والمشكلة هي أن الذين يقومون بهذه الجريمة النكراء هم المعروفون بالتدين والا فغير المتدين لا يعتبره الناس مصدرا للأحكام والتعاليم الدينية فخطر افترائه محدود.
ومن هنا فان الإسلام يرفض هذا التدين المزيف ، ويعتبر الممارسات الشكلية والعبادات التي تقوم بها هذه الفئة باطلة لاغية ، فالصوم مثلا يكون باطلا إذ! ارتكب الصائم جريمة الكذب والتزوير الديني.
5 ـ البقاء تعمدا على الجنابة إلى طلوع الفجر : فحينما يمارس الإنسان الجنس في ليل رمضان ، أو يحتلم ثم يستيقظ اثناء الليل ، فيجب عليه المبادرة للغسل قل طلوع الفجر وإلا بطل صومه.
ولماذا يؤجل عمل اليوم إلى غد ؟ أخضوعا للكسل ؟ أو تعودا على التمهل والتباطيء ؟ لا يريد الإسلام لشخصية المسلم أن تتصف بذلك ، فعليه أن يقوي إرادته ويدربها على التغلب على عوامل الكسل والتمهل واللامبالاة ...
6 ـ الحقنة بالمائع في المخرج المعتاد فأنها تفسد الصيام دون الحقنة بالجامد.
7 ـ التقيؤ إذا كان عن عمد وقصد.
عزيزي الصائم :
إن أول مادة في برنامج شهر رمضان هو الصوم والذي يعني : اجتناب هذه المفطرات ، المذكورة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بقصد امتثال أمرا لله والذي فرضه عليك من أجل تنمية نفسك وتقوية إرادتك .
وعليك ـ يا عزيزي الصائم ـ أن تكون واعيا لأهداف الصوم ، منتبها إلى غايته السامية عاملا على تحقيقها وتوفيرها حتى لا ينتهي عليك شهر رمضان إلا وأنت تمتلك إرادة قوية وصمودا فولاذيا تستعين به على تحقيق طموحاتك وتواجه به مصاعب الحياة ومتاعب السير ...
قد يصل الإنسان إلى مستوى رفيع في الحياة ولكن عليه أن لا يستسلم للجمود على ذلك المستوى والذي ينشأ غالبا من الغرور إذ يوحي لصاحبه بالاكتفاء بما حصل ... فيبقى مكانه واقفا بينما تسير الحياة ويتقدم الآخرون ... وفجأة يكتشف نفسه يهرول إلى الوراء ويتأخر عن قافلة التقدم ، فالذي لا يتقدم لا يحتفظ بمكانه وإنما يسير باتجاه معاكس لسير الحياة التقدمي ...
وكما في الفرد كذلك في الأمة ... فقد تحتل أمة مكانة سامية في العالم ... ولكن عليها أن لا تضخم واقعها وأن لا تسمح للغرور بأن يستولي على أجوائها فيؤول أمرها إلى الجمود بينما تجذ الأمم الأخرى في منافستها والتفوق عليها ، وبعد فترة تفيق على واقعها المتأخر المرير وترى نفسها متأخرة عن موكب الحياة.
وهذا بالضبط هو ما وقع لإسرائيل فبعد إن انتصرت في حزيران (67) استسلمت للغرور وخدعت أبناءها بأسطورة التفوق الإسرائيلي والسلاح الذي لا يقهر ... في الوقت الذي اهتمت الأمة الإسلامية ببناء نفسها واستعادة قواها تحت ضغط مرارة الهزيمة ... وجاءت حرب رمضان وأوقظت إسرائيل لترى نفسها في أوحال الهزيمة.
وهكذا يحب على الأمة الإسلامية أن تسير دائما باتجاه التغيير والثورة المستمرة على الجمود ... وأن لا تنام على الحرير الذي نسجته في رمضان فتعود مرة أخري إلى سجن الهزيمة.
يجب أن تطالب نفسها كل يوم بتقدم ملموس وإلا فإن كل يوم يمر عليها ، يعني خطوة إلى الوراء ، وهذا ما يعنيه الحديث الشريف : ( من تساوى يوماه فهو مغبون ... ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون ... ومن لم ير الزيادة في نفسه فهو إلى النقصان ومن كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة ).
والجمود هو عقدة التأخر لدى الأمة الإسلامية في هذا العصر ... حيث يستعصب كل فرد التخلي عن روتين حياته والثورة على الواقع الضعيف ويحلو له أن يحتفظ بالمستوى الذي أحرزه من دون طموح إلى التقدم ... وهو بهذا يفقد حتى ذلك المستوى الذي أراد المحافظة عليه و ! راجح عنه إلى الخلف.
رمضان برنامج رسالي ـ 28 ـ
وكذلك غالبا ما تنشأ في المجتمعات تقاليد واعراف تكون مجافية لروح المبدأ ومصلحه المجتمع ولكن قدمها واستمرارها يجعل مخالفتها أمرا صعبا كقيودات الزواج والسفر والعلاقات العامة.
فما أحوجنا إلى التدرب والتمرن على الثورة حتى نستطيع أن نتغلب على واقعتا المريض ... ونثور على جمودنا القاتل ...
وما أحوجنا إلى التمرد على كثير من العادات والتقاليد ألتي تعرقل مسيرتنا الإصلاحية ...
ويأتي شهر رمضان المبارك وهو يحمل إلينا فرمج!ة من أهم فرائض الإسلام ... الصوم ... وهو يعني : ثورة على الواقع الروتيني ) رزي نعيشه وتغييرا شاملا للحياة اليومية التي تؤطرنا طوال السنة ...
ومن هنا تأتي قيمة المحموم فهو تدريب ثوري يمرن الفرد كيف يثور على واقعه وجلص من اعتيادياته متى ما دعت الحاجة إلى ذلك ...
الصوم : حرمان هادف
الإنسان هذا الكريم على الله ... والذي خلق الله الكون ومافية من اجله وسخره لخدمته ...
هذا الإنسان لماذا يفرض عليه هذا الحرمان القاسي من طعامه وشرابه ولذاته ـ لمدة شهر ـ ؟ !!
رمضان برنامج رسالي ـ 29 ـ
الواقع : أن فرض هذا الحرمان لم يكن تشهيا ولا اعتباطا فهو صادر عن جهة حكيمة لا تعرف العبث والتشهي ، انه حرمان هادف نابع من صميم مصلحة الإنسان وخيره ، وأقل ما نستطيع أن شصوره أنه كالحرمان الذي يفرضه الطبيب على مريضه ليس إلا ليودع المرض وبعانق الشفماء سريعا.
ونسجل هنا بعض النقاط التي يهدف إليها هذا التكليف الشاق :
1 ـ يعيش الإنسان طوال السنة يتقلب بين اطباق اطعام الشهي والشراب اللذيذ وفي أحضان الجنس الناعم ، فتشغله لذة هذه النعم وتستولي على تفكيره ، فيغفل عن ما خلفها من منعم متفضل وما تستلزمه من شكر متواصل ...
فالإنسان قد لا يقدر النعم مادامت متوفرة له وإنما يراها كشيء طبيعي ناله باستحقاقه لا فضل لأحد عليه به ... ولكن إذا فقد إحدى النعم فحينئذ يشعر بقيمتها وبالفراغ الذي تركته ومن هنا انطلقت الحكمة التي تقول : الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراها إلا المرضى.
والصوم موعظة عملية يحرم فيها الإنسان من النعم التي تغمره طوال السنة ويحس بألم الحرمان ... فيشعر بقيمة تلك النعيم ويعرف قدرها ، ويفكر في فضل المنعم عليه بها ... فيتوجه إلى الله ويشكره على تلك النعم ويطلب إليه دوامها واستزادتها ...
رمضان برنامج رسالي ـ 30 ـ
2 ـ نظام الحياة يقتضي وجود التفاوت بين الناس اقتصاديا ، فالناس ليسوا في مستوى واحد من الطاقات والقوى فمن الطبيعي أن يكون نصيب الأقوى من خيرات الكون أكثر من نصيب الضعيف.
ولو كان الناس كلهم في مستوى واحد لفقد التعاون والتفاعل بينهم لعمارة الحياة ، فالعامل إذا كان مليونيرا فعلى ما يجهد نفسه في العمل ، والكناس إذا كان ثريا فسوف لــــن يتنازل إلى مستوى الكناسة ... يقول القرآن الحكيــم : ( ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا) الزخرف ـ 32.
ومن ناحية أخرى فإن الله خلق الحياة كمرحلة ابتلاء وامتحان للبشر ، وتفاوت المستوى الاقتصادي شكل من أشكال الامتحان و ( ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم ) الأنعام ـ 165.
وإذا كان من الحكمة وجود هذا التفاوت الاقتصادي فليس من العدالة أن تستأثر فئة بخيرات الكون وثروات العالم وتتفرج على بقية الناس يعانون من ألم الفقر والحرمان !
فما هو العلاج الصحيح لهذه المشكلة الإنسانية ؟
الحضارة المادية بلونيها الرأسمالي والاشتراكي أخفقت في حل هذه ! مكلة وأثبت الواقع فشلها.
فالمذهب الرأسمالي يوسع شقة التفاوت بين الناس وينمي الطبقية البغيضة في المجتمع بما يتيح للأثرياء من حرية فردية تجعلهم يتفننون في امتصاص ثروات المجتمع ...
وكذلك المذهب الاشتراكي الذي يغذي روح الفرقة والعداوة بين طبقتي المجتمع ، فهو يغرس في قلوب الحمال الحقد والبغض على الطبقة الثرية ويحكم على الطبقة العاملة أن تعيش صراعا مستمرا ضد الطبقة الأخرى ، وبالطبع لا تطيب نفوس الأثرياء أن تسلب منهم أموالهم بقوة وعنف !
رمضان برنامج رسالي ـ 31 ـ
بالإضافة إلى ما نتج عن هذين المذهبين من مضاعفات خطيرة لم تعد خافية على صعيد الواقع ...
أما الإسلام وهو الدين السماوي الخالد فقد قدم للمشكلة علاجا إنساناً ناجحا حيث فرض للفقراء النصيب الوافر في أموال الأثرياء ووضع الطرق السليمة العادلة التي تضمن لهم حقوقهم.
وأول مرحلة يقوم بها الإسلام في هذا المجال هي : توليد التعاطف والتراحم بين الطبقتين واستعمل لذلك نوعين من الأسلوب :
أسلوب فكري : ـ ففي الآثار الإسلامية كتابا وسنة أحاديث كثيرة تحث على مراعاة الفقراء والمساكين وترغب في أنعاشهم ورفع مستواهم المعيشي ...
وأسلوب عملي : ـ وذلك أن فرض على الإنسان فترة من الحرمان تذكره بتلك الأغلبية من الناس التي تعيش مثل هذه الحالة طوال حياتها.
فالإنسان في الصوم حينما يضنيه الظمأ ويزعجه الجوع وترتفع عنده درجة الحرارة الجنسية ... وحينما يحس بألم الحرمان وقساوتة ... يفكر في حالة هؤلاء الفقراء والمساكين والذين يعيشون هذه الصعوبة والحرمان دائما وأبدا.
وحينما تتولد الرحمة وينشا العطف فسيكونان بداية ناجحة لحياة تعاون ورفاه للطبقتين.
يقول الإمام الصادق عليه السلام : * أما العلة في الصيام ليستوي به الغني والفقير ، وذلك لأن الغني لم يكن ليحس الجوع فيرحم الفقير لأن الغني كلما أراد شيئا قدر عليه ، فأراد الله عز وجل أن يسؤي بين خلقه وأن يذيق الغني مس الجوع والألم ليرق على الضعيف ويرحم الجائع .
رمضان برنامج رسالي ـ 32 ـ
وسئل الإمام الحسين عليه السلام : ( لم افترض الله عز وجل على عبده الصوم ؟ فقال عليه السلام : لجد الغني مس الجوع فيعود بالفضل على المسكين ) .
صوموا : تصحوا
ليس تطفلا من الإسلام أن يعنى في تشريعاته بشؤون الجسم كما يعني بشؤون الروح ... لان ترمز بعض أحكامه إلى الناحية الصحية لبدن الإنسان ... فهو الدين الذي أعلن من أول يوم أنه دين الدنيا والآخرة والمادة والروح ، وليس كبقية الأديان التي كانت تصرح بتحيزها إلى أحد الجانبين على حساب الآخر ...
الإسلام يؤمن بأن العقل السليم في الجسم السليم ، وبأن الإنسان الذي تتوفر لديه الصحة والحيوية في جسمه بالإضافة إلى سلامة نحره وطهارة روحه ... هذا الإنسان يستطيع أن يقوم بدوره في الحياة خير قيام ، وحينما يتحدث القرآن الكريم عن المؤهلات القيادية لطاغوت ـ عليه السلام ـ يقول : ( وزاد ، بسطة في العلم والجس )
لذا وضع الإسلام أحكامه الوقائية لتجعل الإنسان بعيدا عن متناول المرض والإصابة والوقاية خير من العلاج ، فحظر على الإنسان المواد التي تعمل للفتك بصحته وإن كانت تبدأ بأسلوب خفي ضئيل لتتفاقم فيما بعد ...
فحرم الميتة والدم ولحم الخنزير والنجاسات والمسكرات ولبس الذهب والحرير (بالنسبة للرجال) ...
ولكن ليست المواد الضارة هي المصادر الوحيدة للأمراض ! فحتى المواد النافعة قد تسبب للإنسان أمراضا خطيرة! وذلك حينما يفقد التوازن في تناولها.
فأكثر الأمراض يكون سببها هو فقدان الاعتدال في الأكل والشرب والجنس.
يقول أحد الأطباء : ( إن معظم الناس يحفرون قبورهم بأسنانهم ) وقام بعض الأطباء بدراسة دقيقة حول الإنسان المعاصر وأسلوب التغذية وصرح بعدها : بأن الناس يأكلون ثلاثة أضعاف حاجتهم وهم بذلك يجلبون الأمراض لأنفسهم ).
فكيف يخطط الإسلام للوقاية من هذا المرض الخطير ؟
رمضان برنامج رسالي ـ 33 ـ
انه يضع تعاليمه الحكيمة لتوعية الناس نحو تغذية أفضل لتجنب مضاعفات الغذاء ، فهذا القرآن الكريم يخاطب الناس : ( وكلو واشربوا ولاتسرفو) ويقول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ المعدة بيت الداء .
ولكي يتعلم الإنسان كيف يتغلب على هذه المشكلة ، ويتدرب على التوازن والاعتدال في أكله وشربه فقد فرض عليه الصوم حيث يمتنع هو من نفسه وباختياره عن الطعام والشراب قليلة وكثير مهما كان الطعام شهيا أو كان هو جائعا.
وتستمر به هذه الفترة التدريبية لمدة شهر يتعود خلالها على التوازن ويتمرن على ضبط النفس وتنظيم الغذاء فيأكل ليعيش لا يعيش ليأكل ...
ومن ناحية أخري فالصوم يتيح للجهاز الهضمي والذي يعمل باستمرار فرصة ارتياح وهدوء بعد تعب طويل يستعيد فيها نشاطه ليعود بعدها إلى العمل ...
وكذلك فان الصوم ـ كما يقرر الأطباء ـ يقضي على البؤر الصديدية التي تتكون داخل الجسم وتصب إفرازاتها السامة في الدم غير أن الإنسان قد لا يشعر بها حتى يتضاعف خطرها ... وفي الصوم عندما تقل المواد الغذائية في الجسم وتدب الأجهزة الداخلية في الاستهلاك فتحتوي تلك الخلايا وتريح الإنسان من خطرها.
رمضان برنامج رسالي ـ 34 ـ
ويعرض الأطباء قائمة من الأمراض التي يمكن أن يستعان بالصوم في علاجها : كاضطراب الهضم ـ البدانة ـ أمراض القلب ـ القلق ـ التوتر العصـبي ـ البول السكري ـ ارتفاع ضغط الـــــــدم ـ تذوب الشحم ا لزائد ... وبالتالي ، نجد كلمة الرسول الأعظم ـ صلى الله عليه وآله ـ ترتسم أمامنا بخط الواقع العريض : صوموا تصحو ، ويقول أمير المؤمنين علي عليه السلام : الصيام أحـد الصحيتين .
ربيع القرآن
أهم عقبة تعترض طريق الدين وتمنع تفاعله مع الحياة وتحول دون تأثيره في المجتمع هي تجريد الدين من لساله وانتزاع روحه من مما رسا ته ...
فان لكل عبادة من عبادات الإسلام ولكل شعيرة من شعائره روحا عظيمة ومحتوى كبيرا فإذا ما جردت شعائر الإسلام وعباداته من روحها ومحتوياتها وتشبث الناس بالممارسات الفارغة والإطارات الشكلية فان ذلك يعني قتل أهداف الدين وسحق رسالته العظيمة ومنع تفاعله مع الحياة.
ويصبح الدين حينئذ وجود شكلي أجوف لا يقدم !حياة أي خدمة مفيدة مما يحدث رد فعل ضد الدين لدى أي ملاحظ بسيط حين ينظر إلى الدين كتقاليد عقيمة وعادات بالية ليس إلا أي دور في الحياة ولا تقدم أي اثر في المجتمع.
وهذه هي مشكلة الدين في الوقت الحاضر حيث يهتم اغلب المتدينين بمظاهر الدين وشكلياته وممارساته العبا دية دون أن ينتبهوا إلى أهداف هذه المظاهر وغايات هذه الممارسات فيحاولون تحقيقها ... ونشأ الجيل الجديد فتعرف على الدين من خلال هذه الممارسات الجوفاء والتي سئمها ومجّها أخيراً واخذ يتجه يمينا ويسارا بحثاً عن أيديولوجية أخري تتفاعل مع الحياة وتتبنى قضايا الإنسان وتعالج مشاكله.
رمضان برنامج رسالي ـ 35 ـ
يقول الأمام أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام : ( إلا وان للإسلام غايات فانتهوا به إلى غاياته ) لا ـ نهج البلاغة ـ .
فالصلاة مثلا عبادة عظيمة تحظى باهتمام خاص من الشريعة الإسلامية ولكنه ليس المقصود من الصلاة مجرد الحركات والألفاظ بل النفسية الملتزمة التي تزرعها الصلاة في نفس المصلي عن طريق التفكير والتأمل لأعمال الصلاة وتلاواتها ، يقول تعالى ( إن الصلاة تنهى عن ا!شاء والمنكر ) هذا هو هدف الصلاة فإذا أدى المصلي واجبات الصلاة الشكلية من حركات وألفاظ ولكنه لم يسمح للصلاة أن تتفاعل في نفسه لتزرع هدفها السامي فصلاته حينئذ لا قيمة لها بل هي ويل ووبال عليه ، يقـول تعــــالى : ( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ، يعني عن أهداف صلاتهم غافلون )
والصوم له هدف أسا لصي أيضا وهو تنمية الإرادة وتدريبها عند الإنسان حتى يضمكن من مقاومة الانحراف ويتقي المعاصي ، يقول الله تعالى : ( يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) ، أي من أجل أن تحصلوا على ملكة التقوى ، فإذا امتنع الصائم عن المفطرات دون أن يراعي هذا الهدف كان صيامه عبثا كما يؤكد الحديث الشريف كم من صائم ليس له من صومه إلا جوعه وعطشه ).
والحج هو الآخر شعيرة لها رسالة عظيمة في حياة المجتمع الإسلامي ، وآثار فعالة في مختلف جوانب الحياة ، يقول الله تعالى ( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم وليذكروا اسم الله في أيام معلومات ) ، أما إذا اقتمر الحج على طقوس ومناسك هي أشبه بالألغاز ـ حينما تنفصل عن رسالتها ـ فلشر هو ذلك الحج المطلوب من قبل الله وإنما هو حج مزيف.
وهكذا كل شعائر الإسلام وعباداته ...
رمضان برنامج رسالي ـ 36 ـ
وأمامنا في هذا الحديث عبادة مهمة يؤكد عليها الإسلام ويلح في التشجيع عليها وهي تلاوة القرآن الكريم ... ( وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون ) 204 ـ الأعراف.
وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن 91 ـ سورة النمل (ورتل القرآن ترتيلا ) 4 ـ سورة المزمل .... ( فاقرأوا ما تيسر من القرآن )20 ـ سورة المزمل.
( وقرأنا فرقناه لتقرأه على مكث ونزلناه تنزيلا ) 106 ـ سورة الإسراء
بأسنانهم إلى مجموعة ضخمة من الأحاديث :
فعنه ـ صلى الله عليه وآله ـ ( نوروا بيوتكم بتلاوة القرآن ، فأن البيت إذا كثر فيه تلاوة القرآن كثر خيره ومتع أهله أضاء لأهل السماء كما تضيء نجوم السماء لأهل الدنيا ) .
وعن الأمام الصادق ـ عليه السلام ـ ) القرآن عهد الله إلى خلقه فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده وان يقرأ منه في كل يوم خمسين آية.
وعن الإمام الصادق ـ عليه السلام أيضاً ( ما يمنع التاجر منكم المشغول في سوقه إذا رجع إلى منزله أن لأصنام حتى يقرأ سورة من القرآن فيكتب له مكان كل آية يقرأها عشر حسنات وتمحى عنه عشر سيئات.
وفي هذا الشهر المبارك ـ شهر رمضان ـ يتضاعف اهتمام الإسلام بهذه العبادة أضعافا مضاعفة ... حتى إن الرسول الأعظم (ص) يقول : من تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور ... ويقول الإمام أبو جعفر الباقر ـ عليه السلام ـ لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان ) .
رمضان برنامج رسالي ـ 37 ـ
ولكن لماذا كل هذا الاهتمام الذي يوليه الإسلام لتلاوة القرآن ؟ ما هو الهدف الذي يكمن وراء هذه العبادة هل هو لمجرد التلاوة أم ماذا ـ ؟
أن كثيرا من الناس يقرءون القرآن وبطوون صفحاته تلاوة وتجويدا وتلحينا وخاصة في هذا الشهر الكريم ، ولكن هل يعرفون جيدا ما هو هدف الإسلام من هذه العبادة ؟
وهل يعون هذا الهدف ويحرصون على تحقيقه ؟ أم يتعاملون مع هذه العبادة معاملة شكلية سطحية ؟ من الملاحظ إن بعض من يقرأ القرآن يقرأه قراءة تجارية على شكل ختمات يأخذ مقابل كل ختمة آجرا وما يهمه من التلاوة ليس إلا إنهاء الختمة لإبراء الذمة واخذ الأجرة حلالا !!
كما إن بعضا يقرأ القرآن للعادة والمجاملة حيث جرت عادة الناس إن يقرءوا في مجالس العزاء (الفواتح) اجزاءا من القرآن فهو يساير الناس في عادتهم ويقرأ جزءا للمجاملة وبحسب العادة وليس له من تلاوته أي هدف آخر !!
وبعض آخر يقرأ القرآن لطلب الثواب بتلاوة حروف الآيات فقط !!
وكل هذه الأهداف الساذجة تعتبر تزييفا للهدف الأساسي من تلاوة القرآن فما هو ذلك الهدف ؟
إن الهدف الرئيسي المتوخى من تلاوة القرآن هو تحقيق الغاية التي أنزل من أجلها فما هي تلك الغاية ؟
رمضان برنامج رسالي ـ 38 ـ
إنها أولا : صياغة نفس الإنسان صياغة جيدة وكنس رواسب الشر والانحراف ومعالجة أمراض الفساد ... ويؤكد القرآن هذا الهدف بقوله : ( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ) 57 ـ سورة يونس.
وهدف القرآن ثانيا : بناء المجتمع بناء حضاريا تقدميا سعيدا بكل ما لهذه الكلمات من معنى وهذا لا يتأتى إلا بمكافحة الظلم والظلام ونشر العلم والوعي ليعرف المجتمع الطريق الأفضل للتقدم والحياة ... يقول الله تعالى : ( كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد ).
وهدف القرآن ثالثا : تنظيم علاقة الإنسان بالكون والحياة عن طريق اكتشاف قوانين الحياة وسنن الكون والتفكر فيها ومن ثم تفجير ثروات الكون والاستفادة منها ...
يقول الله تعالى : ( ونزلنا عليك الكتاب نبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ) 89 ـ سورة النحل.
وقارئ القرآن يجب إن يجعل هذه الأهداف العظيمة للقرآن نصب عينيه ويتدبر في كل آية يتلوها ليرى إلى أهداف هدف من الأهداف الثلاثة ينصب اهتمامها ويحاول إن يستنتج منها رؤية أو فكرة ثم يعرض نفسه وسلوكه على رؤية القرآن وفكرته ليتسنى له تغيير نفسه وصياضها وفق مفاهيم القرآن.
رمضان برنامج رسالي ـ 39 ـ
فمثلا : قد يشعر الإنسان من نفسه الرغبة في عدم الأنفاق وبذل المال في سبيل الله بدافع الحرص على الثروة وتوفيرها للفائدة والاستثمار ... وهذا الإنسان حينما يقرأ في سورة آل عمران قوله تعالى : ( ولا يحسبن الذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ودته ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير ) 180 ـ سورة آل عمران.
حينما يقرأ هذه الآية يجب إن يغير نظرته الخاطئة حول الأنفاق فهو ليس خسارة كما إن الاحتفاظ بالمال والحرص عليه لشي خيرا وربحا ، وصليا يبادر إلى الأنفاق ويصمم على الاستمرار في البذل والعطاء ...
هذا في مجال الهدف الأول للقرآن أما في المجال الثاني فحينما يعيش الإنسان في مجتمع تسرب إليه الفساد والانحراف وغزته تيارات الضلال والجهل وسيطر عليه أهل الظلم والجور فقد يتصور هذا الإنسان إن دوره ينتهي عند حدود نفسه فعليه إن يحافظ على إيمانه وصلاحه ولايهمه بعد ذلك واقع مجتمعه وأوضاعه ... و يأتي هذا الشخص ليقرأ القرآن فيمر عليه قوله تعالى : ( وقكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولثك هم المفلحون ) 104 ـ سورة آل عمران.
ويتلو قوله تعالى : ( كانو لايتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) 1799 ـ سورة المائدة.
بعد إن يقرأ الإنسان المؤمن هذه الآيات هل يصح بعد ذلك الاحتفاظ بنظرته الأنانية السابقة إذا كان يعي ما يقرأ ؟
كلا ، وإنما يصحح فكرته ويستعد للقيام بدوره في إصلاح المجتمع.
رمضان برنامج رسالي ـ 40 ـ
وفي مجال الهدف الثالث أمامنا المثال التالي :
فالعالم الذي يشكك في إمكانية غزو الفضاء ولا يعرف الأخطار والعقبات التي تواجه الرحلة إلى هناك لابد وان يستفيد من القرآن حينما يقرأ قولـه تعالى : ( قل انظروا ماذا في السماوات والأرض ) 101 ـ سورة يونس ، وقولـه تعالى : ( الم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض )سـورة لقمان ـ 2 ، وقوله تعالى ( يامعشر الجن والانس إن استطعتم إن تنفذوا من اقطار السماوات والأرض فانفذوا لاتنفذون الا بسلطان ، فبأي ألاء ربكما تكذبان يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران ) سورة الرحمن ـ 33.
فالآيات تفيد بوضوح إمكانية غزو الفضاء فالله يأمرنا بالنظر إلى مافي السماوات والأرض ولايتم النظر بشكل صحيح إلا بالسفر إلى هناك ولا يطلب الله من الشر شيئا!تحيلا ، وتقرر الآيات بصراحة إن امحون إنما خلق لأجلنا وأنه بسماواته واراضينه مسخر لنا فلماذا يستحيل علينا الوصول إلى أعماقه ؟ وكيف يتأق لنا الاستفادة الكاملة منه ما لم نتعرف على مجاهيله ؟ واخيرا فإن القرآن يقدم لنا دعوة مفتوحة لزيارة الفضاء ( أنفذوا في اظار السماوات .... ).
برنامج الاستثمار كيف نستثمر شهر رمضان ؟
سؤال ملح يراود كل إنسان مؤمن ، إذ لا يكفي أن يعيش الإنسان في هذا الشهر ، بل لابد أن يحقق الهدف منه.
إن شهر رمضان يشبه إلى حد بعيد المطر الذي يهطل على مختلف الأراضي الخصبة ، منها والصبخة ، فتتجاوب تلك الأراضي حسب كينونتها ونوعيتها ، فمن الأراضي ما تنبت ومنها ما يزيدها المطر عقما ، فاناس يستفيدون من بركات هذا الشهر فتخصب نفوسهم وتثمر قلويهم السعادة والخير ، واناس يمر عليهم هذا الشهر مرور الكرام بل قد يزدادون تعسا وشقاء (والعياذ بالله) كما ورد في الحديث المروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) :
رمضان برنامج رسالي ـ 41 ـ
* إن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر الكريم* .
ولكي تتحول نفس الإنسان إلى حدائق بهية تفوح منها عطور التقوى والإيمان والعمل الصالح ، فلابد له إن يخطط لهذا الشهر ، ليتحول إلى محطة وقود روحي ومنبع للسعادة الإيمانية ، ولا يجهل ذلك إلا ببرمجة هذا الشهر المبارك.
وما اجمل إن يكون هذا البرنامج موضوعا من قبل إمام معصوم ـ هو الإمام على بن أبى طالب (عليه السلام) ـ.
إذ إن هناك وصية مهمة ورائعة جدا من وصاياه (عليه السلام) لو إن كل واحد منا اعتمدها كبرنامج في هذا الشهر الكريم ، لاصبحنا مؤهلين لنيل رحمة الله واستثمار بركات هذا الشهر العظيم ، ولهذه الوصية ميزتان :
1/ إن الإمام علي (عليه السلام) قد وجه هذه الوصية للأمة في شهر رمضان المبارك ، مما يعني تناسبها وتفاعلها مع أجواء هذا الشهر العظيم.
2/ والميزة الأخرى والاهم كونها آخر كلمة توجيهية للإمام على (عليه السلام) ومعلوم إن العظماء في حياتهم عبر وتجارب ودروس ، والهادفون من العظماء لا يبخلون بتجاربهم وعبر حياتهم ، وإنما يقدمونها للأجيال ، وأمير المؤمنين (عليه السلام) من أعظم رجال التاريخ بعد رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
فإذا كان كل عظيم في التاريخ تتحدد عظمته في بعد معين ، فيكون عظيما في الجانب العلمي فقط ، أو العسكري أو الأدبي أو الاجتماعي ، فان الإمام علي (عليه السلام) عظيم في كل المجالات والإبعاد ، وحياته مليئة بالتجارب والعبر التي استلهمها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واكتسبها من معايشته لحركة الرسالة ، ومواجهته لمعاناة الصراع ...
ولعله في وصيته الأخيرة يقدم لنا خلاصة تجاربه في الحياة ، وأهم ما يراه ضروريا لنا من رؤى وتوجيهات ...
رمضان برنامج رسالي ـ 42 ـ
ونقترح بهذا الصدد إن تكون هذه الوصية هي برنامج كل إنسان مؤمن في هذا الشهر ، بأن يقرأها ويحفظها.
ومعلوم إن حفظ الإنسان للنصوص الدينية من أحاديث وروايات له فضل عظيم.
فعن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) :
* من حفظ من أمتي أربعين حديثا يطلب بذلك وجه الله عز وجل ، والدار الآخرة حشره الله يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اؤلئك رفيقا* .
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) : ( من حفظ عني أربعين من أحاديثنا في الحلال والحرام بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما لم يعذبه ) ).
فينبغي للإنسان إذن إن يحفظ ما استطاع من الآيات والأحاديث الشريفة ، إن البعض منا يكتفي بمعرفة الأفكار والمفاهيم الإسلامية المستنبطة من النصوص دون إن يكلف نفسه عناء حفظ النصوص الشريفة ... وبذلك يحرم نفسه من فوائد عظيمة ، فحفظ آيات القرآن وكلمات المعصومين يبعث النور والهدى في قلب الإنسان ويمنحه الطمأنينة والثبات في أوقات الشدة ، والاخوة الذين تعرضوا للاعتقال والظروف الصعبة يعون هذه الحقيقة ...
وبالمناسبة فائا نذكر الاخوة بأن الصيام من العوامل المساعدة على الحفظ فقد جاء في حديث للرسول (صلى الله عليه وآله) :
ـ ثلاثة يذهبن النسيان ويحدثن الذكر : قراءة القرآن ـ والسواك ، وا لصيام ) ، وكم هو جميل إن يحفظ الإنسان وصية الإمام علي (عليه السلام) وهو يستقبل الشهر المبارك ، وينشرها في المجتمع فهناك من يبحث عن الكلمة الطيبة ، لذا على كل فرد منا إن ينصح الآخرين بحفظها.
رمضان برنامج رسالي ـ 43 ـ
وأنه لمن المؤكد حتما أن المؤمن عندما يكثر وصية الإمام ويوزعها على أفراد المجتمع ، ويوصي غيره ممن وصلت إليه تلك النسخة إن يكثرها أيضا ، سوف ينال الأجر والثواب العظيمين من الله ويفيد المجتمع بها ، ثم أن الوصية موجزة ومركزة ، وقد قالها الإمام وهو على آخر رمق من حياته الشريفة بعد إن أصيب بتلك الضربة الغادرة من أبن ملجم وهو في محراب عبادته فجر التاسع عشر من شهر رمضان سنة 40 للهجرة.
وصية الأكثر علي (عليه السلام)
للحسن والحسين عليهما السلام لما ضربه ابن ملجم لعنه الله
* اوصيكما بتقوى الله ، والا تبغيا الدنيا وان بغتكما ، ولا تأسفا على يسيء منها زوى عنكما ، وقولا بالحق ، واعملا للأجر ، وكونا للظالم خصما ، وللمظلوم عونا.
أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي ، بتقوى الله ، ونظم أمركم ، وإصلاح ذات بينكم ، فاني سمعت جدكما (صلى الله عليه وآله سلم) يقول :
إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام* .
الله الله في الأول فلا تغبوا أفكاره ولا يضيعوا بحضرتكم ، والله الله في جيرانكم فإنهم وصية نبيكم ، مازال يوصي بهم حتى ظننا انه سيورثهم.
الله الله في القرآن ، لا يسبقكم بالعمل به غيركم .
رمضان برنامج رسالي ـ 44 ـ
الله الله في الصلاة فانها عمود دينكم.
والله الله في بيت ربكم ، لا تخفوه ما بقيتم ، فانه إمكانية ترك لم تناظر وا.
الله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم والسنتكم في سبيل الله.
وعليكم بالتواصل والتبادل وإياكم والتدابير والتقاطع.
كثير من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولى عليكم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم.
يابني عبد المطلب ، لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضا ، تقولون : قتل أمير المؤمنين ).
الا لا يقتلن بي الا قاتي ، انظروا إذا نا متّ من ضربته هذه ، فاضربوه ضربة بضربة ، ولاتمثلوا بالرجل فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : أو والمثلة ولو بالكلب العقور .
إمكانية هذه الوصية مركزة وشاملة لمختلف جوانب حياة الإنسان ، فحرفي بنا إمكانية نحفظها ونهتدي بها في هذا الشهر الفضيل ، وسوف نستعرض هنا بعض الفقرات لنستل منها مجموعة من الرؤى الحياتية المهمة.
أولا : تقوى الله ...
إنها وصية الأنانية والرسل والأئمة والأولياء وتجلهم جميعا هي وصية الله سبحانه وتعالى لكل الأجيال البشرية ، يقول تعالى : ( ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وايحم إمكانية اتقوا افه ، وإن تكفروا فان دته ما في السموات وما في الأرض ، وكان الله فنيا حميدا ) .
فما هي التقوى ؟ ومن هو المتقي ؟
رمضان برنامج رسالي ـ 45 ـ
سئل الأكثر الصادق (عليه السلام) عن تفسير التقوى فقال : أن لا يفقدك الله حيث أمرك ولا يراك حيث نهاك .
بعبارة أخرى ، التقوى تعني الالتزام ، ويقول الأكثر علي (عليه السلام) ( المتقي من اتقى من الذنوب ).
وعنه أيضا (عليه السلام) : رأس التقوى ترك الشهوات.
وعنه إياكم (عليه السلام) : ( من ملك شهوته كان تقيا ) .
من المعروف أن الإنسان يمتلك مجموعة من الغرائز والشهوات : كشهوة الجنس وشهوة المال ، وشهوة الراحة ، والإنسان الذي يتمكن من التحكم في شهواته وغرائزه يكون إنسان تقيا ، وفريضة الصيام التي يتميز بها هذا الشهر العظيم إنما تستهدف زرع التقوى في نفس الإنسان وتنميتها في شخصيته ، يقول تعالى : ( يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) .
ولسنا هنا بصدد الحديث عن إبعاد التقوى وفضلها ومعانيها ، وإنما سوف نتناول الإجابة على السؤال الأهم وهو : كيف يكون الإنسان تقيا ؟
كيف يكون الإنسان ققياً ؟؟
كل مؤمن يتمنى الوصول إلى درجة التقوى ، ولكن ما هي العوامل التي تؤهل الإنسان ليكون تقيا ؟
رمضان برنامج رسالي ـ 46 ـ
1/ الوعي ...
اكئر الناس الذين ينحرفون ، ولا يلتزمون بأوامر الله إنما يرجع سببه إلى الجهل بمعالم الدين وثقافته فعن النبي (صلى الإيمانية عليه وآله وسلم) : ( تمام التقوى أن تتعلم ما جهلت وتعمل بما علمت ) ، فالمعرفة والوعي عامل من العوامل المساعدة على التقوى والذين يمتلكون الوعي والمعرفة الدينية مؤهلون لبلوغ درجة التقوى ، فعن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : ( لكل شيء معدن ومعدن التقوى قلوب العارفين ) .
ذلك ينبغي للفرد أن يجالس العلماء المفكرين الإسلاميين ويرتاد المكتبات الإسلامية ليبحث في تراث الرسول وآل بيته الكرام (صلوات الإيمانية وسلامه عليهم أجمعين) عن المعرفة والوعي ويقرأ الكتب والمجلات الإسلامية ويستمع المحاضرات الإسلامية ، ليزداد وعيا ومعرفة.
2/ البرامج الروحية ...
ولكي يكون الإنسان تقيا لابد له أن يحيط نفسه وحياته بأكبر قدر ممكن من البرامج الروحية : من قراءة القرآن والأدعية وصلاة الليل والنوافل والصيام المستحب.
رمضان برنامج رسالي ـ 47 ـ
3/ المحيط الصالح ...
إذا ما عاش الإنسان في جو صالح يشجع على التقوى والعمل الصالح ، فسوف يكون تقيا في غالب الإمام ، بيد انه عندما يعيش في محيط فاسد ومنحرف فسوف يكون ابعد ما يكون عن التقوى ، ولا يعني هذا أن كل من عاش في أجواء صالحة يكون متقيا بالضرورة ، وكل من عاش في أجواء فاسدة يكون غير متقي بالضرورة ، كلا وإنما المحيط الصالح يساعد الإنسان على تقمص التقوى بينما المحيط الفاسد يثبط الإنسان عن التقوى.
ثانيا : ونظم أمركم ...
بفضل الصحوة الإسلامية التي عمت عالمنا الإسلامي برز اناس كثيرون في مجتمعاتنا يتطلعون للعمل في سبيل الله وخدمة الدين وإصلاح المجتمع بخلاف المرحلة السابقة ، حيث كان الرجال الذين يحملون شعور الإصلاح قلة ، وكانت الأكثرية غافلة تعيش اللامبالاة تجاه واقعها.
ولامرية إمكانية المجتمع اليوم يسير نحو الهدى وطلائعه ينشدون العمل ونصرة الأراضي ، حتى بعض أولئك الذين يبدون في ظاهرهم غير ملتزمين عندما تدخل معهم في نقاش حول الدين ووضع المجتمع والأمة ومسئوليتنا وواجبنا فأنهم يتجاوبون بمستوى جيد.
بيد أن المشكلة التي تبرز هنا هي حالة الفردية والمزاجية في العمل والتحرك ، مما يجعل العمل غير مجد ، بالصورة المطلوبة ، مع إمكانية المطلوب هو أن قصب كل تلك الجهود والنشاطات في قنوات وأطر موحدة متعاونة ، والأعداء يوصينا بنظم الأعمال والأمور ألانها مسألة مهمة للمجتمع الذي ينشد التقدم والسعادة.
ويقصد التنظيم بمعناه الواسع : تنظيم مختلف الطاقات والفعاليات والقدرات الاجتماعية وصبها في قناة واحدة لخدمة المجتمع.
وقد خطى مجتمعنا في هذا السبيل بعض الخطوات ، إذ تكونت بعض الجمعيات الخيرية لاعانة الفقراء والمحتاجين بشكل منظم ومدروس ، بينما في السابق كان الإنسان عندما يتصدق يعطي أي سائل يراه كان مستحقا أو غير مستحق وبصورة غير كافية لحاجات الفقير.
رمضان برنامج رسالي ـ 48 ـ
أما الآن فتجمع الأمر في صندوق واحد وضمن خطة مدروسة توزع ، وهذا الأمر يعتبر نوعا من أنواع التنظيم في العمل الاجتماعي ، وكذلك العمل الثقافي هو بأمس الحاجة إلى التنظيم ، فالخطباء والعلماء والكتاب والشعراء الذي يسعون لتوعية المجتمع إذا كان كل واحد منهم يعمل بوحي من ذاته وبتشخيصه الفردي لطبيعة الواقع الاجتماعي ، فسوف يكون عمل كل فرد في واد ، وذلك لاختلاف التشخيص من فرد لآخر وهذا الأمر يؤدي بالنتيجة إلى تبعثر الجهود وتشتيت الطاقات.
فمثلا : شهر رمضان يعتبر مناسبة عظيمة للأرشد والتوجيه حيث يجد كل خطيب فرصة لصعود المنبر من أجل توعية الناس ، ولكن كيف ينبغي للخطيب إمكانية يوجه المجتمع ؟
هل هناك قضايا أساسية يعيشها المجتمع يجدر بالخطباء التركيز عليها في هذا الشهر ؟
وما هو أفضل أسلوب للتوجيه ؟
إن الإجابة المفيدة على هذه الأسئلة تستلزم اجتماع الخطباء فيما بينهم ، في كل بلدة أو مدينة ، ليتفقوا على برنامج موحد فحبذا لو يبادر بعض المؤمنين لعقد مثل هذه الاجتماعات بين الخطباء تحت اسم من الأسماء.
وكذلك الحال بالنسبة للعلماء لماذا نجد انهم يختلفون في مواقفهم وتوجهاتهم حتى في الأمور البسيطة كإثبات هلال شهر رمضان أو عمد الفطر ؟
أهم سبب لذلك هو عدم التقائهم وإجتماعهم لمناقشة الأمور والمسائل معا.
وقد قال الأكثر علي (عليه السلام) ( أحق على العاقل أن يضيف إلى رأيه رأي العقلاء ويضم إلى علمه علوم الحكماء ) وعنه إياكم ( من استقبل وجوه الاراء عرف مواقع الخطأ .
ربما يكون هنالك سببان لعدم توجه الخطباء والعلماء لتكوين تجمع موحد.
رمضان برنامج رسالي ـ 49 ـ
1/ التخوف من ردة فعل السلطة.
إذ يعتقد البعض إمكانية مثل هذه الاجتماعات قد ينظر إليه على إنكارا جلسات سياسية تدفع السلطة نحو القيام بإجراءات عدائية وقمعية ضدهم ، ولكن إلى متى نحن نتخوف من سخط السلطة ، ونحاول دائما إرضاءها على حساب قيمنا ومبادئنا ؟ ولو كان آباؤنا يفكرون بمثل ما نفكر نحن لما أقاموا المجالس الحسينية.
هذا الإمر لا يحتاج سوى نوع من الجرأة والشجاعة ، ثم إمكانية هذا الإجتماع ليس له مظهر سياسي ، وإنما نشاط اجتماعي ثقافي ، وسعي للتفكير الجماعي في كيفية ونوعية التوجيه الأخلاقي والعقائدي والروحي المطلوب في هذه الفترة.
2/ الحواجز النفسية عند الكثير من الخطباء والعلماء ، حيث إمكانية بعضهم لا يمتلك الاستعداد للالتزام بالعمل الجماعي وذلك لسهولة العمل الفردي المزاجي ، غير إمكانية التغيير الاجتماعي وإصلاح الناس والقضاء على الفساد في المجتمع لا يتم بالعمل الفردي ، وإنما بالعمل الجماعي المنظم.
وفي مجتمعنا لا يمكن أن يحدث تغيير إذا لم تتركز الجهود والإيرادات ، أليها الذين يحاربون العمل المنظم وينادون بالعمل كيفما اتفق فان هؤلاء ا قد رسموا في اذهانهم صورة مشوشة وغير واضحة عن التنظيم بينما التنظيم أمر سهل ، لا يعني سوى جمع الطاقات والجهود وصبها وفق خطة محدودة وبر إدارة معينة ، وبعد ذلك لك الخيار في الاسم ، أردت إمكانية تسميه حزبا أو منظمة أتهم حركة أولئك اسم شئت سمه ، فالمسألة ليست في الاسم ، وإنما في المضمون والجوهر.
وكما نحتاج للتنظيم واتجمع في الإعلان الخيربة والثقافية والاجتماعية ، كذلك لا يمكننا التحرك السياسي الفعال دون إطار تنظيمي ، والواعون من أبناء مجتمعنا إذا ما أرادوا التصدي للفساد فلابد لهم من التعاون ضمن تنظيم سياسي ثوري ، وعلى كل الألوان من العمل الجماعي المنظم يصدق مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) * الله الله في نظم أمركم ).
رمضان برنامج رسالي ـ 50 ـ
ثالثا : صلاح ذات بينكم ...
وصلاح ذات بينكم فإني سمعت جدكما (صلى الله عليه وآله) يقول : صلاح ذات البين افضل من عامة الصلاة والصيام.
ما أحوج مجتمعاتنا إلى هذه الوصية ، وهي تعيش الصراعات والحلافات والتمزقات.
إن هذه المشاكل والصراعات ترجع في جذورها إلى حالة التخلف والجهل ، وإلى تشجيع السلطات أقدامهم ، وهذا أمر طبيعي مارسه كل طغاة التاريخ ، فعندما يرون بعض الناس يتحركون في اتجاه مناقض لسياستهم ، فمن أجل إيقاف أو إعاقة هذا التحرك لا اقل فانهم يستخدمون وسيلة وقاعدة (فرق تسد) وقد حدثت بالفعل خلافات حتى في أوساط دينية للأسف الشديد إذ وصل الإمام بالبعض لأن يرتقي منابر الحسين) عليه السلام) ويستغل المآتم لمحاربة من يشكل امتدادا لخط الأكثر الحسين (عليه السلام) فيتحدث صراحة أو غمزا في قناة عمل المجاهدين الرساليين دونما وازع من ضمير ، ثم يأوي إلى فراشه وينام ملء جفنيه. بينما أهله الذين وشاهم وعابهم يعيشون مشردين خارج اوطانهم وبعضهم في غياهب السجون يعانون من آلام التعذيب ...
والغريب إمكانية الذين يقومون بمهمة الإصلاح بين الناس قلة ، وهذه القلة غالبا ما تتوجه لا صلاح المشاكل الجانبية والعائلية ، فإذا ما اختلف رجل مع زوجته فان إنها الخير قد يتوسطون ويصلحون بينهما ، وهذا عمل جيد ، ولكن هناك عمل أهم وهو الإصلاح بين طائفتين أو فئتين أتهم جماعتين من الناس ، فأين أهل الخير في مجتمعاتنا ؟ أين الوجهاء هـ العلماء ؟ أين الشخصيات ؟ أين المؤمنون من الخلافات التي تحدث في المجتمع ؟
لقد وصل الإمام إلى استغلال المساجد والحسينيات ، وإدخال السلطة في خلافات المتدينين مع بعضهم البعض وهذا ما تريده السلطة ، حيث قام البعض بتقديم تقارير للسلطة حول العاملين الرساليين من أبناء مجتمعه بسبب تلك الخلافات التي تحصل بمختلف العناوين والأسماء.
ونحن لا نطالب بانحياز الوجهاء والعلماء إلى الطرف المحق ، رغم إن نصرة الحق والانحياز له أمر ضروري ومطلوب ، ولكن ليأخذوا على الأقل دور الإصلاح والتوسط للم الشمل ، وتوحيد الصف ، وإيقاف شماتة العدو بنا ، وفرحته بفرقتنا.