لقد بكى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لقتل الحسين في يوم ولادته ، كما بكته السماء بل حتى الجمادات كما جاء في كتب التاريخ ، وبكاء النساء لمقتل حمزة أيضا وتشجيع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لهن وإعانتهن حينما قال : على مثل حمزة فلتبك البواكي ، ولقد أقام عليه أهل المدينة مآتم العزاء فلم نر مستنكرا لذلك فيما وصل إلينا .
والمحاولات التي يبثها المغرضون اليوم حول البكاء على الحسين ما هي إلا إحدى المحاولات لإسكات صوت الحق وإطفاء نور الله ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ، ولو لم يفعل الشيعة ذلك لإحياء ذكرى كربلاء لحاولوا طمسها كما فعلوا بحادثة الغدير ولقالوا لنا اليوم أن الذي قتل لم يكن الحسين بن علي ( ع )، ويكفي فخرا لمجالس الحسين أنها ما فتئت تؤرق مضاجع الطغاة وتلهب في النفوس المؤمنة روح الجهاد ويكفي قراءة خطبة واحدة من خطب الحسين ( ع ) ليسري مفعولها السحري في الأرواح المؤمنة ، لن أستطيع في هذه الوجيزة أن أستعرض كافة جوانب كربلاء ولكن يجب على الأمة ألا تغلق على نفسها مثل هذه الكنوز التي لا يعرفها إلا من هداه الله.
هنالك مسألة مرتبطة بهذا البحث ، كثير من الناس استشكل فيها على الشيعة ، ومن خلال تجربتي الشخصية لم أجد عند أحد دليلا شرعيا يؤيد إشكاله اللهم إلا ما يتناقله ببغاوات الوهابية فيما يرتبط بالتوحيد والشرك الذي هم أبعد الناس فهما له ، والمسألة هي السجود على التربة الحسينية . . . قال لي بعضهم « الشيعة يا أخي يعبدون الحجر ويصلون له » وكثيرا ما سمعت هذه الجملة لذا وجب علي توضيح الأمر حتى لا نصبح كالهمج الرعاع أتباع كل ناعق نميل مع كل ريح .
أولا : إن للسجود صيغتين :
أ ـ السجود للشئ .
ب ـ السجود على الشئ.
أما الأول فهو حالة من حالات الشرك بلا خلاف ، والشيعة تحرم ذلك البتة لأنه سجود لغير الله وهذا لا يحتاج مني إلى كبير عناء فلتراجع فتاوى علماء الشيعة في ذلك ، أما الثانية فالكل يسجد علىشيء ، والسجود لا يتحقق في الأساس إلا علىشيء ، والشيعة يسجدون على التربة وليس للتربة ، ويكون السؤال لماذا التربة الحسينية بالخصوص ؟ وهذا السؤال سنجيب عليه في نقطتين : الأولى فيما يختص بالتربة كما هي والثانية بخصوص التربة الحسينية .
النقطة الأولى :
إن علماء مدرسة أهل البيت ( ع ) ومن أقوال أئمتهم يوجبون أن يكون موضع الجبهة في الصلاة من الأرض أو ما أنبتته الأرض مما لا يؤكل ولا يلبس في الغالب ، أما فقهاء أهل السنة الأربعة فإنهم يجوزون السجود على كلشيء بما في ذلك الأرض، وعلماء الشيعة لهم ما يؤيد قولهم من مصادر أهل السنة نذكر منها : ـ
1 ـ حديث رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) « جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا » ( بخاري ج 1 / 109 ) .
2 ـ وقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « جعلت لي الأرض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا » ( بخاري ج 1 / 371 ، مسلم 1 / 371 ) .
3 ـ وعن أبي سعيد الخدري في حديث جاء فيه : « وكان سقف المسجد من جريد النخل وما نرى في السماء شيئا فجاءت قزعة فأمطرنا فصلى بنا النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتى رأيت الطين والماء على جبهته وأرنبته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) » ( بخاري ج 2 / 386 ) .
وكثير من الأحاديث التي تؤكد على مسألة السجود على التربة.
النقطة الثانية :
لماذا السجود على التربة الحسينية.
أولا : السجود على التربة الحسينية يمثل حالة من حالات السجود على الأرض وإجماع المسلمين على صحة السجود على الأرض وترابها قائم فلا يوجد مبرر لاستثناء تربة الحسين ( ع ) .
بنور فاطمة اهتديت
_169_
ثانيا : إن أئمة أهل البيت ( ع ) كانوا يؤكدون على مسألة السجود على التربة الحسينية والإمام علي بن الحسين ( ع ) أول من سجد عليها وكل أئمة أهل البيت ( ع ) كان يسجدون عليها ويؤكدون على استحباب السجود عليها كما جاء عن الإمام الصادق ( ع ) « إن السجود على تربة أبي عبد الله الحسين يخرق الحجب السبع » ، وتربة الحسين عبارة عن تراب من كربلاء يخلط بالماء ويصب في قوالب ثم يجفف ويوضع في موضع الجبهة للسجود عليه .
ثالثا : هنالك دلالات كبيرة في السجود على تربة سيد الشهداء ( ع ) لا تخفى على الألمعي منها
(1) : ـ
1 ـ
الدلالة العقائدية :
عمر بن سعد غداة يوم عاشوراء صلى بجيشه صلاة الصبح جماعة ثم قتل الصلاة في ظهيرة نفس اليوم بقتله سيد الشهداء ، ونحن بصلاتنا على تربة الحسين نعلن أننا لا نصلي صلاة ميتة مثل صلاة عمر بن سعد وأميره يزيد وأبيه ومن ولاه ، لا نحن نصلي صلاة الحسين وأبيه وجده وهذا ما يكرس مفهوم الولاء لأهل البيت ( ع ) عند شيعتهم ولهذا ركز الأئمة ( ع ) على التذكير بتربة الحسين ( ع ) التي يعني السجود عليها تمام التسليم والخضوع لله بانتهاج نهج أوليائه .
2 ـ
الدلالة التاريخية :
حاول البعض طمس معالم يوم الغدير الذي بويع فيه لعلي ( ع ) بالخلافة ، وعاشوراء كانت في عهد بني أمية وما أدراك ما بنو أمية ، والتربة الحسينية وثيقة تاريخية حية تحمل شواهد الجريمة التي نفذها الحكم الأموي يوم العاشر من محرم ، وإذا كانت الأجهزة الظالمة عبر التاريخ قد مارست أساليب المصادرة لقضية كربلاء ، وما زال امتدادهم إلى يومنا هذا ، فإن الأئمة من أهل البيت ( ع ) رسخوا في وعي الأمة وفي وجدان الأجيال حالة التعاطي والارتباط بقضية الحسين ( ع ) من خلال الإحياء والرثاء والبكاء والزيارة وفي هذا المسار تأتي مسألة التأكيد على التربة الحسينية .
-------------------------------
(1) التشيع ـ السيد عبد الله الغريفي .
بنور فاطمة اهتديت
_170_
3 ـ
الدلالة الجهادية :
التربة الحسينية إحدى صيغ التجذير للوهج الثوري والجهادي في حس الجماهير المسلمة ، وهذا ما تحتاج إليه كل الأمة الإسلامية ، خاصة ونحن نعيش فترة يواجه فيها المد الإسلامي بكل أنواع الحروب ، والتعامل مع هذه التربة ليس تعاملا مع كتلة ترابية جامدة وإنما هو تعامل مع مزيج متحرك من مفاهيم الثورة وقيم الجهاد ومضامين الشهادة ، فمع كل ذرة من ذرات هذه التربة صرخة جهادية ونداء ثوري ومفهوم استشهادي لا يقوى الزمن بكل امتداداته ولا تقوى الأجهزة المتسلطة بكل إمكاناتها أن تجمد تلك الدلالات فالتربة الحسينية عقيدة وجهاد وثورة وحركة واستشهاد .
( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )
( سورة النور : آية / 35 )
من ركام الباطل إلى النور :
من وسط ركام الباطل المظلم أسرعت إلى حيث النور وانكشف الغطاء عن البصر إثر الحجة تلو الأخرى والدليل يضاف إليه دليل والعقل يستنير ولا سبيل إلا أهل البت ( ع ) ، ودخلت دائرة النور والنور لا يرى إلا بنفسه ، وسنا بريق كنوز أهل البيت يخطف الأبصار .
تأسفت لحال من لم يوفقه الله للاهتداء إليهم ، ونظرة عامة إلى منهجهم وكلماتهم وأحوالهم كافية للتدليل على أنهم هم أمناء الله على وحيه المنزل على نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هذه الأمانة العظمى التي لا يمكن أن يتحملها من يعتريه الشيطان بين الفنية والأخرى ولا يؤدي حقها من كان كل الناس أفقه منه ولا يستطيع حفظها من آثر هواه وهوى عشيرته على التمسك بأبسط مفردات الحق .
بنور فاطمة اهتديت
_171_
أهل البت ( ع ) كلماتهم نور لم أسمع بها عند الآخرين ، منهجهم في تربية الأمة وتوجيهها يجعلك تحس بمعنى خلافة الله في الأرض ، لم يشهد التاريخ بأنهم تعلموا على أيدي أحد بل الكل يدعي الرجوع إليهم وما الفقهاء الأربعة إلا نتاج جامعة الإمام الصادق العلمية في المدينة المنورة والتي تخرج منها أيضا جابر بن حيان بعلم الكيمياء الذي أخذه من الإمام الصادق ( ع ) ، ولا يسعني أن أستعرض ولو قطرة من بحار علومهم التي أخذ منها شيعتهم فكان تفوقهم على من سواهم في جميع المجالات ، وموسوعة واحدة من مصادرهم الحديثية تكفي لتلتهم كل ما عند أهل السنة والجماعة من مصادر ، وبحار الأنوار بمجلداته العشرة بعد المائة دلتنا على ذلك وحقا إنه بحار من أنوار العلم .
وقد سعى المفسدون في الأرض إلى تشويه صورة مذهب أهل البيت ( ع ) وحاولوا ممارسة التضليل الإعلامي ، ومن جملة ذلك الطعن في نهج البلاغة الجامع لبعض خطب ورسائل وكلمات أمير المؤمنين ( ع ) وهو هو بمتنه الذي أعجز البلغاء وإن ما جاء فيه كاف لبيان صحة النسبة لأمير المؤمنين وعلى هؤلاء أن يأتونا بخطبة واحدة قالها أحد الخلفاء أو كلمة قصيرة تشبه الخطب الواردة في نهج البلاغة. قيل لأحد الإخوة أن نهج البلاغة وضعه الشريف الرضي فقال لهم إذا هو إمام مفترض الطاعة ،
ولأهل البيت ( ع ) تراث عظيم كان من الممكن أن تستفيد منه الأمة ولكنها أبت إلا نفورا ، وإحدى معاجزهم التي بهرتني ، ذلك المنهج في الدعاء وكيفية التقرب إلى الله تعالى والأدب الرفيع في مخاطبة الرب سبحانه ، والقارئ للصحيفة السجادية وهي صحيفة كلها أدعية للإمام الرابع علي بن الحسين السجاد ( ع ) يتعجب لماذا لم يهتم علماء السنة بهذه الصحيفة هل لأنها واردة عن أحد الأئمة أهل البيت أم ماذا .
أحد الإخوة الذين استبصروا ، كان يميل للوهابية بعد أن عملوا على تزريقه أفكارهم ومعتقداتهم وقبل أن ينغمس معهم تماما من الله عليه بأحد الأصدقاء والذي أعطاه بعض مؤلفات الشيعة ليقرأها ، ولقد سمع من قبل عن الشيعة وحذر منهم ، فطلب مني ومن بعض الإخوة جلسة حوار حول التشيع وما إليه فرحبنا به وجلسنا فدار النقاش حول معتقدات الشيعة وبعد نقاش طويل تنفس قائلا : هذا الكلام حق لا لبس فيه ولكن لماذا يقولون عن الشيعة كل هذه الأقاويل قلت له : كما أن للحق أنصارا يعملون على نصرته. فإن للباطل جنودا وشياطين يوحون إليهم ، ولا يمكن أن يعتمد الباطل لا على باطل .
بنور فاطمة اهتديت
_172_
قال هذا الأخ وعلامات الأسف والتأثر واضحة عليه : لقد قالوا لنا إن الشيعة يخالفون المسلمين في كلشيء حتى الصلاة، كان وقت صلاة المغرب قد حان فقلت : الآن بإمكانك أن تصلي معنا لترى هل صلاتنا تختلف كما يدعون ، توضأنا وصلينا وكان اليوم يوم خميس وبعد الصلاة وكما هو معروف عند الشيعة يستحب قراءة دعاء كميل وهو دعاء علمه أمير المؤمنين علي ( ع ) لأحد أصحابه وهو كميل بن زياد النخعي والشيعة يواظبون على قراءته .
قرأنا ذلك الدعاء وأحسست بانفعال هذا الأخ بالدعاء ، حينها تألمت لهذه الأمة المحرومة من هذه الكنوز التي لم يبخل بها أهل البيت ( ع ) خصوصا فيما يختص بالأدعية التي تجعل الإنسان في عالم آخر وهو يناجي ربه ، بعد الدعاء رأيت الدموع في عينيه وهو يقول بحرقة : خدعونا وقالوا لنا أن الشيعة لا يعرفون الصلاة والله نحن ما عرفنا الصلاة ولم نفهم الصلاة .
فقرات من أدعية أهل البيت ( ع ) :
من دعاء الصباح لأمير المؤمنين ( ع ):
« اللهم يا من دلع لسان الصباح بنطق تبلجه وسرح قطع الليل المظلم بغياهب تلجلجه وأتقن صنع الفلك الدوار في مقادير تبرجه وشعشع ضياء الشمس بنور تأججه ، يا من دل على ذاته بذاته وتنزه عن مجانسة مخلوقاته وجل عن ملاءمة كيفياته ، يا من قرب من خطرات الظنون وبعد عن لحظات العيون وعلم بما كان قبل أن يكون ، يا من أرقدني في مهاد أمنه وأمانه وأيقظني إلى ما منحني من مننه وإحسانه ، وكف أكف السوء عني بيده وسلطانه . . » .
« افتح اللهم لنا مصاريع الصباح بمفاتيح الرحمة والفلاح وألبسني اللهم من أفضل خلع الهداية والصلاح واغرس اللهم بعظمتك في شرب جناني ينابيع الخشوع وأجر اللهم لهيبتك من آماقي زفرات الدموع وأدب اللهم نزق الخرق مني بأزمة القنوع . . . » .
بنور فاطمة اهتديت
_173_
من دعاء يوم عرفة للإمام الحسين (ع) :
الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع ولا لعطائه مانع ولا كصنعه صنع صانع وهو الجواد الواسع فطر أجناس البدائع وأتقن بحكمته الصنائع لا تخفى عليه الطلائع ولا تضيع عنده الودائع جازي كل صانع ورايش كل قانع وراحم كل ضارع ومنزل المنافع والكتاب الجامع بالنور الساطع وهو للدعوات سامع وللكربات دافع وللدرجات رافع وللجبابرة قامع فلا إله غيره ولاشيء يعدله وليس كمثله شئ وهو السميع البصير اللطيف الخبير وهو على كلشيء قدير ، اللهم إني أرغب إليك وأشهد بالربوبية لك مقرا بأنك ربي وأن إليك مردي ابتدأتني بنعمتك قبل أن أكون شيئا مذكورا وخلقتني من التراب ثم أسكنتني الأصلاب آمنا لريب المنون واختلاف الدهور والسنين . . .
« اللهم اجعلني أخشاك كأني أراك وأسعدني بتقواك ولا تشقني بمعصيتك وخر لي في قضائك وبارك لي في قدرك حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت ، اللهم اجعل غناي في نفسي واليقين في قلبي والإخلاص في عملي والنور في بصري والبصيرة في ديني ومتعني بجوارحي واجعل سمعي وبصري الوارثين مني وانصرني على من ظلمني. إلهي كيف أعزم وأنت القاهر وكيف لا أعزم وأنت الآمر إلهي ترددي في الآثار يوجب بعد المزار فاجمعني علك بخدمة توصلني إليك ... كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك عميت عين لا تراك عليها رقيبا وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا . . . » .
بنور فاطمة اهتديت
_174_
مناجاة الشاكرين : للإمام زين العابدين (ع) :
بسم الله الرحمن الرحيم
« إلهي أذهلني عن إقامة شكرك تتابع طولك ، وأعجزني عن إحصاء ثنائك فيض فضلك ، وشغلني عن ذكر محامدك ترادف عوائدك ، وأعياني عن نشر عوارفك توالي أياديك ، وهذا مقام من أعترف بسبوغ النعماء ، وقابلها بالتقصير ، وشهد على نفسه بالإهمال والتضييع ، وأنت الرؤوف الرحيم البر الكريم ، الذي لا يخيب قاصديه ، ولا يطرد عن فنائه آمليه ، بساحتك تحط رحال الراجين ، وبعرصتك تقف آمال المسترفدين ، فلا تقابل آمالنا بالتخييب والايئاس ، ولا تلبسنا سربال القنوط والإبلاس ، إلهي تصاغر عند تعاظم آلائك شكري ، وتضاءل في جنب إكرامك إياي ثنائي ونشري ، جللتني نعمك من أنوار الإيمان حللا ، وضربت علي لطائف برك من العز كللا ، وقلدتني مننك قلائد لا تحل ، وطوقتني أطواقا لا تفل ، فآلاؤك جمة ضعف لساني عن إحصائها ، ونعماؤك كثيرة قصر فهمي عن إدراكها فضلا عن استقصائها ، فكيف لي بتحصيل الشكر ، وشكري إياك يفتقر إلى شكر ، فكلما قلت لك الحمد وجب علي لذلك أن أقول لك الحمد ، إلهي فكما غذيتنا بلطفك وربيتنا بصنعك ، فتمم علينا سوابغ النعم ، وادفع عنا مكاره النقم ، وآتنا من حظوظ الدارين أرفعها وأجلها عاجلا وآجلا ، ولك الحمد على حسن بلائك وسبوغ نعمائك حمدا يوافق رضاك ويمتري العظيم من برك ونداك يا عظيم يا كريم ، برحمتك يا أرحم الراحمين . . .
قبسات من نور آل محمد :
إن الفقه الشيعي هو الشجرة الطيبة الراسخة الجذور المتصلة الأسس بالنبوة ، والذي امتاز بالسعة والشمولية والعمق والدقة والقدرة على مسايرة العصور المختلفة ، والمستجدات المتلاحقة من دون أن يتخطى الحدود المرسومة في الكتاب والسنة ويعتمد الفقه الشيعي إضافة إلى الكتاب والسنة العقل والإجماع الكاشف عن وجود النص أو موافقة المعصوم.
بنور فاطمة اهتديت
_175_
إن الشيعة الإمامية قدمت في ظل هذه الأسس الأربعة فقها يتناسب مع المستجدات ، جامعا لما تحتاج إليه الأمة ، ولم يغلق باب الاجتهاد
(1) عندهم ، بل ظل مفتوحا طيلة القرون الماضية إلى يومنا هذا ، فأنتج عبر العصور فقهاء عظاما ، وموسوعات كبيرة لم يشهد التاريخ لها ولهم مثيلا ، والمقام لا يتسع لبسط الكلام عن الفقه الجعفري كما أن مفهوم الاجتهاد عند الشيعة غير ما هو عند السنة ، فليراجع معالم المدرستين ج 2 .
إلا أن هنالك بعض الاختلافات بين الفقه الجعفري وفقه أهل السنة والجماعة حاول البعض أن يتخذها ذريعة ليرمي التشيع بكل فرية وتشويه ، وأنا لست بصدد بيان كل مواقع الاختلاف ، ولكني سأختار بعض المفردات عند الفقه الشيعي يثير حولها الجاهلون شبهات لاتهام الشيعة ، سأطرحها لأبين رأي الدين فيها ثم أترك للقارئ الحكم .
وقبل ذلك أقول أن الاختلاف ليس في الفروع فقط ، بل هنالك خلافات جوهرية في الأصول العقائدية .. فالحديث عن التوحيد يطول ، يلتقي فيه أهل السنة مع الشيعة ويفترقون ، فالله سبحانه وتعالى في كتب أهل السنة والجماعة والتي بلورها الوهابيون في كتبهم يمشي ويتحرك من مكان إلى آخر وينزل ويصعد ويضحك وله يدان وقدمان وساق . . . الخ حتى أبتعد الناس عن ربهم .
أذكر هنا أن أحد الشباب الذين خدعوا بالوهابية جرى حوار بينه وبين أحد الإخوة وكان محور حديثهما التوحيد وكان هذا الوهابي مصرا على أن لله مكانا وحيزا يوجد في العرش فوق السماوات ، فقال له الأخ : يعني إذا اخترعت صاروخا يسير أسرع من الضوء واتجهت به إلى السماء هل بإمكاني الوصول إلى مكان الله ووجوده هناك ؟
-------------------------------
(1) المكلف إما مجتهد يستنبط الأحكام الشرعية أو محتاط أو مقلد لمرجع مجتهد جامع للشرائط المذكورة في كتب الفقه .