كأنّ كلّ امرى‏ء منهم إمام نفسه قد أخذ منها فيما يرى بعرى ثقات و أسباب محكمات (1) .
  زجر النّفس من خطبة له :
  عباد اللّه ، زنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ، و حاسبوها قبل أن تحاسبوا ، و تنفّسوا قبل ضيق الخناق و انقادوا قبل عنف السياق (2) و اعلموا أنه من لم يعن على نفسه حتى يكون له منها واعظ و زاجر لم يكن له من غيرها زاجر و لا واعظ ايّاك من كلام له لابنه الحسن :
  يا بنيّ ، إياك و مصادقة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرّك ، و إياك و مصادقة البخيل فإنه يبعد عنك أحوج (3) ما تكون إليه ، و إياك و مصادقة الفاجر فإنه يبيعك بالتافه (4) ، و إياك و مصادقة الكذاب فإنه كالسراب :
  يقرّب عليك البعيد و يبعد عليك القريب

---------------------------
(1) يثق كل منهم بخواطر نفسه كأنه أخذ منها بالعروة الوثقى ، على ما بها من جهل و نقص .
(2) اي : انقادوا الى ما يطلب منكم بالحثّ الرفيق قبل أن تساقوا اليه بالعيف الشديد .
(3) أحوج : حال من الكاف في ( عنك ) .
(4) التافه : القليل .

روائع نهج البلاغة _ 177 _

  الرّضا و السّخط من كلام له :
  أيها الناس ، لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة أهله ، فإن الناس اجتمعوا على مائدة شبعها قصير (1) و جوعها طويل أيها الناس ، إنما يجمع الناس الرّضا و السخط .
  أيها الناس ، من سلك الطريق الواضح ورد الماء ، و من خالف وقع في التيه .
  النّفاق و الظّلم
  من خطبة له :
  ثم إياكم و تهزيع الأخلاق و تصريفها (2) ، و إن لسان المؤمن من وراء قلبه ، و إن قلب المنافق من وراء لسانه (3) ، لأن المؤمن إذا أراد أن يتكلم

---------------------------
(1) يقصد : الدنيا .
(2) تهزيع الشي‏ء : تكسيره ، و الصادق اذا كذب فقد انكسر صدقه ، و الكريم إذا لؤم فقد انثلم كرمه ، و تصريف الأخلاق : تقليبها بين حال و حال :
(3) اي ان لسان المؤمن تابع لاعتقاده لا يقول إلا ما يعتقد ، و المنافق يقول ما ينال به غايته الخبيثة ، فإذا قال شيئا اليوم ينقضه غدا ، فيكون قلبه تابعا للسانه .

روائع نهج البلاغة _ 178 _

  بكلام تدبّره في نفسه : فإن كان خيرا أبداه ، و إن كان شرا واراه (1) .
  و إنّ المنافق يتكلّم بما أتى على لسانه لا يدري ما ذا له و ما ذا عليه و أمّا الظلم الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضا ، و إن جماعة في ما تكرهون من الحق خير من فرقة في ما تحبّون من الباطل (2) طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ، فكان من نفسه في شغل و الناس منه في راحة
  العشيرة
  من خطبة له :
  أيها الناس ، إنه لا يستغني الرجل ، و إن كان ذا مال ، عن عشيرته و دفاعهم عنه بأيديهم و ألسنتهم ، و هم أعظم الناس حيطة من ورائه و ألمّهم لشعثه (3) و أعطفهم عليه عند نازلة إذا نزلت به .
  و من يقبض يده عن عشيرته فإنما تقبض منه عنهم يد واحدة و تقبض منهم عنه أيد كثيرة

---------------------------
(1) واره : أخفاه .
(2) أي : من يحافظ على نظام الالفة و الاجتماع ، و إن ثقل عليه أداء بعض حقوق الجماعة و شقّ عليه ما تكلّفه به من الحق ، فذلك هو الجدير بالسعادة ، دون من يسعى للشقاق و هدم نظام الجماعة ، و إن نال بذلك حقا باطلا و شهوة وقتية ، فقد يكون في حظه الوقتي شقاؤه الأبدي ، ذلك لأنه متى كانت الفرقة أصبح كل واحد عرضه لشرور سواه ، فولّت الراحة و فسدت حال المعيشة .
(3) الحيطة : الرعاية ، و الشعث : التفرق و الانتشار .

روائع نهج البلاغة _ 179 _

  من كلام له في طبائع الانسان :
  و له (1) موادّ الحكمة و أضداد من خلافها : فإن سنح له الرجاء أذلّه الطمع ، و إن هاج به الطمع أهلكه الحرص ، و إن عرض له الغضب اشتدّ به الغيظ ، و إن أسعده الرضا نسي التحفّظ (2) ، و إن ناله الخوف شغله الحذر .
  و إن اتّسع له الأمن استلبته الغرّة (3) و إن أفاد مالا أبطره الغنى (4) .
  و إن أصابته مصيبة فضحه الجزع ، و إن عضّته الفاقة شغله البلاء ، و إن جهده الجوع قعد به الضعف ، و إن إفرط به الشّبع كظّته البطنة (5) .
  فكلّ تقصير به مضرّ ، و كلّ إفراط له مفسد
  الزّمان و اهله
  و من بديع قوله :
  إذا استولى الصلاح على الزمان و أهله ثم أساء رجل الظنّ برجل لم تظهر

---------------------------
(1) أي للقلب .
(2) التحفظ : التوقّي و التحرّز من المضرّات .
(3) الغرة : الغفلة ، سلبته : ذهبت به عن رشده .
(4) أفاد : استفاد .
(5) كظته : كربته و آلمته ، البطنة : امتلاء البطن حتى يضيق النفس .

روائع نهج البلاغة _ 180 _

  منه خزية (1) فقد ظلم و إذا استولى الفساد على الزمان و أهله فأحسن رجل الظنّ برجل فقد غرّر (2)
  كم من صائم
  و من كلامه في معنى الصوم و الصلاة :
  كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع و الظمأ ، و كم من قائم (3) ليس له من قيامه إلاّ السهر و العناء ، حبّذا نوم الأكياس و إفطارهم
  اصناف النّاس
  من خطبة له في سوء طباع الناس بزمانه :
  أيها الناس ، إنّا قد أصبحنا في دهر عنود و زمن كنود (4) يعدّ فيه المحسن مسيئا ، و يزداد الظالم عتوّا ، لا ننتفع بما علمنا و لا نسأل عمّا جهلنا و لا نتخوّف قارعة حتى تحلّ بنا (5) ، فالناس على أربعة أصناف :

---------------------------
(1) الخزية : البلية تصيب الانسان فتذله و تفضحة .
(2) غرّر : أوقع بنفسه في الغرر ، أي : الخطر .
(3) أي : قائم للصلاة .
(4) العنود : الجائر ، الكنود : الكفور .
(5) القارعة : الخطب .

روائع نهج البلاغة _ 181 _

  منهم من لا يمنعهم الفساد إلاّ مهانة نفسه و كلالة حدّه و نضيض وفره (1) .
  و منهم المصلت لسيفه و المعلن بشرّه ، قد أشرط نفسه و أوبق دينه لحطام ينتهزه أو مقنب يقوده أو منبر يفرعه (2) ، و لبئس المتجر أن ترى الدنيا لنفسك ثمنا ، و منهم من يطلب الدنيا بعمل الآخرة ، و لا يطلب الآخرة بعمل الدنيا : قد طامن من شخصه و قارب من خطوه و شمّر من ثوبه و زخرف من نفسه للأمانة ، و اتّخذ ستر اللّه ذريعة إلى المعصية .
  و منهم من أبعده عن طلب الملك ضؤولة نفسه و انقطاع سببه ، فقصرته الحال على حاله فتحلّى باسم القناعة و تزيّن بلباس أهل الزّهادة و بقي رجال غضّ أبصارهم ذكر المرجع و أراق دموعهم خوف المحشر ، فهم بين شريد نادّ و خائف مقموع و ساكت مكعوم و داع مخلص و ثكلان موجع (3) ، قد أخملتهم التقيّة (4) و شملتهم الذّلّة .

---------------------------
(1) أي : لا يقعد بهم عن طلب الإمارة و السلطان إلا حقارة نفوسهم و ضعف سلاحهم و قلة مالهم .
(2) أصلت السيف : امتشقه ، أشرط نفسه : هيأها و أعدّها للشر و الفساد في الأرض .
أوبق دينه : أهلكه ، الحطام ، هنا : المال ، ينتهزه : يغتنمه أو يختلسه ، المقنب :
طائفة من الخيل ، و إنما يطلب قود المقنب تعزّزا على الناس و كبرا ، فرع المنبر : علاه .
(3) نادّ : هارب من الجماعة الى الوحدة ، المقموع : المقهور ، المكعوم ، من كعم البعير ، أي : شدّ فاه لئلاّ يأكل أو يعض ، الثكلان : الحزين .
(4) أخمله : أسقط ذكره حتى لم يبق له بين الناس نباهة ، التقية : اتّقاء الظلم بإخفاء الحال .

روائع نهج البلاغة _ 182 _

  و قد وعظوا حتى ملّوا و قهروا حتى ذلّوا و قتلوا حتى قلّوا ، فاتّعظوا بمن كان قبلكم ، قبل أن يتّعظ بكم من بعدكم ، و ارفضوها ذميمة فإنها رفضت من كان أشغف بها منكم
  مع كلّ ريح و من كلامه في ناس زمانه :
  همج رعاع أتباع كلّ ناعق يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم و لم يلجأوا إلى ركن وثيق .
  ربّ صغير غلب كبيرا من كلام له :
  إحذر الكلام في مجالس الخوف ، فإنّ الخوف يذهل العقل الذي منه تستمدّ ، و يشغله بحراسة النفس عن حراسة المذهب الذي تروم نصرته .
  و احذر الغضب ممّن يحملك عليه ، فإنّه مميت للخواطر مانع من التثبّت .
  و احذر المحافل التي لا إنصاف لأهلها في التسوية بينك و بين خصمك في الإقبال و الاستماع ، و لا أدب لهم يمنعهم من جور الحكم لك و عليك .
  و احذر كلام من لا يفهم عنك فإنه يضجرك ، و احذر استصغار الخصم فإنه يمنع من التحفّظ ، و ربّ صغير غلب كبيرا

روائع نهج البلاغة _ 183 _

  سراجه باللّيل القمر
  و من خطبة له تحتوي قولا رائعا في محمد و المسيح :
  و قد كان في رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كاف لك في الأسوة و دليل على ذمّ الدنيا و عيبها ، و كثرة مخازيها و مساويها إذ قبضت عنه أطرافها و وطئت لغيره أكنافها و فطم عن رضاعها و زوي عن زخارفها .
  و إن شئت قلت في عيسى ابن مريم عليه السلام فلقد كان يتوسّد الحجر و يلبس الخشن ، و كان إدامه الجوع و سراجه بالليل القمر ، و ظلاله في الشتاء مشارق الأرض و مغاربها ، و فاكهته و ريحانه ما تنبت الأرض للبهائم ، و لم تكن له زوجة تفتنه و لا مال يلفته و لا طمع يذلّه ، دابّته رجلاه و خادمه يداه .
  على منهاج المسيح
  قال نوف البكالي : رأيت أمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة و قد خرج من فراشه فنظر في النجوم ، فقال لي : يا نوف ، أراقد

روائع نهج البلاغة _ 184 _

  أنت أم رامق ؟ فقلت : بل رامق (1) .
  قال : طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة ، أولئك قوم اتّخذوا الأرض بساطا و ترابها فراشا و ماءها طيبا و القرآن شعارا و الدّعاء دثارا ، ثم قرضوا الدنيا قرضا على منهاج المسيح إن داود عليه السلام قام في مثل هذه الساعة من الليل فقال : إنها ساعة لا يدعو فيها عبد إلا استجيب له إلاّ أن يكون عشّارا أو عريفا أو شرطيّا (2) .
  لا تقولوا بما لا تعرفون من خطبة له في صفة الخيّرين :
  عباد اللّه ، إنّ من أحبّ عباد اللّه اليه عبدا قد ألزم نفسه العدل فكان أول عدله نفي الهوى عن نفسه ، يصف الحقّ و يعمل به ، لا يدع للخير غاية إلاّ أمّها (3) و لا مظنّة إلاّ قصدها (4) .
  أيها الناس ، لا تقولوا بما لا تعرفون ، فإنّ أكثر الحق في ما تنكرون و اعذروا من لا حجّة لكم عليه

---------------------------
(1) أراد ب ( الرامق ) منتبه العينين ، في مقابلة الراقد بمعنى النائم .
(2) العشار : من يتولى أخذ أعشار الاموال ، و هو المكاس ، و العريف : من يتجس على أحوال الناس و أسرارهم فيكشفها لأميرهم ، مثلا ، الشرطة : أعوان الحاكم .
(3) أمّها : قصدها .
(4) المظنّة : موضع ظن لوجود الخير .

روائع نهج البلاغة _ 185 _

  روي أن صاحبا لابن أبي طالب يقال له ( همام ) قال له : يا أمير المؤمنين ، صف لي المتّقين حتى كأني أنظر اليهم فتثاقل الإمام عن جوابه قليلا ، ثم قال في صفة المتّقين قولا رائعا كثيرا ، هذا بعضه :
  أمّا بعد ، فإن اللّه سبحانه و تعالى خلق الخلق حين خلقهم غنيا عن طاعتهم آمنا من معصيتهم ، لأنه لا تضرّه معصية من عصاه و لا تنفعه طاعة من أطاعه ، فقسم بينهم معايشهم و وضعهم من الدنيا مواضعهم ، فالمتّقون فيها هم أهل الفضائل : منطقهم الصواب و ملبسهم الاقتصاد و مشيهم التواضع ، غضّوا أبصارهم عمّا حرّم اللّه عليهم و وقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم ، نزّلت أنفسهم منهم في البلاء كما نزّلت في الرّخاء (1) ، و لو لا الأجل الذي كتب عليهم لم تستقرّ أرواحهم في أجسادهم طرفة عين .
  لا يرضون من أعمالهم القليل و لا يستكثرون الكثير ، فهم لأنفسهم

---------------------------
(1) أي انهم إذا كانوا في بلاء كانوا بالأمل في اللّه كأنهم في رخاء لا يجزعون و لا يهنون ، و إذا كانوا في رخاء كانوا من خوف اللّه و حذر النقمة كأنهم في بلاء ، لا يبطرون و لا يتجبرون .

روائع نهج البلاغة _ 186 _

  متّهمون ، و من أعمالهم مشفقون (1) ، إذا زكّي أحدهم (2) خاف مما يقال له ، فيقول : أنا أعلم بنفسي من غيري ، و ربّي أعلم بي مني بنفسي .
  اللهمّ لا تؤاخذني بما يقولون ، و اجعلني أفضل مما يظنّون ، و اغفر لي ما لا يعلمون فمن علامة أحدهم : أنك ترى له حزما في لين ، و إيمانا في يقين ، و قصدا في غنى (3) ، و خشوعا في عبادة ، و تجمّلا في فاقة ، و صبرا في شدّة ، و نشاطا في هدى ، و تحرّجا عن طمع (4) ، يمزج الحلم بالعلم و القول بالعمل ، الخير منه مأمول ، و الشرّ منه مأمون ، يعفو عمّن ظلمه و يعطي من حرمه و يصل من قطعه ، بعيدا فحشه ليّنا قوله حاضرا معروفه ، لا يحيف على من يبغض و لا يأثم في من يحب ، يعترف بالحقّ قبل أن يشهد عليه ، لا ينابز بالألقاب (5) و لا يضارّ بالجار و لا يشمت بالمصائب و لا يدخل في الباطل و لا يخرج من الحق ، نفسه منه في عناء و الناس منه في راحة ، بعده عمّن تباعد عنه زهد و نزاهة ، و دنوّه ممّن دنا منه لين و رحمة ، ليس تباعده بكبر و عظمة و لا دنوّه بمكر و خدعة .

---------------------------
(1) أي : خائفون من التقصير فيها .
(2) زكي : مدحه أحد .
(3) قصدا : اقتصادا .
(4) التحرج ، هنا : التباعد .
(5) أي : لا يدعو غيره باللقب الذي يكرهه و يشمئزّ منه .

روائع نهج البلاغة _ 187 _

  و من خطبة له يصف فيها المنافقين :
  يتلوّنون ألوانا و يفتنّون افتنانا (1) ، لهم بكلّ طريق صريع (2) ، و إلى كلّ قلب شفيع ، و لكلّ شجو دموع (3) ، يتقارضون الثناء (4) و يتراقبون الجزاء ، إن سألوا ألحفوا و إن عذلوا كشفوا (5) و إن حكموا أسرفوا ، قد أعدّوا لكلّ حقّ باطلا و لكلّ قائم مائلا و لكلّ حيّ قاتلا ، و لكل باب مفتاحا و لكلّ ليل مصباحا : يتوصلون الى الطمع باليأس ليقيموا به أسواقهم و ينفقوا به أعلاقهم (6) .

---------------------------
(1) يفتنّون : يأخذون في فنون من القول لا يذهبون مذهبا واحدا .
(2) الصريع : المطروح على الأرض ، أي : انهم كثيرا ما خدعوا أشخاصا أوقعوهم في الهلكة .
(3) الشجو : الحزن ، أي : يبكون تصنعا متى اردوا .
(4) يتقارضون : كل واحد منهم يسلف الآخر دينا ليؤديه اليه ، و كل يعمل للآخر عملا يرتقب جزاءه منه .
(5) كشفوا : فضحوا .
(6) ينفقوا : يروّجوا ، الأعلاق ، جمع علق ، و هو الشي‏ء النفيس ، و المراد : ما يزينونه من خدائعهم .

روائع نهج البلاغة _ 188 _

  كان عليهم سرمدا
  من كلام له في وصف من فارقوا الدنيا :
  لا يفزعهم ورود الأهوال و لا يحزنهم تنكّر الأحوال ، و لا يحفلون بالرواجف و لا يأذنون للقواصف ، غيّبا لا ينتظرون و شهودا لا يحضرون ، و إنما كانوا جميعا فتشتّتوا ، و ما عن طول عهدهم و لا بعد محلّهم عميت أخبارهم و صمّت ديارهم (1) ، و لكنهم سقوا كأسا بدّلتهم بالنطق خرسا و بالسمع صمما و بالحركات سكونا .
  جيران لا يتآنسون و أحبّاء لا يتزاورون ، بليت بينهم عرى التعارف و انقطعت منهم أسباب الإخاء ، فكلّهم وحيد و هم جميع ، و بجانب الهجر و هم أخلاّء ، لا يتعارفون لليل صباحا و لا لنهار مساء ، أيّ الجديدين ظعنوا فيه كان عليهم سرمدا (2) .

---------------------------
(1) صمّت : خرست عن الكلام ، و خرس الديار : عدم صعود الصوت من سكانها .
(2) الجديدان : الليل و النهار ، فإن ذهبوا في نهار فلا يعرفون له ليلا ، أو في ليل فلا يعرفون له نهارا .

روائع نهج البلاغة _189 _

  تحمله على اهوالها
  و من خطبة رائعة له في معنى الدنيا :
 ساكنها ظاعن و قاطنها بائن (1) تميد بأهلها ميدان السفينة تقصفها العواصف في لجج البحار فمنهم الغرق و منهم الناجي على بطون الأمواج تحفزه الرياح بأذيالها و تحمله على أهوالها (2) ، فما غرق منها فليس بمستدرك و ما نجا منها فإلى مهلك كانوا اطول اعمارا
  من خطبة له في أحوال الدنيا :
  أمّا بعد ، فإني أحذّركم الدنيا ، فإنها حلوة خضرة ، حفّت بالشهوات و تحلّت بالآمال و تزيّنت بالغرور .

---------------------------
(1) بائن : مبتعد ، منفصل .
(2) أي : منهم من هلك عند تكسر السفينة و منهم من بقيت فيه الحياة فخلص محمولا على بطون الأمواج ، كأن الأمواج في انتفاخها كالحيوان المنقلب على ظهره و بطنه إلى أعلى ، أما هذا الناجي الذي تدفعه الرياح ، فمصيره أيضا إلى الهلاك ، بعد طول العناء .

روائع نهج البلاغة _ 190 _

  لم يكن امرؤ منها في حبرة (1) إلاّ أعقبته بعدها عبرة ، و لم يلق في سرّائها بطنا إلا منحته من ضرّائها ظهرا (2) ، و حريّ إذا أصبحت له منتصرة أن تمسي له متنكّرة ، و إن جانب منها احلولى ، أمرّ منها جانب فأوبي (3) .
   لا ينال امرؤ من غضارتها رغبا (4) إلا أرهقته من نوائبها تعبا و لا يمسي منها في جناح أمن إلا أصبح على قوادم خوف (5) كم من واثق بها قد فجعته ، و ذي طمأنينة اليها قد صرعته ، و ذي أبّهة (6) قد جعلته حقيرا ، و ذي نخوة قد ردّته ذليلا ، ملكها مسلوب ، و عزيزها مغلوب ، و موفورها منكوب ، و جارها محروب (7) أ لستم في مساكن من كان قبلكم أطول أعمارا ، و أبقى آثارا ، و أبعد آمالا ، و أعدّ عديدا ، و أكثف جنودا تعبّدوا للدنيا أيّ تعبّد ، و آثروها أيّ إيثار ، ثم ظعنوا عنها بغير زاد فهل بلغكم أن الدنيا سخت لهم نفسا بفدية ، أو أعانتهم بمعونة ، أو أحسنت لهم صحبة

---------------------------
(1) الحبرة : المسرة و النعمة .
(2) كنى ب ( البطن ) عن الإقبال ، و ب ( الظهر ) عن الإدبار .
(3) أوبى : صار كثير الوباء .
(4) الغضارة : النعمة و السعة ، الرغب بفتح الباء الرغبة .
(5) القوادم : أربع ريشات في مقدّم جناح الطائر .
(6) الأبهة : العظمة .
(7) محروب : مسلوب المال .

روائع نهج البلاغة _ 191 _

  ويل لسكككم العامرة و من كلام له في مصير البصرة :
  ويل لسكككم العامرة (1) ، و الدور المزخرفة التي لها أجنحة كأجنحة النسور ، و خراطيم كخراطيم الفيلة ، من أولئك الذين لا يندب قتيلهم ، و لا يفقد غائبهم ، أنا كابّ الدنيا لوجهها ، و قادرها بقدرها و ناظرها بعينها اللّهمّ قد انصاحت جبالنا من خطبة له في الاستسقاء ، و هي من الخطب التي تزخر بالعاطفة و الحنان ، و بالتواضع لخالق الكون و هيبة الوجود :
  اللهمّ قد انصاحت جبالنا (2) ، و اغبرّت أرضنا ، و هامت دوابّنا و تحيّرت في مرابضها و عجّت عجيج الثّكالى على أولادها ، و ملّت التردّد في مراتعها و الحنين إلى مواردها ، اللهمّ فارحم أنين الآنّة ، و حنين

---------------------------
(1) سكك ، جمع سكة : الطريق المستوي .
(2) انصاحت : جفت أعالي بقولها و يبست من الجدب .

روائع نهج البلاغة _ 192 _

  الحانّة اللهمّ فارحم حيرتها في مذاهبها و أنينها في موالجها (1) اللهم خرجنا إليك حين اعتكرت علينا حدابير السنين و أخلفتنا مخايل الجود (2) ، فكنت الرجاء للمبتئس و البلاغ (3) للملتمس : ندعوك حين قنط الأنام و منع الغمام و هلك السوامّ (4) أن لا تؤاخذنا بأعمالنا و لا تأخذنا بذنوبنا ، و انشر علينا رحمتك بالسّحاب المنبعق و الربيع المغدق و النبات المونق سحّا وابلا (5) تحيي به ما قد مات و تردّ به ما قد فات ، اللهمّ سقيا منك محيية مروية ، تامّة عامة ، طيّبة مباركة ، هنيئة ، مريعة ، زاكيا نبتها ثامرا فرعها (6) ناضرا ورقها ، تنعش بها الضعيف من عبادك و تحيي بها الميت من بلادك ، اللهمّ سقيا منك تعشب بها نجادنا (7) و تجري بها و هادنا و تخصب بها جنابنا (8) و تقبل بها ثمارنا و تعيش بها مواشينا و تندى بها أقاصينا (9) و تستعين بها ضواحينا من بركاتك الواسعة

---------------------------
(1) مداخلها في المرابض .
(2) مخايل ، جمع مخيلة ، كمصيبة ، و هي : السحابة تظهر كأنها ماطرة ثم لا تمطر .
و الجود : المطر .
(3) البلاغ : الكفاية .
(4) السوام : جمع سائمة و هي : البهيمة الراعية من الإبل و نحوها .
(5) سحّا : صبّا ، الوابل : الشديد من المطر الضخم القطر .
(6) زاكيا : ناميا ، ثامرا : آتيا بالثمر .
(7) النجاد جمع نجد ، و هو : ما ارتفع من الأرض .
(8) الجناب : الناحية .
(9) القاصية : الناحية أيضا ، و هي بمعنى البعيدة عنّا من أطراف بلادنا ، في مقابلة ( جنابنا ) .

روائع نهج البلاغة _ 193 _

   من كلام له في النهي عن غيبة الناس :
  و إنما ينبغي لأهل العصمة أن يرحموا أهل الذنوب و المعصية ، و يكون الشكر هو الغالب عليهم ، فكيف بالغائب الذي غاب أخاه و عيّره ببلواه ؟ يا عبد اللّه ، لا تعجل في عيب أحد بذنبه فلعلّه مغفور له ، و لا تأمن على نفسك صغير معصية فلعلّك معذّب عليه
  يذهب اليوم و يجى‏ء الغد من خطبة له :
  إعلموا ، عباد اللّه ، أنّ عليكم رصدا من أنفسكم (1) و عيونا من جوارحكم ، و حفّاظ صدق يحفظون أعمالكم و عدد أنفاسكم لا تستركم منهم ظلمة ليل داج و لا يكنّكم منهم باب ذو رتاج (2) ، و إنّ غدا من اليوم قريب .

---------------------------
(1) الرصد ، جمع راصد ، و يريد به رقيب الذمة و واعظ السر الوجداني الذي لا يغفل عن التنبيه و لا يخطى‏ء في الإنذار و التحذير .
(2) الرتاج : الباب العظيم إذا كان محكم الغلق .

روائع نهج البلاغة _ 194 _

  يذهب اليوم بما فيه و يجي‏ء الغد لاحقا به ، فكأنّ كلّ امرى‏ء منكم قد بلغ من الأرض منزل وحدته ، فيا له من بيت وحدة و منزل وحشة و مفرد غربة آه من بعد السّفر دخل ضرار بن حمزة الضبائي على معاوية ، فسأله هذا عن الإمام علي ، فقال ضرار :
  فأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه و قد أرخى الليل سدوله و هو قائم في محرابه قابض على لحيته يتململ تململ السليم (1) و يبكي بكاء الحزين ، و يقول :
  يا دنيا يا دنيا ، إليك عني أ بي تعرّضت ؟ أم إليّ تشوّفت ؟ لا حان حينك (2) هيهات غرّي غيري ، لا حاجة لي فيك ، فعيشك قصير ، و خطرك يسير ، و أملك حقير آه من قلّة الزاد ، و طول الطريق ، و بعد السفر ، و عظيم المورد (3)

---------------------------
(1) السليم : الملدوغ .
(2) تعرض به : تصدّى له و طلبه ، لا حان حينك : لا جاء وقت وصولك الى قلبي و تمكّن حبك منه .
(3) المورد : موقف الورود على اللّه في الحساب .

روائع نهج البلاغة _ 195 _

  و من خطبه التي تدل على إدراكه العميق لطبيعة الوجود و أحواله :
  مع كل جرعة شرق ، و في كلّ أكلة غصص ، لا تنالون منها يعني الدنيا نعمة إلا بفراق أخرى ، و لا يعمّر معمّر منكم يوما من عمره إلا بهدم آخر من أجله ، و لا تجدّد له زيادة في أكله إلاّ بنفاد ما قبلها من رزقه ، و لا يحيا له أثر إلا مات له أثر ، و لا يتجدّد له جديد إلا بعد أن يخلق له جديد (1) ، و لا تقوم له نابتة إلا و تسقط منه محصودة ، و قد مضت أصول نحن فروعها
  و اجرى فيها قمرا منيرا
  من خطبة له يذكر فيها ابتداء خلق السماء و الأرض :
  ثم أنشأ سبحانه فتق الأجواء و شقّ الأرجاء و سكائك الهواء (2) فأجرى فيها ماء متلاطما تيّاره متراكما زخّاره حمله على متن الريح

---------------------------
(1) يخلق : يبلى .
(2) سكائك ، جمع سكاكة و هي : الهواء الملاقي عنان السماء .

روائع نهج البلاغة _ 196 _

  العاصفة و الزعزع القاصفة ، ثم أنشأ سبحانه ريحا أعصف مجراها فأمرها بتصفيق الماء الزخّار (1) و إثارة موج البحار ، فمخضته مخض السّقاء (2) و عصفت به عصفها بالفضاء تردّ أوله إلى آخره و ساجيه إلى مائره (3) حتى عبّ عبابه .
  ثم زيّنها بزينة الكواكب و ضياء الثواقب (4) و أجرى فيها سراجا مستطيرا (5) و قمرا منيرا ، في فلك دائر و سقف سائر تلاطم الماء من خطبة له في قدرة اللّه :
  يعلم عجيج الوحوش في الفلوات ، و معاصي العباد في الخلوات ، و اختلاف النّينان في البحار الغامرات (6) ، و تلاطم الماء بالرياح العاصفات

---------------------------
(1) تصفيق الماء : تحريكه و تقليبه .
(2) مخضته : حركته بشدة كما يمخض السقاء بما فيه من اللبن ليستخرج زبده ، و السقاء :
وعاء من جلد للبن و الماء .
(3) الساجي : الساكن ، و المائر : الذي يذهب و يجى‏ء ، أو المتحرك مطلقا .
(4) الثواقب : المنيرة المشرقة .
(5) مستطيرا : منتشر الضياء ، و يقصد به الشمس .
(6) النينان ، جمع نون و هو : الحوت .

روائع نهج البلاغة _ 197 _

  خلقة الخفّاش
  من خطبة له يذكر فيها خلقة الخفاش :
  و من لطائف صنعته و عجائب حكمته ما أرانا من غوامض الحكمة في هذه الخفافيش التي يقبضها الضياء الباسط لكلّ شي‏ء ، و يبسطها الظلام القابض لكلّ حيّ ، و كيف عشيت أعينها عن أن تستمدّ من الشمس المضيئة نورا تهتدي به في مذاهبها و تصل بعلانية برهان الشمس إلى معارفها ، و ردعها تلألؤ ضيائها عن المضيّ في سبحات إشراقها (1) و أكنّها في مكامنها عن الذهاب في بلج ائتلافها (2) فهي مسدلة الجفون بالنهار على أحداقها ، و جاعلة الليل سراجا تستدلّ به في التماس أرزاقها ، فلا يردّ أبصارها إسداف ظلمته (3) ، و لا تمتنع من المضيّ فيه لغسق دجنّته (4) .
  فإذا ألقت الشمس قناعها و بدت أوضاح نهارها ، و دخل من إشراق نورها على الضّباب (5) في وجارها ، أطبقت الأجفان على مآقيها و تبلّغت (6) بما اكتسبت من في‏ء ظلم لياليها ، فسبحان من جعل الليل لها نهارا

---------------------------
(1) سبحات النور : درجاته و أطواره .
(2) البلج : الضوء و وضوحه ، الائتلاق : اللمعان الشديد .
(3) أسدف الليل : أظلم .
(4) الدجنة : الظلمة .
(5) الضباب ، جمع ضب و هو الحيوان المعروف .
(6) تبلغت : اكتفت أو اقتاتت .

روائع نهج البلاغة _ 198 _

  و معاشا ، و النهار سكنا و قرارا ، و جعل لها أجنحة من لحمها تعرج بها عند الحاجة الى الطيران كأنها شطايا الآذان (1) غير ذوات ريش و لا قصب ، إلاّ أنك ترى مواضع العروق بيّنة أعلاما (2) لها جناحان لمّا يرقّا فينشقّا و لم يغلظا فيثقلا ، تطير و ولدها لاصق بها لاجى‏ء إليها :
  يقع إذا وقعت و يرتفع إذا ارتفعت ، لا يفارقها حتى تشتدّ أركانه و يحمله جناحه و يعرف مذاهب عيشه و مصالح نفسه ، فسبحان الباري لكلّ شي‏ء على غير مثال خلا من غيره
  خلقة الطّاووس
  من خطبة له يذكر فيها عجيب خلقة الطاووس :
  و من أعجبها خلقا الطاووس الذي أقامه في أحكم تعديل ، و نضّد ألوانه في أحسن تنضيد ، بجناح أشرج قصبه (3) و ذنب أطال مسحبه ،

---------------------------
(1) شظايا ، جمع شظية ، و هي : الفلقة من الشي‏ء ، أي : كأنها مؤلفة من شقق الآذان .
(2) رسوما ظاهرة .
(3) أشرج قصبه : داخل بين آحاده و نظمها على اختلافها في الطول و القصر .

روائع نهج البلاغة _ 199 _

  إذا درج إلى الأنثى نشره من طيّه و سما به مظلاّ على رأسه كأنه قلع داريّ عنجه نوتيّه (1) يختال بألوانه و يميس بزيفانه (2) .
  تخال قصبه مداري من فضّة (3) و ما أنبت عليه من عجيب داراته (4) و شموسه خالص العقيان (5) و فلذ الزّبرجد ، فإن شبّهته بما أنبتت الأرض قلت : جنى جني من زهرة كل ربيع و إن ضاهيته بالملابس فهو كموشّى الحلل و إن شاكلته بالحليّ فهو كفصوص ذات ألوان نطّقت باللجين المكلّل (6) ، يمشي مشي المرح المختال ، و يتصفّح ذنبه و جناحيه فيقهقه ضاحكا لجمال سرباله و أصابيغ وشاحه فإذا رمى ببصره إلى قوائمه زقا (7) معولا يكاد يبين عن استغاثته ، و يشهد بصادق توجّعه ، لأن قوائمه حمش كقوائم الدّيكة الخلاسيّة (8) .

---------------------------
(1) القلع : شراع السفينة ، عنجه : جذبه فرفعه ، النوتي : الملاّح .
(2) الزيفان : التبختر ، و يريد به حركة ذنب الطاووس يمينا و شمالا .
(3) القصب : الريش ، المداري ، جمع مدرى ، و المدرى و المدراة : أداة ذات أسنان كأسنان المشط .
(4) الدارات جمع دارة ، و هي بالنسبة للشمس كالهالة بالنسبة للقمر .
(5) العقيان : الذهب الخالص .
(6) اللجين : الفضة ، المكلل : المزين بالجواهر .
(7) زقا يزقو : صاح .
(8) حمش ، جمع أحمش ، أي : دقيق ، و الديك الخلاسي : الديك المتولد بين دجاجة و ديك من لونين مختلفين .

روائع نهج البلاغة _200 _

  و له في موضع العرف قنزعة خضراء موشّاة ، و مخرج عنقه كالإبريق و مغرزها إلى حيث بطنه كصبغ الوسمة اليمانية (1) أو كحريرة ملبسة مرآة ذات صقال (2) ، و كأنه ملفّع بمعجر أسحم إلاّ أنه يخيّل لكثرة مائه و شدّة بريقه أن الخضرة الناضرة ممتزجة به .
  و مع فتق سمعه خطّ كمستدقّ القلم في لون الأقحوان أبيض يقق ، فهو ببياضه في سواد ما هنالك يأتلق ، و قلّ صبغ إلاّ و قد أخذ منه بقسط و علاه بكثرة صقاله و بريقه و بصيص ديباجه و رونقه (3) ، فهو كالأزاهير المبثوثة لم تربّها أمطار ربيع و لا شموس قيظ .
  و قد ينحسر من ريشه و يعرى من لباسه فيسقط تترى ، و ينبت تباعا ، فينحتّ من قصبه انحتات أوراق الأغصان (4) ، ثم يتلاحق ناميا حتى يعود كهيئته قبل سقوطه : لا يخالف سالف ألوانه و لا يقع لون في غير مكانه .
  و إذا تصفّحت شعرة من شعرات قصبه أرتك حمرة وردية ،

---------------------------
(1) مغرزها : الموضع الذي غرز فيه العنق منتهيا الى مكان البطن ، الوسمة : نبات يخضّب به .
(2) الصقال : الجلاء .
(3) علاه : فاقه ، البصيص : اللمعان .
(4) ينحسر من ريشه : يتكشف منه و يعرى ، تترى : شيئا بعد شي‏ء ، ينحتّ : يسقط و ينقشر ، انحتات الأوراق : تناثر الأوراق .