وقال لك ابن الزبير :
لأعرفنك بعد الموت iiتندبني وفي حياتي ما زودتني زادي(1) |
هذه هي سيرتك تجاه الأخيار والمتحرّجين في دينهم فقد نكّلت بهم ، وأرهقتهم إلى حد بعيد ، تقرّب الأمويين ، وتهب لهم الأموال ، وتمنحهم الثراء العريض ، وتخصهم بالوظائف المهمة ، وتقابل خيار صحابتي بالنفي والتعذيب والتوهين ، والحاكم في هذه الأحداث هو الله فله الأمر وله الحكم .
خفاء الأحكام الشرعية :
والأدهى من ذلك جهلك بالأحكام الشرعية ، وعدم معرفتك بها ، أو أنك قد اجتهدت في قبال النص ، ونسوق اليك بعض ما صدر منك .
----------------------
(1) تاريخ ابن كثير 7 ـ 163 ، مستدرك الحاكم 3 ـ 13 .
الرَّسُولُ الأعْظَم
صلى الله عليه وآله
مَع خُلفَائِهِ
_169_
1 ـ
اتمام الصلاة في السفر :
وجرت سنّتي من لزوم القصر في السفر ، وعدم اتمام الصلاة الرباعية عملاً بقوله تعالى : « وإذ ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ان خفتم أن يفتنكم الذين كفروا »
(1) وكنت لا أزيد في السفر على الركعتين
(2) وكذلك صلى من بعدي أبو بكر وعمر ، وأنت شطراً من خلافتك ، ولكنك في السنة السادسة من خلافتك اتممت الصلاة في منى ، واتخذت ذلك سنّة معتذراً بأن الناس قد كثروا في عامهم فصليت أربعاً لتعلمهم أن الصلاة أربع
(3) وهو اعتذار مهلهل فإنّه ليس لك من سلطان على تغيير أحكام الله وتبديل السنّة ، وقد كان بامكانك أن توعز الى الخطباء بتعريف الجمهور بفريضة الصلاة لا بأن تتلاعب بها ، فهل أخبرتك الملائكة التي تستحي منك بأن لك الحق في نسخ الأحكام ، وتبديل مناهجها ، وتغييرها عما أنزلت عليه ؟ .
2 ـ
النداء الثالث :
ومما أحدثته الزيادة بالأذان وذلك في النداء الثالث يوم الجمعة وهو النداء ( على الزوراء ) وقد عاب الناس عليك وقالوا انها بدعة
(4) ، فأي مصلحة لك في التدخل باحكام الله ، والتلاعب بفرائضه ، وأحكامه ؟ .
-----------------------
(1) سورة النساء : آية 101 .
(2) سنن ابن ماجة 1 ـ 330 ، أحكام القرآن للجصاص 2 ـ 310 ، مسند احمد 2 ـ 45 .
(3) سنن أبي داود 1 ـ 308 ، سنن البيهقي 2 ـ 144 ، نيل الأوطار 2 ـ 260 .
(4) انساب الاشراف 5 ـ 39 .
الرَّسُولُ الأعْظَم
صلى الله عليه وآله
مَع خُلفَائِهِ
_170_
3 ـ
زكاة الخيل :
والزكاة انما شرعت في الغلات الأربع ، وفي الانعام ، وفي الذهب والفضة ، ولم تشرع في غير ذلك ، ولكنك لما آل اليك الأمر جعلت الزكاة في الخيل
(1) وقد أعلنْتُ غير مرة أنها لا تجب فيها
(2) فكيف سانح لك أن تتعمد على ترك سنتي ، واحكام الله.
4 ـ
تقديم الخطبة على الصلاة :
والسنّة التي جريت عليها في صلاة العيدين ان اصلي بالناس اولاً ثم اخطب فيهم
(3) ولكنك قد جافيت ذلك فخطبت اولاً ثم صليت بالناس
(4) وقد تركت عن عمد سنتي ، واهملت احكام الله وبدّلت فرائضه .
5 ـ
الجمع بين الأختين :
ومن غريب احكامك ، وعجيب فتاواك أنّك اجزت الجمع بين الاختين في النكاح فيما اذا كانا ملكي يمين
(5) وقد دلت الآية بصراحة على الحرمة في جميع انواع النكاح المشروع قال تعالى : « وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ»
(6) ، ان الرجل اذا وطىء احدى الأختين حرمت عليه الأخرى سواء اكان بعقد ام بملك.
--------------------------
(1) المحلى 5 ـ 227 .
(2) صحيح الترمذي 1 ـ 80 ، مسند احمد 1 ـ 62 ، موطأ مالك 1 ـ 206 ، الام للشافعي 2 ـ 22 .
(3) صحيح مسلم 1 ـ 326 ، سنن ابن ماجة 1 ـ 387 .
(4) تاريخ الخلفاء ص 111 .
(5) الموطأ 2 ـ 210 ، المحلى لابن حزم 9 ـ 522 ، تفسير القرطبي 5 ـ 117 .
(6) سورة النساء : آية 23 .
الرَّسُولُ الأعْظَم
صلى الله عليه وآله
مَع خُلفَائِهِ
_171_
وقد قلتُ : « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمعن ماءه في رحم أختين »
(1)، ما هو المسوغ لك في التصرف بأحكام الله ، وتبديل مناهج شريعته ؟ والأمر لله تعالى فهو الحاكم في ذلك .
6 ـ
عدة المختلعة :
ودلت الآية الكريمة على أن عدة المطلقة أن تربص ثلاثة قروء قال تعالى : « المطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء » ولا فرق في ذلك بين أقسام الطلاق سواء أكان الطلاق رجعياً أم خلعياً ، ولكنك لم تعن بذلك فقد جاءك معاذ بن عفراء فقال لك : إن ابنة معوذ اختلعت من زوجها اليوم أتنتقل ؟ فقالت له : تنتقل ولا ميراث بينهما ، ولا عدة عليها إلا أنها لا تنكح حتى حيضة خشية أن تكون بها حبل
(2) ماهو المبرر لك في هذه الفتيا والتلاعب بأحكام الله .
7 ـ
صيد الحرم :
ويحرم على المحرم أن يأكل لحم الصيد عملاً بقوله تعالى : « وحرم عليكم صيد البرَّ ما دمتم حرماً » وقد جيء إلي بلحم وحش فرددته وقلت : « إنا حرم لا نأكل الصيد »
(3) ، هذه هي شريعة الله في تحريم لحم الصيد على المحرم سواء أكان صاده بنفسه أم صاده غيره ، ولكنك لم تمعن بذلك فقد أكلته وأنت محرم
(4) افعلى عمد تركت السنّة أم أنك لا تدري بالحكم ؟ وكيف يسوغ لإمام المسلمين أن لا تكون له دراية بمثل هذه الأحكام ، فلا حول ولا قوة إلا بالله وهو المستعان على ما تصفون .
------------------------
(1) البحر الرائق 3 ـ 95 ، بدايع الصنايع 2 ـ 264 .
(2) تفسير ابن كثير 1 ـ 276 ، سنن ابن ماجة 1 ـ 634 ، كنز العمال 3 ـ 423 .
(3) سنن الدارمي 2 / 39 ، تيسير الوصول 1 / 272 ، سنن النسائي 5 ـ 184 .
(4) المحلى لابن حزم 8 ـ 254 ، كنز العمال 3 ـ 53 ، مسند احمد 1 ـ 100 ، سنن أبي داود 1 ـ 291 ، سنن البيهقي 5 ـ 194.
الرَّسُولُ الأعْظَم
صلى الله عليه وآله
مَع خُلفَائِهِ
_172_
8 ـ
غسل الجنابة:
وأوجبت غسل الجنابة على من جامع زوجته سواء أنزل المني أم لم ينزل ، وهو من الأمور التي لا يجهلها أحد من أصحابي لأنها مما تعم بها البلوى ، ولكنك أفتيت بعكس ذلك فقد سألك زيد بن خالد الجهني فقال لك : أرأيت إذا جامع الرجل امراته ولم يمن ؟ فقلت له : يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ، ويغسل ذكره ، وقلت إني سمعته من رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
(1) .
أفهل خصصتك وحدك بهذا الحكم ؟ وأخفيته على عموم المسلمين ، والقرآن الكريم قد أعلن وجوب الغسل على الجنب قال تعالى : « لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا »
(2) ، ما هو المبرر لك على مجافاة سنتي وعلى الإفتراء عليَّ بأنَّي قد قلت لك ؟ فوا أسفي على أمتي إذ وليتها انت وفيها باب مدينة علمي ومن هو مني بمنزلة هارون من موسى ، العالم بجميع ما تحتاج إليه الأمة .
9 ـ
تعطيل القصاص :
واستقبلت خلافتك بتعطيل القصاص ، وذلك بعفوك عن عبيد الله بن عمر الذي ثار لمقتل أبيه فقتل بغير حق الهرمزان وجفينة ، وبنت أبي لؤلؤة ، وأراد قتل كل صبي في المدينة فانتهى أمره إلى سعد بن أبي وقاص فساوره وقابله بناعم القول حتى انتزع منه سيفه ، وأودعه في السجن حتى تنظر في أمره ، ولما تمت البيعة لك اعتليت أعواد المنبر ، وعرضت قصته على المسلمين فقلت لهم : « الهرمزان من المسلمين ، ولا وارث إلا المسلمون عامة ، وأنا إمامكم ، وقد عفوت أفتعفون ؟ » وأنكر عليك أمير المؤمنين ، ولم يرضى بقضائك فقال لك : « أقِد هذا الفاسق فإنه أتى عظيماً ، قتل مسلماً بلا ذنب » ، وثار في وجه عبيد الله فقال له : « لئن ظفرت بك لأقتلنك بالهرمزان »
(3) .
-------------------------
(1) صحيح مسلم 1 ـ 142 .
(2) سورة النساء : آية 43 .
(3) انساب الأشراف 5 / 24 .
الرَّسُولُ الأعْظَم
صلى الله عليه وآله
مَع خُلفَائِهِ
_173_
واندفع المقداد بن عمر فردّ عليك حكمك في هذا الفاسق فقال : « إن الهرمزان مولى لله ولرسوله ، وليس لك أن تهب ما كان لله ولرسوله »
(1) ، وقد أنكر عليك خيار المسلمين وصلحاؤهم هذا العفو لأنه كان تعطيلاً لحدود الله ، وكان زياد بن لبيد إذا لقي عبيد الله قال له :
ألا يـا عـبيد الله مـالك iiمهرب ولا ملجأ من ابن أروى ولا iiخفر أصـبت دمـاً والله في غير حلّه حـراماً وقتل الهرمزان له iiخطر على غير شيء غير أن قال قائل أتـتهمون الـهرمزان على iiعمر فـقال سـفيه والـحوادث iiجمة نـعم اتـهمه قـد أشار وقد iiأمر وكان سلاح العبد في جوف iiبيته يـقلّبه والأمـر بـالأمر iiيعتبر |
---------------------------
(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 141 .
الرَّسُولُ الأعْظَم
صلى الله عليه وآله
مَع خُلفَائِهِ
_174_
وشكاه عبيد الله اليك فدعوت زياداً ونهيته عن ذلك فلم ينته ، وقد تناولك بالنقد فقال فيك :
أبـا عمرو عبيد الله iiرهن فلا تشكك بقتل iiالهرمزان فإنك إن غفرت الجرم عنه وأسباب الخطا فرسا رهان أتعفو إذ عفوت بغير iiحق فـمالك بالذي تحكي بدان(1) |
وغضبت على زياد ، وزجرته حتى انتهى ، وأخرجت عبيد الله من يثرب إلى الكوفة ، وأنزلته داراً فنسب الموضع اليها فقيل ركوينة ابن عمر »
(2) .
وقد خالفت بذلك حكم الله فإنّه قد ألزم الولاة بإقامة الحدود وعدم التسامح فيها ، وذلك لصيانة النفوس ، وحفظ النظام ، وليس للحاكم أن يقف موقفاً مائعاً مع المعتدي مهما كان شأنه ، فقد سألت أن أعفو عن سارقة لعظم شأن أسرتها فأجبت : « إنما هلك من كان قبلكم لأنهم كانوا إذا أذنب الضعيف فيهم عاقبوه ،وإذا أذنب الشريف تركوه ، والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها »
(3).
---------------------------
(1) تأريخ الطبري 5 ـ 41 .
(2) تأريخ الطبري 5 ـ 41 .
(3) النظام السياسي في الاسلام ص 227 نقله عن الخراج لأبي يوسف ص 50 .
الرَّسُولُ الأعْظَم
صلى الله عليه وآله
مَع خُلفَائِهِ
_175_
وجلدت أصحاب الافك وفيهم مسطح بن أثاثة ، وهو من أهل بدر
(1) هذا ما يقتضيه العدل الإسلامي الذي لا يفرق بين الضعيف ، والقوي ، وبين الرئيس والمرؤوس ، ولكنك جافيت ذلك فلم تقِد عبيد الله لأنه ابن عمر ، ولأنه فتى من فتيان قريش فآثرت رضا آل الخطاب ، ورضا قريش فعفوت عنه ، وأبعدته إلى الكوفة خوفاً عليه من بطش الأخيار والصلحاء ، ومنحته داراً يسكن فيها ، وبذلك فتحت باب الفوضى والفساد ، ومكنت ذوي النفوذ والأقوياء أن ينكّلوا بالضعفاء الذين ليس لهم ركن يأوون اليه ، وقد الغيت رأي أمير المؤمنين عليه السلام الذي ألزمك بالقَود ، وهو أعلم منك وأدرى بحدود الله ، وأحكامه ، وقد استجبت لرأي ابن العاص الذي أشار عليك بترك الحد ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ، وهو المستعان على ما تصفون .
10 ـ
رجم من ولدت ستة أشهر :
ومن غريب أحكامك قضاؤك بالرجم على امرأة ولدت لستة أشهر حينما رفع اليك زوجها الأمر فبلغ علي ذلك فبادى اليك مسرعاً فقال لك : « ما تصنع ليس ذلك عليها ؟ قال الله تبارك وتعالى : « وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا »
(2)
وقال : « وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ» فالرضاعة أربعة وعشرون شهراً ، والحمل ستة أشهر »
(3)، فبهت ، وقلت معتذراً : « ما فطنت لهذا ؟ » ، وأمرت بردها ، فوجدتها قد رُجمت ، وقد كانت المرأة طاهرة الذيل ، نقية الثوب ذات صلاح وعفة ، وقد خاطبت أختها وهي مروعة قائلة :« يا أُخيه لا تحزني ، فوالله ما كشف فرجي أحد قط غيره » .
----------------------
(1) أسد الغابة .
(2) سورة الاحقاف : آية 15 .
(3) سورة البقرة : آية 233 .
الرَّسُولُ الأعْظَم
صلى الله عليه وآله
مَع خُلفَائِهِ
_176_
ولما شب الطفل كانت ملامحه تشبه ملامح أبيه فاعترف أبوه به
(1) فكيف تحكم بين المسلمين ، وأنت لا دراية لك بأحكام الله ، ولا معرفة لك بحدوده ! وما أصيبت أمتي بفتنة ولا بكارثة أعظم من أن يتولى أمرها وشؤونها الجهال والأغبياء ، وفيهم ذوو الكفاءة والعلم والدراية بأحكام الله وشرائعه ، هذه بعض أحكامك التي خالفت بها كتاب الله وسنّتي، ليس الذنب عليك إنما الذنب على من أهلك لإمامة المسلمين والبسك هذا الثوب الذي لست أهلاً له ، والحاكم هو الله تعالى بين عباده ، فهو الذي يتولى الجزاء بينهم .
اعتراف عثمان باخطائه :
ويعترف عثمان باخطائه ، فيقول : بلى يا رسول الله « قد مسني الكبر ووهن العظم مني ، واشتعل الرأس شيباً » وقد وهت جميع قواي ، وكنت رقيق القلب ، أحب أسرتي ، فاخترت مروان بن الحكم مستشاراً ووزيراً ، وتناسيت قولك فيه عندما دخلنا عليك ، فقلت فيه : « الوزغ ابن الوزغ ، الملعون بن الملعون » نسيت ذلك ففوضت إليه أمر الدولة ، وأنطت به جميع شؤوني ، كما وليت على أقطار المسلمين أبناء أسرتي فأثار عليَّ ذلك حفيظة المسلمين ، فتوافدوا على يثرب من مختلف الأقطار مطالبين بالاصلاح الديني ، والاجتماعي ، واقصاء ولاتهم الذين أفسدوا أمور المسلمين وأشاعوا في ربوعهم الفساد والجور ، فلم أستجب لقوتهم ، ولم أعبأ بهم ، وقد جاءني علي مرشداً وناصحاً فأمرني باقامة العدل ، والاستجابة إلى مطاليبهم فلم أذعن له ، ولم أخضع لنصيحته ، وأما مخالفاتي للسنّة فقد كان اجتهاداً مني في مقابل النص كما أجتهد قبلي أبو بكر وعمر في كثير من الأحكام المنصوصة عليها فعلى ضوئهما سرت في ذلك .
----------------------
(1) الغدير 8 ـ 97 .
الرَّسُولُ الأعْظَم
صلى الله عليه وآله
مَع خُلفَائِهِ
_177_
وقد أثارت عليَّ الأحداث التي أرتكبتها سخط المسلمين فانفجر بركان الثورة في نفوسهم ، وهجموا على داري ، وقتلوني فيها أشر قتلة . . . ودفنوني خارج البقيع في حشر كوكب الذي كانت اليهود تدفن موتاهم فيه وقد اتخذ المضللون من أسرتي قميصي فتيلاً لنار الحرب . استنار معاوية بشعاعه ، وأحترق الناس بلهبه ، فقد ألبس معاوية ثوبي منبر الشام فكان ستون الف شيخ يبكون تحته ، وقد أثار الأحقاد والأضغان على أخيك ووصيك وباب مدينة علمك الإمام أمير المؤمنين ، فقد مكّنه قتلي من منازعته ، والتمرد على حكمه ، وقد تسبب بقتلي حرب الجمل وصفين والنهروان ، وتفتحت أبواب الفتن على المسلمين وشاعت بينكم الموجِدة والعداء وانتشر القتل وسفك الدماء، وقد وقع كل ذلك ، والأمر لله وحده وأطلب منك العفو والغفران ومن الله الرضا .
الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم )
مع القِعّـاد والمعتزلة:
ونودي بحضور القِعّاد الذين تخلفوا عن بيعة الإمام أمير الؤمنين عليه السلام ، فأحضر كل من سعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن عمر ، وحسان بن ثابت ، وكعب بن مالك ، ومسلمة بن مخلد ، وأبوسعيد الخدري ، ومحمد بن مسلمة ، والنعمان بن بشير ، وزيد بن ثابت ، ورافع بن خديج ، وفضالة بن عبيد ، وكعب بن عجرة ، وعبد الله بن سلام ، وصهيب بن سنان ، وأسامة بن زيد ، وقدامة بن مضعون ، والمغيرة بن شعبة ، فوجّه النبي صلى الله عليه وآله اليهم خطابه قائلاً : لماذا لم تبايعوا علياً ؟ ما هو المبرر لتخلفكم عما أجمع المسلمون عليه ؟ لقد استقبل جمهور المسلمين بيعة أمير المؤمنين بالرضا والقبول وبمزيد من الابتهاج والسرور ، واتساع الأمل والرجاء ، فقد كانت بيعته شرعية بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة ، فلم تكن بيعته فلتة كبيعة أبي بكر ، ولا بتعيين شخص كبيعة عمر ، ولم تستند إلى تعيين جماعة كبيعة عثمان ، فلم يظفر أحد من الخلفاء بمثل بيعته في شمولها واتساعها ، وقد فرح بها المسلمون جميعاً وقد وصف سرورهم الإمام بقوله : « وبلغ من سرور الناس ببيعتهم إياي أن ابتهج بها الصغير ، وهدج اليها الكبير ، وتحامل نحوها العليل ، وحسرت اليها الكعاب . . » .
