عن ابيه : ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال (لا ضرر ولا ضرار)، وورد ايضا في جامع الصنعاني ـ على ما في كنز العمال (1) ـ عن ابن اليميني ، عن الحجاج بن أرطأة، أخبرني ابوجعفر ان نخلة كانت بين رجلين فاختصما فيها الى النبي صلى الله عليه واله فقال احدهما اشققها نصفين بيني وبينه فقال النبي صلى الله عليه وآله (لا ضرر) ـ وعدّ هذا الحديث مرسلا مبني على اصول العامة من عد روايات ائمتنا عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وآله من غير ذكر الوسائط من قسم المراسيل ، وان كانت عندنا من المسانيد .
وعلى اي تقدير فقد ورد نقل (لا ضرر) مرسلا في كثير من الكتب الفقهية واللغوية تارة مع الزيادة واخرى بدونها ـ كما سيأتي عرض ذلك ان شاء الله تعالى .
وأما المسند فقد نقل عن جملة من الصحابة يبلغ عددهم ثمانية أو تسعة رواة وهم :
1 ـ ابن عباس ، وقد نقل حديثه في مصادر:
منها : سنن ابن ماجة (2): رواه باسناده عن جابر الجعفي عن عكرمة ، عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه واله : (لا ضررولا ضرار) .
ومنها : المصنف (3) لعبدالرزاق الصنعاني رواه عن معمر، عن جابر الجعفي كما تقدم .
ومنها : مسند احمد (4)، رواه عن عبدالرزاق بنفس السند المذكور،
(1) كنز العمال 5 : 43 8 ح 534 4 1 .
(2) سنن ابن ماجة 2 : 4 78 ح 1 4 3 .
(3) كما في نصب الراية 4 : 4 38.
(4) مسند أحمد بن حنبل 1| 3133.
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 77 ـ
ولكن بلفظ (لا ضرر ولا اضرار) .
ومنها : سنن الدارقطني (1) رواه باسناده عن داود بن الحصين عن عكرمة ، عن ابن عباس بلفظ (لا ضرر ولا اضرار) .
ومنها: المعجم للطبراني ـ على ما في نصب الراية (2) ـ عن ابن ابي شيبة ، عن معاوية بن عمرو، عن زائدة، عن سماك عن عكرمة .
2 ـ ابو سعيد الخدري .
وقد ورد حديثه في مصادر: منها : المستدرك للحاكم (3) : رواه باسناده عن عمرو بن يحيى المازني ، عن ابيه ، عن ابي سعيد الخدري : أن رسول الله صلى الله عليه واله قال (لا ضرر ولا ضرار - من ضار ضاره الله ومن شاق شاق الله عليه )، قال الحاكم : (هذا حديث صحيح الاسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه ) ولم يتعقبه الذهبي في تلخيص المستدرك .
ومنها : سنن الدارقطني (4) رواه باسناده عن المازني ، ولكن بلفظ (لا ضرر ولا اضرار) .
ومنها : التمهيد في شرح الموطأ لابن عبدالبر ـ على ما حكي عنه (5)ـ.
ومنها: سنن البيهقي (6).
3 ـ ابو لبابة .
نقل حديثه ابوداود في المراسيل عن واسع بن حبان عنه ـ على ما ذكره الزيلعي في نصب الراية (7) ـ ونص الحديث قال (واسع )
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 78 ـ
كان لابي لبابة عذق في حائط رجل فكلمه ، فقال انك تطأ حائطي الى عذقك ، فانا اعطيك مثله في حائطي ، واخرجه عني فابى عليه فكلم النبى صلى الله عليه وآله فقال يا ابا لبابة خذ مثل عذقك فحزها الى مالك ، واكفف عن صاحبك ما يكره ، فقال ما انا بفاعل فقال اذهب فأخرج له مثل عذقه الى حائطه ، ثم اضرب فوق ذلك بجدار (فانه لا ضرر في الاسلام ولا ضرار) .
4 ـ ابو هريرة . أورد حديثه الدارقطني في سننه (1) باسناده عن ابن عطاء، عن ابيه ، عن ابي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وآله قال (لا ضرر ولا ضرررة) ولا يمنعن احدكم جاره أن يضع خشبة على حائطه .
5 ـ ثعلبة بن مالك . اورد حديئه ابونعيم ـ على ما في كنز العمال (2) ـ باسناده عن صفوان بن سليم ، عن ثعلبة : أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال (لا ضرر ولا ضرار) . ونقله ايضا الطبراني في معجمه -على ما حكاه الزيلعي (3) ـ بسنده الى صفوان عن ثعلبة .
6 ـ جابر بن عبدالله ، روى حديثه الطبراني في معجمه الاوسط ـ على ما حكاه الزيلعي في نصب الراية (4) ، والهيثمي في مجمع الزوائد (5) ـ باسناده عن واسع بن حبان ، عن جابر بن عبدالله ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ) .
7 ـ عاثشة ، نقل حديثها الدارقطني في سننه (6) باسناده عن عمرة،
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 79 ـ
عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله قال (لا ضرر ولا ضرار) ورواه الطبراني ايضا في معجمه الاوسط ـ كما في نصب الراية ومجمع الزوائد (1) ـ بطريقين عن نافع بن مالك عن القاسم بن محمد، عن عائشة احدهما بلفظ (لا ضرر ولا ضرار) واما الثاني فنقله الهيثمي بهذا اللفظ ايضا ولكن نقله الزيلعي بلفظ (لا ضرر ولا ضرار) .
8 ـ عبادة بن الصامت ـ وهوأشهر رواة الحديث ـ وقد ورد حديثه في عدة مصادر:
منها: سنن ابن ماجة بطريقه الى موسى بن عقبة بن الوليد بن عبادة ، عن جد أبيه عبادة بن الصامت : أن رسول الله صلى الله عليه وآله قضى أن لا ضرر ولا ضرار (2) .
ومنها: صحيح أبي عوانة ـ على ما في كنز العمال (3) ـ .
ومنها : المعجم الكبير للطبراني ـ على ما في كنز العمال ايضا (4) ـ .
ومنها: سنن البيهقي (5).
ومنها: مسند احمد بن حنبل (6).
واذا اعتبرنا الرواية المذكورة في جامع الصنعانى عن أبي جعفر عليه السلام ، مروية عن الامام أمير المؤمنين عليه السلام ـ باعتبار ان ما ينقله عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله فانما ينقله عن آبائه ـ فسوف تكون رواة
(1) نصب الراية 4 : 286 ، ومجمع الزوائد 4 : 110، المعجم الأوسط 2 : 23 ح 1037.
(2) سنن ابن ماجة 2 : 784| 2340 .
(3) كنز العمال 4 : 59 ح 9498 .
(4) كنز العمال 3| 209 الطبعة القد يمة .
(5) سنن البيهقي 6 : 157.
(6) مسند أحمد بن حنبل 5: 326 .
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 80 ـ الحديث تسعة .
وبما ذكرنا يتضح :
اولا : ان نقل الحديث ليس محصورا بالنقل المسند في كتبهم ، لكي يقال في بيان عدم وجود الحديث مع الزيادة فيها انه لم يروه الا ابن عباس وعبادة ، وروايتهما لا تتضمن الزيادة ، اذ يمكن ثبوت الزيادة في المنقول مرسلا ، كما ثبث ذلك فعلأ على ما مر، فلا بد من نفي ثبوت الحديث مرسلأ ومسندا مع الزيادة لكي يتم البيان المذكور.
وثانيا : ان الراوي للحديث لا ينحصر بابن عباس وعبادة بل له رواة كثيرون غيرهما، نعم هما اشهر من نقل الحديث لورود روايتهما في جملة وافرة من مصادرهم .
وثالثا : ان مصدر الحديث لا ينحصر بسنن ابن ماجة ومسند احمد، بل له مصادر اخرى كالموطأ لمالك والمصنف لعبدالرزاق وسنن الدارقطني ، والمعجم الكبير، والاوسط للطبراني ، والمستدرك للحاكم ، وسنن البيهقي ، وغيرها مما تقدمت الاشارة إلى بعضها .
والملاحظة الثانية : ان ما ذكره (قده ) من عدم معلومية مصدر ابن الاثير في نقل هذه الزيادة في النهاية ليس في محله ، فان مصدره في ذلك واضح من نفس كتابه وهو كتاب (غريب الحديث والقرآن ) لابي عبيد احمد بن محمد الهروي صاحب أبي منصور الازهري اللغوي المتوفى سنة 401 .
وتوضيح ذلك :
ان ابن الاثير ـ كما صرح في مقدمة النهاية(1) ـ قد جمع في كتابه هذا بين كتاب الهروي ، ويين كتاب أبي موسى محمد بن ابي بكر الاصفهاني
(1) لنهاية 3 : 81 .
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 81 ـ
المتوفى سنة 581 ، واضاف هو على ذلك ما تيسر له ، وقد جعل لما اخذه من كل منهما علامة ، فكانت علامة الأول (هـ ) وعلامة الئاني (س )، وما اضافه عليهما جعله مهملا بلا علامة ، وكلامه المتضمن لشرح حديث لا ضرر ولا ضرار في الاسلام مقرون بالعلامة الأولى ، فيعلم أنه مأخوذ من كتاب أبي عبيدالهروي .
الملاحظة الثالثة : ان حصر مصدر الزيادة بنهاية ابن الاثير- كما جاء في كلامه (قده ) ـ حيث قال :
(وانما توجد في نهاية ابن الاثير) ليس بصحيح ، لانها توجد في جملة من كتب الحديث والفقه واللغة وغيرها.
اما في (كتب الحديث ) فتوجد في مصادر العامة في عدة كتب علم بعضها مما سبق . . وفي ضمن ثلاث روايات :
1 ـ رواية ابي لبابة المروية في مراسيل ابي داود.
2 ـ رواية جابر بن عبدالله المروية في المعجم الاوسط للطبراني .
3 ـ رواية أبي جعفر عليه السلام المروية في المصنف لعبد الرزاق الصنعاني .
واما في مصادرنا فيوجد الحديث مع الزيادة في كتابين :
احدهما: الفقيه كما مر نقله عنه .
وثانيهما : عوالي اللآلي لابن أبي جمهور الاحسائي الذي نقل الحديث عن الشهيد الأول (ره ) في بعض مصنفاته عن أبي سعيد الخدري وهوأحد رواة العامة مما يظهر منه أنه نقل الحديث من مصادرهم ولا يبعد أن يكون الصدوق (قده ) أيضا قد أخذه من مصادرهم كما أنه ذكر الحديث في مقام الاحتجاج على العامة ، مقرونا بعدة أحاديث اخرئ مروية من طرقهم .
وأما في (كتب الفقه ) فيوجد في جملة من كتب فقه العامة:
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 82 ـ
منها : بدائع الصنائع (1) للكاساني الحنفي قال في كلام له (وأمّا الذي يرجع الى المولّى فيه فهو ان لا يكون من التصرفات الضارة بالمولّى عليه لقوله صلى الله عليه وآله (لا ضرر ولا ضرار في الاسلام ) .
ومنها : المبسوط (2) للسرخسي الحنفي حيث قال في كلام له (فاذا كان تقديم الغرباء يضر باهل المصر قدمهم على منازلهم عملا بقوله صلى الله عليه وآله (لا ضرر ولا ضرار في الاسلام ) .
ومنها : شرح الخراج (3) لبعض متأخري الحنفية حيث قال في كلام له (والضرر حرام لقوله : لا ضرر ولا ضرار في الاسلام ) .
ويوجد في بعض كتب فقه الزيدية ايضا ككتاب البحر الزخار (4) حيث قال في كلام له (واذا باعه الراهن فباطل لابطاله حق المرتهن وقد قال صلى الله عليه وآله (لا ضرر ولا ضرار في الاسلام ) .
ويوجد في جملة من كتب الامامية ايضا كالخلاف للشيخ الطوسي في كتاب الشفعة (5)، والتذكرة للعلامة في خيار الغبن (6) .
واما في (كتب اللغة) : فيوجد في تهذيب اللغة للازهري (7) وغريب الحديث والقرآن لابي عبيد (8) واساس البلاغة للزمخشري (9) وفي جملة من
(1) بدائع الصنائع 6 :265 .
(2) المبسوط 16 | 81 .
(3) الرتاج 2 | 120.
(4) البحر الزخار5 | 119 .
(5) الخلاف 2 : 109 .
(6) تذكرة الفقهاء 1 | 522 .
(7) تهذيب اللغة11 | 457 .
(8) كما تقدم عن نهاية الأثر 3 : 81 .
(9) أساس البلاغة 268 .
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 83 ـ
القواميس اللغوية المتأخرة كلسان العرب (1) وغيره .
هذا ما اطلعنا عليه من موارد ذكر الحديث مع الاضافة في كتب الفريقين ولعل المتتبع يجد اكثر من ذلك .
الملاحظة الرابعة : ان ما ذكره بعض الاعاظم (2) من التشكيك في وجود زيادة (في الاسلام ) في الفقيه محل نظر من وجهين :
الأول : ان مجرد امكان تخريج زيادة كلمة خطأ على اساس التكرارأو غيره من مناشئ الخطأ في الكتابة لا يقوم حجة على وقوع الخطأ بالفعل ، بل لا بدّ من قيام شاهد عليه ، ولا شاهد في المقام على ذلك بل بعض الشواهد يقتضي خلافه ، فان نسخ الكتب الاربعة كانت مقروءة على المشايخ من بدو تأليفها الى قريب هذه الاعصار وتوجد جملة من النسخ المقروءة عليهم بايدينا ، فيضعف مع ذلك ادعاء وقوع التحريف بالزيادة في مرحلة القراءة وان سلم انه يحصل في الكتابة ، مضافا الى ان الجوامع الحديثية التي نقلت هذا الحديث عن الفقيه انما نقلته مع تلك الزيادة كالوسائل وغيرها ولم ينقل احتمال ما ذكر من التصحيف عن احد من محشي الفقيه وشراحه .
الثاني : ان مقتضى كلام الصدوق (قده ) في الاحتجاج بهذا الحديث وجود هذه الزيادة، فانه ذكر هذا الحديث في سياق الاحتجاج على العامة في قولهم ان المسلم لا يرث الكافرفقال (3) : ان الله عزوجل انما حرم على الكفار الميراث عقوبة لهم بكفرهم ، كما حرم على القاتل عقوبة لقتله ، فاما المسلم فلأي جرم وعقوبة يحرم الميراث ؟ ! وكيف صار الاسلام يزيده شراً ؟ ! مع قول النبي صلى الله عليه وآله : الاسلام يزيد ولا ينقص ، ومع قوله عليه
(1) لسان العرب 4 | 482 .
(2) الإمام الخميي في الرسائل : 25 .
(3) من لا يحضره الفقيه 4 : 43 2 ح 776 ـ 778 .
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 84 ـ
وآله السلام : (لا ضرر ولا ضرار في الاسلام ) فالاسلام يزيد المسلم خيرا ولا يزيده شرا ، ومع قوله عليه وآله السلام : الاسلام يعلو ولا يعلى عليه.
فيلاحظ ان احتجاجه بحديث (لا ضرر ولا ضرار) مبني على ان اسلام المرء لا يوجب ضررا عليه ، وهذا يتوقف على ثبوت تلك الزيادة لكن مع تفسير الاسلام بالاعتقاد بالدين ، دون نفس الدين وجعل كلمة (في ) للتعليل كما في قولهم (قتل فلان في دينه ) فيكون مؤدى الحديث انه لا ضرر على المرء باسلامه فلو فرضنا خلو الحديث عن الزيادة في ذيله لم يمكن الاحتجاج به للمدعى المذكور.
فظهر بما ذكرناه ان التشكيك في وجود زيادة (في الاسلام ) في الفقيه في غيرمحله .
هذا تمام الكلام في تحقيق وجود هذه الزيادة في المصادر الحديثية وغيرها وعدمه .
الامر الثاني : في تحقيق اعتبار هذه الزيادة وهل انها ثابتة في الخبر على وجه معتبرام لا؟ وجهان بل قولان ويمكن الاستدلال للوجه الأول من ثبوتها واعتبارها بوجوه :
الوجه الأول : ان حديث لا ضرر ولا ضرار مع هذه الاضافة مروي في كتب الحديث للفريقين ومشهور في السنة الفقهاء حتى انه ذكربهذا المتن في كتب اللغة وذلك مما يوجب الوثوق بثبوت الزيادة وصحتها .
ويرد عليه :
أولاً : انه لم يذكر مع الزيادة في كتب اصحابنا ـ فيما اطلعنا عليه ـ إلا في مقام الاحتجاج به على العامة من حيث وروده من طرقهم ، فلا يدل على نقله من طرقنا ايضأ ليقال انه مروي من طرق الفريقين فيمكن الوثوق
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 85 ـ
بصحته .
وثانياً :ان تكرارالخبرمع الزيادة مرسلأ من قبل الفقهاء واللغويين أو المحدثين ، مما لا يوجب الوثوق به وإنما الذي يوجب الوثوق به تعدد طرقه واختلافها ليزداد بذلك احتمال صدوره حتى يصل الى مرتبة الوثوق والاطمئنان وهذا ما لم يتحقق في المقام.
الوجه الئاني : ان هذا الحديث مع الزيادة مروي في الفقيه بصيغة جزمية اي ان الصدوق (قده ) اسنده الى المعصوم عليه السلام بصورة الجزم حيث قال : (ومع قوله عليه السلام لا ضرر ولا ضرار في الاسلام ) وهو مما يستوجب الاعتماد عليه ، وإن كان النقل مرسلا فانه وان لم تثبت حجية جميع مراسيله (قده ) ـ كما ذهب اليه جمع ـ الا ان ما نسبه الى المعصوم عليه السلام على سبيل الجزم حجة ومعتمد عليه .
وهذا الوجه اعتمده السيد الاستاذ (قدس سره ) في بعض دوراته الاصولية (1) ثم عدل عنه ، ورده بان غاية ما يدل عليه هذا النحو من النقل هو صحة الخبر عند الصدوق ، وامّا صحته عندنا فلم تثبت لاختلاف المباني في حجية الخبر، فان بعضهم قائل بحجية خصوص خبر العادل مع ما في معنى العدالة من الاختلاف ، حتى قال بعضهم العدالة هي اظهار الشهادتين مع عدم ظهور الفسق ، وبعضهم قائل بحجية خبر الثقة، وبعضهم لا يرى جواز العمل الا بالخبر المتواتر أو المحفوف بالقرينة العلمية فمع وجود هذا الاختلاف في حجية الخبر، كيف يكون اعتماد أحد على خبر مستلزماً لحجيته عند غيره (2).
(1) الدراسات : 322 .
(2) مصباح الأصول 2 | 520 .
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 86 ـ
ويمكن ان يناقش فيما افاده نقضاً وحلاً.
اما (النقض ) فبتوثيقات الرجاليين وتضعيفاتهم فانه (قدس سره ) يعتمدها رغم تأتي هذا الاحتمال فيها ايضاً ولا موجب للتفريق بينها وبين ما نحن فيه ، اذ لا شاهد على انهم في مقام جرح الرواة أوتعديلهم يعتمدون على طريقة خاصة غير ما يعتمدونها في مقام نسبة القول الى المعصوم ، بل الظاهر ان اثبات المخبر به عندهم في المقامين على منهج واحد .
وما يقال من كثرة الكتب المؤلفة في الرجال المتضمنة لاحوال الرواة مما لم يصل الينا، فيحتمل استناد الرجاليين اليها في الجرح والتعديل ، يأتي نظيره في كتب الحديث ايضا، بل ان كتب الحديث المؤلفة من زمان الامام الصادق عليه السلام الى زمن الصدوق ـ مما فقد في الاعصار المتأخرة ـ أزيد بكثير مما صنف في الجرح والتعديل .
واما الحل فبما ذكره (قدس سره ) في غير هذا المقام (1) ـ بناءً على مختاره من حجية خبر الثقةـ وهو انه اذا لم يعلم ان منشأ الإخبار هل هو الحس أو الحدس ، فالقاعدة الاولية وان كانت تقتضي عدم حجية هذا الاخبار ـ نظراً الى ان ادلة حجية خبر الثقة لاتشمل الاخبار الحدسية ، فاذا احتمل ان الخبر حدسي كانت الشبهة مصداقية ولا يصح التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، الا ان هناك أصلا ثانويأ حاكمأ على هذه القاعدة وهو اصالة الحس الثابتة ببناء العقلاء ـ فان سيرتهم قائمة على حجية خبر الثقة في الحسيات فيما لم يعلم انه نشأ من الحدس ، وعلى ضوء هذا فيقال في المقام ان مجرد عدم العلم بمعنى المخبر في اخباره لا يوجب الحكم بعدم حجية خبره بعد وجود احتمال الحس في حقه ، ولا ريب في أن احتمال
(1) لاحظ معجم الرجال ا : 41 .
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 87 ـ
الحس في خبر الصدوق ـ ولو من جهة نقل كابر عن كابر وثقة عن ثقة- موجود وجدانا فيلزم البناء على حجية خبره .
هذا والصحيح في الجواب عن الوجه المذكور ما اوضحناه في مبحث حجية الخبر الواحد .
اولاً: من أن التحقيق هو حجية الخبر الموثوق به دون خبر الثقة، وعليه فلا بد من حصول الوثوق عندنا بثبوت المخبربه ، ولا يكفي مجرد وثوق المخبر بصحة خبره في ذلك ، إذا لم يستوجب الوثوق لدينا .
وثانيا : انه لوكان تصحيح الصدوق (قده ) للخبر وجزمه به حجة على ثبوته فلا وجه لتخصيص ذلك بمراسيله التي جاءت بصيغة جزمية ، بل ينبغي القول بحجية جميع مراسيله ، بل جميع ما ابتدأ فيه باسم شخص لم يذكر طريقه اليه في المشيخة، اذا كان هو ومن يروي عنه من الوسائط ـ ان وجدت ـ من الثقات ، والوجه في ذلك انه (قدس سره ) قد شهد في مقدمة كتابه بصحة جميع ما رواه فيه ، حيث قال : (ولم اقصد فيه قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه بل قصدت الى ايراد ما أفتي به واحكم ب صحته واعتقد فيه انه حجة فيما بيني وبين ربي تقدس ذكره وتعالت قدرته ) (1).
وعلى ضوء هذا فتفريقه بين الروايات في التعبير، حيث يعبر تارة بالرواية ، واخرى بالقول ، وثالثة بالسؤال ، أو يستعمل صيغة المعلوم تارة ، وصيغة المجهول اخرى ... الخ ليس الا ضربا من التفنن في التعبير، حذرا من التكرار الممل كما يشهد له اختلاف تعبيره في مورد راو واحد ممن اليه سند في المشيخة .
وبهذا يظهر بطلان كل مبنىً يستند الى التفريق بين هذه التعابير، كأن يقال (2) مثلأ : ان اسانيد المشيخة لا تشمل الروايات التي وردت في الفقيه
(1) من لايحضرالفقيه 3|1.
(2) مستند العروة الوثقى ـ كتاب الصوم 2 | 203 .
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 88 ـ
بصيغة المجهول اعني (روي )، او يقال : إنها لا تشمل ما عبر فيه بصيغة السؤال ، لان الاسانيد انما هي الى روايات الرجال وليست الى اسئلتهم ، او غير ذلك مضافاً الى بطلان امثال هذه التفاصيل بوجوه اخرى تعرضنا لها في محل آخر.
وثالثا : ان هذا الحديث ـ اي لا ضرر ولا ضرار في الاسلام ـ قد اورده الصدوق كما ذكرنا سابقأ وسيأتي تفصيله ان شاء الله تعالى في مقام الاحتجاج على العامة، وذكر الحديث في هذا السياق لا يعني الاعتراف بصحته ولوكان التعبير بظاهره جزميا ، لأنه حينئذ في قوة ان يقول (مع قول النبي صلى الله عليه وآله فيما رويتموه ... ) وعلى ذلك فلا يمكن تصحيح هذا الحديث وإن قلنا بصحة مراسيله المسندة الى المعصوم عليه السلام بصيغة جزمية في سائر الموارد.
وبذلك كله يظهر عدم تمامية الوجه المذكور.
الوجه الثالث : أن يقال : ان هذا الخبر مع هذه الزيادة وان كان ضعيفا سندا الا أنه منجبر ضفه بعمل الاصحاب به واعتمادهم عليه ، كالصدوق في الفقيه والشيخ في الخلاف والعلآمة في التذكرة وغيرهم .
ويمكن ان يناقش فيه ـ بعد تسليم الكبرى ـ .
اولأ : بان هذا المقدار لا يكفي في جبر الخبر الضعيف ، فإن الجبر عند القائل به انما يتم في موارد عمل المشهوربه لا بمجرد عمل البعض كما هو الحال في المقام .
وثانيأ : انه لم يظهر اعتماد هذا البعض ايضا على حديث (لا ضررولا ضرار في الاسلام )، لأن ما يستدل به علماؤنا في المسائل الخلافية من الروايات المروية بطرق العامة ، ليس من باب الاعتماد عليها وانما هو من باب الاحتجاج على الخصم بما يعترف بحجيته ، ونقل الرواية في الخلاف
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 89 ـ
والتذكرة انما هومن هذا القبيل .
بل الامركذلك في نقل الفقيه ايضا لأن هذا الكتاب وان لم يكن قد وضعه شيخنا الصدوق (قده ) للمحاجة مع العامة في الفروع ، الاّ أنه قد تعرض لرد كلامهم في عدة مسائل خلافية ، وقد كان منهجه في هذه المسائل نقل اخبار العامة التي تؤيد رأي الامامية وتقوم حجة عليهم .
وكانت من تلكم المسائل مسالة إرث المسلم من الكافر، وهي التي ذكر فيها حديث (لا ضرر ولا ضرار مع زيادة في الاسلام ) فقد ذهب اكثر العامة الى ان المسلم لا يرث الكافر، وذهب الامامية الى انه يرثه ، ولكن الكافر لا يرث من المسلم وقد وافقهم في ذلك جمع من العامة ايضا، ونسبوا ذلك الى معاذ ، ومعاوية ، ومحمد بن الحنفية، وعلي بن الحسين ، ومسروق ، وعبدالله بن معقل ، والشعبي ، والنخعي ، ويحيى بن معمر ، واسحاق ، وهو رواية عن عمر (1) ، وذكر الشوكاني في نيل الاوطار في شرح قوله صلى الله عليه وآله (لا يتوارث اهل ملتين ) انه لا يرث اهل ملة كفرية ، من اهل ملة كفرية اخرى، وبه قال الاوزاعي ومالك واحمد والهادوية ، وحمله الجمهور على أن احدى الملتين هي الاسلام والاخرى هي الكفر ولا يخفى بعد ذلك (2) .
ونحن ننقل فيما يلي عبارة الصدوق في هذه المسالة مع تعقيبها بشيء من الشرح لكي يتضح ما ذكرناه قال (3) (قده ) : ( باب ميراث اهل الملل : لا يتوارث اهل ملتين والمسلم يرث الكافروالكافر لا يرث المسلم ) ويلاحظ ان تعقيب الجملة الأولى التي هي موضع استدلال العامة بالجملة الثانية ، بيان
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 90 ـ
للجواب عن هذا الاستدلال بان المراد هو نفي التوارث من الطرفين متخذا ذلك من بعض الاخبار التي نقلها بعد ذلك ، وهو خبر عبدالرحمن بن اعين عن ابي عبدالله عليه السلام قال لا يتوارث اهل ملتين نحن نرثهم ولا يرثونا ، ونفي التوارث لا يستلزم نفي الإرث من أحد الطرفين للآخر .
، ثم قال (قده ) (وذلك ان أصل الحكم في اموال المشركين أنها فيء للمسلمين وان المسلمين احق بها من المشركين )(1)والمقصود بهذه العبارة بيان أن رجوع أموالهم الى المسلمين أمر على وفق القاعدة، الأ أن الذمة منعت عن استحلال اموالهم من قبل المسلمين ، وهذا نوع استحسان ذكره احتجاجا على العامة .
ثم قال (ره ) (وان الله عز وجل انما حرم على الكفار الميراث عقوبة لهم بكفرهم ، كما حرم على القاتل عقوبة لقتله )(2)وهذا من قبيل استنباط العلة للحكم ـ بملاحظة ما يشترك معه في ذلك ـ لمنع تعميمه لميراث المسلم من الكافر وهو من قبيل القياس.
ثم قال (قده ) (فاما المسلم فلأي جرم وعقوبة يحرم الميراث ) وهذا ايضا مبني على استنباط ان موانع الارث انما هي من قبيل العقاب على فعل قبيح ـ لا محالة ـ كالقتل والكفر ، فلا معنى لحرمان المسلم من الميراث ، وهذا نوع من الاجتهاد بالرأي ايضا ذكر احتجاجأ على العامة .
ثم ذكر (قده ) (وكيف صار الاسلام يزيده شرا) وهذا الاستبعاد إذا كان استبعادا للموضوع في نفسه ـ كما يظهرمن لحنه ـ بغض النظرعن توجيهه بملاحظة الاخبار التي نقلها بعد ذلك ـ فهو ايضا نوع من الاجتهاد بالرأي .
ثم قال (ره ) مع قول النبي صلى الله عليه وآله (الاسلام يزيد ولا ينقص ) وهذا احد إدلة من قال بقولنا من العامة وهوجزء من رواية ابي الاسود
(1 و 2) الفقيه 4 : 243 .
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 91 ـ
التي نقلها (قده ) بعد ذلك ، وهي مروية في كثيرمن كتبهم كما سيجيء ، وقد اجاب عنه ابن حجرفي فتح الباري بانه محمول على انه يفضل عن غيره من الاديان ولا تعلق له بالارث .
ثم ذكر (قده ) ومع قوله (لا ضرر ولا ضرار في الاسلام ) وقد مضى تخريج هذا الحديث بهذا اللفظ من مصادرهم ، ويلاحظ أيضا انه لم يحتج بهذا الحديث على مذهب الامامية في هذه المسالة السيد المرتضى في الانتصار، والشيخ الطوسي في الخلاف ، ولعل منشؤه أن مبنى الاستدلال به هنا على حمل كلمة (الاسلام ) على الاعتقاد بالدين ، وجعل كلمة (في ) للتعليل ليكون المعنى (لا ضرر ولا ضرار على المرء باسلامه )وهذا مخالف لظاهر الحديث من كون الاسلام بمعنى الدين وكون (في ) للظرفية كما سيجيء توضيحه ان شاء الله تعالى.
ثم ذكره (قد) (فالاسلام يزيد المسلم خيرا ولا يزيده شرأ) وهذا استنتاج من الخبرين فهومن كلام الصدوق نفسه وليس في الروايات كما ظنه صاحب الوسائل (ره ) .
ثم قال (قده ) (ومع قوله عليه السلام الاسلام يعلو ولا يعلى عليه )، وهذا الحديث مروي ايضا من طرق العامة رواه البخاري في صحيحه (1) وقد استدل به في نيل الاوطار (2) على هذا القول .
ثم ذكر (ره ) (والكفار بمنزلة الموتى لا يحجبون ولا يرثون ) وهذا تقريب للموضوع .
ثم قال (قده ) (وروي عن ابي الاسود الدؤلي أن معاذ بن جبل كان باليمن فاجتمعوا اليه ، وقالوا : يهودي مات وترك اخاً مسلماً ، فقال معاذ
(1) صحيح البخاري 2 : 17 (فيه عن ابن عباس وباسقاط قوله عليه عن آخره ) .
(2) نيل الأوطار 6 : 193 .
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 92 ـ
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول الاسلام يزيد ولا ينقص ، فورث المسلم من اخيه اليهودي ) وهذه الرواية مذكورة في مسند احمد (1)، والمستدرك للحاكم (2)، ونقلت عن سنن ابي داود والبيهقي (3)، وقد أوردها السيد المرتضى في الانتصار (4)، وقال (على ان هذه الاخبار معارضة بما يرويه مخالفونا وقال : حدثني ابو الاسود الدؤلي : ان رجلاً حدثه ان معاذاً قال سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول (الاسلام يزيد ولا ينقص فورث المسلم )، ومنه يظهر أن نقل ابي الاسود عن معاذ مرسل ، ولا اشكال في ان الصدوق (قده ) إنما نقل هذا الحديث من مصادر العامة ، أو من كتب بعض قدمائنا ممن الًف في الرد عليهم كالفضل بن شاذان وغيره .
(1) مسند أحمد بن حنبل 5 | 230 .
(2) المستدرك على الصحيحين 4 : 345.
(3) سنن أبي داود 3 : 126 | 2913 .
(4) الانتصار : 304 .
فظهر مما تقدم ان الصدوق (قده ) إنما نقل حديث (لا ضرر ولا ضرار في الاسلام ) من كتب العامة وأورده احتجاجا به عليهم ، وذلك لقرينتين :
الأول : انه نقل هذا الخبر في مقام الاحتجاج على العامة في مسألة خلافية بيننا وبينهم .
الثانية : ان سائر الروايات التي نقلها في هذا المقطع من كلامه ، انما نقلها عن العامة ولا توجد في شيء من كتبنا ، بل ان سائر الادلة التي ذكرها انما هي من قبيل الاجتهاد بالرأي من القياس والاستحسان ونحوهمامما لا حجية له لدى الامامية، وقد استعملها في مقام الالزام ، فهذا يكشف عن أن منهجه الاستدلالي في هذا الموضع ، انما كان على البحث مع العامة وفق مبادئهم واسسهم ، ولا ينفع في هذا السياق ذكر خبر مروي من طرق
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 93 ـ
الامامية ، كما هو واضح .
فبهاتين القرينتين يحصل الوثوق بان الصدوق (قده ) قد أورد خبر (لا ضرر ولا ضرار في الاسلام ) من طرق العامة وانما احتج به عليهم في مسألة خلافية ، كما فعل من بعده كالشيخ الطوسي في الخلاف والعلامة في التذكرة .
وبذلك يظهر عدم تمامية دعوى انجبار الحديث مع الزيادة بعمل الاصحاب ، فلا دليل على ثبوت هذه الزيادة واعتبارها .
المقام الثاني : في تحقيق زيادة (على المؤمن ) في آخر الحديث ،إن هذه الزيادة قد وردت في رواية ابن مسكان ، عن زرارة في قضية سمرة ، لكنها لم ترد في معتبرة ابن بكير ، عن زرارة ، التي نقلت نفس القضية، كما لم ترد في سائر موارد نقل الحديث ، من طرق الخاصة والعامة ، فهل تثبت هذه الزيادة في الحديث برواية ابن مسكان ، كما ذهب اليه العلأمة شيخ الشريعة(1) وغيره أم لا ؟ كما اختاره المحقق النائيني(2) وآخرون ؟
والقول بثبوت هذه الزيادة يتوقف على الالتزام بامرين :
الأول : حجية رواية ابن مسكان في نفسها .
الثاني : تقديمها ـ بعد حجيتها ـ على ما لا يتضمن تلك الزيادة .
اما الامر الأول : فيشكل الالتزام به من جهة ان الرواية مرسلة ، ولا سيما أن مرسلها البرقي الذي طعن عليه بالرواية عن الضعفاء ، ولكن مع ذلك فقد يقال بحجيتها لاحد وجهين :
الوجه الاول : وجود الرواية في الكافي فلا يضرها الارسال بعد ذلك ، وذكر هذا المحقق النائيني (قدس سره )(3) وقد حكي عنه انه قال (ان الخدشة
(1) رسالة لا ضرر15 .
(2 و 3) رسالة لا ضرر تقريرات المحقق النائيني : 19 .
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 94 ـ
في اسناد روايات الكافي من حرفة العاجز (1)، ويبدو أن العلامة شيخ الشريعة ايضأ اعتمد على هذا الوجه ، ولعل تأثره بالوجوه التي ذكرها المحدث النوري في خاتمة المستدرك في تصحيح احاديث الكافي .
ولكن تلك الوجوه ضعيفة لا يمكن الاعتماد عليها كما اوضحنا ذلك في بعض ابحاثنا الرجالية .
الوجه الثاني : ان يقال إن اصل هذه القضية التي ذكرت في رواية ابن مسكان عن زرارة قد ثبتت ايضاً برواية ابن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام ، وبرواية أبي عبيدة عنه عليه السلام أيضا، فمطابقة رواية ابن مسكان في اصل القضية لتلك الروايتين مما يوجب الوثوق بصدورها .
ويرد عليه :
أولاً : إنه إذا كان مبنى الاعتماد على رواية ابن مسكان توافقها في المضمون مع روايتي ابن بكير وأبي عبيدة، فاللازم الاقتصار في ذلك على موارد الاتفاق فيما بينها ، ولا يمكن التعدي عنها الى موارد الاختلاف ، فإن قضية سمرة بنقل ابن بكير عن زرارة لم تتضمن زيادة (على مؤمن ) وان تضمنت أصل حديث (لا ضرر ولا ضرار) كما أنها بنقل أبي عبيدة لم تتضمن اصل الحديث ، فكيف يمكن الالتزام باعتبار رواية ابن مسكان في مورد الاختلاف بينها وبين تلك الروايتين بسبب التوافق بينها في اصل القضية؟ !
وثانياً : إن رواية ابن بكير غير متضمنة لهذه الزيادة، ولا يمكن توجيه عدم تضمنها لها بانه من باب الاختصار ـمع أنه حذف لما يخل بالمعنى حذفه ـ لان الاختصار في مثل ذلك لا يوافق اصول الاختصار المعمولة في باب الروايات كما سياتي توضيحه إن شاء الله تعالى ، وعلى هذا فالقول
(1) معجم الرجال 1 : 87.
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 95 ـ
باعتبار رواية ابن مسكان في هذا الموضع ، مع منافاتها مع مصدر اعتبارها ، وهوخبر ابن بكيرمما لا محصل له ، لأن مرجعه إلى انه إذا كان هناك خبران متعارضان يشتركان في جزء من مضمونهما ، وكان احدهما حجة في نفسه دون الآخر، فإن الثاني يكون حجة في جميع مضمونه بملاحظة اشتراكه مع الاول في جزء من مضمونه ، ثم يتعارضان في نقطة الاختلاف بينهما ، وربما يتقدم الثاني على الاول ـ الذي اكتسب منه الحجية ـ ببعض الوجوه والاعتبارات ، ! وهذا أمر لا ريب في بطلانه.
فتحصل مما تقدم ان رواية ابن مسكان لم يثبت اعتبارها في نفسها لتكون حجة على ثبوت زيادة (على مؤمن ) في آخر الحديث .
وأما الامر الثاني : وهو تقديم هذه الرواية المتضمنة للزيادة ـ على تقدير حجيتها ـ على ما لا يتضمن الزيادة وهي رواية ابن بكير، فربما يحتج له : بان مقتضى الاصل في دوران الامربين الزيادة والنقيصة هو البناء على الزائد والاخذ به واعتبار الخلل في مورد النقص .
وتحقيق الكلام في ذلك يستدعي البحث في مقامين :
المقام الأول : في ثبوت الاصل المذكور وهو بحث مهم جدا ، لانه يتضمن مسألة سيالة كثيرة الدوران في الفقه .
والمقام الثاني : فيما يقتضيه الموقف على تقدير عدم ثبوت هذا الاصل .
أما المقام الأول : فيلاحظ ان مقتضى القاعدة الاولية هو اعمال قواعد المتعارضين من الترجيح أو التساقط ، لان الدليلين هنا من قبيل المتعارضين بالنسبة الى كيفية النقل فيجري فيهما القواعد العامة في باب التعارض وهي تقتضي ملاحظة المزايا في الجانبين فإن اقتضت رجحان احدهما أو أوجبت الوثوق به ـ على القولين في باب التعارض من كفاية الرجحان في الترجيح أو
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 96 ـ
اعتبار الوثوق كما هو المختار ـ أخذ بالجانب الراجح ـ سواءاً كان هو الزيادة أو النقيصة وإلا تساقط الدليلان ولم يمكن الاعتماد على أي منهما .
هذا بحسب الأصل الأولي .
وأما الأصل الثانوي المقتضي لتقديم جانب الزيادة على جانب النقيصة كقاعدة عامة في موارد دوران الامر بينهما ففي حقيقته احتمالان :
الاحتمال الأول : أن يكون صغرى وتطبيقاً للقاعدة العامة للترجيح الصدوري ـ لا أصلأ موضياً يرجح جانب الزيادة مستقلأ عن تلك القاعدة ـ وذلك بان يكون المقصود به التعبير عن وجود مزية نوعية قائمة في طرف الزيادة دائما أو غالبا بحيث توجب أقربية الزيادة الى الصدور من النقيصة ، في فرض عدم رجحان طرف النقيصة في القيمة الاحتمالية للصدور ، وإلأ لم يرجح جانب الزيادة ولم يؤخذ بها .
وبناء ا على تفسير القاعدة المذكورة بهذا الاحتمال فيمكن الاستدلال عليها بوجهين .
الوجه الأول : أن يقال إن احتمال الغفلة في جانب الزيادة أبعد من احتمالها في جانب النقيصة فيلزم الاخذ به ، ولعل وجه الابعدية أن الغفلة ـ بمعنى الذهول ـ إنما تتناسب بحسب طبيعتها لأن تكون سببا لترك شيء ثابت لا لإثبات شيء غيرواقع كما هومشاهد وجدانا.
ويرد عليه :
أولا : بأن الأمر لا يدور بين الغفلتين ، ليرجح احتمال عدم الغفلة في جانب الزيادة على احتمال عدم الغفلة في جانب النقيصة، فإن لكل من الزيادة والنقيصة مناشئ أخرى غير ذلك ، فقد تتحقق الزيادة لاجل النقل بالمعنى على اساس أن الراوي يستفيد قيدا للكلام من القرائن المحتفة به حسب فهمه فيتبعه ولا يثبته غيره لأنه لم يستفده منها، وقد تتحقق النقيصة
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 97 ـ
من جهة الاختصار في النقل ، أو تصور كون القيد توضيحيا لا احترازيا مثلأ، فلا بدّ من ملاحظة مجموع الاحتمالات ودرجة كل احتمال بحد ذاته ثم الحكم على ضوءذلك .
وثانياً : بانه لو فرض دوران الامر بين الغفلتين فإن أبعدية الغفلة في جانب الزيادة لا تقتضي إلآ أرجحية احتمال الغفلة في جانب النقيصة بمعنى الظن بوقوعها ولكن قد حقق في محله انه لا يكفي الرجحان بمعنى الظن في تقديم أحد المتعارضين على الآخر، لعدم الدليل على حجية الظن بالصدور لا تعبدا ولا عقلا، بل العبرة في ذلك بالوثوق باحد الطرفين ، بنحو يوجب انصراف الريبة الحاصلة من العلم الاجمالي بخطأ احدهما الى الطرف الآخر دون هذا الطرف .
الوجه الثاني : أن يقال : إن الزيادة ليس لها تفسير ـ على تقدير صدق الراوي ـ إلآ الغفلة فينفى هذا الاحتمال باصالة عدم الغفلة، وأما النقيصة فيمكن تفسيرها بوجوه أخر، من قبيل الاختصار في النقل أو توهم تساوي وجود الزيادة وعدمها في المعنى وغير ذلك ، ومن هنا يرجح احتمال وقوع النقيصة في الناقص ويبنى على ثبوت الزيادة .
ويرد عليه :
أولاً : أن سبب الزيادة ـ كما تقدم ـ لا ينحصر بالغفلة ، بل قد تكون الزيادة من جهة النقل بالمعنى بعد فهم الزائد من لحن الكلام ومناسبات الحكم والموضوع ، أو بلحاظ ما اعتقده الراوي من القرائن المقامية المحتفة بالكلام او لغير ذلك ، فالنسبة بين مناشئ الزيادة والنقيصة ليست عموما وخصوصاً مطلقأ بان تكون مناشئ الزيادة مناشئ للنقيصة ايضا ولا عكس كما ذكره بعض الاعاظم (1) .
(1) الإمام الخميني (قده ) في الرسائل 26 ـ 27 نحوه .
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 98 ـ
وثانياً : انه لا عبرة بمجرد زيادة المحتملات في احد الجانبين بالنسبة الى الجانب الآخر، بل لا بدّ من ملاحظة درجة الاحتمال في كل واحد منهما على ضوء جهات اخرى من قبيل وحدة الراوي وتعدده أو قرب الاسناد وبعده ، أو اوثقية رواة احد النقلين بالنسبة الى رواة الاخر وهكذا ، فمجرد زيادة المحتملات في جانب النقيصة لا يوجب أرجحية احتمال وقوعها في مقابل احتمال وقوع الزيادة .
وثالثا: لو سلمنا أرجحية احتمال وقوع النقيصة من احتمال وقوع الزيادة إلأ أنه لا يستوجب الاخذ به لعدم حجية الظن في هذا الباب كما تقدم آنفا.
الاحتمال الثاني : في تفسير الاصل المذكور: أن يكون اصلا موضعيأ يرجح جانب الزيادة على النقيصة من جهة الصدور ـ مسمقلا عن القاعدة العامة للترجيح ـ بمعنى لزوم الاخذ بالزيادة والبناء على صحتها بغض النظر عن تكافؤ الاحتمالين أو ارجحية جانب الزيادة أو أرجحية جانب النقيصة ما لم تصل الى درجة الاطمئنان والوثوق ، وإلا كان العمل بالخبر الموثوق به دون الآخر وإن كان متضمنأ للزيادة أو النقيصة .
وقد يستظهر هذا الاحتمال من كلام العلامة شيخ الشريعة (قده ) حيث قال (1) بعد نقل اختلاف الروايات في هذه الزيادة : وبناءً على القاعدة المطردة المسلمة إن الزيادة إذا ثبتت في طريق قدمت على النقيصة ، وحكم بوجودها في الواقع وسقوطها عن رواية من روى بدونها ، وان السقوط إنما وقع نسيانا أو اختصارا أوتوهما بانه لا فرق بين وجودها وعدمها إلاّ التاكيد ، أو غير ذلك من وجوه ما يعتذر به للنقص في قضية شخصية ثبتت في طريق آخر مع
(1) رسالة لا ضرر15 .
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 99 ـ
الزيادة، فينتج ما ذكر أن الثابت في قضية سمرة هو قوله (لا ضرر ولا ضرار على مؤمن ) لا هما مجردين . انتهى .
ولكن يرد عليه ـ على تقدير تمامية الاستظهار المذكور ـ :
أولاً: انه لم يثبت هناك اصل عقلائي في خصوص المقام يقتضي البناء على صحة الزيادة، وإنما العبرة عند العقلاء بقيام القرائن الموجبة للوثوق بأحد الطرفين ، كما في سائر الموارد الأخرى، فمتى حصل الوثوق باحدهما بعد تجميع القرائن في كل واحد منهما بنوا عليه ، سواء أكان هو ثبوت الزيادة أو عدم ثبوتها ، وإلا تساقطا معأ ، ودعوى اطراد تقديم الزيادة في تعارض الطرق ممنوعة جدا ، فهل ترى أن احدأ إذا كان في مقام استلام الف دينار من غيره ، فأمر اثنين بعد المبلغ فعده احدهما ألفا، والآخر ألفا وخمسة وعشرين ، فهل تراه يقدم قول الاول بالبناء على اصالة ثبوت الزيادة ويرجع خمسة وعشرين دينارا الى صاحب المال ؟ !
وثانيا : ان ما ذكره (قدس سره ) من كون ذلك مسلما عند الكل في غير محله ، بل وقع الاختلاف فيه بين العامة والخاصة ، ونقتصر على الاشارة الى اراء بعضهم ، فالمحقق النائيني (قدس سره ) مثلا يرى أن مبنى الاصل المذكور هو ابعدية احتمال الغفلة بالنسبة الى الزيادة عن احتمالها بالنسبة الى النقيصة ، وهذه الأبعدية لا تتم فيما لوكان الراوي للزائد واحدا وللناقص متعددأ (1)، فهذا يدل على أنه (قده ) لا يرى البناء على الزيادة اصلا برأسه ، بل يراه مبنيا على محاسبة الاحتمالات واختلاف درجتها في الجانبين .
والزيلعي من محدثي العامة ذكر في كلام له في نصب الراية (2) ما نصه
(1) لاحظ رسالة لا ضرر تقريرات المحقق النائيني : 192 .
(2) نصب الراية 1 | 336 .
قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 100 ـ
(إن قيل إن الزيادة من الثقة مقبولة ، قلنا ليس ذلك مجمعا عليه بل فيه خلاف مشهور ، فمن الناس من يقبل زيادة الثقة مطلقا ، ومنهم من لا يقبلها والصحيح هو التفصيل : وهوأنها تقبل في موضع دون موضمع فتقبل اذا كان الراوي الذي رواها ثقة حافظأ ثبتأ ، والذي لم يذكرها مثله أو دونه في الوثاقة وتقبل في موضع اخربقرائن تحفها ومن حكم حكما عاما فقد غلط ).
وهكذا اتضح مما تقدم أنه لا وجه لترجيح جانب الزيادة على جانب النقيصة على اساس قاعدة عامة تقتضي ذلك ، سواءاً كانت تطبيقأ للقاعدة العامة للترجيح الصدوري أو اصلا مستقلا برأسه ، وعلى ضوء ذلك فلا يمكن اثبات زيادة (على مؤمن ) في الحديث استنادأ الى هذا الاصل .
هذا تمام الكلام في المقام الأول .
وأما المقام الثاني : وهو فيما يقتضيه الموقف بعد عدم تمامية الاصل المذكور، ففيه وجهان :
الوجه الأول : أن يرجح ثبوت الزيادة في هذه الحالة ايضا بتقريب : أن من لاحظ رواية ابن مسكان المتضمنة لزيادة (على مؤمن )، وقارن بينها وبين روايتي ابن بكير وأبي عبيدة يجد ان سياقها قائم على التفصيل وذكر خصوصيات ما دار بين الرجل الانصاري وبين سمرة ، ثم ما دار بينهما وبين رسول الله صلى الله عليه وآله ، بينما الروايتان الأخريان ليس سياقهما في ذكر تمام الخصوصيات ، فرواية ابن مسكان ليست في مستوى الروايتين اجمالا وتفصيلا حتى يتوقع تضمنهما لما تضمنته ، ليكون عدم تضمنهما لشئ جاء فيها موجبا للتشكيك في ثبوته ، بل إنهاتمثل الصورة التفصيلة للقضية بينما هما يتضمنان الصورة الاجمالية لها فعدم ذكركلمة (على مؤمن ) فيهما لعدم كونهما في هذا السياق .
ويرد عليه : أن للاختصار اصولا وقواعد لا تاتي في جميع الموارد،