ليلة الجمعة اغفل أمراً مهماً وهو أن بعضاً من النساء وضعنَ بعض الشموع ومباشرة على كرسي خشب قديم كان داخل المقام ، وكان المقام مفروشاً بحصير من النايلون ( البلاستك ) لان الموسم كان صيفاً ، فأغفل الرجل إطفاء تلك الشموع التي وضعت على الكرسي مباشرة ، فجاء يوم الجمعة صباحاً لفتح باب المقام فوجد أمراً عجيباً ! قد حدث وهو أن الكرسي قد احترق بأكمله ولم يبق إلا رمادُ ولم يروا أثراً لاحتراقه على الحصير سوى بقع صغيرة بقدر الدرهم والحصير لم يحترق فاجتمع الناس لرؤية هذه الكرامة وأخذ الناس رماد ذلك الكرسي للتبرك فيركة صاحب هذا المقام لم يحترق الحصير ولو احترق الحصير لحرق المقام بأكمله لكن أبى الله الا أن يتم نوره ولو كره المشركون .
أقول : لقد انطفأ النور الناتج من احتراق الكرسي عندما حضر النور الالهي تواضعاً منه لذلك النور المقدس فخمدت تلك النيران ببركات يمن وجوده عليه السلام كما خمدت نيران كسرى ببركات يمن جده صلى الله عليه وآله .
الأمر الثاني : في ذكر الأوقاف الخاصة بالمقام :
دأبت الشيعة الامامية ( أنار الله برهانهم ) بجعل وقف من الاراضي أو المشاريع الخيرية وذلك لتعاهد عمارة تلك المشاهد بالبناء والتعمير وقد قدمنا ذكر أوقاف الزوير الواقعة في شمال الحلة التي من المحتمل أن تكون خاصة بهذا المقام ، والان نأتي على ما تبقى من الذكر ، أقول : إنني زرت في سنة 1425 هـ دائرة الوقف الشيعي في الحلة فعثرت في طيات مخزوناتها على أوراق عثمانية يدّعى فيها وجود مقام للأمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في منطقة المحتية
تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام
_ 124 _
التابعة للحلة ورقم المقاطعة المدّعى فيها وجود هذا المقام هو قطعة 114 و 11 أو 14 و 15 العوادل خيكان الغربي وخيكان الشرقي / مدحتية ، كما عثرت في أوراق عثمانية أخرى على ادّعاء وجود مقام آخر للأمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في قضاء الكفل التابع للحلة ورقم المقاطعة المدّعى فيها وجود هذا المقام هو 5 و 6 م 2 هور الشوك / كفل ، جار ابن الجباوي ، والذي اعتقده أن الموضعين المذكورين ليس فيهما مقامان للأمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف لعدم وجود عين ولا أثر لهما ولو كان لهما وجود لما طمست آثارهما ودرست معالمهما وأغلب الظن أنهما من جملة المواضع الموقوفة على مقام الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في الحلة الذي كتبنا هذا البحث في تحقيقه ، وقد لا يبعد أن يكون ذكر هذين المقامين في المكانين المزبورين هو من تزويرات الدولة العثمانية المتعصبة على الشيعة تعصباً لاهوادة فيه ( وتوظيفاً ) لهذا التعصب وبدافع التشويش والتضبيب على عقائد الشيعة اختلقت لهم ما لم يعرفوه ولم ينقله منهم ناقل .
تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام
_ 125 _
الباب التاسع في موقع ووصف
مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلة
تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام
_ 127 _
يقع المقام في مركز مدينة الحلة السيفية في منطقة تدعى ( السنية ) وفي سوق الصفارين على يمين الداخل الى هذا السوق ، و يقع على يسار الداخل للسوق الكبير ، وخلف جامع الحلة الكبير بالضبط ، والمشهور عند أهل الحلة ( مقام الغيبة ) مشتقة من الغائب الذي هو اسم من أمائه عليه السلام .
وفي يوم 2 من شهر ربيع الأول من سنة 1425 هـ تشرفت بزيارة المقام كما كنت أتردد عليه كثيراً وخاصة عند نزولي في الحلة وهي البلدة التي ولدت فيها في سنة 1391 هـ في منزل يقع بالقرب من قبر المحقق الحلي صاحب كتاب ( شرائع الاسلام ) ثم انتقلت الى الارض المقدسة التي حوت جسد أمير المؤمنين عليه السلام وعشت بجواره متنعماً مدة حياتي سوى خمس سنين وأشهر قضيتها في الحلة أوائل عمري .
وعوداً الى بدء
أقول : إن المقام يطل على السوق بمساحة قدرها ( 5 ، 9 م ) والمساحة الكلية للمقام بنحو ( 35 م 2 ) ويتوسط واجهة المقام باب من خشب الساج ارتفاعه ( 2 م ) ويعلو الباب شعر يؤرخ عمارة السيد القزويني ( 1317 هـ ) ويعلو واجهة المقام آية التطهير جددت عام ( 1422 هـ ) وزيارة
مختصرة للامام عجل الله تعالى فرجه الشريف وزينت واجهة المقام بالزخارف الاسلامية ، ويقع على يمين الداخل من الخارج مكان للوضوء ، وعند الدخول للمقام ترى أمامك شباك مصنوع من خشب الساج علوه ( 75 ، 1 م ) وعرضه ( 1 م ) تعلوه زيارة للامام عجل الله تعالى فرجه الشريف وهي الزيارة
تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام
_ 128 _
المعروفة بـ ( السلام على الحق الجديد ) (1) كتبت بالقاشي الازرق وعند توجهك الى جهة القبلة يكون الشباك خلفك و باب المقام أمامك وكتب على لوح فوق الباب من الداخل شعر يؤرخ العمارة الاخيرة وهـي في سـنة ( 1422 هـ ) ثم يعلو الباب الدعاء المعروف ( يا من أظهر الجميل ) ( دعاء أهـل البيت المعمور ) وعليه تأريخ كتابته عـام ( 1417 هـ / 1996 م ) وكتب بالقاشي الازرق ، والقبة من الداخل مزينة وكتب فيها آية النور وأسماء اهل البيت عليه السلام يعلوها لفظ الجلالة وتتوسطها ثريا جميلة وفاخرة ، وصعدنا على مكان مرتفع لنشاهد القبة الشريفة السامية المنيفة فرأيتها قد جدد تغليفها حديثاً وهي خالية من الكتابة والتأريخ سوى أسماء المعصومين عليها السلام وهي شامخة ظاهرة للعيان من بعد ، ومن خلال قلمنا هذا ندعو العلماء الأعلام ودائرة الوقف الشيعي والاخوة المؤمنين والمؤسسات الخيرية
الذين يريدون أن يعظموا شعائر الله ان يلتفتوا لتوسعة حرم المقام الذي لا يتجاوز مساحته سوى ( 35 م 2 ) وذكرنا أنّ المقام كان أوسع بكثير ولكن . . . فان مساحته لا تليق وعمره التأريخي وذلك بضم بعض المحلات الى مساحته حتى تشملهم رعاية الأمام عليه السلام ولطفه .
------------------------------------
(1) هذه الزيارة موجودة في كتاب ( مفاتيح الجنان ) وهي زيارة مطلقة يزار بها في كل الازمنة والامكنة ، نقلها السيد ابن طاووس في كتابه ( مصباح الزائر ) ، ولم أوردها هنا خوف الاطالة .
تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام
_ 129 _
الباب العاشر في ذكر عدة أمور تتعلق بزيارة مولانا
صاحب الزمان اروحنا فداه في هذا المقام
تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام
_ 131 _
الأمر الأوّل : في أن هذا المقام بيت من بيوت الله تعالى يجب تعظيمه : قال المحدث النوري رَحَمَهُ الله : وليس خفياً أن من جملة الأماكن المختصة المعروفة بمقامه صلوات الله عليه مثل : وادي السلام ومسجد السهلة. والحلة ، ومسجد جمكران في خارج قم ، وغيرها ، والظاهر انه تشرف في تلك المواضع بعض من رآه أرواحنا فداه أو ظهرت هناك معجزة ولهذا دخلت في الاماكن الشريفة المباركة ، وأن هناك محلّ أنس وهبوط الملائكة وقلة الشياطين ، وهي أحد الاسباب المقربة لاجابة الدعاء وقبول العبادة .
وجاء في بعض الأخبار : ان الله عَزَّ وَجَل يحب أن يعبد في الاماكن التي هي أمثال هذه الاماكن مثل المساجد ومشاهد الائمة عليها السلام ومقابر أولاد الائمة والصالحين والابرار في أطراف البلاد ، وهي من الألطاف العينيّة ( الغيبية خ . ل ) الإلهية للعباد الضالّين والمضطرّين والمرضى والمستدينين والمظلومين والخائفين والمحتاجين
ونظائرهم من أصحاب الهموم وموزّعي القلوب ومشتّتي الظاهر ومختلّي الحواسّ ، فإنّهم يلجئون الى هناك ويتضرّعون ويتوسلون الى الله عَزَّوَجَل بصاحب ذلك المقام ، ويطلبون علاج أوجاعهم وشفاءهم ودفع شر الاشرار وكثيراً ما يجابون فيعود الذي ذهب الى هنا مريضاً مشافيً مشافياً ، ويذهب المظلوم فيرجع بظلامته ، ويذهب المضطرب هاديء فيرجع البال ، وبالطبع فكلّما يسعى أن يكون هناك أكثر ادياً واحتراماً فسوف يرى خيراً أكثر ، ويحتمل انّ جميع تلك المواضع داخلة في جملة
تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام
_ 132 _
بيوت الله تعالى الّتي أمر أن ترفع ويذكر فيها اسم الله عَزَّ وَجَل ومدح من سبّح الحقّ تعالى بكرةً وأصيلاً ولا يسع المقام تفصيلا أكثر من هذا (1) .
الامر الثاني : في استحباب زيارة مولانا صاحب الزمان ارواحنا فداه في كل زمان ومكان .
قال العلامة المجلسي رحمة الله عليه : اعلم انّه يستحبّ زيارته صلوات الله عليه في كل مكان وزمان ، وفي السرداب المقدس ، وعند قبور أجداده الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين افضل ، وفي الازمنة الشريفة لاسيّما ليلة ميلاده وهي النصف من شعبان على الاصح ، وليلة القدر التي تنزل عليه فيها الملائكة والروح انسب (2) .
نذكر الان رواية يستفاد منها هذا المطلب :
روى سليمان بن عيسى ، عن أبيه قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام كيف أزورك إذا لم أقدر على ذلك ؟ قال : قال لي :
يا عيسى ، إذا لم تقدر على المجيء ، فاذا كان يوم الجمعة فاغتسل او توضأ ، واصعد الى سطحك ، وصلّ ركعتين وتوجّه نحوي ، فانّه من زارني في حياتي فقد زارني في مماتي ، ومن زارني في مماتي فقد زارني في حياتي .
بيان : هذا الخبر يدل على أن زيارة الامام الحي أيضاً تجوز بهذا الوجه ، فهذا مستند لزيارة القائم صلوات الله عليه في أي مكان أراد (3) .
------------------------------------
(1) انظر : النجم الثاقب / النوري رَحَمَهُ الله ج 2 / ص 139 .
(2) انظر : البحار / المجلسي رَحَمَهُ الله ج 102 / ص 119 .
(3) انظر : البحار / المجلسي رَحَمَهُ الله ج 101 / ص 366 .
تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام
_ 133 _
وقال الشيخ الجليل تقي الدين ابراهيم الكفعمي : يستحب زيارة المهدي عليه السلام في كل مكان وزمان ، والدعاء بتعجيل فرجه صلوات الله علي عند زيارته(1) .
الأمر الثالث : في استحباب زيارته ارواحنا فداه في هذا المقام ليلة الجمعة ويومها .
أقول : روي لنا ، كما نقلناه في الباب الثاني من كتابنا هذا ، عن ابن أبي الجواد النعماني ما مضمونه أن الامام صاحب الزمان عليه السلام موجود في هذا المقام ليلة الجمعة ، ويوم الجمعة ، وليعل القاريء العزيز ، أن يوم الجمعة هو أصلاً يومه ، وباسمه ، ويستحب فيه زيارته إذ هو اليوم المتوقع فيه ظهوره ، فلا بأس بأن يزار الامام عليه السلام بما يزار به يوم الجمعة وهي ( السلام عليك يا حجة الله في أرضه ، السلام عليك يا عين الله في خلقه ، السلام عليك يا نور الله الذي يهتدي به المهتدون ، ويفرج به عن المومنين ، السلام عليك أيها المهذب الخائف ، السلام عليك ايها الولي الناصح ، السلام عليك يا سفينة النجاة ، السلام عليك يا عين الحياة ، السلام عليك صلى الله عليك وال بيتك الطيبين الطاهرين ، السلام عليك عجل الله لك ما وعدك من النصر وظهور الامر ، السلام عليك يا مولاي ، انا مولاك عارف باولاك واخراك ، اتقرب الى الله تعالى بك وبال بيتك ، وانتظر ظهورك وظهور الحق على يديك وأسال الله ان يصلي علي محمد وال محمد ، وان يجعلني من المنتظرين لك ، والتابعين والناصرين لك على اعدائك ، و المستشهدين بين يديك في جملة اوليائك ، يا مولاي يا صاحب الزمان ، صلوات الله عليك وعلى ال بيتك ، هذا يوم الجمعة وهو يومك
------------------------------------
(1) انظر : البلد الامين / الكفعمي رَحَمَهُ الله ص 432 .
تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام
_ 134 _
المتوقع فيه ظهورك ، والفرج فيه للمؤمنين على يديك ، وقتل الكافرين بسيفك ، وانا يا مولاي فيه ضيفك وجارك ، وانت يا مولاي كريم من اولاد الكرام ، ومأمور بالضيافة ، والاجارة فاضفني وأجرني ، صلوات الله عليك وعلى أهل بيتك الطاهرين ) .
قال السيد الاجل رضي الدين علي بن طاووس : وأنا اتمثل بعد هذه الزيارة بهذا الشعر واشير اليه عليه السلام واقول : نزيلك حيث ما اتجهت ركابي وضيفك حيث كنت في البلاد(1) .
الامر الرابع : في زيارة خاصة للامام صاحب الزمان أرواحنا فداه فيها هذا المقام
أقول : نقل ابن ابي الجواد انعماني زيارة خاصة لهذا المقام وهي مما رواه عنه عليه السلام .
قال الامام القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف : ( وما من رجل دخل مقامي بالادب يتأدب ويسلم عليّ وعلى الائمة وصلى عليّ وعليهم اثني عشر (2) مرة ثم صلى ركعتين بسورتين ، وناجى الله بهما المناجاة إلا اعطاه الله تعالى ما يسأله أحدها المغفرة ) .
فقال انعماني : يا مولاي علمني ذلك ؟ ( أي المناجاة )
فقال : قل ( اللهم قد أخذ التأديب مني حتى مسني الضر وأنت أرحم الراحمين وإن كان ما اقترفته من الذنوب استحق به أضعاف ما أدبتني به وأنت حليم ذو أناة تعفو عن كثير حتى يسبق عفوك ورحمتك عذابك ) (3) .
------------------------------------
(1) انظر : مفاتيح الجنان / القمي رَحَمَهُ الله ص 143 .
(2) هكذا ورد في اصل المطبوع والاصح ( اثنتي عشرة ) .
(3) انظر : رياض العلماء / للأفندي رَحَمَهُ الله عن النجم الثاقب للنوري رَحَمَهُ الله ج 2 / ص 138 .
تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام
_ 135 _
الامر الخامس : في علّة اشتهار زيارته ارواحنا فداه في مقاماته المنسوبة اليه في ليلة الاربعاء .
أقول : لم أجد رواية صريحة تنص على استحباب زيارته عجل الله تعالى فرجه الشريف في ليلة الاربعاء خاصة سوى قول السيد ابن طاووس رَحَمَهُ الله في مصباح الزائر قال : ( إذا أردت أن تمضي الى السهلة فاجعل ذلك بين المغرب والعشاء الاخرة من ليلة الاربعاء ، وهو أفضل من غيره ) (1) .
ولعل اشتهار زيارة أوليائه من شيعته ومجيه في تلك الليلة أصلها من هذا القول ، وذلك لمنزلة القائل به عندهم حفظهم الله وأيدهم .
ومن عادة أهل الحلة النجباء ، أنهم خصصوا يوم الثلاثاء بأكمله للنساء فقط ، فهنّ يجتمعن في هذا المقام الشريف وفي هذا اليوم لبث شكواهنّ الى إمام زمانهن ارواحنا فداه .
الامر السادس : في تأكيد الدعاء بالفرج لأمامنا صاحب الزمان ارواحنا فداه في هذا المقام .
قال الميرزا محمد تقي الاصفهاني رَحَمَهُ الله في كتابه مكيال المكارم ، عند ذكر الامكنة التي يتأكد فيها الدعاء له عليه السلام ومنها : المقامات المنسوبة اليه ، ومشاهده ، ومواقفه المباركة بيمن وقوفه عليه السلام فيها ، كمسجد الكوفة ، ومسجد السهلة ، ومسجد صعصعة ، ومسجد جمكران وغيرها ، لأنّ عادة أهل المودّة جارية على انّهم إذا شهدوا موقفاً من مواقف محبوبهم تذكّروا لأخلاف ، وتألّموا لفراقه ، ودعوا في حّقه ، بل يأنسون بمواقفه ، ومنزله حبّاً له ، كما قيل :
------------------------------------
(1) انظر : مصباح الزائر / السيد ابن طاووس رَحَمَهُ الله ص 54 .
تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام
_ 136 _
امرّ على الديار ديار ليلى فما حبّ الديار شغفن قلبي اُقبّل ذا الجدار وذا الجدارا ولكن حبّ من سكن الديارا
وقيل أيضا في هذا المعنى : ومن مذهبي حبّ الديار لأهلها وللناس فيما يعشقون مذاهب
فينبغي للمؤمن المخلص إذا دخل السرداب المباركة (1) أو شهد موقفاً من مواقفه الكريمة المشرّفة ، أن يتذكّر صفات مولاه ، من صفات الجمال والجلال ، والكمال
وما هو فيه من بغي أهل العناد والضلال ، ويتفجّع غاية التفجّع من تصوّر تلك الاحوال ، ويسأل من القادر المتعال أن يسهّل فرج مولاه ، ويعطيه ما نتمنّاه ، من دفع الاعداء
ونصر الاولياء .
هذا ، مضافاً إلى أنّ المقامات المذكورة مواقف عبادته ودعائه عليه السلام .
فينبغي للمؤمن المحبّ التأسّي به في ذلك ، فانَّ الدعاء بتعجيل فرجه ، وكشف الكرب عن وجهه ، من أفضل العبادات ، وأهمّ الدعوات (2) .
الامر السابع : في سرعة اجابة الدعاء في هذا المقام الشريف .
سألت أحد المجاورين للمقام ، وهو السيد عصام الحسيني السويدي ، هل من كرامة رأيتها بالعيان حتي أدونها ؟ قال : لم ارَ بالعيان ، ولكن كثرة توافد الزائرين للمقام تدل على سرعة الاجابة فيه وحدوثها عاجلة وهي مما جٌرّب كثيراً ، أقول وأنا الفقير ، إن أهل الحلة يعتقدون اعتقاداً شديداً بهذا المقام ، وصاحبه عليه السلام ، ولذلك يتوافدون
------------------------------------
(1) هكذا ورد في المطبوع من كتاب ( مكيال المكارم ) ط 4 والاصح ( المبارك ) .
(2) انظر : مكيال المكارم / الاصفهاني رَحَمَهُ الله ج 2 ص 64 .
تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام
_ 137 _
عليه بكثرة ، وانني مازرت هذا المقام ووجدته فارغاً قط ، حتى في وقت الظهيرة ، وحتى في أثناء عمارته وبدون انقطاع ، ومن عادة أهل الحلة من رجال ونساء أن يفرقوا بعض الحلوى في المقام الشريف ، بعد إجابة دعواتهم ، حتى اني في بعض زياراتي للمقام أكلت من تلك الحلوى ، التي تفرق على زائري المقام الشريف .
تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام
_ 139 _
الباب الحادي عشر في ذكر من شاهد الامام
صاحب الزمان أرواحنا فداه من أهل الحلة
تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام
_ 141 _
ورد في سير كثير من أعلام الشيعة الامامية ( أنار الله برهانهم ) انهم تشرفوا بلقاء الامام الحجة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وقد دون بعض العلماء الاعلام كالعلامة المجلسي رَحَمَهُ الله والميرزا النوري رَحَمَهُ الله في كتبهم ، تلك اللقاءات وكان لعلماء مدينة الحلة من ذلك نصيب موفور وحظ غير منقوص ويمكن أن يستأنس أن لقاء بعضهم وتشرّفه به عجل الله تعالى فرجه الشريف في هذا المقام فاتصل خبر هذا اللقاء المبارك ، وهذا لا يمنع أن يكون الامام عجل الله تعالى فرجه الشريف قد شرف هذا الموضع قبل هؤلاء الاجلاء ، وان الله تعالى جعل لهذا الموضع من القدسية ما خصه بكثرة وجوده فيه ، ومعلوم أن الله خصّ بعض الازمنة ، بخصائص تشريف وتعظيم ، فكان من موارد هذا التشريف والتعظيم هو هذا الموضع المبارك الشريف ، وقد خفظ لنا التاريخ اسماء جماعة من أعاظم علماء الحلة ، ولقد أسلفنا ذكر ثلاثة منهم ، في الباب الثالث من كتابنا هذا وهم :
أبو راجح الحمّامي ( صاحب الحمام العمومي في الحلة ) .
وأم عثمان ( المرأة التي كشف بصرها برؤية طلعته المباركة ) .
والشيخ جمال الدين الزاهدري ( الذي شفي من الفالج ببركة يده صلى الله عليه وآله ) .
والان نأتي على من لم نذكرهم وهم : ( وذكرهم في هذا الباب ، حسب التسلسل التاريخي ) .
1 ـ السيد رضي الدين محمد بن محمد الآوي الحسيني رَحَمَهُ الله تـ ( 654 هـ ) : وأما حكاية لقائه على ما نقله العلامه الحلي رَحَمَهُ الله في كتاب ( منهاج الصلاح ) قال :
تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام
_ 142 _
نوع آخر من الاستخارة رويته عن والدي الفقيه سديد الدين يوسف بن علي بن المطهر رَحَمَهُ الله عن السيد رضي الدين الآوي الحسيني رَحَمَهُ الله
عن صاحب الامر عجل الله تعالى فرجه الشريف وهو : أن يقرأ فاتحة الكتاب عشر مرات ، وأقلّه ثلاث مرات ، والأدون منه مرة ، ثم يقرأ ( انا انزلناه ) عشر مرات ، ثم يقرأ هذا الدعاء ثلاث مرات : ( اللهم اني استخيرك بعلمك بعواقب الامور ، واستشيرك لحسن ظنّي بك في المأمول والمحذور ، اللهم إن كان الامر الفلاني قد نيطت بالبركة اعجازه وبواديه وحفّت بالكرامة أيامه ولياليه ، فخر لي خيرة درك شموسه ذلولاً وتقعص أيامه سروراً ، اللهم إمّا أمر فأأتمر ، وإما نهي فانتهي اللهم اني
استخيرك برحمتك خيرة في عافية ) .
ثم يقبض على قطعة من السبحة ويضمر حاجته ، ويخرج إن كان عدد تلك القطعة زوجا فهو افعل ، وإن كان فردا لا تفعل ، أو بالعكس (1) .
وقد نقل العلامة النوري رَحَمَهُ الله لقاء ثانياً لهذا السيد الآوي نقل فيه السيد دعاء العبرات المشهور ولم أنقله هنا خوفاً من الاطالة ومن أراده فليراجع ، النجم الثاقب ج 2 ص 127 ، جنة المأوى ص 221 ، كما نقل السيد رضي الدين ابن طاووس هذا الدعاء عن السيد نفسه في كتاب ( مهج الدعوات ) .
2 ـ السيد الاجل صاحب الكرامات الباهرات السيد علي بن موسى بن جعفر بن طاووس ( تـ 664 هـ ) : وقد صرح في مطاوي كتبه بتلك اللقاءات ومن
خلال فقرات من كتابه ( كشف المحجة لثمرة
------------------------------------
(1) انظر : النجم الثاقب / النوري الله رَحَمَهُ ، ج 2 ص 126 ، وقد نقل الشهيد الاول في الذكرى هذه الاستخارة عن السيد .
تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام
_ 143 _
المهجة ) الذي كتبه لولده وكان عمره حينئذ سبع سنين استدل شيخنا الميرزا حسين النوري رَحَمَهُ الله صاحب كتاب مستدرك الوسائل ان باب لقائه إياه صلوات الله عليه كان مفتوحاً دائماً وأبداً له .
قال العلامة الحلي في حقه في إجازته الكبيرة : ( وكان رضي الدين علي رَحَمَهُ الله صاحب كرامات حكى لي بعضها وروى لي والدي رحمة الله عليه البعض الآخر وكان أعبد من رأيناه من أهل زمانه ) .
ولقد نقل العلامة النوري لهذا السيد عدة لقاءات وسوف نذكر هنا لقاءين .
اللقاء الاول : قال السيد الجليل القدر علي بن طاووس في كتاب ( مهج الدعوات ) : ( وكنت أنا بسر من رأى فسمعت سحراً دعاءه عليه السلام فحفظت منه عليه السلام من الدعاء لمن ذكره من الاحياء والاموات ( وابقهم ) أو قال : ( وأحيهم في عزنا وملكنا وسلطاننا ودولتنا ) وكان ذلك في ليلة الاربعاء ثالث عشر ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين وستمائة (1) .
اللقاء الثاني : وذكر في ملحقات كتاب أنيس العابدين انه نقل عن ابن طاووس رَحَمَهُ الله انه سمع سحراً في السرداب عن صاحب الامر عليه السلام انه يقول : ( اللهم ان شيعتنا خُلقت من شعاع أنوارنا وبقية طينتنا ، وقد فعلوا ذنوباً كثيرة اتكالاً على حّبنا وولايتنا ، فان كانت ذنوبهم بينك وبينهم فاصفح عنهم فقد رضينا ، وما كان منها فيما بينهم
فأصلح بينهم وقاص بها عن خمسنا ، وأدخلهم الجنّة وزحزحهم عن النار ، ولا تجمع بينهم وبين أعدائهم في سخطك ) (2) .
------------------------------------
(1) أنظر : النجم الثاقب ، النوري رَحَمَهُ الله ، ج 2 ، ص 120 .
(2) أنظر : النجم الثاقب ، النوري رَحَمَهُ الله ، ج 2 ، ص 120 .
تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام
_ 144 _
3 ـ رجل اسمه عبد المحسن : وهو من الزاهدين العابدين المتمسكين بحبل ولائه عليه السلام وأرسل الامام عليه السلام على يديه رسالة خاصة الى السيد ابن طاووس .
وأما حكاية لقائه بالامام فلقد أوردها العلامة النوري في كتبه ونحن نتبرك بذكرها ( والكلام للسيد ابن طاووس ) .
( ... وتوجهنا من هناك لزيارة أول رجب بالحلة ، فوصلنا ليلة الجمعة سابع عشر جمادى الآخرة بحسب الاستخارة ، فعرّفني حسن بن البقلي يوم الجمعة المذكورة أن شخصاً يقال له : عبد المحسن ، من أهل السواد (1) قد حضر بالحلة وذكر أنه قد لقيه مولانا المهدي صلوات الله عليه ظاهراً في اليقظة ، وقد أرسله الى
عندي برسالة فنفذت قاصداً وهو محفوظ بنفرا فحضر ليلة السبت ثامن عشر من جمادى الآخرة المقدم ذكرها ، فخلوت بهذا الشيخ عبد المحسن ، فعرفته هو رجل صالح ، لا يشك النفس في حديثه ، ومستغنٍ عنا وسألته فذكر أن اصله من حصن بشر وانه انتقل الى الدولاب الذي بازاء المحولة المعروفة بالمجاهديّة ، ويعرف الدولاب بابن أبي الحسن ، وانه مقيم هناك وليس له عمل بالدولاب ولا زرع ، ولكنه باجر في شراء غليلات وغيرها ، وانه كان قد ابتاع غلة من ديوان السرائر وجاء ليقبضها ، وبات عند المعيدية في المواضع المعروفة بالمحبر .
فلما كان وقت السحر كره استعمال ماء المعيدية ، فخرج فقصد النهر ، والنهر في جهة المشرق ، فما احسّ بنفسه إلا وهو في تل السلام
------------------------------------
(1) قال المؤلف رَحَمَهُ الله : يعني قرى العراق .
تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام
_ 145 _
في طريق مشهد الحسين عليه السلام في جهة المغرب وكان ذلك ليلة الخميس تاسع عشر شهر جمادى الاخرة من سنة احدى وأربعين وستمائة التي تقدم شرح بعض ما تفضل الله عليّ فيها وفي نهارها في خدمة مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام .
فجلست أريق ماء وإذا فارس عندي ما سمعت له حساً ولا وجدت لفرسه حركة ولا صوتاً ، وكان القمر طالعاً ، ولكن كان الضباب كثيراً .
فسألته عن الفارس وفرسه ، فقال : كان لون فرسه صداءً (1) وعليه ثياب بيض وهو متحنّك بعمامة ومتقلد بسيف .
فقال الفارس لهذا الشيخ عبد المحسن : كيف وقت الناس ؟ قال عبد المحسن : فظننت انه يسأل عن ذلك الوقت ، قال : فقلت الدينا عليه (2) ضباب وغبرة ، فقال : ما سألتك عن هذا ، أنا سألتك عن حال الناس ، قال : فقلت الناس طيبين مرخّصين آمنين (3) في أوطانهم وعلى أموالهم .
فقال : تمضي الى ابن طاووس ، وتقول له كذا وكذا ، وذكر لي ما قال صلوات الله عليه ثم قال عنه عليه السلام : فالوقت قد دنا ، فالوقت قد دنا .
قال عبد المحسن : فوقع في قلبي وعرفت نفسي انه مولانا صاحب الزمان عليه السلام ، فوقعت على وجهي وبقيت كذلك مغشياً عليّ الى أن طلع الصبح ، قلت له : فمن أين عرفت انه قصد ابن طاووس عني ؟ قال : ما أعرف من
------------------------------------
(1) أي احمر غامق مائل للسواد .
(2) كذا ورد في المطبوع والاصح عليها .
(3) هكذا ورد في النص والاصح بالرفع أي ( طيبون ، مرخصون ، امنون ) .
تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام
_ 146 _
بني طاووس إلا أنت ، وما في قلبي إلا انه قصد بالرسالة اليك ، قلت : أي شيء فهمت بقوله عليه السلام فالوقت قد دنا ، فالوقت قد دنا هل قصد وفاتي ( قد دنا ) ام ( قد دنا وقت ظهوره ) صلوات الله وسلامه عليه ؟ فقال : بل قد دنا وقت ظهوره صلوات الله عليه .
قال : فتوجهت ذلك الوقت الى مشهد الحسين عليه السلام وعزمت انني الزم بيتي مدة حياتي أعبد الله تعالى ، وندمت كيف ما سألته صلوات لله عليه عن أشياء كنت اشتهي اسأله فيها .
قلت له : هل عرّفت بذلك أحداً ؟ قال : نعم ، عرّفت بعض من كان عرف بخروجي من المعيدية ، وتوهموا اني قد ظللت وهلكت بتأخيري عنهم ، واشتغالي بالغشية التي وجدتها ، ولأنهم كانوا يروني طول ذلك النهار يوم الخميس في أثر الغشية التي لقيتها من خوفي منه عليه السلام فوصيّته أن لا يقول ذلك لأحد أبداً وعرضت عليه شيئاً ، فقال : انا مستغن عن الناس وبخير كثير .
فقمت أنا وهو فلما قام عني نفذت له غكاء وبات عندنا في المجلس على باب الدار التي هي مسكني الان بالحلة ، فقمت وكنت أنا وهو في الروشن (1) في خلوة ، فنزلت لأنام فسألت الله زيادة كشف في المنام في تلك الليلة اراه أنا .
فرأيت كأن مولانا الصادق عليه السلام قد جاءني بهدية عظيمة ، وهي عندي وكأنني ما أعرف قدرها ، فاستيقظت وحمدت الله وصعدت الروشن لصلاة نافلة الليل وهي ليلة السبت ثامن عشر جمادى الآخرة
تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام
_ 147 _
فأصعد فتح (1) الابريق الى عندي فممدت يدي فلزمت عروته لأفرغ على كفي فأمسك ماسك فم الابريق وأداره عني ومنعني من استعمال الماء في طهارة الصلاة ، فقلت : لعل الماء نجس فأراد الله أن يصونني عنه فان لله عَزَوَجَل عليّ عوائد كثيرة أحدها مثل هذا وأعرفها .
فناديت الى فتح ، وقلت : من أين ملأت الابريق ؟ فقال : من المصبّة ، فقلت : هذا لعله نجس فاقلبه وطهره (2) واملأه من الشط فمضى وقلّبه وأنا اسمع صوت الابريق وشطفه وملأه من الشط ، وجاء به فلزمت عروته وشرعت اُقلب منه على كفي فأمسك ماسك فم الابريق وأداره عني ومنعني منه ، فعدت وصبرت ، ودعوت بدعوات ، وعاودت الابريق وجرى مثل ذلك ، فعرفت أن هذا منع لي من صلاة الليل تلك الليلة ، وقلت في خاطري لعل الله يريد أن يجري عليّ حكماً وابتلاءولا يريد أن ادعو الليلة في السلامة من ذلك ، وجلست لا يخطر بقلبي غير ذلك .
فنمت وأنا جالس ، وإذا برجل يقول لي ( يعني عبد المحسن الذي جاء بالرسالة ) كان ينبغي ان تمشي بين يديه ، فاستيقظت ووقع في خاطري انني قد قصرت في احترامه واكرامه ، فتبت الى الله جَلَ جَلالَه واعتمدت ما يعتمد التائب من مثل ذلك ، وشرعت في الطهارة فلم يمسك أبداً فم الابريق وتركت على عادتي فتطهرت وصليت ركعتين فطلع الفجر فقضيت نافلة الليل ، وفهمت انني ما قمت بحق هذه
------------------------------------
(1) فتح : اسم غلامه .
(2) قال المؤلف رَحَمَهُ الله : ( في نسخة الفاضل الهندي : فاشطفه ، وهي الأصح لغة ، وبقرينة ما يأتي ) .
تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام
_ 148 _
الرسالة ، فنزلت الى الشيخ عبد المحسن وتلقيته وأكرمته ، وأخذت له من خاصّتي ستة دنانير ومن غير خاصّتي خمسة عشر ديناراً مما كنت أحكم فيه كمالي وخلوت به في الروشن ، وعرضت ذلك عليه ، واعتذرت اليه ، فامتنع من قبول شيء أصلاً ، وقال : إن معي مائة دينار وما آخذ شيئاً ، اعطه لمن هو فقير ، وامتنع غاية الامتناع .
فقلت : إن رسول مثله ( عليه الصلاة والسلام ) ، يعطى لأجل الاكرام لمن أرسله لالأجل فقره وغناه ، فامتنع ، فقلت له ( مبارك ) اما الخمسة عشر ، فهي من غير خاصّتي ، فهي من غير خاصّتي ، فلا أكرهك على قبولها وأما هذه الستة دنانير فهي من خاصّتي فلابد أن تقبلها مني فكاد أن يؤيسني من من قبولها ، فألزمته فأخذها ، وعاد تركها ، فألزمته فأخذها ، وتغديت أنا وهو ، ومشيت بين يديه كما اُمرت في المنام الى ظاهر الدار وأوصيته بالكتمان ، و الحمد لله وصلى الله على سيد المرسلين محمد وآله الطاهرين )(1) .
3 ـ اسماعيل بن الحسن الهرقلي : (2) وأما حكاية لقائه بالامام عجل الله تعالى فرجه الشريف نقلاً عن كتاب ( كشف الغمة ) قال العالم الفاضل علي بن عيسى الاربلي :
( ... وحدثني بهما جماعة من ثقات إخواني كان في البلاد الحلية شخص يقال له اسماعيل بن الحسن الهرقلي من قرية يقال لها هرقل ، مات في زماني وما رأيته ، حكى لي ولده شمس الدين قال : حكى لي والدي انه خرج فيه ( وهو شباب ) على فخذه الايسر توثة (3) مقدار قبضة الانسان ، وكانت في
------------------------------------
(1) انظر : النجم الثاقب ، النوري رَحَمَهُ الله ج 2 ص 105 .
(2) هرقل : قرية من قرى الحلة .
(3) التوثة : بثرة متقرحة .
تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام
_ 149 _
كل ربيع تشقق ويخرج منها دم وقيح ، ويقطعه ألمها عن كثير من أشغاله ، وكان مقيماً بهرقل ، فحضر الحلة يوماً ودخل الى مجلس السعيد رضي الدين علي بن طاووس رَحَمَهُ الله وشكا اليه ما يجده منها وقال : أريد أن اداويها فأحضر له أطباء الحلة وأراهم الموضع ، فقالوا : هذه التوثة فوق العرق الاكحل وعلاجها خطر ومتى قطعت خيف أن ينقطع العرق فيموت ، فقال له السعيد رضي الدين ( قدس الله روحه ) : أنا متوجه الى بغداد وربما كان أطباؤها أعرف وأحذق من هؤلاء فاصحبني فأصعد معه وأحضر الاطباء فقالوا كما قال أولئك فضاق صدره ، فقال له السعيد : إن الشرع قد فسح لك في الصلاة في هذه الثياب وعليك الاجتهاد في الاحتراس ، ولا تغرر بنفسك فالله تعالى قد نهى عن ذلك ورسوله ، فقال له والدي : إذا كان الامر على ذلك وقد وصلت الى بغداد فأتوجه الى زيارة المشهد الشريف بسرّ من رأى على مشرفه السلام ، ثم انحدر الى أهلي فحسّن له ذلك ، فترك ثيابه ونفقته عند السعيد رضي الدين وتوجّه ، قال : فلما دخلت المشهد وزرت الائمة عليهم السلام ونزلت في السرداب واستغثت بالله تعالى وبالامام عليه السلام وقضيت بعض الليل في السرداب وبتّ في المشهد الى الخميس ، ثم مضيت الى دجلة واغتسلت ولبست ثوباً نظيفاً وملأت ابريقاً كان معي ، وصعدت
أريد المشهد ، فرأيت أربعة فرسان خارجين من باب السور ، وكان حول المشهد قوم من الشرفاء يرعون أغنامهم فحسبتهم منهم فالتقينا فرأيت شابين أحدهما عبد مخطوط وكل واحد منهم متقلد بسيف ، وشيخاً منقباً بيده رمح والآخر متقلد بسيف ، وعليه فرجية (1) ملونة فوق السيف وهو متحنك بعذبته ، فوقف الشيخ صاحب الرمح يمين الطريق
ووضع كعبه
------------------------------------
(1) الفرجية : نوع من انواع الملابس .
تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام
_ 150 _
في الارض ، ووقف الشابان عن يسار الطريق ، وبقي صاحب الفرجية على الطريق مقابل والدي ، ثم سلموا عليه فرد عليهم السلام ، فقال له صاحب الفرجية : أنت غداً تروح الى أهلك ؟ فقال : نعم ، فقال له : تقدم حتى ابصر ما يوجعك ؟ قال : فكرهت ملامستهم ، وقلت في نفسي أهل البادية ما يكادون يحترزون من النجاسة : وأنا قد خرجت من الماء وقميصي مبلول ، ثم اني بعد ذلك تقدمت اليه فلزمني بيده ومدّتي اليه وجعل يلمس جانبي من كتفي الى أن أصابت يده التوثة فعصرها بيده ، فأوجعني ثم استوى في سرجه كما كان ، فقال لي الشيخ : أفلحت يا اسماعيل ، فعجبت من معرفته باسمي ، فقلت : أفلحنا وأفلحتم إن شاء الله ، فقال لي الشيخ : هذا هو الامام ،
قال : فتقدمت اليه فاحتضنته وقبلت فخذه ، ثم انه ساق وانا امشي معه محتضنه ، فقال : ارجع فقلت : لا إفارقك أبداً فقال : المصلحة رجوعك ، فأعدت عليه مثل القول الاول ، فقال الشيخ : يا اسماعيل ما تستحي ، يقول لك الامام مرتين ارجح وتخالفه ؟ فجبهني بهذا القول فوقفت فتقدم خطوات والتفت الي وقال : إذا وصلت بغداد فلابد أن يطلبك ابو جعفر ( يعني الخليفة المستنصر رَحَمَهُ الله ) فاذا حضرت عنه وأعطاك شيئاً فلا تأخذه وقل لولدنا الرضي ليكتب لك الى علي ابن عوض ، فانني أوصيه يعطيك الذي تريد .
ثم سار وأصحابه معه ، فلم إزل قائماً أبصرهم الى أن غابوا عني ، وحصل عندي أسف لمفارقته فقعدت الى الارض ساعة ثم مشيت الى المشهد ، فاجتمع القوّام حولي وقالوا : نرى وجهك متغيراً أوجعك شيء ؟ قلت : لا ، قالوا : أخاصمك أحد ؟ قلت : لا ، ليس عندي مما تقولون خبر ، لكن اسألكم هل عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم ؟ فقالوا : هم من الشرفاء
تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام
_ 151 _
أرباب الغنم : فقلت : لا ، بل هو الامام عليه السلام فقالوا : الامام هو الشيخ أو صاحب الفرجية ؟ فقلت : هو صاحب الفرجية : فقالوا : أريته المرض الذي فيك ؟ فقلت : هو قبضه بيده وأوجعني ، ثم كشفت رجلي فلم أر لذلك المرض أثراً ، فتداخلني الشك من الدهش ، فأخرجت رجلي الاخرى فلم أر شيئاً ، فأنطبق الناس عليّ ومزقوا قميصي فأدخلني القوّام خزانة ومنعوا الناس عني ، وكان ناظراً بين النهرين بالمشهد ، فسمع الضجة وسأل عن الخبر فعرفوه ، فجاء الى الخزانة وسألني عن اسمي وسألني منذ كم خرجت من بغداد ؟ فعرفته اني خرجت في أول الاسبوع ، فمشى عني ، وبتّ في المشهد وصليت الصبح وخرجت وخرج الناس معي الى أن بعدت عن المشهد ، ورجعوا عني ووصلت الى أوانا (1) فبتّ بها وبكرت منها أريد بغداد فرأيت الناس مزدحمين على القنطرة العتيقة يسألون من ورد عليهم عن اسمه ونسبه واين كان ، فسألوني عن اسمي ومن اين جئت ، فعرفتهم فاجتمعوا عليّ ومزقوا ثيابي ولم يبق لي في روحي حكم ، وكان ناظر بين النهرين كتب الى بغداد وعرفهم الحال ثم حملوني الى بغداد وازدحم الناس عليّ وكادوا يقتلونني من كثرة الزحام ، وكان الوزير القمي رَحَمَهُ الله قد طلب السعيد رضي الدين رَحَمَهُ الله وتقدم أن يعرفه صحة هذا الخبر .
قال : فخرج رضي الدين ومعه جماعة فوافينا باب النوبى ، (2) فرد أصحابه الياس عني ، فلما رآني قال : أعنك يقولون ؟ قلت : نعم ،
------------------------------------
(1) أوانا : بلدة كثيرة البساتين نزهة من نواحي دجيل بغداد بينها وبين بغداد عشرة فراسخ .
(2) باب النوبى : من ابواب دار الخلافة العباسية في الجانب الشرقي من بغداد .