وفي نيل الاوطار (1) : (ان الزوج اذا اعسرعن نفقة امراته واختارت فراقه فرق بينهما واليه ذهب جمهور العلماء على ما حكاه في فتح الباري ، وحكاه صاحب البحر عن الامام علي عليه السلام ، وعمر، وابي هريرة ، والحسن البصري ، وسعيد بن المسيب ، وحماد وربيعة، ومالك ، واحمد بن حنبل ، والشافعي ، والامام يحى ، وحكى صاحب الفتح عن الكوفيين أنه يلزم المرأة الصبر وحكاه في البحر عن عطاء ، والزهري ، والثوري ، والقاسمية ، وابي حنيفة واصحابه وأحد قولي الشافعي ) .
وتعرض لنقل اقوال الصحابة والتابعين وفقهاء العامة ابن حزم ايضا في كتاب المحلى (2)ثم ان القائلين بهذا القول اختلفوا في انه هل للزوجة طلب الفسخ أو الطلاق أو هي مخيرة بينهما؟ ففي نيل الأوطار (3) نقل للعامة في ذلك أقوالا ثلاثة وفي المغني (4) (كل موضع يثبت لها الفسخ لاجل النفقة لم يجز الا بحكم الحاكم ... فاذا فرّق بينهما فهو فسخ لا رجعة له فيه وبهذا قال الشافعي وابن المنذر، وقال مالك : هوتطليقة وهو احق بها ان أيسر في عدتها ...) .
فظهر بذلك انه لا اجماع هناك في عدم خيارتخلف الشرط الضمني الارتكازي والصريح في عقد النكاح ، لكنه مخالف للروايات الأتية، ومع ذلك يمكن القول بان الشرط المرتكز هو ان يكون الخيار لها بالرجوع الى الحاكم وفسخه ، وان لم يتيسرفبنفس الزوج ، فلا مخالفة لمفاد الروايات
(1) نيل الاوطار 7 : 133 ـ 134 .
(2) ج 10 | 94 ـ 95 .
(3) نيل الاوطار 7 :135 .
(4) المغني 9 : 48 2 ـ 249 .
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 302 ـ
المشار اليها. وعلى تقدير منع ذلك ، فالوجه في عدم الحاق النكاح عند الإعسار بخيار الغبن في استحقاق الفسخ انما هو الروايات الواردة في الموضوع .
البحث الثاني : في انه هل يثبت حق الفسخ للزوجة أو حق الطلاق للحاكم بقاعدة (لا ضرر ولا ضرار)؟ اما (قاعدة لا ضرر)، فلإثبات ذلك بها تقريبان : التقريب الأول : ما يماثل التقريب الذي يذكر لإثبات خيار الغبن في صورة عدم اقدام المغبون على الضرر ـ وهو ان يقال : إن حكم الشارع باستمرار الزوجية حتى بعد فسخ الزوجة لها من جهة حرمانها من حقها ـ المعبّرعن هذا الحكم باللزوم ـ ضرر على الزوجة فهو منفي .
وعلى هذا التقريب يكون التمسك ب ـ (لا ضرر) تمسكا به لنفي الحكم لا لإثباته ، كما انه انما يتجه في فرض انكار ارتكازية الشرط أو تاثير الشرط الارتكازي ونحو ذلك ـ كما يظهر مما سبق في التنبيه السابق ـ.
وقد يعترض على هذا التقريب بما عن شيخنا الحلي (قده ) من ان الضرر المتوجه على الزوجة في حال عدم قيام الزوج بحقوقها ليس مسببا توليديا عن نفس لزوم النكاح لينتفي بالحديث المذكور اذ من المعلوم ان اختيار الزوج دخيل في البين (1) .
وهذا الاعتراض مبني على ما ذهب اليه (قده ) وفاقا لشيخه المحقق النائيني من أن الضرر المنفي عنوان توليدي لنفس الحكم الشرعي ، كالاضرار فيكون الحكم الشرعي منفيا حيث ينطبق عليه الاضرار، وقد مرت مناقشة هذا المبنى في محله وذكرنا ان الصحيح في تخريج ما ذهب اليه
(1) بحوث فقهية : 207 .
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 303 ـ
المشهور من تفسير الحديث بنفي الحكم الضرري هوان مفاده نفي التسبيب الشرعي الى تحمل ضرر من الغير.
وعلى هذا فيمكن التمسك به في المقام حيث يفرض سقوط الحكم بالانفاق لعدم قدرة الزوج أو ثبوته في حقه مع عدم عمله على وفقه ولو إجبارا ، إذ يصدق على جعل لزوم الزوجية وبقائها أنه تسبيب الى الضرر من قبل الشارع فينتفي بلا ضرر.
وبذلك يظهر ان هذا التقريب ايضا تام لولا دلالة الروايات على خلافه ، حيث إنها تدل على ان ازالة الطلاق لا بدّ ان يكون صادرا عن الولي الإجباري وهو الحاكم .
التقريب الثاني : انه يلزم من عدم جعل سلطنة لغير الزوج على الطلاق وازالة عقد الزوجية تسبيب الشارع الى ضرر الزوجة ، فيستكشف من (لا ضرر) وجود هذا الحق للحاكم .
وعلى هذا التقريب يكون التمسك ب ـ (لا ضرر) استدلالا به في اثبات وجود حكم شرعي ، وعليه يبتنى تمسك السيد الطباطبائي بهذه القاعدة وب ـ (لا حرج ) لهذا المدعى ، بل على هذا الاساس يبتنى تمسك العلامة ب ـ (لا ضرر) في اثبات حق الفسخ للزوجة، وكذا استدلال ابن الجنيد ب (لا حرج ) لهذا المدعى فانه ليس نظرهم الى دفع اللزوم ، بل وكذا تمسك الشيخ والعلآمة وغيرهما ب ـ (لا ضرر) لإثبات خيار الغبن الذي هو من الحقوق القابلة للارث .
ويلاحظ : ان بين رفع الحكم ب ـ (لا ضرر) وأثباته به فرقا ، فان الامر في الأؤل واضح لان المفروض تعين الحكم الموجب للضرر وهو ما يتوهم بسبب عموم أو اطلاق أو غيرهما ، ولكنه ليس كذلك في الثاني لأن الحكم الذي يراد استكشافه لا يكون متعينا غالبا لامكان رفع الضرر بجعل عدة
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 304 ـ
احكام ، كما أشار الى ذلك الشيخ الانصاري (قده ) في خيار الغبن فلا يمكن استكشاف حكم معين منها الاّ بمؤونة زائدة .
ففي المقام يدور الامر بين ان يكون الحكم المجعول لرفع الضرر عن الزوجة هو ثبوت حق الطلاق للحاكم عند وجود الشرائط التي منها مطالبة الزوجة بالطلاق ، وبين ان يكون ثبوت هذا الحق لنفس الزوجة وبين ثبوت حق الفسخ لأحدهما ، وبين الطلاق والفسخ فرق فإنه على تقدير الطلاق قد يكون الطلاق رجعياً فيكون للزوج الرجوع في اثناء العدة اذا تمكن من الانفاق وهذا بخلاف الفسخ .
وتعين احد هذه الاحكام بحاجة الى مزيد بيان .
ويمكن تقريب ثبوت حق الطلاق بان المستفاد من الادلة العامة هو ان وظيفة الزوج احد الأمرين اما إمساك بالمعروف أو تسريح باحسان ، ويشهد له بالخصوص معتبرة جميل ، عن أصحابنا، أو عن عنبسة بن مصعب ، وسورة بن كليب ، عن احدهما قال : اذا كساها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها اقامت معه والاّ طلقها) (1).
واذا امتنع الزوج من الطلاق ولو بمراجعة الحاكم الشرعي يكون الحاكم هو المتصدي للطلاق لانه ولي الممتنع .
ويشهد لذلك ما ورد في المفقود من انه يطلقها الولي ولو باجباره على ذلك ، وإن لم يكن لها ولي طلقها السلطان (2) وكذلك ما ورد في ان حق
(1) لاحظ الوسائل ـ كتاب النكاح ، أبواب النفقات ـ الباب 1 ـ الحديث 4 ج 21 | 510ولاحظ ان الكافي الموجود عندنا يختلف مع ما نقله الشيخ عنه في سند الرواية لكن لا يسع المقام بيان ذلك (منه ).
(2) لاحظ المصدر السابق ، كتاب الطلاق ، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، الباب 23 الحديث 5ج 22| 158 .
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 305 ـ
الطلاق لا يكون بيد الزوجة مطلقا ولو بجعل الزوج ، ففي معتبرة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السلام انه قضى في رجل تزوج امرأة واصدقته هي واشترطت عليه ان بيدها الجماع والطلاق ، قال : خالفت السنة ووليت حقا ليست باهله ، فقضى أن عليه الصداق وبيده الجماع والطلاق وذلك السنة (1).
فمن ذلك وغيره يعلم ان الحكم بعدم كون الطلاق بيد الزوجة ليس من باب اللا اقتضاء، بل من باب اقتضاء العدم ، هذا ما يتعلق باثبات حق الفسخ للزوجة أو حق الطلاق للحاكم بقاعدة (لا ضرر) .
واما اثبات حق الطلاق للحاكم بقاعدة لاضرار فيختص بالزوج الذي يكون مضاراً قال تعالى : ( فى ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ) (2) ووجه استفادته منها : ما سبق في شرح مقطع (لاضرار) من انه يستفاد منه ان للحاكم الشرعي الحق في المنع عن الاضرار حدوثا وبقاءً بانسب وأخف الوسائل الممكنة، وهو في المقام بعد سلسلة من الاجراءات طلاق الزوجة ، فيكون حكم طلاق الزوجة حكم نخلة سمرة بن جندب التي امر النبي صلى الله عليه وآله بقلعها، وعلى هذا فتثبت للحاكم هذه السلطة لانها من شؤون الولاية التنفيذية ، وقد أشير الى هذا التقريب فيما عن شيخنا الحلي (قده ) (3) .
البحث الثالث : في حكم المسالة على ضوء الروايات الواردة في المقام ، وهي روايات عديدة :
فمنها : ما رواه الصدوق ، عن ربعي بن عبدالله ، والفضيل بن يسار ،
(1) لاحظ الوسائل كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 9 2 ـ الحديث ا ج 1 2 | 289 .
(2) البقرة 2 | 231 .
(3) بحوث فقهية : 209 ـ 210 .
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 306 ـ
جميعاً، عن ابي عبدالله عليه السلام في قوله تعالى : ( ومن قدر عليه رزقه فيلنفق مما آتاه الله )(1) قال : ان انفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة والاّ فرق بينهما ، وللصدوق سند صحيح الى كل منهما في المشيخة ، وقد رواه الشيخ بسند فيه محمد بن سنان ، عنهما الأ انه قال (ما يقيم صلبها) (2).
ومنها: ما رواه الصدوق بسنده المعتبر عن عاصم بن حميد عن ابي بصير قال : سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول : (من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها كان حقا على الامام ان يفرق بينهما).
ومنها: ما نقله في الكافي ـ بسند مخدوش ـ عن روح بن عبدالرحيم قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : قوله عز وجل :( ومن قدر عليه رزته فلينفق مما آتاه الله ) قال : (اذا انفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة والا فرق بينهما).
والظاهر ان كلا من الصدوق والكليني يفتون بذلك كما افتى به بعض آخر من فقهائنا ، فقد ذكر في الحدائق (3)في عداد اقوال علمائنا انه (قيل بان الحاكم يبينها وهذا القول نقله السيد السند في شرح النافع قال : نقل المحقق الشيخ فخر الدين عن المصنف انه نقل عن بعض علمائنا قولا بان الحاكم يبينها).
ويظهرمن كلام المحقق النائيني المناقشة في الاستدلال بها بوجهين :
(1) الطلاق 65 |7 .
(2) لاحظ الوسانل ، كتاب النكاح ـ أبواب النفقات ـ الباب 10 الحديث ا ج ا 2| 509 .
(3) ج 6 ص 141 ط الحجر.
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 307 ـ
الأول : انها غير معمول بها (1) وذلك لان قدماءنا بين من قال بلزوم صبرها وبين من قال بان لها فسخ العقد كابن الجنيد ، لكن قد ظهرمما ذكرنا انه لا وجه لدعوى الاعراض عنها، بل توقف من توقف في الموضوع قد يكون لعدم الاطلاع على صحة سند ما صح منها كما اشار اليه صاحب ا لحد ائق (2) .
الثاني : معارضتها بمثل النبوي (تصبر امرأة المفقود حتى ياتيها يقين بموته أو طلاقه ) والعلوي ( هذه امرأة ابتليت فلتصبر) ونحو ذلك (3).
ولعله يشير بنحو ذلك الى ما رواه الشيخ عن محمد بن علي بن محبوب ، عن بنان بن محمد ، عن ابيه ، عن ابن المغيرة، عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما السلام ان عليا عليه السلام قال في المفقود: لا تتزوج امراته حتى يبلغها موته أو طلاقه أو لحوقه بأهل الشرك )(4).
لكن لا يمكن الاعتماد على شيء من الاخبار الثلاثة: (اما رواية السكوني ) فلأن في سندها بنان بن محمّد وهو عبدالله بن محمّد بن عيسى
(1 و 2) تقريرات المحقق النائيني : 221 ، ومن الغريب ما أورده السيد الاستاذ على ذلك من ان الروايات الامرة بالصبر واردة فيما إذا امتنع الزوج من الموافقة (لاحظ مصباح الاصول 2 : 561) فان نظر المحقق النائيني إلى النبوي والعلوي الآتيين وهما واردان في المفقود ولا يرتبطان بمن امتنع عن الموافقة .
(3) قال في ج 6| 141 ط الحجر وظاهرشيخنا الشهيد الثاني في المسالك التوقف أيضاً حيث اقتصرعلى نقله الأقوال وادلتها ولم يرجح شيئاً في البين إلأ أن الظاهر انه لم يقف على صحة الخبرين اللذين قدمناهما دليلا لابن الجنيد فانه إنما نقل رواية ربعي والفضيل عارية عن وصفها بالصحة والظاهر انه اخذها من التهذيب فانها فيه ضعيفة وإلأ فهي في الفقيه صحيحة وأما صحيحة أبي بصير فلم يتعرض لها والظاهر انه لووقف على صحة هاتين الروايتين لما عدل عنهما بناء على عادته وطريقته كما علمته من سبطه في شرح النافع .
(4) الوسائل 22 | 57 1 ـ 58 1 | 28266 .
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 308 ـ
الأشعري ولم تثبت وثاقته (1).
واما الأولان : فلم يتعرض لهما الا الشهيد الثاني حيث قال : (لوتعذر البحث عنه من الحاكم اما لعدمه أو لقصور يده تعين عليها الصبر الى ان يحكم بموته شرعا ، أو يظهر حاله بوجه من الوجوه لاصالة بقاء الزوجية، وعليه يحمل ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله ... وعن علي عليه السلام ... ومن العامة من أوجب ذلك مطلقا عملا بهاتين الروايتين )(2)وقد ذكر السيد الطباطباثي في مقام الجواب عن هذه الروايات الثلاث انه لا عامل بها مع ان الاولين عاميان (3) .
والظاهر انه لا اعتبار لهما سندأ حتى عند العامة وان كانا موافقين لفتاوى اهل الرأي وبعض الظاهرية كما تقدم .
اما النبوي : ففي المغني لابن قدامة (4) متعرضا للاستدلال به (فاما الحديث الذي رووه عن النبي صلى الله عليه وآله فلم يثبت ولم يذكره اصحاب السنن ) .
واما العلوي : ففيه ايضا بعد ذكرنقله عن الحكم ، وحماد ، عن علي (وما رووه عن علي فيرويه الحكم وحماد مرسلاً والمسند عنه مثل قولنا)
(1) نعم في موثقة سماعة قال سألته عن المفقود فقال إن علمت أنه فهي ارض في منتظرة له ابداً حتى يأتيها موته او ياتيها طلاق ... (الوسائل ج 0 2 ص 06 5 حديث 26214) ولكن موردها خصوص المفقود الذي يعلم حياته ولا مانع من العمل بها في موردها وجعلها مخصصة لتلكم الروايات والحكم بلزوم الصبرعلى المرأة وإن لم يكن للمفقود مال ينفق عليها منه ولا ولي ينفق عليها من مال نفسه .
(2) لاحظ الجواهر ط الحديث 32 ص 290.
(3) ملحقات العروة ص 270 .
(4) ج 9ص 135 .
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 309 ـ
وغرضه بالمسند عنه ما ذكره من انه قد روى الجوزجاني وغيره باسنادهم عن علي في امرأة المفقود تعتد أربع سنين ثم يطلقها ولي زوجها ، وتعتد بعد ذلك أربعة اشهر وعشراً فان جاء زوجها المفقود بعد ذلك خير بين الصداق وبين ا مرا ته .
وقال الزيلعي (1) : (قلت رواه عبدالرزاق في مصنفه في كتاب الطلاق : اخبرنا محمد بن عبيدالله العرزمي عن الحكم بن عتيبة : ان عليا قال في امرأة المفقود: هي امرأة ابتليت فلتصبر حتى ياتيها موت أو طلاق انتهى ، اخبرنا معمرعن ابن ابي ليلى عن الحكم : ان علياً قال مثل ما سبق ، اخبرنا ابن جريح قال : بلغني ان ابن مسعود وافق عليا على انها تنتظره أبداً ، انتهى .
ونقل المحدث النوري في المستدرك (2) عن ابن شهرآشوب في المناقب (وروي أن الصحابة اختلفوا في امرأة المفقود فذكروا ان علياً عليه السلام حكم بانها لا تتزوج حتى يجيء موته وقال : هي امراة ابتليت فلتصبر ، وقاله عمر : تتربص اربع سنين ثم يطلقها ولي زوجها ثم تتربص اربعة أشهر وعشرا ، ثم رجع الى قول علي ).
وعلى اي حال فلا حجية للنبوي ولا للعلوي .
فظهر أن الصحيح هو الاعتماد على ما يدل على ان الحاكم يفرق بينهما ، والظاهر أنه على نحو الطلاق ، ولا فرق بين كونه موسراً أو معسراً ، خلافا لصاحب الحدائق حيث فصل بينهما فحمل هذه الروايات على الموسر ووافقه بعض المتاخرين .
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 310 ـ
التنبيه السادس : في تعارض الضررين :
ولذلك صور عديدة تعرض لها بعض الاصوليين في المقام ونحن نتعرض لتحقيقها تبعا رغم عدم ارتباط بعضها بهذه القاعدة، وهي ترجع الى صور أصلية ثلاث :
الصورة الأولى : ما اذا دار أمر شخص بين ضررين بالنسبة اليه بحيث لا بد له من الوقوع في احدهما، ومنشأ حدوث هذه الحالة أحد عوامل ثلاثة لانه اما ان يكون بفعل نفس المتضرر او بعامل طبيعي أو بفعل شخص آخر والفروض الثلالة تختلف بعض الشيء في حكم المسالة ـ على ما سيتضح خلال تحقيقها ـ ويتصورجميعها فيما اذا وقع شخص من السطح ودار امره بين ان يقع على أحد شيئين يستوجب تلفه ، أو ادخل شخص راس بعيره في قدر ثم تعذر اخراجه الا بتلف احدهما .
ولهذه الصور كما ذكر فروع ثلاثة :
الفرع الأول : ان يدور الامر بين ضررين مباحين .
والحكم التكليفي في هذه الحالة واضح اذ المفروض اباحة ارتكاب كل من الضررين تكليفا فيبقى كل منهما على اباحته بلا اشكال فنتيجة ذلك تخير المكلف عقلا في ارتكاب ايهما شاء.
واما الحكم الوضعي ـ وهو الضمان ـ فلا معنى لتحققه فيما كان العامل في هذا الاضطرار نفس المكلف أو جهة طبيعية واما اذا كان العامل شخصا آخر فاذا كان الضرران متساويين ، او كانا مختلفين ولكن ارتكب المضطر اخفهما فانه لا اشكال في ضمان الغير لما ارتكبه المضطر بخصوصه لأن وقوعه في ذلك يستند الى الغير، وموضوع الضمان اعم من تحقيق الضرر مباشرة أو تسبيباً .
واما اذا كان الضرران مختلفين وارتكب المضطرأشدهما فها هنا وجوه :
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 311 ـ
الأول : ان يضمن الضرر الأشد نظرا الى ان الغير قد سبب الى الضرر ـ حسب الفرض ـ والضرر الواقع انما هو الضرر الأشد دون الأخف ليكون ضامنا له ، فيكون ضامنأ له لما وقع لا محالة .
الثاني : ان يضمن الجامع بين الضررين ؛ نظرا الى ان الغير انما سبب الى وقوع المضطر في احدهما، وانما كان وقوعه في الأشد باختيار منه لا بتسبيب من الغير فيكون ضامناً اياه .
الثالث : ان يقال انه اذا كان المضطر عالما بأشدية أحد الضررين من الاخر، أواحتمله احتمالاً معتدا به عقلاءً فانه لا يضمنه الغير اصلا، واما اذا كان جاهلا باشدية احد الضررين أو احتمله احتمالا ضعيفاً لا يجب الاعتناء به عقلاءً ، فان حكمه حكم صورة التساوي ويكون الغير ضامنا لما ارتكبه المضطر منهما .
وهذا الوجه هو الصحيح وذلك لان ما سبب اليه الغير أولا وبالذات انما هو أحد الضررين ، ولكن هذا العنوان الانتزاعي انما ينطبق عقلاءً على خصوص الأخف فيما اذا كان المضطر عالما باشدية احد الضررين ، أو محتملا لها احتمالاً معتدا به ، فلا يكون ارتكاب الأشد مستندا الى تسبيب الغير في هذه الحالة لكي يكون ضامنا له ، وهذا بخلاف ما اذا كان جاهلا بها أو محتملاً لها احتمالا ضعيفا فان العنوان الانتزاتي في هذه الحالة ينطبق على ما ارتكبه المضطر منهما ... كما في حالة تساوي المحتملين ـ فيكون ضامنا لذلك .
وتوضيح هذا المعنى بحاجة الى الرجوع الى كيفية تطبيق الحكم بالضمان في مورد التسبيب الى احد الضررين ، لكي يتضح تخريج هذا الوجه في ضوء ذلك فنقول : ان التسبيب الى أحد الضررين لا يستوجب الضمان بهذا العنوان لان عنوان الأحد عنوان انتزاعي جامع بين الضررين ،
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 312 ـ
والحكم بالضمان في كل ضرر انما يقتضي ثبوت الضمان بالنسبة الى كل ضرر ضرر معينا ـ لا الاصل الجامع بين ضررين أو اكثر ـ لأن العام ينحل بحسب الافراد المعينة دون المنتزعة ، ولا سبيل الى الالتزام بثبوت الضمان بالنسبة الى كلا الضررين كما هو واضح ، ولا بالنسبة الى واحد منهما معينا لأن نسبة الأحد اليهما على حد سواء ، فتعيين واحد منهما ترجيح من غير مرجح ، وعلى ضوء هذا : يعرض الابهام في كيفية تظبيق الحكم بالضمان على ذلك.
وكلما طرأ الابهام في متعلق الحكم أو موضوعه من ناحية التطبيق ، فانه تدعو ألحاجة الى خطاب متمم يطبق الماهية على شيء معين ليرتفع الابهام بذلك ، ونحن نعبر عن هذا الخطاب ب ـ (متمم الجعل التطبيقي ) تمييزا له عن سائر انحاء متمم الجعل .
وانما يعرض الابهام في مرحلة الجعل في أحد موردين :
المورد الأول : الماهيات الاعتبارية بنحو عام كالصلاة والحج والزكاة ـ على المختار فيها ـ وذلك لان المعنى الاعتباري لا ينطبق على شيء خاص قهراً ، بل لا بد في تطبيقه من توسط اعتبارآخر، مثلا مجرد وجود السلام والتحية في عرف اجتماعي لايعين عملا خاصا ينطبق عليه قهراً ، وهكذا وجود (الدينار) في القانون المالي لدولة لا يعين نقدا خاصا يتعين انطباقه عليه كما هو واضح ، بل ذلك منوط بتطبيق الماهية الاعتبارية ممن بيده الامر ، وذلك قد يختلف من دين الى دين أو من مجتمع الى مجتمع ، أو من دولة الى دولة وهكذا ... على ما هو ملحوظ في هذه الأمثلة .
المورد الثاني : ان تكون هناك خطابات متعددة (بالذات أو بالانحلال من خطاب واحد) وفعلية كل واحد أوتنجزه مشروط بشرط ـ مشترك بينها ـ
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 313 ـ
بالنسبة الى موضوعها ، ففي هذه الحالة تعرض الحاجة الى متمم الجعل مع توفر شرطين :
احدهما: ان يتحقق المعنى المجعول شرطا بالنسبة الى احد الموضوعات لا بالنسبة الى كل واحد منها لكي يصير الحكم بالنسبة اليها فعلياً أو منجزا قهرا .
الثاني : ان لا يمكن الالتزام بعدم فعلية شيء من الحكمين أو تنجزه للعلم بتحقق ملاك الحكم بالنسبة الى احد الموضوعين .
لكن كيف يمكن صيرورة احذ الحكمين فعليا أو منجزا ـ ابتداءً ـ لان كلا منهما مشروط بتحقق الشرط بالنسبة الى خصوص متعلقه ولم يتحقق ذلك بالنسبة الى شيء منهما ، فلايكون شيء منهما فعليا أومنجزا في هذه الحالة دون عناية زائدة .
وحل ذلك : ان ينشأ هنا خطاب ، اخر يطبق الأحد الانتزاعي على واحد بخصوصه ، وحينئذ ينحل الاشكال ويصير الحكم الذي طبق الأحد على موضوعه أوموضوع تنجزه فعليا أومنجزا قهرا .
وكيفية تطبيق ذلك وضابطه انه متى كان الطرفان متساويين يطبق الأحد على كل منهما بشرط عدم تحقق الأخر واذا كانا مختلفين فيطبق الأحد على ذي المزية ـ على اختلاف بين الموارد بحسب تناسباتها لها ـ.
ولهذا المورد تطبيقات كثيرة متعددة خلال المباحث الاصولية والفقهية .
منها : في مورد قاعدة الاضطرار وهي ما ورد في الحديث (وكل شيء ، اضطر اليه ابن ادم فقد احله الله ) فاذا فرضنا اضطرار المكلف بالنسبة الى أحد محرمين لم يوثر الاضطرار ابتداءً في حلية شيء منهما ، إذ خطاب الحلية الى كل محرم محرم فان الجامع بين محرمين ليس بمحرم ، لكن حيث لا
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 314 ـ
يمكن الالتزام بعدم تأثير الاضطرار في رفع الحرمة لحجة انه قد تعلق بالأحد الجامع ، وهو ليس بمحرم ـ لكي يصيرحلالا ، ولم يتعلق بشيء من الطرفين فتبقى حرمة كل منهماعلى حالها فلا بد من تعيين المضطر اليه بمتمم الجعل التطبيقي ليتاتى رفع حرمته بمعونة قاعدة الاضطرار وبموجب هذا المتمم يكون المضطر اليه في مورد التساوي احتمالا ومحتملا ما ارتكبه المضطر بشرط عدم سبق ارتكاب الاخر او مقارنته اياه .
وفي مورد التفاوت يكون المضطر اليه هو الأخف محتملا والأضعف احتمالا ، وعلى هذا لا يجوز اتكاب الأشد أو الاتوى بحجة الاضطرار الى احدهما ـ كما يظهر من كلمات الاصوليين في تنبيهات بحث الاشتغال في الكلام على الاضطرار الى بعض غير معين من اطراف العلم الاجمالي ـ لان الأشد ليس بمضطر اليه كما هوواضح عقلاءً وانما مثل ارتكاب الأشد في هذه الحالة كارتكاب الحرام فيما اضطر الى أحد شيئين احدهما محرم والأخر مكروه .
ومنها : في باب تزاحم الخطابين من جهة قصور القدرة عن الجمع بين امتثالهما بناء على أخذ القدرة الثابتة في موضوع الحكم في مرحلة الانشاء ، فانه حيث لا تتوفر هذه القدرة بالنسبة الى كل من المتعلقين ، فلا يمكن الحكم بعدم توجه شيء من الخطابين ـ أيضا ـ للزوم فوت الملاكين المعلومين باطلاق اله ادة أو بجهة اخرى بعد كون القدرة عقلية لا شرعية دخيلة في الملاك ، فلا بد من اعتبار هذه القدرة لواحد منهما معيناً ليصير احد الحكمين فعليا، فاذا كانا متساويين اعتبرت القدرة لكل منهما بشرط عدم الاتيان بالأخر ، واذا كانا مختلفين اعتبرت القدرة قدرة على الاهم وعلى المهم ايضا على تقدير ترك الأهم .
وبناء على المختار ـ في هذا الباب ـ من أخذ القدرة التامة في موضوع
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 315 ـ
الحكم الجزائي في مرحلة تنجز الخطاب ، ففي مورد المتساويين يحكم بكون الموضوع للحكم الجزائي هو احد الأمرين فيكون العقاب عليه ايضا لعدم موافقة العقلاء على تعدد العقوبة ولا حاجة الى اعتبار القدرة لكل واحد منهما مشروطا ، واما في المختلفين فتعتبر القدرة قدرة على الأهم ، وعلى المهم على تقدير ترك الأهم .
ومنها : غير ذلك مما ذكرناه في محله ـ ولا يناسب ذكره في المقام ـ .
ومما يندرج تحت هذا المورد الثاني : مقامنا هذا حيث ان التسبيب انما هو الى احد الضررين بينما الحكم بالضمان منصب على التسبيب الى كل ضرر من الاضرار معينا .
فكيفية تخريج الحكم بالضمان على ضوء ما ذكرنا ان يعين الأحد بمتمم الجعل التطبيقي ، فاذا كان الضرران متساويين احتمالا ومحتملا ـ او ما هو في حكم التساوي كما لوكان التفاوت في مستوى من القلة والضعف لا يعتنى به عقلاءً ـ فينطبق الاحد المسبب اليه على ما ارتكبه المضطرمنهما ايا كان ويكون المسبب ضامنا له ، واما اذا كانا مختلفين اختلافا معتد ا به اما احتمالا أومحتملا مع علم المضطر بذلك اوما في حكمه فان الاحد حينئذ ينطبق على الاخف والاضف فيكون هو الذي سبب اليه الغير فان ارتكبه المضطر ضمنه الغير واذا ارتكب الأشد فان ارتكابه اياه لا يستند الى تسبيب الغير عقلاءً فلا يوجب ضمانا عليه .
وبما ذكرنا يظهر النظر في الوجه الأؤل والثاني .
اما الأول : فلأن الغير وان كان قد سبب الى الضرروكان الضرر الواقع هو الأشد ، الا ان الضرر الذي سبب اليه الغير ليس هو الأشد لينتج ضمانه اياه ، وانما هو أحد الأمرين المنطبق بمعونة متمم الجعل التطبيقي على الأخف ، فلا يكون الأشد مستندا الى الغير أصلا ، بل ما سبب اليه الغير لم
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 316 ـ
يقع خارجا ، وذلك نظير ما لو اضطر المكلف الى ارتكاب احد محرمين كشرب النجس والخمر ، وكان احدهما اشد ـ كالخمر في المثال ـ فارتكب الاشد حيث لا ترتفع عقوبته عنه لعدم كونه مضطرا اليه عقلاءً وإن كان مضطرأ الى احد الامرين وهذا واضح ،
واما الثاني : فلأن احد الأمرين وان كان قد سبب اليه الغير، الا ان الضمان لا يتعلق به كما عرفت وانما يتعلق بالضرر المعين ، فلا بد من تطبيقه على معين بمتمم الجعل لكي يتحقق موضوع الحكم بالضمان فى إثرذلك .
الفرع الثاني : ان يدور الامر بين ضرر مباح وآخر محرم .
وفي هذه ألحالة يكون الحكم التكليفي بعد عروض الاضطرار الى ارتكاب احد الضررين نفس الحكم المفروض قبل عروض ذلك ـ كما في الفرع الأول ـ فما كان مباحا أولا يكون مباحا كذلك بعد الاضطرار ، كما أن ما كان محرما يبقى على حرمته بعد ذلك ، ولا ترتفع الحرمة أو تنجزها بالاضطرار فان الاضطرار انما يؤثر في احدى حالتين : الأولى : ان يتعلق بامر محرم .
الثانية: ان يتعلق بأحد امرين وينطبق على المحرم بمتمم الجعل التطبيقي .
والمقام ليس من قبيل الحالة الأولى لان احد الأمرين ـ حتى فيما كان الامران جميعا محرمين ـ ليس بمحرم فضلا عما اذا كان احدهما حلالا والاخر حراما ، ولا من قبيل الحالة الثانية ؟ لان الاضطرار وان تعلق باحد الامرين الا انه لا ينطبق على الحرام الذي يكون طرفه حراما اخف من الأول حرمة ـ كما اتضح مما ذكرناه في ألفرع الأول ـ فضلا عما اذا كان طرفه مباحا كما في المقام ، فالمضطر اليه هنا بمقتضى متمم الجعل انما هو خصوص المباح ، ولا مبرر لارتكاب الحرام في ذلك .
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 317 ـ
واما الحكم الوضعي : فهوواضح فانه اذا كان الغير هو السبب للوقوع في الضرر وارتكب المضطر الضرر المباح كان الغير ضامنا له لانه المضطر اليه بمتمم الجعل التطبيقي واما اذا ارتكب المضطر الضرر المحرم فلا يكون ضامنا له لانه لم يسبب اليه الغير.
الفرع الثالث : ان يدور الأمر بين ضررين محرمين .
وحينئذ يكون المضطر اليه في حالة التساوي ونحوه كل منهما بشرط عدم ارتكاب الاخر سابقا أو مقارنا ، وفي حالة التفاوت ما كان اخف محتملا و اضعف احتمالا ، وذلك بمؤونة متمم الجعل التطبيقي على ما سبق شرحه في الفرع الأول .
وعليه فبالنسبة الى الحكم التكليفي ترتفع الحرمة عن المضطراليه ـ بناء على ان مقتضى قاعدة الاضطرار رفع حرمة المضطر اليه ـ واما ان قلنا بان مفادها رفع تنجزها على ما قربناه في محله فتبقى الحرمة ولكن لا يستحق العقاب بمخالفتها الا اذا كان الاضطرار بسوء الاختيار.
واما بالنسبة الى الحكم الوضعي : فاذا كان الضرر بتسبيب الغير فينطبق احد الأمرين (المسبب اليه ) على المضطر اليه بمتمم الجعل التطبيقي فيكون الغير ضامنا له لو ارتكبه المضطر ، واما لو ارتكب غيره كان يرتكب ما هو اقوى محتملا فلا يكون الغيرضامنا لعدم تسبيبه اليه عقلاءً كما عرفت توضيحه .
الصووة الثانية : ان يدور امر الضررين بشخصين عكس الصورة الأولى ، ومثاله المعروف ما اذا دخل رأس دابة شخص في قدر شخص آخر ولم يمكن تخليصها منه الا بكسر القدر او ذبح الدابة .
ويخرج عن محل البحث ما اذا كان مال الغير نفساً محترمة كالعبد المسلم أو ما بحكمه فان الضرر حينئذ يكون دائرا بين اشخاص ويتعين فيه
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 318 ـ
اتلاف المال الآخرتحفظا على نفس العبد .
ولهذه الصورة ايضا فروع ثلاثة :
الفرع الأول : ما اذا كان ذلك بفعل احد المالكين .
وقد ذكر السيد الأستاذ (قده ) ان الحكم فيه وجوب اتلاف ماله وتخليص مال الأخر مقدمة لرده على مالكه لقاعدة اليد ولا يجوز اتلاف مال الغير ودفع مثله او قيمته الى مالكه ، لانه متى امكن رد العين وجب ردها ولا تصل النوبة الى المثل أو القيمة والانتقال الى المثل والقيمة انما هوبعد تعذر العين (1).
والتحقيق أن يقال : انه اما ان ياذن له مالك المال الاخر بايقاع الضرر المادي على ماله ولو بشرط الضمان أو لا ياذن له في ذلك .
فعلى الأول : يلحق هذا الفرع من ناحية الحكم التكليفي بالصورة ، الأولى وهو ما اذا كان الضرر يدور بين مالين لشخص واحد ، فلا بد من ملاحظة ان اتلاف كل من المالين هل هو في نفسه عمل مباح فيتخير ، أو ان اتلاف احدهما مباخ والاخر محرم ولو من جهة صدق الاسراف ونحوه ، فيتعين اختيار المباح ، أو ان اتلاف كل منهما محرم فيجوز ارتكاب المضطر اليه منهما وهو في المتساويين ما اختاره المضطر ، وفي المختلفين ما كان اخف محتملا واضعف احتمالا كما سبق بيانه ؟ وعلى الثاني حيث لا ياذن مالك المال الأخر بايقاع الضرر على ماله ويطالب بدفع النقيصة الحاصلة من الحالة الطارئة على ماله بسبب محل ا لآخر .
فان كان ايقاع الضرر على مال نفسه مباحا فلا بد من ايقاع الضرر
(1) لاحظ مصباح الاصول 2 : 563 .
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 319 ـ
عليه دون مال الغير وذلك لا من جهة قاعدة اليد فانه ربما لا يكون تحت يده ، بل مقدمة لدفع العيب الطارئ على مال الاخر ، ولا يجوز ايقاع الضرر الذي يتوقف عليه التخليص بمال الغير لانه تصرف في مال الغير بغير اذنه .
واما ان كان ايقاع الضرر على مال نفسه محرما فيندرج في باب تزاحم الحكمين ويلحقه احكام هذا الباب .
الفرع الثاني : ان يكون بفعل شخص ثالث غير المالكين .
وقد ذكر السيد الاستاذ (قده ) ان في مثله يتخير في اتلاف مال أيهما شاء ويضمن مثله أو قيمته لمالكه اذ بعد تعذر إيصال كلا المالين لمالكهما فعليه ايصال احدهما بخصوصه ، والآخر بماليته من المثل أو القيمة ، لعدم امكان التحفظ على كلتا الخصوصيتين ، الا اذا كان التصرف في احدهما اكثر عدوانا في نظر العرف فيجب عليه اتلاف الأخر (1).
لكن الظاهر انه لا وجه للحكم بجواز ايقاع الضرر في احد المالين مخيرا في ذلك مطلقا بحسب الوظيفة العملية ولوبحكم العقل ، بل عليه استئذان كل من المالكين في التصرف في ماله .
فان اذن له في ذلك احدهما دون الأخر فيتعين ايقاع الضرر على ماله وان كانت اباحته مشروطة باعطاء قيمته أومثله أو الأرش فلا بد من بذله له .
وان اذن له كل منهما فلا مانع له من هذه الجهة في ايقاع الضررعلى أيهما شاء.
واما ان لم ياذن له كل منهما وطالبه برفع الحالة الطارئة الموجبة لنقص ماله ، فلا محالة يقع النزاع بينهما وبين هذا الأجنبي فيرجع في حل النزاع الى الحاكم الشرعي ، والظاهر انه ليس له الامر يايقاع الضرر على مال
(1) لاحظ الدراسات : 6 34 ، ومثله في مصباح الاصول 2 : 563 لكن لم يذكر فيه قوله (إلاّ اذا كان ... ).
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 320 ـ
احدهما بلا مرجح ، بل يرجع الى القرعة لانها مرجح عقلائي حيث لا مرجح عند تزاحم الحقوق والرغبات كما في المقام اذ المفروض ان كلامنهما يرغب في ارجاع نفس ماله اليه على ما كانت عليه من الحالة الأولية وقد اوضحنا ذلك في رسالة القرعة .
واما القول بثبوت الاختيار للجاني في ايقاع الضرر على مال كل منهما اراد وضمانه ، فليس له وجه يعتمد عليه وربما يكون له غرض خاص في اتلاف مال احد المالكين كما اذا كانت البقرة في المثال حلوبا وتعلق غرض شخصي منه بذبحها.
الفرع الثالث : ان يكون الحالة الطارئة لعامل طبيعي كالزلزلة ونحوها .
وفي هذه إلحالة : (تارة)لا يريد احدهما تخليص ماله كما لو قال صاحب القدر اني لا احتاج الى القدر فعلا ولكن الأخر أراد تخليص ماله ـ وهو البقرة ـ وحينئذ فللاول ان ياذن للثاني في اتلاف ماله مع الضمان فيستقر الضمان عليه ، ولولم ياذن له في ذلك فلا يبعد ان يجوز تكليفا لمن يريد تخليص ماله ان يوقع الضرر في مال الأخر مع بذل الغرامة له .
واخرى : يريد كل منهما تخليص ماله عن هذه الحالة الطارئة ، وحينئذ اذا تراضى الطرفان في طريق رفعها بايقاع الضرر على احد المالين مع بذل غرامته ـ ولوعلى وجه القرعة ـ فالصلح خير ، وان لم يتراضيا بذلك فيحصل بينهما تخاصم لا بد لرفعه من الرجوع الى الحاكم ، وللحاكم بماله من السلطنة والولاية ان يرفع الخصومة بينهما بايقاع الضرر على أحد المالين ، لكن في ايقاعه على واحد معين منهما لا بد من مرجح طبيعي أوجعلي :
والأول : فيما اذا كان ايقاع الضرر على أحد المالين أقل ـ من حيث زوالى المالية أو تنقيصها من ايقاعه على الأخر ـ فيتعين عليه في هذه الحالة اختيار أخف الضررين تقليلا للخسارة التي يتحملها المتخاصمان ـ على ما
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 321 ـ
سيجيء بيانه ـ كما إذا فرض انه لو أمر بذبح البقرة فان التفاوت بين البقرة الحية والمذبوحة عشرة دنانير، ولو أمر بكسر القدر فالخسارة خمسة دنانير ، فلا بد له من الأمر بكسر القدر دون ذبح البقرة .
والثاني : هو الرجوع الى القرعة في صورة تساويهما من حيث المالية لأنها مرجع عقلائي حيث لا مرجح كما أشرنا اليه سابقا.
ثم إن فيمن يتحمل الخسارة الحاصلة من ايقاع الضرر على أحد المالين ـ بحسب النظر البدوي ـ احتمالات ثلاثة :
الأول : أن يتحملها من رجع ماله الى حالله الطبيعية ، وربما ينسب هذا الوجه الى المشهور.
والوجه فيه : ان ايقاع الضرر على مال الغير ـ باتلاف عين مال الأخر أو صفته ـ انما هو فداء لماله وتخليص له فتكون الخسارة عليه .
وهذا مخدوش لان الحالة الطارئة الناشثة من عامل طبيعي قد طرأت على كل من المالين ، فلم يبق شيء منهما على حالته الطبيعية وبذلك نقصت قيمة كل واحد منهما ، والمفروض ان كلا من المالكين يطالب بتخليص ماله ، فتوجه الخسارة الناشئة من علاج هذه الحالة الطبيعية الى خصوص من خلص ماله بلا مشاركة للآخر فيها ليس له اي وجه .
الثاني : انه يتحملها كل منهما على سواء بتوهم انه مقتضى قاعدة العدل والانصاف ، فانه لا يعتبر في إجرائها التساوي في جميع الجهات ، فتكون العبرة بذات المالين لا بمقدار ماليتهما ولا بما تكون الحالة الطارئة مقتضية لحصوله من الخسارة ، ففي رواية النوفلي عن السكوني ـ التي تجعل مؤيدة لتلك القاعدة ـ عن الصادق عن ابيه في رجل استودع رجلا دينارين فاستودعه اخر دينارا فضاع دينار منها ، قال يعطى صاحب الدينارين دينارا ،
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 322 ـ
ويقسم الآخر بينهما نصفين مع ان احتمال كون التالف من مال صاحب الدينارين واحتمال كونه من مال صاحب الدينار ليس على سواء بل الأول ضعف الثاني ، ويتضح ذلك : فيما لوفرض ان رجلا استودع تسعة وتسعين درهماً لدى رجل واستودع الآخر درهما واحدا وتلف احدهما عند الودعي من دون تعد وتفريط فان احتمال كون التالف من الأول بنسبة (99 بالمائة) ومن الثاني بنسبة (1 بالمائة) .
والجواب عن ذلك مضافا الى ان الرواية غيرمعتبرة سندا فان النوفلي لم يوثق ولاعبرة بكونه من رواة اخباركامل الزيارات لابن قولويه : ان قاعدة العدل والانصاف انما تقتفي الحكم بالتساوي في الخسارة مع التساوي في جميع الجهات احتمالا ومحتملا لا مع عدم التساوي كما في مورد الرواية، فان المناسب ان يعطى صاحب الدرهمين درهما وثلث وصاحب الدرهم ثلثي الدرهم كما اوضحناه في محله وسيجيء ما يقتضيه قانون العدل في المقام .
الثالث : ان يتحملها كل منهما على حد سواء في صورة تساري الضررين ، وفي صورة عدم التساوي يتحملها كل واحد بالنسبة . وقد اختاره السيد الاستاذ (قده ) وعلل تقسيم الضرر بينهما بقاعدة العدل والانصاف الثابتة عند العقلاء وأضاف : انه يؤيدها ما ورد فيمن تلف عنده درهم مردد بين ان يكون ممن اوغ عنده درهمين ومن اودع عنده درهما واحدا من الحكم باعطاء درهم ونصف لصاحب الدرهمين ونصف درهم لصاحب الدرهم الواحد فانه لا يستقيم الآ على ما ذكرناه من قاعدة العدل والانصاف )(1) .
وفي هذا التقريب جهات من البحث :
(1) لاحظ الدراسات : 347 (وفي مصباح الاصول 2 : 4 56) أحال الى ما تقدم في بحث القطع .
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 323 ـ
ا ـ الأولى : انه لا يصح جعل مقتضى قاعدة العدل والانصاف في مورد تلف الدرهم في يد الودعي التنصيف ، ولم يستقر على الحكم بالتنصيف بناء من العقلاء بل مقتضى العدل عندهم اعطاء صاحب الدرهمين درهما وثلث درهم واعطاء صاحب الدرهم ثلثي الدرهم ـ كما أشرنا اليه هنا وفصلناه في مبحث القطع ـ واما الرواية فهي على تقديرتمامية سندها ، انما تشتمل على حكم تعبدي غيرموافق للقاعدة مع انه غيرتام من جهة عدم ثبوت وثاقة النوفلي كما مر.
2 ـ الثانية : ان ما ذكره هو في تقريب القاعدة ـ في مبحث القطع ـ لا ياتي في المقام فانه قال : ان هذه القاعدة مبنية على تقديم الموافقة القطعية في الجملة مع المخالفة القطعية كذلك ـ على الموافقة الاحتمالية ـ في تمام المال فانه لو أعطى تمام المال ـ في هذه الموارد ـ لاحدهما القرعة مثلا احتمل وصول تمام المال الى مالكه ، ويحتمل عدم وصول شيء منه اليه بخلاف التنصيف فانه يعلم وصول بعض المال إلى مالكه جزما ولا يصل اليه بعضه الآخر كذلك ، فيكون التنصيف مقدمة لوصول بعض المال الى مالكه ، ويكون من قبيل صرف مقدار من المال مقدمة لايصاله الى مالكه الغائب حسبة ، الا انه من باب المقدمة الوجودية والمقام من قبيل المقدمة العلمية (1) ووجه عدم جريانه في المقام واضح ، اذ ليس ، هنا مال مردد بين الشخصين حتى يكون التقسيم بالنسبة مقدمة لايصاله الى مالكه من باب المقدمة العلمية بل الكلام في ان الخسارة الواقعة على احد المالين لابد وأن تقسم بينهما بالنسبة ، فهذا غير داخل في القاعدة على التقريب الذي ذكره
(1) لاحظ مصباح الاصول 2 : 62 .
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 324 ـ
لها.
3 ـ الثالثة : انه بنفسه قد انكر ثبوت القاعدة في محل آخر وناقش في التقريب الذي سبق عنه حيث قال (ان القاعدة في نفسها غيرتامة اذ لم يثبت بناء ولا سيرة من العقلاء على ذلك حتى تكون ممضاة لدى الشارع اللهم الا اذا تصالحا وتراضيا على التقسيم على وجه التنصيف فانه أمرآخر، والا فجريان السيرة على ذلك بالتعبد من العقلاء أو الشارع استنادا الى ما يسمى بقاعدة العدل والانصاف لا أساس له ، وان كان التعبير حسنأ اذ لم يقم اي دليل على جواز ايصال مقدار من المال الى غير مالكه مقدمة للعلم بوصول المقدار الأخر الى المالك ، نعم في المقدمة الوجودية ثبت ذلك حسبة واما العلمية فكلا، فقياس احدى المقدمتين بالاخرى قياس مع الفارق الظاهر كما لايحفى) (1).
والصحيح في تقريب المدعى ان يقال :
ان الحالة الطارئة بسبب طبيعي على كل من المالين لما أوجبت نقصا في مالية كل واحد منهما ، اذ ليست قيمة البقرة بعد دخول رأسها في القدر متساوية مع قيمتها بدون ذلك ولا القدر الذي فيه راس البقرة تساوي قيمته لو لم يكن كذلك وارجاع كل منهما الى حالته الطبيعية غيرممكن وارجاع أحدهما اليها يستلزم ايقاع الضرر بالنسبة الى الاخر والمفروض لزوم ايقاعه على ما هو اقل قيمة ، فحينئذ يكون النقصان الموجب لزوال ماليته أو نقصانه مسببا عن الحالتين غير الطبيعيتين الطارئتين على كل منهما .
فلا بد من ملاحظة ان الخسارة الحاصلة باية نسبة معلولة لحصول تلك الحالة في القدر وبأية نسبة معلولة لحصولها في البقرة، وبحكم العقلاء يكون ثلثا الخسارة على صاحب البقرة وثلثها على صاحب القدر ، على ما
(1) لاحظ مستند العروة ـ كتاب الخمس : 147 .
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 325 ـ
فرضناه سابقا من ان التفاوت بين البقرة في حالتها الطبيعية وبين البقرة المذبوحة هو عشرة دنانير والتفاوت بين القدر على حاله الطبيعي والقدر المكسور خمسة دنانير، فالحالة الطارئة عليهما التي تدعو الى ايجاد ما يوجب الخسارة المالية بأدنى مستوياتها الممكنة يقتضي تقسيم الخسارة على المالين بملاحظة النسبة بين الضررين لو فرض وقوع الضرر مع كل منهما .
ونظير المقام ما قاله بعض المحققين في مسألة ان المؤونة التي أنفقت على الغنيمة بعد حصولها بحفظ ورعي وجمع وغيرها هل تقدم على الخمس أم لا ؟ قال بان تقديم الخمس على المؤن مخالف للعدل ، وربما أورد عليه بانه لم يعلم في قواعد الفقه قاعدة تسمى بقاعدة العدل وانما ذلك يشبه الاستحسان الذي هومن مبادئ فقه الحنفية ، وقد اجيب عنه بان قاعدة العدل من اعظم قواعد الفقه وان لم تكن معنونة في ابوابه كسائر القواعد ويستدل لها من الكتاب بقوله تعالى : ( ان الله يامر بالعدل والاحسان ) (1) ولا ريب ان من العدل ان تكون مؤونة المملوك على مالكه ومن البغي ان تحمل مؤونته على غير مالكه .
والظاهر انه لا ينبغي الاشكال في أصل القاعدة كما دلت عليه الايات الشريفة كقوله : ( واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل) (2) وقوله تعالى : ( وأمرت لاعدل بينكم ) (3) الا ان البحث يقع في أساسه وضابطه الكلي وقد أوضحنا بعض القول فيه في بعض المباحث الاصولية .
الصورة الثالثة : فيما اذا دار الامر بين تضرر شخص والاضرار بالغير