أقول : حدثت هذه الكرامة سنة ( 744 هـ / 1323 م ) وراويها محمد بن قارون المتقدم ذكره وترجمته في الحكاية الأولى من هذا الباب .
  وبرس : بضم الباء وسكون الراء والسين المهملة ناحية من ارض بابل وهي بحضرة الصرح ( صرح نمرود بن كنعان ) وهي الآن قرية معروفة بقبل الكوفة وينسب إليها الحافظ رجب البرسي رَحَمَهً الله.
  ومقام ابراهيم الخليل عليه السَّلام : موجود الى زماننا هذا ويقع بالحلة في تلك القرية ( تشرفت بزيارته انا عدة مرات ) .

الحكاية الثالثة :
  حكاية شفاء الشيخ جمال الدين الزهدري
وذكر هناك أيضاً : أي ( في كتاب السلطان المفرج عن أهل الايمان ) .


  ومن ذلك بتأريخ صفر سنة سبعمائة وتسع وخمسين حكي لي المولى الاجل الامجد العالم الفاضل ، القدوة الكامل ، المحقّق المدقّق ، مجمع الفضائل ومرجع الافاضل ، افتخار العلماء في العالمين ، كمال الملة والدين ، عبد الرحمن ابن العمّاني ( كذا ) ، وكتب بخطه الكريم ، عندي ما صورته :
  قال العبد الفقير الى رحمة الله تعالى عبد الرحمن بن ابراهيم القبائقي : (1) اني كنت أسمع في الحلة السيفية حماها الله تعالى ان المولى الكبير المعظم جمال الدين ابن الشيخ الاجل الاوحد الفقيه القاريء نجم الدين جعفر ابن الزاهدري كان به فالج ، فعالجته جدّته لأبيه بعد موت أبيه بكل علاج للفالج فلم يبرأ ، فأشار عليها بعض

------------------------------------
(1) هكذا ورد في الاصل والصحيح العتالقي .

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 64 _

  الاطباء ببغداد فأحضرتهم فعالجوه زماناً طويلاً فلم يبرأ ، وقيل لها : ألا تبيّتينه تحت القبة الشريفة بالحلة المعروفة بمقام صاحب الزمان عليه السَّلام لعل الله تعالى يعافيه ويبرأه ، ففعلت وبيّتته تحتها وان صاحب الزمان عليه السّلام أقامه وأزال عنه الفالج .
  ثم بعد ذلك حصل بيني وبينه صحبة حتى كّنا لم نكد نفترق ، وكان له دار المعشرة ، يجتمع فيها وجوه أهل الحلة وشبابهم وأولاد الاماثل منهم ، فاستحكيته عن هذه الحكاية ، فقال لي :
  إني كنت مفلوجاً وعجز الاطباء عني ، وحكى لي ما كنت اسمعه مستفاضاً في الحلة من قضيته وان الحجة صاحب الزمان عليه السَّلام قال لي : ( وقد أباتتني جدّتي تحت القبة ) : قم .
  فقلت : ياسيدي لا أقدر على القيام منذ سنتي ، فقال : قم باذن الله تعالى وأعانني على القيام ، فقمت وزال عني الفالج ( أي شلل الاعضاء ) .
  وانطبق عليّ الناس حتى كادوا يقتلونني ، وأخذوا ما كان عليّ من الثياب تقطيعاً وتنتيفاً يتبرّكون فيها ، وكساني الناس من ثيابهم ، ورحت الى البيت ، وليس بيّ أثر الفالج ، وبعثت الى الناس ثيابهم ، وكنت أسمعه يحكي ذلك للناس ولمن يستحكيه مراراً حتى مات رَحَمَهُ الله(1) .

بحث حول الحكاية :
  تاريخ الحكاية : أقول ، إنَّ تاريخ نقل هذه الحكاية هو سنة ( 759 هـ ـ 1238 م ) .

------------------------------------
(1) انظر : بحار الانوار ج 52 / ص 73 .

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 65 _

  راوي الحكاية : الشيخ العالم الفاضل المحقق المدقق الفقيه المتبحر كمال الدين عبد الرحمن بن محمد بن ابراهيم ابن العتايقي (1) الحلي الامامي ، كان معاصرا للشهيد الاول رَحَمَهُ الله وبعض تلامذة العلامة الحلي رَحَمَهُ الله ، وقال البعض انه ادرك العلامة ، وتلمذ على يد نصير الدين علي بن محمد الكاشي تـ 755 هـ ، وكان من مشايخ السيد بهاء الدين علي بن عبد الحميد النجفي ، وبروي عن جماعة منهم جمال الدين الزهدري ، توفى بعد سنة 788 هـ التي الف فيها كتابه ( الارشاد في معرفة الابعاد ) وهو صاحب التصانيف الكثيرة والموجود بعضها في الخزانة الغروية ، ولا أرى بأماً بايراد اسمائها هنا فله كتاب ( شرح على نهج البلاغة ) وكتاب ( مختصر الجزء الثاني من كتاب الاوائل لأبي هلال العسكري ) وكتاب ( الاعمار ) وكتاب ( الاضداد في اللغة ) وكتاب ( الايضاح والتبيين في شرح منهاج اليقين ) وكتاب ( اختيار حقائق الخلل في دقائق الحيل ) وكتاب ( صفوة الصفوة ) وكتاب ( اختصار كتاب بطليموس ) وكتاب ( الشهدة في شرح معرف الزبدة ) وكتاب ( الايماقي ) وكتاب ( في التفسير وهو مختصر تفسير القمي ) وكتاب ( الارشاد ) و ( الرسالة المفيدة لكل طالب مقدار ابعاد الافلاك والكواكب ) وله ( شرح على الجغميني ) وله ( شرح التلويح ) ، وغيرها من الكتب في شتى أنواع العلوم ، وللأسف الشديد ان كتبه لم تر النور

------------------------------------
(1) العتائقي نسبة الى العتائق قرية بقرب الحلة المزيدية ، وليس بالقبائقي كما في نسخ البحار المطبوعه فانه تصحيف ، كما اني لم ارَّ من الرجاليين من ذكرن بابن العماني بل المشهور انه ابن العتائقي ولعلها تصحيف ايضا او من خطأ النساخ .

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 66 _

  الى الآن مع كثرتها سوى كتابه ( الناسخ والمنسوخ ) فمن قلمنا هذا ندعو دور النشر والتأليف لأخراج كتبه خدمة للمذهب الامامي واحياء لآثار هذا الشيخ الجليل ، وصرح جمع من العلماء كالسيد محسن الأمين رَحَمَهُ الله والشيخ عباس القمي رَحَمَهُ الله والشيخ اغا بزرك الطهراني بمشاهدة كتبه في الخزانة الغروبة وكتب أخرى لغيره بخط يده ذكر فيها نسبه وتأريخه من ( 738 ـ 788 هـ ) (1) .
  صاحب الحكاية : الشيخ جمال الدين بن نجم الدين جعفر الزهدري ، لم أجد له ذكراً في كتب الرجال وانما وقفت على ترجمة والده الاجل الشيخ جعفر الزهدري صاحب كتاب ( ايضاح ترددات الشرائع ) (2) ويظهر من ثناء ابن العتائقي عليهما ، عظيم منزلتهما وجلالتهما .
  وبهذه الحكاية انتهى ما أردنا نقله من حكايات كتاب ( السلطان المفرج عن اهل الايمان ) .

الحكاية الرابعة :
حكاية ابن ابي الجواد النعماني


  قال العالم الفاضل المتبحّر النقّاد الآميرزا عبد الله الاصفهاني الشهير بالافندي في المجلد الخامس من كتاب ( رياض العلماء

------------------------------------
(1) انظر : رياض العلماء ج 3 / ص 103 ، سفينة البحار ط ج / ج 2 / ص 157 ، كذلك الذريعة في اجزائها .
(2) وقد طبع الكتاب في زماننا هذا بجهود العلامة الحجة السيد محمود المرعشي في قم المقدسة وقد رأيت نسخته المطبوعة .

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 67 _

  وحياض الفضلاء ) في ترجمة الشيخ ابن ابي الجواد النِّعماني (1) انه ممن رأى القائم عليه السلام في زمن الغيبة الكبرى ، وروى عنه عليه السلام ، ورأيت في بعض المواضع نقلاً عن خط الشيخ زين الدين علي بن الحسن بن محمد الخازن الحائري تلميذ الشهيد انه قد رأى ابن ابي جواد النعماني مولانا المهدي عليه السلام فقال له :
  يا مولاي لك مقام بالنعمانية ومقام بالحلة ، فأين تكون فيهما ؟
  فقال له : أكون بالنعمانية ليلة الثلاثاء ويوم الثلاثاء ، ويوم الجمعة وليلة الجمعة أكون بالحلة ولكن أهل الحلة ما يتأدّبون في مقامي ، وما من رجل دخل مقامي بالأدب يتأدّب ويسلم عليّ وعلى الأئمة وصلّى عليّ وعليهم اثني عشر (2) مرة ثم صلى ركعتين بسورتين ، وناجى الله بهما المناجاة إلاّ اعطاه تعالى ما يسأله احدها المغفرة .
  فقلت : يا مولاي علمني ذلك .
  فقال : قل ( اللهم قد أخذ التأديب مني حتى مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ، وان كان ما اقترفته من الذنوب استحق به أضعاف أضعاف ما أدبتني به ، وأنت حليم ذو اناة تعفو عن كثير حتى يسبق عفوك ورحمتك عذابك ) وكررها عليّ ثلاثاً حتى فهمتها (3)(4) .

------------------------------------
(1) النعمانية : بلدة بناها النعمان بن المنذر وتقع بين واسط وبغداد في نصف الطريق على ضفة دجلة معدودة من اعمال الزاب الاعلى .
(2) هكذا ورد في المطبوع والاصح اثنتي عشرة .
(3) قال المؤلف رَحَمَهُ الله : يعني حفظتها .
(4) انظر : النجم الثاقب / النوري رَحَمَهُ الله ج 2 / ص 138 .

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 68 _

بحث حول الحكاية :
  راوي الحكاية : زين الدين علي بن أبي محمد الحسن بن محمد الخازن الحائري ، تلميذ الشهيد الاول ( 734 ـ 786 هـ ) وقد أجازه الشهيد الاول سنة 784 هـ وهو من مشايخ العلامة أبي العباس أحمد بن فهد الحلي ويروي عنه ، وأجازه في سنة 791 هـ ويعبر عنه بالشيخ علي الخازن الحائري ، وهو من علماء المائة الثامنة ، قال عنه الشهيد الاول رَحَمَهُ الله في إجازته له :
  المولى الشيخ العالم التقي الورع المحصل العالم بأعباء العلوم الفائق أولي الفضائل والفهوم زين الدين أبو علي ... (1) .
  صاحب الحكاية : ابن أبي الجواد النعماني ، لم أجد له ترجمة في كتب الرجال ، سوى ما ترجمه ناقل الحكاية الافندي رَحَمَهُ الله في كتابه رياض العلماء الذي فقد معظم مجلداته ، ويظهر من راوي الحكاية الشيخ علي الخازن الذي هو من تلاميذ الشهيد الاول رَحَمَهُ الله أنَّ ابن ابي الجواد من طبقة الشهيد الاول ، أي من تلامذة العلامة الحلي رَحَمَهُ الله.
  أقول : ولا يبعد اتحاده بالشيخ الفاضل العالم المتكلم عبد الواحد بن الصفي النعماني ، صاحب كتاب ( نهج السداد في شرح رسالة واجب الاعتقاد ) الذي نسبه اليه الكفعمي رَحَمَهُ الله في حواشي مصباحه ونؤيد ما قلناه آنفاً قول المتبحر الخيبر الافندي رَحَمَهُ الله في كتاب رياض العلماء ج 3 ص 279 قال : ( وأظن أنه من تلامذة الشهيد أو تلامذة تلامذته ) فلاحظ .

------------------------------------
(1) انظر : رسائل الشهيد الاول ص 304 وطبقات اعلام الشيعة للطهراني رَحَمَهُ الله.

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 69 _

  أقول : ومن خلال هذه الحكاية نستدل على شهرة المقام في ذلك القرن إذ الرجل من النعمانية ويسأله عن مقامه عليه السلام في الحلة ويستدل أيضاً على استحباب زيارة المقام الشريف في الحلة في ليلة الجمعة ويومها لوجود الإمام به ، وربما ينفي الزائر للمقام هذا الكلام ، فنقول له : إن الأمام عجل الله تعالى فرجه الشريف ليس بغائب ولكن هو غائب عمّن هو غائب عن الله.
  وعلى أهل الحلة وغيرهم أن يتأدّبوا بمقامه جلّ التأدب ( فلا لاختلاط الرجال بالنساء في المصلى ، ولا لتبرج النساء ، ولا ... ) مما يصل الى سوء الادب بمحضر نائب الملك العلام ، فان أهل الحلة أشاد بهم أمير المؤمنين عليه السلام وأيّ إشادة ، فليكونوا دئاماً مصداق حديث مولاهم ومولاي علي بن أبي طالب عليه السلام .
  فقد ذكر الشيخ عباس القمي في كتابه وقائع ايام ص ( 302 ) :
  روى أصبغ بن نباتة قال : صحبت مولاي أمير المؤمنين عليه السلام عند وروده صفين ، وقد وقف على تل ثم أومأ الى أجمة ما بين بابل والتل قال : مدينة وأي مدينة .
  فقلت له : يامولاي أراك تذكر مدينة أكان هناك مدينة وانمحت آثارُها ؟ فقال عليه السلام : لا ولكن ستكون مدينة يقال لها الحلة ( السيفية ) يمدتها رجل من بني أسد يظهر بها قوم أخيار لو أقسم أحدهم على الله لأبرّ قسمه (1) .

------------------------------------
(1) انظر : بحار الانوار ، 6 / 122 رواية 55 .

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 71 _

الباب الرابع
في ذكر من زار مقام
صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلة


تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 73 _

  أقول : قبل الشروع في ذكر من زار المقام ، إن الزائرين لهذا المقام المنيف يختلفون من حيث الطبقات ، فمنهم العلماء المؤلفون ، ومنهم النساخ ، ومنهم الامراء ، ومنهم الولاة ، ومنهم الرحالة ، ومنهم من شاهد كرامة ، وأنا ذاكرهم بعد حسب التسلسل التاريخي لزياراتهم .
  1 ـ في آخر شهر صفر سنة 677 هـ / 1256 م :
  زار المقام السيد نجم الدين أبو عبد الله الحسين بن أردشير بن محمد الطبري وأنهى في هذا التأريخ نسخ كتاب ( نهج البلاغة ) للسيد الرضي ( أعلى الله مقامه )(1) .
  2 ـ في سادس رجب سنة 723 هـ / 1302 م :
  زار المقام محمود بن محمد بن بدر وفرغ في هذا التاريخ من نسخ كتاب ( تحرير الاحكام الشرعية ) للعلامه الحلي رَحَمَهُ الله في داخل المقام ، وأنهى العلامة الحلي رَحَمَهُ الله تأليفه هذا في 26 جمادى الآخرة سنة 724 هـ ذكر ذلك في نهاية القاعدة الأولى في مخطوطته (2) .
  3 ـ في سنة 725 هـ / 1304 م :
  زار المقام الرحالة ابن بطوطة ، وسوف نأتي علَى ذكر كلامه في آخر هذا الباب .

------------------------------------
(1) انظر : اعيان الشيعة ، الأمين رَحَمَهُ الله ج 5 / ص 455 ، تحت رقم 985 ، ( بتصرف ) .
(2) انظر : مكتبة العلامة الحلي ، الطباطبائي رَحَمَهُ الله ، ص 79 ، ( بتصرف ) .

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 74 _

  وابن بطوطة هو : شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي المغربي ولد سنة 703 هـ بطنجة ، وتقلب في بلاد العراق ومصر والشام واليمن والهند ، ودخل مدينة دهلي واتصل بملكها ، وساح في الاقطار الصينية و التترية وأواسط افريقية وبلاد السودان والاندلس ، ثم انقلب الى المغرب واتصل بالسلطان ابي عنان من ملوك بني مدين ، وزار ضريح أمير المؤمنين عليه السلام سنة 725 هـ ، واستغرقت رحلته 27 سنة وكان معاصراً لفخر المحققين ابن العلامة الحلي وألف كتابه ( تحفة النظار في غرائب الامصار وعجائب الاسفار ) المعروف برحلة ابن بطوطة ، ومات في مراكش سنة 779 هـ (1) .
  4 ـ في ثامن عشر شعبان سنة ... ( بداية القرن الثامن الهجري ) :
  زار المقام أبو محمد الحسن الحداد العاملي ، وصنف في هذا التاريخ ، كتابه ( الدرة النضيدة في شرح الابحاث المفيدة ) للعلامة الحلي رَحَمَهُ الله ، وأنهاه في السادس والعشرين من شهر رمضان ، وذلك في الحلة مجاوراً مقام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف على ساكنة أفضل الصلاة والسلام ، علما أن هذا الكتاب خلا من التاريخ السنوي ، ولكن مصنفه كان حياً سنة 739 هـ (2) .
  5 ـ في بداية القرن الثامن الهجري :
  زار المقام حاكم الحلة ، المسمى بمرجان الصغير ،

------------------------------------
(1) انظر : تاريخ الكوفة ، البراقي رَحَمَهُ الله ، تحقيق ماجد العطيه ، ص 39 ، ( بالهامش ) .
(2) انظر : اعيان الشيعة / الامين رَحَمَهُ الله ، ج 9 / ص 179 / تحت رقم 363 ، ( بتصرف ) .

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 75 _

  وكان هذا الحاكم شديد البغض للشيعة الامامية ، وكان كلما يدخل في هذا المقام يعطي ظهره القبلة الشريفة إذا جلس فيه ، وعندما شاهد قضية أبو راجح الحمامي ، تغيرت عقيدته ، وصار يستقبل القبلة إذا جلس فيه (1) .
  6 ـ في سنة 744 هـ / 1323 م :
  زارت المقام ام عثمان ، المرأة العمياء التي كشف بصرها في داخل المقام ، وباتت فيه هي وبعض النسوة المؤمنات وكانت أم عثمان هذه سنية فتشيعت هي وولدها عثمان بعدما كشف الله بصرها ببركة صاحب الزمان أرواحنا فداه (2) .
  7 ـ في سنة 759 هـ / 1338 م :
  زار المقام ، المولى الكبير المعظم جمال الدين بن نجم الدين جعفر الزهدري ، وبات فيه ، وكان مصاباً بالفالج فشفي من ليلته (3) .
  8 ـ في غرة جمادى الآخرة سنة 776 هـ / 1355 م :
  زار المقام ، جعفر بن محمد العراقي ، وفرغ في هذا التاريخ ، من نسخ كتاب ( قواعد الاحكام في مسائل الحلال والحرام ) للعلامة الحلي رَحَمَهُ الله ، في داخل هذا المقام(4) .

------------------------------------
(1) انظر : حكاية ابوراجح التي أوردناها في الباب الثالث .
(2) انظر : النجم الثاقب / النوري رَحَمَهُ الله ج 2 / ص 222 .
(3) انظر : النجم الثاقب / النوري رَحَمَهُ الله ج 2 / ص 223 .
(4) النظر : مكتبة العلامة الحلي / الطباطبائي رَحَمَهُ الله ، ص 143 ، تحت رقم 24 ، ( بتصرف ) .

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 76 _

  9 ـ في سنة 961 هـ / 1540 م :
  زار المقام ، سيد علي رئيس ، وكان هذا السيد مرسلا من قبل سلطان مصر ، وكان أمير قبطانيته ، وأرسله الى العراق لغرض إحضاره السفن الموجودة في ميناء البصرة الى مصر ، كما زار هذا المبعوث مشهد الشمس ومقام عقيل أخي الامام علي عليه السلام في الحلة ثم عاد الى بغداد (1) .
  أقول : قد وعدنا القاريء الكريم ، بنقل كلام ابن بطوطة ، المشار اليه آنفا على نحو الاجمال وهذا موضع ذكره ، قال في رحلته الموسومة ( تحفة النظار ) : ( ... ونزلنا برملاحة ، وهي بلدة حسنة بين حدائق نخل ، ونزلت بخارجها وكرهت دخولها لأن أهلها روافض ورحلنا منها الصبح فنزلنا مدينة الحلة ، وهي مدينة مستطيلة مع الفرات وهو بشرقيها ولها أسواق حسنة جامعة للمرافق والصناعات وهي كثيرة العمارة وحدائق النخل منظمة بها داخلاً وخارجاً ، ودورها بين الحدائق ولها جسر عظيم معقود على مراكب متصلة منتظمة في ما بين الشاطئين الى خشبة عظيمة مثبتة بالساحل ، وأهل هذه المدينة كلهم إمامية اثنا عشرية ، وهم طائفتان أحداهما تعرف بالاكراد ، والاخري تعرف بأهل الجامعين ، و الفتنة عليهم السلاح و بايديهم سيوف مشهورة فياتون امير المدينة بينهم متصلة والقتال قائم أبداً ، وبمقربة من السوق الاعظم مسجد على بابه ستر حرير مسدول وهم يسمونه مشهد صاحب الزمان ، ومن عادتهم أن يخرج في كل ليلة مائة رجل من أهل المدينة ، تعد صلاة العصر فيأخذون منه فرساً ملجماً أو بغلة ، كذلك

------------------------------------
(1) انظر : تاريخ الحلة / ابن كركوش رَحَمَةُ الله ، ص 115 ، ( بتصرف ) .

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 77 _

  ويضربون الطبول والانفار والبوقات أمام تلك الدابة يتقدمها خمسون منهم ويتبعها مثلهم ويمشي أخرون عن يمينها و شمالها ويأتون مشهد صاحب الزمان فيقفون بالباب ويقولون :
  باسم الله يا صاحب الزمان ، باسم الله أخرج قد ظهر الفساد وكثر الظلم ، وهذا أوان خروجك فيفرق الله بك بين الحق والباطل ، ولا يزالون كذلك وهم يضربون الابواق والاطبال والانفار الى صلاة المغرب وهم يقولون إن محمد بن الحسن العسكري دخل ذلك المسجد وغاب فيه ، وانه سيخرج وهو الامام المنتظر عندهم ) (1) .
  أقول : بعد قوله هذا يالله من تلك الاعاجيب ، ويا غوثاه من هذه الاكاذيب ، أفلا يليق بهذا الشيخ المؤرخ أن ينطق صدقاً ، أم هو على ما ألفى عليه السلف ، فأن أردت أن انطق برد كلامه يكفيني كلامه أنه كره دخول برملاحة ( قضاء ذي الكفل ) قبل الحلة لأن أهلها روافض ، فما الذي جعله يدخل مدينة الحلة وأهلها بقوله كلهم إمامية اثنا عشرية ، فليته لم يدخلها ولم يرها كسابقتها ( برملاحة ) ، ونحن نسأل ابن بطوطة ، أيجوز دخول بلاد الكفر والاصنام ولايجوز دخول بلد الروافض الاملام ؟ والحل إن رحلته طفحت بذكر دخوله الى بلاد الكفر .
  وأما إذا أردنا الرد على كلامه أقول :
  أولا : انه لا يخفى على أحد انه لم يعهد لأحد من الأئمة الاثني غشر ، ولم يعرف لهم مكث في الحلة ، ولا سكنى ، ولا دار ، ولا سرداب اختفى فيه الامام الثاني عشر عجل الله تعالى فرجه الشريف بل لم تكن الحلة في زمانهم

------------------------------------
(1) انظر : رحلة ابن بطوطة ص 139 .

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 78 _

  موجودة ! ! وتعلم يا عزيزي القاريء إن الامام أرواحنا فداه ولد في سامراء سنة 255 هـ والحلة مصرت سنة 495 هـ على يد سيف الدولة صدقة المزيدي الاسدي .
  وثانيا : إن ابن بطوطة انفرد في كلامه هذا ، كما انفرد بأشياء كثيرة في رحلته هذه ، فمثلا سمى ملك الايلخانيين ( خوابنده ) ناصر الشيعة الذي تشيع على يد العلامة الحلي رَحَمَهُ الله ، ومعربها عبد الله ( بخربنده ) ومعربها عبد الحمار ، وما كلامه هذا إلا لحقد على مذهب الامامية ، وقد قدمنا ذكر من زار هذا المقام من العلماء والنّساخ وعامة الناس في عصره ، فهلا ذكر أحدهم ما رآه ابن بطوطة ؟ وهلا ذكر لنا ابن جبير في رحلته ، ما رآه ابن بطوطة في الحلة وهو أسبق منه ؟ ومع ذلك فان تاريخ الحلة في تلك الفترة كان حافلاً باعلام عظام كالعلامة الحلي رَحَمَهُ الله ، والمقداد السيوري رَحَمَهُ الله وأحمد بن فهد رَحَمَهُ الله والحافظ رجب البرسي وأضرابهم ، فهل يعقل ويقبل أن يجري ما ذكره ابن بطوطة بتفاصيله غير المضبوطة ولاينكره أحد منه ؟
  وثالثا : إن كذبه ظاهر من عبارته ( ومن عادتهم أن يخرج في كل ليلة مائة رجل من أهل المدينة عليهم السلاح وبأيديهم سيوف مشهورة فيأتون أمسر المدينة بعد صلاة العصر ) فمالهم يخرجون في كل ليلة ويأتون أميرهم لطلب الفرس بعد صلاة العصر ؟ أما كان الاجدر أن يطلبوا الفرس بعد صلاة المغرب ؟ أليس هذا مما يضحك الثكلى .
  ورابعاً : انه لم يرد في كتب الشيعة قط ما يؤيد كلامه ، وكلهم متفقون على أن خروجه بأبي هو وأمي من مكة المكرمة المعظمة ، فهذه كتبهم طفحت بحديث خروجه من مكة .

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 79 _

  وخلاصة القول أرى انه رأى كثرة العلماء والطلبة على مدرسة صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف المتصلة بالمقام والتي موقعها في ظهر المقام وبني على آثارها مسجد لاخواننا السنة ، وهو جامع الحلة الكبير وبالخصوص إن سنة وروده للحلة هي آخر سنة من حياة العلامة الحلي رَحَمَهُ الله فبدلاً من أن يمدح علماء الشيعة وتوافدهم على معاهد العلم والعلماء ، حسد القوم ولم يبين لنا صدق ما رآه فأخذ يصف لنا النخيل والحدائق والانهار ، ويدع ذكر علمائها الابرار وأهلها الاخيار ، كعادته عندما دخل إلى بغداد ، وصف لنا قبر أبي حنيفة وقبور أحمد بن حنبل والجنيد وبشر الحافي ولم يذكر إلاّ شيئاً يسيراً من الذكر عن قبري الإمامين الهمامين موسى بن جعفر ومحمد بن علي الجواد عليهما أفضل الصلاة والسلام فهل يخفى القمر في الليلة الظلماء ؟ ولكن أبى الشيخ المؤرخ إلا ما وجد عليه الاباء ( شنشنة أعرفها من أخزم ) ، ومما لا يخفى على المتتبع إن رحلة ابن بطوطة ، طفحت بكثير من الأغلاط والأخطاء الخططية والتأريخية حتى أنه أخطأ في تعيين قبور جماعة من المشاهير كبشر الحافي مثلا ، فقد جعل قبره في الجانب الشرقي من بغداد مع أنه مدفون في مقبرة باب حرب ، في أعلى الجانب الغربي من بغداد ( في الشمال الغربي من مقابر قريش ، مدينة الكاظمية الحالية ) ومهما يكن فلم أقف على ما ذكره ابن بطوطة عند غيره ممن ذكر الحلة من قبل ومن بعد ، وهذا دليل ضعف الخبر ، ولو كان له أثر لأشتهر .

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 81 _

الباب الخامس

في ذكر عمارة مقام
صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلة


تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 83 _

  إن الباحث عن تاريخ عمارة مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلة ، يجد أن تأريخ هذا المقام ظل متواكباً مع تاريخ الحلة من أبان بزوغ عصرها العلمي ، فهو فيها كالقلب من الجسد ، فتجد فيه العالم والمتعلم والوالي ، الرعية والمعافي والسقيم ، حتى أنه مامرّ بالحلة من وافد إلا وتشرف بمشهد صاحب الزمان أرواحنا فداه ، فذلك ابن بطوطة وذا سيد علي رئيس المصري وغيرهم ، ولو لا حقد المتعصبين لذكر لنا التاريخ عدة من الزائرين لهذا المقام الشريف ، وسوف نذكر في هذا الباب تاريخ عمارة المقام حسب التسلسل التاريخي لها :

  1 ـ في القرن السادس الهجري :
  لا علم لنا بتاريخ عمارة المقام وإنشائها في هذا القرن ، إلا انها كانت موجودة ، ويحسب التواريخ التالية ، وللأسف الشديد فُقد كتاب ( المناقب المزيدية في أخبار الدولة الاسدية ) (1) للمؤلف أبي البقاء هبة الله بن نما ، فأن البلاد الاسلامية خلت من هذه النسخة ، سوى نسخة واحدة موجودة في المتحف البريطاني وتحت رقم ( 230296 ) ولا بد من ذكر لهذا المقام في هذا الكتاب لأن مؤلفه كان من رجال ذلك القرن .

  2 ـ في القرن السابع الهجري :
  كانت العمارة موجودة ، ومنذ بدأ هذا القرن وهذا ما نجده في

------------------------------------
(1) انظر : تاريخ الحلة / ابن كركوش رَحَمَهُ الله ج 2 / ص 50 ، علما ان هذا الكتاب لم يذكر في كتاب ( الذريعة الى تصانيف الشيعة ) للشيخ اغا بزرك الطهراني فهو مما يستدرك عليه .

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 84 _

  ما كتبه الشيخ الفاضل علي بن فضل الله بن هيكل الحلي تلميذ أبي العباس ابن فهد الحلي ما صورته :
  حوادث سنة ( 636 هـ ) : فيها عمّر الشيخ الفقيه العالم نجيب الدين محمد بن جعفر بن هبة الله بن نما الحلي بيوت الدرس الى جانب المشهد المنسوب الى صاحب الزمان عليه السلام بالحلة السيفية ، وأسكنها جماعة من الطـلبة (1) .
  سنة ( 677 هـ ) : في داخل المقام نسخ السيد الحسين الطبري رَحَمَهُ الله كتاب ( نهج البلاغه ) (2) .

  3 ـ في القرن الثامن الهجري :
  كانت عمارة المقام شامخة في قلب الحلة وعلى شهرة واسعة من الذكر من قبل الخاص والعام ففي بداية هذا القرن وفي داخل المقام كتب الشيخ محمد حسن بن ناصر الحداد كتابه الدرة النضيدة(3) .
  وفي سنة ( 723 هـ ) : في داخل المقام نسخ محمود بن محمد بن بدر كتاب ( تحرير الاحكام الشرعية ) للعلامة الحلي رَحَمَهُ الله(4) .
  في سنة ( 776 هـ ) : في داخل المقام نسخ جعفر بن محمد العراقي كتاب ( قواعد الاحكام ) للعلامة الحلي رَحَمَهُ الله(5) .

------------------------------------
(1) انظر : لؤلؤة البحرين / البحراني رَحَمَهُ الله ص 272 تحقيق السيد محمد صادق بحر العلوم رَحَمَهُ .
(2) انظر : الباب الثاني من كتابنا هذا .
(3) انظر : الباب الثاني من كتابنا هذا .
(4) انظر : المصدر السابق .
(5) انظر : المصدر السابق .

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 85 _

  و أما وصف عمارة المقام في القرن الثامن الهجري فعلى ما يلي :
  محراب المقام : ورد ذكر المحراب على لسان الراوي لحكاية ( أبي راجح الحمامي ) وهو الشيخ محمد بن قارون ، والحاصلة في هذا القرن قائلا : ( وكان يجلس في مقام الامام عليه السلام في الحلة ويعطي ظهره القبلة الشريفة ، فصار بعد ذلك يجلس ويستقبلها ) ، (1) والقبلة الشريفة كناية عن محراب المقام .
  باب المقام : ورد ذكر باب المقام على لسان ( ابن بطوطة ) في رحلته الحاصلة في سنة 725 هـ قائلا : ( وبمقربه من السوق الاعظم مسجد على بابه ستر حرير مسدول وهم يسمونه مشهد صاحب الزمان ) (2) .
  قبة المقام : ورد ذكر لقبة المقام في هذا القرن أربع مرات في حكاية ( ابن الخطيب وعثمان ) الحاصلة في سنة 744 هـ قائلاً ( أي الراوي للحكاية ) :
( فلما كانت ليلة الجمعة حملنها حتى أدخلنها القبة الشريفة في مقام صاحب الزمان عليه السلام ... وبتنَ باجمعهنّ في باب القبة ... لما جعلتنني في القبة وخرجتنّ ... ورأيت القبة قد امتلأت نوراً ) (3) .
  وذكرت القبة ثانيةً في هذا القرن في حكاية ( جمال الدين الزهدري ) الحاصلة في سنة 759 هـ على لسان الراوي لها مرتين قائلا : ( وقيل لها ألا تبيتينه تحت القبة الشريفة بالحلة المعروفة بمقام صاحب الزمان عليه السلام ... وقد اباتتني جدتي تحت القبة ) (4) .

------------------------------------
(1) انظر : الباب الثالث من كتابنا هذا .
(2) انظر : الباب الرابع من كتابنا هذا .
(3) انظر : الباب الثالث من كتابنا هذا .
(4) انظر : المصدر السابق .

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 86 _

  وآخر الذكر لعمارة هذا المقام هو ما جرى على لسان ( ابن ابي الجواد النعماني حينما سأل الامام القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف قائلاً :
يا مولاي ، لك مقام بالنعمانية ومقام بالحلة فأين تكون فيهما ؟ ) (1) .

  4 ـ في القرن التاسع الهجري :
  وفي سنة ( 873 هـ / 1352 م ) :
  قال الغياثي في تأريخه في حوادث تلك السنة : ( أرسل حسن علي ، أمير بغداد ، جيشاً الى الحلة للقضاء على حكومة شاه علي بن اسكندر ، فلما وصل الجيش الى قلعة بابل رأى قراغول ( حراس ) فجرت معركة بين الطرفين ، ثم اصطلحوا وعاب القرغول أميرهم وقالوا لهم ، الجسر منصوب نمضي على غفلة ، وساروا وعبروا الجسر والناس يظنونهم القرغول الذين أرسلوا ومضوا الى أن وصلوا الى دار السلطان وأحاطوا بها وكان ابن اسكندر وابن قرا موسى في القلعة فأخذوهما عريانين وقتلوا ابن قرا موسى ، وأما ابن اسكندر فألقى بنفسه الى صاحب الزمان ، وقال : كنت درويشاً وجاء بـي ابن قرا موسى قهراً وطـلب الامان ... ) (2) .
  أقول : هكذا وردت العبارة في تاريخ الغياثي والظاهران المقصود بعبارة ( فالقى بنفسه الى صاحب الزمان ) أنه القى بنفسه الى مقام صاحب الزمان ارواحنا فداه ، داخلاً بذمته آملاً منه أن يتركوه لأنه احتمى بصاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف ويؤيد كلامنا هذا ، انه لا يوجد شيء ينسب الى صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف في الحلة سوى هذا المقام الشريف ،

------------------------------------
(1) انظر : الباب الثالث من كتابنا هذا .
(2) انظر : تأريخ الحلة ، لأبن كركوش ج 1 / ص 110 .

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 87 _

  فحذف كلمة مقام أو مشهد من العبارة إما أن تكون من سهو النّساخ ، أو انما وردت على سبيل المجاز والأنساع بحذف المضاف وهو شائع في لغة العرب ومحاوراتهم وبه نطق القرآن الكريم في قوله تعالى : ( وَسْئَلِ اْلقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ ) (1) والتقدير على ما أجمع عليه المفسرون ، أهل القرية وأهل العِير ، كما أنه كائع في لغتنا اليوم ، فيقول أحدنا زرت علياً عليه السلام وزرت الحسين عليه السلام يريد انه زار كلاً من مشهدهما .

  5 ـ في القرن العاشر وما بعده :
  ذكرت عمارة المقام عندما زاره سيد علي رئيس المرسل من قبل سلطان مصر سنة 961 هـ (2) وفي عهد الدولة الصفوية ( 930 ـ 1120 هـ ) ذكرت عمارة المقام أنضا حينما عينت تلك الدولة ( ال القيم ) لسدانة المقام(3) .

  6 ـ في القرن الرابع عشر :
  في سنة ( 1317 هـ / 1896 م ) ، (4) سعى لعمارة مقام الغيبة الواقع في الحلة العلامة الكبير السيد محمد ابن السيد مهدي ابن السيد حسن ابن السيد احمد القزويني ( 1262 ـ 1335 هـ ) .
  الذي كان يهتم بعمارة الاثار التأريخية .

------------------------------------
(1) أنظر : سورة يوسف ، آية 82 العِير : القافلة .
(2) أنظر : الباب الرابع من كتابنا هذا .
(3) انظر : الباب الثامن من كتابنا هذا .
(4) ذكر السيد محسن أمين العاملي رَحَمَهُ الله في كتابه أعيان الشيعة ج 47 ، ص 72 إن تاريخ عمارة المقام سنة 1315 هـ والحال انها حصلت في سنة 1317 هـ ، حسب ما أرخه الشاعر محمد الملا في قصيدته ، وهو ما كتب على باب المقام أيضا .

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 88 _

  أقول : بقيت هذه العمارة الى سنتنا هذه وهي سنة 1425 هـ وقد أرخ تلك العمارة الشيخ محمد الملا(1) تـ 1322 هـ في آخر قصيدة له قائلا : محمداً فيك العلا قسـمت (2) بأنك الحائز علماً به شيدت للقائم من هاشم فلم يزل تهتف فيك العلى (3) ذا خلف المهدي قد (4) آخيت (5) اسمك اشتق من الحمد تهدي الى الايمان والرشد مقام قدسِ شامخ المجدِ على لسان الحر والعبدِ ( شاد مقام الخلف المهدي ) (6) .
  والشعر هذا موجود ومكتوب الى الآن على ياب المقام كتب بالقاشي الازرق ، وقم يتغير الى الان وأنا نقلته هنا على ما كتب على باب المقام وقد أورد الشيخ الخاقاني رَحَمَهُ الله قي كتابه ( شعراء الحلة ج 5 ص 242 ) هذا الشعر باختلاف يسير ، أوردته بالهامش .

------------------------------------
(1) هو الشيخ محمد بن حمزه بن حسين بن نور علي التستري الاهوازي الحلي المعروف بالملا ، أديب كبير ، وخطيب مفوه ، ومربي ممتاز هاجر جده الاعلى من تستر الى الحلة قبل قرنين من الزمن ، وذكره صاحب الحصون المنيعة في ج 2 ص 33 فقال : كان شاعرا ماهرا اديبا طريفا ، نظم الشعر في صباه فاعاد الى الفيحاء عهد الصفي الحلي في تحري البديع والفن فيه حتى أصبح علما من أعلام هذا الفن .
(2) الأصح ( محمد ) ورد في شعراء الحلة ( محمد فيك العلا اقسمت ) .
(3) هكذا ورد في الاصل والذي يقتضيه السياق ( حيث ) وورد في شعراء الحلة ( ان اسمك ... ) .
(4) ورد في شعراء الحلة ( فلم يزل يهتف فيك الثنا ) .
(5) ورد في شعراء الحلة ( ذا خلف المهدي مذ ارخوا ) .
(6) انظر : شعراء الحلة / الخاقاني رَحَمَهُ الله ج 5 / ص 242 وكذلك أعيان الشيعة / الامين رَحَمَهُ الله ج 47 / ص 72 .

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 89 _

  كما ان الحاج عبد المجيد العطار ( 1282 ـ 1342 هـ ) أرخ هذه العمارة ببيتين من الشعر ضمنهما بـ ( 28 ) تاريخاً قائلاً :
تـوقع جميل الاجر في حرم iiالبنا        بصاحب عصر ثاقب باسمه السنا
          بـفتحك  بـالنصر العزيز iiرواقا        نـجدّ اقـتراباً مـا أجـار وراقا (1) (2) .

  7 ـ في القرن الخامس عشر الهجري :
  سنة 1422 هـ / 2001 م :
  سعى المرجع الديني الاعلى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله الوارف بتجديد عمارة المقام وبجهود بعض المؤمنين الخيرين ، بالرغم من تلك الظروف الحرجة من محاربة وطمس آثار التشيع من قبل حزب البعث الحاكم آنذاك وتضمن هذا التجديد :
  1 ـ تغليف القبة المنيفة السامية الشامخة للمقام بالقاشي الازرق.
  2 ـ تغليف أرضية المقام وجدرانه بالمرمر الفاخر .
  3 ـ تزيين سقف المقام والقبة من الداخل بالمرايا .
  4 ـ تغيير الآيات التي كتبت على واجهة المقام .

------------------------------------
(1) ويلحق هنا في تأريخ المقام في هذا القرن قول المرحوم الشيخ جعفر ال محبوبة تـ 1377 هـ في كتابه ماضي النجف وحاضرها ج 1 ص 95 ( حدثني بعض الثقاة المتتبعين للاثار والاخبار انه وجد في بعض الكتب المؤلفة في غيبة الامام عجل الله تعالى فرجه الشريف ان للحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف مقاماً في النعمانية ، وفي الحلة ، وفي مسجد السهلة ، وفي النجف ) .
(2) انظر : البابليات ج 3 ق 2 ص 70 / البعقوبي .

تاريخ مقام صاحب العصر و الزمان عليه السلام _ 90 _

  5 ـ تكييف المقام وإنارته بالمصابيح والثريا .
  ولقد أرخ هذه العمارة الشاعر السيد عصام الحسيني السويدي قائلاً :
ياحجة الله التي شُدنا مقامكَ علّنا        أرواحـنا قـبل الـحجا بـالحمدِ
تمّ مؤرخا في أرضهِ للعبدِ iiنحظى        بـنيلِ  السّعدِ رةِ سابقت iiوالايدي
  ( أنظر مقام المهدي ) 1422 هـ
  والشعر هذا مكتوب على لوحة وضعت فوق باب المقام من الداخل .
  أقول :
  وفي تلك السنة أي سنة 1422 هـ وفي حكم حزب البعث الظالم جاءت بعثة من بغداد من دائرة الاوقاف والشؤون الدينية ، وكان بنيتها دراسة هدم المقام كلياً بحجة توسعة جامع الحـلة الـكبير وان المقام لا قـيـمة له ، فأجابهم أحد الموظفين في دائرة الاوقاف والشؤون الدينية في الحلة ، بأن أصل الجامع هو من المقام ، فولوا مدبرين وأبى الله الاّ ان يتم نوره ولو كره المشركون ، وهذا مما اشتهر عند أهل الحلة وسمعته منهم ، و هو أيضا ما أخبرني به أحد موظفي دائرة الوقف الشيعي ، وكان هذا الموظف هو الراد على تلك البعثة ، وقال ما مضمونه : ( على ان الله عَزَ وجَل انطقني في أن أقول أن الجامع هو أصلاً من المقام ) .
  علما انني احتفظت ببعض الاوراق التي تخص تلک العمارة الاخيرة وسوف أوردها في الباب الثاني عشر من كتابنا هذا .
  ومن الذين قالوا شعرا بمناسبة هذه العمارة أيضاً الاستاذ ( عبد العظيم الحاج رحيم الصفار الخفاجي ) أحببت إيراده هنا قائلاً :