المصرع السادس
  وهو مصرع الإمام أبي عبدالله (عليه السلام) أيضا
  تفكّروا يا شيعة أبي تراب وأولاده الميامين الأنجاب ، فيما قدم عليه أنصار إمامكم الحسين عليه السلام ، وما لاقوه من الأذى والآلام ، فقد رابحوا الله بالأعمار ، وتاجروه في أسواق الإختبار ، وصرفوا أعناق قلوبهم إلى ظلّ وصاله ، وعطفوا أجياد شوقهم إلى حمى إفضاله ، وسرّحوا طرف طرفهم في ميدان بديع جماله ، وأصغوا بأسماعهم إلى نغمات تذكاره ، وفتحوا أقفال خزائن قلوبهم إلى حفظ جواهر أسراره ، وخلعوا أثواب بقائهم إذ عرفوها مبعّدة لهم عن جواره ، وقرعوا أبواب لقائهم إذ وجدوها أول مراحل قربه ومزاره ، فازوا من متاجرته بأعظم الأرباح حيث قد باعوا عليه نفائس الأرواح .
جزى الله قوما أحسنوا الصبر iiوالبلا      مقيم  وداعي الخطب يدعو iiويخطب
بحيث   حسين  والرماح  iiشواخص      إليه     وألحاظ     الأسنّة    iiترقب
وفرسان  صدق  من  لؤيّ بن غالب      يؤمّ   بها   يبغي   المغالب   iiأغلب
أخو الفضل لا اللاجي إلى طود عزه      يضام   ولا   الراجي   لديه  iiيخيّب
سروا خابطي الظلماء في طلب العلا      إلى  أن  بدى  منها الخفي iiالمحجّب
بكلّ   محيّا   منهم   ينجلي   الدجى      كأن  كلّ عضو منه في الليل iiكوكب
إذا   الصارم   الهندي  خلا  iiطريقه      وحاد  عن  القصد  السنان  iiالمدرب
مضى  ابن عليّ حيث لا نفس iiماجد      تهمّ   ولا  قلب  من  الحزم  iiبعرب
وخوّفه   بالموت   قوم   متى  دروا      بأن  حسينا  من  لقى الموت iiيرهب
وقامت    تصادي    دونه   هاشمية      تحنّ   إلى  وصل  المنايا  iiوتطرب

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء _ 94 _

روي في كتاب دلائل الإمامة مرفوعا إلى محمد بن وكيع قال : إنه لما عزم الحسين عليه السلام على الخروج من مكة إلى العراق قام خطيبا فقال : « الحمد لله ، ما شاء الله ، ولا قوة إلا بالله ، وصلى الله على رسول الله ، خُطّ الموت على ابن آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخير مصرع أنا لاقيه (1) ، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا ، فيملأن مني أكراشا جوفا ، وأجربة سغبا ، لا محيص عن يوم خط بالقلم ، رضا الله رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ، فيوفينا أجر الصابرين (2) ، لن تشذّ عن رسول الله لحمته ، بل هي مجموعة له في حظيرة القدس ، تقرّ بهم عينه ، وينجز بهم وعده ، من كان فينا باذلا مهجته ، وموطنا على لقاء الله نفسه ، فليرحل فإني راحل مصبحا إن شاء الله تعالى » (3) .
  وروى الكليني في كتاب الرسائل عن حمزة بن حمران ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ذكرنا خروج الحسين عليه السلام وتخلّف ابن الحنفيّة عنه ، فقال أبو عبدالله عليه السلام : « يا حمزة ، إني سأحدّثك بحديث لا تسأل عنه بعد مجلسنا هذا ، إن الحسين بن علي عليهما السلام لما انفصل (4) متوجها دعا بقرطاس وكتب فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، من الحسين بن علي إلى بني هاشم ، أما بعد ، فإنه من لحق بي منكم استشهد ، ومن تخلف لم يبلغ الفتح ، والسلام » (5) .

---------------------------
(1) في المصدر : « وخيّر لي مصرع أنا لاقيه » .
(2) في الملهوف وكشف الغمة : « ويوفينا أجور الصابرين » .
(3) لم أعثر على كلامه عليه السلام في دلائل الإمامة .
  ورواه السيد ابن طاوس في الملهوف : ص 126 ، والإربلي في كشف الغمة : 2 : 241 في عنوان « كلامه وفصاحته عليه السلام » نقلا عن مطالب السؤول لابن طلحة . وعن المجلسي في البحار : 44 : 366 .
(4) في نسخة من الملهوف : « لما فصل » .
(5) ورواه ابن طاوس في الملهوف : ص 129 عن كتاب الرسائل للكليني ، كما في هامش الملهوف .

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء _ 95 _

  وروي أن الحسين عليه السلام لما وصل زبالة (1) أتاه خبر مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة ، فعرّف بذلك جماعة ممن معه ، وأخرج لهم كتابا فقرأه عليهم وقال : « بسم الله الرحمن الرحيم ، أما بعد ، فقد أتانا خبر فضيع : قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وعبدالله بن يقطر ، وقد خذلتنا شيعتنا ، فمن أحبّ منكم الإنصراف فلينصرف ، من غير حرج ، ليس عليه ذمام » .
   فتفرّق عنه أهل الأطماع والإرتياب ، وبقي معه أهله وخيار الأصحاب .
   قال : وارتجّ الموضع بالبكاء لقتل مسلم ، وسالت عليه دموع كل مسلم .
   ثم إن الحسين عليه السلام سار قاصدا لما دعاه الله إليه فلقيه الفرزدق فسلّم عليه وقال : يا ابن رسول الله ، كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمك مسلم وشيعته . فاستعبر الحسين عليه السلام باكيا وقال : « رحم الله مسلما » (2) .
   ولله در من قال :
يا   سائق   الحرة   الوجناء  iiأنحلها      طيّ  السرى وطواها الأين iiوالوصب
وجناء    ما   ألفت   يوما   iiمباركها      ولا  انثنت  عند  تعريس لها iiالركب
علامة  بضروب  السير  أقربها iiمنها      إلى     رائها    التقريب    iiوالجنب
تؤتى     جوانبها    تأبى    iiمباركها      حبّ   السرى  وكأنّ  الراحة  iiالتعب
عُج بي إذا جئت غربي الحمى وبدت      منه     لمقلتك    الأعلام    iiوالقبب
وحيّ   عنّي  الألى  أقمارهم  iiطلعت      من  طيبة  ولدي  كرب  البلا غربوا
فأعجب  بهم  كيف  حلّوا  كربلا وقد      كانت  بهم  تكشف  الغمّات  والكرب
فأين   تلك   البدور  التمّ  لا  iiغربوا      وأين  تلك  البحور  الفعم  لا iiنضبوا
قوم  لهم  شرف  العلياء  من  iiمضر      والمرء   يؤخذ   في  تحديده  النسب

---------------------------
(1) زبالة : منزل بطريق مكة من الكوفة . ( معجم البلدان : 3 : 129 ) .
(2) ورواه المفيد في الإرشاد : 2 : 75 مع اختلاف .
  ورواه السيد في الملهوف : ص 134.

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء _ 96 _

  فلله درهّم من رجال بذلوا نفائس النفوس ، وعرّضوا للصوارم الأعناق والرؤوس ، وتسنّموا في اليوم العبوس ، كل طمرة شموس ، وناطحوا في موقف الأذى والبؤس كلّ شمردل (1) حموس ، أخمدوا بجلادهم يوم داحس والبسوس ، وغادروا بحدادهم القرم الطموس تحت الجنادل مرموس .
   روي في الكتاب المذكور أن الحسين عليه السلام لما وصل على مرحلتين من الكوفة ، فإذا بالحر بن يزيد الرياحي في ألف فارس ، فقال له الحسين عليه السلام : « ألنا أم علينا » ؟
   فقال : « بل عليك يا أبا عبدالله » .
   فقال الحسين عليه السلام : « لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم » .
   وترداد القول بينهما حتى قال الحسين : « أيها الناس ، فإنكم إن تتقوا الله ربكم ، وتعرفوا الحق لأهله ، يكون أرضى لله عنكم ، ونحن أهل بيت نبيكم أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم بحقّ ، والسائرين فيكم بالجور والعدوان ، فإن أبيتم إلا الكراهة لنا والجهل بحقنا وكان رأيكم الآن غير ما أتتني به رسلكم ، انصرفت عنكم » .
   فسكتوا كلهم ولم يردّوا عليه جوابا ، فقال لأصحابه : « قوموا فاركبوا » ، فركبوا وانتظر حتى ركّب نساؤه ، فقال لأصحابه : « انصرفوا » .
   فحال القوم بينهم وبين الإنصراف ، فقال الحسين عليه السلام للحرّ : « ثكلتك أمّك ، ما تريد » ؟
   فقال له الحرّ : أما والله لو غيرك من العرب يقولها وهو على مثل هذا الحال ما تركت ذكر أمه والثكل كائنا ما كان ، ولكن والله ما لي إلى ذكر أمك من سبيل إلا بأحسن ما نقدر عليه .
   فقال الحسين عليه السلام : « ما تريد إذا » ؟
   قال : أريد أمضي بك إلى الأمير عبيدالله بن زياد .

---------------------------
(1) الشمردل : الصبي الجلد ، وقالوا : جمل شمردل وناقة شمردلة ، لقوة سيرها . ( المعجم الوسيط ) .

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء _ 97 _

  فقال الحسين عليه السلام : « إذا والله لا أتّبعك » .
   فقال الحرّ : إذا والله لا أدعك .
   فكثر الكلام بينهما ، فقال له الحر : إني لم اُؤمر بقتالك ، وإنما أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة ، فإذا أبيت يا ابن رسول الله فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة ولا يوصلك إلى المدينة لأعتذر أنا إلى ابن زياد بأنك خالفتني في الطريق ، فلعل الله أن يرزقني العافية من أن أبتلي بشيء من أمرك .
   فتياسر الحسين عليه السلام حتى وصل الى عذيب الهجانات والحرّ يسايره مع أصحابه وهو يقول له : يا حسين ، أذكّرك الله في نفسك ، فإني اشهد لئن قاتلت لتقتلنّ .
   فقال له الحسين عليه السلام : أفبالموت تخوّفني ؟! وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني ؟ وسأقول كما قال أخو الأوس لابن عمه وهو يريد نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله فخوّفه ابن عمه [ فقال له : أين تذهب ؟ فإنك مقتول . فقال :
سامضي  وما  بالموت عار على iiالفتى      إذا   ما   نوى   حقا  وجاهد  iiiiمسلما
وآسى    الرجال   الصالحين   iiبنفسه      وفارق مثبورا يغش ويرغما (1)(2) 
   ولله در من قال من الرجال :
  عشية أضحى الشرك مرتفع الذرى     وولّت بشمل الدين عنقاء مغرب
تـراع الـوغى مـنهم بكلّ شمردل     نديماه فيها سمهريّ iiومقضب
  بـكلّ فـتى لـلطعن في حرّ وجهه     مراح وللضرب المرعبل iiملعب

---------------------------
(1) ما بين المعقوفين من تاريخ الطبري .
(2) ورواه المفيد في الإرشاد : 2 : 79 و 80 مع مغايرات لفظية .
  ورواه الخوارزمي في المقتل : ص 231 ـ 233 في الفصل الحادي العشر ، والطبرسي في إعلام الورى : ص 229 ـ 230 ، وابن طاوس في الملهوف : ص 137 .
  وانظر كشف الغمّة للإربلي : ج 2 ص 258 ، وإعلام الورى : ص 230 .

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء _ 98 _

بكل   نقي   الخدّ  لولا  خطى  iiالقنا      ترى  الشمس من معناه تبدو iiوتغرب
كثير    حيا   لولا   وقاحة   iiرُمحه      لحـقّ  به   للعارفين  الــتشبب
كأنّ  الحداد  البيض  تخضب  بالدما      لعينيه   ثغر   بارد   الظلم iiأشنب
كأنّ   القنى  العسّال  وهي  iiشوارع      قدود   تُثنّى   في   المراح iiوتلعب
كأنّ    صليل    المُرهفات   iiلسمعه      غواني    تغنّي    بالصبا iiوتشبّب
كأنّ    ظلام   النقع   صُبح   iiمسرّة      لديه   ويوم  السلم  إن  هاج  غيهب
كأن   المنايا   السود   يطلع   iiبُينها      أخو  البدر  معشوق  الجمال iiمحجّب
كأنّ   ركام   النقع  من  فوق  رأسه      أرائك    تُبنى   للوصال وتضرب
كأنّ   الضبا   فيها   نجوم   iiمضيئة      ويومهم   من   ثائر   النقع مقطب
كأن صدور البيض من ضربها الطلا      أخو   صبوة  مضني  الفؤاد iiمعذّب
كأنّ    أطاريف    الأسنة    iiتكتسي      دما  طرف صبّ أحمر الدمع iiصيّب
  وروي أن الحسين عليه السلام مضى حتى انتهى إلى قصر بني مقاتل فنزل به ، وإذا هو بفسطاط مضروب ، فقال : « لمن هذا » ؟ فقيل : لعبيدالله بن الحر الجعفي ، قال : « ادعوه إليّ » .
   فلما أتاه الرسول قال له : هذا الحسين بن علي عليهما السلام يدعوك . فقال له عبيد الله : إنا لله وإنا إليه راجعون ، والله ما خرجت من الكوفة إلا كراهية أن يدخلها الحسين عليه السلام وأنا فيها ، وما أريد أن أراه ولا يراني !
   فأتاه الرسول فأخبره ، فقام الحسين عليه السلام فجاءه حتى دخل عليه وسلم وجلس ، ثم دعاه إلى الخروج معه ، فأعاد عليه عبيد الله تلك المقالة واستقاله مما دعاه إليه ، فقال له الحسين عليه السلام : « فإن لم تكن تنصرنا فاتّق الله ولا تكن ممن يقاتلنا ، فو الله لا يسمع واعيتنا أحد ثم لم ينصرنا إلا هلك » .
   فقال له : أما هذا فلا يكون أبدا إن شاء الله . ثم قام الحسين عليه السلام من عنده حتى

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء _ 99 _

  دخل رحله (1) .
   ولما كان في آخر الليل أمر مناديه بالاستسقاء من الماء ، ثم أمر بالرحيل ، فارتحل من قصر بني مقاتل ، فلما أصبح نزل بهم وصلى الغداة ، ثم عجّل الركوب وأخذ يتياسر بأصحابه فعارضه الحرّ وأصحابه ، ومنعوه من المسير ، فقال : « ألم تأمرنا بالعدول عن الطريق » ؟ فقال الحر : بلى ، ولكن كتاب الأمير عبيدالله وصل إليّ يأمرني بالتضييق عليك ، وهذا رسوله وقد أمره أن لا يفارقني حتى أنفذ أمره فيكم . فنظر يزيد بن مهاجر الكندي إلى رسول ابن زياد ـ لعنه الله ـ فعرفه ، فقال له : ثكلتك أمك ، ماذا جئت فيه ؟ فقال : أطعت إمامي ووفيت ببيعتي .
   فقال له : بل عصيت ربك وأطعت إمامك في هلاك نفسك ، وكسبت العار والنار ، فبئس الإمام إمامك ، قال الله تعالى : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ) (2) ، فإمامك منهم .
   فأخذهم الحر بالنزول في ذلك المكان على غير ماء ولا كلاء ، فقال له الحسين عليه السلام : « ويحك ، دعنا ننزل هذه القرية » ، يعني نينوى أو الغاضريات .
   فقال له الحر : لا والله لا استطيع إلى ذلك من سبيل ، هذا رجل قد بُعث عليّ عينا .
   فقال زهير بن القين للحسين عليه السلام : والله لا ترون شيئا بعد الآن إلا كان أشد مما ترون الآن ، يا ابن رسول الله ، إن قتال هؤلاء القوم الساعة أهون علينا من قتال من يأتي من بعدهم ، فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا طاقة لنا به .
   فقال له الحسين : « ما كنت لأبدأهم بالقتال » . ثم نزل (3) .

---------------------------
(1) ورواه المفيد في الإرشاد : 2 : 81 ، وعنه المجلسي في البحار : 44 : 379 .
  ورواه الخوارزمي في المقتل : ص 277 في الفصل 11 مع إضافات .
(2) سورة القصص : 28 : 41 .
(3) ورواه المفيد في الإرشاد : 2 : 82 ـ 84 مع مغايرات لفظية ، وعنه في البحار : 44 : 380 .

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء _ 100 _

  وقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر النبي فصلى عليه ثم قال : « إنه قد نزل من الأمر ما قد ترون ، وإن الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت ، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء وخسيس عيش المرعى ، ألا ترون إلى الحق لا يعمل به ؟ وإلى الباطل لا ينهى عنه ؟ ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقا ، فأنا لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما » .
   فقال زهير بن القين : نعم قد سمعنا ، هدانا الله بك يا ابن رسول الله ، فنحن مقاتلوا مقاتلك ، ولو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلدين لآثرنا ذلك على النهوض معك .
   فقام هلال بن نافع البجلي فقال : والله ما كرهنا لقاء ربنا ، وإنا لعلى نياتنا وبصائرنا ، نوالي من والاك ، ونعادي من عاداك .
قال : وقام بُرير بن خضير فقال : يا ابن رسول الله ، لقد منّ الله بك علينا لنقاتل معك وتقطّع أعضاؤنا بين يديك ، ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة .
   ثم إن الحسين عليه السلام ركب وأراد المسير والحر يمانعه حتى ورد كربلاء ، وكان ذلك يوم الثاني من المحرم ، فلما وصلها سأل عن اسم المكان فقال له : كربلاء .
   فقال : « انزلوا ، هاهنا والله محطّ رحالنا وسفك دمائنا ، هاهنا والله محل قبورنا ، هاهنا والله تُسبى حريمنا ، بهذا وعدني (1) جدي رسول الله صلى الله عليه وآله » . ونزل الحر معه في ساعة واحدة (2) .

---------------------------
=   ورواه الخوارزمي في المقتل : ص 234 في الفصل 11 .
(1) في النسخة : « أوعدني » ، وفي الملهوف : « حدثني » .
(2) ورواه السيد ابن طاوس في الملهوف : ص 138 مع اختلافات لفظية .
  وروى قسما منه الطبري في تاريخه : 5 : 403 ـ 404 ، والطبراني في المعجم الكبير : 3 : 114 ـ 115 | 2842 ، ومن طريقه ابن عساكر في ترجمة الحسين عليه السلام : ( 271 ) والخوارزمي في مقتل الحسين عليه السلام : 2 : 4 ـ 5 ، وأبو نعيم في حلية الأولياء : 2 : 39 ، والسيد أبوطالب في تيسير المطالب : ص 91 باب 6 ، ويحيى بن الحسين الشجري في أماليه : 1 : =

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء _ 101 _

وكفاك   لو   لم  تدر  إلا  iiكربلا      يوم  ابن  حيدر  والسيوف عواد
أيام   قاد   الخيل   توسع  شاؤها      من  تحت  كل  شمردل  iiمغوار
هاجوا  إلى  الحرب العوان iiكأنما      تبدو   لهم   عذراء  ذات  خمار
يمشون  في  ظلّ السيوف iiتبخترا      مشي   التريف   معاقر   iiالعقّار
وتناهبت  أجسادهم  بيض  iiالضبا      فمسربل    بدم    الوتين   iiوعار
وانصاع نحو الجيش نجل الضيغم      الكرار    مثل   الضيغم   iiالكرار
يوفي  على  الغمرات لا يلوي iiبه      فقد    الظهير   وقلة   iiالأنصار
لليوم   من   أنواره   وقد  iiانكفت      بنهاره    الهبوات   خير   iiنهار
  فيا نفس سيلى من المحاجر سيل الأنهار ، ويا لهبات الأحزان كنّي في الضمائر بالاستعار ، فقد دارت على مراكن الشرف الدوائر من بدع الأقدار ، وحلّت ببيت الفخر أمّ الفواقر فأخلت من أربابه الديار ، فلا تسمع في محانى تلك المحاظر نغمات الأسحار ، ولا تشمّ من تلك الوجوه الزواهر حارسا ولا سمار ، فعلى مثل مصاب سادات الأعاصر فلمتكدّر الأعصار ، أو لا تكونون كمن خيّم هذا الرزء العاقر في مرابع سلوانه والاصطبار ، وحطّم بكلاكل الداء المخاير منه كلا الاستثبار (1) ، فرثاه بما استتر في السرائر من المراثي والأشعار ، ولله درّه من راث وشاعر قد طاب منه التجار .

---------------------------
=   161 ، وابن بنت منيع كما عنه في ذخائر العقبى : ص 149 ـ 150 .
  وأورده ابن عبدالبرّ في العقد الفريد : 4 : 348 ، والقاضي النعمان في شرح الأخبار : 3 : 150 | 1088 ، والحلواني في نزهة الناظر : 87 ـ 88 ، وورّام بن أبي فراس في مجموعته : 2 : 98 ط النجف ، والذهبي في السير : 3 : 310 ، والحسن بن شعبة في تحف العقول : ص 245 ، والآبي في نثر الدر : 1 : 337 ، والإربلي في ترجمة الإمام الحسين عليه السلام من كشف الغمة : 2 : 244 في عنوان : « الثامن : في ذكر شيء من كلامه عليه السلام » .
(1) من بعد قوله : « الداء » إلى هنا غير واضح في النسخة ، وما أثبتناه هو ظاهر رسم الخط .