في الحلة اثرٌ يتجدد يتـوارثه أهـل بلادي حتى يرث الارض جميعاً قد شيده من قد سلفوا رحم الله الماضي منهم والقادم يتصل بهم قف واخلع نعليك وصلِّ واهتف ( يا ابن الحسن المهدي من آثارِ آلِ محمد ابناءً آباءً عن جد الصـالح من آل محمد وبأيدي الابناء تجدد والحاضر يحفظه الاوحـد وسيقـى البنـيان مشيد في هـذا المحراب الأمجد يا غائباً جـُدَداً جَدّدْ )
  وتتميماً للفائدة في آخر هذا الباب نذكر ترجمة السيد العلامة الكبير محمد القزويني رَحَمَهُ الله للتبرك بذكره الشريف ، وقد حفلت بترجمته العاطرة كثير من كتب التراجم ، ونحن نختصر ما ورد في ( الكنى و الالقاب ) للشيخ المرحوم عباس القمي رَحَمَهُ الله ، ج 3 ص 51 ، قائلاً : ( سلالة الفقهاء وسلافة الادباء ابو المعز السيد محمد ابن السيد مهدي حسن ابن السيد احمد الذي هو أول من انتقل من قزوين الى العراق وقطن النجف الاشرف ابن الحسين ابن الامير ابي القسم امير الحاج في الدولة الصفوية ينتهي نسبه الى محمد بن زيد الشهيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السّلام ولد في الحلة سنة 1262 هـ وأخذ في التعلم الى أن راهق البلوغ فهاجر هو وأخويه الاعلام وهم الميرزا جعفر والسيد حسين المتوفي سنة 1325 هـ الى النجف مقر العلم والعلماء ومنتدى الادب والادباء فأتقن العلوم العقلية والنقلية على كثير من الاساتذة العظام والفضلاء الفخام وكان بعكس

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 92 _

  أبيه قليل التأليف والتصنيف لا يكاد يرتضي ما صنفه حتى يغيره بعد الملاحظة والمراجعة فظهر له منظومة في المواريث ورسالة في علم التجويد ومنسك في الحج وديوان شعره وله اثار إصلاحية كاصلاح نهر الحلة وتعمير قبور العلماء في الحلة كقبر المحقق وال طاوس وابن ادريس والشيخ ورام وغيرهم ومقام الغيبة وتجديد مقام مشهد الشمس ولما خلت الحلة من أعلام هذه الاسرة واستأصل الموت شأفتهم كتب اليه الحليون وحثوه على المجئ فلبى دعوتهم فهاجر الى الحلة سنة 1313 هـ فاستقبله جمهور هم على مسافة ميلين وكان يوماً مشهوداً كيوم وفاته وأخذت العلماء والشعراء يفدون عليه لتهنئته ، وكان في الحلة الى أن باغتته المنية وأنشبت فيه أظفارها وذلك في أول سنة 1335 ونقل الى النجف الاشرف ودفن في مقبرة ال قزوين قدِّس سِرُّه ) .

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 93 _

الباب السادس
في ذكر الساحة الأصلية للمقام
وتاريخ الجامع الكبير المجاور للمقام


تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 95 _

  هذا الباب من أبواب كتابنا يتضمن فوائد مهمة تتعلق بأمور تأريخية كادت أن تنسج عليها عناكب النسيان وكشف حقائق حاولت طمسها والتضبيب عليها أيدي العبث والتمويه ، ولتسليط الضوء على هذه الامور لا بدّ من جمع حقائق تخص مساحة المقام الاصلية التي صارت تتضائل جيلاً بعد جيل ، فالمساحة الكلية للمقام اليوم هي نحو 35 متراً مربعاً ، ولقد علمت أنه في سنة ( 1422 هـ / 2001 م ) أرادوا هدم المقام بحجة جعله بيتاً خاصاً لأمام وخطيب أهل السنة في جامع الحلة الكبير المجاور للمقام ، لكن أبى الله إلاّ أن يتم نوره ، حيث أن النقول التاريخية المبثوثة في المصادر المعتبرة تثبت سعة مساحة المقام الشريف كما يظهر ذلك مما جمعناه من شوارد متناثرة وموارد مشتتة في بطون الكتب وطيات الآثار وقد استعنا الله تعالى في جمعها وتصنيفها أولاً فأولاً ودونك التفصيل :
  أولاً : في مساحة المقام الاصلية وأن الجامع الكبير المجاور له تابع للمقام الشريف :
  أ ـ إن اسم جامع الحلة الكبير عند أهل الحلة مشهور بـ ( جامع الغيبة ) وقد أخذوا هذا الاسم والشهرة على جهة التسالم يداً عن يد وخلفاً عن سلف .
  ب ـ إن مقام الغيبة الآن يختوي على القبة فقط دون منارة والحال إن

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 96 _

  مقامات الائمة عليهم السَّلام ومشاهدهم على كثرتها في العراق لم نرها خالية من المنارة وهذا مما يدل على أن الجامع الذي يحتوي على المنارة وهو بدون قبة والمقام الذي يحتوى على القبة وبدون منارة مكان واحد .
  ج ـ أن جامع الحلة الكبير يحتوي على المنارة فقط دون القبة والحال ان المساجد الاسلامية على كثرتها في العالم الاسلامي صغيرها وكبيرها تحتوي على منارة وقبة وهذا يدل على أن الجامع الذي يحتوي على منارة بدون قبة والمقام الذي يحتوي على قبة بدون منارة مكان واحد وخصوصاً إذا ما عرفنا أن الكتابة التي كانت على المنارة ( أي حولها من الاعلى ) كانت تحتوي على لفظ الجلالة واسم الرسول وأهل بيته الاثني عشر صلوات الله عليهم أجمعين ، وفي عام ( 1395 هـ / 1975 م ) هدمت تلك المنارة وكتابتها ضاعت علينا وجعل بدلها منارة جديدة وكتب عليها سورة الاخلاص لتغيير تلك المعالم والخصائص التاريخية .
  حدثني بذلك أقدم موظف في دائرة الوقف الشيعي ( وقد رغب بعدم ذكر اسمه ) وكان مشرفاً على بناء تلك المنارة الجديدة وذكر لي انه رأى تلك الكتابة القديمة التي على المنارة السابقة الذكر ، وكان باني المنارة الجديدة من أهالي الديوانية وكان القاشي المكتوب عليه أسماء الاثني عشر عليهما السَّم محفوظاً لمدة في دائرة الاوقاف ، وطلبت منه تصويره فوتوغرافيا فقال لا أعلم أين هو الآن ، وكذلك سألنا الوجيه الشاعر عبد الامير محمود الجبوري صاحب كتاب ( صرخة الثقلين ) في مدح ورثاء أهل البيت عليهم السلام وهو رجل كبير السن ، انه هل رأى تلك الكتابة ؟ قال : نعم ، وسألنا الوجيه أمجد هلال

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 97 _

  مبارك وهو من مواليد 1935 م ومحله قريب من الجامع الكبير ، فقال انا رأيت تلك المنارة وما هو مكتوب عليها سابقا ، وانها هدّمت في سنة 1975 م وبني على أساسها منارة جديدة وذلك لتغيير معالم ذلك الجامع ، منكراً ما قاله لي موظف من دائرة الوقف الشيعي بأن المنارة القديمة كانت آيلة للسقوط ، فقال الحاج أمجد انه لم تكن آيلة للسقوط ، وانها هدمت بسبب ما علنها من الاسماء الطاهرة ، كما ذكر لي هذا الرجل أن مقام الغيبة كان في وسط الجامع الكبير ويقرب المنارة التي في الجامع ولكثرة زائري المقام من الرجال والنساء وبغية عدم اختلاطهم جعل مقام رمزي الأمام عليه السلام خاص بالنساء في جنوب الجامع ومن ثم اخذ هذا المقام الذي كان خاصا بالنساء واغتصب المقام الاصلي الذي هو في الجامع من قبل الدولة العثمانية ، ثم قال هذا ما سمعته من والدي هلال عبود وهو من مـواليد 1898 م ومن أهل السوق القدماء .
  أقول : وهذا لا يبعد مما عرفناه من أفعال الدولة العثمانية وما نثبته تأريخيا بعد هذه الاسطر كاف ، وكان سبب تدويني لأقوال هذا الرجل ، لقربه من الجامع ، ولكبر سنة ، ولعلاقة أجداده بتاريخ هذا الجامع كما ستعرف ، كما ذكر لي السيد حيدر آل وتوت صاحب كتاب ( المزارات ومراقد العلماء في الحلة الفيحاء ) إن رجلاً من آل القيم وهم من سدنة المقام لقرون رأى تلك الكتابة ، ومما يؤيد هذا الكلام قرب المسافة بين المنارة والقبة ، وهذا ما تراه في الصورة الفوتغرافية التي نوردها في آخر الكتاب ، إذ المسافة بينهما تبعد نحو 25 متراً .

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 98 _

  حـ ـ ما ذكره الشيخ محمد علي اليعقوبي رَحَمَهُ الله في كتابه ( البابليات ) ج 2 ص 105 في ترجمة الملا محمد القيم قال : ( ابو الحسن محمد بن يوسف بن يوسف ين ابراهيم بن اسماعيل بن سلمان بن عبد المهدي ، وكان جده هذا سادناً وقيماً على مقام الامام المهدي عليه السلام الواقع في سوق الهرج في الحلة المسمى بالغيبة وهو المقام الذي ذكره ابن بطوطة في رحلته وابن خلدون في مقدمته ، وكان السادن المذكور يتولى أيضاً اوقاف الجامع الكبير الذي يجاوره مقام الغيبة جنوبا وذلك قبل أربعة قرون تقريبا ، كما بحكيه الصكوك والوثائق التي بأيدي هذه الاسرة من الحكومتين الصفوية والعثمانية ، ومن ثم عرفوا بآل ( القيم ) وهم حتى اليوم يستغلون ثمرة تلك الاوقاف الواقعة شمالي الحلة في الراضع المعروف بـ ( الزوير ) .
  أقول : إن هذا الكلام يدل على أن أوقاف الجامع والمقام وهي الواقعة في الموضع المفروق بـ ( الزوير ) كانت واحدة ، كما إن الرجل المتولي عليها واحد ، وهذا مما يؤيد أن المكان ( أي المقام والجامع ) كان واحدا .
  ز ـ قول الرحالة ابن بطوطة في أثناء زيارته الاولى للحلة في سنة 725 هـ ( و بمقربة من السوق الاعظم مسجد على بابه ستر حرير مسدول وهم يسمونه مشهد صاحب الزمان ، ومن عادتهم أن يخرج في كل ليلة مائة رجل من أهل المدينة ، عليهم السلاح وبأيديهم سيوف مشهورة فيأتون أمير المدينة بعد صلاة العصر فيأخذون منه فرساً ملجماً أو بغلة ، كذلك ويضربون الطبول والانفار والبوقات أمام تلك الدابة تتقدمها خمسون منه ويتبعها مثلهم ويمشي

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 99 _

  آخـرون عن يمينها وشمالها ويأتون مشهد صـاحب الـزمان فيقفون بالباب ... ) (1) .
  وقوله في زيارته الثانية : ( ثم الى الحلة حيث مشهد صاحب الزمان واتفق في بعض تلك الايام أن وليها بعض الامراء فمنع أهلها من التوجه على عادتهم الى مسجد صاحب الزمان ... ) (2) .
  فلنستخرج من كلامه ما يهمنا :
  1 ـ قوله عن موضع المقام ( وبمقربة من السوق الاعظم مسجد على بابه حرير مسدول وهم يسمونه مشهد صاحب الزمان ) أنظر قوله من السوق الاعظم ، ولم يقل أن موضعه خارج السوق ، كما هو الآن ، وخصوصا إذا ما عرفنا أن السوق كان أضيق من الآن بكثير فلقد وسِّع مرتين مرة في أواخر العهد العثمانـي ( في عهد الوالي عمر باشا ) وفي عهد الستينات الميلادية من عصرنا هذا .
  2 ـ وصف المقام ومساحته : مرةً ذكره بأنه مسجد صاحب الزمان ومرةً مشهد صاحب الزمان وأنه من السوق وأنه يسع لنحو مئة رجل ، فهذا الوصف الذي قال عنه ابن بطوطة لا يشبه وصف المقام الحالي و ذلك لمساحته الصغيرة التي لا تزيد على 39 متراً مربعاً ، فأن المقام الآن لا يسع لعشرين رجلاً ، ثم لو أن المقام على موضعه الحالي في ظهر السوق ومساحته الصغيرة لو كان هكذا في عصر ابن بطوطة لما التفت اليه ابن بطوطة ولما نوه عنه أصلا لما عرفت من تعصبه

------------------------------------
(1) أنظر : رحلة ابن بطوطة ص 139 .
(2) أنظر : المصدر السابق ص 174 .

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 100 _

  لأهل السنة ولو كان الجامع الذي بظهر المقام وهـو لأهل السنة الآن موجوداً في عصر ابن بطوطة لأشاد به وتبجح بذكره أي تبجح .
  ط ـ موضع الشباك الحالي في داخل المقام : دأب الشيعة أن يضعوا في مقامات أئمتهم ( شباكاً ) أو نحو ذلك وعلى جهة القبلة فهذا مسجد السهلة ومقاماته وكذلك مسجد الكوفة ومقاماته وغيرها من المقامات المشهورة عند الشيعة ، لكن ما نراه الآن أن شباك هذا المقام يقع في ظهر القبلة بالنسبة للمصلي في داخل المقام وهذا يخالف القاعدة ومما يؤيد قول الشيخ محمد بن قارون في حكاية أبي راجح الحمامي التي أوردناها في الباب الثالث ( كان حاكم الحلة المسمى مرجان الصغير كلما يدخل هذا المقام يعطي ظهره القبلة الشريفة إذا جلس فيه وعندما شاهد فضية أبو راجح الحمامي ، تغيرت عقيدته ، وصار يستقبل القبلة إذا جلس فيه ) أنتهى .
  والحال أن في الوقت الحالي جميع الداخلين للمقام حالهم كحال هذا الحاكم في جلوسه الأول ، لأن القبلة الشريفة كناية عن هذا الشباك الموضوع في جهة القبلة .
  ظ ـ قول الراوي في حكاية ابن الخطيب ، التي أوردناها في الباب الثالث ( وبتنَ بأجمعهنّ بباب القبة ) أي مجموعة النساء اللواتي كنّ يرافقن أم عثمان ، والحال أن من يبيت الآن بباب القبة ينام في وسط السوق لضيق المحل .
  م ـ قول الشيخ الزهدري في حكايته الواردة في الباب الثالث من كتابنا هـذا ( وانطبق عليّ الناس حتى كادوا أن يقتلونني ، وأخذوا ما كان عليّ من

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 101 _

  الثياب تقطيعاً وتنتيفاً يتبركون فيها ، وكساني الناس من ثيابهم ، و رجعت الى البيت ) والحال أن مساحة المقام الحالية لا تسع لدخول القليل من الناس فضلاً عن الكثير منهم كما وصفهم ابن الزهدري .
  و ـ قول السيد حيدر آل وتوت في كتابه ( المزارات ومراقد العلماء في الحلة الفيحاء ) أن هناك من أخبرني أن مساحة مقام الأمام المهدي عليه السلام المشار اليها قد تم اختصارها بسبب بناء الجامع المعروف بجامع الحلة الكبير الدي يقام فيه خطبة الجمعة وصلاة الجماعة عند أخواننا السنة حيث انضم قسم كبير من أرض المقام وأصبح ضمن الجامع .
  وهذا يكفي لاثبات المساحة الأصلية للمقام .
  ثانياً : في تأريخ الجامع الكبير في الحلة وأن أصله للشيعة لا لأهل السنة :
  أقول : أرجوا أن لا يتصور القارىء في كلامي هذا أنني أريد أن أثير نعرات طائفية فالأخوان أخوان ونحن متأدبون بأداب أئمتنا عليهم السَّلام وعلمائنا الأعلام وخصوصاً إذا ما عرفنا أن فقيه عصره آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله أفتى في الظروف الحالية بعدم جواز أخذ جوامع أهل السنة منهم ، والحال هنا يختلف لأن أصل الجامع هذا للشيعة وأخذ منهم قسراً من قبل الحكومات الظالمة الحاكمة للعراق ، والآن فلنتعرض لذكر تأريخ هذا الجامع .
  الأمر الأول : ( في تشيع أهل الحلة ) .
  1 ـ قال ابن بطوطة عند دخوله الحلة في سنة 725 هـ ( وأهل هذه المدينة كلهم إمامية أثنا عشرية ) .

------------------------------------
(1) أنظر : رحلة ابن بطوطة ص 139 .

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 102 _

  2 ـ قال السيوطي تـ 911 هـ في ( البغية / 151 ) حاكياً عن الذهبي : في ترجمة ( أحمد بن علي بن معقل الأزدي المهلبي الحمصي ، الأديب الغالي
  في التشيع أنه ولد سنة 567 هـ وهاجر من حمص الى الحلة وتعلم الرفض هناك عن أهلها ) (1) .
  3 ـ قال السيد محسن الأمين العاملي رَحَمَهُ الله تـ 1371 هـ : ( وتشيع أهل الحلة مشهور معروف من قديم الزمان وكانت دار العلم للشيعة في القرن الخامس وما بعده واليها الهجرة وخرج منها جماعة من أجلاء علماء الشيعة وفقهائهم وأدبائهم ) (2) .
  4 ـ وذكر آية الله العظمى الشيخ المجتهد الاكبر الأمام محمد حسين أل كاشف الغطاء رَحَمَهُ الله في مقدمة كتاب ( البابليات ) للشيخ اليعقوبي رَحَمَهُ الله :
  ( أن للحلة مميزات أربعاً ومنها تشيعها من أول تأسيسها الى عصرنا هذا ) ، وهذه الأقوال الأربعة تدل على أن الحلة لم تعرف التسنن إلا في اواخر الدولة العثمانية .

  الأمر الثاني : في تأريخ الجامع الكبير في الحلة .
  التاريخ الأول :
  قلنا سابقاً إن آل القيم كانوا هم المتولين على أوقاف الجامـع والمقام معاً وكانت هذه الأوقاف في موضع يقال له ( الزوير ) ولدى هذا البيت صكوك ووثائق تثبت توليتهم من قبل الحكومتين الصفوية والعثمانية منذ أربعة قرون ، وكان من مشاهير هذا البيت الملا محمّد القيم ( تـ 1293 هـ )(3) .

------------------------------------
(1) أنظر : الأنوار الساطعة ( ق 7 ) ص 8 .
(2) أنظر : أعيان الشيعة ، 1 / 201 .
(3) أنظر : ( البابليات ) 2 / 105 و ( شعراء الحلة ) 4 / 417 .

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 103 _

  التاريخ الثاني :
  في تأريخ الأستحواذ على الجامع : ذكر الشيخ علي الخاقاني رَحَمهُ الله في كتابه ( شعـراء الحـلة ) 4 / 280 ، في ترجمة الملا مبارك الحلي المتوفى سنة 1270 هـ ، قائلاً : ( هو ملا مبارك بن محمد صالح بن مبارك بن محمود بن أحمد بن حاج حسين الزبيدي الحلي ... (1) كان من الشخصيات المرموقة في وسطه ثري الجاه والمال ثقة في النفوس قوي الأرادة والنفوذ ، وأسرته وعلى رأسهم هو كثيراً ما خرجت على طاعة الحكومة التركية وناضلتها وقد أقلقتها ردحاً من الزمن الى ان قست معها بمصادرة أملاك المترجم له واوقاوفه ومنها الجامع الواقع في السوق الكبير في الحلة بمحلة جبران فقد غصبته الحكومة من ملا مبارك وجعلت فيه إماماً وغيرت لونه وشعاره ( أي من التشييع الى التسنن ) وكانت له أراضي واسعة ( أي الجامع ) في الزراعة تدعى ( الزوير ) ودور كثيرة فصادرتها أيضاً ) .
  أقول : إن الظاهر من التاريخ الاول للجامع الوارد أعلاه أن الملا مباركاً كان متوليا على الجامع وأوقافه من قبل ال القيم حسب ما ورد أعلاه وذلك لأطمئنان النفس اليه وثقته وبدل على هذا رعايته لأملاك ومصالح الفقيه الكبير السيد مهدي القزويني ( تـ 1300 هـ ) وان الاستحواذ على الجامع كان قبل وفاة الملا مبارك سنة ( 1270 هـ / 1850 م ) .

------------------------------------
(1) أقول : أني رأيت من أحفاد أخيه وسألته عن تأريخ الجامع ومنارته وهو الوجيه ( أمجد بن هلال بن عبود بن مهدي بن محمد صالح ... الخ ، وهم يرجعون الى آل صياد فخذ من عشيرة البو سلطان من زبيد ) .

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 104 _

  التاريخ الثالث :
  سنة 1292 هـ مات في هذه السنة متصرف الحلة شبلي باشا العريان ودفن في هذا الجامع(1) .
  التاريخ الرابع :
  في حادثة عاكف التركي 1335 هـ .
  فرق عاكف عسكره في طرقات الحلة وسورها ودواثر الحكومة ، طلباً للفارين من ساحات القتال من الحليين ، وجعل بعضاً من الجنود على منارة الجامع الكبير لأرتفاعها على دور البلد ، وهذا من استهتار عاكف لأن بيوت الله يجب أن تكون بعيدة عن الاغراض الحربية (2) .
  التاريخ الخامس :
  في شهر رمضان سنة 1338 هـ ، نادى مناد في أسواق الحلة ان الليلة يقام اجتماع في الجامع الكبير يتلى فيه كتاب العلامة الشيرازي ، وما ان حل الوقت المضروب حتى هرع الناس الى الجامع فغص الجامع على اتساعه بالحاضرين ، وارتقى الخطيب الشيخ محمّد

------------------------------------
(1) تولى أمر الحلة في اخر أيام عمر باشا ، وهو من دروز سوريا وكانت توليته الحلة سنة 1275 هـ وقد شغل هذا المنصب عدة سنين ، وكان له نفوذ كبير حارب به الخزاعل وخضد شوكتهم ثم نقل من الحلة الى بغداد وذلك أثر شكوى تقدم بها أهالي محلة التعيس لأنه اجبرهم على دفع مبلغ مقابل مواد مسروقة من كنيسة لليهود في تلك المحلة ، قم تولى متصرفية الحلة سنة 1290 الى 1292 هـ ثم مات أثر مرض الطاعون وفي رواية انه مات مسموما اثر خلاف مع والي بغداد ، راجع تاريخ الحلة ج 1 ص 164 ( بتصرف ) .
(2) أنظر : تاريخ الحلة ج 1 / ص 164 ( بتصرف ) .

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 105 _

  الشهيب وتلا رسالة الشيرازي ، وكانت تتضمن حث العراقيين على المطالبة بحقوقهم المشروعة بالطرق السلمية ، ثم القيت بعض الخطب والقصائد الحماسية فالتهبت نفوس الجماهير بالحماس الوطني(1) .

  التاريخ السادس :
  سنة 1351 هـ في هذه السنة من اواخر صفر الخير دفن في هذا الجامع السيد عبد السلام بن السيد عبد الله بن السيد عبد الحافظ(2) .

  التاريخ السابع :
  ( 1378 هـ / 1967 م ) جددت عمارة الجامع وهناك من حدثني أن الجامع كان بمستوى منخفض عن أرض السوق عليه آثار القدم وأرضيته من الحصا والتراب ومنارته تعلوها أسماءاهل البيت عليه السلام فاقتطعت مساحة من أرضه في عمارته الأخيرة على يسار الداخل اليه وجعلت سوقا يسمى بـ ( سوق الاوقاف ) وهو الآن مشهور عند أهل

------------------------------------
(1) أنظر : تاريخ الحلة ج 1 / ص 174 .
(2) ولد المترجم سنة 1292 هـ في محلة الاكراد بالحلة كان قد جاء جده عبد الحافظ المذكور الى الحلة بانتقاله من بلدة هيت وقرأ على بعض علماء السنة وبعد أن حصل على علم جم عين مدرساً وخطيباً واماماً وواعظا في الحلة وهو رجل فاضل وله مؤلفات منها كتاب درة الواعضين وله كشكول وله مجاميع أخرى وقد رثاه قاسم بن محمد الملا راجع كتاب ( لب الالباب ) تأليف محمد صالح السهر وردي ص 144 ، أقول : سمعت حكاية ينقلها أكثر اهل الحلة وهي أن السيد عبد السلام المذكور صعد المنبر يوماً وقال لا يدخل رجل الجنة الا بصك من أمير المؤمنين علي عليه السلام وذكر استدلالاً لحديثه فبعد هذه الحادثة قامت الدولة بطرده من الجامع فقامت الشيعة بتعهد أمره ، فأوصى أن يدفن بالنجف لكن الوصية لم تنفذ ودفن بهذا الجامع المذكور .

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 106 _

  الحلة بسوق ( وحودي شعيلة ) وعلى يمين الداخل اليه هدمت ( المرافق العامة ) قديماً وجعلت بمكانها سوق أخرى وبالجملة جعلت الاوقاف السنية دكاكين وأسواقا حول الجامع تربو على المئة ومن أرضية الجامع هذا يذهب ريعها الى دائرة الوقف السني من ذلك الزمن الى هذا الزمن فهذه دعوى الى دائرة الوقف الشيعي في بغداد والحلة لتتبع هذا الامر خصوصاً بعد ما أوضحنا الأمر حول أصل ملكية الجامع ، وجدّد باب الجامع أيضا في هذه العمارة .
  أقول : وفي 8 شوال من سنتنا هذه سنة 1425 هـ زرت الجامع وسجلت ما كتب على بابه وهو باب كبير من خشب الساج كتب في أعلاه قوله تعالى { إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ . . . ) الآية .
  ثم كتب شعر تحت هذه الآية نصه : تقدست يا جامع المسلمين أراك تنير طريق الصلاح وبابك تاريخه ( فوقه وعطر محرابك المنبر لمن هلّلو فيك أو كبّروا فهذا هو الجامع الاكبر )
  جددت ( كذا ) عمارته ديوان الاوقاف 1387 هـ
  وطلبت من إمام وخطيب الجامع الشيخ عبد الستار محمود الدليمي أن أقف على قبر السيد عبد السلام فأجابني الى ذلك وفتح لي حجرة قديمة في اخر الجامع رأيت فيها أربعة قبور فعلى اليمين قبر مرتفع عن الارض بنحو متر أو أكثر تعلوه صخره من المرمر الابيض كتب عليها اسم صاحب القبر وهو عبد السلام الحافظ وعليها قصيدة رثاء فيها تاريخ وفاته ، وفي الوسط قبران يرتفعان عن الارض نحو شبر

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 107 _

  واحمد وبدون اسم وأظن ان أسماء هما طمسا لقدمهما ومن المحتمل أن أحد هذه القبور قبر متصرف الحلة شبلي باشا كما ذكرنا ، وعن اليمين قبر مرتفع نحو متر أو أكثر ، لكن لوحته البيضاء ( نوع مرمر ) مخلوعة وقد جعلت على جانب من القبر وكتب عليها هذا قبر ( محمد المعصوم بجلي بك ) لكن تاريخ وفاته قد عدت عليه عوادي الدهر فمحت رسومه .

  التاريخ الثامن :
  سنة ( 1395 هـ / 1975 م ) هدمت منارة الجامع القديمة التي يعلوها ايم الجلالة واسم النبي محمد صلى الله عليه وآله وأهل بيته الاثني عشر واستبدلت بها منارة مرتفعة أيضا تعلوها سورة الاخلاص .
  أقول : فبعد أن اثبتنا مساحة المقام الاصلية يظهر لنا موضع مدرسة صاحب الزمان عليه السلام المجاورة للمقام فاما أن تكون هي المقتطعة من أرض الجامع أو مقابل باب الجامع على الجانب الاخر من السوق الذي هو الان سوق الصاغة لان هذا السوق بني في الثمانينات من عصرنا هذا على آثار مدرسة دينية قديمة فيها بعض القبور لسادة أجلاء وعلماء أفاضل ، هذا ما حدثني به من رأى تلك المدرسة وهم أكثر من واحد ، ولا يخفى على القارئ اللبيب مغزى اختيار هذا المكان جامعاً لأهل السنة دون غيره من الاماكن في الحلة .

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 109 _

الباب السابع
في ذكر مدرسة صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف
المجاورة للمقام

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 111 _

  مما يعرفه كل باحث في تاريخ الحلة ، وتراجم علمائها ، ان أولئك العلماء الاعلام ، لابد أن يكون لهم مدارس ومعاهد علمية يلقون فيها دروسهم ويحاضرون بها تلامذتهم ، وينسخون فيها كتبهم ، ولم يرد في التواريخ إحصاء دقيق لها تيك المدارس والمعاهد العلمية ، فلابد أن تكون مدرسة مقام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف والتي تقع بجانبه من جملة المدارس التي كانت تضم طلبة العلوم الدينية في الحلة الفيحاء ، وقد دلت الأثار التي وقفنا عليها في بعض المخطوطات ( كما أشرنا اليها سابقا في الباب الاول من كتابنا هذا ) على وجود مدرسة تعرف بـ ( مدرسة صاحب الزمان ) ولا يختلج في نفس المتتبع ريب أن مشاهير أعلام الحلة كابن إدريس وآل نما وآل طاووس والمحقق والعلامة كانوا يلقون دروسهم في هذه المدرسة ، لبركتها وكونها متصلة بمقام بقية الله الخلف المهدي عليه السلام والآن نأتي على ما عثرنا عليه من التواريخ التي تخص تلك المدرسة المباركة : (1) .

------------------------------------
(1) اقول : أنني وجدت في كتاب ( ديوان الشيخ يعقوب ) للشيخ محمد علي اليعقوبي رَحَمَهُ الله ص 106 بالهامش أن دبيس بن سيف الدولة صدقة بن منصور المزيدي تـ 529 هـ ، شيدأبوه من عمارات الحلة وتوسيع نطاق مدارسها ومعاهدها العلمية والادبية ( أنتهى ) وباعتبار أن المقام ومدرسته الدينية من بلك المعاهد العلمية والادبية ربما شملتها رعاية ذلك الأمير ، علما ان الشيخ يوسف كركوش رَحَمَهُ الله في كتابه ( تاريخ الحلة ) والسيد هادي كمال الدين رَحَمَهُ الله في كتابه ( فقهاء الفيحاء ) لم يذكرا هذه المدرسة بتاتاً .

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 112 _

  التاريخ الأول :
  قال ابن هيكل رَحَمَهُ الله في حوادث سنة 636 هـ فيها عمَر الشيخ محمد بن نمّا الحلي بيوت الدرس الى جانب المشهد المنسوب الى صاحب الزمان عليه السلام بالحلة السيفية وأسكنها جماعة من الطلبة (1) .
  أقول : يظهر من العبارة المذكورة آنفا :
  أولا : أن المدرسة كانت موجودة قبل هذا التاريخ أي ( 636 هـ ) وأن الشيخ الجليل محمد بن جعفر بن نمَا لم يكن هو المؤسس ، بل كان المعمَر لها والساعي بتجديدها .
  ثانياً : اهتمام العلماء الاجلاء أمثال الشيخ ابن نّما بتلك المدرسة المباركة .
  ثالثاً : يظهر من عظيم منزلتها أنه لا يسكنها إلا الفقهاء من الطلبة .
  التاريخ الثاني :
  في بداية القرن الثامن صرح أبو محمد الحسن بن ناصر الحداد العاملي وهو من تلاميذ العلامة الحلي رَحَمَهُ الله بكتابة كتابه ( الدرة النضيدة في شرح الابحاث المفيدة ) مجاور مقام صاحب الزمان عليه السلام بالحلة (2) .
  أقول : يظهر من عبارة التاريخ الاول أن ابن الحداد العاملي كتب مخطوطته بهذه المدرسة المجاورة للمقام إذ أن معنى كلمتي جانب ومجاور واحد .

------------------------------------
(1) أنظر : الباب الأول ( المخطوطة الأولى ) .
(2) انظر : الباب الأول ( المخطوطة الثالثة ) .

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 113 _

  التاريخ الثالث :
  في سنة 776 هـ نسخ حسين بن محمد العراقي لأبنه سعد الدين محمد كتاب ( قواعد الاحكام ) للعلامة الحلي رَحَمَهُ الله وانتهى من نسخه غرة جمادى الآخرة من تلك السنة في مدرسة صاحب الزمان عليه الاسلام (1) .
  التاريخ الرابع :
  في سنة 786 هـ قابل جعفر بن محمد العرقي نسخئ من كتاب ( قواعد الاحكام ) للعلامة الحلي رَحَمَهُ الله على نيخة صحيحة موجودة في مدرسة صاحب الزمان عليه السلام (2) .
  التاريخ الخامس :
  في 16 شهر ربيع الاول سنة 957 هـ نسخ بمدرسة صاحب الزمان عليه السلام كتاب ( المختصر النافع ) للمحقق الحلي رَحَمهُ الله(3) أقول :
  وبعد سنة 957 هـ ضاعت علينا أخبار بلك المدرسة العريقة التي كانت مائلة لعدة قرون ، وبعد التحقيق يظهر أن فترة ضياع ذكرها هي فترة الاحتلال العثماني للعراق ( 914 ـ 1335 هـ ) يقابلها ( 1535 ـ 1917 م ) ذلك الحكم الذي جهد في طمس آثار مذهب الامامية وطبيعي أن ذلك المحتل العنصري المتزمت لا تطيب نفسه على أن تكون للمذهب الامامي الشيعي مدرسة خاصة به فعلى ما احتمل أن أرضيّة بناية جامع الحلة الكبير التابع لأبناء السنة والذي يقع

------------------------------------
(1) انظر : الباب الأول ( المخطوطة الخامسة ) .
(2) المصدر السابق .
(3) أنظر : الباب الأول ( المخطوطة السادسة ) .

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 114 _

  بظهر المقام مباشرة هي أصل تلك المدرسة علماً أن مساحة واسعة من تلك الارضية اقتطعت منه في عام ( 1387 هـ / 1967 م ) وجعلت دكاكين وأسواقا تنوف على المئة ، جعل ريعها لداثرة الوقف السني من ذلك العصر وذلك في عهد الزعيم عبد الرحمن عارف الذي كثر في عصره أعداء الاسلام من الشيوعيين والبعثيين وغيرهم والذين توغلوا في عامة دواثر الدولة وأكملوا لعب الكرة التي لعبها العثمانيون ، وحدثني رجل من موظفي دائرة الوقف الشيعي في الحلة انه رأى مساحة الجامع قبل عمارته الاخيرة عبارة عن مساحة تحوطها حجر قديمة على هيئة بيوت الدرس في المدارس الدينية القديمة ، وكذلك حدثني بذلك الوجيه أمجد بن هلال بن مبارك وانه رأى تلك الحجر ، فعظمت بك المصيبة يوم هدمت تلك العمارة القديمة التابعة أصلا للمقام من قبل السياسات الظالمة وجعلها محلات تجارية وأحسب أن الحلة فقدت مادتها المعنوية يوم أخذت تلك الاراضي المقدسة كما تبع هذا الحكم حزب البعث الظالم وأراد هدم قبر المحقق المحلي رَحَمَهُ الله بحجة التوسعة ولولا جهود الخيرين الحلي ، كما هدم حرم قبر الشيخ محمد بن نما الحلي رَحََمَهُ الله وقبر السيد محمد بن طاووس رَحَمَهُ الله وقبر السيد محمد المنتجب رَحَمَهُ الله وغيرها من القبور بحجة التوسعة وتهديم المدارس الدينية القديمة وجعلها أسواقا كسوق الصّاغة في السوق الكبير الذي كان أصله مدرسة دينية ماثلة للعيان وذلك في أواخر السبعينات الميلادية ، وإنا لله وأنا إليه راجعون .
  وبعد هذا التاريخ كله فهذه دعوة حرة الى كل من يهمه الامر ،

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 115 _

  وخاصة دائرة الوقف الشيعي في التطلع على هذا الامر وخاصة بعدما سهلنا لهم الامر بجمع تلك الحقائق والمعلومات التي أوردنا فيها تاريخ المدرسة من خلال الكتب المطبوعة والمخطوطة .
  أقول : ولا يتعجب المرء ويستغرب من قولي هذا ، فسأذكر مثالاً واحداً يدل على أفعال الدولة العثمانية وفي الحلة خاصة ، الدولة التي حاولت طمس آثارنا الشيعية مدة أربعمائة سنة من الطلم والفقر والاضطهاد .
  والمثال هذا هو حول المدرسة الزينبية : (1) .

------------------------------------
(1) أقول : قد ذكرت هذه المدرسة في عدة مصادر بعدة أسماء كما يلي :
  1 ـ المدرسة الزعية تاريخ الحلة 1 / 105 ، 2 / 94 و 98 .
  2 ـ المدرسة الشرعية تاريخ الحلة 1 / 105 .
  3 ـ المدرسة الزعنية :
  أ ـ فقهاء الحلة 1 / 299 ( السيد هادي كمال الدين ) .
  ب ـ تتميم الرجال المصدر السابق ( السيد علي بن عبد الحميد النيلي ) .
  4 ـ المدرسة الزينبية :
  أ ـ الفوائد الرجالية 3 / 107 ( السيد مهدي بحر العلوم ) .
  ب ـ مجلة معهد المخطوطات العربية 3 / 152 .
  5 ـ المدرسة الزينبية :
  أ ـ مقدمة كتاب ( المهذب البارع ) 1 / 11 ( تحقيق الشيخ مجتبى العراقي ) .
  ب ـ بأرسخ الحلة 1 / 145 .
  وهذا ما اخترّناه لأن هذا الاسم يوحي ان المدرسة سميت تبركا بأسم السيدة زينب بنت أمير المؤمنين عليها السلام ولا وجه بتسميتها بالزعنية أو الزعية أو غيرها فانه تصحيف ـ ( الزينبية ) أو من خطأ النساخ .

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 116 _

  كانت هذه المدرسة في الحلة تضم فئة من رجال العلم والادب والفلسفة ، ولم تكن بغداد في ذلك الوقت تضاهيها من هذه الناحية ، فقد هاجر عنها العلماء ورجال الفكر الى أنحاء أخرى ، وكان أكبر مدرسي هذه المدرسة الشيخ جمال الدين أبو العباس أحمد بن فهد الحلي ( 841 هـ / 1757 م ) وقد تخرج منها على يدي ابن فهد رَحَمَهُ الله جماعة من العلماء الافاضل منهم عز الدين المهلبي والشيخ عبد الشفيع بن فياض الاسدي الحلي صاحب كتاب ( تحفة الطالبين في أصول الدين ) وكتاب ( الفرائد الباهرة ) والسيد محمد بن فلاح المشعشع ، وأضرابهم من علماء ذلك العصر ، وموقع تلك المدرسة في رأس سوق الهرج في الحلة ، وفي مدة حكم الوالي رؤوف باشا سنة 1289 هـ وتحت شعار نشر العلم ( كلمة حق يراد بها باطل ) قامت بتغيير اسم تلك المدرسة الى المدرسة الرشيدية (1) وجعل المدرسة من انشاءات ومشاريع الدولة العثمانية (2) والحال أن المدرسة الزينبية من مدارس الحلة ، إبًان نهضتها في القرون الوسطى وآثارها الى الآن باقية في عصرنا ، فمن خلال قلمنا هذا ندعو دائرة الآثار ، ودائرة الوقف الشيعي للأطلاع على هذا الامر .
  ملاحظة : كان الحديث عن المدرسة الزينبية في الحلة في هذا الباب لسببين :

------------------------------------
(1) أقول : أن الظاهر اسم المدرسة ( الرشدية ) وليس ( الرشيدية ) وذلك لما أحصيته من ذكر هذا الاسم على ثلاث مدارس في بغداد ( في تلك الفترة ) ، راجع كتاب بغداد الفديمة ص 25 و 26 لعبد الكريم العلاّف ( ومؤلف هذا الكتاب كان حيا في تلك الفترة ) .
(2) انظر : تاريخ الحلة ج 1 / ص 145 .

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 117 _

  أولهما :
  الدعوة الى إحياء ذكر بلك المدرسة التاريخية ، والأهتمام بالمدارس العلمية ، وملاحظة طمس الآثار الشيعية ، من قبل السياسات الحاكمة .
  وثانيهما :
  حتى لا يشتبه الامر ، على المتتبع لأثار مدرسة صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف ، الواقعة جوار المقام في سوق الصفارين بالقرب من سوق الهرج ، فأن اثار المدرسة الزينبية ( الرشدية ) الآن في نهاية سوق الهرج كما صرح به صاحب كتاب تاريخ الحلة ( الشيخ يوسف كركوش ) .

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 119 _

الباب الثامن
في ذكر سدنة وأوقاف
مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلة


تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 121 _

  الأمر الأوّل : في ذكر سدنة المقام : اهتم الشيعية الامامية بمشاهد العترة الطاهرة ، فبقوا يحافظون على تلك المشاهد المنسوبة اليهم ، بالعمارة بعد العمارة ، وفي كل مشهد من تلك المشاهد المعظمة وضعوا طائفة وظيفتها أن تهتم بتنظيف تلك المشاهد والعناية بها ، واحترام زائريها وبقديم الخدمات لهم ، وسموا تلك الطائفة بالسدنة ، ومن تلك المشاهد ، مشهد صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلة ، فان مشهده لم يخلُ من تلك الطائفة لكن التاريخ لم يحفظ لنا أسماء من تلك الطائفة ، إلا ما وجدته من اسم واحد ، وبيت واحد ، وهو بيت ( آل القيم ) وأكرم به من بيت ، فيخدمتهم لهذا المقام الشريف نالوا ذلك اللقب السامي ، وقد نال هذا البيت الحظ الأوفر من تلك السدانة وبحقبة زمنية تقدر بنحو ثلاثة قرون أو أكثر ، يستلمها خلف عن سلف وكابر عن كابر ، فقد ذكرهم الشيخ الخاقاني رَحَمَهُ الله في كتابه ( شعراء الحلة ) قائلاً : إن صاحب كتاب ( ديوان القيم ) الذي جمعه الشيخ محمد علي اليعقوبي رَحَمَهُ الله ، هو حسن بن الملا محمد بن يوسف بن إبراهيم بن إسماعيل بن سلمان بن عبد المهدي ، وكان جده هذا سادناً على مقام العيبة التي في نهاية سوق الهرج من جهة الغرب ومن هنا جاءهم لقب ( القيم ) وكانت السدانة لهم من لدن دولة الصفويين في العراق ( 930 ـ 1120 هـ ) وهم حتى

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 122 _

  اليوم يستغلون ثمرة أوقاف الزوير الواقعة في شمال الحلة ، ولد المترجم له أي الشاعر سنة 1276 هـ (1) .
  أقول : ربما ان أوقاف الزوير الواقعة في شمال الحلة هي مما وقفه الحكام الصفويّون للماقم الشريف ، وكان هذا من عادتهم مع المشاهد الشريفة .
  ومن ثمّ انتقلت السدانة الى بيت آخر من بيوتات الحلة ولمدة قصيرة ، ومن بعد تحولت الى بيت آخر ثالث يدعى بـ ( ال الصفار ) ، وكان السادن الأول منهم الحاج حميد حسين الظاهر الصفار الخفاجي الذي خدم المقام نحواً من أربعة عقود وكان معروفاً بتدينه وورعه وتوفي هذا السادن سنة ( 1408 هـ ) ثم استلم السدانة بعده ولداه عبد الله وعبد علي اللذان كانا يسعيان بين حقبة وأخرى لترميم وصيانة وتطوير المقام وبالشكل اللائق وببعض جهود الخيرين دامت توفيقاتهم وأخبرني سادن المقام عبد الله الصفار عن كرامة رآها بأم عينيه أحببت تدوينها هنا وهي من إملائه عليّ قال : في سنة ( 1408 هـ / 1988 م ) وفي الشهر الخامس وفي يوم الجمعة حدثت كرامة في هذا المقام وهي : كان مفتاح باب المقام عند رجل كبير السن وكان مؤمناً اسمه حمزة الحمود ( ابو ابراهيم الصفار ) اُمر هذا الرجل من قِبل مدنة المقام لغيابهم عنه في تلك المدة بفتح وغلق باب المقام ، وعندما اغلق الباب

------------------------------------
(1) انظر : شعراء الحلة / الخاقاني رَحَمَهُ الله ج 3 / ق 1 / ص 50 ( بتصرف ) وذكر لي بعض اهل العلم الثقاة انه سأل الحاجّ خليلاً القيّم حفيد الحاج حسن القيم المذكور عن نسبهم فاجابه انهم ينتمون الى بني اسد .