أحياناً ، ويجب عليه أن يجهر بعقيدته ويقاوم حتى يستشهد !
  والتقية جزء من مذهبنا لا ننكرها ، لأنها جزء من الإسلام لا يمكن لأحد أن ينكرها ... فقد أجاز الله تعالى من أجلها إظهار كلمة الكفر أمام الكفار لدفع شرهم وخطرهم ، فقال تعالى : من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ـ النحل ـ 106 وقال تعالى : لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ـ آل عمران ـ 28ومن التقية ما يحرم عندنا مطلقاً ولا يجوز بحال وهي ما يترتب عليه قتل شخص آخر، فيجب على الشيعي أن يتحمل هو القتل ولا يسببه لغيره ، لأنه لا تقية في الدماء ... بينما يفتي كثير من فقهاء إخواننا السنة لمن يقلدهم بالتقية لنجاة نفسه حتى لو سبب ذلك قتل غيره !

تدوين القرآن ـ 26 ـ
  فيا أيها الطاعنون على الشيعة لاعتقادهم بالتقية ، إرفعوا عنهم سيوف ظلمكم ، وأعطوهم حقهم في الأمن والتعبير عن الرأي حتى يتركوا التقية وتنتهي حاجتهم إليها ... فإذا وجد جو الأمن الإسلامي ، أو جو الحرية الإنساني ، واتسعت الصدور لسماع آراء الموافق والمخالف ... فقد ارتفعت الضرورة التي من أجلها شرع الله التقية !

والتقية في مذاهب السنة كما في مذهب الشيعة
  قال البخاري في صحيحه ج 8 ص 55 ( كتاب الإكراه ، وقول الله تعالى إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم وقال إلا أن تتقوا منهم تقاة وهي تقية ، وقال إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض ... الى قوله واجعل لنا من لدنك نصيراً فعذر الله المستضعفين الذين لا يمتنعون من ترك ما أمر الله به ، والمكره لا يكون إلا مستضعفاً غير ممتنع من فعل ما أمر به . وقال الحسن ـ يقصد البصري ـ : التقية الى يوم القيامة ) ، وقال في ج 5 ص 165 ( تقاة وتقية واحدة ... ) انتهى .
  وروى البيهقي في سننه ج 8 ص 209 تفسير ابن عباس لهذه الآية وفيه ( ... فأما من أكره فتكلم بلسانه وخالفه قلبه بالإيمان لينجو بذلك من عدوه فلا حرج عليه ، إن الله سبحانه إنما يأخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم ) .
  ورواه السيوطي في الدر المنثور ج 2 ص 16 وذكر ما يوافق مذهبنا من عدم التقية في الدماء قال ( ... ولا يبسط يده فيقتل ولا الى إثم فإنه لا عذر له ) ثم نقل كلام الحسن البصري وقراءة قتادة وغيره : تتقوا منهم تقية ، بالياء .
  وقال النووي في المجموع ج 18 ص 8 ( ... إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان ، ولا تبين منه زوجته ولا يحكم عليه بحكم الكفر ، هذا قول مالك والشافعي والكوفيين غير محمد بن الحسن فإنه قال : إذا أظهر الشرك كان مرتداً في الظاهر ، وفيما بينه وبين الله تعالى على الإسلام ، وتبين منه امرأته ولا يصلى عليه إن مات ولا يرث أباه إن مات مسلماً ، قال القرطبي : وهذا قول يرده الكتاب والسنة قال تعالى : إلا من أكره ... الآية وقال : إلا أن تتقوا منهم تقاة ، ( ثم نقل كلام البخاري وقال : فلما سمح الله عز وجل بالكفر به لمن أكره وهو أصل الشريعة ولم يؤاخذ به ، حمل عليه أهل العلم ) انتهى .

تدوين القرآن ـ 27 ـ
  وروى في المدونة الكبرى ج3 ص 29 عن عبدالله بن مسعود أنه قال ( ما من كلام كان يدرأ عني سوطين من سلطان إلا كنت متكلماً به ) .
  وروى عبدالرزاق في المصنف ج 4 ص 47 عن عبدالله بن عمر أنه كان يستعمل التقية مع خلفاء بني أمية ... ! قال ( عن ميمون بن مهران قال دخلت على ابن عمر أنا وشيخ أكبر مني ، قال حسبت أنه قال ابن المسيب ، فسألته عن الصدقة أدفعها الى الأمراء ؟ فقال نعم ، قلت وإن اشتروا به الفهود والبيزان ( الصقور ) ؟! قال نعم .
  وعن محمد بن راشد قال أخبرني أبان قال : دخلت على الحسن وهو متوارٍ زمان الحجاج في بيت أبي خليفة فقال له رجل : سألت ابن عمر هل أدفع الزكاة الى الأمراء ؟ فقال ابن عمر : ضعها في الفقراء والمساكين ، قال فقال لي الحسن : ألم أقل لك إن ابن عمر كان إذا أمن الرجل قال : ضعها في الفقراء والمساكين ) انتهى .
  وقال السرخسي في المبسوط ج 24 ص 45 ( ... وعن الحسن البصري رحمه الله : التقية جائزة للمؤمن الى يوم القيامة ، إلا أنه كان لا يجعل في القتل تقية ، وبه نأخذ ، والتقية أن يقي نفسه من العقوبة بما يظهره وإن كان يضمر خلافه ، وقد كان بعض الناس يأبى ذلك ويقول إنه من النفاق ، والصحيح أن ذلك جائز لقوله تعالى : إلا أن تتقوا منهم تقاة ، وإجراء كلمة الشرك على اللسان مكرهاً مع طمأنينة القلب بالإيمان من باب التقية ، وقد بينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص فيه لعمار بن ياسر رضي الله عنه ) .
  وقال في ص 154 ( ... وذلك على المكره دون المكره عند التهديد بالقتل ( يقصد أن كفارة القتل تكون على من أجبره على القتل لا على المنفذ ) وإن توعده بالحبس كانت الكفارة على القاتل خاصة ، بمنزلة ضمان المال وبمنزلة الكفارة في قتل الآدمي خطأ ... ولو أن رجلاً وجب عليه أمر بمعروف أو نهي عن منكر فخاف إن فعل أن يقتل ، وسعه أن لا يفعل ، وإن فعل فقتل كان مأجوراً ، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض مطلقاً .
  قال الله تعالى : وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك الآية ... والترك عند خوف الهلاك رخصة ، قال الله تعالى : إلا أن تتقوا منهم تقاة ، فإن ترخص بالرخصة كان في سعة وإن تمسك بالعزيمة كان مأجوراً ) انتهى .
  فما هو الفرق بين التقية التي يفتي بها الشيعة ، وهذه التي يفتي بها السنة ؟
  لا فرق ، إلا أن الشيعة يحتاجون إليها أكثر بسبب الظلم والإضطهاد الذي كان وما زال ينصب عليهم !!

تدوين القرآن ـ 28 ـ
  ولا فرق ، إلا أن خصوم الشيعة يبحثون عن أي شئ لينبزوا به الشيعة وقد وجدوا التقية ، ولم يعرفوا أنها أمر مشترك ، أو عرفوا وحرفوا !
  جرى نقاش عن التقية بيني وبين بعض علماء الوهابية وكان على مذهب إحسان ظهير في تكفير الشيعة وكرههم الى آخر نفس ، فوجدت أنه لا يدرك أنه يستعمل التقية مع دولته ومن يخاف منهم ، ولا يريد أن يدرك ! لأنه كان يصر على أنها جائزة فقط مع الكفار وليس مع المسلمين ، ولم يقتنع بكلامي بأن ملاك التقية الخطر وخوف الضرر ، سواء توجه إليك من كافر أو مسلم ... فأردت أن يلمس أنه يستعمل التقية مثلي وأكثر ، فجررت الحديث الى حكومته ورأيه فيها وفي رئيسها ، وواصلت أسئلتي له ، وواصل استعمال التقية في الجواب حتى أحس بالحرج فودعني ، فشكرته على أنه استعمل التقية من دولته وصار على مذهب الشيعة في هذه المسألة الفقهية !
  إن التقية موجودة في حياتنا جميعاً أيها الإخوة ، ولكنها أمر نسبي حسب أجواء الأمن والحرية التي توجد لإنسان ولا توجد لآخر ، وتوجد في بلد ولا توجد في آخر ، وتوجد لطائفة ولا توجد لأخرى ... فهل تتركون نبز الشيعة بها ؟!
  وروايات النقص والزيادة في القرآن في مصادر إخواننا أكثر منها في مصادرنا هؤلاء الكتاب والخطباء الذين يتهمون إخوانهم الشيعة بعدم الإيمان بالقرآن ، بسبب روايات رأوها في مصادرهم أو سمعوا عنها ... هل رأوا الروايات في هذا الموضوع في مصادر السنة ؟
  وهؤلاء الذين يقولون للشيعة : لا نصدقكم بأنكم تعتقدون بالقرآن حتى لو أفتى بذلك علماؤكم ، وملأت نسخ القرآن مساجدكم وبيوتكم ، وحتى لو درستموه وحفظتموه وقرأتموه في مجالسكم ومدارسكم أحسن منا ... حتى تتبرؤوا من مصادركم التي فيها هذه الروايات ، وتسقطوها عن الإعتبار ، ولا تأخذوا منها عقائدكم وأحكامكم ... هل يقبلون أن يعاملوا مصادرهم بالمثل إذا وجدوا فيها روايات تدعي التحريف كالتي في مصادر الشيعة ، أو أشد ؟!
  إن الناظر بإنصاف في روايات مصادر الطرفين في هذه المسألة ، يحكم بأن اعتقاد الشيعة بالقرآن الكريم الموجود ، أقوى وأرقى من اعتقاد السنة ! فمصادر الشيعة تقبل القرآن الموجود ولا تدعي فيه أي زيادة ، وروايات التحريف التي فيها محصورة في أمر واحد هو أن السلطة بعد النبي (ص) أسقطت آيات من القرآن ... وقد بحث علماء الشيعة هذه الروايات وفق مقاييس البحث والإجتهاد التي يتبناها مذهبهم ... أما مصادر إخواننا السنة ففيها الغرائب والعجائب ... التي لو نظر إليها هؤلاء الكتاب الذين يتهمون الشيعة لتغيرت حالتهم ، وأصيبوا بالدوَّار !

تدوين القرآن ـ 29 ـ
الفصل الثالث : موقف الخليفة عمر من القرآن والسنة
  من الأصول الثابتة عند المسلم السني والشيعي في عصرنا ، أن كتاب الله تعالى وسنة نبيه (ص) ، هما المصدران الوحيدان للإسلام ... ويتصور المسلم السني المعاصر أن الخليفة عمر بن الخطاب كان يعتقد بهذين الأصلين مثل اعتقاده هو اليوم ... بل يتصور أن الخليفة عمر ومن سار على خطه من الخلفاء قد خاضوا معركة فكرية شعارها القرآن والسنة ضد الذين رفعوا شعار القرآن والإمامة مثلاً ، أو الوصية وأهل بيت النبي ... إلخ .
  ولهذا يعتبر إخواننا السنة أنه لا معنى للسؤال عن موقف الخليفة عمر من القرآن والسنة ، لأنه حامل رايتهما ، بل هو إمام المسلمين الذين اتبعوه وتسموا من بعده باسم ( أهل السنة والجماعة ) في مقابل ( أهل البدعة والفرقة ) !
  لكن تصوراتنا لا يجب أن تكون دائماً مطابقة للواقع ... فربما كان مفيداً أن نفحص ، ونتعرف على حقيقة موقف الخليفة عمر من القرآن والسنة ، كما تشهد المصادر المحبة له ... المعتبرة عند محبيه ... القرآن شعار الخليفة في وجه النبي !
  ننقل نصوص الموقف وأجواءه من كتاب عدالة الصحابة للمحامي الأردني أحمد حسين يعقوب ص 182 ـ 185 : ( المواجهة الصاخبة : النبي على فراش الموت ، وجبريل الأمين لا ينقطع عن زيارته ، وأكثر ما كان يأتيه جبريل في مرضه .
  النبي على علم بمستقبل هذه الأمة ، وقد أدى النبي دوره كاملاً وبلغ رسالات ربه ، وبين لهم كل شئ على الإطلاق ، وهو على علم تام بما يجري حوله ومدرك أنه السكون الذي يسبق الإنفجار فينسف الشرعية السياسية والمرجعية ، وبنسف الشرعية السياسية والمرجعية يتجرد الإسلام من سلاحه الجبار ويتعطل المولد الأساسي للدعوة والدولة ، ولكن مثل النبي لا ينحني أمام العاصفة ، ولا يقعده شئ عن متابعة إحساسه العميق بالرأفة والرحمة لهذه الأمة ، وبالرغم من كمال الدين وتمام النعمة الإلهية والبيان الإلهي الشامل لكل شئ تحتاجه الأمة بما فيه كيف يتبول وكيف يتغوط أفرادها ، إلا أنه أراد أن يلخص الموقف لأمته حتى تهتدي وحتى لا تضل ، وحتى تخرج بسلام من المفاجآت التي تتربص بها وتنتظر موت النبي لتفتح أشداقها فتعكر صفو الإسلام و تعيق حركته وتغير مساره .

تدوين القرآن ـ 30 ـ
  النبي على فراش المرض ، وبيته المبارك يغص بأكابر الصحابة ، وقد أصر النبي على تلخيص الموقف والتذكير بالخط المستقبلي لمسيرة الإسلام فقال النبي : قربوا أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً .
  ما هو الخطأ بهذا العرض النبوي ؟
  من يرفض التأمين ضد الضلالة ؟
  ولماذا ؟ ولمصلحة من ؟
  ثم إن من حق أي مسلم أن يوصي ، ومن حق أي مسلم أن يقول ما يشاء قبل موته ، والذين يسمعون قوله أحرار فيما بعد بإعمال هذا القول أو إبطاله ، هذا إذا افترضنا أن محمداً مجرد مسلم عادي وليس نبياً وقائداً للأمة .
  فتصدى الفاروق عمر بن الخطاب ووجه كلامه للحضور وقال : إن النبي قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله !
  فاختلف أهل البيت فاختصموا ، منهم من يقول قربوا يكتب لكم رسول الله كتاباً لا تضلوا بعده أبداً ، ومنهم من يقول : القول ما قاله عمر ، فلما أكثروا اللغو والإختلاف عند النبي قال لهم رسول الله : قوموا عني (1) .
  وفي رواية ثانية أن الرسول عندما قال : ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً تنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع ، فقالوا هجر رسول الله . قال النبي : دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه !! (2)
  وفي رواية ثالثة قال النبي : ائتوني بالكتف والدواة أو اللوح والدواة أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً ، فقالوا : إن رسول الله يهجر (3) .
  وفي رواية رابعة للبخاري : أن النبي قال : ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده ، قال عمر بن الخطاب : إن النبي غلبة الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا !! فاختلفوا وأكثروا اللغط .
  قال النبي : قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع (4).
  رواية بلفظ خامس للبخاري : قال النبي : ائتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع ، فقالوا : ما شأنه أهجر ؟ استفهموه ... فذهبوا يرددون عليه ، فقال : دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه (5) .

--------------------
(1) صحيح بخاري ـ كتاب المرضى باب قول المريض : قوموا عني ج 7 ص 9 وراجع صحيح مسلم في آخر كتاب الوصية ج 5 ص 75 وصحيح مسلم بشرح النووي ج 11 ص 95 ومسند الإمام أحمد ج 4 ص356 ح2992 وشرح النهج لابن أبي الحديد ج 6 ص 51 .
(2) راجع صحيح بخاري ج 4 ص 31 وصحيح مسلم ج 3 ص 16 ومسند الإمام أحمد ج 1 ص 222 و ج 3 ص 286 .
(3) راجع صحيح مسلم ج 2 ص 16 وج 11 ص 94 ـ 95 بشرح النووي ومسند الإمام أحمد ج 1 ص 355 وتاريخ الطبري ج 2 ص 193 والكامل لابن الاثير ص 320 .
(4) راجع صحيح بخاري ج 1 ص 37 .
(5) راجع صحيح بخاري ج 5 ص 137 وتاريخ الطبري ج 3 ص 192 ـ 193 .

تدوين القرآن ـ 31 ـ
  رواية بلفظ سادس للبخاري : قال النبي : ائتوني بكتف أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً ، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا : ما له أهجر ، إستفهموه ، فقال النبي ذروني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه (1) .
  رواية بلفظ سابع للبخاري : قال النبي : هلم أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده ، قال عمر: إن النبي غلبه الوجع وعندكم القرآن فحسبنا كتاب الله ، واختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول : قربوا يكتب لكم رسول الله كتاباً لن تضلوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلما أكثروا اللغط والإختلاف عند النبي قال : قوموا عني (2) .
  وفي رواية أن عمر بن الخطاب قال : إن النبي يهجر ... (3) وقد اعترف الفاروق أنه صد النبي عن كتابة الكتاب حتى لا يجعل الأمر لعلي (4) .
  تحليل المواجهة : أطراف المواجهة : الطرف الأول ، هو محمد رسول الله وخاتم النبيين وإمام الدولة الإسلامية ( رئيسها ) .
  الطرف الثاني ، هو عمر بن الخطاب أحد كبار الصحابة ووزير من أبرز وزراء دولة النبي ، والخليفة الثاني من خلفاء النبي فيما بعد .
  مكان المواجهة : بيت النبي .
  شهود المواجهة : كبار الصحابة رضوان الله عليهم .
  النتائج الأولية للمواجهة :
  1 ـ الإنقسام ، إن الحاضرين قد انقسموا الى قسمين :
  القسم الأول : يؤيد الفاروق فيما ذهب إليه من الحيلولة بين الرسول وبين كتابة ما يريد ، وحجة هذا الفريق أن الفاروق من كبار الصحابة وأحد وزراء النبي ومشفق على الإسلام ، وأن النبي مريض وبالتالي فلا داعي لإزعاجه بكتابة هذا الكتاب ، ثم إن القرآن وحده يكفي ، فهو التأمين ضد الضلالة ، ولا داعي لأي كتاب آخر يكتبه النبي.
  القسم الثاني : يرفض المواجهة أصلاً بين التابع والمتبوع ، وبين نبي ومصدق به ، وبين رسول يتلقى تعليماته من الله ، وبين مجتهد يعمل بما يوحيه له اجتهاده ، وبين رئيس دولة ونبي بنفس الوقت وبين واحد من وزرائه ، ويرى هذا القسم أن تتاح الفرصة للنبي ليقول ما يريد ، ولكتابة ما يريد لأنه نبي وما زال نبياً حتى يتوفاه الله ، ولأنه رئيس الدولة وما زال رئيساً للدولة حتى يتوفاه الله ويحل رئيس آخر محله ، ثم على الأقل لأنه مسلم يتمتع بالحرية كما يتمتع بها غيره ، ومن حقه أن يقول ما يشاء وأن يكتب ما يشاء ، ثم إن الأحداث والمواجهة تجري في بيته ، فهو صاحب البيت، ومن حق أي إنسان أن يقول ما يشاء في بيته .
  2 ـ بروز قوة هائلة جديدة : برز الفاروق كقوة جديدة هائلة استطاعت أن تحول بين النبي وبين كتابة ما يريد ، واستطاعت أن تستقطب لرأيها عدداً كبيراً من المؤيدين بمواجهة مع النبي نفسه وبحضور النبي نفسه ! ) انتهى .

--------------------
(1) صحيح بخاري ج 2 ص 132 وج 4 ص 65 ـ 66 .
(2) صحيح بخاري ج 8 ص 161 .
(3) راجع تذكرة الخواص للسبط الجوزي الحنفي ص 62 وسر العالمين وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي ص 21 .
(4) راجع شرح نهج البلاغة لعلامة المعتزلة ابن أبي الحديد ج 3 ص 114 طبعة أولى مصر وأوفست بيروت و ج 12 ص 79 سطر 3 بتحقيق محمد أبوالفضل وج 3 ص 803 دار مكتبة الحياة وج 3 ص 167 دار الفكر ) انتهى .

تدوين القرآن ـ 32 ـ
نتائج المواجهة على القرآن
  الذي يخص بحثنا من هذه المواجهة الصاخبة ـ على حد تعبير الباحث الأردني ـ أن الخليفة عمر نجح بمساعدة أكثر الصحابة الحاضرين أن يحقق هدفين ضخمين حول القرآن والسنة :
  الأول : أن القرآن هو المصدر الرسمي للإسلام فقط ، والسنة ليست مصدراً الى جنب القرآن وفي مستواه ، بل هي مصدر انتقائي يختار منه عمر ورؤساء قريش ما يناسب ، ويتركون ما لا يناسب ، أو يمنعون صدوره !
  الثاني : أن عمر الزعيم المقبول من كافة قبائل قريش ـ ما عدا بني هاشم ـ هو المفسر الرسمي للقرآن ، وله الحق أن يمنع النبي(ص) من كتابة وصيته التي قد تلزم المسلمين بمفسر رسمي من بني هاشم !
  وقد اضطر الخليفة عمر من أجل تحقيق هذين الهدفين الضخمين ، وفي تلك اللحظات الحاسمة من حياة النبي (ص) ... أن يستعمل الغلظة والشدة ، ويجابه نبيه بقرار أكثرية الصحابة ويقول له بصراحة : أيها الرسول ، لا حاجة بنا الى وصيتك ، فالقرآن كاف شاف ، ولا نحتاج أن تنصب له مفسراً من بني هاشم لأن تفسيره من حقنا نحن ! لقد قبلنا نبوتك والقرآن الذي أنزله الله عليك ، ولكن قريشاً تشاورت فيما بينها وقررت أن لا يستأثر بنو هاشم بالنبوة والخلافة فلا يبقى لقبائل قريش شئ ! وبما أن الوصية التي تريد أن تكتبها لا تنسجم مع هذا القرار ، فليس فيها إلا الضرر علينا من بعدك ، فنشكرك أيها الرسول ، فإنا لا نخاف على أنفسنا الضلال من بعدك حتى تؤمننا منه !!
  وقد قلتُ للحاضرين بلسان قريش : لا تقربوا له شيئاً ، لا دواة وقرطاساً ، فخير لك أن تصرف النظر عن كتابة الوصية ، وإلا فإني سأشهد الحاضرين عليك بأنك تهجر وأن كلامك لم يعد وحياً ، بل هذيان !!
  تطبيق الخليفة عمر للهدفين اللذين واجه بهما النبي !
  والمتأمل في سيرة الخليفة عمر يجد أن عمله طوال خلافة أبي بكر وخلافته كان على أساس نظرية أن ( القرآن هو المصدر الوحيد ، والخليفة هو المفسر الوحيد ) !
  ولئن اضطر الى أن يجرح شعور النبي في بيته وهو يودع أمته ، ويعلن ذلك بصراحة ، فهو ليس مضطراً الى ذلك بعد وفاة النبي ، بل يمكنه أن يحفظ حرمة النبي (ص) ، ويطبق هدفيه الكبيرين بأسلوبه الخاص الذي يسميه معاريض الكلام فيقول عنه ( لا يسرني أن لي بما أعلم من معاريض القول مثل أهلي ومالي ) كنز العمال ج 3 ص 875 ، وسنن البيهقي ج 10 ـ 199 .

تدوين القرآن ـ 33 ـ
  ثم بإمكانه بعد أن صار خليفة أن يجسد ذلك في مواقف وقرارات جريئة مبررة ، لضبط مسألة القرآن والسنة ... ! وتتلخص مواقف الخليفة عمر وقراراته بشأن القرآن مباشرة ، باثني عشر موقفاً وقراراً :
  1 ـ رفض نسخة القرآن التي عند علي(ع) .
  2 ـ إخضاع علي وفاطمة وأنصارهما للسلطة ولو بالقوة ، ومنعهما من أي تأثير على الناس حتى في تعليم القرآن ورواية السنة .
  3 ـ تكذيب أن علياً أو أحداً من الصحابة عنده القرآن كله أو تفسيره من النبي ، بل القرآن موزع عند الصحابة ، وجمعه والمصادقة على نسخته من حق الخليفة فقط !
  4 ـ النسخة التي بأيدي الصحابة ، والتي جمعها عثمان ـ النسخة التي بأيدينا اليوم ـ هي برأي عمر جزء قليل من القرآن ، لا يبلغ ثلث القرآن الذي أنزله الله تعالى ! فقد ضاع أكثر من ثلثيه بعد النبي ، وتدارك الخليفة عمر الأمر فجمع ما بقي منه ولم ينشره حتى يكتمل ويحين موعد نشره !
  5 ـ النسخة التي بأيدي الصحابة هي برأي الخليفة صحيحة لا زيادة فيها ، فكلها قرآن نزل من عند الله تعالى ، ما عدا سورتي المعوذتين وبعض الآيات ، فإن في نفس الخليفة منها شيئاً ، وعنده حولها استفهاماً !
  6 ـ يوجد عدد من آيات القرآن لم يكتبها الناس في القرآن ، وقد أمر الخليفة أن يكتب بعضها في القرآن واحتاط في بعضها وقال : لولا أن يقول المسلمون إن عمر زاد في كتاب الله لأمرت بوضعها فيه !
  7 ـ القرآن نزل بألفاظ قريش ، فيجب أن يقرأ بلهجة قريش ، ولا يجوز أن يقرأ بلهجة هذيل أو تميم ، أو غيرهما من لهجات قبائل العرب .
  8 ـ القرآن فيه سعة للهجات العرب ، وهو معنى قول النبي (ص) نزل القرآن على سبعة أحرف فقراءته بهذه اللهجات قراءة شرعية ، ولكن الخليفة يأمر بقراءته بلهجة قريش ، أما القول بأن القرآن نزل على حرف واحد من عند الواحد ، فهو خطأ.
  9 ـ نص القرآن فيه مرونة تتسع لأكثر من الأحرف السبعة ولهجات العرب ، فيجوز قراءته بالمعنى بأي كلام عربي أو غير عربي ، بشرط أن لا تغير المغفرة منه الى عذاب والعذاب الى مغفرة ، وكل قراءة يقرأ بها القرآن بهذا الشرط تكون شرعية منزلة من عند الله الواحد الأحد ، بشرط أن يمضيها الخليفة !
  10 ـ تحاشياً لإحراج المفسر الرسمي للقرآن ، تقرر إغلاق كل أنواع البحث في القرآن ، ومعاقبة كل من يسأل عن شئ منه ، أو يبحث في آياته .
  11 ـ نظراً لخطورة موقع القُرَّاء وتعلق الناس بهم والتفافهم حولهم ، فإن كثرتهم تجعلهم مراكز قوى ... لذلك يجب تقليل قُرَّاء القرآن الى أقل حد ممكن .
  12 ـ يعمل القضاة بفهمهم للقرآن إذا لم يتعارض مع فهم الخليفة ... ثم بما أفتى به الخليفة والصحابة المرضيون عنده ... ثم يجوز للقاضي أن يعمل بظنه ... وإذا أخر القضية حتى يأخذ فيها رأي الخليفة فهو أفضل !

تدوين القرآن ـ 34 ـ
  كماتتلخص مواقف الخليفة وقراراته بشأن السنة بخمسة قرارات ومواقف :
  1 ـ مَنْع رواية سنة النبي منعاً باتاً ، تحت طائلة العقوبة ، وقد عاقب الخليفة عمر عدداً من الصحابة على مجرد رواية الحديث عن النبي ، بالضرب والسجن ، وبقي عدد منهم في سجنه الى أن مات !
  2 ـ مَنْع تدوين سنة النبي منعاً باتاً ، وهو قرار اتخذه الخليفة عمر مع زعماء قريش من زمن النبي (ص) ، عندما رأوا بعض الغرباء وبعض شباب قريش يكتبون كل ما يقوله النبي !
  وفي خلافة أبي بكر جَمَعَ أبوبكر المكتوب من السنة وأحرقه ! ثم جمع عمر في خلافته المكتوب من السنة وأحرقه ! وأصدر مرسوماً خلافياً وبعث به الى الأمصار بإحراق المكتوب من السنة أو إتلافه !!
  3 ـ رفض الخليفة كتاب علي ( الجامعة ) الذي يزعم أنه بإملاء النبي ، وأن فيه كل ما يحتاج إليه الناس حتى أرش الخدش ، بل كذَّب وجود مثل هذا الكتاب ، فالنبي لم يخص علياً ولا أحداً من أهل بيته بشئ من العلم ... ولم يترك علماً غير القرآن .
  4 ـ انتقى الخليفة مجموعة من روايات سيرة النبي وأحداثها من وجهة نظره ، وعمل على تعليمها للأمة على أنها السنة والسيرة الصحيحة دون غيرها!
  5 ـ رفع الخليفة شعار ( سنة النبي ) التي رفضها بالأمس ، وعدَّل شعار ( حسبنا كتاب الله ) الى شعار ( حسبنا كتاب الله وسنة نبيه ) أي كتاب الله كما يفهمه الخليفة عمر ، وسنة رسوله التي يرويها أو يمضيها !
  وهناك قراران آخران يتصلان بالقرآن أيضاً ، لأنهما قراران ثقافيان واسعا التأثير على الأمة ، وهما :
  1 ـ قرار الخليفة الإنفتاح على الثقافة اليهودية والمسيحية .
  2 ـ اهتمام الخليفة بالشعر الجاهلي وأمره بتعلمه وكتابته .
  وبما أن إخواننا السنة يرون أن أعمال الخليفة عمر وأقواله حجة شرعية ، كأعمال النبي وأقواله (ص) ، لذا نستعرض في الفصول التالية توثيق هذه المواقف والقرارات .

تدوين القرآن ـ 35 ـ
الفصل الرابع : نقص القرآن وزيادته في رأي الخليفة
  ضاع من القرآن أكثره برأي الخليفة !
  قال السيوطي في الدر المنثور ج 6 ص 422 ( وأخرج ابن مردويه عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : القرآن ألف ألف حرف وسبعة وعشرون ألف حرف ، فمن قرأه صابراً محتسباً فله بكل حرف زوجة من الحور العين ، قال بعض العلماء هذا العدد باعتبار ما كان قرآناً ونسخ رسمه ، وإلا فالموجود الآن لا يبلغ هذه العدة ) .
  ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج 7 ص 163 وقال ( رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه محمد بن عبيد بن آدم بن أبي إياس ، ذكره الذهبي في الميزان لهذا الحديث ، ولم أجد لغيره في ذلك كلاماً ، وبقية رجاله ثقات ) .
  ورواه في كنز العمال ج 1 ص 517 ورمز له ( ط ص ، عن عمر ) ورواه في ج 1 ص 541 ورمز له ( طس ، وابن مردويه وابونصر السجزي في الإبانة عن عمر ، قال أبو نصر : غريب الإسناد والمتن ، وفيه زيادة على ما بين اللوحين ، ويمكن حمله على ما نسخ منه تلاوة مع المثبت بين اللوحين اليوم ) انتهى .
  ومن المعروف أن عدد حروف القرآن ثلاث مئة ألف حرف وكسراً ، وهي لا تبلغ ثلث العدد الذي قاله عمر في الرواية ، فيكون مقصود الخليفة ضياع أكثر من ثلثي القرآن بعد النبي (ص) ! ولا يمكن قبول رواية السيوطي بأن ما نسخ من القرآن أكثر من الثلثين !!
  وقال ابن حجر في لسان الميزان ج 5 ص 276 ( عبيد بن آدم بن أبي أياس العسقلاني : تفرد بخبر باطل ، قال الطبراني : حدثنا محمد بن عبيد ، قال حدثنا أبي ، عن جدي ، عن حفص بن ميسرة ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : القرآن ألف ألف حرف وسبعة وعشرون ألف حرف ، فمن قرأه صابراً محتسباً كان له بكل حرف زوجة من الحور العين ، قال الطبراني في معجمه الأوسط : لا يروى عن عمر إلا بهذا الإسناد ) انتهى .
  ولكن قول ابن حجر إن الحديث باطل ليس له مستند علمي ، بعد أن مال الهيثمي الى توثيقه وقال إن محمد بن عبيد من شيوخ الطبراني ، وبقية رجال السند ثقاة ... وبعد أن كثرت مؤيداته وهي الأحاديث التي يقول فيها الخليفة ( فقد فيما فقدنا من القرآن ... . أسقط فيما أسقط ... قرآن كثير ذهب مع محمد ! ... رفع فيما رفع ) .
  قال السيوطي في الدر المنثور ج 5 ص 179 ( وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن ابن عباس قال : أمر عمر بن الخطاب مناديه فنادى إن الصلاة جامعة ، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : يا أيها الناس لا تجزعن من آية الرجم ، فإنها آية نزلت في كتاب الله وقرأناها ، ولكنها ذهبت في قرآن كثير ذهب مع محمد ... ) .
  وقال في كنز العمال ج 2 ص 567 ( من مسند عمر رضي الله عنه ، عن المسور بن مخرمة قال قال عمر لعبدالرحمن بن عوف : ألم نجد فيما أنزل علينا أن جاهدوا كما جاهدتم أول مرة ؟ فإنا لم نجدها ، قال : أسقط فيما أسقط من القرآن ) ، وقال في رواية أخرى : ... فرفع فيما رفع !
  وفي ج 6 ص 208 ( عن عدي بن عدي بن عميرة بن فروة ، عن أبيه ، عن جده أن عمر بن الخطاب قال لأبيّ : أو ليس كنا نقرأ من كتاب الله أن انتفاءكم من آبائكم كفر بكم ؟ فقال بلى ، ثم قال : أو ليس كنا نقرأ الولد للفراش وللعاهر الحجر، فُقِدَ فيما فَقَدْنَا من كتاب الله ؟ قال : بلى ! ) انتهى .

تدوين القرآن ـ 36 ـ
  سور ضاعت ، وسور مبتكرة ، وسور يجب حذفها !
  سورة الأحزاب ، ضاع منها أكثر من 200 آية !
  روى في كنز العمال ج 2 ص480 ( من مسند عمر رضي الله عنه ، عن حذيفة قال قال لي عمر بن الخطاب : كم تعدون سورة الأحزاب ؟ قلت ثنتين أو ثلاثاً وسبعين ، قال : إن كانت لتقارب سورة البقرة ، وإن كان فيها لآية الرجم ـ ابن مروديه ) .
  وروى نحوه أحمد في مسنده ج 5 ص 132 ، ولكن عن أبي بن كعب .
  وكذا الحاكم في المستدرك ج 2 ص 415 ، وج 4 ص 359 وقال في الموردين ( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ) ، ورواه البيهقي في سننه ج 8 ص 211 كما في رواية الحاكم الثانية .
  وروى في كنز العمال ج 2 ص 567 ( عن زر قال قال لي أبيُّ بن كعب : يا زر كأين تقرأ سورة الأحزاب ؟ قلت ثلاثاً وسبعين آية ، قال : إن كانت لتضاهي سورة البقرة ، أو هي أطول من سورة البقرة ، وإن كنا لنقرأ فيها آية الرجم ، وفي لفظ : وإن في آخرها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم ، فرفع فيما رفع ( عب ط ص عم ، وابن منيع ن ، وابن جرير وابن المنذر ، وابن الأنبارى في المصاحف ، قط في الإفراد ، ك وابن مردويه ، ص ) .
  ورواه السيوطي في الدر المنثور ج 5 ص 180 ، ثم قال ( وأخرج ابن الضريس عن عكرمة قال : كانت سورة الأحزاب مثل سورة البقرة أو أطول ، وكان فيها آية الرجم ) انتهى .
  وبما أن سورة البقرة 286 آية ، فيكون الناقص من سورة الأحزاب حسب هذه الرواية أكثر من 200 آية !!
  سورة براءة ضاع أكثرها ...!!
  قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج 5 ص 302 : ( وعن أبي موسى الأشعري قال نزلت سورة نحواً من براءة فرفعت فحفظت منها إن الله ليؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم ـ فذكر الحديث ، رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير علي بن زيد وفيه ضعف ، ويحسن حديثه لهذه الشواهد ) .
  وقال في ج 7 ص 28 : ( عن حذيفة قال تسمون سورة التوبة هي سورة العذاب وما تقرؤون منها مما كنا نقرأ إلا ربعها . رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات ) .
  وقال الحاكم في المستدرك ج 2 ص 330 : ( ... عن الأعمش عن عبدالله بن مرة عن عبدالله بن سلمة عن حذيفة رضي الله عنه قال ما تقرؤون ربعها يعني براءة وإنكم تسمونها سورة التوبة وهي سورة العذاب هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ) .

تدوين القرآن ـ 37 ـ
  وقال السيوطي في الدر المنثور ج 1 ص 105 : ( وأخرج أبوعبيد في فضائله وابن الضريس عن أبي موسى الأشعري قال نزلت سورة شديدة نحو براءة في الشدة ثم رفعت وحفظت منها أن الله سيؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم ! ) .
  وقال في ج 3 ص 208 : ( وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني في الأوسط وأبوالشيخ والحاكم وابن مردويه عن حذيفة رضي الله عنه قال التي تسمون سورة التوبة هي سورة العذاب والله ما تركت أحداً إلا نالت منه ولا تقرؤون منها مما كنا نقرأ إلا ربعها !! ) انتهى .
  والظاهر أن أصل ادعاء هذه السورة من أبي موسى الأشعري ، وأن آيات وادي التراب المزعومة منسوبة إليها ! وأما آية أبي موسى عن تأييد الدين بالفجار فقد يكون هدفها تبرير إعطاء مناصب الدولة الى المنافقين والفساق !!
  ولابد أن تكون هذه السورة المزعومة موجودة في مصحف أبي موسى الذي صادره منه حذيفة بأمر الخليفة عثمان وكان أبو موسى يترجاه أن يترك له الإضافات ولا يمحوها ، وسيأتي ذكره في بحث جمع القرآن !
  وهذا يضعف رواية نقص سورة براءة عن حذيفة ، وإن صحت عنه فقد يكون قال : إنكم لا تقرؤونها حق قراءتها ، فحرف الرواة كلامه ... لأن حذيفة كان يحذر من المنافقين الذين كشفتهم السورة وحذرت منهم !!
  سورتا الخلع والحفد المزعومتان !
  من أعجب ما تجد في مصادر إخواننا السنة قصة ( سورتي ) الخلع والحفد ... !
  وقد ربطتهما الروايات الصحيحة بالخليفة عمر ، حيث كان يقرؤهما في صلاته على أنهما سورتان من القرآن ، أو دعاء في القنوت ! وذكرت المصادر أنهما كتبتا في مصاحف عدد من الصحابة المقربين من الخليفة عمر ، والمتتبع لمسألة الكتابة في المصاحف يعرف أن أحداً من أصحاب المصاحف لم يكن يجرأ أن يكتب سورة في مصحفه إلا بأمر عمر ورأيه ... ! ويشعر أن الذي أعطى السورتين ( الشرعية ) هو عمر بقراءته لهما في صلاته ... وأن بعض الصحابة الذين كانوا يؤكدون على أنهما سورتان من القرآن ، كانوا يتقربون بذلك الى الخليفة !!
  وقد روى الرواة قصتهما ، وأحياناً بشئ من الخجل ، ولكن بدون توجيه أي اتهام أو حتى استفهام الى الخليفة الذي كان يقرؤهما دائماً في صلاته ، أو الى الذين كتبوهما في مصاحفهم من جماعته !
  ولو أن أحداً غير الخليفة وجماعته روى سورة غير موجودة في القرآن ، أو قرأها في إمامته في الصلاة ، لكان للرواة أصحاب الغيرة على القرآن كلام آخر معه ، وحساب آخر ، ولكنه الخليفة عمر !

تدوين القرآن ـ 38 ـ
  ويتوقف فهم قصة ( سورتي ) الخلع والحفد أو سورتي الخليفة عمر ، على معرفة قصة قنوت النبي (ص) ودعائه في قنوته على أئمة الكفر وقادة الأحزاب ، الذين هم بالدرجة الأولى زعماء قريش ، ثم على بقية أعداء الله ورسوله من المشركين والمنافقين ... لذلك نحن مضطرون الى بحث القنوت في فقه الشيعة والسنة ... ليتضح أمر السورتين المزعومتين .
  قصة تغييب القنوت من صلاة إخواننا السنة لتضمنه الدعاء على المشركين والمنافقين من المعروف في سيرة النبي (ص) أنه كان يقنت في صلاته ، أي يرفع يديه أثناء الصلاة ويدعو الله تعالى ... وقد يدعو على أعداء الله ورسوله من المشركين والمنافقين ، وقد يلعنهم ويسميهم بأسمائهم ...!
  ومن الطبيعي أن ذلك كان ثقيلاً عليهم ، خاصة على رؤساء قريش ...!
  وتذكر روايات السيرة أن الله تعالى استجاب دعاء رسوله (ص) ، وأنزل بقريش ضائقة اقتصادية ألقت بثقلها على مكة ، حتى أكلوا العلهز أو العلهس الذي كانوا يضطرون لأكله أحياناً في الجاهلية ، وهو وبر الجمال يخلطونه بالدم ويشوونه ويأكلونه !!
  ولكنهم مع ذلك لم يؤمنوا بالنبي (ص) ... اللهم إلا بعد أن نزل بساحتهم مباغتة في عشرة آلاف مقاتل من المسلمين ، فاضطروا الى التسليم وإلقاء السلاح ، فجمعهم النبي في المسجد الحرام وخيرهم بين الإسلام والقتل ، فأسلموا تحت السيف أو استسلموا ، فعفا عنهم وسماهم الطلقاء ... وبعد أسبوع أخذهم معه كجزء من جيشه الى حرب هوازن في حنين ! ومع أنهم انهزموا في أول المعركة ... إلا أن النبي أكرمهم مادياً وأعطاهم أكثر غنائم حنين !
  وهكذا انحلت بفتح مكة أزمة قريش الإقتصادية ، كما انحلت مشكلة لعن النبي إياهم بأسمائهم ، وإن بقيت ذكراها تاريخاً يطاردهم وعقدة تتراءى لهم !
  وعين النبي حاكماً على مكة ، وأطمع شخصيات قريش بأنهم يستطيعون أن يأخذوا مواقع قيادية في دولة الإسلام ، فهاجر قليل منهم الى المدينة ، وبقي أكثرهم في مكة ، وبدؤوا ينسون مرارة الهزيمة بحلاوة الطمع ، لولا أن النبي (ص) واصل دعاءه على المنافقين والمشركين عامة ولعنهم ، لكن بدون تسمية !!
  وطال أمر مشكلة القنوت واللعن نحو سنتين بعد فتح مكة الى وفاة النبي (ص) ... كان لله تعالى ولرسوله خلالها مع المنافقين آيات وقرارات ، بلغت أوجها في سورة براءة التي سموها السورة الفاضحة ، لأنها فضحت نواياهم وأفكارهم ونفذت الى أعماقهم ، ورسمت صوراً لمجموعاتهم وأشخاصهم ... فلم يبق إلا إعلان أسمائهم !!
  محاولات عمر وقريش لحل مشكلة الملعونين على لسان النبي !
  بعد وفاة النبي (ص) قام محبوا قريش والمنافقين بأعمال مبتكرة لمعالجة مشكلة الملعونين على لسان النبي ، تتلخص في الأعمال السبعة التالية : العمل الأول : وضعوا أحاديث مفادها أن النبي (ص) قد اعترف بخطئه في لعن الذين لعنهم ودعا عليهم ، لأنه بشر ! فدفع كفارة خطئة بأن دعا الله تعالى أن يجعل لعنته على من لعنه أو سبه أو آذاه ( صلاة وقربة ، زكاة وأجراً ، زكاة ورحمة ، كفارة له يوم القيامة ، صلاة وزكاة وقربة تقربه بها يوم القيامة ، مغفرة وعافية وكذا وكذا ... بركة ورحمة ومغفرة وصلاة ، فإنهم أهلي وأنا لهم ناصح ) على حد تعبير الروايات !

تدوين القرآن ـ 39 ـ
  فقد روى البخاري في صحيحه ج 7 ص 157 ( عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم فأيما مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة اليك يوم القيامة ) ، وروى مسلم في صحيحه ج 8 ص 26 عن أبي هريرة أيضاً ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر، وإني قد اتخذت عندك عهداً لن تخلفنيه ، فأيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته فاجعلها له كفارة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة ) .
  وروى مسلم سبع روايات أخرى من هذا النوع . وروت ذلك أغلب مصادر إخواننا مثل : مسند أحمد ج 2 ص 390 وص 488 و ص 496 و ج 3 ص 384 وج 5 ص 437 و ص 439 وج 6 ص 45 وسنن الدارمي ج 2 ص 314 وسنن البيهقي ج 7 ص 60 وكنز العمال ج 3 ص 609 ... في عشرات الروايات التي تصور النبي (ص) جالساً على كرسي الإعتراف بأنه سَبَّابٌ لَعَّانٌ فَحَّاش ، مؤذٍ للناس يضربهم بالسوط ويهينهم ! ولذا فهو يعلن توبته ويدعو لمن ظلمهم وأساء إليهم من الفراعنة والأبالسة ، بهذا الخير الطويل العريض !!
  وقد حيَّرت هذا الروايات بعض الفقهاء مثل البيهقي ... لأن لعن الذين لعنهم النبي(ص) مادام بأمر الله تعالى فهو طاعة وليس معصية ، لأن الطرد من رحمة الله تعالى إنما هو جزاء من الله ورسوله تابع لقوانين عادلة يتحمل مسؤوليتها الملعون نفسه ، فلا يحتاج لعنه الى توبة ... كما لا يجوز الدعاء له بالخير والبركة والرحمة ... وقد نصت بعض روايات اللعن والدعاء على أن النبي (ص) قال والله ما أنا قلته ولكن الله قاله كما في مسند أحمد ج 4 ص 48 و ص 57 وص 420 و ص 424 ومجمع الزوائد ج 10 ص 46 وكنز العمال ج 12 ص 68 ومستدرك الحاكم ج 4 ص 82 .
  أما إذا كان اللعن بسبب غضب وخطأ بشري كما تقول الروايات ، فهو معصية كبيرة توجب خروج صاحبها عن العدالة ، بل تجعله هو ملعوناً ! فقد نصت على ذلك روايات رواها إخواننا السنة أيضاً ... منها أن لعن المؤمن كقتله ، ومنها إن اللعنة إذا خرجت من في صاحبها نظرت فإن وجدت مسلكاً في الذي وجهت إليه ، وإلا عادت الى الذي خرجت منه ، وقد عقدت بعض مصادر الحديث عندهم باباً لروايات النهي عن اللعن وتحريمه ، كما في كنز العمال ج 3 ص 614 و 616 وغيره .
  ولكن البيهقي استطاع أن يجد حلاً يحفظ كرامة نبيه كما حفظت هذه الروايات كرامة الملعونين ! قال في سننه ج 7 ص 60 ( باب ما يستدل به على أنه جعل سبه للمسلمين رحمة وفي ذلك كالدليل على أنه له مباح ) انتهى ! يعني أن اعتراف النبي بأنه لعن أناساً بغير حق ، أو دعا عليهم بغير حق ، أمر ثابت ، ولا يمكن انسجامه مع عصمة النبي (ص) إلا بالقول بأن الله قد أحل لنبيه هذه المحرمات ... وأطلق لسان نبيه ويده في أعراض المسلمين !! وبقيت على أمته حراماً !!
  لقد قدم البيهقي حلاً للجانب الفقهي من المسألة ... ولكن لم يقدم هو ولا غيره حلاً لمحذورها الأخلاقي ، الذي يدعي أن النبي (ص) قد ارتكب مثل هذا السلوك السئ ، الذي لا يليق بشخص عادي من أسرة عادية مؤدبة !! بل ولم يقدم حلاً للمحذور الأخلاقي بالنسبة الى الله سبحانه وتعالى الذي أحل لنبيه هذا السلوك !!
  ولكن إخواننا السنة يجدون أنفسهم مضطرين الى نسبة هذا النقص الأخلاقي الى النبي (ص) ! لأنه الضريبة الوحيدة لتبرئة من يحبونهم من الملعونين على لسانه !
  والعمل الثاني : من أعمال معالجة اللعن ، أحاديث أكثر جرأة على مقام النبي (ص) لأنها تصرح بأن النبي قد أخطأ وأساء الأدب في لعنه من لعن ! فبعث الله تعالى إليه جبرئيل فوبخه وقال له : إن الله يقول لك إني لم أبعثك سبَّاباً ! بل بعثتك رحمة للعالمين ، والقرشيون قومك وأهلك أولى بالرحمة الإلهية ، فلماذا تسبهم وتلعنهم ؟ ! وعلمه دعاء عاماً يقوله في قنوته ليس فيه ما يمس قريش ! وكان ذلك الدعاء ( سورتي ) الخلع والحفد العمريتين !!
  فـ ( السورتان ) عند أصحابهما نسخة إلهية بدل دعاء اللعن والسب غير المناسب الذي كان يتلوه النبي(ص) في قنوت صلاته ... وعند الباحث نسخة موضوعة لمصلحة زعماء قريش والمنافقين بدل الدعاء عليهم ولعنهم !

تدوين القرآن ـ 40 ـ
  قال البيهقي في سننه ج 2 ص 210 ( ... عن خالد بن أبي عمران قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على مضر ( يعني قريش ) إذ جاءه جبرئيل فأومأ اليه أن اسكت فسكت ، فقال : يا محمد إن الله لم يبعثك سَبَّاباً ولا لَعَّاناً ! وإنما بعثك رحمة ولم يبعثك عذاباً ، ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ، ثم علمه هذا القنوت : اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونخضع لك ونخلع ونترك من يكفرك ، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ونخشى عذابك ونخاف عذابك الجد ، إن عذابك بالكافرين ملحق ) ثم قال البيهقي ( هذا مرسل وقد روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيحاً موصولاً .
  عن عبيد بن عمير أنه عمر رضي الله عنه قنت بعد الركوع فقال : اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم وانصرهم على عدوك وعدوهم اللهم ألعن كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ويقاتلون أوليائك اللهم خالف بين كلمتهم وزلزل أقدامهم وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين .
  بسم الله الرحمن الرحيم ، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثنى عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك .
  بسم الله الرحمن الرحيم ، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد ولك نسعي ونحفد ونخشى عذابك الجد ونرجو رحمتك ، إن عذابك بالكافرين ملحق ، رواه أبو سعيد بن عبدالرحمن ابن أبزى عن أبيه عن عمر فخالف هذا في بعضه .
  عن سعيد بن عبدالرحمن بن أبزى عن أبيه قال صليت خلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلاة الصبح فسمعته يقول بعد القراءة قبل الركوع اللهم اياك نعبد ولك نصلى ونسجد وإليك نسعي ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكافرين ملحق ، اللهم انا نستعينك ونستغفرك ونثنى عليك الخير ولا نكفرك ونؤمن بك ونخضع لك ونخلع من يكفرك كذا قال قبل الركوع ، وهو إن كان اسناداً صحيحاً فمن روى عن عمر قنوته بعد الركوع أكثر ... ) انتهى !
  العمل الثالث : أحاديث تفسير قوله تعالى ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ـ آل عمران ـ 128 فإنك تجد العجب في تفسير إخواننا السنة لهذه الآية ... فالروايات فيها من كل حدب وصوب في رد أفكار النبي وآلامه من طغاة قريش وتخطئته في دعائه عليهم ولعنه إياهم ! وكأن أصحاب هذه الروايات وجدوا بغيتهم من القرآن ضد النبي (ص) لمصلحة مشركي قريش ومنافقيها ... قال الترمذي في ج 4 ص 295 ( ... عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد : اللهم العن أبا سفيان ، اللهم العن الحارث بن هشام ، اللهم العن صفوان بن أمية ، قال فنزلت ليس لك من الأمر شئ ، أو يتوب عليهم فتاب عليهم فأسلموا وحسن إسلامهم !! هذا حديث حسن غريب يستغرب من حديث عمر بن حمزة عن سالم ، وكذا رواه الزهري عن سالم عن أبيه .
  عن عبدالله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو على أربعة نفر فأنزل الله تبارك وتعالى ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون فهداهم الله للإسلام ! هذا حديث حسن غريب صحيح يستغرب من هذا الوجه من حديث نافع عن ابن عمر ، ورواه يحيى بن أيوب عن ابن عجلان ) انتهى .
  أما البخاري فقد عقد للآية أربعة أبواب ! روى فيها كلها أن الله تعالى رد دعاء نبيه على المشركين والمنافقين أو لعنه لهم ، ولم يسم البخاري الملعونين في أكثرها حفظاً على ( كرامتهم ) ! قال في ج 5 ص 35 : ( باب ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ، قال حميد وثابت عن أنس : شُجَّ النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقال كيف يفلح قوم شجوا نبيهم ؟ فنزلت : ليس لك من الأمر شئ .

تدوين القرآن ـ 41 ـ
  ... عن الزهري حدثني سالم عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة الأخيرة من الفجر يقول اللهم العن فلاناً وفلاناً وفلاناً بعد ما يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ، فأنزل الله عزوجل : ليس لك من الأمر شئ الى قوله فإنهم ظالمون ) .
  وقال في ص 171 : ( باب ليس لك من الأمر شئ ... سالم عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من الفجر يقول اللهم العن فلاناً وفلاناً بعد ما يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ، فأنزل الله ليس لك من الأمر شئ الى قوله فإنهم ظالمون ، رواه اسحق بن راشد عن الزهري ) .
  ثم أورد البخاري رواية أخرى تجعل فلاناً وفلاناً الملعونين أحياء من قبائل العرب وليسوا قادة من قريش !! قال : ... عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع فربما قال إذا قال سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد، اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة ، اللهم أشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسني يوسف ، يجهر بذلك ، وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر اللهم العن فلاناً وفلاناً لأحياء من العرب حتى أنزل الله : ليس لك من الأمر شئ ... الآية ) .
  وقال في ج 8 ص 155 : ( باب قول الله تعالى ليس لك من الأمر شئ ، عن ابن عمر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في صلاة الفجر رفع رأسه من الركوع قال اللهم ربنا ولك الحمد في الأخيرة ، ثم قال : اللهم العن فلاناً وفلاناً ، فأنزل الله عزوجل ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ) انتهى .
  والمرة الوحيدة التي سمى فيها البخاري بعض الملعونين رواية رواها عن ابن أبي سفيان ! ومن الطبيعي أن يحذف منها اسم أبيه !! قال في ج 5 ص 35 : ( وعن حنظلة بن أبي سفيان قال سمعت سالم بن عبدالله يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحرث بن هشام فنزلت : ليس لك من الأمر شئ الى قوله فإنهم ظالمون ! ) .
  وأورد في ج 7 ص 164 روايات يوهم تسلسلها أن الآية نزلت رداً على دعاء النبي على أبي جهل ، مع أن أبا جهل قتل في بدر والآية نزلت على أقل تقدير بعد بدر بسنة ! قال البخاري : ( باب الدعاء على المشركين ، وقال ابن مسعود قال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف وقال اللهم عليك بأبي جهل ، وقال ابن عمر دعا النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة اللهم العن فلاناً وفلاناً حتى أنزل الله عزوجل ليس لك من الأمر شئ ! ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قال سمع الله لمن حمده في الركعة الآخرة من صلاة العشاء قنت اللهم أنج عياش بن ربيعة اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج سلمة بن هشام اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين . اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها سنين كسني يوسف ) انتهى .
  والنتيجة من روايات البخاري فقط أن الآية نزلت عدة مرات ... من أجل أشخاص أو فئات متعددين ... وفي أوقات متفاوتة !! أما إذا جمعنا أسباب نزولها عند البخاري وغيره ، فقد تبلغ عشرين مناسبة متناقضة في الزمان والمكان والأشخاص الملعونين !! راجع سنن النسائي ج 2 ص 203 ومسند أحمد ج 2 ص 93 و 104 و 118 و 147 و 255 وسنن الدارمي ج 1 ص 374 وسنن البيهقي ج 2 ص 197 وكنز العمال ج 2 ص 379 والدر المنثور ج 2 ص 70 .

تدوين القرآن ـ 42 ـ
  ولكن مسلماً كان أقل تشدداً من البخاري فقد روى أن نهي الله لرسوله عن لعن قريش تأخر عدة سنوات ... وأن الآية نزلت بعد غزوة بئر معونة وشهادة قراء القرآن ... قال في ج 2 ص 134 : ... سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبدالرحمن بن عوف انهما سمعا أباهريرة يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة ويكبر ويرفع رأسه سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ثم يقول وهو قائم اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين .
  اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم كسني يوسف ، اللهم العن لحيان ورعلاً وذكوان وعصية عصت الله ورسوله ، ثم بلغنا انه ترك ذلك لما أنزل ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون .
  ثم برأ مسلم ذمته فقال وأروي رواية أخرى ليس فيها ذكر نزول الآية ... قال : ... عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم الى قوله واجعلها عليهم كسني يوسف ولم يذكر ما بعده !!
  عن أبي سلمة أن أبا هريرة حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركعة في الصلاة شهراً إذا قال سمع الله لمن حمده يقول في قنوته اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم نج سلمة ابن هشام اللهم نج عياش بن أبي ربيعة اللهم نج المستضعفين من المؤمنين ، اللهم اشدد وطأتك على مضر ، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف ، قال أبو هريرة ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الدعاء بعد ، فقلت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ترك الدعاء لهم ؟ قال فقيل وما تراهم قد قدموا ؟!
  ثم برأ مسلم ذمته مرة أخرى فقال : ... عن أبي سلمة أن أبا هريرة أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو يصلي العشاء إذ قال سمع الله لمن حمده ثم قال قبل أن يسجد : اللهم نج عياش بن أبي ربيعة ، ثم ذكر بمثل حديث الأوزاعي الى قوله كسني يوسف ولم يذكر ما بعده !!
  ثم روى مسلم رواية تنفى أن النبي ترك لعن الكفار من صلاته الى آخر حياته ! فقال : ( ... حدثنا أبو سلمة بن عبدالرحمن أنه سمع أبا هريرة يقول والله لأقربن بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان أبو هريرة يقنت في الظهر والعشاء الآخرة وصلاة الصبح ويدعو للمؤمنين ويلعن الكفار ) انتهى .
  العمل الرابع : الفتوى بالجنة للمنافقين !
  عندما تقرأ القرآن تجد فراعنة قريش والمنافقين وجوداً بارزاً خطيراً بشخصياتهم ومواقفهم وخططهم ضد النبي (ص) ودعوته ودولته وأمته ... لكن عندما تقرأ السيرة والحديث في مصادر إخواننا السنة تجد الصورة تخف ... وتصغر ... وتخفى ملامحها ... وأحياناً تغيب كلياً ... فتحتاج الى بحث وتنقيب لتعرف من هذا الشخص أو الجماعة الذين نزلت فيهم هذه الآية أو الآيات الكاسحة ... ! ومن هؤلاء الجهنميون الخبثاء الذين حذر الله تعالى منهم واعتبرهم مجرمين على مستوى الأمم والشعوب ... ؟! لقد اختفوا وغابوا ، كما غاب قنوت النبي بالدعاء عليهم ولعنهم !
  قد يقال إن النبي (ص) كان يعرفهم أو يعرف أكثرهم بما علمه الله تعالى ، فكانوا في عصره معروفين مميزين ... أما بعد وفاته وانقطاع الوحي فقد صار أمرهم الى الله تعالى ... ولكن لو سلمنا ذلك ، فإنا نسأل عن أولئك الذين كانوا مكشوفين في زمن النبي (ص) ، أين صاروا ، ولماذا اختفوا ... ؟! وأين غاب أبطال الكفر والنفاق في تاريخ البعثة والمرحلة المكية والمدنية وأحداث نزول القرآن ... ؟! ونسأل عن أسماء الذين كان يدعو عليهم النبي (ص) في صلاته طوال نبوته تقريباً ، وعن الذين ضاق بهم صدره الرحب ، ولم يسعهم حلم الله العظيم ، فكشفهم النبي وسماهم في المسجد واحداً واحداً وطرد بعضهم من مسجده ... وقال لآخرين منهم في أنفسهم قولاً بليغاً ؟ لقد اختفى أكثر تاريخ مشركي قريش ومنافقيها من المصادر ... ولعله لولا آيات القرآن القارعة الهادرة لكان اختفى كل تاريخهم ... !

تدوين القرآن ـ 43 ـ
  إنها ظاهرة ذات دلالة على وجود موقف مقصود مدروس في التغطية على تاريخ القرشيين أعداء الله ورسوله بالأمس ، والمنافقين اليوم ... لأنهم جميعاً صاروا من شخصيات مجتمع المدينة ، عاصمة الدولة الإسلامية الكبرى !!
  فقد صدر قرار قبول المنافقين واعتبارهم مسلمين من أهل الجنة ، وكتبوا تحته توقيع النبي (ص) ، فظهرت الروايات التي تشهد بذلك !
  ومن أجل عيون مشركي قريش ومنافقيها صدرت الفتاوي باستحقاق منافقي المدينة من غير قريش لدخول الجنة !!
  روى أحمد في مسنده ج 3 ص 135 قصة مالك بن الدخشم الذي كان رأس المنافقين بعد ابن أبي سلول فقال ( فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وأصحابه يتحدثون بينهم ، فجعلوا يذكرون ما يلقون من المنافقين فأسندوا أعظم ذلك الى مالك بن دخشم ، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ؟ فقال قائل بلى وما هو من قلبه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من شهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فلن تطعمه النار أو قال لن يدخل النار ) ونحوه في ج 5 ص 449 !!
  أما في ج 4 ص 44 فاكتفت الرواية بشهادة التوحيد فقط دون النبوة! قال ( ذكروا المنافقين وما يلقون من أذاهم وشرهم حتى صيروا أمرهم الى رجل منهم يقال له مالك بن الدخشم وقالوا : من حاله ومن حاله ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت ، فلما أكثروا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أليس يشهد أن لا إله إلا الله ؟ فلما كان في الثالثة قالوا إنه ليقوله ، قال : والذي بعثني بالحق لئن قالها صادقاً من قلبه لا تأكله النار أبداً ! قالوا فما فرحوا بشئ قط كفرحهم بما قال ! ) انتهى !
  إذن يكفي لضمان الجنة أن يشهد الشخص بالتوحيد ، ولا يضره أن يكون كافراً بالنبي (ص) ، أو منافقاً يكيد للإسلام ورسوله وأمته !
  وقد احتاط البخاري وغيره قليلاً في ضمان الجنة للمنافق ، فاشترطوا أن يشهد شهادة التوحيد يريد بها وجه الله تعالى ! ثم لا مانع بعد ذلك أن يكفر برسول الله ويقصد بأعماله وجه الشيطان ! فقد روى في صحيحه رواية ابن الدخشم وغيره في ج 2 ص 56 و ج 6 ص 202 وفيهما أن النبي (ص) قال ( فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) ورواه أحمد نحوه في مسنده ج 4 ص 44 !
  أما مسلم فلم يستعمل الإحتياط هنا بل روى في صحيحه ج 1 ص 122 كيفية نجاة المنافقين يوم القيامة ودخولهم الجنة ، يوم ( يتجسد ! ) الله سبحانه وتعالى و ( يضحك ! ) للمؤمنين والمنافقين ويمشي أمامهم ... الخ ! قال مسلم ( أخبرني أبوالزبير أنه سمع جابر بن عبدالله يسأل عن الورود فقال ... فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد الأول فالأول ، ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول من تنظرون ؟ فيقولون : ننظر ربنا ، فيقول أنا ربكم ، فيقولون حتى ننظر إليك ، فيتجلى لهم يضحك ! قال فينطلق بهم ويتبعونه ويعطي كل إنسان منهم منافق أو مؤمن نوراً ، ثم يتبعونه وعلى جسر جهنم كلاليب وحسك تأخذ من شاء الله ، ثم يطفأ نور المنافقين ، ثم ينجو المؤمنون فتنجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفاً لا يحاسبون ، ثم الذين يلونهم كأضوأ نجم في السماء ، ثم كذلك ، ثم تحل الشفاعة ويشفعون حتى يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة ، فيجعلون بفناء الجنة ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتوا نبات الشئ في السيل ويذهب حراقه ، ثم يسأل حتى تجعل له الدنيا وعشرة أمثالها معها ) انتهى .
  ومع أن هذه الأحاديث شملت المنافقين من أهل المدينة ، لكن المقصود بها بالأساس مشركوا قريش ومنافقوها ... فقد أكد الخليفة عمر أن الظالم من قريش مغفور له ويدخل الجنة ! روى الذهبي في ميزان الإعتدال ج 3 ص 355 ( عن أبي عثمان النهدي ، سمعت عمر ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سابقنا سابق ، ومقتصدنا ناج ، وظالمنا مغفور له ! ) وهو يقصد بذلك قريشاً .

تدوين القرآن ـ 44 ـ
  وقال السيوطي في الدر المنثور ج 5 ص 251 ( وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر والبيهقي في البعث عن عمر بن الخطاب انه كان إذا نزع بهذه الآية ( ثم أورثنا الكتاب ... ) قال : ألا أن سابقنا سابق ، ومقتصدنا ناج ، وظالمنا مغفور له !!
  وأخرج العقيلي وابن لال وابن مردويه والبيهقي من وجه آخر عن عمر بن الخطاب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سابقنا سابق ، ومقتصدنا ناج ، وظالمنا مغفور له ، وقرأ عمر فمنهم ظالم لنفسه ... الآية ) انتهى .
  وما أدري كيف يمكن الجمع بين هذه الروايات وبين آية واحدة من آيات المنافقين في القرآن مثل قوله تعالى إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ؟! بل كيف يمكن الجمع بينها وبين ما روته نفس هذه المصادر ، كالأحاديث الصحيحة التي رواها الهيثمي في مجمع الزوائد ج 1 ص 108 ( وعن عبدالله يعني ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ثلاث من كن فيه فهو منافق ، وإن كان فيه خصلة ففيه خصلة من النفاق : إذا حدث كذب ، وإذا أوتمن خان ، وإذا وعد أخلف ، رواه البزار ورجاله رجال الصحيح .
  وعن ابن مسعود قال : اعتبروا المنافقين بثلاث ، إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر ، فأنزل الله عزوجل تصديق ذلك في كتابه ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله ... الى آخر الآية ، رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح ) انتهى .
  والذي رواه الترمذي في سننه ج 5 ص 298 ( عن أبي سعيد الخدري قال : إن كنا لنعرف المنافقين نحن معشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب ، هذا حديث غريب ، وقد تكلم شعبة في أبي هارون العبدي ، وقد روى هذا عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد ) .
  وأحاديث الحاكم الصحيحة في المستدرك ج 3 ص 129 ( عن أبي ذر رضي الله عنه قال ما كنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم الله ورسوله والتخلف عن الصلوات والبغض لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ) .
  وفي ص 138 ( عن علي بن أبي طلحة قال حججنا فمررنا على الحسن بن علي بالمدينة ومعنا معاوية بن حديج ، فقيل للحسن إن هذا معاوية بن حديج الساب لعلي ، فقال عليَّ به ، فأتي به فقال : أنت الساب لعلي ؟ فقال ما فعلت ، فقال والله إن لقيته وما أحسبك تلقاه يوم القيامة لتجده قائماً على حوض رسول الله(ص) يذود عنه رايات المنافقين ، بيده عصاً من عوسج ، حدثنيها الصادق المصدوق (ص) ، وقد خاب من افترى ، هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ) انتهى .
  العمل الخامس : إعطاء مناصب هامة في الدولة الإسلامية للمنافقين !
  وأول من فتح هذا الباب وأعطى مناصب الدولة للمنافقين هو الخليفة عمر ... وكان يبرر ذلك تبريراً عصرياً فيقول إن مسألة الدين أمر بين الإنسان وربه ... والمنافق إثمه عليه ! فقد روى في كنز العمال ج 4 ص 614 ( عن عمر قال : نستعين بقوة المنافق ، وإثمه عليه ! ) وفي ج 5 ص 771 (عن الحسن أن حذيفة قال لعمر : إنك تستعين بالرجل الفاجر فقال عمر : إني لاستعمله لأستعين بقوته ثم أكون على قفائه ـ أبو عبيد ) انتهى .
  هذا مع أنه روي عن الخليفة قوله (من استعمل فاجراً وهو يعلم أنه فاجر فهو مثله ) كنز العمال ج 5 ص 761 .
  وقد برر البيهقي إعطاء المناصب للمنافقين بأنهم منافقون لينون ، فقال في سننه ج 9 ص 36 ( عن عبدالملك بن عبيد قال قال عمر رضي الله عنه : نستعين بقوة المنافقين وإثمهم عليهم ، وهذا منقطع فإن صح فإنما ورد في منافقين لم يعرفوا بالتخذيل والارجاف ، والله أعلم ) !
  ولكن محاولة البيهقي للتخفيف لا تنفع مع ما رواه البخاري ، في صحيحه ج 8 ص 100 من أن المنافقين في زمن الخليفة عمر كانوا ـ بسبب بسط أيديهم وقحين متجاهرين ـ وأن حذيفة بن اليمان صاحب سر النبي (ص) أطلق صيحة التحذير من خطرهم فقال ( إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، كانوا يومئذ يسرون واليوم يجهرون !! ) انتهى .

تدوين القرآن ـ 45 ـ
قرار حذف القنوت من الصلاة لأنه كان محل لعن قريش
  العمل السادس : انتقام الخلفاء من القنوت !
  فقد قرر فقه إخواننا السنة التخلص من القنوت في كل فريضة وحصره في صلاة الفجر والوتر ، أو فيما إذا نزلت نازلة بالناس فيدعو الإمام بشأنها ، وجوز الإمام أحمد أن يقنت الأمراء فقط في صلاتهم ويدعوا ، أما عامة المسلمين فلا ...!
  ومع أن القنوت بقي عندهم جزئياً ، لكنك تشعر وأنت تقرأ فتاواهم فيه أنه ما زال في أنفسهم منه شئ ، وكأنهم لم يستوفوا حقهم من قنوت رسول الله (ص) ! ثم تراهم لا يحبونه ولا يعلمونه لعوامهم ! وإذا علموهم اقتصروا على سورتي الخلع والحفد ، أو دعاء القنوت الذي يروونه عن الإمام الحسن بن علي (ص) ، وهو دعاء عام لا أثر فيه لذكر الكفار والمنافقين ... وهو الدعاء الشائع عندهم في عصرنا أكثر من سورتي الخليفة ، بسبب أن نصه أقوى من نصهما ... قال في فتح العزيز ج 4 ص 250 ( واستحب الأئمة منهم صاحب التلخيص أن يضيف إليه ( القنوت ) ما روي عن عمر رضي الله عنه ... ) ثم ذكر ( السورتين ) .
  ويبدو أن ترك القنوت وتحريمه كان مذهب الأكثرية في زمن بني أمية ! بل تصاعد غيظ الفقهاء منه وأفتوا بأنه كان من أصله تصرفاً شخصياً من النبي (ص) لمدة شهر فقط ثم نهاه الله عنه ، أو كان مشروعاً لكنه نسخ ، وهو الآن حرام وبدعة ... !
  قال النسائي في سننه ج 2 ص 203 ( عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت شهراً ، قال شعبة لعن رجالاً ، وقال هشام يدعو على أحياء من أحياء العرب ، ثم تركه بعد الركوع هذا قول هشام ، وقال شعبة عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً يلعن رعلاً وذكوان ولحيان.
  باب لعن المنافقين في القنوت ... عن سالم عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم حين رفع رأسه من صلاة الصبح من الركعة الآخرة قال : اللهم العن فلاناً وفلاناً يدعو على أناس من المنافقين فأنزل الله عزوجل ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون .
  ترك القنوت ... عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه قال : صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقنت ! وصليت خلف أبي بكر فلم يقنت ، وصليت خلف عمر فلم يقنت ، وصليت خلف عثمان ، فلم يقنت ، وصليت خلف علي فلم يقنت ، ثم قال يا بني إنها بدعة ! ) انتهى .
  وقد يكون المقصود بالقنوت هنا لعن الكفار والمنافقين ، لأن القنوت صار علماً على اللعن ... ولكن ذلك يؤكد ما ذكرناه !
  روايات القنوت الشاهدة الشهيدة !
  ومع كل هذه الحملة على قنوت النبي (ص) ، استطاعت بعض رواياته أن تعبر حواجز تفتيش السلطة والرواة وتصل الى أيدينا !! وبعضها يشهد أن النبي (ص) كان يدعو في صلاته على الكفار والمنافقين حتى توفاه الله تعالى ! وأن بقايا عمل المسلمين بهذه السنة الشريفة كانت موجودة الى فترة من عهد بني أمية !
  روى مالك في الموطأ ج 1 ص 115 ( عن داود بن الحصين ، أنه سمع الأعرج يقول : ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان ... في قنوت الوتر اقتداء بدعائه (ص) في القنوت ) .

تدوين القرآن ـ 46 ـ
  وروى البخاري في صحيحه ج 1 ص 193 ( عن أبي هريرة قال لأقربن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فكان أبوهريرة رضي الله عنه يقنت في الركعة الأخرى من صلاة الظهر وصلاة العشاء وصلاة الصبح بعدما يقول سمع الله لمن حمده فيدعو للمؤمنين ويلعن الكفار ) ورواه مسلم في صحيحه ج 2 ص 135 والنسائي في سننه ج 2 ص 202 وأبو داود في سننه ج 1 ص 324 وأحمد في مسنده ج 2 ص 255 و ص 337 و ص 470 والبيهقي في سننه ج 2 ص 198 و ص 206 والسيوطي في الدر المنثور ج 1 ص 307 وقال أخرجه الدارقطني .
  وروى أحمد في مسنده ج 1 ص 211 ( ... عن الفضل بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصلاة مثنى مثنى ، تَشَهُّدٌ في كل ركعتين ، وتضرعٌ وتخشع وتمسكن ، ثم تقنع يديك ـ يقول ترفعهما الى ربك مستقبلاً ببطونهما وجهك ـ تقول يا رب يا رب ، فمن لم يقل ذلك ، فقال فيه قولاً شديداً ! )
  ورواه في ج 4 ص 167 وفي آخره ( فمن لم يفعل ذلك فهي خداج ) أي صلاته ناقصة . ورواه الترمذي في سننه ج 1 ص 238 وفي آخره ( ومن لم يفعل ذلك فهو كذا وكذا .
  قال أبوعيسى ( الترمذي ) : وقال غير ابن المبارك في هذا الحديث : من لم يفعل ذلك فهو خداج ) .
  وروى البيهقي في سننه ج 2 ص 198 ( عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي صلاة مكتوبة إلا قنت فيها ! ومحمد هذا هو ابن أنس أبو أنس مولى عمر بن الخطاب ، ومطرف هو ابن طريف ) .
  وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ج 2 ص 138 ( وعن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي صلاة مكتوبة إلا قنت فيها ، رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثقون .
  وعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما أقنت لتدعوا ربكم وتسألوه حوائجكم ... وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت حتى مات ، وأبو بكر حتى مات ، وعمر حتى مات ، رواه البزار ورجاله موثقون ) انتهى .
  ومن آراء فقهاء السنة الملفتة في القنوت : رأي ابن حزم الظاهري ودفاعه العلمي المطول عن سنة رسول الله (ص) في القنوت ... قال في المحلى ج 4 ص 138 ـ 146 ( مسألة : والقنوت فعل حسن ... في آخر ركعة من كل صلاة فرض ، الصبح وغير الصبح ، وفي الوتر ، فمن تركه فلا شئ عليه في ذلك ... ويدعو لمن شاء ويسميهم بأسمائهم إن أحب فإن قال ذلك قبل الركوع لم تبطل صلاته بذلك ... عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الصبح والمغرب ) .
  وقال في هامشه ( في النسائي ج 1 ص 164 ورواه الطيالسي ص 100 رقم 737 عن شعبة ، ورواه الدارمي ص 198 ولم يذكر فيه المغرب ، ورواه أيضاً مسلم ج 1 ص 188 والترمذي وصححه ج 1 ص 81 والطحاوي ج 1 ص 142 وأبوداود ج 1 ص 540 و 541 والبيهقي ج 2 ص 198 ) .
  ثم قال ابن حزم ( ... عن أبي هريرة قال : والله إني لأقربكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أبوهريرة يقنت في الركعة الآخرة من صلاة الظهر ، وصلاة العشاء الآخرة وصلاة الصبح ، بعد ما يقول : سمع الله لمن حمده ، فيدعو للمؤمنين ويلعن الكفار ... عن البراء ابن عازب : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي صلاة إلا قنت فيها !! ) ثم قال ( أما الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن عباس رضي الله عنهم بأنهم لم يقنتوا فلا حجة في ذلك في النهي عن القنوت ، لأنه قد صح عن جميعهم أنهم قنتوا ، وكل ذلك صحيح قنتوا وتركوا ، فكلا الأمرين مباح ، والقنوت ذكر لله تعالى ، ففعله حسن ، وتركه مباح ، وليس فرضاً ، ولكنه فضل .
  وأما قول والد أبي مالك الأشجعي إنه بدعة ، فلم يعرفه ، ومن عرفه أَثْبَتُ فيه ممن لم يعرفه ، والحجة فيمن علم لا فيمن لم يعلم !
  ... وقال بعض الناس : الدليل على نسخ القنوت ما رويتموه من طريق معمر عن الزهري عن سالم بن عبدالله عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رفع رأسه من صلاة الصبح من الركعة الأخيرة قال : أللهم العن فلاناً وفلاناً ، دعا على ناس من المنافقين فأنزل الله عز وجل ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون قال علي ( ابن حزم ) : هذا حجة في إثبات القنوت : لأنه ليس فيه نهي عنه ، فهذا حجة في بطلان قول من قال : إن ابن عمر جهل القنوت ، ولعل ابن عمر إنما أنكر القنوت في الفجر قبل الركوع ، فهو موضع إنكار ، وتتفق الروايات عنه فهو أولى، لئلا يجعل كلامه خلافاً للثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما في هذا الخبر إخبار الله تعالى بأن الأمر له لا لرسوله صلى الله عليه وسلم ، وأن أولئك الملعونين لعله تعالى يتوب عليهم ، أو في سابق علمه أنهم سيؤمنون فقط .

تدوين القرآن ـ 47 ـ
  ... وأما أبوحنيفة ومن قلده فقالوا : لا يقنت في شئ من الصلوات كلها إلا في الوتر ، فإنه يقنت فيه قبل الركوع السنة كلها ، فمن ترك القنوت فيه فليسجد سجدتي السهو ، أما مالك والشافعي فإنهما قالا : لا يقنت في شئ من الصلوات المفروضة كلها إلا في الصبح خاصة .
  ... قال علي ( ابن حزم ) : أما قول أبي حنيفة : فما وجدناه كما هو عن أحد من الصحابة نعني النهي عن القنوت في شئ من الصلوات ، حاشا الوتر فإنه يقنت فيه ، وعلى من تركه سجود السهو ، وكذلك قول مالك في تخصيصه الصبح خاصة بالقنوت ، ما وجدناه عن أحد من الصحابة ولا عن أحد من التابعين ، وكذلك تفريق الشافعي بين القنوت في الصبح وبين القنوت في سائر الصلوات ، وهذا مما خالفوا فيه كل شئ روى في هذا الباب عن الصحابة رضي الله عنهم ، مع تشنيعهم على من خالف بعض الرواية عن صاحب لِسُنَّةٍ صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم !
  قال علي : وقولنا هو قول سفيان الثوري ، وروى عن ابن أبي ليلى : ما كنت لأصلي خلف من لا يقنت ، وأنه كان يقنت في صلاة الصبح قبل الركوع ) انتهى .
  كيف صار قنوت النبي ( المصحح ) سورتين من القرآن ؟
  العمل السابع : إضافة سورتي الخلع والحفد الى القرآن !
  كل أصل (سورتي) الخلع والحفد هو الرواية المتقدمة التي تقول إن النبي كان يصلي ويدعو على قريش في قنوته ويلعنهم ، فنزل جبرئيل وأمره بالسكوت وقطع عليه صلاته وبلغه توبيخ الله تعالى وقال له ( يا محمد إن الله لم يبعثك سباباً ولا لعاناً ! وإنما بعثك رحمة ولم يبعثك عذاباً ، ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ، ثم علمه هذا القنوت : اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونخضع لك ونخلع ونترك من يكفرك ، اللهم إياك نعبد ولك نصلى ونسجد وإليك نسعي ونحفد ونرجو رحمتك ونخشى عذابك ونخاف عذابك الجد ، إن عذابك بالكافرين ملحق ) !
  ومادام جبرئيل علم ذلك للنبي فهو كلام الله تعالى ، وهو من القرآن !! أما لماذا صار هذا النص سورتين ببسملتين ؟ فالأمر سهل ، أولاً ، لأنهما فقرتان تبدأ كل منهما بـ ( اللهم ) .
  وثانياً ، لأنه يجوز للخليفة عمر أن يضع آيات القرآن في سورة مستقلة ! فقد قال السيوطي في الدر المنثور ج 3 ص 296 ( وأخرج ابن اسحاق وأحمد بن حنبل وابن أبي داود عن عباد بن عبدالله بن الزبير قال : أتى الحرث بن خزيمة بهاتين الآيتين من آخر براءة لقد جاءكم رسول من أنفسكم ... الى قوله وهو رب العرش العظيم ، الى عمر فقال : من معك على هذا ؟ فقال لا أدري والله إلا أني أشهد لسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعيتها وحفظتها ، فقال عمر : وأنا أشهد لسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة ، فانظروا سورة من القرآن فألحقوها ، فألحقت في آخر براءة ) ورواه الهيثمى في مجمع الزوائد ج 7 ص 35 .
  وثالثاً ، لأنهم إذا أسقطوا من القرآن سورتي المعوذتين باعتبار أنهما عوذتان نزل بهما جبرئيل على النبي (ص) ليعوذ بهما الحسن الحسين (ص) ، ولم يقل له إنهما من القرآن ! فلابد لهم من وضع سورتين مكانهما لا سورة واحدة ... فيجب جعل النص قسمين !

تدوين القرآن ـ 48 ـ
  يبقى السؤال : من الذي ارتأى أن يسمى هذا القنوت المزعوم سورتين ؟ هنا تسكت الروايات عن التصريح !
  ومن الذي أمر أن تضاف سورتان ركيكتان الى كتاب الله تعالى وتكتبا في المصاحف ؟ هنا تسكت الروايات عن التصريح !
  ولكنها تنطق صحيحة متواترة صريحة بأن الخليفة عمر هو الذي عرفهما للمسلمين بقراءته لهما في صلاة الصبح دائماً أو كثيراً ! إما بنية الدعاء وإما بنية سورتين من القرآن ! ومن الطبيعي أن تكونا موجودتين في مصحف عمر الذي كان عند حفصة ... الى أن أحرقه مروان بن الحكم بعد وفاتها حتى لا يقال إنه يختلف عن مصحف عثمان !!
  ويشك الإنسان كل الشك في نسبة السورتين المزعومتين الى مصحف ابن مسعود وابن كعب ... وإن صح شئ من ذلك فلا بد أن يكون الخليفة عمر هو الذي أقنع ابن مسعود وابن كعب بكتابتهما في مصحفيهما ! وسيأتي ما ينفع في ذلك في قصة المعوذتين !
  قال السيوطي في الدر المنثور ج 6 ص 420 : ( ذكر ما ورد في سورة الخلع وسورة الحفد .
  قال ابن الضريس في فضائله أخبرناموسى بن اسمعيل أنبأنا حماد قال قرأنا في مصحف أبي بن كعب اللهم إنا نستعينك وتستغفرك ونثنى عليك الخير ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك قال حماد هذه الآية سورة وأحسبه قال اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نخشى عذابك ونرجو رحمتك إن عذابك بالكفار ملحق .
  وأخرج ابن الضريس عن عبدالله بن عبد الرحمن عن أبيه قال : صليت خلف عمر بن الخطاب فلما فرغ من السورة الثانية قال : اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير كله ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك ، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق .
  وفي مصحف ابن عباس قراءه أبيٍّ وأبي موسى : بسم الله الرحمن الرحيم ، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك ، وفي مصحف حجر : اللهم إنا نستعينك ، وفي مصحف ابن عباس قراءة أبيّ وأبي موسى : اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ، نخشى عذابك ونرجو رحمتك إن عذابك بالكفار ملحق .
  وأخرج أبوالحسن القطان في المطولات عن أبان بن أبي عياش قال سألت أنس بن مالك عن الكلام في القنوت فقال : اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونؤمن بك ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلى ونسجد واليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجد إن عذابك بالكفار ملحق ، قال أنس والله إن أنزلتا إلا من السماء !
  وأخرج محمد بن نصر والطحاوي عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب كان يقنت بالسورتين : اللهم إياك نعبد ، واللهم إنا نستعينك .
  وأخرج محمد بن نصر عن عبدالرحمن بن أبزى قال قنت عمر رضي الله عنه بالسورتين .
  وأخرج محمد بن نصر عن عبدالرحمن بن أبي ليلى أن عمر قنت بهاتين السورتين : اللهم إنا نستعينك ... واللهم إياك نعبد ... وأخرج البيهقي عن خالد بن أبي عمران قال بينما رسول الله صلىالله عليه وسلم يدعو على مضر إذ جاءه جبرئيل فاومأ إليه أن أسكت فسكت فقال : يا محمد إن الله لم يبعثك سباباً ولا لعاناً وإنما بعثك رحمة للعالمين ولم يبعثك عذاباً ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أويعذبهم فإنهم ظالمون، ثم علمه هذا القنوت : اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونخضع لك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق.
  وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف ومحمد بن نصر والبيهقي في سننه عن عبيد بن عمير أن عمر بن الخطاب قنت بعد الركوع فقال : بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثنى عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك ، بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد ولك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق .

تدوين القرآن ـ 49 ـ
  وزعم عبيد أنه بلغه انهما سورتان من القرآن من مصحف ابن مسعود .
  وأخرج ابن أبي شيبة ومحمد بن نصر عن ميمون بن مهران قال في قراءة أبي بن كعب اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلى ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق .
  وأخرج محمد بن نصر عن ابن إسحق قال قرأت في مصحف أبي بن كعب بالكتاب الأول العتيق بسم الله الرحمن الرحيم قل هو الله احد الى آخرها ، بسم الله الرحمن الرحيم قل أعوذ برب الفلق الى آخرها بسم الله الرحمن الرحيم قل أعوذ برب الناس الى آخرها بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثنى عليك الخير ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك ، بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق ، بسم الله الرحمن الرحيم اللهم لا تنزع ما تعطى ولا ينفع ذا الجد منك الجد سبحانك وغفرانك وحنانيك اله الحق ( يلاحظ في هذه الرواية أن السورتين ولدتا بنتاً فصرن ثلاثة ) .
  وأخرج محمد بن نصر عن عطاء بن السائب قال كان أبو عبدالرحمن يقرئنا اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونؤمن بك ونخلع ونترك من يفجرك.
  اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجد إن عذابك بالكفار ملحق ، وزعم أبو عبدالرحمن أن ابن مسعود كان يقرئهم إياها ويزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرئهم إياها .
  وأخرج محمد بن نصر عن الشعبي قال قرأت أوحدثني من قرأ في بعض مصاحف أبي بن كعب هاتين السورتين : اللهم إنا نستعينك ، والأخرى ، بينهما بسم الله الرحمن الرحيم .
  قبلهما سورتان من المفصل وبعدهما سور من المفصل .
  وأخرج محمد بن نصر عن سفيان قال كانوا يستحبون أن يجعلوا في قنوت الوتر هاتين السورتين : اللهم إنا نستعينك واللهم إياك نعبد .
  وأخرج محمد بن نصر عن إبراهيم قال يقرأ في الوتر السورتين : اللهم إياك نعبد اللهم إنا نستعينك ونستغفرك .
  وأخرج محمد بن نصر عن خصيف قال سألت عطاء بن أبي رباح : أي شئ أقول في القنوت ؟ قال : هاتين السورتين اللتين في قراءة أبي ، اللهم إنا نستعينك ، واللهم إياك نعبد .
  وأخرج محمد بن نصر عن الحسن قال نبدأ في القنوت بالسورتين ثم ندعو على الكفار ثم ندعو للمؤمنين والمؤمنات ) انتهى .
  وروى في كنز العمال ج 8 ص 74 و75 و78 وغيرها ، الكثير من روايات الخلع والحفد !! منها : ( عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب كان يقنت بالسورتين أللهم إنا نستعينك ، أللهم إياك نعبد ـ ش ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة والطحاوي .
  عن عبدالرحمن بن ابزى قال : صليت خلف عمر بن الخطاب الصبح ، فلما فرغ من السورة في الركعة الثانية قال قبل الركوع : أللهم إنا نستعينك ... إلخ . ـ ش وابن الضريس في فضائل القرآن ، هق وصححه .
  وقال في هامشه : ملحق : الرواية بكسر الحاء : أي من نزل به عذابك ألحقه بالكفار ، ويروى بفتح الحاء على المفعول : أي عذابك يلحق بالكفار ويصابون به النهاية 4 / 238 ) ب .