من بعض خلاعة أو مجانة ، أو: تبصرون آثار العصاة قبلكم وما نزل بهم * (تجهلون) * تفعلون فعل الجاهلين بأنها فاحشة مع علمكم بذلك ، أو : تجهلون العاقبة * (يتطهرون) * يتنزهون عن هذا الفعل وينكرونه ، وعن ابن عباس : هو استهزاء (1) ، أي : قدرنا كونها * (من الغبرين) * أي : الباقين في العذاب ، فالتقدير واقع على الغبور في المعنى * (قُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى أَاللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ * أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ * أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) * فيه بعث على الاستفتاح بالتحميد والسلام على المصطفين من عباده ، والتيمن بالذكرين ، والاستظهار بهما على قبول ما يلقى إلى السامعين ، وقيل : اتصل بما قبله

-------------------
(1) حكاه عنه الزمخشري في الكشاف : ج 3 ص 374 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 717 _
  إذا جعل تحميدا على الهالكين من كفار الأمم ، والصلاة على الأنبياء وأشياعهم الناجين (1).
  وعنهم (عليهم السلام): أن * (الذين اصطفي) * محمد وآله (عليهم السلام) (2) .
  * (ءالله خير) * لمن عبده أم الأصنام لعابديها ؟ وهذا إلزام للحجة على المشركين بعد ذكر هلاك الكفار.
  وعن الصادق (عليه السلام) : يقول إذا قرأها : ( الله خير ) ثلاث مرات (3) ، و ( أم ) في * (أما يشركون) * متصلة ، والمعنى : أيهما خير ؟ وهي في : * (أمن خلق) * منقطعة ، والمعنى : بل أمن خلق السماوات والأرض خير.
  وفيه تقرير لهم بأن من قدر على خلق العالم خير من جماد لا يقدر على شئ.
  وفي قوله : * (فأنبتنا به) * وانتقاله إلى التكلم عن ذاته بعد الإخبار عن الغيبة على طريق الالتفات تأكيد لمعنى اختصاص الفعل بذاته ، وأنه لا يقدر على إنبات الحدائق مع بهجتها وبهائها إلا هو وحده.
  ألا ترى كيف رشح معنى الاختصاص بقوله : * (ما كان لكم أن تنبتوا شجرها) * ومعنى الكينونة : الابتغاء ، يعني : أن تأتي ذلك من غيره محال ، وكذلك قوله : * (بل هم) * بعد الخطاب أبلغ في تخطئة رأيهم.
  والحديقة : البستان عليه حائط ، من قولهم : أحدقوا به أي : أحاطوا به ، و * (ذات بهجة) * بمعنى : جماعة حدائق ذات بهجة ، كما يقال : النساء ذهبت ، والبهجة : الحسن لأن الناظر يبتهج به * (أءله مع الله) * أغيره يقترن به ويجعل شريكا له ؟ ولك أن تحقق الهمزتين وتوسط بينهما مدة ، وأن تخرج الثانية بين بين * (يعدلون) * به غيره ، أو : يعدلون عن الحق والتوحيد.

-------------------
(1) حكاه البغوي في تفسيره : ج 3 ص 424.
(2) رواه القمي في تفسيره : ج 2 ص 129 .
(3) انظر تهذيب الأحكام للطوسي : ج 2 ص 297 ح 51 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 718 _
  * (أمن جعل) * وما بعده بدل من * (أمن خلق) * وحكمها حكمه * (قرارا) * سواها للاستقرار عليها * (حاجزا) * أي : برزخا.
  الاضطرار : افتعال من الضرورة ، والمضطر : الذي أحوجه مرض أو فقر أو نازلة من نوازل الأيام إلى التضرع إلى الله تعالى ، يقال : إضطره إلى كذا ، والفاعل والمفعول : مضطر * (ويكشف السوء) * أي : الشدة وكل ما يسوء * (ويجعلكم خلفاء الارض) * خلفاء فيها ، تتوارثون التصرف فيها خلفا بعد سلف وقرنا بعد قرن ، أو : أراد بالخلافة الملك والتسلط ، و * (ما) * مزيدة أي : يذكرون تذكيرا قليلا ، والمعنى : نفي التذكر ، وقرئ بالياء مع الإدغام ، وبالتاء مع الإدغام والحذف (1).
  * (أمن يهديكم) * بالنجوم في السماء ، وبالعلامات في الأرض إذا جن عليكم الليل وأنتم مسافرون في البحر أو البر ؟ * (أمن يبدؤا الخلق ثم يعيده) * أقروا بالابتداء والإنشاء فيلزمهم الإقرار بالإعادة بعد الفناء * (من السماء) * بإنزال الأمطار ومن * (الارض) * بالنبات والثمار.
  وجاء قوله : * (إلا الله) * على لغة بني تميم في قولهم : ما أتاني زيد إلا عمرو ، وقول الشاعر : وبلدة ليس لها أنيس * إلا اليعافير وإلا العيس (2) وإنما اختير هذا ليؤول المعنى إلى قولك : إن كان الله ممن في السماوات والأرض ففيهم من يعلم الغيب ، كما كان المعنى في البيت : إن كان اليعافير أنيسا

-------------------
(1) وبالياء قراءة أبي عمرو وابن عامر برواية هشام وابن ذكوان وروح والحسن والأعمش ، وبالتاء الباقين ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 484 ، والبحر المحيط لأبي حيان : ج 7 ص 90.
(2) لجران العود واسمه عامر بن الحارث بن كلفة وقيل : كلدة ، والبيت من قصيدة يذم فيهما امرأتيه ويشكو منهما ، راجع خزانة الأدب للبغدادي : ج 10 ص 15 وما بعده . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 719 _
  ففيها أنيس * (أيان) * بمعنى ( متى ) * (بَلْ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ * لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ * قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ * وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ * وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) * قرئ : * (بل ادارك) * و ( ادرك ) (1) ، وأصل ( ادارك ) : تدارك فأدغمت التاء في الدال ، و ( ادرك ) افتعل ، ومعنى : ادرك * (علمهم) * : انتهى وتكامل ، و * (ادارك) * : تتابع واستحكم ، يعني : أن أسباب استحكام علمهم وتكاملهم (2) بأن القيامة كائنة لا ريب فيها قد حصلت لهم ، ومكنوا منها ومن معرفتها ، وهم شاكون جاهلون ، وذلك قولهم : * (بل هم في شك منها بل هم منها عمون) * يريد المشركين ممن في السماوات والأرض ، لأنهم لما كانوا في جملتهم نسب فعلهم إلى الجميع ، كما يقال : بنو فلان فعلوا كذا ، وإنما فعله ناس منهم .
  ووجه آخر وهو : أن يكون ( ادرك ) بمعنى ( انتهى ) و ( فني ) ، من قولك : ادركت الثمرة ، لأن تلك غايتها التي عندها تعدم ، وقد فسره الحسن ب‍ ( اضمحل

-------------------
(1) وهي قراءة عاصم برواية أبي بكر ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 485 .
(2) في نسخة : ( تكامله ) . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 720 _
  علمهم ) (1).
  وتدارك من : تدارك بنو فلان إذا تتابعوا في الهلاك .
  ومعنى الإضراب ثلاث مرات أنه وصفهم أولا بأنهم ( لا يشعرون ) وقت البعث ، ثم بأنهم * (لا يعلمون) * بأن القيامة كائنة ، ثم بأنهم * (في شك) * يستطيعون إزالته ولا يزيلونه ، ثم بما هو أسوأ حالا وهو العمى ، وجعل الآخرة مبدأ إعمائهم فلذلك عداه ب‍ ( من ) دون ( عن ) ، لأن الكفر بالعاقبة هو الذي جعلهم كالبهائم لا يتدبرون.
  والعامل في * (إذا) * ما دل عليه * (أئنا لمخرجون) * وهو تخرج ، لأن بين يدي ( عمل ) اسم فاعل فيه موانع من العمل ، وهي : همزة الاستفهام و ( إن ) ولام الابتداء ، واحدة منها كافية ، فكيف إذا اجتمع الجميع ، والمراد : الإخراج من الأرض أو من حال الفناء إلى الحياة ، وتكرير حرف الاستفهام بإدخاله على ( إذا ) و ( إن ) جميعا إنكار على إنكار وجحود بعد جحود ، والضمير في * (إنا) * لهم ولآبائهم ، لأن كونهم * (ترابا) * قد تناولهم وآباءهم.
  فانظر * (كيف كان عقبة المجرمين) * أي : الكافرين.
  * (ولا تحزن عليهم) * لأنهم لم يتبعوك ، والمراد : لم يسلموا * (ولا تكن في) * حرج صدر من مكرهم وكيدهم ، ولا تبال بذلك ، فإن الله يعصمك منهم ، يقال : ضاق الشئ ضيقا بالفتح والكسر ، وقد قرئ بهما جميعا (2).
  إستعجلوا العذاب الموعود ، فقيل لهم : * (عسى أن يكون) * ردفكم بعضه وهو عذاب يوم بدر ، فزيدت اللام للتأكيد كما زيدت الباء في * (ولا تلقوا بأيديكم) * (3) ، أو ضمن * (ردف) * معنى فعل يتعدى باللام نحو : دنا لكم وأزف لكم ، والمعنى : تبعكم ولحقكم ، و ( عسى ) و ( لعل ) و ( سوف ) في وعد الملوك

-------------------
(1) حكاه عنه الزمخشري في الكشاف : ج 3 ص 379 .
(2) قرأ ابن كثير والمسيبي واسماعيل كلاهما عن نافع بكسر الضاد ، وقرأ الباقون بفتحها ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 485 .
(3) البقرة : 195 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 721 _
  ووعيدهم يدل على صدق الأمر وجده ، يعنون بذلك أنهم لا يعجلون بالانتقام لوثوقهم بغلبتهم ، وبأن الأمر لا يفوتهم.
  والفضل : الإفضال أي : هو مفضل عليهم بتأخير العقوبة ، وأكثرهم لا يعرفون حق النعمة فيه ولا يشكرونه ، كننت الشئ وأكننته : سترته ، أي : يعلم ما يخفون وما يعلنون من عداوة رسول الله وكيده ، وهو معاقبهم على ذلك على حسب استحقاقهم ، التاء في ( الغائبة ) و ( الخافية ) بمنزلتها في ( العاقبة ) و ( العافية ) ، والمعنى : الشئ الذي يغيب ويخفي ، وهما اسمان ، ويجوز أن يكونا صفتين ، والتاء تكون للمبالغة ك‍ ( الراوية ) في قولهم : حماد الراوية ، كأنه قال : وما من شئ شديد الغيبوبة والخفاء إلا وقد علمه الله وأثبته في اللوح.
  * (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ * وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ * فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ * إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ * وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنْ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ * وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنطِقُونَ) * أي : * (يقص) * عليهم ما اختلفوا فيه من أمر المسيح ومريم وأشياء كثيرة وقع بينهم الاختلاف فيه من الأحكام وغيرها ، وكان ذلك من معجزات نبينا (صلى الله عليه وآله) ،

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 722 _
  إذ كان لا يدرس كتبهم وأخبرهم بما فيها.
  * (يقضى بينهم) * أي : بين من آمن بالقرآن ومن كفر به ، أو : بين المختلفين في الدين يوم القيامة * (بحكمه) * أي : بما يحكم به وهو عدله ، فسمى المحكوم به حكما ، أو بحكمته * (وهو العزيز) * فلا يرد قضاؤه * (العليم) * بمن يقضي له وعليه.
  أمره بالتوكل على الله وقلة المبالاة بأعداء الدين ، وعلل التوكل بأنه * (على الحق) * وصاحب الحق حقيق بالوثوق بنصرة الله.
  * (إنك لا تسمع الموتى) * ومن سمع آيات الله وهو حي صحيح الحواس فلا تعيها أذنه ، وحاله كحال الموتى الذين فقدوا مصحح السماع ، وحاله كحال الصم الذين ينعق بهم فلا يسمعون ، و * (العمى) * الذين يضلون الطريق ولا يقدر أحد على أن يجعلهم هداة بصراء إلا الله ، وقوله : * (إذا ولوا مدبرين) * تأكيد لحال الأصم ، لأنه إذا ولى عن الداعي مدبرا كان أبعد عن إدراك صوته ، وقرئ : ( ولا يسمع الصم ) (1) ( وما أنت تهدي العمي ) (2).
  وهداه عن الضلال كقوله : سقاه عن العيمة (3) أي : أبعده عنها بالسقي ، وأبعده عن الضلال بالهدى * (إن تسمع) * أي : ما تسمع * (إلا) * من يطلب الحق ، ويعلم الله أنه يؤمن بآياته ويصدق بها * (فهم مسلمون) * مخلصون * (وإذا وقع القول) * أي : حصل ما وعده الله من علامات قيام الساعة وظهور أشراطها * (أخرجنا لهم دابة من الأرض) * تخرج من بين الصفا والمروة ، فتخبر المؤمن بأنه مؤمن والكافر بأنه كافر ، وعن حذيفة : أن النبي صلى الله عليه وآله قال : ( دابة الأرض طولها ستون

-------------------
(1) قرأه ابن كثير وابن محيص وحميد وابن أبي اسحاق وعباس عن أبي عمرو ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 486 ، وتفسير القرطبي : ج 13 ص 232.
(2) قرأه حمزة.
راجع كتاب السبعة السابق.
(3) عام الرجل الى اللبن يعام ويعيم عيما وعيمة ، (لسان العرب : مادة عيم).

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 723 _
  ذراعا ، لا يدركها طالب ، ولا يفوتها هارب ، فتسم المؤمن بين عينيه ، وتسم الكافر بين عينيه ، ومعها عصا موسى ، وخاتم سليمان ، فتجلو وجه المؤمن بالعصا ، وتختم أنف الكافر بالخاتم حتى يقال : يا مؤمن ، ويا كافر ) (1).
  وروي : ( فتضرب المؤمن بين عينيه بعصا موسى فتنكت نكتة بيضاء فتفشو تلك النكتة في وجهه حتى يبيض لها وجهه ، ويكتب بين عينيه : مؤمن ، وتنكت الكافر بالخاتم فتفشو النكتة حتى يسود لها وجهه ، ويكتب بين عينيه : كافر ) (2).
  وعن السدي : تكلمهم ببطلان الأديان كلها سوى دين الإسلام (3).
  وعن محمد بن كعب قال : سئل علي (عليه السلام) عن الدابة فقال : ( أما والله مالها ذنب ، وإن لها للحية ) (4).
  وفي هذا إشارة إلى أنها من الإنس .
  وقد روي عنه (عليه السلام) أنه قال : ( أنا صاحب العصا والميسم ) (5).
  وعن ابن عباس وغيره (6) : * (تكلمهم) * من الكلم وهو الجرح ، والمراد به الوسم بالعصا والخاتم ، ويجوز أن يكون تكلمهم من الكلم أيضا على معنى التكثير ، يقال : فلان مكلم أي : مجرح ، ويجوز أن يستدل بالتخفيف على أن المراد بالتكليم التجريح ، كما فسر * (لنحرقنه) * بقراءة علي (عليه السلام) : ( لنحرقنه ) (7) ، ويستدل

-------------------
(1) رواه البغوي في تفسيره : ج 3 ص 429.
(2) رواه الماوردي في تفسيره : ج 4 ص 226 عن ابن الزبير.
(3) حكاه عنه البغوي في تفسيره : ج 3 ص 428.
(4) رواه الطوسي في التبيان : ج 8 ص 119 ، والماوردي في تفسيره : ج 4 ص 226.
(5) وهو ما رواه الكليني في الكافي : ج 1 ص 198 باب أن الائمة هم أركان الأرض ، والصدوق في العلل : ص 164 ب 130 ح 3.
(6) كالحسن وسعيد بن جبير وأبي زرعة وأبي رجاء العطاردي وعاصم الجحدري ، راجع التبيان : ج 8 ص 120 ، وتفسير القرطبي : ج 13 ص 238.
(7) حكاها عنه (عليه السلام) ابن خالويه في الشواذ : ص 92 ، والآية من سورة طه : 97. (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 724 _
  بقراءة أبي ( تنبئهم ) (1) ، وبقراءة ابن مسعود : * (تكلمهم) * بالتشديد ( بأن الناس ) (2) على أنه من الكلام.
وعن الباقر (عليه السلام) : كلم الله من قرأ ( تكلمهم ) ، ولكن * (تكلمهم) * بالتشديد (3).
  وقرئ : ( إن ) بالكسر (4) على حكاية قول الدابة أو قوله تعالى عند ذلك ، وإذا كانت حكاية لقول الدابة فمعنى * (بايتنا) * : بآيات ربنا ، أو : لأنها من خواص خلق الله أضافت آيات الله إلى نفسها ، كما يقول بعض خاصة الملك : بلادنا وجندنا ، وإنما هي بلاد مولاه وجنده ، والقراءة بفتح * (أن) * على حذف الجار.
  * (فهم يوزعون) * أي : يحبس أولهم على آخرهم حتى يجتمعوا * (ويوم نحشر) * منصوب بما دل عليه * (فهم يوزعون) * لأن * (يوم) * هاهنا بمنزلة ( إذا ) .
  وقد استدل بعض الإمامية (5) بهذه الآية على صحة الرجعة وقال : إن المذكور فيها : يوم نحشر فيه * (من كل) * جماعة فوجا ، وصفة يوم القيامة أنه يحشر فيه الخلائق بأسرهم كما قال سبحانه : * (وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا) * (6).
  وورد عن آل محمد (عليهم السلام) : أن الله تعالى يحيي عند قيام المهدي (عليه السلام) قوما من أعدائهم قد بلغوا الغاية في ظلمهم واعتدائهم ، وقوما من مخلصي أوليائهم قد ابتلوا بمعاناة كل عناء ومحنة في ولائهم ، لينتقم هؤلاء من أولئك ، ويتشفوا مما

-------------------
(1 و 2) انظر معاني القرآن للفراء : ج 2 ص 300.
(3) تفسير القمي علي بن ابراهيم : ج 2 ص 130 وفيه عن أبي عبد الله (عليه السلام).
(4) قرأه ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر ، راجع كتاب السبعة في القراءات : ص 487.
(5) كالشيخ الطوسي في التبيان : ج 8 ص 120 .
(6) روى القمي باسناده الى أبي بصير عن ابي عبد الله (عليه السلام) في حديث الى أن قال : فقال رجل له : إن العامة تزعم أن قوله : * (ويوم نحشر من كل امة فوجا) * عنى يوم القيامة ، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : أفيحشر الله من كل امة فوجا ويدع الباقين ؟ ! لا ، ولكنه في الرجعة ، وأما آية القيامة فهي : * (وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا) * راجع تفسير القمي : ج 2 ص 131. (*)


تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 725 _
  تجرعوه من الغموم بذلك ، وينال كل من الفريقين بعض ما استحقه من الثواب والعقاب (1).
  وهذا غير مستحيل في العقول فإن أحدا من المسلمين لا يشك في أنه مقدور لله تعالى ، وقد نطق القرآن بوقوع أمثاله في الأمم الخالية ك‍ * ( ـ الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت) * (2) ، والذي * (أماته الله مئة عام ثم بعثه) * (3) (4).
  وروي عنه (عليه السلام) : ( سيكون في أمتي كل ما كان في بني إسرائيل ، حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ) (5).
  وعلى هذا فيكون المراد بالآيات : الأئمة الهادية (عليهم السلام).
  وقوله : * (ولم تحيطوا بها علما) * الواو للحال ، فكأنه قال : أكذبتم بها بادئ الرأي من غير فكر ونظر يؤدي إلى إحاطة العلم بكنهها ، أو للعطف أي : أجحدتموها ومع جحودكم لم تقصدوا معرفتها وتحققها * (أماذا كنتم تعملون) * من غير الكفر والتكذيب بآيات الله ، يعني : لم يكن لكم عمل في الدنيا غير ذلك * (ووقع القول عليهم) * أي : غشيهم العذاب بسبب ظلمهم فشغلهم عن الاعتذار والنطق به * (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ * وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ * مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ

-------------------
(1) انظر روضة الكافي : ص 206 ح 250.
(2) البقرة : 243.
(3) البقرة : 259.
(4) أنظر الاعتقادات في دين الإمامية للصدوق : ب 18 ص 39 ـ 43.
(5) من لا يحضره الفقيه : ج 1 ص 203 ح 609. (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 726 _
  آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ * وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنْ الْمُنذِرِينَ * وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) * (مبصرا) * معناه : ليبصروا فيه طرق المكاسب * (ففزع) * ولم يقل : فيفزع ليعلم أنه كائن لا محالة ، والمراد : أن أهل السماوات والأرض يفزعون عند النفخة الأولى * (إلا من شاء الله) * من الملائكة الذين ثبتهم الله تعالى وهم : جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ، وقيل : الشهداء (1) ، وقرئ : ( وكل أتوه ) (2) أي : فاعلوه ، وكلاهما محمول على معنى ( كل ) ، والداخر : الصاغر ، ومعنى الإتيان : حضورهم الموقف بعد النفخة الثانية ، ويجوز أن يكون المراد : رجوعهم إلى أمرهم وانقيادهم له.
  * (تحسبها جامدة) * من جمد في المكان : إذا لم يبرح منه ، تجمع الجبال وتسير كما تسير الريح السحاب ، فإذا نظر إليها الناظر حسبها واقفة * (وهي تمر) * مرا حثيثا.
  وهكذا الأجرام العظام المتكاثرة العدد إذا تحركت لا يتبين حركتها ، كما قال النابغة الجعدي يصف جيشا : بأرعن مثل الطود تحسب أنهم * وقوف لحاج والركاب تهملج (3)

-------------------
(1) قاله أبو هريرة كما في تفسير الماوردي : ج 4 ص 230.
(2) وهي قراءة الجمهور إلا حمزة وحفصا ، راجع كتاب السبعة في القراءات : ص 487.
(3) الأرعن : الجبل العالي ، والهملجة : السير السريع ، يقول : إن جيشنا من الكثرة تظنهم واقفين لحاجة والحال أن ركابه تسرع السير ، انظر شرح شواهد الكشاف للافندي : 99 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 727 _
  * (صنع الله) * مصدر مؤكد ، وانتصابه بما دل عليه ما تقدم من قوله : * (وهي تمر مر السحاب) * وجعل هذا الصنع من جملة الأشياء التي أتى بها على وجه الحكمة والإتقان وهو حسن الاتساق * (إنه خبير) * بما يفعله العباد ، وما يستحقونه عليه فيجازيهم بحسب ذلك ، وقرئ : * (تفعلون) * بالتاء على الخطاب (1).
  وقرئ : ( من فزع يومئذ ) مجرورا بالإضافة (2) و ( يومئذ ) مفتوحا مع الإضافة (3) لأنه أضيف إلى غير متمكن ، ومنصوبا مع تنوين ( فزع ) .
  ومن نون ففي انتصاب ( يومئذ ) ثلاثة أوجه : أن يكون ظرفا للمصدر ، وأن يكون صفة له كأنه قال : من فزع يحدث يومئذ ، وأن يتعلق ب‍ * (آمنون) * كأنه قال : وهم آمنون يومئذ من فزع شديد لا يكتنهه الوصف ، وهو خوف النار.
  وعن علي (عليه السلام) : ( الحسنة حبنا أهل البيت ، والسيئة بغضنا ) (4).
  ويؤيده ما رووه عن جابر عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال : ( يا علي ، لو أن أمتي صاموا حتى صاروا كالأوتار ، وصلوا حتى صاروا كالحنايا ، ثم أبغضوك ، لأكبهم الله على مناخرهم في النار ) (5).
  * (هل تجزون) * على إضمار القول * (هذه البلدة) * يعني : مكة ، خصها الله سبحانه بإضافة اسمه إليها ، وأشار إليها إشارة تعظيم لها ، ووصف ذاته بالتحريم الذي هو خاص ، وصفها : لا يختلى خلاها ، ولا يعضد شجرها ، ولا ينفر صيدها ،

-------------------
(1) الظاهر أن القراءة المعتمدة لدى المصنف هنا بالياء.
(2) قرأه ابن كثير وابو عمرو ونافع وابن عامر ، راجع كتاب السبعة في القراءات : ص 487.
(3) قرأه ابن جماز وقالون وابن أبي اويس والمسيبي وورش كلهم عن نافع ، راجع المصدر السابق.
(4) أخرجه الكليني في الكافي : ج 1 ص 185 ح 14 ، والطوسي في الأمالي ج 2 ص 107.
(5) العلل المتناهية لابن الجوزي : ج 1 ص 257. (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 728 _
  ومن التجأ إليها فهو آمن ، ومن انتهك حرمتها فهو ظالم ، وهو مالك * (كل شئ) * فيحرم ما يشاء ويحل ما يشاء * (فمن اهتدى) * باتباعه إياي فمنفعة اهتدائه راجعة إليه لا إلي * (ومن ضل) * ولم يتبعني فلا علي ، وما أنا إلا رسول منذر ، وليس علي إلا البلاغ المبين.
  ثم أمر سبحانه أن يحمد الله على ما آتاه من نعمة النبوة ، وأن يهدد أعداءه بما سيريهم سبحانه من الآيات التي تلجئهم إلى المعرفة والإقرار بأنها آيات الله ، وذلك حين لا تنفعهم المعرفة ، يعني : في الآخرة ، وقيل : هي العذاب في الدنيا والقتل يوم بدر فيشاهدونها (1) ، وقرئ : * (تعملون) * بالتاء والياء (2).

-------------------
(1) وهو قول مقاتل ، راجع مجمع البيان : ج 7 ص 237.
(2) وبالياء قرأه ابن كثير وأبو عمرو وهشام ، راجع الكشف عن وجوه القراءات : ج 2 ص 169. (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 729 _
سورة القصص مكية (1)
  وهي ثمان وثمانون آية ، * (طسم) * كوفي ، * (يسقون) * غيرهم.
  وفي حديث أبي : ( من قرأها أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق موسى (عليه السلام) ومن كذب به ) (2).

-------------------
(1) قال الشيخ الطوسي في التبيان : ج 8 ص 127 : مكية في قول قتادة والحسن عطاء وعكرمة ومجاهد ، وليس فيها ناسخ ولا منسوخ ، وقال ابن عباس : آية منها نزلت بالمدينة ، وقيل بالجحفة ، وهي قوله : * (ان الذي فرض عليك القرآن لرادك الى معاد) * ، وهي ثمانون وثمان آيات بلا خلاف في جملتها ، واختلفوا في رأس آيتين.
وفي الكشاف : ج 3 ص 391 : مكية إلا من آية 52 إلى غاية آية 55 فمدنية ، وآية 85 فبالجحفة أثناء الهجرة ، وآياتها 88 ، نزلت بعد النمل.
وفي تفسير الآلوسي : ج 20 ص 41 ما لفظه : مكية كلها على ما روي عن الحسن وعطاء وطاوس وعكرمة ، وقال مقاتل : فيها من المدني قوله تعالى : * (الذين آتيناهم االكتاب) * إلى قوله : * (لا نبتغى الجاهلين) * فقد أخرج الطبراني عن ابن عباس أنها نزلت هي وآخر الحديد في أصحاب النجاشي الذين قدموا وشهدوا واقعة أحد ، وفي رواية عنه أن الآية المذكورة نزلت بالجحفة في خروجه (صلى الله عليه وآله وسلم) للهجرة ، وقيل : نزلت بين مكة والجحفة.
(2) رواه الزمخشري في الكشاف : ج 3 ص 437 مرسلا ، وزاد في آخره : ( ولم يبق ملك في السماوات والأرض إلا شهد له يوم القيامة أنه كان صادقا أن كل شئ هالك إلا وجهه ، له الحكم وإليه ترجعون ) . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 730 _
بسم الله الرحمن الرحيم

  (طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) * (نتلوا عليك) * بعض * (نبإ موسى وفرعون بالحق) * أي : محقين كقوله : * (تنبت بالدهن) * (1) * (لقوم يؤمنون) * سبق في علمنا أنهم يؤمنون ، لأن التلاوة إنما ينفع هؤلاء * (إن فرعون) * جملة مستأنفة كالتفسير لما تقدم * (علا) * أي : بغى وتجبر * (في) * أرض مصر ، وتجاوز الحد في الظلم * (وجعل أهلها شيعا) * أي : فرقا يشيعونه على ما يريد ، أو : يشيع بعضهم بعضا في طاعته ، أو : فرقا مختلفة قد أوقع بينهم العداوة ، وهم : بنو إسرائيل والقبط * (يستضعف طائفة منهم) * وهم بنو إسرائيل ، وسبب ذبح الأبناء أن كاهنا قال له : يولد مولود في بني إسرائيل يذهب ملكك على يده ، * (يذبح) * بدل من * (يستضعف) * ، و * (يستضعف) * : إما حال من الضمير في * (جعل) * أو صفة ل‍ * (شيعا) * أو كلام مستأنف.
  * (ونريد أن نمن) * جملة معطوفة على الكلام المتقدم ، لأن الجميع تفسير ل‍ * (نبأ موسى وفرعون) * ، * (ونريد) * حكاية حال ماضية ، ويجوز أن يكون حالا من * (يستضعف) * أي : يستضعفهم فرعون ونحن نريد أن نمن عليهم

-------------------
(1) المؤمنون : 20. (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 731 _
  * (ونجعلهم أئمة) * متقدمين في الدين والدنيا ، وقادة في الخير يقتدى بهم.
  وعن سيد العابدين (عليه السلام) : والذي بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) بالحق بشيرا ونذيرا ، إن الأبرار منا أهل البيت ، وشيعتهم بمنزلة موسى وشيعته ، وإن عدونا وأشياعهم بمنزلة فرعون وأشياعه * (ونجعلهم الوا رثين) * يرثون فرعون وقومه ملكهم * (ونمكن لهم) * في أرض مصر والشام ، أي : نجعلها لهم ممهدة لا تنبو بهم كما كانت في أيام الجبابرة ، وننفذ أمرهم ، ونطلق أيديهم فيها ونسلطهم عليها.
  وقرئ : ( ويرى ) بالياء ( فرعون وجنوده ) بالرفع (1) ، أي : يرون منه * (ما كانوا يحذرون‍) * ـ ه من ذهاب ملكهم وهلاكهم * (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ * فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ * وَقَالَتْ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ) * (اليم) * البحر وهو نيل مصر ، يعني : ألهمناها ، أو أتاها جبرائيل بذلك * (أن أرضعيه) * ما لم تخافي عليه * (فإذا خفت عليه) * القتل فاقذفيه في النيل * (ولا تخافي) * عليه الغرق والضياع ، والفرق بين الخوف والحزن : أن الخوف غم يلحق الإنسان لمتوقع ، والحزن غم يلحقه لواقع ، وهو فراقه والإخطار به ، وقد

-------------------
(1) قرأه حمزة والكسائي ، راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون : ج 2 ص 593.

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 732 _
  نهيت عن الأمرين جميعا ، ووعدت بما يسليها ويطمئن قلبها ويبهجها ، وهو رده إليها وجعله * (من المرسلين) * واللام في * (ليكون) * لام ( كي ) التي معناها التعليل ، ولكن معنى التعليل فيها وارد على طريق المجاز ، لأنه لم يكن داعيهم إلى الالتقاط أن يكون لهم * (عدوا وحزنا) * غير أن ذلك لما كان نتيجة التقاطهم له وثمرته شبه بالداعي الذي يفعل الفعل لأجله.
  وقرئ : ( حزنا ) (1) هما لغتان كالرشد والرشد * (كانوا خطئين) * في كل شئ ، وليس خطأهم في تربية عدوهم ببدع منهم ، أو : كانوا مجرمين مذنبين فعاقبهم الله بأن ربى عدوهم الذي هو سبب هلاكهم على أيديهم.
  وقرئ : ( خاطين ) بتخفيف الهمزة (2) ، أو : هو من خطوت أي : خاطين الصواب إلى الخطأ .
  وروي أنهم التقطوا التابوت فدنت آسية فرأت في جوف التابوت نورا ففتحته فإذا بصبي يمص إبهامه فأحبوه ، فقالت آسية لفرعون : * (قرت عين لى ولك) * أي : هو قرة عين .
  وعن ابن عباس : أن أصحاب فرعون جاءوا ليقتلوه فمنعتهم وقالت : لا تقتلوه ، فقال فرعون : قرة عين لك ، فأما لي فلا ، ولو أنه أقر بأن يكون له قرة عين كما أقرت امرأته لهداه الله به كما هداها (3) .
  * (عسى أن ينفعنآ) * فإن فيه مخائل اليمن توسمت في سيمائه النجابة المؤذنة بكونه نفاعا * (أو نتخذه ولدا) * فإنه أهل لأن يكون ولدا للملوك * (وهم لا يشعرون) * أنهم وجدوا المطلوب الذي يطلبونه فارغا من الهم حين سمعت بعطف فرعون عليه وتبنيه له.

-------------------
(1) قرأه حمزة والكسائي ، راجع الكشف عن وجوه القراءات للقيسي : ج 2 ص 172.
(2) حكاها الزمخشري في الكشاف : ج 3 ص 394.
(3) حكاه عنه الطبري في تفسيره : ج 10 ص 33. (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 733 _
  وقيل : * (فرغا) * صفرا من العقل حين سمعت بوقوعه في يد فرعون (1) ، ونحوه : * (وأفئدتهم هواء) * (2) أي : لا عقول فيها .
  قال حسان : ألا أبلغ أبا سفيان عني * فأنت مجوف نخب هواء (3) * (إن كادت لتبدي به) * معناه : أنها كادت تذكر موسى فتقول : يا ابناه ، من شدة الوجد * (لولا أن ربطنا على قلبها) * بإلهام الصبر * (لتكون من) * المصدقين بوعد الله في * (إنا رآدوه إليك) * ، وقيل : كادت تخبر أنها أمه لما رأته عند فرعون لشدة سرورها به (4) ، والهاء في * (به) * لموسى ، والمراد بأمره وقصته * (وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ * فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ * وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ * قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) *

-------------------
(1) قاله مالك كما حكاه القرطبي في تفسيره : ج 13 ص 255.
(2) ابراهيم : 43.
(3) وهو من قصيدة يهجوبها أبا سفيان لما بلغه هجاؤه للنبي (صلى الله عليه وآله) ، راجع ديوان حسان بن ثابت : ص 28.
(4) قاله ابن مسعود ، راجع تفسير القرطبي : ج 13 ص 256. (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 734 _
  * (وقالت) * أم موسى لأخت موسى : * (قصيه) * أي : اتبعي أثره وتتبعي خبره * (فبصرت به عن جنب) * عن بعد ، والمراد : فذهبت فوجدت آل فرعون أخرجوا التابوت وأخرجوا موسى ، فرأت أخاها موسى وهم لا يحسون بأنها أخته ، والتحريم : استعارة للمنع ، لأن من حرم عليه الشئ فقد منع ذلك ، وذلك أن الله منع موسى أن يرضع ثديا ، فكان لا يقبل ثدي مرضع حتى أهمهم ذلك ، و * (المراضع) * جمع مرضع وهي التي ترضع ، أو جمع مرضع وهو الرضاع أو موضع الرضاع يعني الثدي من قبل قصها أثره.
  وروي أنها لما قالت : * (وهم له نصحون) * قال هامان : إنها لتعرفه ، وتعرف أهله ، فقالت : إنما أردت : وهم للملك ناصحون (1).
  والنصح : إخلاص العمل من شائب الفساد ، فانطلقت إلى أمه فجاءت بها ، والصبي على يد فرعون يقبله شفقة عليه ، إذ ألقى الله محبته في قلبه ، وهو يبكي بطلب الرضاع ، فحين وجد ريحها استأنس إليها والتقم ثديها ، فقال فرعون : ومن أنت منه ؟ قالت : إني امرأة طيبة اللبن ، لا أوتى بصبي إلا قبلني ، فدفعه إليها وأجرى عليها ، وذهبت به إلى بيتها ، وأنجز الله وعده في الرد ، فعند ذلك استقر عندها أنه يكون نبيا ، وذلك قوله : * (ولتعلم أن وعد الله حق) * والمراد : ليثبت علمها ويتمكن * (ولكن أكثرهم لا يعلمون) * أنه حق كما علمت * (واستوى) * أي : اعتدل واستحكم وبلغ المبلغ الذي لا يزاد عليه وهو أربعون سنة * (ءاتينه حكما) * وهو النبوة * (وعلما) * وهو التوراة * (ودخل المدينة) * يعني : مصر ، وقيل : مدينة من أرض مصر (2) * (على حين

-------------------
(1) رواه الطبري في تفسيره : ج 10 ص 40 عن طرق.
(2) قاله السدي ، راجع تفسير الماوردي : ج 4 ص 241. (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 735 _
  غفلة) * يعني : ما بين العشاءين ، وقيل : وقت القائلة (1) * (من شيعته) * ممن شايعه على دينه من بني إسرائيل * (من عدوه) * من مخالفيه من القبط ، والوكز : الدفع بأطراف الأصابع ، وقيل : بجمع الكف (2) * (قال هذا من عمل الشيطن) * يعني : أن العمل الذي وقع القتل بسببه من عمل الشيطان إذ حصل بوسوسته * (إنه عدو) * لبني آدم * (مضل) * ظاهر الإضلال * (قال رب إنى ظلمت نفسي) * بهذا القتل لأن القوم لو علموا بذلك لقتلوني ، وقيل : إنما قاله على سبيل الانقطاع إلى الله ، والاعتراف بالتقصير عن أداء حقوق نعمه (3) * (قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ * فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ * فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُصْلِحِينَ * وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ * فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) * (بمآ أنعمت على) * يجوز أن يكون قسما جوابه محذوف ، والتقدير : أقسم بإنعامك علي لأتحفظن * (فلن أكون ظهيرا للمجرمين) * وأن يكون معناه :

-------------------
(1) وهو قول الطبري في تفسيره : ج 10 ص 42.
(2) قاله مجاهد ، راجع المصدر السابق : ص 45.
(3) قاله السيد المرتضى كما في مجمع البيان : ج 7 ص 245. (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 736 _
  * (بمآ أنعمت على) * من القوة فلن أستعملها إلا في مظاهرة أولئك (1) المؤمنين ، ولا أدع قبطيا يغلب أحدا من بني إسرائيل.
  * (يترقب) * المكروه وهو أن يستقاد منه ، أو ينتظر الأخبار في قتل القبطي ويتجسس ، لأنه خاف من فرعون وقومه أن يكونوا عرفوا أنه قتله ، وقال للإسرائيلي : * (إنك لغوى مبين) * لأنه كان سبب قتل رجل وهو يقاتل آخر * (فلمآ) * أخذته الرقة على الإسرائيلي و * (أراد) * أن يدفع القبطي الذي هو عدو لموسى والإسرائيلي عنه و * (يبطش) * به ، وقرئ : ( يبطش ) بالضم (2) ، والجبار : الذي يفعل ما يريد من الضرب والقتل بظلم ، لا ينظر في العواقب ، وقيل : هو المتعظم الذي لا يتواضع لأمر الله (3).
  فلما قال للإسرائيلي هذا اشتهر أمر القتل في المدينة ، وأنهي إلى فرعون وهموا بقتله * (وجاء رجل) * قيل : هو من آل فرعون وكان ابن عم فرعون (4) ، و * (يسعى) * يجوز أن يكون في محل الرفع وصفا ل‍ * (رجل) * ، ويجوز أن يكون منصوبا حالا عنه ، لأنه قد تخصص بوصفه الذي هو * (من أقصا المدينة) * ، ويجوز أن يكون صلة ل‍ * (جاء) * فيكون * (يسعى) * صفة ل‍ * (رجل) * لا غير ، * (يأتمرون) * يتشاورون بسببك ، يقال : تأمر القوم وائتمروا ، و * (لك) * ليس بصلة ل‍ * (النصحين) * بل هو بيان * (فخرج) * موسى من مصر * (يترقب) * التعرض له في الطريق ، أو : أن يلحق * (قال رب نجنى من) * فرعون وقومه * (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ

-------------------
(1) في نسخة : ( أوليائك ).
(2) حكاها الزجاج في معاني القرآن : ج 4 ص 137.
(3) قاله الزجاج ، راجع المصدر السابق.
(4) قاله قتادة والضحاك والكلبي ، راجع تفسير الطبري : ج 10 ص 49. (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 737 _
  السَّبِيلِ * وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ * فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ * قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّالِحِينَ * قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) * (توجه تلقاء مدين) * صرف وجهه نحوها ، وهي قرية شعيب ، وعن ابن عباس : خرج وليس له علم بالطريق إلا حسن ظنه بربه (1) و * (سوآء السبيل) * وسطه ، وقيل : خرج خافيا (2) لا يعيش إلا بورق الشجر (3) * (ولما ورد ماء مدين) * الذي يسقون منه وكان بئرا ، ووروده : مجيئه والوصول إليه * (وجد) * فوق شفيره ومستقاه * (أمة) * جماعة كثيرة العدد من أناس مختلفين * (ووجد من دونهم) * أي : مكان أسفل من مكانهم * (امرأتين تذودان) * عنهما ، والذود : الطرد والدفع ، كانتا تكرهان المزاحمة على الماء ، وقيل : كانتا لا تتمكنان من السقي ، لأن على الماء من هو أقوى منهما (4) * (ما خطبكما) *

-------------------
(1) تفسير ابن عباس : ص 325.
(2) خائفا خ ل.
(3) حكاه الزمخشري في الكشاف : ج 3 ص 400.
(4) قاله الزجاج في معاني القرآن : ج 4 ص 139. (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 738 _
  ما شأنكما ، وأصله : ما مخطوبكما أي : مطلوبكما من الذياد ، وقرئ : ( يصدر الرعاء ) (1) أي : يصدروا مواشيهم من ورودهم ، والرعاء : جمع الراعي كالصيام والقيام.
  * (فسقى لهما) * فسقى غنمهما لأجلهما ، وروي : أن الرعاء كانوا يضعون على رأس البئر حجرا لا يقله إلا سبعة رجال ، وقيل : عشرة (2) ، وقيل : أربعون (3) ، فأقله وحده ، وسألهم دلوا فأعطوه دلوهم ، وكان لا ينزعها إلا عشرة ، فاستقى بها وحده مرة (4) فروى غنمهما وأصدرهما ، وإنما فعل ذلك رغبة في المعروف وإغاثة للملهوف ، ولم يذكر مفعول * (يسقون) * و * (تذودان) * و * (لا نسقي) * لأن الغرض هو الفعل لا المفعول ، والوجه في مطابقة جوابهما لسؤاله أنه سألهما عن سبب ذودهما الغنم ، فقالتا : سبب ذلك أنهما ضعيفتان لم تقدرا على مزاحمة الرجال ، ولابد لهما من تأخير السقي إلى أن يصدروا * (وأبونا شيخ كبير) * ضعيف (5) لا يقدر على تولي السقي بنفسه ، وكأنما قالتا ذلك تعريضا للطلب منه الإعانة على سقي غنمهما ، وإبلاء للعذر في توليهما السقي بأنفسهما * (ثم تولى إلى) * ظل سمرة من شدة الحر وهو جائع فقال : * (رب إنى لما أنزلت إلي) * أي : لأي شئ قليل أو كثير * (فقير) * وإنما تعدى * (فقير) * باللام لأنه ضمن معنى ( سائل ) و ( طالب ).
  وروي أنه قال ذلك وخضرة البقل ترى في بطنه من الهزال ، وما سأل إلا خبزا يأكله.
  * (على استحياء) * في موضع الحال ، أي : مستحيية خفرة ، وذلك أنهما لما رجعتا إلى أبيهما قبل الناس وأغنامهما حفل بطان وقالتا : وجدنا رجلا صالحا

-------------------
(1) قرأه ابن عامر وأبو عمرو ، راجع التيسير في القراءات للداني : ص 171.
(2) قاله شريح ، راجع التبيان : ج 8 ص 142.
(3) قاله الزجاج على ما حكاه القرطبي في تفسيره : ج 13 ص 269.
(4) في المخطوطة زيادة : واحدة.
(5) في نسخة زيادة : ( كبير السن ) (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 739 _
  رحمنا وسقى لنا ، قال لإحداهما : علي به ، فرجعت فتبعها موسى ، فألصقت الريح ثوبها بجسدها فوصفته ، فقال لها : إمشي خلفي وأريني السمت بقولك ، فلما قص عليه قصته * (قال لا تخف) * فلا سلطان لفرعون بأرضنا ، و * (القصص) * مصدر سمي به المقصوص.
  * (قالت إحدبهما) * وهي كبراهما ، وهي التي ذهبت به ، وهي التي تزوجها.
  وروي أن شعيبا قال لها : وكيف علمت قوته وأمانته ؟ فذكرت إقلال الحجر ونزع الدلو ، وأنه صوب رأسه حتى أبلغته رسالته وأمرها بالمشي خلفه ، وفي قولها حكمة جامعة (1) لأنه إذا حصلت الأمانة والكفاية في القيام بالأمر فقد تم المراد.
  * (تأجرني) * من أجرته إذا كنت له أجيرا ، و * (ثمني حجج) * ظرف له * (فمن عندك) * أي : فإتمامه من عندك ، يعني : لا أوجبه عليك ولا ألزمكه ، ولكنك إن فعلت فهو تبرع منك * (وما أريد أن أشق عليك) * بإتمام الأجلين وإيجابه * (من الصلحين) * في حسن المعاملة ولين الجانب.
  * (ذلك) * مبتدأ و * (بينى وبينك) * خبره ، أي : ذلك الذي قلته وعاهدتني فيه قائم بيننا لا تخرج عنه ، أي أجل * (قضيت) * من الأجلين : الثماني أو العشر ، فلا يعتدى * (على) * في طلب الزيادة عليه ، و * (ما) * مؤكدة لإبهام ( أي ) زائدة في شياعها ، والوكيل : الذي وكل الأمر إليه ، ولما استعمل بمعنى الشاهد والمهيمن عدي ب‍ * (على) * (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنْ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنْ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)

-------------------
(1) في نسخة : ( بالغة ) (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 740 _
  وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنْ الآمِنِينَ * اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنْ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ * وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ * قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنْ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ) * قرئ : * (جذوة) * بالحركات الثلاث (1) ، وفيها اللغات الثلاث ، وهي العود الغليظ في رأسه نار ، و * (من) * الأولى والثانية لابتداء الغاية ، أي : أتاه النداء من شاطئ الوادي من قبل الشجرة ، و * (من الشجرة) * بدل من * (شطئ الواد) * وهو بدل الاشتمال ، لأن الشجرة قد نبتت على الشاطئ ، والرهب : الخوف ، والجناح المراد به اليد ، لأن يد الإنسان بمنزلة جناحي الطائر ، وإذا أدخل الإنسان يده اليمنى تحت عضده اليسرى فقد ضم جناحه إليه ، من الرهب أي : من أجل الرهب ، يعني : إذا أصابك الرهب عند رؤية الحية فاضمم إليك جناحك * (فذا نك) * قرئ مخففا ومشددا (2) ، فالمخفف تثنية ( ذاك ) والمشدد تثنية ( ذلك ) ، * (برهنان) * حجتان (3) ، وسميت الحجة برهانا لبياضها ووضوحها ، وقالوا : امرأة برهرهة أي : بيضاء ، وأبره الرجل : جاء بالبرهان ، وكذلك ( السلطان ) مشتق من السليط وهو الزيت لإنارته.

-------------------
(1) قرأ عاصم بفتح الجيم ، وحمزة وخلف بضمها ، والباقون بكسرها ، راجع التبيان : ج 8 ص 144.
(2) وبالتشديد قرأه ابن كثير وأبو عمرو ، راجع المصدر السابق : ص 147.
(3) في نسخة زيادة : ( يثبتان ) (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 741 _
  والردء : اسم ما يعان به ، فعل بمعنى مفعول به ، كالدف ء لما يدفأ به ، قال : وردئي كل أبيض مشرفي * شحيذ الحد عذب ذي فلول (1) وقرئ : ( ردا ) على التخفيف (2) ، وقرئ : * (يصدقني) * بالرفع والجزم (3) صفة وجوابا كقوله : * (وليا يرثنى) * (4) سواء ، والمراد بالتصديق أن يخلص بلسانه الحق ويجادل به الكفار كما يفعله المصقع البليغ ، فإنه يجري مجرى التصديق ، كما أن البرهان يصدق القول ، أو يبين كلامه حتى يصدقه الذي يخاف تكذيبه ، وأسند التصديق إليه لأنه السبب فيه على سبيل الاستعارة ، ويدل عليه قوله : * (إني أخاف أن يكذبون) * ومعنى * (سنشد عضدك بأخيك) * سنقويك به ونؤيدك بأن نقرنه إليك في النبوة ، لأن العضد قوام اليد ، قال طرفة : أبني لبينى لستم بيد * إلا يدأ ليست لها عضد (5) * (ونجعل لكما سلطنا) * أي : غلبة وتسلطا ، أو حجة وبرهانا * (بآيتنا) * يتعلق ب‍ * (نجعل لكما سلطنا) * أي : نسلطكما ، أو تعلق ب‍ * (لا يصلون) * أي : تمتنعان منهم بآياتنا ، أو : هو بيان ل‍ * (الغلبون) * لا صلة ، لأن الصلة لا تتقدم على الموصول ، أو على تقدير : إذهبا بآياتنا.

-------------------
(1) البيت لسلامة بن جندل ، يقول : وردئى الذي أتوقى به المكاره كل سيف قاطع أبيض ، راجع الكشاف : ج 3 ص 409.
(2) قرأه نافع ، راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون : ج 2 ص 594.
(3) قرأ حمزة وعاصم بالرفع والباقون بالجزم راجع التبيان : ج 8 ص 147.
(4) مريم : 5 و 6.
(5) البيت منسوب لطرفة بن العبد ، وقيل : لأوس بن حجر ، يهجو بني لبينى من بني أسد بن وائلة ، يقول في مقام ذمهم : لستم مثل يد من الأيدي في القوة إلا مثل يد لاعضد لها ، فهي صعبة ومشلولة ، راجع ديوان طرفة : ص 147 ، وديوان أوس : ص 21. (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 742 _
  * (فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ * وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنْ الْكَاذِبِينَ * وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنْ الْمَقْبُوحِينَ) * أي : * (سحر) * ظاهر افتراؤه ، وليس بمعجز من الله * (في ءابائنا) * حال عن هذا ، أي : كائنا في زمان آبائنا ، أي : لم يسمع بكون ما يدعيهم (1).
  * (ربى أعلم) * منكم بحال من يؤهله النبوة ويبعثه بالهدى ، يعني نفسه ، ولو كان كما تزعمون كاذبا مفتريا لما أهله لذلك ، لأنه غني حكيم ، لا يرسل الكاذبين والساحرين ، و * (لا يفلح) * عنده * (الظلمون) * ، و * (عقبة الدار) * هي العاقبة المحمودة ، يدل عليه قوله : * (أولئك لهم عقبى الدار جنت عدن) * (2) والدار هي الدنيا ، وعقباها وعاقبتها أن يختم للعبد بالرضوان والرحمة ، وقرئ : ( قال موسى ) بغير واو (3) ، و * (تكون) * بالتاء والياء (4).

-------------------
(1) في بعض النسخ : ( لم نسمع بكون ما تدعيه فيهم ) .
(2) الرعد : 22 و 23.
(3) قرأه ابن كثير ، راجع التيسير في القراءات للداني : ص 171.
(4) وبالياء هي قراءة أهل الكوفة إلا عاصما ، راجع التبيان : ج 8 ص 151. (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 743 _
  * (فأوقد لى يهمن على الطين) * (1) واتخذ الآجر فاجعل لي قصرا وبناء مرتفعا عاليا * (لعلى) * أقف على حال * (إله موسى) * وأشرف عليه ، وهذا تلبيس من فرعون وإيهام على العوام ، إن الذي يدعو إليه موسى يجري مجراه في الحاجة إلى المكان ، وقصد بنفي علمه بإله غيره نفي وجوده ، يعني : مالكم من إله غيري ، أو : يريد أن إلها غيره غير معلوم عنده لكنه مظنون ، والطلوع والإطلاع : الصعود ، وكل مستكبر متكبر سوى الله عزوجل ، فاستكباره * (بغير الحق) * ، وهو جل جلاله المتكبر على الحقيقة ، أي : المبالغ في كبرياء الشأن ، قال (عليه السلام) فيما حكاه عن ربه عز اسمه : ( الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في النار ) (2).
  وقرئ * (يرجعون) * بالضم والفتح (3).
  * (فأخذنه وجنوده فنبذنهم في اليم) * من الكلام الدال على عظم شأنه وجلال كبريائه ، شبههم استحقارا لهم ـ وإن كانوا الجم الغفير ـ بكف من تراب أخذها الإنسان بكفه وطرحه في البحر ! * (وجعلنهم أئمة) * أي : دعوناهم (4) دعاة إلى النار ، وقلنا : إنهم أئمة دعاة إلى النار ، من قولك : جعله بخيلا ، أي : دعاه وقال : إنه بخيل.
  ومعناه : إنهم دعاة إلى موجبات النار من الكفر والمعاصي ، ويجوز أن يكون المعنى : خذلناهم حتى كانوا أئمة الكفر ومنعناهم ألطافنا ، وإنما يمنع الألطاف من علم أنها لا تنفع فيه ، وهو المصمم على الكفر الذي لا تغني عنه الآيات والنذر ، فكأنه قال : صمموا على الكفر حتى كانوا أئمة فيه دعاة إليه ، ولولا ذلك لما خذلناهم و * (هم) * يوم القيامة

-------------------
(1) في بعض النسخ زيادة : ( أي فأجج النار على الطين ) .
(2) رواه أحمد في المسند : ج 2 ص 414.
(3) وبالفتح قرأه نافع وحمزة والكسائي ، راجع كتاب السبعة في القراءات : ص 494.
(4) في نسخة زيادة : ( أنهم ) (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 744 _
  مخذولون لا ينصرون * (من المقبوحين) * أي : من المطرودين المبعدين. * (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنْ الشَّاهِدِينَ * وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمْ الْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ * فَلَمَّا جَاءَهُمْ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ * قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) * إنتصب * (بصائر) * على الحال ، والبصيرة نور القلب الذي يستبصر به ، كما أن البصر نور العين الذي تبصر به ، يعني : آتيناه الكتاب أنوارا للقلوب * (وهدى) * وإرشادا * (ورحمة) * لمن آمن به ، و * (الغربي) * : المكان الواقع في شق الغرب ، وهو المكان الذي وقع فيه ميقات موسى (عليه السلام) من الطور ، والخطاب لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ، أي : * (وما كنت) * حاضرا المكان الذي أوحينا فيه إلى موسى ولا * (كنت من الشهدين) * للوحي إليه أو على الوحي إليه ، حتى تقف بالمشاهدة على ما جرى من أمره ، * (ولكنآ أنشأنا) *