الرَّسُولُ الأعْظَم صلى الله عليه وآله مَع خُلفَائِهِ

  وفي السنة الثامنة من الهجرة اتجهت إلى فتح مكة ، وقد كتمت الخبر عن جميع افراد الجيش ، لأفاجيء اهل مكة وهم على غير اهبة واستعداد محافظة على حرمة البيت وقدسيته من ان تراق فيه الدماء، وسارت الجيوش تطوي البيداء ، فلما اشرفت على مكة خرج عمي العباس وعلي في غلس الليل فبينما يسيران إذ سمع عمي العباس صوت ابي سفيان ، ولم يكن على علم بتوجه المسلمين إلى فتح مكة ، وكان يناجي بديل بن ورقاء وهو يقول له : ما رأيت كالليلة نيراناً قط ولا عسكراً فقال له بديل : هذه والله خزاعة حمستها الحرب ، فرد عليه ابو سفيان خزاعة أذل وأقل من تكون هذه نيرانها وعسكرها ، فرد عليه عمي العباس ، فقال له : يا أبا حنظلة ، فجفل وفزع من كلامه ، فقال له : ـ ما لك فداك أبي وأمي ؟ فقال له العباس : ويحك يا أبا سفيان ، هذا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في الناس .
  فارتعدت أعضاؤه ، وانهارت قواه ، وقال وهو يتمتم في كلامه : « ما الحيلة » فأجابه العباس : والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك ، فاركب في عجز هذه البغلة ، حتى أتي بك رسول الله فاستأمنه لك ، فركب خلف عمي العباس فجاء به ، وكلما مر بنار من نار المسلمين قالوا : من هذا ؟ فإذا رأوا بغلتي وعليها عمي العباس ، قالوا : عم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على بغلته ، فلما جاء به أراد عمر بن الخطاب قتله ، فنهرته ، وأمرت عمي العباس أن يغدو به صباحاً ، فلما أسفر وجه الصبح جاء عمي العباس ومعه أبو سفيان فقلت له : ـ ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله، قال أبو سفيان : ما أحلمك ، وأكرمك ، وأوصلك ، والله لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عني شيئاً بعد ، فقلت له : ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله فأظهر أبو سفيان جاهليته ، وشركه ، وعدم إيمانه بالرغم من كونه أسيراً فقال : « بأبي أنت وأمي ، ما أحلمك ، وأوصلك !! أما هذه والله فان في النفس منها حتى الآن شيئاً ! » فردَّ عليه عمي العباس ، محافظاً عليه من أن يهراق دمه قائلاً له : « اسلم ، واشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله قبل أن تضرب عنقك » .

الرَّسُولُ الأعْظَم صلى الله عليه وآله مَع خُلفَائِهِ _53_

  فتمتم بالشهادة ، ولكن جحد بها قلبه ، وإنما قالها حفظاً لدمه ، وأراد عمي العباس أن يسدي على هذا الخبيث الدنس يداً فقال لي : « يا رسول الله ، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر ، فاجعل له شيئاً » ، فأجبته إلى ذلك وقلت : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ، وأراد أبو سفيان أن ينصرف إلى مكة فأمرت بحبسه بمضيق الوادي حتى خطم الجبل ;(1) حتى تمر به جنود الله فيراها فيحدث المشركين بذلك حتى يدخل الروع والفزع في قلوبهم فلا تسفك الدماء ، وحُبس أبو سفيان بالمضيق فمرت عليه القبائل على راياتها فكلما مرت عليه قبيلة قال : يا عباس من هذه ؟ سلـيم . ما لي ولسلـيم ، وأخذت تجتاز عليه الجيوش الاسلامية وهي مدججة بالسلاح ، وهو يسأل عنها فيعرفه بها العباس ، واجتزت عليه في كتيبة خضراء ، وقد أحاط بي أصحابي ، وكانت من أثقل الفصائل ، وأشدها شكيمة ، ومن أعظمها قوة ، فلما رآها بهر ، وأخرس ، وقال بصوت خافت : من هؤلاء ؟ هذا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في المهاجرين والأنصار ، فاستولى عليه الرعب ، وقال : ما لأحد بهؤلاء قبل والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيماوما كان لأبي سفيان ليفقه غير الملك ، فرد عليه عمي قائلاً : يا أبا سفيان إنها النبوة .

---------------------------
(1) حطم الجبل : أنف الجبل .

الرَّسُولُ الأعْظَم صلى الله عليه وآله مَع خُلفَائِهِ _ 54_

  فأجابه بصوت متحجر، نعم إذن وأطلق عمي العباس سراح ابي سفيان فمضى مهرولاً فزعاً ، حتى إذا انتهى إلى مكة اخذ يصيح في شوارعها وازقتها،« من دخل دار ابي سفيان فهو آمن » ، فلما سمعت منه هند زوجته اخذت شاربه ، وجعلت تحرض قريش على مناجزتي قائلة : « اقتلوا الحميث الدسم الأحمس (1) قُبح من طليعة قوم » ، فلم يعن بها ابو سفيان ، واخذ يصيح في قومه : « ويلكم لا تغرنكم هذه من انفسكم ، فانه قد جاءكم ما لا قبل لكم به ، فمن دخل دار ابي سفيان فهو آمن ، فقالت له قريش : « وما تغنى عنك دارك » قال ابو سفيان ، وهو ينصحهم ويحرص عليهم : « ومن اغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن . . . » وتفرق الناس هاربين إلى دورهم ، وقد حفظت بذلك الدماء ، وصنت البلد الحرام من ان تراق فيه الدماء ، وتزهق فيه الأنفس ، ودخلت مكة ، وانا مطرق برأسي إلى الأرض تواضعاً لله على ما أكرمني من الفتح(2) واعطيت الراية لسعد بن عبادة وأمرته أن يدخل مكة امامي ، فأخذ سعد الراية ، وقد تذكرما مني به المسلمون من الأذى ، والاضطهاد من اهل مكة ، فأخذ يرتجز ويقول :

اليوم  يوم iiالملحمة      اليوم تسبى الحرمة
---------------------------
(1) الحميث : زف السمن ، الدسم : الكثير الورك ، الأحمس : الشديد اللحم .
(2) سيرة ابن هشام 2 ـ 402 ـ 404 .

الرَّسُولُ الأعْظَم صلى الله عليه وآله مَع خُلفَائِهِ _55_

  فلما سمعت بذلك تأثرت لأني جئت إلى صيانة الأخلاق ، وإلى نشر الفضائل فأمرت علياً أن يصل إليه ، وان يأخذ الراية من يده ، ويدخلها إدخالاً رفيقاً إلى مكة فكانت راية الفتح بيد علي ، وقد اعددته بذلك لقيادة المسلمين ، ودخلت البيت الحرام وفيه ثلاثمائة وستون صنماً ، فصعدت على منكب علي الاحطمها فرايته لا طاقة له على النهوض بي ، فنزلت عنه ، ثم نهضت به فأخذ يكسر الأصنام ، ويرمي بها إلى الأرض ، وانا اتلو قول الله تعالى : « جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا » (1) ، ودخلت كلمة الاسلام إلى مكة المكرمة ، وقضى بذلك الله على قوى الشرك والإلحاد .

غـزوة حنـين :
  وبعد ان فتح الله نصره عليَّ وعلى المسلمين اضطربت الجزيرة العربية ودخلها الرعب والفزع لفتح مكة التي هي حصنها المنيع ، ومأوى جبابرة العرب ، وطغاتها ، فاجتمعت هوازن بقيادة مالك بن عوف النضري ، واجتمعت معها نصر وجشم كلها ، وصعد بن بكر ، وناس من بني هلال ، ولما علمت امرهم سرت إليهم قبل ان يسيروا الي ، وخرجت إليهم بعشرة آلاف من المهاجرين والأنصار ، وخرج معي من قريش الفان دفعهم إلى ذلك حبهم للأنتصار ، وان ينفضوا عنهم غبار الذل ، واندفع بعضهم بدافع الطمع بالغنائم والإسلاب.

-------------------------
(1) خصائص النسائي ص 31 ، الكشاف للزمخشري في تفسير قوله تعالى : « قل جاء الحق وزهق الباطل » .

الرَّسُولُ الأعْظَم صلى الله عليه وآله مَع خُلفَائِهِ _56_

  شوانحدرت بالجيش في عماية الصبح في واد اجوف من اودية تهامه لأصيب من هوازن غرة قبل ان يأخذوا حذرهم ، وكانوا قد سبقونا إلى الوادي ، وقد كمنوا لنا في شعابه ، وإحنائه ومضايقه ، وتهيئوا للحرب ، فما راع المسلمين إلا انثيال الوادي عليهم خيلاً ورجالاً ، وصارت هوازن وأخلافها تشد على صفوف المسلمين وتكثر فيهم الطعن والقتل حتى تفرق المسلمون ذعراً ، وانهزموا راجعين لا يلوى أحد على أحد ، وكنت ثابتاً في مكاني أدعوهم إلى الله ، وإلى الثبات قائلاً : « أين أيها الناس ؟ هلموا إلي أنا رسول الله أنا محمد بن عبد الله ، فتبدد ندائي في أنحاء الوادي ، ولم يستجب لي سوى نفر من المؤمنين الصابرين ، وكان علي من أشد الناس قتالاً بين يدي (1) ووقف عمي العباس يذب عني ، وأبدى أبو سفيان شماتته قائلاً ؟ « لا تنتهى هزيمتهم دون البحر . . » وقال كلدة بن حنبل : « ألا بطل السحر اليوم » وطلبت من عمي العباس أن ينادي بين المسلمين لترجع إليهم حوازب أحلامهم ويثوبوا إلى الرشاد فصاح عمي ،« يا معشر الأنصار ، يا معشر أصحاب السمرة . . » فأجابوه بالتلبية ، وانكفئوا راجعين ، وكان من أشد المحاربين في صفوف المشركين رجل من هوازن ، وهو صاحب رايتهم وكان على جمل فأهوى اليه على عرقوب جمله فوقع على عجزه ، ووثب إليه رجل من الانصار فضربه على نصف ساقه فسقط على الارض صريعاً يتخبط بدمه ، ولم تطل الهزيمة بالمسلمين ، بل أتم الله نصره ، وأيد المسلمين بجنود لم يروها ، وكانوا لهم عوناً ونصيراً ، وانتهت المعركة ، وقد ساهم فيها علي مساهمة فعالة ، فقد أبلى فيها بلاءً حسناً ، وقد لمع نجمه ، وتحدث الناس عن عظيم جهاده ، وكثرة جهوده .

-----------------------------
(1) مجمع الزوائد للهيتمي 6 ـ 180 .

الرَّسُولُ الأعْظَم صلى الله عليه وآله مَع خُلفَائِهِ _57_

  وينبري شاعر المحشر الشيخ الازري فيصف الموقعة ، ويذكر بطولة علي ، فيقول :
ومــن  الـمهتدي بـيوم iiحـنين      حـين  غـاوى الـفرار قد iiأغواها
حيث  بعض الرجال تهرب من iiبي      ض المواضي ، والبعض من قتلاها
حـيث  لا يـلتوي الى الالف iiإلف      كـل نـفس أطـاشها مـا iiدهـاها
مـن  سـقاها فـي ذلك اليوم iiكأساً      فـايضاً  بـالمنون حـين iiرواهـا
أعـجب الـقوم كـثرة الـعد iiمنها      ثـم ولـت والـرعب حشو حشاها
وقـفـوا  وقـفة الـذليل iiوفـروا      مـن أسـود الـثرى فـرار iiمهاها
وعـلـي  يـلقى الألـوف بـقلب      صـور الـلّه فـيه شـكل iiفـناها
إنـمـا تـفـضل الـنفوس iiبـجد      وعـلـى  قــدره مـقام iiعـلاها
ويدعو الجميع للازري ، ويشكرونه على هذه الخرائد التي أتحف بها الجميع .

علـي المُبلّـغ :
  وفي السنة التاسعة للهجرة نزلت سورة براءة فأرسلت بها علياً الى مكة ليبلغها عني ، لأن التبليغ عن الله مهمة كبرى لا يقوم بها إلا أنا أو رجل من أهل بيتي ، وكان ابو بكر أميراً على الحج ، فأسرع اليه علي ، ونحاه عن مكانته وتولى هو القيام بهذه المهمة الكبرى ، وقد أدى رسالة الله ، فقال رافعاً صوته : « وبراءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين »، ثم التفت إلى الملأ ، وكانوا في منى مجتمعين ، فقال لهم : « أيها الناس ، إنه لا يدخل الجنة كافر . ولا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان . ومن كان له عند رسول الله عهد فهو لمدته »، (1) وخبأ نجم الكفر ، وأصابه الأفول ، وقد انحسمت روح الشرك .

---------------------------
(1) صحيح الترمذي 2 ـ 183 ، خصائص النسائي ص 20 ، تفسير ابن جرير 10 ـ 46 ، مسند الإمام أحمد بن حنبل 1 ـ 151 .

الرَّسُولُ الأعْظَم صلى الله عليه وآله مَع خُلفَائِهِ _58_


بعثـه لليمن :
  وقامت فتنة باليمن ، وابى أهلها النزول على حكم الله ، وقد نبذوا الاسلام ، وقد أوفدت إليهم خالد بن الوليد ، وقد مكث خالد فيهم ستة أشهر فلم يستطع أن يصنع شيئاً ، فأرسلت علياً ، فقفل خالد ، وقد أخفق في اداء مهمته ، ولما انتهى إليهم علي اتجه الى قبيلة همدان ، فصلى بهم ، وقام فيهم خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ، وقرأ عليهم كتابي فأسلمت همدان كلها في يوم واحد ، ودخلوا في دين الله أفواجاً ، وأصبح الشرك سُبّة بينهم ، وكتب إليهم بنبأهم فداخلني من السرور والابتهاج ما لا يعلم به إلا الله ، وسجدت شكراً لله تعالى على ما منحني به من النصر ، ولم تدخل همدان وحدها في حضيرة الإسلام وإنما تبعتها قبائل وقبائل ، وقد زاد ذلك في عزة الإسلام وفي علو شأنه .
  لقد كان تأثير الإمام على همدان تأثيراً عميقاً فقد رأوا في هديه هديي ، وفي سلوكه سلوكي ، ولم يؤثر عليهم خالد لأنه جافي في طريق الوعظ ، وسنن الهدي والرشاد ، وقد تأثرت همدان تأثيراً بالغاً بالإمام ، وانطبع حبه في نفوسها ومشاعرها ، وعرفت هذه الاسرة الكريمة بالولاء والحب له ، فوقفت إلى جنبه في جميع مغازيه وحروبه ، وكان يقول لهم علي : « أنتم درعي ورمحي »، ولما فرغ علي من اداء مهمته قفل راجعاً إلى مكة ليلتقي بي ، ويتأهب لحجّة الوداع .

حجّـة الوداع :
  ولما كانت السنة العاشرة للهجرة . كانت حجّة الوداع أمرني ربي أن آخذ له البيعة من عموم المسلمين ، وأن أفرض ولايته على القريب والبعيد ، فأخذت له البيعة .وكان ابو بكر من السابقين الى مبايعته ، ومن المبادرين الى التسليم عليه بإمرة المؤمنين.

الرَّسُولُ الأعْظَم صلى الله عليه وآله مَع خُلفَائِهِ _59_

وينبري الازري ليتلو رائعته على أهل المحشر، ويصف بيعة الغدير وموقف النبي ( صلى الله عليه وآله ) فيقول :
ونـجم  مـاذا جرى يوم iiخم      تلك  أكرومة أبت أن iiتضاها
ذاك  يـوم من الزمان iiأبانت      مـلة  الـحق عـن iiمقتداها
كـم حوى ذلك الغدير iiنجوماً      ما جرى أنجم الدجى iiمجراها
إذ رقـى مـنبر الحدائج iiهاد      طـاول  البيعة العلى iiبرقاها
مـوقفاً  لـلأنام فـي iiفلوات      وعرات بالقيض شوى شواها
خـاطباً  فـيهم خطابة iiوحي      يـرث  الدين كله من iiوعاها
أيـها الـناس لا بـقاء iiلحي      آن مـن مدتي أوان iiانقضاها
إن  رب الورى دعاني iiلحال      قبل أن يخلق الورى iiاقضاها
أن  أولـي عليكم خير iiمولى      كـلما اعـتلت الأمور iiشفاها
سـيداً  مـن رجالكم iiهاشمياً      صافحته  العلى فطاب iiشذاها

الرَّسُولُ الأعْظَم صلى الله عليه وآله مَع خُلفَائِهِ _60_

فـتـفـكرت  فـــي ضـمـائـر قـــوم      وهـــي  مـطـويـة عــلـى شـحـناها
وتــطـيـرت مـــن مـقـالـة قـــوم      قـــد  عـــلا بـابـن عـمـه وتـبـاها
فـأتـتـني  عـزيـمـة مـــن iiإلــهـي      أوعـدتـنـي إن لـــم ابــلـغ iiمـطـاها
فــهـدانـي لـلـتـي هـــي iiاهـــدي      وحـبـانـي  بـعـصـمة مـــن iiاذاهــا
انـهـا  الـنـاس حـدثـوا الـيـوم عـنـي      ولـيـبـلغ  ادنـــى الــورى iiاقـصـاها
كــل  نـفـس كـانـت تـرانـي iiمـولـى      فـــل تــر الـيـوم حـيـدراً iiمـولاهـا
ربـــي هـــذه امـانـة لــك iiعـنـدي      والــيــك  الأمــيـن قـــد iiأداهـــا
وال من لا يرى الولاية إلا لعلي وعاد من عاداها
فــأجـابـوا  بـــخ بـــخ وقــلـوب      الـقـوم تـغـلي عـلـيَّ مـغـالي iiقـلاهـا
لـــم  تـسـعـهم إلا الإجـابـة iiبـالـقول      وإن كـــان قـصـدهـم مـــا iiعـداهـا
قـــل لــمـن أوَّل الـحـديـث سـفـاها      وهـــو إذ ذاك لـيـس يـأبـى iiالـسـفاها
أتـــرى  ارجـــح الـخـلائـق iiرأيــا      يـمـسك الـنـاس عــن مـجاري iiسـراها
راكــبــاً ذروة الــحـدائـج iiيــنـبـي      عــن  أمــور كـالـشمس رأد iiضـحـاها
  وتنال هذه المقطوعة الرائعة إعجاب الجميع ، وثناءهم ، ويباركون له على هذا الشعور الفياض .

الرَّسُولُ الأعْظَم صلى الله عليه وآله مَع خُلفَائِهِ _61_

دفاع ابـي بكـر واعتـذاره:
  وبعدما أدلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) بمواهب وصيّه ، وخليفته من بعده ، يسود صمت رهيب على أهل المحشر ، فينبري ابو بكر مدافعاً عن نفسه يقول : يا رسول الله ، لقد أجمعت الأمة على انتخابي خليفة من بعدك ، واميراً ، ولم يسعني ان أخالف الاجماع ، وأشق عصى المسلمين، فأجبتهم الى ما أرادوا ، خوفاً من حدوث الفتنة بين المسلمين، جواب النبي « صلى الله عليه وآله وسلم » :ويحاسبه النبي ( صلى الله عليه وآله ) على كلامه ، فيفنّد دعوى الاجماع ، ويقول له :هل ان المنتخبين لك معصومون من الخطأ ، ومنزهون من الغل والحسد وهل أشركتم في انتخابك عترتي الطاهرة التي اذهب الله عنها الرجس ، وطهرها تطهيراً وهل دعوت لبيعتك عشيرتي الأقربين عمي العباس وابنائه وعبد الله بن جعفر الطيار ، وسائر بني هاشم وهل دعوت أصحاب البصيرة في الدين ، أمثال سلمان الفارسي والمقداد ، وابي ذر ، وعمار بن ياسر ، وحذيفة بن اليّمان ، وابي دجانة ، وأضرابهم من المؤمنين والسابقين للاسلام ؟ فأين الاجماع ؟ وهل يكتب الاجماع الصفة الشرعية بعد أن تخلف عنه عيون المؤمنين ، ووجوه المسلمين ؟ اين الاجماع الذي حصل ، وقد قهرت المسلمين على البيعة وأجبرتموهم على ذلك ، وقد لعبت درّة صاحبك عمر لعِبتها في إرغام الناس ، واكراههم على بيعتك ،هل يجوز أن تسمي البيعة بالقهر إجماعاً ، وقد خرجت الى الأزقة ومعك بنات عرشك عمر بن الخطاب ، وابو عبيدة ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وعويم بن ساعدة تتخبطون الناس كمن مسه مس من الشيطان فتزعمون الناس على البيعة لك بالتهديد تارة وبالضغط أخرى، واذا كان الاجماع عندك سبباً في مشروعية الخلافة فلم عدلت عنه واستبددت بمفردك بتعيين عمر بن الخطاب خليفة لك من بعدك ،ويدين النبي ( صلى الله عليه وآله ) أبا بكر بجملة من أعماله التي ارتكبها ، وهي .

الرَّسُولُ الأعْظَم صلى الله عليه وآله مَع خُلفَائِهِ _62_

ارغام علي على البيعة :
  ولم تقتنع يا أبا بكر بتقمصك للخلافة ، وغصبك لعلي حقه ، وانما حملت علياً على البيعة لك فقد أوعزت الى حزبك ان يحملونه قسراً ، فانطلق عمر بن الخطاب وبشير بن عويم ، وأسيد بن الحضير ، وعويم بن ساعدة ، ومعن بن عدي ، وابو عبيدة بن الجراح ، وسالم مولى ابي حذيفة ، وخالد بن الوليد ، وقنفذ بن جذعان فهجموا على علي داره ، وفيها بضعتي ، وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام ، وقد جاء عمر بقبس من النار ليحرق بيت الوحي ، وخزان العلم ، ومعدن التقوى والايمان ، وهجم عمر على الدار وهو مغيظ محنق يصيح بأعلى صوته : « والذي نفس عمر بيده ليخرجن أو لأحرقنها على من فيها . . » فتراجع قوم من المسلمين ، ونددوا بمقالته ، وحذروه من عقوبة الله وسخطه قائلين له :« إنّ في الدار فاطمة » ، فصاح بهم غير مكترث :« وإن ، وإن » (1) ،وطالعتهم حبيبتي وبضعتي ، وقد علاها الرعب ، استولى عليها النزع والذهول قائلة :« لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم تركتم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) جنازة بأيدينا ، وقطعتم أمركم بينكم لم تستأثرونا ، ولم تردوا لنا حقاً . . »وتقطعت القلوب ، وذابت نفوس القوم أسى حينما سمعوا بضعتي الولهى ، وهي تستغيث وتستجير ، فأسرع عمر اليك يحفزك على الوقيعة بأخي ووصيي وباب مدينة علمي قائلاً لك :« ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة ؟ »فأرسلت قنفذاً خلفه فأبى من الحضور ، فانطلق صاحبك عمر ومعه جلاوزته الى بيت الامام فقرع الباب ، واقتحم على الاسد عرينه فأخرجوه ملبباً بحمائل سيفه يهرول ، والزهراء خلفه تعدو وتستغيث قائلة : « يا أبتِ يا رسول الله . . . ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن ابي قحافة » ،وجاءوا بعلي فأوقفوه أمامك ، وهو مهدور الكرامة ، مهان الجانب ، وأنت على منبري ، فالتفت اليه قائلاً : « بايع » .

-------------------------
(1) إن تهديد عمر لأمير المؤمنين عليه السلام بحرق داره إن لم يبايع ثبت بالنصوص المتواترة ، ونص عليه أكثر المؤرخين فقد جاء في كل من الامامة والسياسة 1 ـ 12 ـ 13 ، شرح النهج لابن أبي الحديد . 1 ـ 34 ، تاريخ الطبري 3 ـ 222 دار المعارف ، تاريخ أبي الفداء 1 ـ 156، تاريخ اليعقوبي . 2 ـ 105 ، اعلام النساء 3 ـ 205 ، الأموال لأبي عبيد ص 131 ، مروج الذهب 1 ـ 404 ، ونظمه شاعر النيل الحافظ ابراهيم بقوله :

وقـولـة  لـعلي قـالها iiعـمر      أكـرم بـسامعها أعـظم iiبملقيها
حـرقت دارك لا أبقى عليك iiبها      إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها
مـا كان غير أبي حفص iiبقائلها      أمـام فـارس عـدنان iiوحاميها

الرَّسُولُ الأعْظَم صلى الله عليه وآله مَع خُلفَائِهِ _63_

  فقال لك : وإن لم أفعل ؟ فألتفتَ إليه حزبك ، وعلى رأسهم عمر قائلين له : « والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك . . » وتناسوا مواقفه المشكورة ، ودفاعه المنير عن الاسلام ، وقد صمت علي برهة من الزمن فنظر إلى القوم فاذا ليس له معين ، ولا ناصر فقال بصوت حزين النبرات : « إذاً تقتلون عبد الله ، وأخا رسوله ! » فاندفع ابن الخطاب راداً عليه : « أما عبد الله نعم ، وأما أخو رسوله فلا » وتناسى عمر ان أمير المؤمنين أخي ، وباب مدينة علمي ، وخير من خلّفته في أمتي ، والتفت اليك يحثك على الإيقاع به ، وعلى قتله قائلاً لك : « ألا تأمر فيه بأمرك ؟ » وحاذرت من وقوع الفتنة ، ومن اندلاع نيران الثورة فقلت : « لا أكرهه ، ما كانت فاطمة الى جانبه » ، وأطلقت سراحه ، فراح يهرول إلى قبري ، وهو يبكي أمرّ البكاء ، ويستنجد قائلاً : « يا بن أم . . إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني » لقد استضعفتموه ، واستوحدتموه ، واستبحتم حرمته ، وما راعيتم مقامه ، ومكانه مني ؛ وقفل راجعاً الى بيته وهو كئيب حزين ، يسامر الهموم ، والآلام.

مصادرة فـدك :
  يا أبا بكر لم منعت ابنتي فاطمة فدكاً ، وقد كنت منحتها إياها في حياتي ، فرددتها ، وطالبت منها البينة ، فأتتك بأوثق بينّة وباصدق شهود ، وأعدلهمجائتك بعلي ، وبسبطي الرحمة وامامي الهدى الحسن والحسين ، وبالمرأة الصالحة ام أيمن فطعنت شهادتهم ، وقلت : إن علياً يجر النار إلى قرصه ، وان الحسنين طفلان .

الرَّسُولُ الأعْظَم صلى الله عليه وآله مَع خُلفَائِهِ _64_

  وأنت تعلم بطهارتهم ، وصدق شهادتهم ، لأنهم من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس ، وطهرهم تطهيراً ، وقد سمعت مني الشيء الكثير مما قلته في حقهم ، فقد شبهتهم بسفينة نوح ، وجعلتهم عُدلاء للذكر الحكيم ، أليس ذلك كافياً في توثيقهم وتزكيتهم ،مضافاً لذلك فان ابنتي هي صاحبة اليد ، فلا تطالب بالبينة ، وانما تطالب بها أنت ، ورددت شهادة السيدة أم أيمن وقد شهدت لها بالجنة وهب أنك لم تقنع بالبينة على ثبوت نحلتها ، فلم لا تكون ميراثاً ؟ وقد شرع الله في الميراث أحكاماعامة في كتابه فلم يستثن منها أحداً نبياً أو غير نبي ، قال تعالى : « يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ » (1) وقال تعالى فيما اقتص من خبر زكريا « فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا {مريم/5} يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا » (2) وقال تعالى : « وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ » (3) فهذه الآيات الكريمة شاملة للأنبياء وغيرهم، وقد رويت عني حديثاً لم أفه به ، فقلت لبضعتي إن أباك قال : « نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهباً ولا فضة ، وما كان لنا فهو لولي الأمر من بعدنا يصرفه في الكراع والسلاح .

--------------------------
(1) سورة النساء : آية 11 .
(2) سورة مريم : آية 5 ـ 6 .
(3) سورة الأنفال : آية 75 .

الرَّسُولُ الأعْظَم صلى الله عليه وآله مَع خُلفَائِهِ _65_

  فهل أنت يا أبا بكر أعلم بعموم القرآن وخصوصه مني ومن بضعتي ، ووصيي علي ، وإذا قلت ذلك أفهل أخصك به وحدك ، ولا أعلم به عترتي وأهل بيتي حتى لا يحدث بينهم نزاع أو شقاق في مواريثي ، إنك من دون شك تعلم بعدم صحة ذلك ، وأنت مطمئن به ، ولكن غرضك من ذلك شل نشاط علي ، ودك كيانه محاذراً أن يكون له مال فتكثر أعوانه ، وتقوى شوكته ، فيدفعك عن مركزك ، ويرجع إليه حقه الغصيب ، ويقوم الأزري ودموعه تتبلور على وجهه ، وقد ثارت كوامن آلامه فيخاطب الجماهير قائلاً :
أيـها  الـناس أي بـنت iiنـبي      عـن  مـواريثه أبـوها iiزواها
كـيف يـزوي تـراثي iiعـتيق      بـاحاديث مـن لـدنه أفـتراها
هـذه الـكتب فـاسألوها iiتروها      بـالـمواريث نـاطقاً iiفـحواها
وبـمـعنى يـوصيكم الله iiأمـر      شـامـل لـلعباد فـي iiقـرباها
كـيف  لـم يـوصنا بذلك iiمولا      نـا وتـيما مـن دوننا iiأوصاها
هـل رآنـا لا نـستحق iiاهتداءً      واسـتحقت  تـيم الهدى iiفهواها
أم تـراه اضـلنا فـي iiالـبرايا      بـعد  عـلم لكي نصيب iiخطاها
انـصفوني  من جائرين iiاضاعا      ذمـة الـمصطفى ومـا iiرعياها
وانـظروا  في عواقب الدهر كم      امست عتاة الرجال من صرعاها
مـا لـكم قـد مـنعتمونا iiحقوقاً      اوجـب  الـلّه في الكتاب iiاداها
وحـذوتم حـذو الـيهود iiغـداة      اتـخذوا الـعجل بعد موسى إلها

الرَّسُولُ الأعْظَم صلى الله عليه وآله مَع خُلفَائِهِ _66_

  ويسود الحزن والبكاء على الجميع ، ويلتفت النبي إلى ابي بكر قائلا له : يا أبا بكر هل من البر والإحسان ان تخرج بضعتي ووديعتي فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين وهي ثكلى قد نخب قلبها الحزن على فراقي ، واذاب فؤادها الأسى حزناً عليَّ ، فتخرجها من بيتها تتهادى بين ثلة من نساء قومها فتوقفها بين يديك موقف المحاكمة ، وبملأ من الناس، وهي تبسط دعواها لإثبات النحلة لفدك ، وتدعيم قولها بالبرهان مستدلة عليك بقوله تعالى : « وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ » وهل هناك مصداق لهذه الآية غيرها ؟ فكان جوابك لها مداورة ومغالطة قائلاً لها : « أنت أعزّ الناس عليّ فقراً ، وأحبهم إليّ غنى ، لكني لا أعرف صحة قولك ، فلا يجوز أن أحكم لك » .
  فأتتك بالشهود من الثقات فرددت شهادتهم ، هل كنت لا تعرف صحة قولها ، وهي سيدة نساء العالمين ، وهل تراها مع بينتها من أهل الزور والعدوان ؟ « كلا بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل ، والله المستعان على ما تصفون » ، ولما أدعتك ميراثها ولم تورثها ، وأخذت تقابلها بمعسول القول لأجل كسب رضاء الجماهير فقلت لها : « يا بنت رسول الله ، والله ما خلق الله خلقاً أحب عليّ من رسول الله أبيك ، ولوددت أن السماء وقعت على الأرض يوم مات أبوك . والله لئن تفتقر عائشة أحب إلي من أن تفتقري ، أتريني أعطي الأبيض ، والأحمر حقه ، وأظلمك ؟ وأنت بنت رسول الله ، إن هذا المال لم يكن للبنين ، وإنما كان مالاً من أموال المسلمين ، يحمل به النبي الرجال ، وينفقه في سبيل الله ، فلما توفى وليته كما كان يليه . . . » إنها لم تطالبك من أموال المسلمين ، فإنها أعلم بأحكام الله من غيرها ، وإنما جاءت تطالب ميراثها ، ومنحتها ، وقد ردت عليك ابنتي وقد ملأ الأسى قلبها فقالت لك : « والله لا كلمتك أبداً » ، فرددت عليها : « والله لا أهجرنك أبداً » ، ولما يئست من الناصر والمعين قالت لك :« والله لأدعون عليك » ،قلت لها : « لأدعون الله لك » ،وكان الأجدر بك أن تربأ بوحيدتي من الفشل في موقفها ومن الخيبة في دعواها ، فتعطيها فدكاً من غير محاكمة فإن للامام أن يفعل ذلك بولايته العامة ، وما قيمة فدك في سبيل هذه المصلحة ، ودفع هذه المفسدة .

الرَّسُولُ الأعْظَم صلى الله عليه وآله مَع خُلفَائِهِ _68_

منع سهم ذي القربى :
  لقد منعت يا أبا بكر سهم ذي القربى ، وقد نصَّ الله عليه في كتابه قال تعالى : « وما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير » ، وكنت اختص بسهم من الخمس ، واخص بني هاشم بسهم آخر ، وقد جعل الله الخمس حقاً شرعياً لأربابه المذكورين في الآية ، وحذر الطامعين عن صرفه عنهم وذلك بما وصفهم بعدم الإيمان بالله ، ولما التحقت بالرفيق الأعلى منعت بني هاشم من الخمس ، وجعلتهم كغيرهم من المسلمين (1) ، وقد ارسلت اليك سيدة نساء العالمين بضعتي فاطمة تسألك ان تدفع لها ما بقي من خمس خيبر ، فأبيت ان تدفع إليها منه شيئاً ، فتألمت واحاط بها الشجى والحزن ، فوجدت عليك ، وهجرتك في المدة التي عاشتها بعدي ، وقدبلغ من عظيم وجدها عليك انها اوصت علياً ان يدفنها في غلس الليل، البهيم لئلا تحضر انت وحزبك الصلاة عليها ، ولا دفنها (2) .

--------------------------
(1) النص والاجتهاد ص 111 نقلا عن الكشاف .
(2) ذكر ذلك شرّاح البخاري من المجلد الثامن ص 157 ، وفي مستدرك الحاكم 3 ـ 162 عن عائشة قالت دفنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودفنها علي ، ولم يشعر ابو بكر حتى دفنت وصلى عليها علي ، وجاء هذا الحديث في مسند احمد 1 ـ 6 و 9 ، وفي صحيح مسلم 2 ـ 72 ، وفي سنن البيهقي 6 ـ 300 وذكر ابن كثير في تاريخه 6 ـ 333 لم تزل فاطمة تبغض ابو بكر مدة حياتها ، وفي السيرة الحلبية 3 ـ 390 قال الواقدي : ثبت عندنا ان علياً دفنها وصلى عليها ومعه العباس والفضل ولم يعلموا بها أحداً .

الرَّسُولُ الأعْظَم صلى الله عليه وآله مَع خُلفَائِهِ _69_

اعتـذار أبي بكر :
  ويعتذر ابو بكر ، ويقر بأنه قد ارتكب شططاً تجاه بضعة النبي وريحانته فيقول : بلى يا رسول الله إننا قد اخطأنا ، واسأنا إلى وديعتك وبضعتك فاطمة ، فانطلقت انا وعمر ، واستأذنا عليها فأبت أن تأذن لنا ، وذلك لعظيم وجدها علينا ، واستأذنا مرة اخرى فأبت ان تأذن لنا ، فسرنا إلى علي ، والححنا عليه أن يستأذن لنا عليها ، فقبل علي ذلك ، وتناسى اخذنا لحقه واستبدادنا بالأمر دونه ، ودخل على فاطمة فترجاها في ان تسمح لنا بزيارتها ، فقبلت ، ودخلنا عليها ، فسلمنا عليها فلم تجب ، وتقدمنا فقعدنا امامها ، فأشاحت بوجهها عنا ، ورحنا نلحق في الرجاء ان تمنحنا رضاها ، وأن تجعلنا في حل مما وقع منا من تفريط تجاهها ، فقلت لها : « يا حبيبة الرسول . . والله إن قرابة رسول الله احب إلي من قرابتي ، وانك أحب إلي من عائشة ابنتي ، ولوددت يوم مات ابوك اني مت ، ولا ابقى بعده . . أفتراني أعرفك واعرف فضلك وشرفك ، وامنعك حقك ، وميراثك من رسول الله . . » ، « لا نورّث ما تركناه فهو صدقة »، فخاطبتني فاطمة ، واشركت معي في الخطاب عمر بن الخطاب ، « أرأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول الله تعرفانه ، وتعملون به » ،أجبتها أنا وصاحبي ، « نعم » .
  فراحت تقول لنا بفؤاد مكلوم ، ونفس مُترعة بالألم والجزع ، « نشدتكما الله . . ألم تسمعا رسول الله يقول : رضا فاطمة من رضاي ، وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحب فاطمة فقد أحبني ، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ، ومن أسخط فاطمة ، فقد أسخطني » ، اجبنا مؤمنين بقولها ، ومصدقين لما سمعناه منك في حقها قائلين : « أجل قد سمعنا ذلك من رسول الله » ، فرمقت وجهها وكفيها الى السماء وراحت تقول في حرارة وألم ممض ،« فإني أُشهِد الله ، وملائكته إنكما أسخطتماني ، وما أرضيتماني ولئن لقيت رسول الله لأشكوكما إليه » (1).   وغادرنا الدار ، وقد خبا أملنا في رضا بضعتك ، وعلمنا مدى الغضب الذي أثرناه في قلبها ، ومدى السخط الذي بئنا به ، أما عمر فقد عاوده ثانية ندمه على ما فرّط في حقها فثاب الى الدمع يلوذ به ، عساه أن يلهمه الراحة ، وأما أنا فقد أحسست كأنما الدنيا قد ضاقت عليَّ حتى لا أرى فيها مقاما ، وكرهت بعد ذلك الموقف أن يصيبني من الحياة شيء أو أصيب منها ، وبحسبي أن استطيع الانطواء على نفسي في داري لاعالج همي بعد أن حرمت رضا فاطمة الذي هو من رضاء الله (2) والذي هو نفحة عاطرة من رضاك يا رسول الله ، فحينئذ أسرعت الى الناس أن يقيلوني بيعتهم فلم يسمحوا لي بذلك .

-----------------------------
(1) الامامة والسياسة 1 / 14 ؛ اعلام النساء 3 / 1214 ، الامام علي 1 / 217 .
(2) اشارة الى الحديث المتواتر « ان الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك » جاء الحديث في مستدرك الحاكم 3 / 153 ، أسد الغابة 5 / 522 ، تهذيب التهذيب 12 / 441 ، ميزان الاعتدال 2 / 72 ، كنز العمال 6 / 219 .

الرَّسُولُ الأعْظَم صلى الله عليه وآله مَع خُلفَائِهِ _70_

جواب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
  يا أبا بكر ان ذلك كان من خداعك ، وفذلكتك ، إنك إن أخذت فدكا من فاطمة ، ومنعتها من الخمس والفيء كان ذلك بحجّة شرعية فلا موجب للاعتذار ، ولا وجه لجزعك وجزع صاحبك ، ولكنك من دون شك أردت ان توهم على المسلمين بأنك نلت رضا فاطمة لتضفي على خلافتك ثوباً شرعياً ، لكن سيدة النساء لم يخف عليها أمرك فقابلتك بالغضب ، ولم تمنحك الرضا ، وقد عززت ذلك بوصيتها إلى أمير المؤمنين أن يواري جثمانها في غلس الليل البهيم حتى لا تحضر جنازتها والصلاة عليها ، حتى يستبين ذلك لجميع أمتي في جميع مراحل تأريخها ، وقد بوركت هذه الخطة الرشيدة فإنها لم تدع لك ولا لحزبك مجالا في الاعتذار ، وقد بقيت وصمة عليك لا تمحى ، ولاتنسى .
  يا أبا بكر : كان عليك أن تعلم ان فدك لم يكن لها أية أهمية ، عند بضعتي ، فانها قد نهجت نهجي وعاشت مطبوعة بطباعي ، وسارت على منوالي في العزوف عن عرض الدنيا ، ونشب الحياة ، ولكنها أرادت في واقع الحال ارجاع الخلافة إلى أمير المؤمنين عليه السلام ليسير بين المسلمين بسيرة قوامها العدل الخالص ، والحق المحض ، وحتى يستبين هدي الاسلام ، وتعم رحمته ، ونوره جميع ارجاء الارض ، ولكنها الاطماع ، وحب الدنيا قد صدتكم عن وعي ذلك ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

الرَّسُولُ الأعْظَم صلى الله عليه وآله مَع خُلفَائِهِ _71_

سهم المؤلفة قلوبهم :
  يا أبا بكر : لقد فرض الله تعالى سهما من الزكاة للمؤلفة قلوبهم ، قال تعالى : « إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ » (1)، وقد دلت هذه الآية بوضوح على أن للمؤلفة قلوبهم سهما وحصة في الزكاة ، وقد كنت أجريها عليهم ، وقد اعطيت بعض أصنافهم من سدس الخمس الذي يرجع لي ، وقد استمرت سيرتي على ذلك حتى لحقت بالرفيق الأعلى ، ولم أعهد الى أحد من بعدي باسقاط هذا السهم ، ولكنك لما وليت الامر جائتك المؤلفة قلوبهم لاستيفاء سهمهم جريا على عادتهم . . فكتبت لهم بذلك ، فذهبوا الى خليفتك عمر ليأخذوا حصتهم منه ، فعرضوا عليه كتابك فخرقه ، وقال لهم : لا حاجة لنا بكم فقد أَعز الله الاسلام ، وأغنى عنكم ، فان اسلمتم وإلا فالسيف بيننا وبينكم ، فهرعوا اليك ، وهم يتعثرون برداء الفشل والذل فقالوا لك : « أأنت الخليفة أم هو ؟ » .
فقلت لهم : بل هو إن شاء الله تعالى (2) ، وأمضيت فعل عمر ، واستقر الأمر لديكما على ذلك ، فاية غاية وفائدة قد جنيتها من تلاعبك بنص كتاب الله ، وهو اجتهاد منك في قِبال النص ، وهو من دون شك تغيير وتصرف في احكام الله ، يوم مالك بن نويرة :يا أبا بكر :يا خليفة المسلمين أهكذا يكون التمسك بالاعوان والانصار ، والمحسوبين ؟ أهكذا تعمل الحزبية ؟ ما يوم البطاح ؟ فقد انتهكت فيه كرامة الاسلام ، واستُحِل فيه ما حرمه الله ، واستبيحت أعراض المسلمين ودمائهم ، وأموالهم ، لقد ارتكب خالد كل موبقة واثم مع مالك بن نويرة التميمي .

---------------------------
(1) سورة التوبة : آية 61 .
(2) النص والاجتهاد للامام شرف الدين نقله عن الجواهر النيرة على مختصر القدوري في الفقه الحنفي ص 164 من جزئه الاول .

الرَّسُولُ الأعْظَم صلى الله عليه وآله مَع خُلفَائِهِ _72_

  كان مالك في بني تميم هامة الشرف ، وعرنين المجد ، ومن تضرب الامثال بفتوته نجدة ، وكرما ، وحفيظة ، وشجاعة ، وقد قيل فيه « لا فتى إلا كمالك »، وهو من أرداف الملوك أسلم ، وأسلم بنو يربوع باسلامه : ووليته على صدقات قومه ، ثقة به واعتماداً عليه ، ولما أنتقلت الى دار الحق أبى النزول على حكمك في أمر الزكاة وغيرها ، ولم يكن ذلك منه عن ارتياب في الدين ، أو شق لعصا الطاعة بين المسلمين ، ولا لابتغاء فتنة ، وانما كان باحثا عن تكليفه الشرعي في ذلك ليؤديه حسب ما شرع الله ورسوله ، فقد عرف أني نصبت عليا خليفة على المسلمين ، ودللتهم عليه ، وقد سأل عن ذلك فقيل له الامر يحدث بعده الامر فاترعت نفسه بالشكوك من حكومتك .
  بهذا لا بسواه تريث مالك في دفع الزكاة باحثاً عن براءة ذمته فيمن يدفعها إليه ، ولم يكن منكراً للزكاة ، ولا ممن يستحل ماحرم الله،فبم استحللت دمه ، وأبحت لخالد بن الوليد أن يغدر به ويسفك دمه ، لقد زحف اليهم خالد فلما دنا منهم أذن مؤذن خالد ، وأقام للصلاة فاقتدى به مالك مع قومه ، وبعد الفراغ من الصلاة خفوا على أسلحتهم وشدوا وثاقهم ، وجيء بهم أسرى إلى خالد ، وكانت فيهم زوجة مالك ليلى بنت المنهال ، وكانت من أشهر نساء العرب بجمالها ، فافتتن بها خالد ، وقد تجادل في الكلاممع مالك ، وهي واقفة الى جنبه فكان مما قاله خالد له : ـ اني قاتلك،ـ أو بذلك أمرك صاحبك ؟ ـ والله لأقتلنك .

الرَّسُولُ الأعْظَم صلى الله عليه وآله مَع خُلفَائِهِ _73_

  وكان عبد الله بن عمر وأبو قتادة الأنصاري حاضرين ، فكلما نهيا خالدا في أمره فلم يستجب لقولهما ، فالتفت مالك قائلا « إبعثنا الى أبي بكر فيكون هو الذي يحكم فينا فقد بعثت إليه غيرنا ممن جرمه أكبر من جرمنا » ، وألّح عبد الله بن عمر وأبو قتادة بأن يبعثهم اليك فأبى خالد ، وقال : لا أقالني الله إن لم أقتله ، وأوعز الى ضرار بن الازور الاسدي شارب الخمر ، وصاحب الفجور (1)، أن ينفذ حكم الاعدام في مالك ، وعرف مالك أن السبب في اصرار خالد على قتله فتنته بزوجته ، فقال له : ـ هذه ـ وأشار الى زوجته ـ هي التي قتلتني ـ بل الله قتلك برجوعك عن الاسلام، ـ إني على الاسلام .
  فلم يعتن بذلك ، وقام الجلاد الاثيم فأطاح برأس مالك وتركه جثة هامدة يتخبط بدمه ، وانبرى الى زوجته فبنى بها في تلك الليلة ، وفي ذلك يقول أبو نمير السعدي :
ألا قـل لـحي أوطئوا iiبالسنابك      تـطاول  هذا الليل من بعد iiمالك
قـضى  خـالد بغيا عليه لعُرسه      وكـان  لـه فيها هوى قبل iiذلك
فـأمضى هواه خالد غير iiعاطف      عـنان الـهوى عنها ولا متمالك
وأصـبح ذا أهـل وأصبح iiمالك      على غير شيء هالك في الهوالك
فـمن لـليتامى والأرامـل iiبعده      ومن  للرجال المعدمين iiالصعالك
أصـيبت تـميم غـثها iiوسمينها      بفارسها  المرجو سحب iiالحوالك(2)
--------------------------
(1) تاريخ ابن عساكر 7 / 30 ، الاصابة 2 / 209 .
(2) تأريخ ابن شحنة هامش الكامل 7 / 165 ، تأريخ أبي الفداء 1 / 158 .

الرَّسُولُ الأعْظَم صلى الله عليه وآله مَع خُلفَائِهِ _74_

  وجعل رأسه اثفية القدر ، ولم يكتف بذلك وأنما سبى النساء المسلمات واستباح ما حرم الله من أموالهم وفروجهم ، وكنت اعلنت للملأ وأنت من بينهم مراراً وتكراراً بحرمة الدماء والاموال ، والأعراض ، وكان آخر تصريح لي في منى ان قلت : « إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم ، وأعراضكم كحرمة يومكم في شهركم هذا ، في بلدكم هذا » ولما قفل خالد راجعاً الى يثرب دخل المسجد في عدة الحرب مرتاداً قباءاً له عليه صدأ الحديد ، وقد غرز في عمامته اسهما فثار في وجهه عمر ونزع الأسهم من رأسه ، وحطمها وهو يقول : « قتلت أمرءاً مسلماً ثم نزوت على أمرأته ، والله لأرجمنك بالاحجار . . » ومشت الرعدة في أوصاله ، فدخل عليك ، وقص عليك قصته مع خالد ، فهدأت روعه ، وعفوت عنه ، فانطلق اليك عمر قائلاً : « إن خالداً قد زنى ، فاجلده » ، فرددت عليه قائلا له : « إنه تأول فاخطأ » فقال لك : « إنه قتل مسلماً » فلم تعتن بكلامه ، وقلت له :« ما كنت لأغمد سيفاً سله الله عليهم . . » (1) ، بأي كتاب أم باية سُنّة ساغ لك تعطيل الحدود ، والعفو على المجرمين .

-----------------------------
(1) يراجع في تأريخ الحادث المؤسف تأريخ ابن الاثير 3 / 149 ، تاريخ ابن عساكر 5 / 115 ، تأريخ ابن كثير 6 / 221 ، تأريخ ابي الفداء 1 / 185 ، تأريخ الخميس 2 / 133 .

الرَّسُولُ الأعْظَم صلى الله عليه وآله مَع خُلفَائِهِ _75_

  ما ذنب أولئك المسلمين الذين قتلهم خالد صبراً ، وسبى ذراريهم ، فهل اكتسبوا إثماً او اقترفوا جرماً ، ألم يعلن مالك ، وقد شهر عليه السيف بأنه مسلم ، ومؤمن بما جئت له من عند الله ، وقد قلت : « لا يحل دم رجل يشهد أن لا إله إلا الله ، وإني رسول الله إلا باحدى ثلاث ، النفس بالنفس ، والثيب الزاني ، والتارك لدينه المفارق للجماعة » (1) ، ومتى كان خالد سيفا من سيوف الله أفي هجومه عليَّ يوم بيَّتُ علي على فراشي ، أم في واقعة أُحد ، حينما هجم على المسلمين فأوسع فيهم قتلا ؟ وهل أن سيف الله تنهتك به حرمات المسلمين ، وينزو على المرأة المسلمة وهي في عدتها ، إن اعراضك عن خالد وتأويلك لجريمته انما كان جزاءاً له على مسارعته لبيعتك في سقيفة بني ساعدة ، وارغامه الناس على ذلك ، وسوقه عليا بالعنف لأخذ البيعة منه ، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون .

سرية أسامة :
  لقد نبذت يا أبا بكر أمري ، وتأولت قولي فتخلفت عن جيش أُسامة ، وقد كنت مهتما به إهتماماً بالغاً ، فقد عبأته بنفسي ، وعقدت اللواء بيدي ، وقد عبأتك ووجوه المهاجرين والأنصار ، وقلت لاسامة : « اغزو باسم الله ، وقاتل من كفر بالله » فتثاقلت من الالتحاق أنت وحزبك ، ولما علمت ذلك جعلت أكرر قولي في الالتحاق بجيش أسامة وألعن المتخلف عنه قائلاً : « نفذوا جيش اسامة لعن الله من تخلف عن جيش أسامة » .

----------------------------
(1) صحيح مسلم 2 / 37 ، سنن ابن ماجة 2 ـ 457 ، خصائص النسائي ص 27 .

الرَّسُولُ الأعْظَم صلى الله عليه وآله مَع خُلفَائِهِ _76_

  ولم يرهف عزيمتك هذا الاهتمام ، والتشديد ، فرحت تحكم قواعد سياستك ، وتضع المخططات لصرف الخلافة عن أهل البيت . لقد كنت أريد أن تخلو منكم عاصمتي حتى يصفو الأمر من بعدي لعلي بسهولة ، فشعرتم بذلك فتأخرتم عن الألتحاق بالجيش مخافة أن يتم الامر بعدكم لعلي فيصعب عليكم حل الخلافة وإِحداث الشغب والنزاع ، وهكذا نبذت أنت وحزبك قولي ، والقيتم الأمة في شر عظيم ونسفتم جميع المخططات التي وضعتها لسعادة الامة ونجاحها .

عهدك لعمر :
  وعهدت يا أبا بكر بالخلافة من بعدك الى عمر ، كأنها ملك لك وأنت تعهد بها إلى من شئت وقد زعمت أني تركت الامة بلا خليفة لانه اصلاح لها ، فلماذا لم تتركها أنت من بعدك كذلك لتختار هي من تشاءه من المسلمين ، وهل لك الوالية عليهم حتى تُعين صاحبك ، لقد نسيت او تناسيت عهدي بالخلافة إلى علي ، ثم من بعده الى الأئمة من ولده فإنهم سفن النجاة ، وعدلاء الذكر الحكيم . لا يضل من تمسك بهما ، ولا يهتدي الى الحق من لم ينهج في الدين نهجهما ، لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، وقد جعلت العترة أمانا لأهل الأرض من العذاب ، وشبهتهم بسفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق وهوى و كباب حِطة من دخله غفر له ، فقد أبعدت عترتي ، وتأولت النصوص الصريحة التي أوجبت لهم الحق بالخلافة من بعدي .، ويسكت أبو بكر ، ولا يجد مجالا للدفاع عن نفسه ، فقد دانه النبي صلى الله عليه وآله بما قدم له من الحقائق التي لا مجال للشك فيها وبهذا ينتهي المطاف عن حديث ابي بكر .