تأليف
الشيخ سلمان بن عبدالله آل عصفور
تحقيق
الشيخ علي آل كوثر
مجمع إحياء الثقافة الإسلامية (21)

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

  الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه وأشرف بريّته محمد وآله الطيبين الطاهرين .
   وبعد فهذه مقدمة وجيزة حول الكتاب والمؤلف واُسلوب التحقيق .

الكتاب
  قال المصنف في المقدمة بعد كلام له :
   « إن الشوق قد قيّد أقدامي ، والحبّ قد ملك زمامي ، والولي قد قادني ، والبرّ قد ساقني ، إلى اقتحام مضمار لست من فرسانه ، وولوج عرين ما كنت من أقرانه ، والدخول في جملة قوم أنا أقلّ منهم ، طمعا منّي في قوله صلى الله عليه وآله وسلم : من تشبّه بقوم فهو منهم ،... وذلك لما رأيت جملة من الشيعة المؤمنين ، وجمهور الهداة في الدين ، مكبين على إقامة فنون العزاء ، على مصاب سيد الشهداء ، والأئمة الأتقياء السعداء .
   غير أنّ أكثر مصنّفيهم من العرب ، وجلّ مؤلّفيهم من ذوي الرتب ، قد سلكوا في نظم كتب المراثي نهجا واضحا ، ونهجوا مسلكا ملحوبا لائحا ، وأما علماء العجم وفضلاؤهم من أصحاب العلم ، فتفرّقوا في التصنيف ، واختلفوا في التأليف ، فمنهم من أطال في المراثي إطنابه ، حتى غدى كتابه مثل ديوان الصبابة ، فألجأه ضيق المأخذ وطول المساحة ، إلى الركون لكلمات المؤرّخين ، وخرافات السالفين ، ومنهم من ضيق رحيب مضماره لشدة اختصاره ، وكلاهما لم يصب سهمه الغرض ، ولا قام بما إليه نهض .

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء _ 6 _

  لكن لما كان مطلبهم الأقصى ، التقرب لأولئك الكرماء ، والوقوف على أرباب العطاء ، صوّبت آراءهم في منهجهم ، وشكرتهم على بذل مهجتهم ، ولكلّ ضيف قرى ، ولكلّ عمل كرى .
   فهناك دار في قلبي ، وارتسم بلوح لبّي ، جمع كتاب وجيز ، يزري بعسجد نظمه سبائك الذهب الابريز ، وأن اُسمّيه بـ « مصارع الشهداء ، ومقاتل السعداء » جاعلا لكل معصوم مقتلا ، مبتدئا بالنبي المصطفى ، مثنّيا بفاطمة الزهراء ، خاتما بصاحب العصر والزمان ، وخليفة ربّنا الملك الديّان ، في هذه الأزمان ... » .
   وقد ذكر هذا الكتاب الشيخ آغا بزرك الطهراني في موسوعته القيّمة : « الذريعة إلى تصانيف الشيعة » : ج 21 ص 98 وقال :
   مصارع الشهداء ومقاتل السعداء في وفيات الأئمة عليهم السلام في قرب عشرة آلاف بيت .
   هذا والكتاب يستعرض حياة وشهادة كلّ من رسول الله صلى الله عليه وآله وفاطمة البتول وعليّ المرتضى وسيّدي شباب أهل الجنّة وزين العابدين ومحمد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعلي الرضا ومحمد الجواد وعلي الهادي والحسن العسكري والحجة المهدي عليهم أفضل صلوات المصلين ، مع ذكر نبذة من أحوالهم وفضائلهم باُسلوب أدبي لطيف من سجع وشعر في أوله وآخره .
   وقد تم تأليف الكتاب عام 1251 من الهجرة النبوية كما ورد في آخر النسخة ، والنسخة التي اعتمدنا عليها هي مصوّرة من نسخة مكتبة أحد علماء البحرين ـ حفظه الله تعالى وأيّده بتأييداته ـ كتبها نعمة الله بن جواد الحسيني الكاظمي في سنة 1264 من نسخة المؤلف كما يبدوا .
   وقد جاء في الصفحة الاُولى بخطّ المصنف وخاتمة هكذا :
   هو الله المالك ، هو في حيازة مصنفه كثير الجرم والقصور ، وراجي ربّه الغفور في يوم البعث والنشور ، سلمان بن عبدالله بن حسين آل عصفور ، في 7 شوال سنة 1265 . سلمان .
   ثم كتب أسفله بخط آخر :

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء _ 7 _

  هذا الرباعي لسلمان بن عبدالله آل عصفور :

هذا وطن السرور فاقطع سفرك     واسرح برياضة وسرّح نظرك
فـيه نـفرٌ لا يـألف الهمّ بهم     يا نفس بتذكارهم اقض iiوطرك
  وجاء في ص 238 في آخر الكتاب :
   معرفة أعمار الأئمة الطاهرين عليهم أفضل صلوات المصلين على جهة التعميه !.
حـسن مـن وحـسين نح iiله      وابـنه  زن وكـذاك iiالـباقر
جـعفر سِـه ثم موسى نِهْ iiله      مـثله سـنّا عـليّ iiالـطاهر
وجـوادٌ  كِـهْ لـه وابـنٌ له      مِـبْ  وربع العام منه iiقاصر
حـسن  كِـحْ وأبـو الكلّ iiله      مثل سنّ المصطفى سِج ظاهر
  وقد كتب الأعداد تحت الأسماء بين السطور هكذا :
   47 ، 58 ، 57 ، 58 ، 65 ، 55 ، 55 ، 25 ، 42 ، 28 ، 63 .
   وقد اعتمد المصنف في كتابه هذا على مجموعة من المصادر نذكرها حسب حروف المعجم :
   الإحتجاج للطبرسي ، والأربعين لـ ... ، والإرشاد للمفيد ، والإكمال والأمالي للصدوق ، وأيضا الأمالي لـ ... ، والأنوار لـ... ، وتذكرة الأئمة لـ... ، وتفسير القمّي ، وثواب الأعمال للصدوق ، والخرائج للراوندي ، ودلائل الإمامة للطبري ، ورسائل الكليني ، وروضة الكافي للكليني ، والعلل والعيون للصدوق ، وعيون المعجزات ، وفقه الرضا لوالد الصدوق ، والكافي للكليني ، وتاريخ الطبري ، وكشف الغمة للإربلي ، والمجالس لـ... ، ومجمع البيان للطبرسي ، والمشارق للبُرسي ، والمصباح للكفعمي ، ومطالب السؤول لمحمد بن طلحة الشافعي ، ومعالم العترة النبوية للجنابذي ، والملهوف لابن طاوس ، والمناقب لابن شهر آشوب ، ونجب المناقب لحسين بن جبير ، والنصوص لـ... ، والمعجزات والنوادر لـ...

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء _ 8 _

المؤلف   
  قال الرازي في كاتبه المنيف : « الكرام البررة في القرن الثالث بعد العشرة » : ج 2 ص 603 :
   « الشيخ سلمان بن الشيخ عبدالله بن الشيخ حسين العصفوري البحراني ، عالم فاضل .
   كان من فضلاء هذا البيت الأعلام وفقهائه الكاملين ، نزل شيراز ، وكان من الراجع فيها ، له عدّة تصانيف ، منها : « مصارع الشهداء ومقاتل السعداء » ، وكتاب « الرزايا » وكتاب « وفاة أمير المؤمنين عليه السلام » المطبوع وغير ذلك .
   توفي بعد سنة 1261 هـ التي توفي فيها عمه الشيخ حسن » .
   وقال أيضا في « الذريعة إلى تصانيف الشيعة » : ج 21 98 : « مصارع الشهداء ومقاتل السعداء ... للشيخ سلمان بن عبدالله بن الشيخ حسين آل عصفور البحراني المتوفى بعد 1261 في بلدة شيراز » .
   أقول : ومن توقيع المصنّف على هذا الكتاب وكتابته وخطّه عليه يعرف أنه كان حيا سنة 1265 في شوال حيث تملّك هذه النسخة ودخلت في حيازته .
   وله من الكتب غير هذا الكتاب :
   1 ـ الرزايا .
   قال في الذريعة : 10 : 239 | 763 : مقتل في حجم منتخب الطريحي ... رأيته عند الشيخ خلف آل عصفور البوشهري المتوفى سنة 1353 .
   2 ـ وفاة أميرالمؤمنين .
   طبع سنة 1436 كما في الذريعة : ج 25 ص 117 .
   والمؤلف ينتمي إلى اُسرة آل عصفور ، وهي اُسرة مشهورة خرج منها علماء كان لهم دور في الحياة العلمية والإجتماعية لمنطقة الخليج الفارسي .

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء _ 9 _

وأما مسقط رأس المصنف أعني بلاد البحرين والأحساء والقطيف وما والاها ، فقد اعتنقت الإسلام رغبة وطوعا منذ القرن الأول الهجري وفي حياة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأقامت ثاني صلاة جمعة بعد صلاة الجمعة في المدينة المنورة ، ومسجدها في جواثى هو ثالث مساجد الإسلام ، وكان غالبية سكّانها آنذاك من عشيرة عبد القيس التي ورد عنها في الحديث النبوي الشريف : « اللهم اغفر لعبد القيس » ، وقد كان لهذه البلاد عبد القيس وربيعة دور ريادي في نشر الإسلام والتمسك بالقرآن وأهل البيت بدءا من حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وإلى يومنا هذا . وبرز منها في القرن الأول أعلام جهابذة مثل زيد بن صوحان العبدي وصعصعة بن صوحان العبدي وحكيم بن جبلة العبدي وغيرهم ، وكان لهؤلاء مواقف مشرفة في مواجهة الناكثين والقاسطين والمارقين ، ورثى أميرالمؤمنين شهداءهم في وقعة البصرة بعد ما غدر بهم الناكثون ، بقوله :

يا لهفتيّاه على ربيعة     ربيعة السامعة المطيعة
نبئتها كانت بها الوقيعة

  وفي القرن الثاني كان منها محدثين وشعراء مثل سفيان بن مصعب ويحيى بن بلال وغيرهما حتى قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام في سفيان : « علموا أولادكم شعر العبدي ، فإنه على دين الله » .
   وفي كتاب أنوار البدرين في تراجم علماء القطيف والأحساء والبحرين للشيخ علي البلادي البحراني : ص 45 نقلا عن كشكول الشيخ بهاء الدين العاملي وغيره أنّ والده العالم الفقيه الشيخ حسين بن عبد الصمد كان في مكة المشرّفة قاصدا الجوار فيها إلى أن يموت ، وأنّه رأى في المنام أنّ القيامة قد قامت وجاء الأمر من الله تعالى بأن ترفع أرض البحرين وما فيها إلى الجنة ، فلما رأى هذه الرؤيا رجع عن مكة وجاء إلى البحرين ، فكان مشتغلا بالتدريس والتصنيف والعبادة والتأليف في قرية المصلّى إلى أن توفّي بها سنة 984 .
   وعلى أيّة حال فهذه البلاد كانت ولا تزال من القلاع الحصينة في الدفاع عن

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء _ 10 _

  حياض الإسلام والقرآن وأهل البيت ، ولهم دور مشرف في التاريخ الإسلامي رغم تسلّط الأجلاف في بعض الأزمنة عليهم وكتبهم ، وحرمانهم من أبسط حقوقهم .
   وما مؤلّفنا هذا إلا نموذجا واحدا عن أولئك الأبطال الذين شيّدوا معالم العزّ والفخر ، وأقاموا كيان المجد والعبوديّة لله تعالى والتمسّك بالقرآن وأهل البيت عليهم السلام .

اُسلوب التحقيق
   تم الإعتماد على نسخة خطيّة واحدة كانت بحَوزة المصنّف وعليها توقيعه كما تقدّم عند البحث عن الكتاب ، وحاولت جهد الإمكان تخريج الأحاديث المذكورة في الكتاب ، وبقي من الاُمور التي ينبغي أن تحقّق من هذا الكتاب القصائد والأبيات التي ذكرها المصنف في ثنايا كتابه هذا ولم يذكر قائلها ولا مصدرها ، وأملي من القرّاء الكرام وخاصة خطباء المنبر الحسيني وأهل الأدب أن يساعدوني في تخريج هذه الأبيات وذكر مصادرها حتى يُتلافى هذا النقص في طبعات لاحقة .
  هذا ، والحمد لله أولا وآخرا .
   وقد طبع الكتاب على نفقة المؤمنة الصالحة خيريّة محمد جزاها الله خير الجزاء وحشرها الله مع محمد وآله الأطهار .

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء _ 11 _

  بسم الله الرحمن الرحيم
   الحمد لله الذي أظهر شعار آل محمد كَنارٍ على علم ، ورفع منار فضلهم على رغم من نصب لهم وظلم ، وكثّر شيعتهم بعد قلّة العَدد ، وأعزّ ذلّتهم بعد ضعف العُدَد .
   وكانوا فيما مضى من السنين والشهور ، وسلف من الأعوام والدهور ، كهلال اليقين في ليل الشك الأظلم ، أو كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأدهم ، قد عصفت بهم رياح الفتن ، ودارت عليهم رحى الإزراء والمحن ، فتخلّلوا غمار الناس ، واستتروا من الأرجاس في رثّ اللباس ، وتدرّعوا مدارع التقيّة خشية من طغاة بني أمية ، وتجلببوا بجلابيب الإختفاء خوفا من بني العباس الطلقاء ، إمتثالا لأمر أئمّتهم الأنجاب ، وعملا بما ورد في السنة والكتاب .
   ومع ذلك فالأرض حمراء من دمائهم المسفوكة ، والسجون مشحونة بأجسام أبنائهم وبناتهم المهتوكة ، حتى أدّى بهم الحال العبوس ، إلى أن صارت مقاصر أبدانهم الحبوس ، وغدت منابر علمائهم شواهق المصالب في الشموس .
   فلم ينههم ذلك الحال الشديد عن التمسك بعروة الله الوثقى ، ولا منعهم ذلك القتل والتشريد عن سلوك طريق أئمّتهم المثلى ، فما يرحوا كذلك وعلى ذلك إلى أن أسفر الحقّ عن محيّاه ، ونادى الصدق يا بشراه ، فكسر قرن الضلال ، ونكّس علم

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء _ 12 _

  ذوي الجهل والنكال ، بظهور دولة بني حمدان إلى ساحة الظهور ، وبروز مستور شخص الإيمان بساطع النور ، فلله درّهم من ملوك عدل أحيوا دوارس مرابع آل الرسول ، وبذلوا الأموال في تشييد مباني أرباب المعقول والمنقول ، وكشفوا أسجاف الذلّ والتهوين عن محجّبات سرائر المؤمنين ، وأقاموا أعلاما لتلك القبور الطاهرة يهتدي بها التايه عن سواء الطريق ، وجعلوا لهاتيك المشاهد الزاهرة سمات تشير إلى الإذعان والتصديق ، ونصبوا أعمدة المآتم على أولئك الأعاظم ، ووضعوا قوانين المراثي على السادة الأكارم .
   فغدر الدهر بعد أن وفى ، وأساء بعد أن أحسن لأرباب الوفا ، فانقرضت هذه الدولة الشريفة ، وكسفت شمس هذه السلطنة المنيفة ، وقامت الفتن على سوقها ، ودنت نفوس المؤمنين من سَوقها ، فما زالوا في كدّ وتعب مادام دولة بني أيوب في حلب ، والأراتقة في الشام والصقلب ، فتوطّأ كلّ جلف منهم سروج سبق الرياسة ، وتوطّد صدور محافل الملك والسياسة ، فعاد بدر المؤمنين إلى المحاق ، ورجع لجينهم إلى الاحتراق ، وغدت أعلام المؤمنين منكوسة ، وعلماء الموحدين في ربوات التحكم مرموسة .
   حتى افترّ ثغر الجلال عن نظيم الايمان ، وتنفّس فجر الكمال بنسيم اللطف والإحسان ، فلبست فتاة الشرك حلل التوحيد ، ورفلت خود التجسيم في غلائل التجريد ، وذهبت حسيكة النفاق ، واعوجت ألوية الجور والشقاق ، وصوّت مؤذّنوا الهداية في مساجد الوفا بحيّ على حبّ آل المصطفى ، وقامت الخطباء على ذروات منابر اليقين ، وصدعت البلغاء بتحرير فضائل الصدّقين ، وذلك في زمن السلطنة العليّة والدولة الصفوية عطّر الله مراقدهم بطيب الغفران ، ونوّر ملاحدهم بأنوار الإيمان .
   وما زال أمر الشيعة يستحكم وأركان الشريعة تحكم ، وأعلام الإسلام تنشر ، وألوية الظلام تُكسر ، حتى شيّدت في جميع البقاع للشيعة مساجد ، وثنّيت لعلمائهم في صدور الدسوت المساند والوسائد .

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء _ 13 _

  وقد اختص من بين السلاطين بنصرة الميامين ، وتفرّد من بين الملوك والخواقين بتأييد شريعة سيد المرسلين قطب الدائرة ودائرة القطب ، قلب المحبوب وحبيب القلب ، حسام الإيمان ومظهر الأديان ، عين الدهر بالإجماع ، وإنسان عين النبيّ المطاع ، إكليل التاج ودرّة الإكليل ، المفتخر برقم اسمه وجه التسجيل ، والمبتهج برسم نافذ حكمه مفرّق التعظيم والتبجيل ، السلطان بن السلطان الشاه إسماعيل ، واتصل ذلك إلى زمان الحري بالإمكان كريم خان ، فاشتد عضد الشيعة وصارت حوز[تـ]هم منيعة ، وعاد قول علمائهم هو المركون إليه ، والحق يعلو ولا يُعلى عليه .
   وحين استولت على الفرس ملوك القاجار ، وأدخلوا مملكة الأعاجم تحت قبضة الإقتدار ، توجّوا الدين المحمدي بتيجان الظهور ، وأركبوا طالبيه سبق السرور ، سيما في عهد السلطان الأعظم والشاه الأفخم ، غرّة جباه سلاطين العرب والعجم ، مالك رقاب ملوك الترك والديلم ، شمس فلك الشرف والكرم ، بدر سماء العدل والشيم ، جمال التُخوت ، وجلال الدساكر والدسوت ، حامي حوزة الملك والسلطان ، بلوامع البواتر وذوابل الخرصان (1) ، العامل في كلّ زمان ، بقول العلي الديّان ، في محكم القرآن : ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ) (2) ، صاحب الجيش الجرار ، وصارم الجزّار ، فتحعلي شاه قاجار ، فهناك دوّنت الدواوين والكتب ، ورصعت بلآلي المراثي والخطب ، وكلّلت عقود الإنشاء بفرائد العقيان ، وبيعت جواهر الشعر بنفائس الأثمان ، فما تسمع في شهر عاشوراء وصفر ط بكلّ ناد ومحضر ، إلا وصوت منشد يقرّح الأكباد ، ونشيج باك يقطّع بحنينه نياط الفؤاد ، وأكثر الشيعة في هذين الشهرين يشتغلون بأنفسهم بالمآتم ، وينفقون من مالهم الجلّ المتعاظم .
   وكان السلطان المذكور ، إذا هلّ عاشور اعتزل التخت والتاج ، وخلع ملابس

---------------------------
(1) الخِرص : الجمل الشديد الضليع ، والجمع أخراص وخِرصان . ( المعجم الوسيط ) .
(2) سورة النحل : 16 : 90 .

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء _ 14 _

  المسرة والإبتهاج ، وتدرّع مدارع الكآبة والأسى ، وطلّق أبكار السلوة والعزا .
   ولقد تواترت عنه النقول ؛ من العارفين به من ذوي العقول ، أنه في مدة هذه الشهور لايجوّز معانقة بيض النحور ، وله في رثاء سيد الشهداء شعر كمل رقّة ومعنى ، وكم له من مزايا تشهد له بحلول الصدور ، وصفات يجب أن ترقم بالنور على جباه الحور ، فما برح آخذا بأزمّة التوفيق ، سالكا مسالك الهداية والتحقيق ، فيا لها مرتبة تقاصر عنها أرباب الدول ، وانحسر عن إدراكها الملوك الأول .
   إلى أن دعاه داعي الكرامة إلى مواطن البشرى والسلامة ، فأجاب داعي الله ، وانتقل إلى جوار الله ؛ بعد أن جعل الأمر من بعده لأشرف نسله وولده ، وأذلّ له المعاطس ، وذلّل له الشوامس ، علما منه بأهليّته للمنصب السامي ، ومعرفة منه باستحقاقه للجاه المتسامي .
   فقام الشبل مقام الأسد ، وفي الفرع ما في الأصل وأزود ، فماست بطلعته الأيام في مطارف السرور ، وابتسمت ثغور رياض الآكام عن أشنب الزّهور ، ورجعت بدولته السنيّة كهول الدهر شبابا ، وعادت بيمن سلطنته شوارد البشر بواسما بعد أن ولّت غضابا ، وفرشت نمارق العدالة على البسيط ، ونقشت درانيك الايالة بفنون التطريز والتنميط ، فللأمان على رؤوس الأنام ظلّ ممدود ، فترى في جميع المراتع الشياه والأسود ، قد ميّز قسطاس الفراسة بين الناقص والراجح ، وفرّق نبراس السياسة بين الفاسد والصالح ، فانقادت الجبابرة لأحكامه ، ووضعت القياصرة جباهها خشية من صليل حسامه ، وتطوّقت الملوك بجوامع الطاعة ، وتقلّبت السلاطين في بحار الإنقياد بحدّ الإستطاعة ، وأظهرت الأرض أنواع بهجتها، وماست ومالت بهبوب مسرّتها ، فهنالك الناس على سُرُر الأمان رقود ، وفوق بساط الاطمئنان هجود ، وهو السلطان بالتحقيق ، والخاقان الذي هو بالملك حقيق ، قطب فلك الرفعة ، ونقطة دائرة العز والمنعة ، علم الدين المنشور ، سيف اليقين المشهور ، سنام الفرقة الطاهرة ، ومقلة الحق الباصرة ، ذي الطلعة الشمسيّة ، والمنزلة الفرقدية ، والأوامر السليمانيّة ، واللويّة ! الفتحية ، والآراء

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء _ 15 _

  الحكميّة ، والنفوس العرفانيّة ، والتدبيرات الفلسفية ، والهمم الإسكندرية ، والوزراء الطالوتية ، والجياد الرياحية ، والذوابل القعضبية ، والسيوف المشرفية ، درّة إكليل يافوخ الجلال ، يتيمة عقد جيد الإفضال ، رفرف الشرف ، وشرف التخت والرفرف ، بدر هالة التعظيم ، هالة قمر التفخيم ، واحد الذات وظل الواحد ، ماجد الصفاة وأثر صفات الماجد ، قاهر الملوك بالغلبة والسلطان ، فائق السلاطين في المرتبة وتواتر الأعوان ، الشاه الأعظم ، والسلطان الأفخم ، منبع عين الفخر والشيم ، سلطان العرب والعجم ، حضرت محمد شاه قاجار ؛ ثبّت الله بسيط دولته برواسي التأييد ، وأقرّ أركان سلطنته ببنيان الدوام والتخليد ، وسيّر في ركابه جهابذ الدهور ، وذلّل لجنابه شوامس الأمور بالنور ، المنبسط على الطور ، فظهر في زمانه قمر الشيعة من استتاره ، وأطلق أسد الشريعة من إساره ، وأخصبت بوجوده مواحل مرابع الإسلام ، واستظلّت بأفيئة دولته كافّة الأنام ، فترى مساجدهم محشودة بطوائف العباد ، مأنوسة بنغمات التلاوة والأوراد ، وقضاتهم يفتون حسب ما أمروا أئمّتهم وعلماءهم ، يتذاكرون ما ورد عنهم ، قد أرغموا بمفاخراتهم أنوف الأضداد ، وأفحموا ببليغ عبارات احتجاجهم النواصب الأوغاد ، قد أبدلهم الله خوفهم بالذّعة ، وعوّضهم عن ضيقهم بالسعة ، فوطئوا بأخمص الاقتدار هامات أعدائهم الفجّار ، وأذلّوا أنوف الناصبين ، وقطع دابر القوم الذين ظلموا ، والحمد لله رب العالمين .
   وبعد ، فيقول أقلّ الخليقة ، بل لا شيء في الحقيقة ، ذو الجرم والقصور ، وراجي الفوز في النشور ، سلمان بن عبدالله آل عصفور عامله الله بفضله ، ووضع عنه أثقال عدله : إنّ الشوق قد قيّد أقدامي ، والحبّ قد ملك زمامي ، والوليّ قد قادني ، والبرّ قد أساقني إلى اقتحام مضمار لست من فرسانه ، وولوج عرين ما كنت من أقرانه ، والدخول في جملة قوم أنا أقلّ منهم ، طمعا مني في قوله صلى الله عليه وآله : « من تشبّه بقوم فهو منهم » (1) ، وإلا فأين الذرّ من الأطواد ، وأنّى للفسكل

---------------------------
(1) المعجم الأوسط للطبراني : 9 : 151 | 8323 ، مجمع الزوائد : 10 : 271 عن الطبراني ،

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء _ 16 _

  ورهان الجواد .
   وذلك لما رأيت جملة الشيعة المؤمنين ، وجمهور الهداة في الدين مكبّين على إقامة فنون العزاء على مصاب سيد الشهداء والأئمة الأتقياء السعداء ، غير أن أكثر مصنّفيهم من العرب ، وجلّ مؤلفيهم من ذوي الرتب ؛ قد سلكوا في نظم كتب المراثي نهجا واضحا ، ونهجوا مسلكا ملحوبا لائحا .
   وأما علماء العجم وفضلاؤهم من أصحاب القلم ، فتفرّقوا في التصنيف ، واختلفوا في التأليف ، فمنهم من أطال في المراثي إطنابه ، حتى غدا كتابه مثل ديوان الصبابة ، فألجأه ضيق المأخذ وطول المساحة إلى الركون لكلمات المؤرخين وخرافات السالفين ، ومنهم من ضيّق رحيب مضماره لشدة اختصاره ، وكلاهما لم يصب سهمه الغرض ، ولا قام بما إليه نهض .
   لكن لما كان مطلبهم الأقصى التقرّب لأولئك الكرماء ، والوفود على أرباب العطاء ، صوّبت آراءهم في منهجهم ، وشكرتهم على بذل مهجتهم ، ولكلّ ضيف قرى ، ولكلّ عمل كرى .
   فهناك دار في قلبي ، وارتسم بلوح لبّي ؛ جمع كتاب وجيز ، يزرى بعسجد نظمه سبائك الذهب الإبريز ، وأن أسميه بـ « مصارع الشهداء ومقاتل السعداء » ، جاعلا لكل معصوم مقتلا ، مبتدئا بالنبي المصطفى ، مثنيا بفاطمة الزهراء ، خاتما بصاحب العصر والزمان ، وخليفة ربّنا الملك الديّان في هذه الأزمان ، ومن الله أسأل التوفيق والهداية إلى واضح الطريق ، وأن يجعله أنفس زاده ليوم الحشر والمعاد ، إنه كريم منّان ، وشأنه الفضل والإحسان ، وهو حسبي ونعم الوكيل ، نعم المولى ونعم النصير .

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء _ 17 _

المصرع الأول
  وهو مصرع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )
عباد الله الصالحين ، انظروا بعين المعتبرين ، وعوا بقلوب المتفكرين ، واصغوا بآذان الموعين ، وتيقّنوا بأفئدة المذعنين ، إن الله ربّ العالمين لما تمّت حكمته بإيجاد المخلوقين ، واقتضت مشيئته وجود المعدومين ، جعل لذلك عللا بالتعيين ، وأسبابا بالتبيين ، وصيّرها كالمادة له كما صرحت به البراهين ، إذ قد جاء في الحديث القدسي على لسان جبرائيل الأمين حيث قال ـ وهو أصدق القائلين ـ :
   « لما أردت إيجاد خلقي وخلق عبادي ، خلقتها بتسعة أشياء :
   بالحب ، والإرادة ، والمشيئة ، والعلم ، والقدرة ، والقضاء ، والقدر ، والأجل ، والكتاب » ، وقيل بعشرة وازداد الإذن فيها .
   وجعل كلّ واحد من هذه الأسباب علة غائية في وجود الخلق ، وكل متقدم منها علة لوجود متأخّره ، فيكون الحبّ علة وجود العلل ، وبه وجد الوجود ، ووحّد المعبود ، وبه قامت السماء ، وسطحت الأرض على الماء ، الحبّ هو العقل الكلي وكلي العقل ، وهو الأغلوطة التي تاه في أودية معرفتها أولوالفضل ، الحبّ نبراس الهداية ، وقسطاس الدراية ، الحبّ لباس القلوب ، وجلاها من درن الشكوك والكروب ، به تداوى الأفئدة المكلومة ، وتفضّ الأسرار المختومة ، وهو الموصل إلى المحبوب ، والمجافى عن الذنوب ، بالحبّ صار جبرئيل أمينا ، وإسرافيل مكينا ، وعزرائيل قابضا ، وميكائيل فائضا ، وبه سكن آدم بحبوحة الجنان ، وبه خدّت خدّيه العينان ، بالحبّ سهلت خزون الطوفان على نوح ، واستعذب الأجاج ولن يبوح ، وبه سار في البحر العجاج على ألواح الساج ، بالحبّ صار

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء _ 18 _

  بطن نونة يونس معراجا ، واتخذ سبيله في البحر منهاجا ، بالحب نال إبراهيم خلّة الرحمان ، وبه برد عليه لهب النيران ، بالحب سعى موسى للجذوة ، ففاز بشرف النبوة ، وبه نودي من وادي طوى : « لا تخف إنني أنا الله الأعلى » ، بالحب كلّم بلا ترجمان ، ولا حجاب عن العيان ، وبه أضحى عيسى روحا ، ونفخ في الطين روحا ، وكفى الحبّ رفعة ما جاء في الذكر الحكيم والقرآن الكريم : ( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ) (1) .
   وليس الحب ما ذهب إليه الأوهام من جهّال الأنام ؛ أنه التشبّب بالوجوه الحسان ، والأصغاء إلى أصوات رنّات العيدان ، أو أنّه شيء يحصل بالعزلة عن الناس ، أو [يـ]ـتيسّر بلبس رَثّ اللباس ، كلا وربّ الراقصات ومن برأ الذرّات .
   إنما المراد بالعشق هو محمد بن عبدالله النبي الهاشمي ، والمعشوق هو الله جلّ وعلا ، والعاشق الحقيقي عليّ المرتضى ، فمحمّد الواسطة بين العاشق والمحبوب ، وهو العلّة في الوجود وطبيب القلوب ، فوجود محمد صلى الله عليه وآله سابق لوجود جميع المخلوقين ، وعلة لإيجاد المصوّرين ، حيث قد خوطب بـ : « لولاك لما خلقت الأفلاك » .
   وكذلك ما روي عن أميرالمؤمنين وسيد المسلمين عليه السلام إذ قال : « أول ما خلق الله ربّ العالمين نور محمد سيد المرسلين ، وأشرف النبيين ، قبل خلق الماء والطين والعرش والكرسي والسماوات والأرضين والجنان والنيران واللوح والقلم وحوّى وآدم والحجب والبحار والنباتات والأشجار بثمانين ألف عام ، ثم قال له : يا عبدي أنت المراد وأنا المريد ، وأنت خيرتي من خلقي ، وعزّتي وجلالي لولاك ما خلقت الأفلاك ، فمن أحبّك أحببته ، ومن أبغضك أبغضته » (2) .

---------------------------
(1) سورة فصّلت : 41 : 11 .
(2) بحار الأنوار : ج 57 ص 198 باب حدوث العالم وبدء خلقه من كتاب السماء والعالم : ح

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء _ 19 _

  ولله درّ من قال بيان الحبّ :
خـلعة الـعشق جمال iiالعاشقين      حُـلية  الـتقوى لأرباب iiاليقين
مـظهر العشق صراط iiالمستقيم      غـاية الـعشق حُـبور ونـعيم
كـلّ ذي عـشق قرين iiالافتخار      قـد  زكـا أصلا وفرعا iiونجار
أوجـه الـعشّاق مـشكاة iiالهدى      بـاطن  الـعشّاق كشّاف iiالردى
قيل لي ما العشق يا حلف الهوى      أفصح  المرموز من سرّ iiالجوى
قـلت إنّ العشق يا ربّ iiالسؤال      عـلة  الأشـيا ومصداق iiالكمال
قـال مـما ذاتـه يـا ذا iiالوداد      مـا اسـمه عـند ميامين iiالعباد
قلت  معنى العشق ذات iiالهاشمي      أحـمد الـمختار فـخر iiالـعالم
قـال ما المعشوق من ذا iiالعاشق      قــل فـإنّي مـستهام iiوامـق
قـلت إنّ الـعاشق المومى iiإليه      حـيدر خـير الـثنا يُتلى iiعليه
وكـذا المعشوق ربّي ذو iiالجلال      مـن  تـردّى بالمعالى iiوالكمال
إن مـعنى العشق ذا يا ذا iiالفتى      مـا  سـوى ذا عـندنا لن يُثبتا
ليس معنى العشق يا ربّ iiالفطن      صوت  شاذٍ مطرب أو خمر iiدن
أو بـكاء فـي أسـارير iiالظلام      أو نـشيدا مـن زخاريف الكلام
لا ولا الـعشق اعتزال iiالعالمين      والـتواني  فـي طريق iiالمتقين
مـنهج الـعشاق يُـنهي iiللرشاد      واعـتزال  النسك يُغري بالفساد
يـا  نسيم الحبّ زائل عن iiحشا      مـهجة الـمشتاق أسجاف iiالغشا
   روي في كتاب مشارق الأنوار أنه ورد في الحديث القدسي عن الربّ العلي أنه قال : « عبدي ، أطعني أجعلك مثلي ، أنا حي لا أموت أجعلك حيا لا تموت ، أنا غني لا أفتقر أجعلك غنيا لا تفتقر ، أنا مهما أشاء يكن أجعلك مهما تشاء يكن » .

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء _ 20 _

  وفيه : « إن لله عبادا أطاعوه فيما أراد ؛ فأطاعهم فيما أرادوه ، يقولون للشيء كن فيكون » ، وذلك لأنّ الكلّ عباد الله ، فإذا اختار الله عبدا ألبسه خلعة التفضيل وأذن له (1) في الممالك بالتصرف والتبجيل ، وجعل له الولاية المطلقة ، فصار عبدا لحضرته ، وخالصا لولايته ، ومولى لعباده وبريّته ، وواليا في مملكته ، فهو المتصرف الوالي بإذن الرب المتعالي .
   فيا أيّها الطائر في جوّ التقليد ، والمحلّق في سماء التبليد ، لا يأوي إلى غدران الحكماء ، ولا يرتع في رياض العلماء ، ولا يثبت في قلبه حبّ ، ولا ينيب لمحجّبات (2) الكتب ، إلى متى أنت ، أنت بعيد عن النور ، محجوب عن السرور ، غافل عن أسرار سواد السطور ، مكبّ على النظر في المسطور ، أما أسمعك منادي الرحمان : (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ) (3) ، وحتى متى أنت كشارب ماء البحر كلما ازداد شربا ازداد عطشا ، ألم تر أنّ الله سبحانه خلق ألف ألف عالم مبدؤها نور الحضرة المحمدية ، وسرّها الولاية الإلهية ، وختامها الخلافة المهدويّة ونور العصمة الفاطميّة ، وذلك كلّه قاض عن الكلمة السبحانية ، وهي ألف غير معطوف كما قالوا ألف غيب معطوف ، لا وألف غير معطوف ، وألف عنده الوقوف ، وألف هو منتهى الألوف ، خلقها وهو غني عن خلقها ، وسلّمها إلى الوليّ الكامل ، والخليفة العادل ، لأنه وليه ومقامه الذي أقامه في خلقه مقامه ، والوليّ المطلق ، والمتصرّف العادل ، لا يسئل عمّا يفعل ، ولا يناقش فيما يعمل ، وكيف يسأل المؤيّد بالحكمة المخصوص بالعصمة ، الذي يريد الله ما يفعل ، لأنّ فعله الحق والعدل (4) .
   ولله درّ من قال :
يا حبّذا مُتحاببين تواصلا     دهرا وما أعتلقا بفحش أذيلا


---------------------------
(1) في المصدر : « ونادى له » .
(2) في المصدر : « ولا ينبت إلا في محجّبات » .
(3) سورة النساء : 4 : 82 .
(4) مشارق أنوار اليقين : ص 68 .

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء _ 21 _

لا شـيء أجـمل من عفاف iiزانه      ورع ومـن لـبس العفاف iiتجمّلا
طبعت  سرائرنا على التقوى iiومن      طـبعت سريرته على التقوى علا
أهـواه لا لـخيانة حـاشا iiومـن      أنـهى الـكتاب تـلاوة أن iiيجهلا
لـي  فـيه مـزدجر بما iiأخلصته      في المصطفى وأخيه من عقد الولا
فـهما لـعمرك عـلة الأشياء iiفي      أهـل الـحقيقة إن عرفت iiالأمثلا
الأولان  الآخــران الـبـاطنان      الـظاهران الـشاكران لذي iiالعلا
الـزاهدان  الـعابدان iiالـراكعان      الـساجدان  الـشاهدان على الملا
خُـلقا  ومـا خلق الوجود iiكلاهما      نـوران مـن نـور العليّ تفصّلا
فـي  علمه المخزون مجتمعان لن      يـتـفرّقا أبــدا ولـن يـتحوّلا
فـاسأل عـن الـنور الذي تجدنّه      في  النور مسطورا وسائل من iiتلا
واسـأل عـن الكلمات لما أن iiبها      حــقـا  تـلـقّى آدم iiفـتـقبلا
ثـم اجـتباه فـأودعا فـي iiصلبه      شـرفـا  لـه وتـكرّما وتـبجّلا
   فاحمدوا يا إخواني ربكم الأجلّ حيث ألبسكم خلعة الوجود ، واشكروا يا خلاني نبيكم الأفضل ؛ إذ هو الفيّاض عليكم زلال الجود ، به ختم الله المرسلين ، وكان هو علّة وجود النبيين ، صلى الله عليه وآله حملة الكتاب ، والأدلاء على الخير والصواب ، الذين كانوا في الأجساد أشباحا ، وفي الأشباح أرواحا ، وفي الأرواح أنوارا ، وفي الأنوار أسرارا ، فهم الصفوة والصفاة ، والأصفياء والكلمات ، وإليهم الإشارة بقولهم :
   « لولانا ما عرف الله ، ولولاه ما عرفنا » .
   روى في الكتاب المذكور (1) عن زياد بن المنذر، عن ليث بن سعد قال : قلت

---------------------------
(1) مشارق أنوار اليقين للبرسي : ص 71 مع اختلاف لفظي ، وزاد في آخره :
   ونجد في الكتب أنّ عترته خير البشر ، ولا تزال الناس في أمان من العذاب ما دامت عترته في الدنيا . فقال معاوية : يا أبا إسحاق : ومن عترته ؟ فقال : من ولد فاطمة ، فعبس معاوية وجهه وعضّ على شفته وقام من مجلسه .

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء _ 22 _

  لكعب الأحبار وهو عند معاوية : كيف تجدون صفة مولد النبي محمد صلى الله عليه وآله ؟ وهل وجدتم لعترته فضلا ؟ فالتفت كعب إلى معاوية لينظر كيف هو ، فأنطقه الله فقال : هات يا أبا إسحاق .
   فقال كعب : إنّي قرأت في سبعة وسبعين (1) كتابا نزلت من السماء ، وقرأت صحف دانيال ، ووجدت في الكل مولده ومولد عترته ، وأنّ اسمه لمعروف ولم يولد ، نُبِّئ فنزلت عليه الملائكة قطّ ما عدا عيسى وأحمد ، وما ضرب على آدميّة حجاب الجنة غير مريم وآمنة ، وكان من علامة حمله أن نادى مناد من السماء في ليلة حمله : ابشروا يا أهل السماء ، فقد حملت آمنة بأحمد ، وفي الأرض كذلك [ حتى في البحور ، وما بقي يومئذ في الأرض دابة تدبّ ولا طائر يطير إلا وعلم بمولده صلى الله عليه وآله وسلم ] ، ولقد بني في تلك الليلة في الجنة سبعون ألف قصر من ياقوتة حمراء وسبعون ألف قصر من لؤلؤة رطبة ، وسمّيت قصور الولادة ، وقيل للجنّة اهتزّي وتزيّني فإن في هذه الليلة ولد نبي أوليائك ، فضحكت يومئذ فهي ضاحكة إلى يوم القيامة ، وبلغنا أنّ حوتا من حيتان البحر يقال له طمسوسا وهو سيد الحيتان له سبعمئة ألف ذنب يمشي على ظهور سبعمئة ألف ثور ، الواحد أكبر من الدنيا ، لكل ثور سبعمئة الف قرن من زمرّد أخضر ، وقد اضطربت ليلة مولده فرحا ، ولولا أنّ الله ثبّتها لجعلت الأرض عاليها سافلها ، ولا بقي جبل إلا لقى صاحبه بالبشارة وهم يقولون : « لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ » ، ولقد خضعت الجبال لأبي قبيس كرامة لمحمد صلى الله عليه وآله ، ولقد ماست الأشجار أربعين يوما بأفنانها وأطيارها وأنهارها (2) ، ولقد نصب بين السماء والأرض سبعون عمودا من نور ، ولقد بشّر آدم بمولده فزاد في حسنه أضعافا (3) ، ولقد اضطرب الكوثر

---------------------------
(1) في المصدر : « في اثنين وسبعين » .
(2) في المصدر بدل « ولقد ماست ... وأنهارها » : ولقد قدست الأشجار أربعين يوما بأغناصها وأنهارها وثمارها فرحا بمولده .
(3) في المصدر بدل « ولقد ماست ... وأنهارها » : ولقد قدست الأشجار أربعين يوما بأغناصها وأنهارها وثمارها فرحا بمولده .

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء _ 23 _

  حتى أسقط سبعين قصرا من الزمرد نثارا لمقدمه ، ولقد زمّ إبليس وكبّل وألقي في الحصر أربعين يوما ، ولقد سقطت الأصنام ، وسمعت قريش أصواتا من داخل الكعبة وقائلا يقول : « يا قريش ، قد جاءكم البشير النذير معه عمود الأبد والربح الأكبر ، وهو خاتم الأنبياء » .
   وكذلك ما ورد في الكتاب المذكور (1) أنّ الملك سيف بن ذي يزن قال لعبد المطلب رضي الله عنه : إني أجد في الكتاب المكنون والعلم المخزون أنّه يولد بتهامة غلام بين كتفيه علامة تكون له الإمامة ولولده إلى يوم القيامة ، يموت أبوه وأمه ويكفله جده وعمه .
   وكان مولده صلى الله عليه وآله وسلم ليلة السابع عشر من شهر ربيع الأول عام الفيل ، وتوفّي أبوه وهو ابن شهرين ، وماتت أمه وهو ابن أربع سنين ، ومات عبدالمطلب وهو ابن ثمان سنين ، وكفّله عمّه أبوطالب رضي الله عنه .
   فيا مدّعي الشرف قصّر خطاك وثقل حملك على مطاك ، ويا أيها الطالب لسموّ المكانة ، والخاطب لمحجّبات الصيانة ، والراقد على فرش الإفتخار ، والراغب في عناق أبكار الأقدار ، امدد بصرك ، وأحدّ نظرك ، فقد طلعت شمس الأسرار من مطالع العناية ، ولمع نور الأنوار من مشارق الهداية ، وأنّ الحي القيوم قد فضّل الحضرة المحمدية ، بأن جعل نورها هو الفيض الأول ، وجعل سائر الأنوار تشرق منها وتشعشع عنها ، وجعل لها السبق الأول ، ولها السبق على الكلّ والرفعة على الكلّ والإحاطة بالكلّ ، فما أحرى ذلك بقول الناصح والحبيب الصالح حيث قال :
نقّل فؤادك ما استطعت من الهوى     ما الحبّ إلا للحبيب الأول


---------------------------
(1) مشارق أنوار اليقين : لص 74 مع اختلاف في بعض الألفاظ فقط .
  ورواه الشيخ الصدوق في كمال الدين وتمام النعمة : ج 1 ص 176 ح 32 باب 13 في خبر سيف بن ذي يزن ، مع إضافات كثيرة .

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء _ 24 _

  صلى الله عليه صلاة تعمّ صلاة المصّلين ، وتفوق دعوات الداعين ، ما حنّت القلوب المفتونة به إليه ، وعطفت أعناق شوقها عليه .
لا تجل في صفات أحمد طرفا      فـهو  الـغاية التي لن iiتراها
قـلّب الـخافقين ظهرا iiلبطن      فـرأى  ذات أحـمد iiفأجتباها
لـيت  شعري هل ارتقى iiقمم      الأملاك  أم طأطأت له iiفرقاها
بـل لسرّ من عالم الغيب iiفيه      دون  إدراك لـحظه iiأنـهاها
ذاك  ظـل الاله لو ان iiحوته      أهـل وادي جـهنم iiلـحماها
وهـو  الآية المحيطة iiبالكون      فـفي عـين كل شيء iiتراها
بـشرت  امّه به الرسل iiطرا      طـربا بـأسمه فـيا iiبشراها
تـلتقى كـل ذروة iiبـرسول      ايّ  فـخر للرسل في iiملتقاها
   روى في كتاب الأحتجاج مرفوعا الى معمل بن راشد قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : « أتى يهودي الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقام بين يديه يحدّ النظر فيه (1) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا يهودي ما حاجتك ؟ فقال اليهودي : جئت أسألك : أنت أفضل أم موسى بن عمران النبي الذي كلمه الله عزّ وجلّ ، وأنزل عليه التوراة والعصا ، وفلق له البحر ، وأضلّه بالغمام ؟
   فقال له النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : إنّه يكره للعبد أن يزكّي نفسه ، ولكنّي أقول : إن آدم عليه السلام لمّا أصاب الخطيئة كانت توبته أن قال : اللهمّ إنّي أسألك بحق محمد وآل محمد لما غفرت لي ، فغفرها الله له ، وإنّ نوحا عليه السلام لمّا ركب يفي السفينة وخاف الغرق قال : اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمد وآل محمد لما نجّيتني(2) من الغرق ، فجّاه الله عزّ وجلّ ، وإنّ إبراهيم عليه السلام لمّا ألقي في النّار قال : اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمد وآل محمد لما أنجيتني منها .
   فجعلها الله عليه بردا وسلاما ، وإنّ موسى عليه السلام لمّا ألقى

---------------------------
(1) في المصدر : « إليه » .
(2) في المصدر : « أنجيتني » .

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء _ 25 _

  عصاه فأوجس في نفسه خيفة قال : اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما آمنتني . قال الله جل جلاله : ( لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى ) (1) .
   يا يهودي ، لو أن موسى عليه السلام أدركني (2)ثم لم يؤمن بنبوّتي ، لم ينفعه إيمانه شيئا ، ولا نفعته النبوة .
   يا يهودي ، ومن ذريتي المهدي ، إذا خرج نزل المسيح لنصرته ، فيقدّمه ويصلي خلفه » .
   فصمت اليهودي كأنما ألقم حجرا .
   وروي عن الصادق عليه السلام ، عن أبيه ، عن أبيه علي بن الحسين عليهم السلام أنه دخل عليه رجلان من قريش ، فقال : « ألا أحدّثكما عن رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ » . قالا : بلى ، حدثنا عن أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله .
   قال : سمعت أبي يقول : « لما كان قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله بثلاثة أيام نزل [ عليه ] جبرئيل عليه السلام فقال : يا أحمد ، إنّ الله أرسلني إليك إكراما وتفضيلا [ لك ] وخاصة ، يسألك عما هو أعلم به منك ، يقول : كيف تجدك يا محمد ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله : تجدني يا جبرئيل مغموما ، تجدني يا جبرئيل مكروبا .
   فلما كان اليوم الثالث هبط جبرئيل ومعه ملك الموت عليهما السلام ، ومعهما ملك يقاله له : « إسماعيل » في الهواء في سبعين ألف ملك ، فسبقهم جبرئيل عليه السلام فقال : يا

---------------------------
(1) سورة طه : 20 : 68 .
(2) في المصدر : « إن موسى لو أدركني » .

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء _ 26 _

  محمد ، إن الله أرسلني إليك إكراما وتفضيلا ، يسألك عما هو أعلم به منك ويقول : كيف يجدك يا محمد ؟
   فقال صلى الله عليه وآله : تجدُني يا جبرئيل مغموما ، تجدُني يا جبرئيل مكروبا .
   فاستأذن ملك الموت عليه ، فقال جبرئيل : يا محمد ، هذا ملك الموت يستأذن عليك ، ولم يستأذن [ على أحد قبلك ، لا يستأذن ] (1) على أحد بعدك ، فهل تأذن له ؟ فقال صلى الله عليه وآله : نعم .
  فأذن جبرئيل إليه ، فأقبل حتى وقف بين يديه وقال : يا أحمد ، إن الله أرسلني إليك ، وأمرني أن أطيعك فيما تأمرني ، فإن أمرتني بقبض نفسك قبضتُها ، وإن كرهت تركتها .
   فقال النبي صلى الله عليه وآله : أو تفعل ذلك يا ملك الموت ؟
   قال : نعم ، بذلك أمِرتُ .
   فقال جبرئيل عليه السلام : يا أحمد ، إنّ الله تبارك وتعالى قد اشتاق الى لقائك .
   فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا ملك الموت ، امضِ لما اُمرتَ به .
   فقال جبرئيل عليه السلام : هذا آخر هبوطي الأرض ، وإنما كنت أنت حاجتي من الدنيا (2) .
   فلما أراد ملك الموت أن يقبض روحه قال له : « خفّف » . قال : خفّفت يا رسول الله ، ولكنّ النزع شديد .
   قال : أو يكون لكل واحد من أمّتي مثل هذه الشدائد ؟
   قال : وأضعاف هذا .
   قال صلى الله عليه وآله : ضع على روحي الشدة حتى يكون عليهم أهون .

---------------------------
(1) من سائر المصادر .
(2) إلى هنا رواه الشيخ الصدوق في أماليه : المجلس 46 الحديث 11 مع اختلاف في بعض الألفاظ .

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء _ 27 _

  فلما بلغت الروح نحره وصبّ الماء على صدره ، فقال : هون عليّ سكرات الموت ، فلما حبس لسانه وغمّضت عيناه حرّك شفتيه ، ثم نظر إلى عليّ عليه السلام وهو جالس يبكي ورأس النبي صلى الله عليه وآله في حجره ، فهبط رأسه وجعل يوصيه بأشياء لا يفهمها بينهما إلا جبرئيل ، ثم وضع أذُنه على فمه وهو يقول : « أمّتي أمتي » .
   وتوفي صلى الله عليه وآله في اليوم الثامن والعشرين من شهر صفر سنة [ أحد ] عشرة من الهجرة كما وردت به الروايات عن الأئمة الثقات (1) ، ولله درّ من قال :
الا  طـرق الـناعي بليل فراعني      وارقـنـي لـما اسـتقلّ iiمـناديا
فـقلت لـه لـما رأيت الذي أتا ii:      ألا انـع رسول الله إن كنت iiناعيا
فـحققت  مـا أشفقت منه ولم iiأنل      وكـان  خـليلي عـزّنا وجـماليا
فـو الله مـا أنساك أحمد ما iiمشت      بي العيس في أرض تجاوزن واديا
وكنت متى أهبط من الأرض iiتلعة      أرى أثـرا مـنه جـديدا وعـافيا
جـرى رحيب الصدر نهد iiمصدر      هـو  الـموت مدعوّ عليه iiوداعيا
   فوا لهف نفسي على علّة الوجود ، وينبوع المكارم والجود ، ويا طول تأسّفي على شمس الهداية والسعود ، كيف حجبتها غيوم اللحود ، وعلى ودود الملك الودود ، كيف صعّر الحمام منه الخدود ، على الحبل الممدود ، بين العبيد والمعبود ، كيف ابتلته مواضى القضاء المنفود ، وعلى مقيم السنن والحدود ، وكريم الآباء

---------------------------
(1) رواه الشيخ في التهذيب : 6 : 2 في أول كتاب المزار ، وعنه المجلسي في البحار : 22 : 514 ، والطبرسي في إعلام الورى : ص 143 وعنه في البحار : 22 : 530 .
  والمشهور أنه صلى الله عليه وآله توفّي سنة إحدى عشرة من الهجرة كما قال الشيخ الطوسي في مصباح المتهجّد : ص 890 ، والمجلسي في البحار : 22 : 514 ح 16 عن قصص الأنبياء ( مخطوط ) ، والمفيد في الإرشاد : ج 1 ص 189 .
  قال المجلسي في البحار : 22 : 530 : بيان : لعلّ قوله سنة عشرة مبني على اعتبار سنة الهجرة من أول ربيع الأول حيث وقعت الهجرة فيه ، والذين قالوا سنة إحدى عشرة ينوه على المحرم ، وهو أشهر .

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء _ 27 _

  والجدود ، كيف نهل من منهل الحين المورود ، فوا عجبا للجبال الشواهق لم تسنح بالهمود ، وللعيون كيف تنال سنة الهجود ، أما كان في هذا الحادث النكود ، والجائح الموقود سبب لاختلال نظام الوجود ، واصطلام نفس الوالد والمولود ، وعلى مثله فلتمزّق الكبود ، فضلا عن البرود ، وتجزأ نيط القلب الكمود عوضا من النواصي والجعود ، أو لا تكونون كمن طوق جيد صبره لهذه الرزية بعقود ، وطال له فيها القيام والقعود ، فرثاه بما سمحت به قريحته من الأبيات المزرية بلآلي العقود ، وهو من شيعته الباذلين فيه أقصى المجحود .