مصور أن يكون صفة ل * (صلصل) * كأنه أفرغ الحمأ فصور منها تمثال إنسان أجوف فيبس حتى إذا نقر صلصل ثم غير بعد ذلك فصير إنسانا .
* (والجآن) * للجن كآدم للناس * (من نار السموم) * من نار الحر الشديد النافذ في المسام .
* (و) * اذكر * (إذ قال ربك) * وقت قوله : * (فإذا سويته) * أي : عدلت خلقته وأكملتها وهيأتها لنفخ الروح فيها * (ونفخت فيه من روحي) * معناه : أحييته ، وليس ثم نفخ ولا منفوخ فيها وإنما هو تمثيل لتحصيل ما يحيى به فيه
(1) .
* (مالك ألا تكون) * حذف حرف الجر مع ( أن ) والتقدير : مالك في أن لا تكون * (مع السجدين) *، والمعنى : أي غرض لك في إبائك السجود ، وأي داع لك إليه ؟ * (لم أكن لاسجد) * اللام لتأكيد النفي ، أي : لا يصح مني أن أسجد ويستحيل مني ذلك .
* (رجيم) * مرجوم ، ملعون ، مطرود من الرحمة ، مبعد منها ، والضمير في *
(منها) * يعود إلى الجنة أو إلى السماء أو إلى الملائكة .
و * (يوم الدين) * و * (يوم يبعثون) * و * (يوم الوقت المعلوم) * في معنى واحد خولف بين العبارات سلوكا لطريق البلاغة ، وقيل : إنما سأل الإنظار إلى اليوم الذي فيه يبعثون لئلا يموت ، لأنه لا يموت يوم البعث أحد ، فلم يجب إلى ذلك وأنظر إلى آخر أيام التكليف
(2) .
-------------------
(1) قال العلامة الطباطبائي : النفخ : إدخال الهواء في داخل الاجسام بفم أو غيره ،
ويكنى به عن إلقاء أثر أو أمر غير محسوس في شئ ، ويعني به في الآية : إيجاده تعالى
الروح الانساني بما له من الرابطة والتعلق بالبدن ، وليس بداخل فيه دخول الهواء في
الجسم المنفوخ فيه ، راجع تفسير الميزان : ج 12 ص 154 .
(2) ذكره العلامة الطباطبائي في تفسيره : ج 12 ص 160 وقال : نسب الى ابن عباس ، ومال إليه الجمهور . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 302 _
* (بمآ أغويتني) * الباء للقسم و ( ما ) مصدرية ، وجواب القسم * (لازينن) * ، والمعنى : أقسم بإغوائك إياي * (لازينن لهم) * ، ومعنى إغوائه إياه : تسبيبه لغيه بأن أمره بالسجود لآدم فأفضى ذلك إلى غيه ، وما الأمر بالسجود إلا حسن وتعريض للثواب
بالتواضع والخضوع لأمر الله، ولكن الملعون اختار الاستكبار فهلك وغوى باختياره .
ويجوز أن لا يكون * (بمآ أغويتني) * قسما ويقدر قسم محذوف ، ويكون المعنى : بسبب تسبيبك لإغوائي أقسم لأفعلن بهم نحو ما فعلت بي من التسبيب لإغوائهم بأن ازين لهم المعاصي واوسوس إليهم ما يكون سبب هلاكهم * (في الارض) * أي : في الدنيا التي هي دار الغرور ، كقوله تعالى : * (أخلد إلى الارض واتبع هوبه) *
(1) ، أو أراد : لأجعلن مكان التزيين عندهم الأرض ولأوقعن تزييني فيها ، أي : لأزيننها في أعينهم حتى يستحبوها على الآخرة ويطمئنوا إليها .
ثم استثنى * (المخلصين) * لأنه علم أنهم لا يقبلون قوله .
*
(قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْغَاوِينَ * وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ * إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ * نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ) * أي : * (هذا) * طريق حق * (على) * أن أراعيه ، وهو أن لا يكون لك * (سلطن) *
-------------------
(1) الأعراف : 176 . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 303 _
على عبادي إلا من اختار منهم متابعتك لغوايته ، وقرئ : ( صرا ط علي ) (1) وهو من علو الشرف والفضل .
* (لموعدهم) * الضمير ل * (الغاوين) * .
وأبواب جهنم : أطباقها ، بعضها فوق بعض * (جزء مقسوم) * أي : نصيب مفروض (2) .
و * (المتقين) * الذين يتقون ما يجب عليهم اتقاؤه مما نهوا عنه ، يقال لهم : * (ادخلوها بسلم) * أي : سالمين مسلمين من الآفات * (ءامنين) * من الإخراج منها .
والغل : الحقد الكامن في القلب ، معناه : وأزلنا ماكان في قلوبهم من أسباب العدواة في الدنيا ، وقيل : معناه : طهرنا قلوبهم من أن يتحاسدوا على الدرجات في الجنة (3) ، و * (إخوا نا) * نصب على الحال ، و * (على سرر متقبلين) * كذلك : أي : كائنين على مجالس السرور متواجهين ، ينظر بعضهم إلى وجه بعض * (لا يمسهم فيها) * تعب وعناء .
ثم قرر ما ذكره من الوعد ومكنه في نفوسهم بقوله : * (نبئ عبادي أنى أنا) * وحدي * (الغفور) * للذنوب * (الرحيم) * الكثير الرحمة * (وأن عذابي) * هو المستأهل لأن يسمى أليما ، فارجوا رحمتي وخافوا عذابي .
* (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ * قَالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ * قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِي الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ * قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنْ الْقَانِطِينَ * قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ * قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنْ الْغَابِرِينَ)
-------------------
(1) قرأه يعقوب وابن سيرين وقتادة ، راجع التبيان : ج 6 ص 337 .
(2) في نسخة : مفروز .
(3) حكاه الزمخشري في الكشاف : ج 2 ص 580 . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 304 _
* * (ونبئهم) * عطف على * (نبئ عبادي) * ، أي : وأخبرهم عنهم ليتخذوا
ما أحل بقوم لوط من العذاب ، عبرة يعتبرون بها سخط الله وانتقامه من المجرمين ،
ويتحققوا عنده أن عذابه هو العذاب الأليم * (فقالوا سلما) * أي : نسلم عليك سلاما ،
أو سلمت سلاما * (قال) * إبراهيم * (إنا منكم وجلون) * أي : خائفون ، وكان خوفه لأنهم
دخلوا بغير إذن وبغير وقت ، أو لامتناعهم من الأكل .
* (إنا نبشرك) * استئناف في معنى التعليل للنهي عن الوجل ، المعنى : إنك آمن مبشر ف * (لا تؤجل) * .
* (قال أبشرتموني) * مع مس * (الكبر) * بأن يولد لي ؟ أي : أن الولادة أمر عجيب مع الكبر * (فبم تبشرون) * وهي ( ما ) الاستفهامية دخلها معنى التعجب ، كأنه قال : فبأي أعجوبة تبشرون ، وقرئ بفتح النون وكسرها (1) على حذف نون الجمع ، والأصل ( تبشرونن ) ، وقرئ بإثبات الياء ( تبشروني ) (2) و ( تبشرون ) (3) بإدغام نون الجمع في نون العماد .
* (قالوا بشرنك بالحق) * أي : باليقين الذي لالبس فيه * (فلا تكن من القنطين) * أي : الآيسين .
-------------------
(1) وقراءة الكسر هي قراءة نافع وشيبة ، راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون : ج 2 ص
486 ، وتفسير القرطبي : ج 10 ص 35 .
(2) حكاها في مجمع البيان : ج 5 ـ 6 ص 339 عن يعقوب .
(3) أي : بكسر النون مشددة ، وهي قراءة ابن كثير وابن محيصن ، راجع تفسير
القرطبي : ج 10 ص 35 . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_305 _
وقرئ : * (يقنط) * بكسر النون (1) وفتحها * (إلا الضالون) * أي : المخطئون سبيل الصواب ، يعني : لم أستنكره قنوطا من رحمته ولكن استبعادا له في العادة الجارية بين الخلق * (فما خطبكم) * أي : فما شأنكم الذي بعثتم له ؟ وقوله : * (إلا ءال لوط) * إن كان استثناء من * (قوم) * كان منقطعا ، لأن القوم موصوفون بالإجرام فاختلف لذلك الجنسان ، وإن كان استثناء من الضمير في * (مجرمين) * كان متصلا ، كأنه قال : * (إلى قوم) * قد أجرموا كلهم إلا آل لوط .
وقوله : * (إلا امرأته) * استثناء من الضمير المجرور في * (لمنجوهم) * وليس استثناء من الاستثناء * (إنها لمن الغبرين) * تعليق ، لأن التقدير يتضمن معنى العلم ، ولذلك فسر العلماء تقدير الله تعالى أعمال العباد بالعلم (2) ، وإنما أسند الملائكة فعل التقدير إلى أنفسهم وهو لله تعالى لما لهم من القرب والاختصاص بالله ، كما يقول خاصة الملك : فعلنا كذا وأمرنا بكذا ، والمدبر والآمر هو الملك لا هم ، وقرئ : ( قدرنا ) بالتخفيف (3) وكذلك في النمل (4) .
* (فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ * قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ * وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنْ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ * وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ * وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ * قَالَ إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ * وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ * قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنْ الْعَالَمِينَ * قَالَ هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ * فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ * وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ)
-------------------
(1) قرأه أبو عمرو والكسائي ويعقوب وخلف والحسن البصري والأعمش ، راجع الكشف عن وجوه
القراءات للقيسي : ج 2 ص 31 ، وتفسير البغوي : ج 3 ص 53 .
(2) قسم علماء الكلام التقدير الى مراتب أو أقسام ثلاثة : التشريعي والعيني والعلمي ، وهذا الأخير عرفوه بأنه عبارة عن تحديد كل شئ بخصوصياته في علمه الأزلي سبحانه وتعالى قبل ايجادها ، فهو تعالى يعلم حد كل شئ ومقداره وخصوصياته الجسمانية وغير الجسمانية ، وقد اشير إليه في آيات الكتاب المجيد ، قال سبحانه : * (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتبا مؤجلا) * ، وقال جل شأنه : * (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتب إن ذلك على الله يسير) * ، انظر الالهيات للسبحاني : ص 266 .
(3) قرأه أبو بكر والمفضل ، راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون : ج 2 ص 487 .
(4) الآية : 57 . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 306 _