السمكة روح الماء وبرده عاشت ووقعت في الماء (1) ، وقيل : توضأ يوشع من تلك العين فانتضح الماء على الحوت فعاش ووثب في الماء (2) * (فاتخذ) * الحوت * (سبيله) * أي : طريقه * (في البحر سربا) * أي : مسلكا يذهب فيه ، صار الماء عليه مثل الطاق وحصل من الماء في مثل السرب .
  * (فلما جاوزا) * الموعد وهو الصخرة لنسيان موسى تفقد أمر الحوت ونسيان يوشع أن يذكر لموسى ما رأه من حياته (3) ووقوعه في الماء ألقي على موسى النصب والجوع ولم يجع ولم يتعب قبل ذلك ، فتذكر موسى الحوت وطلبه ، وقوله : * (من سفرنا هذا) * إشارة إلى مسيرهما حين جاوزا الصخرة وسارا تلك الليلة والغد إلى الظهر ، ولما طلب موسى الحوت ذكر يوشع ما رأى منه وما اعتراه من نسيانه إلى تلك الغاية ، فدهش فطفق يسأل موسى عن سبب ذلك ، فكأنه * (قال أرءيت) * مادهاني * (إذ أوينآ إلى الصخرة فإنى نسيت الحوت) * ونسيت حديثه ، وقيل : معناه : تركت الحوت وفقدته (4) ، و * (أن أذكره) * بدل من الهاء في * (أنسنيه) * أي : وما أنساني ذكره * (إلا الشيطن) * وقرأ حمزة (5) : * (وما أنسنيه) * وفي الفتح * (عليه الله) * (6) بضم الهاء (7) ، و * (عجبا) * مفعول ثان ل‍ * (اتخذ) * مثل * (سربا) * ، أي : واتخذ سبيله سبيلا عجبا وهو كونه مثل السرب ، وقوله : * (وما

-------------------
(1) وهو قول الفراء في معاني القرآن : ج 2 ص 154 .
(2) قاله الكلبي ، راجع تفسير السمرقندي : ج 2 ص 305 .
(3) في نسخة : حوته .
(4) قاله البغوي في تفسيره : ج 3 ص 172 .
(5) كذا في جميع النسخ ، لكن لم نعثر فيما توفرت لدينا من مصادر عن قراءة كهذه منسوبة لحمزة ، بل هي متواترة عن حفص وحده وقد ، نسب هذه القراءة ـ في الموضعين ـ الى حفص في مجمع البيان : ج 5 ـ 6 ص 479 .
(6) الآية : 10 .
(7) انظر كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 394 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 426 _
  أنسنيه إلا الشيطن أن أذكره) * اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه .
  و * (ذلك) * إشارة إلى اتخاذه سبيلا ، أي : ذلك الذي * (كنا) * نطلب من العلامة * (فارتدا) * أي : رجعا في الطريق الذي جاءا منه يقصان آثارهما * (قصصا) * ، وقرئ : * (نبغ) * بغير ياء في الوصل (1) وإثباتها أحسن (2) .
  * (فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً * قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً * قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً * قَالَ فَإِنْ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً * فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً * قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً * فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً) * (رحمة من عندنا) * هي الوحي والنبوة * (من لدنا) * مما يختص بنا من العلم وهو الإخبار عن الغيوب .
  وقرئ : ( رشدا ) (3) ومعناه : علما ذا رشد أرشد به في ديني ، و * (لن تستطيع) * نفي استطاعة الصبر معه على وجه التأكيد كأنها مما لا يصح ثبوته ، وعلل ذلك بأنه يأتي بما لايعرف هو باطنه ولا يعلم حقيقته

-------------------
(1) وهي قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 392 .
(2) والكسائي وحده أثبتها في الوصل ، راجع المصدر السابق .
(3) قرأه أبو عمرو وحده ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 394 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 427 _
  فظاهره عنده منكر ، والخبر : العلم ، و * (خبرا) * تمييز ، أي : * (لم) * يحط * (به) * خبرك .
  * (ولا أعصى) * في محل نصب عطف على * (صابرا) * أي : * (ستجدني) * صابرا وغير عاص ، وعلق صبره بمشيئة الله علما منه بشدة الأمر .
  وقرئ : ( فلا تسلني ) بالنون الثقيلة (1) ، والمعنى : أن من شرط اتباعك لي أن لا تسألني * (عن شئ) * أفعله مما تنكره علي إذ يخفي عليك وجه حسنه * (حتى) * أكون أنا مفسره * (لك) * وهذا من أدب المتعلم على العالم والمتبوع على التابع .
  * (فانطلقا) * على ساحل البحر يطلبان السفينة * (حتى إذا ركبا في السفينة) * أخذ الخضر الفأس فخرق السفينة بأن قلع لوحين مما يلي الماء منها ، فحشاها موسى بثوبه وجعل يقول : * (أخرقتها لتغرق أهلها) * ، وقرئ : ( ليغرق أهلها ) (2) ، * (لقد جئت شيا إمرا) * أي : عظيما ، من قولهم : أمر الأمر : إذا عظم .
  * (بما نسيت) * أي : بشئ نسيته ، أو بالذي نسيته ، أو بنسياني ، أراد : أنه نسي وصيته ولا مؤاخذة على الناسي ، وعن أبي : أنه لم ينس ولكنه من معاريض الكلام (3) ، أراد : أنه أخرج الكلام في معرض النهي عن المؤاخذة بالنسيان يوهمه أنه قد نسي ، ويجوز أن يريد بالنسيان : الترك ، أي : * (لا تؤاخذني بما) * تركت من وصيتك أول مرة * (ولا ترهقني) * أي : لا تكلفني * (من أمرى) * مشقة ، وعاملني اليسير ، ورهقه : غشيه ، وأرهقه إياه ، فكأنه قال : ولا تغشني * (عسرا) * من أمري وهو اتباعه إياه ، وقرئ : ( عسرا ) بضمتين (4) .

-------------------
(1) وهي قراءة نافع وابن عامر ، راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون : ج 2 ص 512 .
(2) قرأه الحسن وأبو رجاء ، راجع شواذ القرآن لابن خالويه : ص 84 .
(3) حكاه عنه الطبري في تفسيره : ج 8 ص 258 .
(4) قرأه عيسى ويحيى بن وثاب وأبو جعفر المدني ، راجع شواذ القرآن لابن خالويه : ص 84 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _428 _
  فخرجا من البحر وانطلقا يمشيان ، ف‍ * (لقيا غلما فقتله) * الخضر ، ( زاكية ) (1) أي : طاهرة من الذنوب ، وقرئ : * (زكية) * ، * (بغير نفس) * أي : لم يقتل نفسا فيقتص (2) منها * (نكرا) * أي : فظيعا منكرا ، وقرئ بضمتين (3) ، وفي زيادة * (لك) * هنا زيادة العتاب على ترك الوصية .
  * (قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً * فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً * قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً * أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً * وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً * وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) * (بعدها) * أي : بعد هذه المرة ، أو بعد المسألة * (فلا تصحبني) * أي : فلا تتابعني على صحبتك وإن طلبتها ، وقرئ : ( فلا تصحبني ) (4) أي : فلا تكن

-------------------
(1) يبدو أن المصنف قد اعتمد على هذه القراءة بالألف هنا تبعا للكشاف .
(2) في نسخة : فتقتص .
(3) قرأه نافع برواية الأصمعي ويعقوب وأبو بكر عن عاصم وابن ذكوان عن ابن عامر ، راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون : ج 2 ص 513 ، والتبيان : ج 7 ص 73 .
(4) وهي قراءة عيسى وابن عامر في رواية ، راجع شواذ القرآن لابن خالويه : ص 84 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 429_
  صاحبي * (قد بلغت من لدنى عذرا) * أي : قد أعذرت فيما بيني وبينك إذ أخبرتني أن لا أستطيع معك صبرا .
  وعن النبي (صلى الله عليه وآله) : ( استحيا نبي الله موسى ، فلو صبر لرأى ألفا من العجائب ) (1) .
  وقرئ : ( من لدني ) بتخفيف النون (2) .
  * (أهل قرية) * هي أنطاكية ، وقيل : أيلة (3) ، وقيل : قرية على ساحل البحر تسمى ناصرة (4) * (أن يضيفوهما) * أي : لم يضفهما أحد من أهلها ، والتضييف والإضافة بمعنى ، وعن النبي (صلى الله عليه وآله) : ( كانوا أهل قرية لئاما ) (5) ، وقيل : شر القرى : التي لا يضاف الضيف فيها ، ولا يعرف لابن السبيل حقه (6) * (يريد أن ينقض) * أي : أشرف على أن ينهدم ، استعيرت الإرادة للمشارفة والقرب كما استعير الهم والعزم لذلك ، قال : يريد الرمح صدر أبي براء * ويرغب عن دماء بني عقيل (7) وقال حسان : إن دهرا يلف شملي بجمل * لزمان يهم بالإحسان (8) وانقض : أسرع سقوطه ، وهو انفعل مطاوع قضضته (9) ، وقيل : هو افعل من

-------------------
(1) رواه الشيخ الطوسي في التبيان : ج 7 ص 75 .
(2) وهي قراءة نافع والأعشى ، راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون : ج 2 ص 513 .
(3) قاله قتادة وابن سيرين ، راجع تفسير البغوي : ج 3 ص 175 ، وتفسير الماوردي : ج 3 ص 330 وفيه : ( الابلة ) .
(4) ذكره القرطبي في تفسيره : ج 11 ص 24 ونسبه الى الثعلبي .
(5) أخرجه السيوطي في الدر: ج 5 ص 427 وعزاه الى الديلمي عن ابي بن كعب عنه (صلى الله عليه وآله) .
(6) وهو قول قتادة ، راجع تفسير البغوي : ج 3 ص 175 .
(7) لم نعثر على قائله فيما توفرت لدينا من مصادر معتمدة ، إلا صاحب مجاز القرآن فقد نسبه الى الحارثي ولم يبين من هو ، ومعناه واضح ، راجع مجاز القرآن لأبي عبيدة : ج 1 ص 410 .
(8) وفيه تشبيه الزمان بانسان يصح منه إرادة الإحسان على طريق المكنية ، والهم في هذا البيت تخييل أو هو من باب المجاز العقلي ، انظر ديوان حسان بن ثابت : ج 1 ص 517 .
(9) في نسخة : نقضته . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _430 _
  النقض كاحمر من الحمرة (1) * (فأقامه) * بيده ، وقيل : مسحه بيده فقام واستوى (2) ، ولما أقام الجدار وكانت الحال حال افتقار إلى مطعم ولم يجدا مواسيا ، لم يملك موسى نفسه أن * (قال لو شئت) * اتخذت * (عليه أجرا) * حتى نسد به جوعتنا (3) ، وقرئ : ( لتخذت ) (4) والتاء من ( تخذت ) أصل ، ( اتخذ ) افتعل منه ك‍ ( اتبع) من ( تبع ) وليس من الأخذ في شئ .
   * (قال هذا) * أي : الاعتراض سبب الفراق ، والأصل : هذا فراق بيني وبينك ، فأضاف المصدر إلى الظرف كما يضاف إلى المفعول به * (لمسكين) * لفقراء * (يعملون) * بها * (في البحر) * ويتعيشون بها * (وراءهم) * أمامهم كقوله : * (ومن ورائهم برزخ) * (5) ، وقيل : خلفهم (6) ، وكان طريقهم في رجوعهم عليه ، وما كان عندهم خبره فأعلم الله به الخضر وهو جلندى (7) ، وقرأ أبي و عبد الله (8) : ( كل سفينة صالحة غصبا ) (9) ، وقرأ أبي وابن عباس : ( وأما الغلام فكان كافرا

-------------------
(1) حكاه الزمخشري في الكشاف : ج 2 ص 739 ـ 740 .
(2) قاله سعيد بن جبير على ما حكاه البغوي في تفسيره : ج 3 ص 175 .
(3) في بعض النسخ : جوعنا .
(4) وهي قراءة ابن كثير والبصريين ، راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون : ج 2 ص 514 .
(5) المؤمنون : 100 .
(6) قاله الزجاج في معاني القرآن : ج 3 ص 305 .
(7) وجلندى : اسم ملك عمان ، انظر الصحاح : مادة ( جلد ) .
(8) والمراد به عبد الله بن مسعود بن غافل ، أبو عبد الرحمن ، من أكابر الصحابة والسابقين في الاسلام ، أمره عثمان على الكوفة في خلافته ثم عزله وأمره بالرجوع الى المدينة ، ثم جعله القيم على بيت المال ، ثم استعفاه لخلاف حدث بينه وبينه فأعفاه وأخذ منه مفاتيح بيت المال ، توفي في خلافة عثمان ـ أثر كسر ضلع حدث به بعد أن داسه الخليفة برجليه ـ عن نحو ستين عاما ، انظر الإصابة : ج 2 ص 368 ـ 369 ، والاستيعاب : ج 3 ص 987 ـ 994 .
(9) حكاه عنهما الشيخ الطوسي في التبيان : ج 7 ص 80 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 431_
  وأبواه مؤمنين ) (1) وكلاهما قراءة أهل البيت (عليهم السلام) (2) ، * (فخشينا) * أي : فخفنا * (أن) * يغشي الوالدين المؤمنين * (طغينا) * عليهما * (وكفرا) * لنعمتهما بعقوقه وسوء صنيعه ، ويلحق بهما بلاء ، أو يعذبهما برأيه (3) فيحملهما على الطغيان والكفران .
  وقرئ : * (يبدلهما) * بالتشديد (4) والتخفيف ، والزكاة : الطهارة والنقاء من الذنوب ، والرحم : الرحمة والعطف .
  الصادق (عليه السلام) : ( إنهما أبدلا بالغلام المقتول جارية فولدت سبعين نبيا ) (5) .
  واختلف في الكنز ، فقيل : مال مدفون من الذهب والفضة (6) ، وقيل : كتب علم مدفونة (7) ، وقيل : لوح من ذهب مكتوب فيه : ( عجبا لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن ، عجبا لمن أيقن بالرزق كيف يتعب ، عجبا لمن أيقن بالموت كيف يفرح ، عجبا لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل ، عجبا لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها لا إله إلا الله محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ) (8) .
  الصادق (عليه السلام) : ( إنه كان بينهما وبين ذلك الأب الصالح سبعة آباء ) (9) .

-------------------
(1) حكاها الماوردي في تفسيره : ج 3 ص 334 ، والبغوي في تفسيره : ج 3 ص 176 وفيهما : وكان أبواه .
(2) انظر تفسير العياشي : ج 2 ص 335 و 336 ح 54 و 55 .
(3) في بعض النسخ : بدائه .
(4) وهي قراءة نافع وأبي عمرو ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 397 .
(5) تفسير العياشي : ج 2 ص 336 ـ 337 ح 60 و 61 .
(6) قاله عكرمة وقتادة ، راجع تفسير الماوردي : ج 3 ص 336 .
(7) قاله ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد ، راجع تفسير الماوردي : ج 3 ص 336 .
(8) وهو قول ابن عباس وعكرمة وعمر مولى غفرة والحسن ، ورواه عثمان بن عفان وأنس عن النبي (صلى الله عليه وآله) ، راجع تفسير الماوردي : ج 3 ص 336 ، وتفسير القرطبي : ج 11 ص 38 ، وفي تفسير القمي : ج 2 ص 40 باسناده عن معاوية بن عمار عن الصادق (عليه السلام) .
(9) حكاه عنه (عليه السلام) الرازي في تفسيره : ج 21 ص 162 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 432 _
  * (رحمة) * مفعول له ، أو مصدر منصوب ب‍ * (أراد ربك) * لأنه في معنى ( رحمهما ) ، * (وما فعلته) * ما رأيت * (عن أمرى) * أي : عن اجتهادي ورأيي ، وإنما فعلته بأمر الله، وفي قراءة علي (عليه السلام) : ( وما فعلته يا موسى عن أمري ) .
  * (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً * فَأَتْبَعَ سَبَباً * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْماً قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً * قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُكْراً * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً * ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْراً * كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً * ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً) * (ذي القرنين) * هو الإسكندر الذي ملك الدنيا ، وقيل : ملك الدنيا مؤمنان : ذو القرنين وسليمان ، وكافران : نمرود وبخت نصر (1) .
  واختلف فيه (2) فقيل : كان عبدا صالحا أعطاه الله العلم والحكمة وملكه الأرض (3) ، وقيل : كان نبيا فتح الله على يديه الأرض (4) .
  وعن علي (عليه السلام) : ( كان عبدا صالحا ضرب على قرنه الأيمن في طاعة الله

-------------------
(1) قاله مجاهد في تفسيره : ص 450 .
(2) أي بذي القرنين .
(3) وهو قول علي (عليه السلام) على ما حكاه عنه الماوردي في تفسيره : ج 3 ص 337 .
(4) وهو قول عكرمة ومجاهد عن ابن عمر وابن العاص ، راجع تفسير السمرقندي : ج 2 ص 310 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 433_
  فمات ، ثم بعثه الله فضرب على قرنه الأيسر فمات فبعثه الله، فسمي ذا القرنين ، وفيكم مثله ) (1) .
  وقيل : سمي ذا القرنين لأنه قد بلغ قطري الأرض من المشرق والمغرب (2) ، وقيل : كان لتاجه قرنان (3) ، والسائلون : هم اليهود ، سألوه على وجه الامتحان ، وقيل : سأله أبو جهل وأشياعه (4) * (وءاتينه من) * أسباب * (كل شئ) * أراده من أغراضه ومقاصده في ملكه * (سببا) * طريقا موصلا إليه ، فأراد بلوغ المغرب ( فاتبع سببا ) يوصله إليه حتى بلغ ، وكذلك أراد المشرق ( فاتبع سببا ) وأراد بلوغ السدين ( فاتبع سببا ) (5) ، وقرئ : * (فأتبع) * بقطع الهمزة ، أي : فأتبع أمره سببا ، أو أتبع ما هو عليه سببا .
  وقرئ : * (حمئة) * من حمئت البئر : إذا صارت فيها الحمأة (6) ، و ( حامية ) (7) أي : حارة * (ووجد) * عند العين ناسا كانوا كفرة ، فخيره الله بين أن يعذبهم بالقتل وأن يدعوهم إلى الإسلام فاختار دعوتهم واستمالتهم ، ف‍ * (قال أما من) * دعوته فأبى إلا البقاء على أعظم الظلم وهو الكفر فذاك هو المعذب في الدارين

-------------------
(1) حكاه عنه (عليه السلام) الزمخشري في الكشاف : ج 2 ص 743 ، والرازي في تفسيره : ج 21 ص 164 .
(2) وهو قول الزهري ، راجع تفسير الماوردي : ج 3 ص 337 .
(3) حكاه الزمخشري في الكشاف : ج 2 ص 743 .
(4) وهو ما رواه القمي في تفسيره : ج 2 ص 31 و 40 بإسناده عن الصادق (عليه السلام) ، وإليه ذهب محمد بن إسحاق على ما حكاه عنه الرازي في تفسيره : ج 21 ص 82 و 164 .
(5) الظاهر أن القراءة المعتمدة عند المصنف هنا بوصل الهمزة وتشديد التاء المفتوحة .
(6) الحمأة : الطين الأسود ، (الصحاح : مادة حمأ) .
(7) وهي قراءة ابن عامر وحمزة والكسائي وعاصم برواية أبي بكر ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 398 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 434 _
  * (وأما من ءامن و) * أصلح ( فله جزاء الحسنى ) (1) أي : جزاء الفعلة الحسنى ، وقرئ : * (جزاء) * بالنصب والتنوين ، ومعناه : فله المثوبة الحسنى جزاء أي : مجزية ، فهو مصدر وضع موضع الحال * (من أمرنا يسرا) * أي : لا نأمره بالصعب الشاق ولكن بالسهل المتيسر من الخراج وغير ذلك ، وتقديره : ذا يسر .
  وقرئ : * (مطلع) * بفتح اللام (2) وكسرها وهو مصدر ، والمعنى : * (بلغ) * مكان مطلع الشمس * (على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا) * لم يكن بها جبل ولا شجر ولا بناء ، وعن كعب : كان أرضهم لا تمسك الأبنية وبها أسراب ، فإذا طلعت الشمس دخلوها ، فإذا غربت تصرفوا في أمورهم ومعايشهم (3) ، وقيل : الستر : اللباس (4) ، وعن مجاهد : من لا يلبس الثياب من السودان عند مطلع الشمس أكثر من جميع أهل الأرض (5) .
  * (كذلك) * أي : أمر ذي القرنين كذلك ، أي : كما وصفناه تعظيما لأمره * (وقد أحطنا بما لديه) * من الجنود والآلات وأسباب الملك * (خبرا) * أي : علما تكثيرا لذلك ، وقيل : يريد * (بلغ مطلع الشمس) * مثل ذلك أي : كما بلغ مغربها (6)، وقيل : تطلع على قوم مثل ذلك القبيل الذي تغرب عليهم (7) ، ومعناه : أنهم كفرة مثلهم ، وحكمهم مثل حكمهم في تعذيبه لمن بقي منهم على الكفر وإحسانه إلى من آمن منهم .

-------------------
(1) يبدو جليا أن المصنف (رحمه الله) قد اعتمد هنا على هذه القراءة أي بالرفع من غير تنوين .
(2) قرأه ابن كثير برواية شبل وعيسى وابن محيصن ، راجع شواذ القرآن لابن خالويه : ص 85 .
(3) حكاه عنه الزمخشري في الكشاف : ج 2 ص 745 .
(4) قاله ابن عباس في تفسيره : ص 252 .
(5) حكاه عنه الزمخشري في الكشاف : ج 2 ص 745 .
(6) قاله السمرقندي في تفسيره : ج 2 ص 311 .
(7) وهو قول الزجاج في معاني القرآن : ج 3 ص 309 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 635_
   (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْماً لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً * قَالَ مَا مَكَّنَنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً * فَمَا اسْتَطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً * قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً) * السدان : جبلان سد ذو القرنين ما بينهما ، وقرئ : بالضم (1) والفتح ، وقيل : ما كان من عمل العباد فهو مفتوح ، وما كان من خلق الله فهو مضموم ، لأنه فعل بمعنى مفعول فعله الله وخلقه ، والمفتوح مصدر فهو حدث يحدثه الناس (2) ، و * (بين) * انتصب على أنه مفعول به ، كما انجر بالإضافة في قوله : * (هذا فراق بينى وبينك) * (3) ، وهذا المكان في منقطع أرض الترك مما يلي المشرق * (من دونهما قوما) * قيل : هم الترك (4) * (لا يكادون يفقهون قولا) * أي : لا يكادون يفهمونه إلا بجهد ومشقة من إشارة ونحوها ، وقرئ : ( يفقهون ) (5) أي : لا يفهمون السامع كلامهم ولا يبينونه ، لأن لغتهم غريبة مجهولة .
  * (يأجوج ومأجوج) * اسمان أعجميان ، وقرئا : بالهمزة * (مفسدون في

-------------------
(1) قرأه حمزة والكسائي ونافع وعاصم برواية أبي بكر ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 399 .
(2) وهو قول عكرمة وأبي عبيدة ، راجع مجاز القرآن لأبي عبيدة : ج 1 ص 414 ، والتبيان : ج 7 ص 89 .
(3) الآية : 78 .
(4) قاله السدي والضحاك ، راجع تفسير البغوي : ج 3 ص 180 .
(5) وهي قراءة حمزة والكسائي . راجع العنوان في القراءات السبع لابن خلف : ص 124 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _436_
  الارض) * قيل : كانوا يأكلون الناس (1) ، وقيل : كانوا يخرجون أيام الربيع فلا يتركون شيئا أخضر إلا أكلوه ولا يابسا إلا احتملوه (2) (3) .
  وعن النبي (صلى الله عليه وآله) في صفتهم : ( أنه لا يموت أحد منهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه كلهم قد حمل السلاح ) (4) .
  وقيل : إنهم صنفان : طوال مفرطو الطول وقصار مفرطو القصر (5) .
  وقرئ : * (خرجا) * و ( خراجا ) (6) أي : جعلا نخرجه من أموالنا ، ونظيرهما النول والنوال .
  * (ما مكنى ... ربى) * أي : ما جعلني ربي فيه مكينا من كثرة المال واليسار * (خير) * مما تبذلونه من الخراج فلا حاجة بي إليه ، وقرئ : بالإدغام وفكه (7) * (فأعينوني بقوة) * أي : برجال وصناع يحسنون البناء وبالآلات * (ردما) * أي : حاجزا حصينا ، والردم : أكبر من السد ، قيل : حفر الأساس حتى بلغ الماء ، وجعل الأساس من الصخر والنحاس المذاب ، والبنيان من * (زبر الحديد) * بينهما الحطب والفحم * (حتى) * سد ما * (بين) * الجبلين إلى أعلاهما ، ثم وضع المنافيخ * (حتى إذا) * صارت كالنار صب النحاس المذاب على الحديد المحمى فالتصق

-------------------
(1) قاله سعيد بن جبير ، راجع التبيان : ج 7 ص 91 ، وفي تفسير الطبري : ج 8 ص 279 نسبه الى سعيد بن عبد العزيز .
(2) في نسخة : حملوه .
(3) قاله الكلبي ، راجع تفسير البغوي : ج 3 ص 181 و 182 .
(4) أخرجه الطبري في تفسيره : ج 8 ص 284 باسناده عن أبي سعيد الخدري عنه (صلى الله عليه وآله) باختلاف يسير لا يضر .
(5) حكاه البغوي في تفسيره : ج 3 ص 181 ونسبه الى علي (عليه السلام) .
(6) وهي قراءة حمزة والكسائي ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 400 .
(7) قرأ ابن كثير وحده بالتفكيك ـ أي : بنونين ـ والباقون بالادغام ، راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون : ج 2 ص 516 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 437 _
  بعضه ببعض وصار جبلا صلدا (1) ، والصدفان بفتحتين : جانبا الجبلين ، لأنهما يتصادفان أي : يتقابلان ، وقرئ : ( الصدفين ) بضمتين (2) وبضمة وسكون (3) ، والقطر : النحاس المذاب ، و * (قطرا) * منصوب ب‍ * (أفرغ) * وتقديره : * (ءاتونى) * قطرا أفرغ عليه قطرا ، فحذف الأول لدلالة الثاني عليه ، وقرئ : ( قال ائتوني ) (4) جيئوني .
  * (فما اسطعوا) * بحذف التاء للخفة ، وقرئ : ( فما اصطاعوا ) بقلب السين صادا (5) * (أن يظهروه) * أن يعلوه ، أي : لا حيلة لهم في صعوده لارتفاعه وملاسته ، ولا في نقبه لصلابته وثخانته .
  * (هذا) * إشارة إلى السد ، أي : هذا السد نعمة * (من) * الله و * (رحمة) * على عباده * (فإذا جاء وعد ربى) * أي : دنا مجئ يوم القيامة جعل السد ( دكا ) (6) أي : مدكوكا مبسوطا مسوى بالأرض ، وكل ما انبسط بعد ارتفاع فقد اندك ، وقرئ : * (دكآء) * بالمد ، أي : أرضا مستوية * (وكان وعد ربى حقا) * هذا آخر حكاية قول ذي القرنين .
  * (وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً * وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضاً * الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً * أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً * قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً)

-------------------
(1) انظر تفسير البغوي : ج 3 ص 182 .
(2) قرأه ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ، راجع الكشف عن وجوه القراءات للقيسي : ج 2 ص 79 .
(3) وهي قراءة عاصم برواية أبي بكر ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 401 .
(4) قرأه حمزة وعاصم برواية أبي بكر ، راجع المصدر السابق .
(5) وهي قراءة الأعشى على ما حكاه عنه ابن غلبون في تذكرته : ج 2 ص 518 .
(6) يبدو واضحا أن المصنف اعتمد هنا على القراءة بالقصر تبعا للكشاف ، وهي قراءة المشهور غير الكوفيين . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _438 _
  * (وتركنا بعضهم) * أي : وجعلنا بعض الخلق يوم خروج يأجوج ومأجوج * (يموج في بعض) * أي : يضطربون ويختلطون إنسهم وجنهم حيارى ، أو يكون الضمير ليأجوج ومأجوج وأنهم يموجون حين يخرجون مما وراء السد مزدحمين في البلاد .
  وقد روي : أنهم يأتون البحر فيشربون ماءه ويأكلون دوابه ، ثم يأكلون الشجر ومن ظفروا به ممن لم يتحصن منهم من الناس ، ثم يبعث الله نغفا (1) في أقفائهم فتدخل آذانهم فيهلكون بها (2) .
  * (وعرضنا جهنم) * وأبرزناها لهم فرأوها وشاهدوها .
  * (عن ذكرى) * عن آياتي والتفكر فيها ، ونحوه : * (صم بكم عمى) * (3) .
  * (وكانوا لا يستطيعون سمعا) * أي : وكانوا صما عنه .
  وقراءة أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( أفحسب الذين كفروا ) (4) أي : أفكافيهم ومحسبهم * (أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء) * وهم الملائكة ، فهو مبتدأ وخبر ،

-------------------
(1) النغف : نوع من الدود يكون في انوف الإبل والغنم ، (الصحاح : مادة نغف) .
(2) قاله وهب ، راجع تفسير البغوي : ج 3 ص 184 .
(3) البقرة : 18 .
(4) حكاه الطوسي في التبيان : ج 7 ص 96 ، وابن خالويه في شواذ القرآن : ص 85 .

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 439_
  أو بمنزلة الفعل والفاعل ، لأن اسم الفاعل إذا اعتمد على الهمزة ساوى الفعل في العمل ، كقولك : أقائم الزيدان ، والمعنى : أن ذلك لا يكفيهم ولا ينفعهم عند الله كما حسبوا .
  وأما القراءة المشهورة فمعناها : أفحسبوا أن يتخذوهم من دوني أربابا ينصرونهم ، أي : لا يكونون لهم أولياء ناصرين ، والنزل : ما يقام للنزيل وهو الضيف ، ونحوه : * (فبشرهم بعذاب أليم) * (1) .
  * (الذين ضل سعيهم) * أي : ضاع وبطل عملهم ، وهم الرهبان * (وهم) * يظنون * (أنهم) * محسنون ، وأن أفعالهم طاعة وقربة .
  وعن علي (عليه السلام) : هو كقوله : * (عاملة ناصبة) * (2) وقال : ( منهم أهل حروراء ) (3) (4) .
  * (فلا نقيم لهم يوم القيمة وزنا) * أي : لا يكون لهم عندنا وزن ومقدار ، ونزدري بهم (5) .
  * (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً * قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً * قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) *

-------------------
(1) آل عمران : 21 .
(2) الغاشية : 3 .
(3) حروراء : هو موضع على ميلين من الكوفة ، نزل به الخوارج الذين خالفوا أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فنسبوا إليها ، وبها كان أول تحكيمهم واجتماعهم حين خالفوه (عليه السلام) ، انظر معجم البلدان للحموي : ج 2 ص 246 .
(4) التبيان : ج 7 ص 97 وزاد : وسأله ابن الكوا عن ذلك ، فقال (عليه السلام) : أنت وأصحابك منهم .
(5) وفي بعض النسخ زيادة : أعينهم . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 440 _
  الحول : التحول (1) ، يقال : حال عن مكانه حولا، كما قالوا : عادني حبها عودا ، أي : لا يطلبون تحولا * (عنها) * إلى موضع آخر لكمال طيبها .
  المداد : اسم ما يمد به الدواة ، والمعنى : * (لو) * كتبت كلمات علم الله وحكمته و * (كان البحر مدادا) * لها ، والمراد بالبحر : الجنس * (لنفد البحر قبل أن تنفد) * ال‍ * (كلمت) * ، * (ولو جئنا) * بمثل البحر مدادا لنفد أيضا والكلمات اتنفد ، و * (مددا) * تمييز ، كقولك : لي مثله رجلا ، والمدد مثل المداد : وهو ما يمد به ، وقرئ : ( ينفد ) بالياء (2) .
  * (فمن كان يرجوا) * أي : يأمل حسن * (لقاء ربه) * وأن يلقاه لقاء رضا وقبول ، أو : فمن كان يخاف سوء لقائه ، والمراد بالنهي عن الإشراك بالعبادة : أن لايرائي بعمله ، وأن لا يبتغي به إلا وجه ربه خالصا لا يريد به غيره .
  وعن النبي (صلى الله عليه وآله) قال : ( قال الله عزوجل : أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، فمن عمل عملا أشرك فيه غيري فأنا منه برئ ، فهو للذي أشرك ) (3) .
  وعن الصادق (عليه السلام) : ( ما من أحد يقرأ آخر الكهف عند النوم إلا تيقظ في الساعة التي يريدها ) (4) (5) .

-------------------
(1) في نسخة زيادة : الحول والتحول بمعنى .
(2) وهي قراءة حمزة والكسائي ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 402 .
(3) صحيح مسلم : ج 4 ص 2289 ح 2985 وفيه بعد ( غيري ) : تركته وشركه ، سنن ابن ماجة : ج 2 ص 1405 ح 4202 .
(4) اصول الكافي : ج 2 ص 540 ح 17 .
(5) إلى هنا يتم الجزء الأول من الكتاب حسب تجزئة المصنف (قدس سره) على ما يبدو من النسخ ، حيث ورد في بعضها : ( تم الجلد الأول من تفسير الجامع للشيخ الجليل أمين الاسلام الفضل ابن الحسن الطبرسي روح الله روحه ) ، وفي بعضها ( تم الجلد الأول من تفسير جوامع الجامع ... الخ ) ، وفي بعضها زيادة : ( والحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين ) قبل عبارة : ( تم الجلد الأول... الخ ) . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 441_
سورة مريم مكية (1)
  ثمان وتسعون آية ، عد الكوفي * (كهيعص) * آية ولم يعدها غيرهم ، ولم يعدوا * (الرحمن مدا) * (2) وعدها غيرهم .
  وفي حديث أبي : ( من قرأها أعطي من الأجر بعدد كل من صدق بزكريا ويحيى ومريم وعيسى وموسى وهارون وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل عشر حسنات ) (3) الخبر بتمامه .
  وعن الصادق (عليه السلام) : ( من أدمن قراءة سورة مريم (عليها السلام) لم يمت في الدنيا حتى يصيب منها ما يغنيه في نفسه وماله وولده ، وأعطي في الآخرة مثل ملك سليمان بن داود في الدنيا ) (4) (5) .

-------------------
(1) قال الشيخ الطوسي في التبيان : ج 7 ص 101 : هي مكية في قول قتادة ومجاهد ، وهي ثمان وتسعون آية في المدني الأول والكوفي والبصري والشامي ، وتسع وتسعون في المكي والمدني الأخير وفي عدد اسماعيل ، وقال الزمخشري في الكشاف : ج 3 ص 3 : مكية إلا آيتي 58 و 71 فمدنيتان ، وآياتها 98 ، نزلت بعد سورة فاطر . وقال القرطبي في تفسيره : ج 11 ص 72 : وهي مكية باجماع ، وهي تسعون وثمان آيات .
(2) الآية : 75 .
(3) رواه الزمخشري في الكشاف : ج 3 ص 48 باختلاف يسير ، وزاد : ( وعشر حسنات بعدد من دعا الله في الدنيا وبعدد من لم يدع الله ) .
(4) في بعض النسخ زيادة : صدق ولي الله .
(5) = (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 442 _
  
بسم الله الرحمن الرحيم

  * (كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً * يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً * قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنْ الْكِبَرِ عِتِيّاً * قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) * قرأ أبو عمرو (1) بإمالة * (ـ ه‍) * وتفخيم * (ي‍) * (2) ، وقرئ على عكسه (3) ، وقرئ بإمالتهما (4) .
  أي : هذا * (ذكر رحمت ربك) * زكريا * (عبده) * ، ف‍ * (ذكر) * مضاف إلى المفعول ، و * (رحمت) * مضاف إلى الفاعل ، وانتصب * (عبده) * لأنه مفعول * (رحمت ربك) * ، والرحمة : إجابته إياه حين دعاه وسأله الولد .
  * (إذ نادى ربه ندآء) * أي : دعا ربه دعاء * (خفيا) * يخفيه في نفسه .

-------------------
= (5) ثواب الأعمال للصدوق : ص 134 ح 1 وزاد بعد ( وولده ) : وكان في الآخرة من أصحاب عيسى بن مريم (عليهما السلام) .
(1) وهو أبو عمرو زبان بن العلاء البصري القارئ ، تقدمت ترجمته في ج 1 ص 26 ، فراجع .
(2) انظر التذكرة في القراءات لابن غلبون : ج 2 ص 523 .
(3) وهي قراءة ابن عامر وحمزة ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 406 .
(4) وهي قراءة يحيى والكسائي وأبي بكر عن عاصم ، راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون : ج 2 ص 523 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _443_
  وفي الحديث : ( خير الدعاء الخفي ) (1) .
  وعن الحسن : نداء (2) لا رياء فيه (3) ، أو أخفاه لئلا يلام في طلب الولد وقت الشيخوخة ، وأضاف الوهن إلى * (العظم) * لأن به قوام البدن ، فإذا * (وهن) * تساقطت قوته ، واللام للجنس ، يعني : أن هذا الجنس الذي هو العمود والقوام قد أصابه الوهن ، وشبه الشيب بشواظ النار في بياضه ، وانتشاره في الشعر باشتعال النار ، وأسند الاشتعال إلى مكان الشعر ومنبته وهو * (الرأس) * وجعل ( الشيب ) مميزا ، ولم يقل : ( رأسي ) اكتفاء بعلم المخاطب أنه رأسه ، ثم توسل إليه سبحانه بما سلف له معه من الاستجابة .
  و * (الموا لى) * : هم العمومة وبنو العم * (من ورآءى) * أي : من بعد موتي ، وقرأ علي بن الحسين ومحمد بن علي (عليهم السلام) : ( خفت الموالي من ورائي ) (4) ، ومعناه : قل بنو عمي وأهلي ومن أخلفه من بعدي * (وكانت امرأتي) * عقيما لا تلد * (فهب لى من لدنك وليا) * أي : ولدا يليني ويكون أولى بميراثي ، وقوله : * (من لدنك) * تأكيد لكونه * (وليا) * مرضيا بكونه مضافا إلى الله وصادرا من عنده .
  * (يرثنى ويرث) * بالجزم (5) على الجواب للدعاء ، وبالرفع على الصفة ، كقوله : * (ردءا يصدقني) * (6) ، وقرأ علي (عليه السلام) وابن عباس وجعفر بن محمد (عليه السلام) والحسن

-------------------
(1) مسند أحمد : ج 1 ص 172 و 180 و 187 ، المصنف لابن أبي شيبة : ج 1 ص 376 .
(2) في بعض النسخ : دعاء .
(3) حكاه عنه الزمخشري في الكشاف : ج 3 ص 3 .
(4) حكاه عنهما (عليهما السلام) ابن خالويه في شواذ القرآن : ص 86 .
(5) وهي قراءة أبي عمرو والكسائي ، راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون : ج 2 ص 523 .
(6) القصص : 34 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 444_
  وجماعة (1) : ( يرثني وارث من آل يعقوب ) (2) ويسمى التجريد في علم البيان ، وتقديره : فهب لي وليا يرثني به وارث من آل يعقوب وهو نفسه الوارث ، وهذا ضرب غريب كأنه جرد منه وارثا ، ومثله قوله : * (لهم فيها دار الخلد) * (3) وهي نفسها دار الخلد * (واجعله رب رضيا) * أي : واجعل يا رب هذا الولي مرضيا عندك ممتثلا لأمرك .
  * (لم نجعل له من قبل سميا) * لم يسم أحد ب‍ * (يحيى) * قبله .
  عن الصادق (عليه السلام) : ( وكذلك الحسين (عليه السلام) لم يكن له من قبل سمي ، ولم تبك السماء إلا عليهما أربعين صباحا ، قيل له : وما كان بكاؤها ؟ قال : كانت تطلع حمراء وتغيب حمراء ، وكان قاتل يحيى ولد زناء ، وقاتل الحسين (عليه السلام) ولد زناء ) (4) .
  وعن مجاهد : * (سميا) * أي : مثلا وشبيها (5) ، كقوله : * (هل تعلم له سميا) * (6) ، وإنما قيل للمثل : سمي ، لأن كل متشابهين يسمى كل واحد منهما باسم شبيهه ، فكل واحد منهما سمي لصاحبه .
  * (وكانت امرأتي عاقرا) * أي : كانت على صفة العقر حين أنا شاب وكهل ، فما رزقت الولد لاختلال أحد السببين ، أفحين اختل السببان جميعا أرزقه ؟ ! والعتي : اليبس والجسأة (7) في العظام والمفاصل من أجل الكبر ، وقرئ : * (عتيا) *

-------------------
(1) كعاصم الجحدري وابن يعمر وقتادة وأبي حرب بن أبي الاسود وأبي نهيك ، راجع البحر المحيط لأبي حيان : ج 6 ص 174 .
(2) انظر شواذ القرآن لابن خالويه : ص 86 ، والبحر المحيط : ج 6 ص 174 .
(3) فصلت : 28 .
(4) مناقب ابن شهرآشوب : ج 4 ص 54 وليس فيه : ( وكان قاتل يحيى ... ) الخ، وانظر كامل الزيارات لابن قولويه : ب 28 فصل في بكاء السماء والأرض على قتل الحسين (عليه السلام) ويحيى ابن زكريا (عليه السلام) ص 88 ـ 91 .
(5) تفسير مجاهد : ص 454 .
(6) الآية : 65 .
(7) في بعض النسخ : الجساوة ، وجسأت يده : إذا صلبت ، (الصحاح : مادة جسأ) . (

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 445_
  بكسر العين (1) ، وكذلك * (صليا) * (2) و * (جثيا) * (3) و * (بكيا) * (4) (5) .
  * (كذلك) * الكاف رفع ، أي : الأمر كذلك ، تصديق له ، ثم ابتدأ * (قال ربك) * ، أو هو نصب ب‍ * (قال) * ، و * (ذلك) * إشارة إلى مبهم يفسره * (هو على هين) *، ونحوه : * (وقضينا إليه ذلك الامر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين) * (6) ، * (ولم تك شيا) * يعتد به ، وقرئ : ( وقد خلقناك ) (7) .
  * (قَالَ رَبِّ اجْعَل لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً * يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً * وَحَنَانَاً مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً * وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً) * يعني : * (اجعل لى) * علامة أعلم بها وقوع ما بشرت به * (قال) * : علامتك أن تمنع الكلام فلا تطيقه وأنت سوي الخلق ما بك خرس ، ودل ذكر ( الليالي ) هنا و ( الأيام ) في آل عمران (8) على أن ذلك كان ثلاثة أيام بلياليها .
  * (فأوحى) * أي : أشار إليهم بيده ، وقيل : كتب لهم على الأرض * (سبحوا) * (9) أي : صلوا ، أو هو على الظاهر ، و * (أن) * هي المفسرة .
  * (خذ الكتب) * أي : التوراة * (بقوة) * بجد وصحة عزيمة على القيام به

-------------------
(1) الظاهر أن القراءة المعتمدة لدى المصنف بضم العين .
(2) الآية : 70 .
(3) الآية : 68 .
(4) الآية : 58 .
(5) قراءة حمزة والكسائي بكسر الباء والباقون بضمها ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 407 .
(6) الحجر : 66 .
(7) قرأه حمزة والكسائي ، راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون : ج 2 ص 524 .
(8) الإية : 41 .
(9) قاله مجاهد في تفسيره : ص 454 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _446_
  * (وءاتينه الحكم) * أي : الحكمة والنبوة في حال صباه وهو ابن ثلاث سنين .
  * (وحنانا) * وآتيناه رحمة * (من) * عندنا وتعطفا وتحننا على العباد ، وقيل لله تعالى : حنان كما قيل : رحيم على سبيل الاستعارة (1) * (وزكوة) * لمن قبل دينه فيكون زكيا طاهرا .
  * (و) * بارا * (بوا لديه) * محسنا إليهما ، مطيعا لهما ، طالبا رضاهما * (ولم يكن) * متكبرا متطاولا على الناس * (عصيا) * عاصيا لربه .
  * (وسلم عليه) * منا في هذه الأحوال ، وخصه سبحانه بالكرامة والسلامة في هذه المواطن الثلاثة التي هي أوحش المواطن : * (يوم ولد) * فيرى نفسه خارجا مما كان فيه * (ويوم يموت) * فيرى أشياء ليس له بها عهد * (ويوم يبعث) * فيرى نفسه في المحشر العظيم .
  * (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذْ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيّاً * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُنْ بَغِيّاً * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً * فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَنْسِيّاً * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً) * * (إذ) * بدل من * (مريم) * وهو بدل الاشتمال ، وفيه دلالة على أن المقصود بذكر مريم ذكر هذا الوقت لوقوع قصتها العجيبة فيه ، و * (انتبذت) * أي : اعتزلت

-------------------
(1) انظر الكشاف : ج 3 ص 8 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 447 _
  في مكان مما يلي شرقي بيت المقدس قد تخلت للعبادة فيه ، وإنما اتخذت النصارى الشرق قبلة لأن مريم انتبذت * (مكانا شرقيا) * .
  * (فاتخذت من) * دون أهلها * (حجابا) * أي : سترا وحاجزا بينها وبينهم * (فأرسلنا إليها روحنا) * يعني : جبرئيل (عليه السلام) ، أضافه إلى نفسه تشريفا له ، فأتاها فانتصب بين يديها في صورة آدمي شاب سوي الخلق ، لم ينتقص (1) من الصورة الآدمية شيئا .
  * (قالت إنى أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا) * أرادت : إن كان يرجى منك أن تتقي الله وتخشاه فإني عائذة به منك .
  * (قال إنما أنا رسول) * من استعذت به * (لاهب لك) * لأكون سببا في هبة * (غلما زكيا) * طاهرا من الأدناس أو نام في أفعال الخير ، أو هو حكاية لقول الله عزوجل ، وقرئ : ( ليهب ) (2) والضمير للرب وهو الواهب .
  * (ولم يمسسني بشر) * جعل المس عبارة عن النكاح الحلال ، كقوله : * (من قبل أن تمسوهن) * (3) ، ويقال في الزنا : فجر بها وما أشبه ذلك ، والبغي : الفاجرة التي تبغي الرجال ، وهي فعول عند المبرد بغوي فأدغمت الواو في الياء (4) ، وقيل : هي فعيل ، ولو كانت فعولا لكان يقال : بغو كما قيل : فلان نهو عن المنكر (5) .
  * (ولنجعله ءاية للناس) * فعلنا ذلك ، فحذف ، أو هو معطوف على تعليل مضمر ، أي : لنبين به قدرتنا ولنجعله آية * (وكان أمرا مقضيا) * مقدرا ، مسطورا في اللوح

-------------------
(1) في نسخة : ينقص .
(2) وهي قراءة أبي عمرو وورش والحلواني ويعقوب ، راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون : ج 2 ص 524 .
(3) البقرة : 237 .
(4) انظر الكامل للمبرد : ج 2 ص 807 .
(5) وهو قول ابن جني ، راجع الكشاف : ج 3 ص 10 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 448 _
  لابد من جريه عليك ، أو كان أمرا حقيقا بأن يقضى لكونه * (ءاية ... ورحمة) * ، والمراد بالآية : العبرة والبرهان على قدرة الله تعالى ، وبالرحمة : الشرائع والألطاف ، وما كان كذلك فهو جدير بالتكوين .
  وعن ابن عباس : فاطمأنت إلى قوله فدنا منها فنفخ في جيب درعها فحملت من ساعتها (1) .
  وعن الباقر (عليه السلام) : ( فكمل الولد في الرحم من ساعته كما يكمل الولد في أرحام النساء بتسعة أشهر ) (2) .
  وقيل : حملته وهي بنت ثلاث (3) عشرة سنة (4) ، وقيل : بنت عشر (5) * (فانتبذت به) * أي : اعتزلت وهو في بطنها ، كقوله تعالى : * (تنبت بالدهن) * (6) أي : تنبت ودهنها فيها ، والجار والمجرور في موضع الحال * (قصيا) * بعيدا من أهلها .
  و ( أجآء ) منقول من ( جاء ) إلا أن استعماله قد تغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء ، ونظيره : ( آتى ) حيث لم يستعمل إلا في الإعطاء ، و * (المخاض) * : تمخض الولد في بطنها ، أي : ألجأها وجع الولادة * (إلى جذع) * نخلة في الصحراء يابسة ، ليس لها ثمرة ولا خضرة ، وكان الوقت شتاء ، والتعريف للعهد ، أي : * (النخلة) * المعروفة في تلك الصحراء ، وقرئ : * (مت) * بالضم (7) والكسر ، يقال :

-------------------
(1) حكاه عنه القرطبي في تفسيره : ج 11 ص 91 .
(2) انظر تفسير الآلوسي : ج 16 ص 79 ، وفي روضة الكافي : ص 273 ح 516 نحوه عن الصادق (عليه السلام) .
(3) في نسخة : إحدى .
(4) وهو قول الطبري في تاريخه : ج 1 ص 417 .
(5) قاله مقاتل ، راجع تفسير البغوي : ج 3 ص 192 .
(6) المؤمنون : 20 .
(7) وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وعاصم برواية أبي بكر ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 218 . (*)