و قلوبكم إلى الحق ، و ألهمنا و إياكم الصبر ، و رحم اللّه امرأ رأى حقّا فأعان عليه ، أو رأى جورا فردّه ، و كان عونا بالحق على صاحبه
الى أصحاب الجمل
من كتاب له بعث به إلى طلحة و الزبير و عائشة قبل موقعة الجمل :
من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى طلحة و الزبير و عائشة ، سلام عليكم .
أما بعد ، يا طلحة و الزبير ، فقد علمتما أني لم أرد البيعة حتى أكرهت عليها ، و أنتما ممن رضي بيعتي ، فإن كنتما بايعتما طائعين فتوبا إلى اللّه و ارجعا عمّا أنتما عليه ، و إن كنتما بايعتما مكرهين فقد جعلتما لي السبيل عليكما ، بإظهاركما الطاعة و كتمانكما المعصية .
و أنت يا طلحة ، شيخ المهاجرين ، و أنت يا زبير ، فارس قريش ،
دفعكما هذا الأمر قبل أن تدخلا فيه كان أوسع لكما من خروجكما منه قبل إقراركما .
و أنت يا عائشة ، فإنك خرجت من بيتك عاصية للّه و لرسوله تطلبين أمرا كان عنك موضوعا ، و تزعمين انك تريدين الإصلاح بين الناس فخبّريني ما للنساء و قود الجيوش ، و البروز للرجال و طلبت ، على زعمك ،
دم عثمان ، و عثمان من بني أمية و أنت من تيم ، ثم أنت بالأمس تقولين في ملأ من أصحاب رسول اللّه : ( اقتلوا نعثلا ، قتله اللّه ، فقد كفر ) ثم تطالبين اليوم بدمه فاتّقي اللّه و ارجعي الى بيتك ، و اسبلي عليك سترك و السلام .
روائع نهج البلاغة _ 102 _
اخرج من جحرك
من كتاب له إلى أبي موسى الأشعري ،
و هو عامله على الكوفة ، و قد بلغه عنه تثبيطه الناس على الخروج اليه لما ندبهم لحرب أصحاب الجمل :
من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى عبد اللّه بن قيس .
أما بعد ، فقد بلغني عنك قول هو لك و عليك ، فإذا قدم رسولي عليك فارفع ذيلك و اشدد مئزرك و اخرج من جحرك و اندب من معك (1) .
إعقل عقلك (2) و املك أمرك و خذ نصيبك و حظك ، فإن كرهت فتنحّ إلى غير رحب و لا في نجاة و اللّه إنه لحقّ مع محقّ ، و ما أبالي ما صنع الملحدون
قيام الحجّة
من كلام له كلّم به بعض العرب و اسمه كليب الجرمي و قد أرسله قوم من أهل البصرة ليعلم لهم من الإمام حقيقة حاله مع
---------------------------
(1) رفع الذيل و شد المئزر : كناية عن التشمير للجهاد ، الجحر ، هنا : كناية عن المقر ،
اندب : ادع .
(2) قيده بالعزيمة و لا تدعه يذهب مذاهب التردّد .
روائع نهج البلاغة _ 103 _
أصحاب الجمل لتزول الشبهة من نفوسهم .
فبيّن له الإمام من أمره معهم ما علم به أنه على الحق ، ثم قال له : بايع فقال الرجل :
إني رسول قوم و لا أحدث حدثا حتى أرجع اليهم ، فقال الإمام هذا القول الرائع :
أ رأيت لو أن الذين وراءك بعثوك رائدا تبتغي لهم مساقط الغيث (1) فرجعت إليهم و أخبرتهم عن الكلإ و الماء فخالفوا إلى المعاطش و المجادب (2) ،
ما كنت صانعا ؟
قال الرجل : كنت تاركهم و مخالفهم إلى الكلإ و الماء ، فقال الإمام :
فامدد إذا يدك فقال الرجل : فو اللّه ما استطعت أن أمتنع عند قيام الحجّة عليّ ، فبايعته عليه السلام و قيل للإمام ذات مرة : بأي شيء غلبت الأقران ؟ فأجاب :
ما لقيت رجلا إلا أعانني على نفسه
اراد ان يغالط
من كلامه الزاخر بالمنطق في طلحة و موقفه من قضية عثمان ، قبل مقتله و بعده :
قد كنت و ما أهدّد بالحرب و لا أرهب بالضرب ، و اللّه ما استعجل
---------------------------
(1) مساقط الغيث : المواضع التي يسقط فيها المطر فتخضرّ و تزدهر .
(2) المعاطش ، جمع معطش ، و هو : مكان العطش ، أي الذي لا ماء فيه ، و المجادب ،
جمع مجدب ، و هو مكان الجدب ، أي القحط و المحل .
روائع نهج البلاغة _ 104 _
متجرّدا (1) للطلب بدم عثمان إلاّ خوفا من أن يطالب بدمه لأنه مظنّته ، و لم يكن في القوم أحرص عليه منه (2) فأراد أن يغالط بما أجلب ليلبس الأمر (3) و يقع الشك و و اللّه ما صنع في أمر عثمان واحدة من ثلاث :
لئن كان ابن عفّان ظالما ، كما كان يزعم ، لقد كان ينبغي له أن يؤازر قاتليه أو أن ينابذ ناصريه ، و لئن كان مظلوما لقد كان ينبغي له أن يكون من المنهنهين عنه (4) و المعذرين فيه (5) ، و لئن كان في شك من الخصلتين لقد كان ينبغي له أن يعتزله و يركد جانبا (6) و يدع الناس معه ، فما فعل واحدة من الثلاث ، و جاء بأمر لم يعرف بابه و لم تسلم و انّى لصاحبهم
قال عبد اللّه بن العباس : دخلت على أمير المؤمنين ( ع ) بذي قار (7) و هو يخصف نعله (8) فقال لي : ما قيمة هذه النعل ؟
فقلت : لا قيمة لها ، فقال عليه السلام : و اللّه
---------------------------
(1) كأنه سيف تجرد من غمده .
(2) أحرص عليه ، أي على دم عثمان ، بمعنى سفكه .
(3) يلبس الأمر : يجعله ملبسا ، أي : مشتبها .
(4) نهنهه عن الأمر : كفّه و زجره عن إتيانه .
(5) المعذرين فيه : المعتذرين عنه في ما نقم منه .
(6) يسكن في جانب عن القاتلين و الناصرين .
(7) بلد بين واسط و الكوفة ، و هو قريب من البصرة .
(8) يخرزها .
روائع نهج البلاغة _ 105 _
لهي أحبّ إليّ من إمرتكم إلا أن أقيم حقّا أو أدفع باطلا ، ثم خرج فخطب الناس فقال ( و ذلك عند خروجه لقتال أهل البصرة في وقعة الجمل ) :
ما ضعفت و لا جبنت ، و إن مسيري هذا لمثلها (1) ، فلأنقبنّ الباطل حتى يخرج الحقّ من جنبه (2) ، ما لي و لقريش و اللّه لقد قاتلتهم كافرين و لأقاتلنّهم مفتونين ، و إني لصاحبهم بالأمس كما أنا صاحبهم اليوم
الام اجيب ؟
من كلام له في أصحاب الجمل :
ألا و إنّ الشيطان قد ذمر حزبه و استجلب جلبه (3) ليعود الجور
---------------------------
(1) ضمير ( لمثلها ) يعود إلى المعارك التي خاضها الإمام ضد قريش في حروب الإسلام ضد المشركين ، و قد أشار اليها في كلام سابق لهذا الكلام ، و المعنى : أنه يسير اليوم الجهاد في سبيل الحقّ كما سار قديما .
(2) الباطل يبادر البصيرة فيشغلها عن الحق و يقوم حجابا مانعا لها عنه ، فكأنه شيء اشتمل على الحق فستره ، و الكلام تمثيل رائع لحال الباطل مع الحق ، و حال الإمام في كشف الباطل و إظهار الحق .
(3) ذمر : حث ، الجلب : ما يجلب من بلد الى بلد .
روائع نهج البلاغة _ 106 _
إلى أوطانه و يرجع الباطل إلى نصابه (1) و اللّه ما أنكروا عليّ منكرا و لا جعلوا بيني و بينهم نصفا (2) ، و إنهم ليطلبون حقّا هم تركوه و دما هم سفكوه ، فإن كنت شريكهم فيه فإنّ لهم لنصيبهم فيه ، و لئن كانوا ولّوه دوني فما التّبعة إلاّ عندهم ، و إنّ أعظم حجّتهم لعلى أنفسهم يا خيبة الداعي من دعا ؟ و إلام أجيب ؟ (3) و إني لراض بحجّة اللّه عليهم و علمه فيهم ، فإن أبوا أعطيتهم حدّ السيف و كفى به شافيا من الباطل و ناصرا للحق و من العجب بعثهم إليّ أن أبرز للطّعان و أن أصبر للجلاد هبلتهم الهبول (4) لقد كنت و ما أهدّد بالحرب و لا أرهب بالضرب ، و إني على يقين من ربّي و غير شبهة من ديني .
---------------------------
(1) النصاب : الأصل ، أو المنبت و أول كل شيء ، و في كلامه هذا إشارة صريحة الى رغبة من يعنيهم في إعادة الأثرة و الظلم و اقتناص المغانم إلى ادارة الدولة كما كانت في عهد بطانة الخليفة الثالث ، و لا يتأتّى لهم ذلك إلا بتأليب الناس على الخليفة الجديد ، و هو الإمام ، الذي لا يطمعون في أيامه بأن يعود اليهم ما ألفوه في السابق من حرية التصرف بأموال الدولة و أحوال الناس .
(2) النصف : العدل ، أي : لم يحكموا العدل بيني و بينهم .
(3) من : استفهامية ، و ما ( في إلام ) استفهامية أيضا و قد حذفت منها الألف لدخول ( إلى ) عليها ، و يقصد بالداعي أحد قادة خصومه في موقعة الجمل إذ دعا الإمام إلى أن يبرز للطعان و كأنه يهدده بالحرب و نتائجها ، و قوله ( من دعا ؟ ) استفهام عن الداعي و دعوته ، استهانة بهما .
(4) هبلتهم : ثكلتهم ، و الهبول : المرأة التي لا يبقى لها ولد ، و هو دعاء عليهم بالهلاك لعدم معرفتهم بأقدار أنفسهم ، أ بالحرب يهدّد ابن أبي طالب ؟
روائع نهج البلاغة _ 107 _
في لجّة بحر
من كلام له في ذمّ أهل البصرة بعد موقعة الجمل :
كنتم جند المرأة و أتباع البهيمة (1) : رغا فأجبتم ، و عقر فهربتم .
أخلاقكم دقاق و عهدكم شقاق و دينكم نفاق و ماؤكم زعاق (2) ،
و المقيم بين أظهركم مرتهن بذنبه ، و الشاخص عنكم متدارك برحمة من ربّه ، و ايم اللّه لتغرقنّ بلدتكم حتى كأني أنظر إلى مسجدها كجؤجؤ طير في لجّة بحر (3) .
قتلوهم صبرا و غدرا
من خطبة له في ذكر أصحاب الجمل :
فخرجوا يجرّون حرمة رسول اللّه (4) صلى اللّه عليه و آله ، متوجّهين بها إلى البصرة : فحبسوا نساءهم في بيوتهم و أبرزوا حبيس رسول اللّه ( ص ) لهم و لغيرهم في جيش ما منهم رجل إلاّ و قد أعطاني الطاعة و سمح لي بالبيعة طائعا غير مكره ، فقدموا على عاملي بها و خزّان بيت مال المسلمين و غيرهم من أهلها : فقتلوا طائفة صبرا (5) و طائفة غدرا فو اللّه لو لم يصيبوا من
---------------------------
(1) يريد الجمل .
(2) دقة الأخلاق : دناءتها ، زعاق : مالح .
(3) الجؤجؤ : الصدر .
(4) حرمة رسول اللّه كناية عن زوجته ، و أراد بها السيدة عائشة .
(5) القتل صبرا : أن تحبس الشخص ثم ترميه حتى يموت .
روائع نهج البلاغة _ 108 _
المسلمين إلاّ رجلا واحدا معتمدين لقتله بلا جرم جرّه ، لحلّ لي قتل ذلك الجيش كلّه
الّذين قاتلوني
من كلام له في معنى وقعة الجمل :
بليت في حرب الجمل بأشدّ الخلق شجاعة ، و أكثر الخلق ثروة و بذلا ،
و أعظم الخلق في الخلق طاعة ، و أو فى الخلق كيدا و تكثّرا : بليت بالزّبير لم يردّ وجهه قط ، و بيعلى بن منيّة يحمل المال على الإبل الكثيرة و يعطي كلّ رجل ثلاثين دينارا و فرسا على أن يقاتلني ، و بعائشة ما قالت قط بيدها هكذا إلا و اتّبعها الناس ، و بطلحة لا يدرك غوره و لا يطال مكره
بكم ذوو كلام
من خطبة له في تقريع أصحابه بالكوفة :
و لئن أمهل الظالم فلن يفوت أخذه و هو له بالمرصاد على مجاز طريقه .
أما و الذي نفسي بيده ليظهرنّ هؤلاء القوم عليكم ، ليس لأنهم أولى بالحقّ منكم ، و لكنّ لإسراعهم إلى باطل صاحبهم و إبطائكم عن حقي ، و لقد أصبحت الأمم تخاف ظلم رعاتها ، و أصبحت أخاف ظلم رعيتي :
استنفرتكم للجهاد فلم تنفروا ، و أسمعتكم فلم تسمعوا ، و دعوتكم سرا و جهرا فلم تستجيبوا ، و نصحت لكم فلم تقبلوا ، أ شهود كغيّاب (1)
---------------------------
(1) شهود ، جمع شاهد و هو الحاضر .
روائع نهج البلاغة _ 109 _
و عبيد كأرباب ؟ أتلو عليكم الحكم فتنفرون منها ، و أعظكم بالموعظة فتتفرقون عنها ، و أحثّكم على جهاد أهل البغي فما آتي على آخر القول حتى أراكم متفرّقين أيادي سبا ترجعون إلى مجالسكم و تتخادعون عن مواعظكم .
أيها الشاهدة أبدانهم الغائبة عقولهم المختلفة أهواؤهم المبتلى بهم أمراؤهم ، صاحبكم يطيع اللّه و أنتم تعصونه ، و صاحب أهل الشام يعصى اللّه و هم يطيعونه لوددت و اللّه أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم ، فأخذ مني عشرة منكم و أعطاني رجلا منهم .
يا أهل الكوفة ، منيت منكم بثلاث و اثنتين : صمّ ذوو أسماع ،
و بكم ذوو كلام ، و عمي ذوو أبصار ، لا أحرار صدق عند اللقاء و لا و لا إخوان نقة عند البلاء
لا تنتقم من عدوّ
من كتاب له الى عبد اللّه بن عباس عامله على البصرة ، و كان عباس قد اشتدّ على بني تميم لأنهم كانوا مع طلحة و الزبير يوم الجمل ، فأقصى كثيرا منهم ، فعظم ذلك على الإمام عليّ الذي يأبى قلبه الكبير الانتقام ، فكتب الى عباس يردعه و يؤنبه و يقرر حقيقة نتجاهلها اليوم ... و هي أن رأس الدولة مسؤول هو أيضا عن أعمال موظفيه الذين ولاّهم أمور الناس ... قال :
حادث أهلها بالإحسان إليهم و احلل عقدة الخوف عن قلوبهم
روائع نهج البلاغة _ 110 _
و قد بلغني تنمّرك لبني تميم (1) و غلظتك عليهم ، فاربع (2) أبا العباس ، رحمك اللّه ، في ما جرى على لسانك و يدك من خير و شرّ ، فإنّا شريكان في ذلك ، و كن عند صالح ظنّي بك ، و لا يفيلنّ (3) رأيي فيك
النّساء
من خطبة له بعد حرب الجمل في ذم النساء :
فاتّقوا شرار النساء و كونوا من خيارهنّ على حذر ، و لا تطيعوهنّ في المعروف حتى لا يطمعن في المنكر
ارباب سوء
من خطبة له في التحذير من بني أمية :
ألا إنّ أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أميّة ، فإنها فتنة عمياء مظلمة ، و ايم اللّه لتجدنّ بني أمية لكم أرباب سوء بعدي كالنّاب
---------------------------
(1) تنمرّك : تنكر أخلاقك .
(2) اربع : ارفق وقف عند حدّ ما تعرف ، يريد الإمام أمره بالتثبّت في جميع ما يعتمده فعلا و قولا من خير و شر و ألا يعجل به لأنه شريكه به ، فإنه عامله و نائب عنه .
(3) فال رأيه : ضعف .
روائع نهج البلاغة _ 111 _
الضروس (1) : تعذم بغيها و تخبط بيدها و تزبن برجلها (2) و تمنع درّها ، لا يزالون بكم حتى لا يتركوا منكم إلاّ نافعا لهم ، و لا يزال بلاؤهم حتى لا يكون أنتصار أحدكم منهم إلا كانتصار العبد من ربّه و الصاحب من مستصحبه (3) ترد عليكم فتنتهم شوهاء مخشيّة (4) و قطعا جاهلية
لا مدر و لا وبر
من كلام له في بني أمية :
و اللّه لا يزالون حتى لا يدعوا للّه محرّما إلا استحلّوه ، و لا عقدا إلاّ حلّوه ، و حتى لا يبقى بيت مدر و لا وبر إلاّ دخله ظلمهم (5) و حتى يقوم الباكيان يبكيان : باك يبكي لدينه و باك يبكي لدنياه ، و حتى تكون نصرة أحدكم من أحدهم كنصرة العبد من سيده ، إذا شهد أطاعه ، و إذا غاب اغتابه
---------------------------
(1) الناب : الناقة المسنّة ، الضروس : السيئة الخلق تعضّ حالبها .
(2) تعذم : تأكل بخفاء و تعض ، تزبن : تضرب .
(3) التابع من متبوعه ، أي : انتصار الأذلاّء ، و ما هو بانتصار .
(4) شوهاء : قبيحة المنظر ، مخشيّة : مرعبة .
(5) بيوت المدر : المبنية من طين ، و بيوت الوبر : الخيام .
روائع نهج البلاغة _ 112 _
رحب البلعوم
من كلام له لأصحابه :
أما إنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم مندحق البطن (1) يأكل ما يجد و يطلب ما لا يجد أ لا و إنه سيأمركم بسبّي و البراءة مني ، أمّا السبّ فسبّوني ، فإنه لي زكاة و لكم نجاة ، و أمّا البراءة فلا تتبرّأوا مني ، فإني ولدت على الفطرة و سبقت إلى الايمان و الهجرة
نهم الاثرياء
من كتاب له الى معاوية ، و فيه نظرة الإمام الصائبة الى أصحاب الثراء الذين لا يزيدهم المال إلا نهما و حرصا على الاستزادة منه :
أمّا بعد ، فإنّ الدنيا مشغلة عن غيرها ، و لم يصب صاحبها منها شيئا إلا فتحت له حرصا عليها و لهجا بها (2) ، و لن يستغني صاحبها بما نال فيها عما لم يبلغه منها ، و من وراء ذلك فراق ما جمع و نقض ما أبرم ، و لو اعتبرت بما مضى حفظت ما بقي ، و السلام .
---------------------------
(1) مندحق البطن : عظيم البطن بارزه كأنه لعظمه مندلق من بدنه يكاد يبين عنه .
و الواضح أن المقصود بهذا الكلام هو معاوية .
(2) لهجا : ولوعا و شدّة حرص .
روائع نهج البلاغة _ 113 _
مع الحقّ
كتب معاوية إلى الإمام علي يطلب اليه أن يترك له الشام ، فكتب اليه الإمام جوابا جاء فيه :
فأمّا طلبك إليّ الشام ، فإني لم أكن لأعطيك اليوم ما منعتك أمس و أمّا قولك ( إن الحرب قد أكللت العرب إلاّ حشاشات أنفس بقيت ) أ لا و من أكله الحقّ فإلى الجنّة ، و من أكله الباطل فإلى النار ، و أمّا استواؤنا في الحرب و الرجال فلست بأمضى على الشك منّي على اليقين
ناقل التّمر الى هجر
من كتاب له الى معاوية أيضا جوابا :
أمّا بعد ، فقد أتاني كتابك تذكر فيه اصطفاء اللّه محمدا صلى اللّه عليه لدينه ، و تأييده إياه بمن أيّده من أصحابه ، فلقد خبأ لنا الدهر منك عجبا إذ طفقت تخبرنا ببلاء اللّه عندنا و نعمته علينا في نبيّنا ، فكنت في ذلك كناقل التمر إلى هجر أو داعي مسدّده إلى النضال (1) .
---------------------------
(1) هجر : مدينة في البحرين كثيرة النخيل ، المسدّد : معلم رمي السهام ، النضال :
المراماة ، يقول : كنت في ذلك كمن ينقل التمر إلى مصدره و يدعو معلمه في الرمي الى المناضلة ، و هما مثلان لناقل الشيء الى معدنه و المتعالم على معلّمه .
روائع نهج البلاغة _ 144 _
ثم ذكرت ما كان من أمري و أمر عثمان ، فلك أن تجاب عن هذه لرحمك منه (1) فأيّنا كان أعدى له و أهدى إلى مقاتله (2) : أ من بذل له نصرته فاستقعده و استكفّه (3) ؟ أم من استنصره فتراخى عنه و بثّ المنون إليه (4) حتى أتى قدره عليه ؟
و ما كنت لأعتذر من أنّي كنت أنقم عليه أحداثا (5) ، فإن كان الذنب إليه إرشادي و هدايتي له ، فربّ ملوم لا ذنب له .
من كتاب له الى معاوية ايضا :
فاتّق اللّه في ما لديك ، و انظر في حقّه عليك ، و ارجع إلى معرفة ما لا تعذر بجهالته ، و إن نفسك قد أولجتك شرا و أقحمتك غيّا (6) و أوردتك المهالك و أوعرت عليك المسالك .
---------------------------
(1) أي لقرابتك منه يصح الجدال معك في أمره .
(2) أعدى : أشد عدوانا ، المقاتل : وجوه القتل .
(3) استقعده و استكفه : طلب اليه أن يقعد عن نصرته و أن يكفّ عن مساعدته ، و الذي بذل النصرة هو الإمام ، و الذي استقعد الإمام و استكفّه هو عثمان .
(4) المعنى هو أن عثمان استنصر بعشيرته من بني أمية كمعاوية ، فخذلوه و خلّوا بينه و بين الموت فكأنهم أفضوا بالموت إليه .
(5) نقم عليه : عاب عليه ، الأحداث : جمع حدث ، و هو هنا البدعة .
(6) أولجتك : أدخلتك ، أقحمتك غيّا : رمت بك في الضلال .
روائع نهج البلاغة _ 115 _
ارديت جيلا من النّاس
من كتاب له الى معاوية أيضا :
و أرديت جيلا من الناس كثيرا : خدعتهم بغيّك و ألقيتهم في موج بحرك تغشاهم الظلمات و تتلاطم بهم الشبهات ، فجازوا عن وجهتهم (1) و نكصوا على أعقابهم (2) و تولّوا على أدبارهم و عوّلوا على أحسابهم إلاّ من فاء من أهل البصائر (3) .
خدعة الصّبيّ
و من كتاب له الى معاوية جوابا :
و ذكرت أني قتلت طلحة و الزبير و شرّدت بعائشة و نزلت المصرين (4) و ذلك أمر غبت عنه فلا عليك ، و لا العذر فيه إليك .
و قد أكثرت في قتلة عثمان فادخل في ما دخل فيه الناس (5) ثم حاكم
---------------------------
(1) جازوا عن وجهتهم : بعدوا عن جهة قصدهم ، أي كانوا يقصدون حقا فمالوا إلى باطل .
(2) نكصوا : رجعوا .
(3) عولوا : اعتمدوا ، أي : اعتمدوا على شرف قبائلهم فتعصبوا تعصّب الجاهلية و نبذوا نصرة الحق ، فاء : رجع ( إلى الحق ) .
(4) شرد به : طرده و فرّق أمره ، المصران : الكوفة و البصرة .
(5) ما دخل فيه الناس هو : البيعة .
روائع نهج البلاغة _ 116 _
القوم إليّ أحملك و إياهم على كتاب اللّه تعالى ، و أمّا تلك التي تريد (1) فإنها خدعة الصبيّ عن اللبن (2) . سبحان اللّه يا معاوية
من كتاب له الى معاوية أيضا :
فسبحان اللّه ما أشدّ لزومك للأهواء المبتدعة ، مع تضييع الحقائق .
فأمّا إكثارك الحجاج في عثمان و قتلته (3) ، فإنك إنما نصرت عثمان حيث كان النصر لك ، و خذلته حيث كان النصر له (4) و السلام ؟
يغدر و يفجر
من كلام له في مسلكه و مسلك معاوية :
و اللّه ما معاوية بأدهى مني ، و لكنه يغدر و يفجر ، و لو لا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس
---------------------------
(1) تلك التي تريد : ولاية الشام ، و كان الإمام يأبى أن يبقي معاوية في هذه الولاية .
(2) خدعة يصرف بها الصبي أول فطامه عن اللبن ، و المقصود هنا : ما تصرف به عدوّك عن قصدك به في الحروب و ما إليها من أحوال الخصومة .
(3) الحجاج : الجدال .
(4) نصرت عثمان بعد مقتله ... حيث كان في الانتصار له فائدة لك تتّخذه ذريعة لجمع الناس إلى أغراضك ، أما و هو حي ، و كان انتصارك له يفيده ، فقد خذلته و أبطأت عنه .
روائع نهج البلاغة _117 _
ثمن البيعة
من خطبة له :
و لم يبايع حتى شرط أن يؤتيه على البيعة ثمنا (1) فلا ظفرت يد البائع ،
و خزيت أمانة المبتاع ، فخذوا للحرب أهبتها و أعدّوا لها عدّتها
اكلة الرّشا
و قد ورد مثل المعنى السابق أيضا في كتاب بعث به الإمام الى جماعة من أصحابه ، قال :
إنّما تقاتلون أكلة الرّشا و عبيد الدنيا و البدع و الأحداث ، لقد نمي إليّ أن ابن الباغية (2) لم يبايع معاوية حتى شرط عليه أن يأتيه أتاوة هي أعظم ممّا في يديه من سلطان ، فصفرت يد هذا البائع دينه بالدنيا ، و تربت يد هذا المشتري نصرة غادر فاسق بأموال الناس
---------------------------
(1) ضمير ( يبايع ) يعود إلى عمرو بن العاص ، فإنه شرط على معاوية أن يوليه مصر لو تمّ له الأمر ، و هذا ما كان بعد ذلك .
(2) المقصود هو عمرو بن العاص .
روائع نهج البلاغة _ 118 _
اذهبت دنياك و آخرتك
من كتاب له الى عمرو بن العاص يوم لحق بمعاوية :
فإنك قد جعلت دينك تبعا لدنيا المرىء ظاهر غيّه مهتوك ستره يشين الكريم بمجلسه و يسفّه الحليم بخلطته ، فاتّبعت أثره و طلبت فضله اتّباع الكلب للضرغام (1) : يلوذ إلى مخالبه و ينتظر ما يلقي إليه من فضل فريسته ، فأذهبت دنياك و آخرتك و لو بالحقّ أخذت أدركت ما طلبت ، فإن يمكّنّي منك و من أبي سفيان أجزكما بما قدّمتما ،
لاشدّنّ عليك
من كتاب له الى زياد بن أبيه و هو على البصرة :
و إني أقسم باللّه قسما صادقا لئن بلغني أنك خنت من فيء المسلمين شيئا صغيرا أو كبيرا (2) لأشدّنّ عليك شدّة تدعك قليل الوفر (3) ثقيل الظهر ضئيل الأمر ، و السلام .
---------------------------
(1) الضرغام : الأسد .
(2) الفيء : المال من غنيمة أو خراج .
(3) لأشدن عليك شدة : لأحملنّ عليك حملة ، الوفر المال .
روائع نهج البلاغة _ 119 _
متمرّغ في النعيم
و من كتاب له إلى زياد بن أبيه أيضا :
أ ترجو أن يعطيك اللّه أجر المتواضعين و أنت عنده من المتكبّرين ؟ و تطمع ،
و أنت متمرّغ في النعيم تمنعه الضعيف و الأرملة ، أن يوجب لك ثواب المتصدّقين ؟ و إنّما المرء مجزيّ بما أسلف (1) و قادم على ما قدّم .
احذر معاوية
من كتاب له الى زياد بن أبيه أيضا و قد بلغه ان معاوية كتب اليه يريد خديعته باستلحاقه :
و قد عرفت أن معاوية كتب إليك يستزلّ لبّك و يستفلّ غربك (2) فاحذره ، فإنما هو الشيطان يأتي المؤمن من بين يديه و من خلفه ، و عن يمينه و عن شماله ، ليقتحم عليه غفلته و يستلب غرّته (3) .
---------------------------
(1) أسلف : قدّم في سالف أيامه .
(2) يستزل : يطلب به الزلل ، و هو الخطأ ، الغرب : الحدّة و النشاط ، يستفل غربك :
يطلب ثلم حدّتك .
(3) يقتحم غفلته : يدخل غفلته بغتة فيأخذه فيها ، و تشبيه الغفلة بالبيت يسكن فيه الغافل ، من روائع التشببه ، الغرة : خلوّ العقل من ضروب الحيل ، و المراد منها العقل الغر و الساذج .
روائع نهج البلاغة _120 _
النّاس عندنا اسوة
من كتاب له الى سهل بن حنيف الأنصاري ، و هو عامله على المدينة ، في معنى قوم من أهلها لحقوا بمعاوية :
أمّا بعد ، فقد بلغني أن رجالا ممّن قبلك (1) يتسلّلون إلى معاوية ،
فلا تأسف على ما يفوتك من عددهم و يذهب عنك من مددهم ، فكفى لهم غيّا و لك منهم شافيا (2) ، و قد عرفوا العدل و رأوه و سمعوه و وعوه ،
و علموا أن الناس عندنا أسوة فهربوا إلى الأثرة (3) فبعدا لهم و سحقا (4) إنهم و اللّه لم ينفروا من جور و لم يلحقوا بعدل
يا اشباه الرّجال
من خطبة له بعد أن غزا سفيان بن عوف من بني غامد ، بلدة الأنبار على الشاطىء الشرقي للفرات ، و قد بعثه معاوية لشنّ الغارات على أطراف العراق تهويلا على أهله .
---------------------------
(1) قبلك : عندك .
(2) يتسللون : يذهبون واحدا بعد واحد ، غيا : ضلالا ، يقول : فرارهم كاف في الدلالة على ضلالهم ، و الضلال داء شديد في بنية الجماعة ، و قد كان فرار هؤلاء الضالين شفاء للجماعة من هذا الداء .
(3) الأثرة : اختصاص النفس بالمنفعة و تفضيلها على غيرها بالفائدة
(4) السحق ، بضم السين : البعد البعيد .
روائع نهج البلاغة _ 121 _
و هذا أخو غامد و قد وردت خيله الأنبار و قد قتل حسّان بن حسان البكري و أزال خيلكم عن مسالحها (1) ، و قتل منكم رجالا صالحين .
و لقد بلغني أنّ الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة ، و الأخرى المعاهدة (2) فينتزع حجلها (3) و قلبها (4) و قلائدها و رعاثها (5) ما تمنع منه إلا بالاسترجاع (6) و الاسترحام ثم انصرفوا وافرين (7) ما نال رجلا منهم كلم و لا أريق لهم دم ، فلو أن امرأ مسلما مات من بعد هذا أسفا ما كان به ملوما بل كان به جديرا ، فيا عجبا ، و اللّه ، يميت القلب و يجلب الهمّ اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم و تفرّقكم عن حقكم ، فقبحا لكم و ترحا (8) حين صرتم غرضا يرمى : يغار عليكم و لا تغيرون ،
و تغزون و لا تغزون ، و يعصى اللّه و ترضون فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيام الصيف قلتم : هذه حمارّة القيظ (9) أمهلنا يسبّخ عنّا الحرّ (10) و إذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء قلتم : هذه صبارّة القرّ (11) أمهلنا
---------------------------
(1) جمع مسلحة ، و هي : الثغر و المرقب حيث يخشى طروق الأعداء .
(2) المعاهدة : الذمية ، أي الداخلة في ذمة المسلمين و في حمايتهم ، و أهل الذمة هم أهل الكتاب من غير المسلمين .
(3) الحجل : الخلخال .
(4) القلب ، بالضم ، كقفل : السوار .
(5) الرعاث جمع رعثة : القرط .
(6) الاسترجاع : ترديد الصوت بالبكاء .
(7) وافرين : تامين على كثرتهم لم ينقص عددهم .
(8) ترحا : هما و حزنا .
(9) حمارّة القيظ ، بتشديد الراء : شدة الحر .
(10) يسبخ : يخفف و يسكّن .
(11) صبارّة الشتاء ، بتشديد الراء : شدة برده ، و القر : البرد ، و في كتب فقه اللغة ان ( القر ) هو برد الشتاء خاصة ، أما ( البرد ) فعامّ فيه و في بقية الفصول .
روائع نهج البلاغة _ 122 _
ينسلخ عنّا البرد كلّ هذا فرارا من الحرّ و القرّ ، فأنتم و اللّه من السيف أفرّ ، يا أشباه الرجال و لا رجال حلوم الأطفال ، و عقول ربّات الحجال (1) لوددت أني لم أركم و لم أعرفكم معرفة و اللّه جرّت ندما و أعقبت سدما (2) قاتلكم اللّه لقد شحنتم صدري غيظا و أفسدتم عليّ رأيي بالعصيان و الخذلان ، حتى قالت قريش : إن ابن أبي طالب رجل شجاع و لكن لا علم له بالحرب للّه أبوهم و هل أحد منهم أشدّ لها مراسا و أقدم فيها مقاما مني ؟ لقد نهضت فيها و ما بلغت العشرين ، و ها أنا ذا قد ذرّفت على الستين (3) ،
و لكن لا رأي لمن لا يطاع
لو ضربته بسيفى
من كلام له :
لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني ، و لو صببت الدنيا بجمّاتها (4) على المنافق على أن يحبّني ما أحبّني
---------------------------
(1) ربات الحجال : النساء .
(2) السدم : الهمّ مع الأسف و الغيظ .
(3) ذرفت على الستين : زدت عليها .
(4) جمّات ، جمع جمة ، بفتح الجيم ، و هي من السفينة مجتمع الماء المترشح من ألواحها ، أي : لو كفأت عليه الدنيا بجليلها و حقيرها .
من خطبة له في تأنيب المتخاذلين من أصحابه :
أيها الناس المجتمعة أبدانهم ، المختلفة أهواؤهم ، كلامكم يوهي الصمّ الصّلاب و فعلكم يطمع فيكم الأعراء (1) ما عزّت دعوة من دعاكم و لا استراح قلب من قاساكم أيّ دار بعد داركم تمنعون ؟ و مع أيّ إمام بعدي تقاتلون ؟ المغرور و اللّه من غررتموه ، و من فاز بكم فقد فاز بالسهم الأخيب أصبحت و اللّه لا أصدّق قولكم و لا أطمع في نصركم و لا أوعد العدوّ بكم ما بالكم ؟ ما دواؤكم ؟ ما طبّكم ؟ القوم رجال أمثالكم أ قولا بغير علم ؟ و غفلة من غير ورع ؟ و طمعا في غير حق ؟
لا اصلحكم بافساد نفسي
و من كلام له في تأنيب المتخاذلين من أصحابه أيضا :
كم أداريكم كما تدارى الثياب المتداعية كلّما حيصت من جانب
---------------------------
(1) الصم ، جمع أصم ، و هو من الحجارة الصلب ، و الصلاب : الشديدة ، أي تقولون من الكلام ما يفلق الحجر بشدّته و قوته ، ثم يكون فعلكم من الضعف و الاختلال بحيث يطمع فيكم العدوّ .
روائع نهج البلاغة _ 124 _
تهتّكت من آخر (1) أ كلّما أطلّ عليكم منسر من مناسر (2) أهل الشام أغلق كلّ رجل منكم بابه ، و انجحر انجحار الضّبّة في جحرها و الضبع في وجارها (3) ؟ الذليل و اللّه من نصرتموه و إنكم و اللّه لكثير في الباحات قليل تحت الرايات ، و إني لعالم بما يصلحكم و يقيم أودكم (4) و لكني لا أرى إصلاحكم بإفساد نفسي
الرّاي مع الاناة
من كلام له و قد أشار عليه أصحابه بالاستعداد للحرب بعد إرساله جريرا بن عبد اللّه البجلي إلى معاوية :
إن استعدادي لحرب أهل الشام و جرير عندهم إغلاق للشام ، و صرف لأهله عن خير إن أرادوه ، و الرأى عندي مع الأناة .
و لقد ضربت أنف هذا الأمر و عينه (5) و قلّبت ظهره و بطنه ، فلم أر
---------------------------
(1) المتداعية : الخلقة المتخرقة ، و مداراتها : استعمالها بالرفق التام .
(2) المنسر : القطعة من الجيش تمر أمام الجيش الكثير .
(3) انجحر : دخل الجحر أو الوجار .
(4) أودكم : اعوجاجكم .
(5) مثل تقوله العرب في الاستقصاء في البحث و التأمل .
روائع نهج البلاغة _ 125 _
لي إلاّ القتال أو الكفر (1) ، إنه قد كان على الناس وال أحدث أحداثا (2) و أوجد للناس مقالا ، فقالوا : ثم نقموا فغيّروا .
لقد سئمت عتابكم
من خطبة له في استنفار الناس إلى أهل الشام :
أفّ لكم ، لقد سئمت عتابكم إذا دعوتكم إلى جهاد عدوّكم دارت أعينكم كأنكم من الموت في غمرة (3) ، و من الذهول في سكرة ما أنتم إلاّ كإبل ضلّ رعاتها فكلّما جمعت من جانب انتشرت من آخر تكادون و لا تكيدون ، و تنقص أطرافكم فلا تمتعضون (4) ، لا ينام عليكم و أنتم في غفلة ساهون ، غلب و اللّه المتخاذلون و ايم اللّه إني لأظنّ بكم أن لو حمس الوغى و استحرّ الموت قد انفرجتم عن ابن أبي
---------------------------
(1) المراد بالكفر هنا : الفسق ، لأن ترك القتال تهاون بالنهي عن المنكر ، و هو فسق .
(2) يريد من الوالي الخليفة الذي كان قبله ، و تلك الأحداث معروفة في التاريخ ، و هي التي أدّت بالقوم الى التألب على قتله .
(3) دوران الأعين : اضطرابها من الجزع ، و من غمره الموت يدور بصره ، و غمرة الموت : الشدة التي تنتهي اليه .
(4) تغضبون .