* يريد بالبروج : منازل الكواكب السيارة ، وهي اثنا عشر برجا ، سميت بالبروج التي هي القصور العالية لأنها لهذه الكواكب كالبروج لسكانها ، والسراج : الشمس .
وقرئ : ( سرجا )
(1) وهي الشمس والكواكب الكبار معها .
وعنهم (عليهم السلام) : ( لا تقرأ سرجا إنما هي سراجا ، وهي الشمس ) .
والخلفة : الحالة التي يختلف عليها الليل والنهار ، ويخلف كل واحد منهما الآخر ، والمعنى: جعلهما ذوي خلفة ، أي : ذوي عقبة ، يعقب هذا ذاك وذاك هذا .
وقرئ : ( يذكر )
(2) و * (يذكر) * ، أي : لينظر في اختلافهما الناظر فيعلم أن لابد لهما من مغير وناقل من حال إلى حال ، ويشكر الشاكر على النعمة فيهما من السكون بالليل والتصرف بالنهار ، أو : ليكونا وقتا للمتذكرين والشاكرين ، من فاته ورده في أحدهما قضاه في الآخر .
* (وعباد الرحمن) * مبتدأ خبره في آخر السورة قوله : * (ألئك يجزون الغرفة) * ، ويجوز أن يكون خبره * (الذين يمشون على الأرض...) * ، * (هونا) * حال أو صفة للمشي ، أي : هينين أو : مشيا هينا ، إلا أن في وضع المصدر موضع
-------------------
(1) قرأه حمزة والكسائي و عبد الله وعلقمة والأعمش ، راجع التبيان : ج 7 ص 502 ،
والبحر المحيط لأبي حيان : ج 6 ص 511 .
(2) وهي قراءة حمزة وحده ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 466 .
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_661 _
الصفة مبالغة ، والهون : الرفق واللين ، وفي المثل : ( إذا عز أخوك فهن ) (1) أي : يمشون بسكينة وتواضع * (سلاما) * تسلما منكم لا نجاهلكم ، ومتاركة لا خير بيننا ولا شرا ، أي : نتسلم منكم تسلما ، فأقيم السلام مقام التسلم ، وقيل : قالوا سدادا من القول يسلمون فيه من الإثم (2) .
والمراد بالجهل السفه وقلة الأدب .
( بات ) خلاف ( ظل ) ، وصفوا بإحياء الليل أو أكثره ساجدين وقائمين .
* (غراما) * أي : هلاكا وخسرانا ملحا لازما ، قال : إن يعاقب يكن غراما وإن يع * ـ ط جزيلا فإنه لا يبالي (3) ومنه : الغريم لأنه يلح ويلزم ، يعني : أنهم مع عبادتهم واجتهادهم خائفون متضرعون إلى الله في استدفاع العذاب عنهم .
* (ساءت) * في حكم ( بئست ) ، فيها ضمير مبهم يفسره * (مستقرا) * ، والمخصوص بالذم محذوف ، ومعناه : ساءت مستقرا * (ومقاما) * هي ، وهذا الضمير هو الذي ربط الجملة باسم ( إن ) وجعلها خبرا لها .
ويجوز أن يكون ( ساءت ) بمعنى ( أحزنت ) ، وفيها ضمير اسم ( إن ) ، و * (مستقرا) * حال أو تمييز .
التعليلان يصح أن يكونا متداخلين ومترادفين ، وأن يكونا من كلام الله وحكايته لقولهم .
* (ولم يقتروا) * قرئ بكسر التاء (4) وضمها و ( يقتروا ) بضم الياء (5) ، والقتر والإقتار نقيض الإسراف الذي هو مجاوزة الحد في النفقة ، وصفهم بالقصد الذي هو بين الغلو والتقصير ، والقوام : العدل بين الشيئين لاستقامة الطرفين واعتدالهما ،
-------------------
(1) وهو من الأمثال الشائعة ، يعني : إذا عاسرك صديقك فياسره ، فإن مياسرتك إياه ليست
بضيم يركبك منه ، إنما هو حسن خلق وتفضل عليه ، راجع مجمع الأمثال : ج 1 ص 24 .
(2) قاله مجاهد ، راجع التبيان : ج 7 ص 504 .
(3) البيت للأعشى ، ومعناه واضح ، راجع شرح ديوان الأعشى لكامل سليمان : ص 171 .
(4) قرأه ابن كثير وأبو عمرو ، راجع التبيان : ج 7 ص 506 .
(5) قرأه نافع وابن عامر ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 466 .
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 662_
ونظييره ( السواء ) من الاستواء .
ويجوز أن يكون * (بين ذلك) * و * (قواما) * خبرين معا ، وأن يكون * (بين ذلك) * لغوا ، و * (قواما) * مستقرا ، وأن يكون الظرف خبرا و * (قواما) * حال مؤكدة .
* (النفس التي حرم الله) * أي : حرمها ، والمعنى : حرم قتلها ، وتعلق * (إلا بالحق) * بهذا القتل المحذوف أو ب * (لا يقتلون) * ، نفي عنهم هذه الخصال القبيحة ، وبرأهم منها تعريضا بما كان عليه أعداؤهم من الكفار ، كأنه قال : والذين برأهم الله مما أنتم عليه ، والقتل بغير حق يدخل فيه الوأد وغيره .
والأثام : جزاء الإثم كالوبال والنكال ، وقيل : هو الإثم (1) .
والمعنى جزاء أثام .
* (يضاعف) * بدل من * (يلق) * لأنهما في معنى واحد ، وقرئ : ( يضاعف ) بالرفع و ( يخلد ) بالرفع (2) ، و ( يضعف ) بالرفع (3) والجزم (4) ، والرفع على الاستئناف أو على الحال .
وتبديل السيئات حسنات أن تمحى السيئة وتثبت بدلها الحسنة ، وقرئ : ( يبدل ) (5) من الإبدال ، وقيل : يبدلون بقبائح أعمالهم في الشرك محاسن الأعمال في الإسلام (6) .
* (وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً * وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً * وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً * أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً * قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً)
-------------------
(1) قاله ابن عباس والسدي وأبو مسلم ، راجع تفسير الماوردي : ج 4 ص 158 .
(2) وهي قراءة ابن عامر وأبي بكر ، راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون : ج 2 ص 575 .
(3) قرأه ابن عامر ، راجع كتاب السبعة في القراءات : ص 467 .
(4) وهي قراءة ابن كثير وحده ، راجع المصدر السابق .
(5) قرأه عاصم برواية أبي بكر عنه ، راجع شواذ القرآن لابن خالويه : ص 107 .
(6) قاله ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد والسدي والضحاك ، راجع تفسير الماوردي : ج 4 ص 158 . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 663 _
* (ومن) * ترك المعاصي وندم عليها ، ودخل في العمل الصالح فإنه يرجع * (إلى الله) * وإلى ثوابه مرجعا حسنا أي مرجع ، أو : فإنه تاب بذلك إلى الله * (متابا) * مرضيا عنده .
* (لا يشهدون الزور) * أي : مجالس الفساق ، ولا يحضرون الباطل ، وقيل : هو الغناء (1) ، وروي ذلك عن السيدين الباقر والصادق (عليهما السلام) (2) ، وفي مواعظ عيسى ابن مريم : ( إياكم ومجالسة الخطائين (3) ) .
وقيل : لا يشهدون شهادة الزور (4) فحذف المضاف * (وإذا مروا باللغو) * أي : بأهل اللغو والمشتغلين به * (مروا كراما) * مكرمين أنفسهم عن التوقف عليهم والخوض معهم ، معرضين عنهم ، واللغو : كل ما ينبغي أن يلقى ويطرح .
* (إذا ذكروا بايت ربهم) * أي : وعظوا بالقرآن والأدلة * (لم يخروا عليها صما) * ليس بنفي للخرور ، بل هو إثبات له ونفي للصمم والعمى ، أي : إذا ذكروا بها أكبوا عليها حرصا على استماعها وهم سامعون بآذان واعية ، مبصرون بعيون راعية .
-------------------
(1) قاله محمد بن الحنفية ومجاهد ، راجع تفسير الماوردي : ج 4 ص 159 .
(2) الكافي : ج 6 ص 431 ح 6 وص 433 ح 13 .
(3) رواه الزمخشري في الكشاف : ج 3 ص 295 .
(4) وهو قول علي والباقر (عليهما السلام) وعلي بن طلحة ، راجع تفسير القرطبي : ج 13 ص 80 . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 664_
وقرئ : ( وذريتنا ) (1) ، سألوا ربهم أن يرزقهم أزواجا وأولادا وأعقابا تقر بهم عيونهم ، وتسر بهم نفوسهم ، وعن ابن عباس : هو الولد إذا رآه يكتب الفقه (2) * (إماما) * أراد أئمة ، واكتفي بالواحد لدلالته على الجنس ، أو : أراد جمع ( آم ) كصائم وصيام ، و * (من) * للبيان ، أي : * (هب لنا ... قرة أعين) * ثم بين القرة بقوله : * (من أزواجنا وذريتنا) * ، وهو من قولهم : رأيت منك أسدا أي : أنت أسد .
ويجوز أن يكون للابتداء بمعنى : هب لنا من جهتهم ما تقر به أعيننا من صلاح وعلم ، ونكر القرة بتنكير المضاف إليه ، فكأنه قال : هب لنا منهم سرورا وفرحا .
وعن الصادق (عليه السلام) في قوله : * (واجعلنا للمتقين إماما) * قال (عليه السلام) : ( إيانا عنى )(3) .
وروي عنه (عليه السلام) أنه قال : ( هذه فينا ) (4) .
وعن أبي بصير قال : قلت : واجعلنا للمتقين إماما ؟ فقال (عليه السلام) : ( سألت ربك عظيما ، إنما هي : واجعل لنا من المتقين إماما ) (5) .
* (يجزون الغرفة) * يريد الغرفات ، وهي العلالي في الجنة ، فوحد اقتصارا
على الواحد الدال على الجنس ، يدل عليه قوله : * (وهم في الغرفت ءامنون) * (6) ، * (بما صبروا) * بصبرهم على الطاعات وعن الشهوات ، وعلى مجاهدة الكفار ومقاساة الفقر ومشاق الدنيا ، لشياع اللفظ في كل مصبور عليه .
وقرئ : * (يلقون) * ،
-------------------
(1) قرأه عاصم برواية ابي بكر وأبو عمرو وحمزة والكسائي وطلحة وعيسى ، راجع كتاب
السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 467 ، وتفسير القرطبي : ج 13 ص 82 .
(2) حكاه عنه الزمخشري في الكشاف : ج 3 ص 296 .
(3) تفسير القمي علي بن ابراهيم : ج 2 ص 117 .
(4) رواه البرقي في المحاسن : ص 170 ح 136 .
(5) تفسير القمي علي بن ابراهيم : ج 2 ص 117 .
(6) سبأ : 3 7 . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 665 _
وهو كقوله : * (ولقاهم نضرة) * (1)و ( يلقون ) (2) كقوله : * (يلق أثاما) * ، * (تحية) * قولا يسرون به ، ودعاء بالتعمير تحييهم الملائكة ويسلمون عليهم ، أو : يحيي بعضهم بعضا ويسلم عليه ، وقيل : يعطون ملكا عظيما وتخليدا مع السلامة من كل آفة (3) .
* (مستقرا ومقاما) * موضع استقرار وموضع إقامة .
* (ما يعبؤا بكم) * أي : ما يبالي بكم ربي ، ولم يعتد بكم * (لولا دعاؤكم) * أي : عبادتكم ، وقيل : ( ما ) استفهامية في محل النصب ، وهي عبارة عن المصدر (4) ، كأنه قال : أي عب ء يعبأ بكم لولا دعاؤكم ، أي : لا تستأهلون شيئا من العب ء بكم لولا عبادتكم ، وحقيقة قولهم : ما عبأت به : ما اعتدت به من مهماتي وما يكون عبأ علي ، وقيل : لولا دعاؤكم إياه إذا مسكم ضر رغبة إليه وخضوعا له (5) .
وفي هذا دلالة على أن الدعاء من الله بمكان ، وقيل : معناه : ما يصنع
بكم ربي لولا دعاؤه إياكم إلى الإسلام (6) * (فقد كذبتم) * بالتوحيد وبمن دعاكم إليه * (فسوف يكون) * العذاب * (لزاما) * أي : لازما لكم واقعا بكم لا محالة ، وهو القتل يوم بدر أو عذاب الآخرة .
-------------------
(1) الإنسان : 11 .
(2) قرأه ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر والمفضل والأعمش ويحيى وخلف وطلحة ومحمد اليماني ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 468 ، والبحر المحيط لأبي حيان : ج 6 ص 517 .
(3) حكاه الماوردي في تفسيره : ج 4 ص 161 .
(4) قاله الفراء في معاني القرآن: ج 2 ص 275 .
(5) قاله الماوردي في تفسيره : ج 4 ص 162 .
(6) قاله الفراء في معانيه : ج 2 ص 275 . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 667_
سورة الشعراء مكية كلها (1)
إلا قوله : * (والشعراء يتبعهم الغاوون) * الى آخرها ، مائتان وسبع وعشرون آية كوفي ، ست في غيرهم ، * (طسم) * كوفي ، * (فلسوف تعلمون) * (2) غيرهم ، * (أين ما كنتم تعبدون من دون الله) * (3) غير البصري .
في حديث أبي : ( من قرأ سورة الشعراء كان له من الأجر بعدد من صدق بنوح وكذب به ، وهود وشعيب وصالح وإبراهيم ، وبعدد من كذب بعيسى ، وصدق بمحمد (صلى الله عليه وآله) ) (4) .
وعن الصادق (عليه السلام) : ( من قرأ الطواسين الثلاث في ليلة الجمعة كان من أولياء الله وفي جواره وكنفه ، ولم يصبه في الدنيا بؤس أبدا ، وأعطي في الآخرة من الجنة حتى يرضى وفوق رضاه ، وزوجه الله مائة حوراء من حور العين ) (5) .
-------------------
(1) قال الشيخ الطوسي في التبيان : ج 8 ص 4 : قال قتادة : هي مكية ، وقيل : أربع آيات
منها مدنية من قوله : * (والشعراء ...) * الى آخرها ، وهي مائتان وسبع وعشرون آية في
الكوفي والمدني الأول، وست في البصري والمدني الآخر ، وفي تفسير الآلوسي : ج 19 ص 58
ما لفظه : وفي تفسير الإمام مالك تسميتها بسورة الجامعة ، وقد جاء في رواية عن ابن
عباس وابن الزبير اطلاق القول بمكيتها .
(2) الآية : 49 .
(3) الآية : 92 ـ 93 .
(4) رواه الزمخشري في الكشاف : ج 3 ص 346 مرسلا .
(5) ثواب الأعمال للصدوق : ص 136 . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_668_