ويذكر فيها اسمه أصول المسرة ، وبهجة التداعة ، وجعلها لأهلها دار الحزن . وذلك بعدما فاوض رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) جبريل ( عليه السلام ) حول أمر ولده القتيل ، وعلم باليقين التام أنه أمر لا مرد له من الله كما جاء فيما أخرجه الحافظ أبو الحسين الدارقطني في مسنده (1) أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حين أخبره جبريل أن أمته ستقتل حسين بن علي فقال : يا جبريل أفلا أراجع فيه ؟ قال : لا ، لأنه أمر قد كتبه الله ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يحبذ يوم ذاك كتمان هذا النعي من أم ريحانته شفقة وعطفا عليها ، ولحديث عهدها بالولادة ، والأم عطوف حنون ، والمرأة ليس فيها تجلد الرجل تجاه المصائب ، والرضيع أليف ثديها ، وربيب حجرها ، ووردة صدرها طيلة الليل والنهار ، فكيف التصبر لها عندئذ لو اطلعت على مقدرات ولدها ؟
  وبأي تنشط وطيب نفس بعد تحاضنه ؟
  وبأية أمنية ، ورغبة في أمل ترضعه ، وتقاسي دون تربيته الشدائد ؟
  وبأي طمأنينة وسكون خاطر جذلان تداعبه وتلاعبه ؟
  وبأي أنشودة فرح تطوف حول مهده وترقده ؟
  وبأي لسان وبيان ومقال تناغيه ؟
  ولا بد للأم من أن تناغيه ، نعم : تناغيه ، وحق لأم الحسين أن تناغيه وأنشودتها : واحسينا ، واحسينا ، واحسينا ، أو تقتبس من كلام أبيها الآتي وتناغيه : كربلا يا كربلاء يا كربلا * كربلا لا زلت كرب وبلا

---------------------------
(1) وأخرجه الشيخ الأكبر حافظ دمشق ابن عساكر في تاريخ الشام لدى ترجمة الحسين السبط ( عليه السلام ) ، (*)

سيرتنا وسنتنا _ 52 _

  أفهل بقي ذلك السر الفجيع مكتوما من الزهراء الصديقة إلى التالي ؟ لاها الله .
  أنى ، ثم أنى ستيرا إلى النهاية من أم الوليد القتيل وإن كتمه أبوها ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبالغ في كتمانه عنها ؟
  أنى ثم أنى يتأتى ذلك ، ووفود الملائكة تهبط بإذن ربها يوما بعد يوم ، ومرة بعد أخرى ، في وقت محين ، وميعاد معين ، وتنعى الحسين العزيز ، ويجدد تأبينه حفلا بعد حفل ، والمأتم ينعقد في بيوت أمهات المؤمنين ، وقد أبكى الله عيون نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأزواجه والصحابة الأولين على الحسين ، وتربة كربلاء تنتقل من يد إلى يد ، وأخذت في قارورة كرمز ناطق عن الشهيد المفدى في بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بمشهد من الكل ومنظر .

سيرتنا وسنتنا _ 53 _

(2) مأتم الرضوعة
  أخرج الحافظ الحاكم النيسابوري في ( المستدرك الصحيح 3 / 176 ) ، قال : أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي الجوهري ببغداد ، ثنا أبو الأحوص محمد بن الهيثم القاضي ، ثنا محمد بن مصعب ، ثنا الأوزاعي عن أبي عمار شداد بن عبد الله، عن أم الفضل بنت الحارث ، أنها دخلت على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالت : يا رسول الله إني رأيت حلما منكرا الليلة ، قال : وما هو ؟ قالت : إنه شديد قال : وما هو ؟ قالت : رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : رأيت خيرا ، تلد فاطمة ـ إن شاء الله ـ غلاما فيكون في حجرك ، فولدت فاطمة الحسين فكان في حجري ـ كما قال رسول الله فدخلت يوما إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فوضعته في حجره ، ثم حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تهريقان من الدموع ! قالت : فقلت : يا نبي الله بأبي أنت وأمي مالك ؟ قال : أتاني جبرئيل ( عليه الصلاة والسلام ) فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا ، فقلت : هذا ؟ فقال : نعم ، وأتاني بتربة من تربته حمراء .
  فقال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .

سيرتنا وسنتنا _ 54 _

  وأخرجه في ص 179 قال : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا محمد بن إسحاق الصنعاني ، ثنا محمد بن إسماعيل بن أبي سمينة ، ثنا محمد بن مصعب ، ثنا الأوزاعي عن أبي عمار عن أم الفضل قالت : قال لي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ـ والحسين في حجره ـ : إن جبريل ( عليه الصلاة والسلام ) أخبرني أن أمتي تقتل الحسين ، فقال : قد اختصر ابن أبي سمينة هذا الحديث ، ورواه غيره عن محمد بن مصعب بالتمام .
  وأخرجه الحافظ البيهقي في ( دلائل النبوة ) لدى ترجمة الحسين ( عليه السلام ) قال : حدثني محمد بن عبد الله الحافظ ـ يعني الحاكم النيسابوري ـ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي الجوهري ببغداد ، بالإسناد واللفظ المذكورين .
  وأخرجه الحافظ ابن عساكر في ( تاريخ الشام ) قال : أخبرنا عاليا أبو عبد الله الغراوي، أنبأ أبو بكر البيهقي ، نا محمد بن عبد الله الحافظ بإسناد الحاكم ولفظه الأولين . وقال : أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي ، أنا أبو الحسين ابن النقور ، أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عمران المعروف بابن الجندي ، نا أبو روق أحمد بن محمد بن بكر الهراتي (1) ، نا الرقاشي (2) ـ يعني العباس بن الفرج ـ نا محمد بن إسماعيل أبو سمينة عن محمد بن مصعب بالإسناد بلفظ : رأيت يا رسول الله رؤيا أعظمك أن أذكرها لك قال : اذكريها قالت : رأيت كأن بضعة منك قطعت فوضعت في حجري فقال ( صلى

---------------------------
(1) كذا والصحيح : الهزاني بكسر الهاء وفتح المعجمة المشددة بطن من العتيك من ربيعة .
(2) كذا والصحيح : الرياشي ، (*)

سيرتنا وسنتنا _ 55 _

  الله عليه وسلم ) : فاطمة حبلى تلد غلاما أسميه حسينا وتضعه في حجرك ، قالت : فولدت فاطمة حسينا فكان في حجري أربيه فدخل علي يوما وحسين معي فأخذ يلاعبه ساعة ثم ذرفت عيناه فقلت : ما يبكيك ؟ قال : هذا جبريل يخبرني أن أمتي تقتل ابني هذا !
  رجال الأسانيد :
  1 ـ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن مخلد البغدادي الجوهري الرئيس المعروف بابن المحرم المتوفى سنة 357 عن ثلاث وتسعين سنة .
  2 ـ محمد بن الهيثم بن حماد بن واقد أبو عبد الله أبو الأحوص قاضي عكبر البغدادي المتوفى سنة 279 ، قال ابن خراش : كان من الأثبات المتقنين ، وقال الدارقطني : من الثقات الحفاظ وقال أيضا : ثقة مأمون حافظ ، وذكره ابن حبان في الثقات وقال : مستقيم الحديث ، وقال مسلمة بن قاسم : ثقة .
  3 ـ محمد بن مصعب بن صدقة أبو عبد الله القرقساني نزيل بغداد المتوفى سنة 208 من رجال الترمذي وابن ماجة قال ابن قانع : ثقة وقال الخطيب : كان كثير الغلط بتحديثه من حفظه ويذكر عنه الخير والصلاح .
  4 ـ عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمر وأبو عمرو الأوزاعي الفقيه المتوفى سنة 158 من رجال الصحاح الست ، وثقه الدارمي وابن معين وقال ابن سعد : كان ثقة مأمونا صدوقا فاضلا خيرا كثير الحديث والعلم والفقه ، ووثقه يعقوب بن شيبة وآخرون ، وقال العجلي : شامي ثقة من خيار المسلمين ، وأثنى عليه بالإمامة جمع .
  5 ـ شداد بن عبد الله القرشي أبو عمار الدمشقي . من رجال الصحاح غير البخاري وهو في الأدب المفرد ، وثقه العجلي ، وأبو حاتم ، والدارقطني ويعقوب بن سفيان وغيرهم .

سيرتنا وسنتنا _ 56 _

  6 ـ أم الفضل لبابة بنت الحارث أخت ميمونة أم المؤمنين صحابية من رواة الصحاح الست.
  7 ـ أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم المتوفى سنة 346 لم يختلف في ثقته وصدقه وصحبة سماعاته ، وكانت الرحلة إليه من البلاد متصلة ، ترجم له كثيرون من رجال المعاجم .
  8 ـ محمد بن إسحاق بن جعفر أبو بكر الصاغاني نزيل بغداد المتوفى سنة 270 من رجال الصحاح غير البخاري ، كان أحد الحفاظ الرحالين ، ثقة ثبتا صدوقا مأمونا متقنا مع صلابة في الدين ، واشتهار بالسنة ، واتساع في الرواية ، وثقه النسائي وابن خراش ، والدارقطني ، وقال : ثقة وفوق الثقة ، ومسلمة بن قاسم ، وأبو حاتم .
  9 ـ محمد بن إسماعيل ابن أبي سمينة أبو عبد الله البصري المتوفى سنة 230 حافظ ثقة من رجال البخاري وأبي داود ، وثقه أبو حاتم ، وصالح بن محمد ، وذكره ابن حبان في الثقات .
  10 ـ الحافظ أحمد بن الحسين بن علي أبو بكر البيهقي المتوفى سنة 458 عن 74 عاما قال السبكي في طبقاته : أحد أئمة المسلمين ، وهداة المؤمنين والدعاة إلى حبل الله المتين ، فقيه جليل ، حافظ كبير ، أصولي نحرير زاهد ورع ، قانت لله ، قائم بنصرة المذهب أصولا وفروعا ، جبل من جبال العلم . إلى أمثال هذه من جمل الثناء عليه الواردة في كثير من معاجم التراجم .
  11 ـ الحافظ علي بن الحسن أبو القاسم ابن عساكر الدمشقي الشافعي المتوفى سنة 571 قال ابن كثير : أحد أكابر حفاظ الحديث ، ومن عني به سماعا وجمعا وتصنيفا واطلاعا وحفظا لأسانيده ومتونه ، واتقانا لأساليبه وفنونه . وقد تضافرت جمل الثناء عليه في جملة هامة من كتب التراجم .

سيرتنا وسنتنا _ 57 _

  12 ـ أبو عبد الله الفراوي ـ بضم الفاء ـ نسبة إلى فراوة بلد قرب خوارزم - محمد بن الفضل بن أحمد الشافعي الصاعدي النيسابوري المتوفى سنة 530 عن تسعين سنة .
  مسند خراسان ، وفقيه الحرم ، كان مفتيا مناظرا قال ابن السمعاني : ما رأيت في شيوخنا مثله ، عده الحافظ ابن عساكر من مشايخه في مشيخته وقال : قرأت عليه بنيسابور غير مرة .
  13 ـ الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر السمرقندي المتوفى سنة 536 (1) من شيوخ ابن الجوزي قال في المنتظم : سمع منه الشيوخ والحفاظ ، وكان له يقظة ومعرفة بالحديث وسمعت منه الكثير بقراءة شيخنا أبي الفضل ابن ناصر ، وأبي العلاء الهمداني وغيرهما وبقراءتي ، وكان أبو العلاء يقول : لا أعدل به أحدا من شيوخ خراسان ولا العراق ، توجد ترجمة في عدة من كتب التراجم وقد ذكرناه غير مرة في كتابنا الغدير .
  14 ـ أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله أبو الحسين البزاز المعروف بابن النقور المتوفى سنة 470 عن تسعين سنة من مشايخ الحافظ البغدادي قال : كتبت عنه وكان صدوقا ، وقال ابن الجوزي : كان مكثرا صدوقا ثقة متحريا فيما يرويه ، توجد ترجمته في كتب كثيرة .
  15 ـ أبو الحسن ابن الجندي أحمد بن محمد بن عمران البغدادي المتوفى سنة 396 عن تسعين سنة ، ترجم له الحافظ في تاريخ بغداد وحكى عن العتيقي قوله : كان يرمى بالتشيع وكانت له أصول حسان .
  16 ـ أبو روق الهزاني أحمد بن محمد بن بكير البصري المتوفى سنة

---------------------------
(1) في طبقات السبكي : 538 ، (*)

سيرتنا وسنتنا _ 58 _

  331 عن بضع وتسعين سنة .
  17 ـ أبو الفضل العباس بن الفرج الرياشي البصري قتله الزنج بالبصرة سنة 257 وله ثمانون سنة من رجال أبي داود ، وثقه الخطيب ، ومسلمة ابن قاسم ، وابن السمعاني وابن العماد .
  وذكره ابن حبان في الثقات وقال : مستقيم الحديث ، بقية المصادر : مقتل الحافظ الخوارزمي 1 : 158 ، 159 بإسناده عن الحافظ البيهقي ، عن الحافظ الحاكم صاحب المستدرك الصحيح بالإسناد واللفظ .
  وذكره في ص 162 بلفظ : حين أدخلت حسينا على رسول الله فأخذه رسول الله ( صلى الله عليه ) وبكى ، وأخبرها بقتله ـ إلى أن قال ـ : ثم هبط جبرئيل في قبيل من الملائكة قد نشروا أجنحتهم يبكون حزنا على الحسين ، وجبريل معه قبضة من تربة الحسين ، تفوح مسكا أذفر ، فدفعها إلى النبي وقال : يا حبيب الله هذه تربة ولدك الحسين ابن فاطمة ، وسيقتله اللعناء بأرض كربلاء ، فقال النبي : حبيبي جبرئيل ، وهل تفلح أمة تقتل فرخي وفرخ ابنتي ؟ فقال جبرئيل : لا ، بل يضربهم الله بالإختلاف فتختلف قلوبهم وألسنتهم آخر الدهر .
  الفصول المهمة لابن الصباغ ص 154 ، الصواعق 115 وفي ط 190 ، الخصائص الكبرى 2 : 125 عن الحاكم والبيهقي ، كنز العمال 6 : 223 .

مصادر التراجم :
تاريخ البخاري الكبير 2 ق 2 : 227 ، ج 3 ق 1 : 326 .
الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 2 ق 1 : 329 ، ج 2 ق 2 : 266 .
تاريخ بغداد ، 1 : 320 ، ج 2 : 3 ، 4 ، ج 3 : 362 ـ

سيرتنا وسنتنا _ 59 _

  364 ، 276 ، ج 4 : 381 ، ج 5 : 77 ، ج 12 : 138 ـ 140 .
  المنتظم 5 : 5 ، 78 ، ج 6 : 386 ، ج 7 : 45 ، ج 8 : 314 ، ج 10 : 65 ، 98 . اللباب ج 1 : 484 ، ج 2 : 256 ، ج 3 : 290 .
  تاريخ ابن خلكان 1 : 246 ، 363 .
  الكامل لابن الأثير ج 5 : 364 ، ج 10 : 20 ، ج 11 : 177 .
  معجم الأدباء ج 12 : 44 ـ 46 .
  طبقات السبكي 3 : 3 ـ 5 ، ج 4 : 92 ـ 94 ، 204 ، 273 ـ 277 .
  إنباه الرواة 2 : 367 ـ متنا وتعليقا .
  الأنساب للسمعاني 264 .
  أخبار النحويين للسيرافي 89 - 93 .
  تاريخ أبي الفداء ج 2 : 48 .
  تلخيص ابن مكتوم ص 178 .
  طبقات ابن شبهة 2 : 14 ـ 15 .
  تاريخ ابن كثير 11 : 29 ـ 30 ، 232 ، ج 12 : 294 .
  تذكرة الحفاظ للذهبي 2 : 164 ، ج 3 : 73 ـ 75 .
  النجوم الزاهرة 3 : 27 ـ 28 .
  نزهة الألباب 262 ـ 264 .
  طبقات الزبيدي 67 ـ 69 .
  تهذيب التهذيب 4 : 317 ، ج 5 : 124 ، ج 6 : 238 ـ 242 ، ج 9 : 35 ـ 37 ، 59 ، 458 ، 498 .
  بغية الوعاة ص 275 ـ 276 .
  شذرات الذهب 2 : 21 ، 66 ، 136 ، 160 ، 175 ، 329 ، ج 3 : 26 ، 147 ، 335 ، ج 4 : 112 .

سيرتنا وسنتنا _ 60 _

(3) مأتم رأس السنة
  لعل تجديد الذكرى بالمواليد والوفيات ، والجري على مواسم النهضات الدينية أو الشعبية العامة ، والحوادث العالمية الاجتماعية ، وما يقع من الطوارق المهمة في الطوائف والإحياء بعد سنيها ، واتخاذ رأس كل سنة بتلكم المناسبات أعيادا وأفراحا ، أو مأتما وأحزانا ، وإقامة الحفل السار ، أو التأبين ، من الشعائر المطردة، والعادات الجارية منذ القدم، دعمتها الطبيعة البشرية ، وأيدتها الفكرة الصالحة لدى الأمم الغابرة عند كل ملة ونحلة قبل الجاهلية وبعدها وهلم جرا حتى اليوم .
  هذه مواسم اليهود والنصارى والعرب في أمسها ويومها ، وفي الإسلام وقبله ، سجلها التاريخ في صفحاته ، وكأن هذه السنة نزعة إنسانية تنبعث من عوامل الحب والعاطفة ، وتسقى من منابع الحياة ، وتتفرع على أصول التبجيل والتجليل والتقدير والإعجاب لرجال الدين والدنيا ، وأفذاذ الملأ وعظماء الأمة ، إحياء لذكرهم وتخليدا لاسمهم ، وفيها فوائد تاريخية اجتماعية ، ودروس أخلاقية ضافية راقية لمستقبل الأجيال ، وعظات وعبر ، ودستور عملي ناجع للناشئة الجديدة وتجارب واختبارات تولد حنكة الشعب ، ولا تخص بجيل دون جيل ولا بفئة دون أخرى ، وإنما الأيام تقتبس نورا وازدهارا وتتوسم بالكرامة والعظمة ، وتكتسب سعدا ونحسا ، وتتخذ صبغة مما وقع فيها من الحوادث الهامة ، وقوارع الدهر ونوازله ، ولا ينبئنا التاريخ قط يوما أجل وأعظم

سيرتنا وسنتنا _ 61 _

  وأدهى حادثة من يوم الحسين السبط المفدى ، ويوم نهضته المباركة التي يعتز بها كل مسلم غيور أبي شريف ، وفيها دروس عالية تعتبر صفا نهائيا من الحكمة العملية في مدرسة التوحيد والتعبد ، كما تعد أبهى صورة جلية ناصعة كاملة من ترسيم الآباء والشمم والتفاني دون الله ، وعملا مثبتا في كسح عراقيل العيث والفساد عن مسير الإنسان السامي الصحيح ، والتحاشي والتنزه والتباعد عن الرذائل والدنايا ، وأصلا مبرما في كسر شوكة المعتدين ونكس أعلام الشرك والنفاق ، ودحض عادية الجور والظلم ، وانقاذ البشر عن أسارة الهوى السائد ،وإعلاء كلمة التوحيد ، كلمة الحق والصدق ، كلمة الحياة السعيدة ، والإنسانية السامية ، ( تمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته ) .
  فأحق يوم يبقى ذكره في التاريخ زاهرا غضا طريا دائما أبد الدهر خالدا مدى الدنيا لأمة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هو يوم الحسين بضعة رسول الله سيد الأنبياء ، وقطعة لحمه ودمه ، وفلذة كبده ، وقرة عينه وريحانته من الدنيا ، وهو يوم الله الأكبر قبل كل أحد ، ويوم نبيه ، ويوم ضحيته وذبحه العظيم .
  فلا بدع عندئذ أن نتلقى بحسن القبول ما ذكره أبو المؤيد الموفق الخوارزمي الحنفي المتوفى سنة 568 في كتابه السائر الدائر : مقتل الإمام السبط الشهيد ، ج 1 ص 163 من رواية :
  ولما أتى على الحسين من ولادته سنة كاملة هبط على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اثنا عشر ملكا محمرة وجوههم قد نشروا أجنحتهم وهم يقولون : يا محمد سينزل بولدك الحسين ما نزل بهابيل من قابيل ، وسيعطى مثل أجر هابيل ، ويحمل على قاتله مثل وزر قابيل ، قال : ولم يبق في السماء ملك إلا ونزل على النبي يعزيه بالحسين ويخبره بثواب ما يعطى ،ويعرض عليه تربته ، والنبي يقول : اللهم اخذل من خذله ، واقتل من قتله ، ولا تمتعه بما طلبه .

سيرتنا وسنتنا _ 62 _

  ولما أتت على الحسين من مولده سنتان كاملتان خرج النبي في سفر فلما كان في بعض الطريق وقف فاسترجع ودمعت عيناه ، فسئل عن ذلك فقال : هذا جبريل يخبرني عن أرض بشاطئ الفرات يقال لها : كربلاء يقتل فيها ولدي الحسين بن فاطمة ، فقيل : من يقتله يا رسول الله ؟ فقال : رجل يقال له يزيد ، لا بارك الله في نفسه ، وكأني أنظر إلى منصرفه ومدفنه بها وقد أهدي رأسه ، والله ما ينظر أحد إلى رأس ولدي الحسين فيفرح إلا خالف الله بين قلبه ولسانه ـ يعني ليس في قلبه ما يكون بلسانه من الشهادة ـ ، قال : ثم رجع النبي من سفره ذلك مغموما فصعد المنبر فخطب ووعظ والحسين بن يديه مع الحسن ، فلما فرغ من خطبته وضع يده اليمنى على رأس الحسين ورفع رأسه إلى السماء وقال : اللهم إني محمد عبدك ونبيك وهذان أطائب عترتي وخيار ذريتي وأرومتي ومن أخلفهما بعدي ، اللهم وقد أخبرني جبريل بأن ولدي هذا مقتول مخذول ، اللهم فبارك لي في قتله واجعله من سادات الشهداء إنك على كل شئ قدير ، اللهم ولا تبارك في قاتله وخاذله ، قال : فضج الناس في المسجد بالبكاء ، فقال النبي : أتبكون ولا تنصرونه ؟ ! اللهم فكن له أنت وليا وناصرا .
  ثم ذكر عن ابن عباس خطبة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعد أوبته من سفره قبل وفاته بأيام ولعلها بعد رجوعه من حجة الوداع يقرب لفظها مما ذكرناه . وربما يظن ( وظن الألمعي يقين ) أن تكرر المآتم التي أقامها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في بيوت أمهات المؤمنين ـ كما تسمع حديثها بعيد هذا ـ إنما كان على حلول الأعوام والسنين إما نظرا إلى ميلاد الحسين السبط ( سلام الله عليه ) ، أو إلى يوم استشهد فيه ، أو إلى هذا وذاك معا ، سنة الله في الذين خلوا من قبل ، ولن تجد لسنة الله تحويلا .

سيرتنا وسنتنا _ 63 _

(4) مأتم في بيت السيدة أم سلمة أم المؤمنين
بنعي جبريل ( عليه السلام )

  أخرج الحافظ الكبير أبو القاسم الطبراني في ( المعجم ) وقال : حدثنا علي بن سعيد الرازي نا إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة المروزي نا علي بن الحسين بن واقد حدثني أبي نا أبو غالب عن أبي أمامة قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لنسائه : لا تبكوا هذا الصبي ، يعني حسينا ، قال : وكان يوم أم سلمة فنزل جبرئيل فدخل على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الداخل وقال لأم سلمة : لا تدعي أحدا أن يدخل علي فجاء الحسين فلما نظر إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في البيت أراد أن يدخل فأخذته أم سلمة فاحتضنته وجعلت تناغيه وتسكته فلما اشتد في البكاء خلت عنه فدخل حتى جلس في حجر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال جبريل للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : إن أمتك ستقتل ابنك هذا ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : يقتلونه وهم مؤمنون بي ؟ قال : نعم يقتلونه ، فتناول جبريل تربة فقال : مكان كذا وكذا ، فخرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد احتضن حسينا كاسف البال ،مهموما ، فظنت أم سلمة أنه غضب من دخول الصبي عليه فقالت : يا نبي الله جعلت لك الفداء إنك قلت لنا : لا تبكوا هذا الصبي ، وأمرتني أن لا أدع أحدا يدخل

سيرتنا وسنتنا _ 64 _

  عليك ، فجاء فخليت عنه ، فلم يرد عليها ، فخرج إلى أصحابه وهم جلوس فقال : إن أمتي يقتلون هذا ، وفي القوم أبو بكر وعمر ، وكانا أجرأ القوم عليه فقالا : يا نبي الله يقتلونه وهم مؤمنون ؟ قال نعم ، وهذه تربته ، فأراهم إياها .
  وذكره الحافظ الهيثمي في ( المجمع ) 9 : 189 نقلا عن الطبراني فقال : رواه الطبراني ورجاله موثقون ، وفي بعضهم ضعف .
  قال الأميني : ضعف بعض رجال الإسناد عند بعض من دون بيان وجه الضعف بعد ثقتهم لا يعبأ به ولا يضر بالحديث كما هو المقرر في أصول الفن .
  على أن الاحتجاج به في مثل المقام سائغ متفق عليه كما نص عليه أعلام الفقه والحديث ، ولعل الهيثمي يومي إلى علي بن سعيد الرازي المتوفى 299 شيخ الحديث المعروف بعليان كان حافظا رحالا جوالا ، يفهم ويحفظ .
  قال ابن يونس في تاريخه : تكلموا فيه ، وكان من المحدثين الأجلاء، وكان يصحب السلطان ، ويلي بعض الولاة ، وعقب ابن حجر كلمة ابن يونس وقال : لعل كلامهم فيه من جهة دخوله في أعمال السلطان ، وحكى حمزة بن محمد الكتاني : أن عبدان بن أحمد الجواليقي كان يعظمه ، وقال مسلمة بن قاسم : يعرف بعليان وكان ثقة عالما بالحديث ، حدثني عنه غير واحد .
  وقال أبو أحمد ابن عدي : قال لي الهيثم الدوري : كان يسمع الحديث مع رجاء غلام المتوكل وكان من أراد أن يأذن له أذن له ، ومن أراد أن يمنعه منعه ، قال : وسمعت أحمد بن نصر يقول : سألت عنه أبا عبيد الله بن أبي خيثمة فقال : عشت إلى زمان أسأل عن مثله (1)

---------------------------
(1) لسان الميزان 4 : 231 ، (*)

سيرتنا وسنتنا ـ 65 ـ

  وبقية رجال الإسناد لم نعرف فيهم جرحا . وعلي بن الحسين بن واقد المتوفى 211 من رجال أربع من الصحاح .
  ومن رجال البخاري في الأدب المفرد ومسلم في المقدمة ، والحسين بن واقد أبو عبد الله القاضي المتوفى 159 من رجال الصحاح غير البخاري وهو في التاريخ ، وثقه غير واحد .
  وأبو غالب البصري اسمه حزور صاحب أبي أمامة الباهلي ، من رجال عدة من الصحاح ، وثقه غير واحد ، وصحح حديثه غيرهم .
مصادر التراجم :
  تاريخ البخاري الكبير 1 ق 2 : 386 ، ج 3 ق 2 : 267 ،
  طبقات ابن سعد 7 ق 2 : 7 ، 104 ،
  الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 1 ق 2 : 66 ، ج 3 ق 1 : 179 ،
  تذكرة الحفاظ للذهبي 2 : 284 ،
  تهذيب التهذيب 2 : 373 ، ج 7 : 308 ، ج 12 : 197 ،
  تذهيب الخزرجي ص 72 ، 131 ، 393 ،
  شذرات الذهب 2 : 27 ، 232 ،
  لسان الميزان 4 : 231 .
  صورة موجزة بإسناد آخر :
  أخرج الحافظ ابن عساكر في تاريخ الشام قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي أنا أبو محمد الحسن بن علي إملاء ، ح : وأخبرنا أبو نصر بن رضوان ، وأبو غالب أحمد بن الحسن ، وأبو محمد عبد الله بن محمد قالوا : أنا أبو محمد الحسن بن علي أنا أبو بكر ابن ما لك أنا إبراهيم بن عبد الله نا حجاج نا حماد عن أبان عن شهر ابن حوشب عن أم سلمة قالت : كان جبريل عند النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والحسين معي فبكى فتركته فدنا من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال جبريل : أتحبه يا محمد ؟ فقال : نعم ، قال : إن أمتك ستقتله وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها فأراه إياها فإذا الأرض يقال لها : كربلاء .

سيرتنا وسنتنا _ 66 _

(5) مأتم آخر في بيت السيدة أم سلمة
بنعي جبريل ( عليه السلام )

  أخرج الحافظ الكبير أبو القاسم الطبراني في ( المعجم الكبير ) لدى ترجمة الحسين السبط ( عليه السلام ) وقال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني عباد بن زياد الأسدي ، نا عمرو بن ثابت عن الأعمش عن أبي وايل شقيق بن سلمة عن أم سلمة قالت : كان الحسن والحسين ( رضي الله عنهما ) يلعبان بين يدي النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في بيتي فنزل جبريل ( عليه السلام ) فقال : يا محمد إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك فأومأ بيده إلى الحسين فبكى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وضمه إلى صدره ، ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : وديعة عندك هذه التربة ، فشمها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقال : ريح كرب وبلاء ، قالت : وقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : يا أم سلمة إذا تحولت هذه التربة دما فاعلمي أن ابني قد قتل قال : فجعلتها أم سلمة في قارورة ، ثم جعلت تنظر إليها كل يوم وتقول : إن يوما تحولين دما ليوم عظيم .
  وأخرج : الحافظ أبو القاسم ابن عساكر الدمشقي في ( تاريخ الشام ) قال : أخبرنا أبو علي الحداد وغيره ـ إجازة ـ قالوا : أنا أبو بكر ابن ريذة ، نا سليمان بن أحمد ـ يعني الحافظ الطبراني ـ نا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، بالإسناد واللفظ غير أن فيه : ويح كرب وبلا ، مكان : ريح كرب وبلا .

سيرتنا وسنتنا _ 67 _

  وأخرج الحافظ الكنجي في ( الكفاية ) ص 279 قال : وأخبرنا الحافظ يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي بحلب ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أبي زيد الكراني ، أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله بن أحمد الجوزدانية ، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن زيدة (1) أخبرنا الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل بالإسناد وبلفظ ابن عساكر ، إسناد الطبراني يحتج به ، رجاله :
  1 ـ عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل الشيباني أبو عبد الرحمن البغدادي المتوفى 290 قال الخطيب : كان ثقة ثبتا فهما ، ووثقه النسائي والدارقطني وأبو حاتم وآخرون .
  2 ـ عباد بن زياد الأسدي الساجي ، قال أبو داود : صدوق .
  3 ـ عمرو بن ثابت البكري أبو محمد الكوفي المتوفى 172 ، قال أبو داود في السنن 1 : 26 : رافضي رجل سوء لكنه كان صدوقا في الحديث ، وعنه أيضا ليس يشبه حديثه أحاديث الشيعة .
  قال ابن حجر : يعني أن أحاديثه مستقيمة ، وقال في موضع آخر : ليس في حديثه نكارة ، وقال البزاز : كان يتشيع ، وقال الساجي : مذموم كان ينال من عثمان ويقدم عليا على الشيخين ، كثرت القالة لدة هذه في مذهب الرجل ، وكلها تخرج عن أصول الجرح والتعديل ، ولا يعبأ بها مهما كان الرجل صدوقا ، وأحاديثه مستقيمة ولم يك فيها نكارة .
  4 ـ الأعمش سليمان بن مهران الكوفي الأسدي أبو محمد المتوفى 145 / 8 من رجال الصحاح الست ، وثقه ابن معين ،

---------------------------
(1) كذا في تاريخ الشام والكفاية والصحيح : ريذة ، (*)

سيرتنا وسنتنا _ 68 _

  والنسائي ، قال ثقة ثبت ، وقال الخريبي : مات يوم مات وما خلف أحدا من الناس أعبد منه ، وكان صاحب سنة .
  5 ـ شقيق بن سلمة الأسدي أبو وايل الكوفي المتوفى 82 ، من رجال الصحاح الست وثقه ابن معين وقال : لا يسأل عن مثله ، ووثقه وكيع ، وابن سعد وآخرون ، وقال ابن عبد البر : أجمعوا على أنه ثقة .

مشيخة ابن عساكر :
  1 ـ أبو علي الحداد الحسن بن أحمد الإصبهاني المقرئ المتوفى 515 عن ست وتسعين سنة، مسند الوقت ، كان مع علو أسناده أوسع أهل وقته رواية ، وكان خيرا صالحا ثقة ، وثقه جمع.
  2 ـ أبو بكر بن ريذة محمد بن عبد الله بن أحمد الإصبهاني المتوفى 440 ، قال يحيى بن مندة : ثقة أمين ، كان أحد وجوه الناس ، وافر العقل ، كامل الفضل ، مكرما لأهل العلم ، إلى غيرها من جمل الثناء عليه .
  مشيخة الكنجي :
  1 ـ الحافظ يوسف بن خليل الدمشقي المتوفى 648 ، قال أبو الفرج الدمشقي في ذيل طبقات الحنابلة : كان إماما حافظا ثقة ثبتا عالما ، واسع الرواية ، جميل السيرة ، متسع الرحلة . وقال الذهبي : هو يدخل في شروط الصحيح . إلى كلمات أخرى في الثناء عليه .
  2 ـ أبو عبد الله محمد بن أبي زيد الكراني الإصبهاني المتوفى 597 عن مائة سنة .
  3 ـ فاطمة الجوزدانية أم إبراهيم بنت عبد الله بن أحمد الإصبهاني المتوفاة 524 عن تسع وتسعين سنة ، محدثة ذات دين وصلاح ، يروي عنها أمة من الحفاظ الجلة ، وقرأ عليها جمع من مشايخ الحديث .

سيرتنا وسنتنا _ 69 _

  وفي مقتل الخوارزمي : في ص 170 : قيل لما أتي جبريل بالتربة إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من موضع يهراق فيه دم أحد ولديه ولم يخبر باسمه ، شمها وقال : هذه رائحة ابني الحسين وبكى ، فقال جبريل : صدقت .

معاجم التراجم :
  تاريخ البخاري 2 ق 2 : 38 ،
  الجرح والتعديل 2 ق 1 : 146 ، 371 ، وج 2 ق 2 : 7 ،
تاريخ بغداد 9 : 3 ـ 13 ، 268 ـ 271 ، 375 .
  المنتظم 9 : 228 ،
  ذيل طبقات الحنابلة لأبي الفرج الدمشقي 2 : 244 ، 245 ،
  تذكرة الحفاظ للذهبي 4 : 195 ،
  دول الإسلام له 2 : 30 ،
  النجوم الزاهرة 5 : 46 ، ج 6 : 180 ، ج 7 : 22 ،
  مرآة الجنان 3 : 211 ، 232 ،
  تهذيب التهذيب 4 : 361 ـ 363 ، ج 4 : 222 ـ 226 ، ج 5 : 94 ، 141 ، 143 ، ج 8 : 9 ،
  شذرات الذهب 3 : 265 ، ج 4 : 47 ، 69 ، 332 ، ج 5 : 243 ،
  أعلام النساء 3 : 1166 ،
  تكملة ابن الصابوني { التعليق } ص 109 .

بقية مصادر الحديث :
  يوجد حديث هذا المأتم أيضا في ذخاير العقبى ص 147 عن الملأ في سيرته ،
  طرح التثريث للحافظ العراقي 1 : 42 ،
  مجمع الزوائد 9 : 189 ،
  المواهب اللدنية 2 : 195 ،
  الخصائص الكبرى للحافظ السيوطي 2 : 125 ،
  الصراط السوي للشيخاني المدني 93 خ ،
  جوهرة الكلام ص 120 .

سيرتنا وسنتنا _ 70 _

لفت نظر
  ذكر الحافظ جمال الدين الزرندي في نظم الدرر ص 215 حديثا عن هلال بن خباب (1) أحسبه صورة أخرى من هذا المأتم ، وإليك نصه : وفي رواية هلال بن خباب : أن جبريل كان عند النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فجاء الحسن والحسين فوثبا على ظهره فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لأمهما : ألا تشغلين عني هذين ، فأخذتهما ثم أفلتا فجاءا فوثبا على ظهره فأخذهما فوضعهما في حجره فقال له جبريل : يا محمد إني أظنك تحبهما ، فقال : كيف لا أحبهما وهما ريحانتاي من الدنيا فقال جبريل : أما إن أمتك تقتل هذا يعني حسينا ، فخفق بجناحه خفقة فجاء بتربة فقال : أما إنه يقتل على هذه التربة فقال : ما اسم هذه التربة ؟ قال : كربلاء ، قال هلال بن خباب : فلما أصبح الحسين في المكان الذي أصيب فيه وأحيط به أتي بنبطي فقال له الحسين : ما اسم هذه الأرض ؟ قال : أرض كربلاء ، قال : صدق رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أرض كرب وبلاء ، وقال لأصحابه : ضعوا رحالكم ، مناخ القوم ، مهراق دمائهم .

---------------------------
(1) هلال بن خباب العبدي أبو العلاء البصري سكن المدائن ومات بها سنة 144 ، قال أحمد إمام الحنابلة : شيخ ثقة ، ووثقه أيضا ابن معين ، ويعقوب بن سفيان ، ويحيى القطان ، وغيرهم ، والحديث مرسل وهلال يروي عن الحسن بن محمد بن الحنفية ، من رجال الصحاح الست ، وهو يروي عن أبيه محمد بن الحنفية من رجال الصحاح الست ، وهو عن أم سلمة أم المؤمنين ، (*)

سيرتنا وسنتنا _ 71 _

(6) مأتم آخر في بيت السيدة أم سلمة
بنعي ملك المطر

  أخرج الإمام أحمد في المسند 3 : 242 قال : حدثنا مؤمل ، ثنا عمارة بن زاذان ، ثنا ثابت عن أنس بن مالك : أن ملك المطر استأذن ربه أن يأتي النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأذن له فقال لأم سلمة : املكي علينا الباب لا يدخل علينا أحد قال : وجاء الحسين ليدخل فمنعته فوثب فدخل فجعل يقعد على ظهر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وعلى منكبه وعلى عاتقه قال : فقال الملك للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : أتحبه ؟ قال : نعم، قال : أما إن أمتك ستقتله ، وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه ، فضرب بيده فجاء بطينة حمراء فأخذتها أم سلمة فصرتها في خمارها ، قال : قال ثابت : بلغنا أنها كربلاء .
  وأخرجه في المسند 3 : 265 عن عبد الصمد بن حسان عن عمارة بالإسناد .
  وأخرجه الحافظ أبو يعلى في مسنده قال : حدثنا شيبان نا عمارة بن زاذان بالإسناد بلفظ : استأذن ملك القطر ربه أن يزور النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأذن له وكان في يوم أم سلمة فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : يا أم سلمة احفظي علينا الباب ، لا يدخل علينا أحد قال : فبينا هي على الباب إذ جاء الحسين بن علي فاقتحم ففتح الباب فدخل فجعل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يلتزمه ويقبله فقال الملك : أتحبه ؟

سيرتنا وسنتنا _ 72 _

  قال : نعم ، قال : إن أمتك ستقتله إن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه ؟ قال : نعم ، قال : فقبض قبضة من المكان الذي قتل فيه فأراه فجاء بسهلة أو تراب أحمر فأخذته أم سلمة فجعلته في ثوبها ، قال ثابت : فكنا نقول إنها كربلاء .
  وأخرجه الحافظ أبو نعيم في الدلائل 3 : 202 عن محمد بن الحسن بن كوثر عن بشر بن موسى عن عبد الصمد بن حسان عن عمارة بالإسناد واللفظ فقال : وفي رواية سليمان بن أحمد : فشمها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : ريح كرب وبلاء ، فقال : كنا نسمع أنه يقتل بكربلاء .
  الأسانيد لأحمد وأبي يعلى وأبي نعيم صحيحة رجالها كلهم ثقات ، ألا وهم :
  1 ـ مؤمل بن إسماعيل العدوي أبو عبد الرحمن البصري نزيل مكة المتوفى (205 / 6) من رجال غير واحد من الصحاح ، وثقه ابن معين والدارقطني وابن سعد وابن راهويه وغيرهم .
  2 ـ عمارة بن زاذان الصيدلاني أبو سلمة البصري ، من رجال أبي داود والترمذي وابن ماجة والبخاري في الأدب المفرد ، وثقه أحمد الإمام ، ويعقوب بن سفيان ، والعجلي وغيرهم .
  3 ـ ثابت بن أسلم البناني أبو محمد البصري ( ت 127 ه‍ ) من رجال الصحاح الست وثقه جمع ، مذكور غير مرة .
  4 ـ عبد الصمد بن حسان ، صالح الحديث صدوق ثقة ، ذكره البخاري في التاريخ وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ( 3 / 51 ) ، وابن حبان في الثقات .
  5 ـ شيبان بن فروخ بن أبي شيبة أبو محمد الابلي المتوفى 235 ، ويقال غير ذلك ، من رجال مسلم وأبي داود والنسائي ، وثقه أحمد بن حنبل ومسلمة وأثنى عليه غيرهما بالصدق والصلاح ، هؤلاء رجال

سيرتنا وسنتنا _ 73 _

  أسناد أحمد وأبي يعلى وأبي نعيم وهم ثقات ، وفي رجال أبي نعيم من يأتي بعيد هذا وهو بشر الثقة .
  وأخرجه الحافظ الطبراني في الجزء الأول من المعجم الكبير لدى ترجمة الحسين السبط ( عليه السلام ) قال : حدثنا بشر بن موسى نا عبد الصمد بن حسان المروزي ، ح : وحدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، ومحمد بن محمد التمار البصري ، وعبدان بن أحمد قالوا : ثنا شيبان بن فروخ بإسناده المذكور ، بلفظ : استأذن ملك القطر ربه عز وجل أن يزور النبي ( صلى الله عليه ) فأذن له فجاء وهو في بيت أم سلمة فقال : يا أم سلمة احفظي علينا الباب لا يدخل علينا أحد فبينا هم على الباب إذ جاء الحسين ففتح الباب فجعل يتقفز على ظهر النبي ( صلى الله عليه ) والنبي ( صلى الله عليه ) يلثمه ويقبله ، فقال له الملك : تحبه يا محمد ؟ قال : نعم ، قال : أما إن أمتك ستقتله ، وإن شئت أن أريك من تربة المكان الذي يقتل فيها ، قال : فقبض قبضة من المكان الذي يقتل فيه ، فأتاه بسهلة حمراء فأخذته أم سلمة فجعلته في ثوبها ، قال ثابت : كنا نقول : إنها كربلاء .
  أسناد صحيح رجاله رجال الصحاح عن مشايخ ثقات ، ألا وهم :
  1 ـ بشر بن موسى بن صالح الأسدي البغدادي المتوفى 288 عن ثماني وتسعين سنة ، كان ثقة أمينا عاقلا ركينا ، وثقه جمع .
  2 ـ محمد بن عبد الله الحضرمي أبو جعفر الكوفي الشهير بمطين المتوفى 297 حافظ ثقة شهير .
  3 ـ محمد بن محمد أبو جعفر التمار البصري المتوفى 289 ذكره ابن حبان في الثقات .

سيرتنا وسنتنا _ 74 _

  4 ـ أبو محمد عبدان بن أحمد بن موسى الجواليقي المتوفى 306 ، إمام حافظ ثقة ، كان يحفظ مائة ألف حديث ، توجد تراجم هؤلاء الأعاظم في المعاجم المشهورة السائرة الدائرة .
  وأخرجه الحافظ البيهقي في دلائل النبوة في باب إخبار رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بقتل الحسين قال : أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ، أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار ، حدثنا بشر بن موسى ، حدثنا عبد الصمد بن حسان بالإسناد بلفظ : استأذن ملك المطر أن يأتي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأذن له فقال لأم سلمة : احفظي علينا الباب لا يدخلني أحد قال : فجاء الحسين بن علي فوثب حتى دخل فجعل يقع على منكب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال الملك : أتحبه ؟ قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : نعم ، قال : فإن أمتك تقتله وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه قال : فضرب بيده وأراه ترابا أحمر فأخذته أم سلمة فصرته في طرف ثوبها ، فكنا نسمع أن يقتل بكربلاء ، فقال : وكذلك رواه شيبان بن فروخ عن عمارة بن زاذان ، وأخرجه الفقيه ابن المغازلي الواسطي في ( المناقب ) عن محمد بن محمد بن سليمان الباغندي ، حدثنا شيبان بن فروخ ، حدثنا عمارة ، بالإسناد شطرا منه .
  وأخرجه الحافظ ابن عساكر في تاريخ الشام قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي أنا الحسين بن علي أنا أبو الحسين ابن المظفر أنا محمد بن محمد بن سليمان نا شيبان بالإسناد ، وبلفظ أبي يعلى غير أن فيه: فدخل فجعل يتوثب على ظهر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فجعل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يلثمه ويقبله ، وقال : أخبرنا أبو يعقوب يوسف بن أيوب نا أبو الحسين محمد بن علي المهتدي بالله .

سيرتنا وسنتنا _ 75 _

  ح : وأخبرنا أبو غالب ابن البنا أنا أبو الغنايم عبد الصمد بن علي قالا : أنا عبيد الله بن محمد بن إسحاق أنا عبد الله بن محمد أنا أبو محمد شيبان بن أبي شيبة بالإسناد بلفظ الطبراني .
  فقال : وأخبرناه أبو المظفر القشيري أنا أبو سعد محمد بن عبد الرحمن نا أبو عمرو بن حمدان أنا أبو يعلى نا شيبان بن فروخ بإسناد أبي يعلى ولفظه المذكور .
  وذكره الحافظ المحب الطبري في ذخائر العقبى ص 146 - 147 عن البغوي في معجمه ، وأبي حاتم في صحيحه وأحمد في مسنده .
  وأخرجه ابن عساكر في تاريخ الشام 4 : 325 وفي لفظه : فجعل رسول الله يلثمه ويقبله ، فقال : وفي رواية : إن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لأم سلمة : هذه التربة وديعة عندك فإذا تحولت دما فاعلمي أن ابني قد قتل ، فجعلتها أم سلمة في قارورة ، ثم جعلت تنظر إليها كل يوم وتقول : إن يوما تتحولين فيه دما ليوم عظيم .
  وذكره الحافظ العراقي في طرح التثريب 1 : 41 عن أحمد .
  والحافظ الهيثمي في المجمع 9 : 187 ، 190 عن أحمد وأبي يعلى والبزار والطبراني فقال : ورجال إسناد أبي يعلى رجال الصحيح إلا عمارة بن زاذان وثقه جماعه وفيه ضعف ، وبقية رجال أبي يعلى رجال الصحيح .
  والقرطبي في مختصر التذكرة ص 119 عن أحمد .
  والحافظ ابن حجر في ( الصواعق ) ص 115 عن البغوي في معجمه ، فقال وأخرجه أبو حاتم في صحيحه ، وروى أحمد نحوه ، وروى عبد بن حميد وابن أحمد نحوه أيضا لكن فيه أن الملك جبريل ، فإن صح فهما واقعتان .
  وزاد الثاني أيضا : أنه ( صلى الله عليه وسلم ) : شمها وقال ريح كرب وبلاء . وفي رواية الملا وابن أحمد في زيادة