إلا الإتيان بما يصح به أنك رسول منذر ، والآيات كلها متساوية في حصول صحة الدعوى بها * (ولكل قوم هاد) * يهديهم إلى الدين ، ويدعوهم إلى الله بوجه من الهداية وبآية خص بها ، ولم يجعل الأنبياء شرعا
(1) سواء في الآيات والمعجزات .
* (الله يعلم ما تحمل كل أنثى) * : * (ما) * إما موصولة في * (ما تحمل) * و * (ما تغيض) * و * (ماتزداد) * وإما مصدرية ، فإن كانت موصولة فالمعنى : أنه يعلم ما تحمله من الولد على أي حال هو من ذكورة وأنوثة وتمام وخداج
(2) وحسن وقبح وغير ذلك من الصفات * (و) * يعلم * (ما) * تغيضه * (الارحام) * أي : تنقصه ، يقال : غاض الماء وغضته أنا * (وما تزداد) * أي : تأخذه زائدا ، ومما تنقصه الرحم وتزداده عدد الولد ، فإن الرحم يشتمل على واحد واثنين وثلاثة وأكثر ، ومنه حد الولد في أن يكون تاما ومخدجا ، ومنه مدة الولادة .
وإن كانت مصدرية فالمعنى : أنه يعلم حمل كل أنثى ويعلم غيض الأرحام
وازديادها ، لا يخفي عليه شئ من ذلك ، ويجوز أن يراد غيوض ما في الأرحام وزيادته ،
فأسند الفعل إلى ( الارحام ) وهو لما فيها ، على أن يكون الفعلان غير متعديين ،
ويعضده قول الحسن : الغيضوضة : أن تضع لثمانية أشهر أو أقل من ذلك ، والازدياد : أن
تزيد على تسعة أشهر
(3) ، وعنه : الغيض : أن يكون سقطا لغير تمام والازدياد ما ولد لتمام
(4) ، * (وكل شئ عنده بمقدار) * بقدر
(5) وحد لا يجاوزه ولا يقصر عنه .
* (الكبير) * العظيم الشأن الذي كل شئ دونه * (المتعال) * المستعلي عل كل شئ بقدرته ، أو الذي كبر عن صفات المخلوقين .
-------------------
(1) الشرعة والشرع : مثل الشئ ، (الصحاح : مادة شرع) .
(2) خدجت الناقة تخدج خداجا : إذا ألقت ولدها قبل تمام الأيام ، (الصحاح : مادة خدج) .
(3) تفسير الحسن البصري : ج 2 ص 51 .
(4) نفس المصدر السابق .
(5) في بعض النسخ : مقدر . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 253 _
* (سارب) * أي : ذاهب في سربه ، بالفتح أي : في طريقه ومذهبه ، يقال : سرب في الأرض سروبا ، والمعنى : سواء عنده من استخفي أي : طلب الخفاء (1) في مختبأ * (باليل) * في ظلمته ومن يضطرب في كل وجه ظاهرا * (بالنهار) * يبصر كل أحد ، والضمير في * (له) * راجع إلى * (من) * والمعنى : لمن أسر ومن جهر ، ومن استخفي ومن سرب .
* (معقبت) * أي : جماعات من الملائكة تعتقب في حفظه وكلاءته ، والأصل : معتقبات ، فأدغمت التاء في القاف ، أو مفعلات (2) من عقبه : إذا جاء على عقبه ، كما يقال : قفاه ، لأن بعضهم يعقب بعضا ، أو لأنهم يعقبون ما يتكلم به يكتبونه * (يحفظونه من أمر الله) * هما صفتان جميعا ، وليس * (من أمر الله) * بصلة للحفظ ، كأنه قيل : له معقبات من أمر الله، أو : يحفظونه من أجل أمر الله تعالى أي : من أجل أن الله أمرهم بحفظه ، والدليل عليه قراءة علي (عليه السلام) وابن عباس وجعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) : ( له رقيب من بين يديه ومعقبات من خلفه يحفظونه بأمر الله ) (3) ، * (إن الله لا يغير ما بقوم) * من العافية والنعمة * (حتى يغيروا ما بأنفسهم) * من الحال الجميلة بكثرة المعاصي * (ومالهم من دونه من وال) * يلي أمرهم ويدفع عنهم .
* (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ * لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ * وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ)
-------------------
(1) في نسخة : الاختفاء .
(2) في بعض النسخ : معقبات .
(3) انظر التبيان : ج 6 ص 228 ، وتفسير القرطبي : ج 9 ص 293 . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 254 _
* (خوفا وطمعا) * لا يجوز أن يكون انتصابهما على المفعول له ، لأنهما ليسا بفعل فاعل الفعل المعلل إلا أن يكون على تقدير حذف مضاف ، أي : إرادة خوف وطمع ، أو على معنى : إخافة وإطماعا ، ويجوز أن يكون انتصابهما على الحال من * (البرق) * كأنه في نفسه خوف وطمع ، أو على : ذا خوف وطمع ، أو من المخاطبين أي : خائفين طامعين ، ومعنى الخوف والطمع : أنه يخاف عند لمع البرق من وقوع الصواعق ويطمع في الغيث ، وقيل : يخاف المطر من له فيه ضرر كالمسافر ومن له بيت يكف (1) عليه ، ويطمع فيه من له نفع فيه (2) ، * (وينشئ السحاب الثقال) * بالماء : يرفعها من الأرض ويجريها في الجو .
* (ويسبح الرعد) * أي : سامعو الرعد من العباد حامدين له ، يقولون : سبحان الله والحمد لله ، وقيل : إن الرعد ملك موكل بالسحاب يزجره بصوته ، فهو يسبح الله ويحمده (3) * (والملئكة من خيفته) * أي : يسبح الملائكة من هيبته وجلاله .
ولما ذكر سبحانه مادل على أنه العالم القادر على كل شئ قال : * (وهم) * يعني : الكفار الذين أنكروا آياته * (يجدلون في الله) * حيث ينكرون على رسوله ما يصفه به من القدرة على البعث والإعادة ويتخذون له الشركاء والأنداد ، فهذا جدالهم ، و * (المحال) * : المماحلة وهي المماكرة والمكايدة ، ومنه تمحل لكذا : إذا تكلف استعمال الحيلة واجتهد فيه ، ومحل بفلان : إذا سعى به إلى السلطان ، ومنه
-------------------
(1) وكف البيت : إذا قطر ، (الصحاح : مادة وكف) .
(2) قاله قتادة ، راجع التبيان : ج 6 ص 229 .
(3) وهو قول ابن عباس وعكرمة وسلمة بن كهيل ، راجع تفسير السمرقندي : ج 2 ص 187 ،
وتفسير البغوي : ج 3 ص 11 . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 255 _
الحديث : ( ولا تجعله بنا ماحلا مصدقا ) يعني : القرآن ، والمعنى : أنه شديد المكر بأعدائه ، يأتيهم بالهلاك من حيث لا يشعرون .
* (له دعوة الحق) * معناه : أنه سبحانه يدعى فيستجيب الدعوة ، فأضيفت ال * (دعوة) * إلى * (الحق) * لكونها مختصة بالحق وبمعزل من الباطل ، وقيل : إن معناه : دعوة المدعو الحق الذي يسمع ويجيب وهو الله سبحانه (1) ، وعن الحسن : الحق : هو الله، وكل دعاء إليه دعوة الحق (2) ، * (والذين يدعون من دونه) * أي : والآلهة الذين يدعوهم الكفار من دون الله * (لا يستجيبون لهم بشئ) * من طلباتهم * (إلا كبسط كفيه) * إلا استجابة كاستجابة باسط كفيه ، أي : كاستجابة * (الماء) * من بسط كفيه إليه يطلب منه أن يبلغ * (فاه) * ، والماء جماد لايشعر ببسط كفيه ولا بحاجته إليه ، ولا يقدر أن يجيب دعاءه ويبلغ فاه ، وقيل : معناه : أنهم كمن أراد أن يغرف الماء بيديه ليشربه فيبسطهما ناشرا أصابعه فلم تلق كفاه منه شيئا (3) * (إلا في ضلل) * أي : في ضياع لا جدوى فيه .
* (ولله يسجد) * أي : ينقادون لإحداث ما أراده فيهم من أفعاله شاؤوا أم أبوا ، وينقاد له (4) * (ظللهم) * أيضا ، حيث يتصرف على مشيئته في الامتداد والتقلص والفئ والزوال .
* (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلْ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)
-------------------
(1) قاله ابن عباس ، راجع تفسيره : ص 206 .
(2) حكاه عنه الزمخشري في الكشاف : ج 2 ص 521 .
(3) قاله ابن عباس ، راجع تفسير البغوي : ج 3 ص 12 .
(4) في بعض النسخ : لهم . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 256 _